المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الدرس: (1) من الوصايا   ‌ ‌كتاب الوصايا قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٥

[أحمد الخليل]

الفصل: الدرس: (1) من الوصايا   ‌ ‌كتاب الوصايا قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن

الدرس: (1) من الوصايا

‌كتاب الوصايا

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال رحمه الله:

كتاب الوصايا.

الوصايا: جمع وصية.

وهي اسم بمعنى المصدر ويراد بها غالباً الموصى به.

والوصية في الاصطلاح الشرعي: هي التبرع بمال أو تصرف بعد الموت.

وهي مشروعة في الكتاب والسنة والإجماع.

فلم يختلف الفقهاء في مشروعية الوصية.

- أما الكتاب فعدة آيات منها: ـ {من بعد وصية توصون بها أو دين} [النساء/12]. وذكر أحكام الوصية دليل على مشروعيتها.

- وأما من السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده).

- وأما الإجماع فكما قلت: أجمع الفقهاء على مشروعية الوصية. وسيأتينا حكمها.

نريد أن نضيف إضافة تتعلق بالتعريف. التعريف: التبرع لكن الأدق أن نقول الأمر بالتصرف لأن التصرف ليس بتبرع. أو بالتبرع بالمال بعد الموت.

فإذا أمر بأحد هذين الأمرين: إما التصرف أو التبرع فقد أوصى.

والمقصود بالتصرف في التعريف نحو قضاء الدين أو تقسيم التركة أو العناية بالأيتام الصغار ونحو ذلك من التصرفات التي ينيطها الموصي بالموصى إليه.

وسيخصص لها المؤلف رحمه الله باباً.

قال رحمه الله:

يسن لمن ترك خيراً.

أفادنا المؤلف رحمه الله أن الوصية سنة.

والوصية تنقسم إلى قسمين:

ـ القسم الأول: أن يوصي بدين واجب عليه أو بودائع واجبة ليس عليها شهود يؤدون الحق فهذا واجب بالإجماع. وهو خارج محل الخلاف.

ـ القسم الثاني: الوصية بما سوى ذلك: = فذهب الجماهير من علماء المسلمين والصحابة إلى أنها سنة.

واستدلوا على أنها سنة بأدلة من الكتاب والسنة:

- أما من الكتاب فقوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية} [البقرة/180]. وقالوا: المنسوخ في هذه الآية الوجوب دون الاستحباب، كما أن المنسوخ أن تكون لوارث دون الأقرباء غير الوارثين.

ص: 23

- الدليل الثاني: الحديث الذي تقدم معنا: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده). فهذان دليلان على السنية.

- وأما الدليل على عدم الوجوب فهو: - أن غالب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يوصوا.

وعلى هذا جماهير الفقهاء.

= والقول الثاني: أن الوصية للأقرباء غير الوارثين واجبة.

واستدلوا على هذا:

- بأن الآية أمرت بالوصية وعبرت عن ذلك بكتب والمنسوخ في الآية ليس الوجوب وإنما الوصية للوارثين فيبقى ما عداهم على أصل الوجوب.

ورجحوا هذا بأن النسخ لا يصار إليه مع إمكانية الجمع كما درستم في أصول الفقه. لا يمكن أن نصير إلى النسخ مع إمكانية الجمع.

وهنا نستطيع أن نجمع بين النصوص التي فيها الحث على الوصية والأمر بها وبين الآية بأن المنسوخ ما يكون في حق الورثة لاسيما مع قوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث).

والراجح: أن الوصية سنة بلا إشكال ولا تردد وذلك أنه ما كان لنا أن نقول الوصية واجبة وغالب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يوصوا كأنهم تركوا واجباً ومهما قيل من اعتذار عن هذا الدليل فليس بقوي ما دام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سادت الخلق وأتقاهم وأورعهم وأفضلهم وأقربهم وأعرفهم بكتاب الله وسنة رسوله غالبهم لم يوصوا فلا مجال للقول بالوجوب.

ممن رجح القول بالوجوب: ابن عباس وابن جرير الطبري وهما ممن لا تخفى منزلتهما في العلم لكن مع ذلك نقول إن الراجح إن شاء الله مذهب الجماهير من أئمة المسلمين أخذاً بهذا الدليل.

يقول رحمه الله:

يسن لمن ترك خيراً وهو المال الكثير.

ذهب المؤلف رحمه الله إلى أنه لا تسن الوصية إلا لمن ترك مالاً كثيراً وهو مذهب الجماهير.

= والقول الثاني: أن الوصية تسن لمن ترك قليلاً أو كثيراً. يعني: مطلقاً.

وفسروا إن ترك خيراً يعني قالوا: مالاً.

والراجح مذهب الجماهير، وهو أنه تسن لمن ترك خيراً يعني: مالاً كثيراً.

لكن من قال بهذا القول من الفقهاء اختلفوا في حد الكثير. ما هو الكثير؟ على أقوال كثيرة: الراجح منها: أن الكثير هو ما يعتبر كثيراً عرفاً.

ص: 24

فنرجع إلى العرف في تحديد القليل والكثير أن الآية لم تبين ولا في السنة ما يبين حد الكثير من القليل.

وقال ابن قدامة: أن من ترك ما لا يكون معه الورثة أغنياء لا يشرع له الوصية.

يعني: بعبارة أخرى: إن كانت الوصية لن تجعل الورثة أغنياء فإنها لا تشرع: إن تسببت في النقص من هذا.

والراجح أنه إذا كان عنده مال كثير عرفاً فالمشروع أن يوصي.

يقول رحمه الله:

أن يوصي بالخمس.

أفادنا المؤلف رحمه الله بهذه العبارة حكم مسألتين:

ـ المسألة الأولى: أنه يسن وينبغي أن لا يصل الإنسان بالوصية إلى الثلث بل ينبغي ويسن أن ينقص عنها.

وإلى هذا ذهب الجمهور.

= والقول الثاني: أن الوصية ينبغي أن تنقص عن الثلث إذا لم يكن غنياً فإن كان غنياً وصاحب ثروة فلا يشرع أن ينقص عن الثلث.

والراجح مذهب الجمهور لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما استفتى النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتينا في الحديث أمره أن يوصي بالثلث فقال الثلث كثير وسعد من الأغنياء ومع ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقص عن الثلث بقوله: (الثلث والثلث كثير).

إذاً الراجح من حيث الأصل: أنه ينبغي للإنسان أن نقص عن الثلث.

لكن بقينا في: ـ المسألة الثانية: إذا نقص فكم يكون؟

المؤلف رحمه الله وهو المذهب: يرون أنه ينقص إلى الخمس.

فيقول هنا: (أن يوصي بالخمس). استدلوا على هذا:

- بأنه مروي عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما كانا يوصيان بالخمس.

ولكن في أسانيد هذه الآثار شيء من الضعف.

= القول الثاني: الربع. وهو مروي عن بعض الصحابة.

= القول الثالث: العشر. وهو مروي عن بعض الصحابة.

والراجح المذهب: والسبب في الترجيح: أن الشعبي رحمه الله يقول: كانوا يستحبون النقص إلى الخمس. وتقدم معنا مراراً أن كبار التابعين إذا قال كانوا فهم يشيرون إلى الصحابة.

وهذا الأثر يؤيد ويقوي مذهب الحنابلة أنه ينقص إلى الخمس.

ثم قال رحمه الله:

ولا تجوز: بأكثر من الثلث لأجنبي.

لا يجوز للإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث:

وذلك:

ص: 25

- لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه وذكر أن له مالاً كثيراً وليس له إلا ابنة ترثه فأراد أن يوصي فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ....... ((الأذان)).

فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يتصدق بثلثي ماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم:لا. قال رضي الله عنه (( ..... )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم:لا. فقال فالثلث. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الثلث والثلث كثير.

فأخذ الفقهاء من هذا الحديث أنه لا يجوز للإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث.

وسيأتينا الحكم إذا أوصى بأكثر من الثلث ماذا يكون حكم هذه الوصية؟

ثم قال رحمه الله:

ولا لوارث بشيء.

لا يجوز أن يوصي لوارث بشيء من التركة.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث).

هذا الحديث فيه ضعف مع شهرته لكن الاحتجاج به صحيح لأمور:

ـ الأمر الأول: أنه صح أن ابن عباس أفتى به.

ـ الثاني: أن الأمة تلقته بالقبول والعمل على وفقه، وهذا من أقوى ما يشد من أزر الأحاديث الضعيفة.

ولهذا نقول العمل به إن شاء الله صحيح فلا وصية لوارث بنص هذا الحديث.

يقول رحمه الله:

إلاّ بإجازة الورثة.

هذا راجع إلى الأمرين: الوصية بأكثر من الثلث. والوصية لوارث. والسبب:

- أن المنع إنما هو لحق الورثة فإذا أجازوا فقد أسقطوا حقهم وثبتت الوصية سواء كانت بأكثر من الثلث أو لوارث.

فإن أجازوا ملكها وصحت.

هذا والله أعلم ولى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

((انتهى الدرس)).

ص: 26

الدرس: (2) من الوصايا

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

بالأمس توقفنا عند قوله: (ولا لوارث بشيء).

ثم قال رحمه الله:

إلاّ بإجازة الورثة.

يعني: أنه يجوز أن يوصي لوارث أو لأجنبي بأكثر من الثلث وذلك إذا أجاز الورثة.

وعلة الجواز عند إجازة الورثة:

- أن المنع كان لحقهم فإذا أجازوا فلا يوجد مانع من أن يوصي لوارث أو بأكثر من الثلث لأجنبي.

وهذا الحكم لا إشكال فيه.

ثم قال رحمه الله:

لهما بعد الموت.

ص: 27

قوله: (بعد الموت) فيه إشارة إلى أن القبول أو الرد من الورثة لا يعتبر إلا بعد الموت فإن أجازوا أو ردوا قبل الموت فليس بشيء.

وهذا هو مذهب الحنابلة.

والعلة في ذلك:

- أنه قبل الموت لم يثبت لهم حق حتى يجيزوا أو يردوا، فلا عبرة بإجازتهم ولا بردهم، كما أن المرأة لو أسقطت حقها من المهر قبل العقد فإنه لا عبرة بإسقاطها لأن الحق لم يثبت لها.

= القول الثاني: أن إسقاطهم قبل الموت معتبر وصحيح.

- لأن هذا الحق لهم فإذا أسقطوه سقط.

= والقول الثالث: وسط بين القولين: وهو أنهم إن أسقطوه في حياته لكن في مرض الموت وإن أسقطوه في حياته في غير مرض الموت لم يصح ولم يعتبر.

وهذا القول ظاهر القوة وهو اختيار شيخ الإسلام وهو الأقرب إن شاء الله، ففيه الجمع بين القولين، فنقول: لا تصح إلا بعد الموت إلا إن كانت في مرض الموت المخوف.

ثم قال رحمه الله:

فتصح تنفيذاً.

يعني: ولا تعتبر هبة مبتدأة بل تعتبر من التنفيذ.

والسبب في ذلك:

- أن وصية الموصي صحيحة معتبرة إلا أنها متوقفة على إجازة الورثة فإذا أجازوا فقد أنفذوا تلك الوصية الصحيحة الموقوفة على إجازتهم.

وهذا هو مذهب الحنابلة.

ونحن نتكلم الآن عما إذا أوصى لوارث أو بأكثر من الثلث لأجنبي.

= القول الثاني: أنهم إذا أجازوا تعتبر هبة مبتدأة يشترط لها شروط الهبة وتأخذ حكم الهبة.

والراجح مذهب الحنابلة وهو أنها تعتبر إجازة وليست عطية مبتدأة.

ثم قال رحمه الله:

وتكره: وصية فقير وارثه محتاج.

يعني: ويكره أن يوصي إذا كان وارثه محتاج.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس).

- كما أن هذا الحكم ربما يفهم من قوله: (إن ترك خيراً). وتقدم معنا أن الصواب يعني: ترك مالاً كثيراً على اختلافهم في حد المال الكثير.

فإذاً يكره ولا يحرم أن يوصي إذا كان الورثة فقراء.

ثم قال رحمه الله:

وتجوز بالكل: لمن لا وارث له.

ص: 28

يعني: ويجوز أن يوصي الإنسان بجميع ماله إذا لم يكن له ورثه.

استدل الحنابلة على هذا بأمرين:

- الأمر الأول: أن الجواز صح عن ابن مسعود.

- الثاني: أن النهي عن الزيادة عن الثلث إنما هو لحق الورثة وهذا صريح تعليل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه منعه عن الزيادة عن الثلث وعلل ذلك بقوله: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء .. ).

فإذاً المنع لحق الورثة وهنا لا ورثة فجاز أن يوصي بجميع ماله.

= والقول الثاني: أنه لا يجوز أن يزيد عن الثلث ولو لم يكن وارث.

- لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الثلث والثلث كثير) ويكون الباقي لبيت المال.

وهذا القول الثاني ضعيف فيما يبدو لي والأقرب إن شاء القول الأول وهو المذهب.

وذلك لأثر ابن مسعود ولأن التعليل في النص واضح وجلي.

ثم قال رحمه الله:

وإن لم يف الثلث بالوصايا: فالنقص بالقسط.

يعني: وإن أوصى إلى أكثر من شخص ثم مات ووجدنا أن مجموع الوصايا يفوق الثلث الحقيقي للمال فإنه ينقص من نصيب كل واحد منهم بالقسط.

وطريقة التنقيص بالقسط هو أن ننسب الثلث الحقيقي إلى مجموع الوصايا التي أوصى بها ونعطي كل واحد من أصحاب الوصايا بقدر هذه النسبة مما أوصي إليه به.

مثاله/ إذا أوصى بمائة ألف لشخص ولآخر بخمسين ألف ولثالث بخمسين ألف كم مجموع الوصايا؟ مائتي ألف. ثم نظرنا فإذا ماله كله ثلاثمائة ألف فالثلث: مائة ألف. ننسب الثلث الحقيقي وهو في المثال مائة إلى مجموع الوصايا وهو مائتين. والنسبة بين المائة والمائتين كم؟ النصف. فكل واحد من أصحاب الوصايا الثلاث يأخذ نصف ما أوصي له به: فصاحب المائة يأخذ خمسين وصاحب الخمسين يأخذ نصفها.

هذه على طريقة التنقيص بالقسط وهذه الطريقة فيها من العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه من أصحاب الوصايا.

ثم قال رحمه الله:

وإن أوصى لوارث فصار عند الموت غير وارث: صحت والعكس بالعكس.

أفاد المؤلف رحمه الله أن المعتبر في كونه وارثاً أو ليس بوارث هو: عند الموت.

فإذا أوصى لشخص وارث ثم عند الموت أصبح ليس من الوارثين صحت. والعكس: إذا أوصى لشخص لا يرث ثم أصبح عند موت الموصي يرث فإن الوصية تبطل.

الدليل على هذا من وجهين:

ص: 29

- الوجه الأول: الإجماع. فإنهم أجمعوا على أن الاعتبار بحال الموت.

- الثاني: أن حال الموت هو حال الأخذ من الورثة والأوصياء فهو المعتبر.

وهذا المسألة كما قلت لكم محل إجماع.

ثم قال رحمه الله:

ويعتبر قبول الموصى له بعد الموت.

أفادنا المؤلف مسألتين:

ـ المسألة الأولى: أن الموصى به لا يملك للموصى له إلا بقبوله، فإن لم يقبل فلا تدخل في ملكه.

ـ المسألة الثانية: أن هذا القبول المشترط للملك يجب أن يكون بعد الموت.

أما الأولى: فلا إشكال فيها ولا أظن فيها خلاف وهي أنه لا يدخل في ملكه إلا بعد القبول.

وأما الثانية: فعلتها: أنه في حال الموت تنتقل إليه الوصية فحينئذ يصح أن يقبل أو أن يرد.

إذاً: القبول والرد من الموصى إليه لا يعتبر إلا بعد الموت.

ثم قال رحمه الله:

وإن طال لا قبله.

أفادنا المؤلف رحمه الله بقوله: (وإن طال)، أن القبول يصح على التراخي لا على الفور فله أن يقبل بعد الموت مباشرة وله أن ينتظر ثم يقبل بعد ذلك.

وقوله هنا: (لا قبله)، يعني: تصريح بمفهوم قوله (بعد الموت).

ولو أن المؤلف رحمه الله تركها لكانت المسألة واضحة. لأنه يقول: (ويعتبر قبول الموصى له بعد الموت) يعني: لا قبله.

ثم قال رحمه الله:

ويثبت الملك به عقب الموت.

معنى هذا: أنه إذا مات الميت في اليوم الأول من شهر محرم وقد أوصى لزيد بوصية ثم لم يقبل زيد إلا في آخر شهر محرم فإنه إذا قبل تبينا أن الوصية ملك له من بعد الموت مباشرة.

فكل نماء متصل أو منفصل طيلة هذه المدة يكون للموصى له.

الدليل:

- قالوا: الدليل أن الورثة لاحق لهم إلا بعد الوصية بقوله: (من بعد وصية).

فالورثة لا يرثون إلا بعد إيفاء الموصى إليهم حقهم.

فإذاً: إذا قبل تبينا أنه له يعني: الوصية بزيادتها المتصلة والمنفصلة.

= القول الثاني: أنه إذا قبل متراخياً فإن الموصى به لا يدخل في ملكه إلا حين القبول فالنماء المتصل والمنفصل السابق للورثة وإنما تكون له العين الموصى بها من حين القبول فقط.

واستدل هؤلاء:

- بأن القبول سبب في الملك والملك هو الحكم في هذه المسألة والحكم لا يتقدم سببه.

ص: 30

إذاً مرة أخرى: القبول سبب الملك والحكم لا يتقدم سببه يعني لا يمكن أن يوجد الحكم قبل أن يوجد سبب الحكم وهنا لم يوجد سبب الحكم وهو القبول فإذاً لا يوجد الحكم وهو الملك.

وعلى هذا القول تكون العين الموصى بها من الموت إلى القبول ملك للورثة.

= القول الثالث: أنها ليست ملكاً لا للورثة ولا للموصى إليه وإنما تعتبر ما زالت من أملاك الميت فهي من حملة التركة. فالزيادة المتصلة والمنفصلة تكون للتركة والتركة تعلمون فيها الثلث وفيها الإرث وفيها كل شيء.

إذاً التركة إذا زادت أيضاً يزيد تبعاً لها الثلث ويزيد نصيب الورثة ويمكن سداد الديون. المهم التركة هي التي تملك العين قبل قبول الموصى إليه وعبر بعضهم بأنها ملك للميت ومعنى أنها ملك للميت معلوم أنها تكون يعني: للتركة.

ففي المسألة ثلاثة أقوال الذي يظهر لي والله أعلم أن مذهب الحنابلة أرجح لأنه في الحقيقة الموصى إليه تعتبر العين له من حين الوصية إلا أنها معلقة بالقبول كما أن الورثة أبعد عن الموصى به من الموصى إليه لأن الورثه لا يتحقق ملكهم أبداً إلا بعد الوصية بينما الموصى إليه يتحقق ملكه بالقبول فقط.

وعلى كل حال لاشك أن المسألة مشكلة فإنها ليست من المسائل التي يسهل فيها الترجيح لكن مع ذلك يظهر لي والله أعلم أنها تكون ملك للموصى إليه إذا قبل من حين الموت.

ثم قال رحمه الله:

ومن قبلها ثم ردها: لم يصح الرد.

يعني: إذا قبل الوصية ولو لم يقبض الوصية ثم ردها فإن الرد مردود وتعتبر العين في ملكه شاء أو أبى.

التعليل:

- أنه بمجرد القبول استقر ملكه عليها وإذا استقر ملك العين لشخص فإنه لا يمكن أن يرد الملك عن نفسه لهذه العين.

= والقول الثاني: أن الرد إذا كان بعد القبول وقبل القبض صح. وإن كان بعد القبض والقبول لم يصح.

وعلل هؤلاء:

- بأن القبض شرط في الملك.

= القول الثالث: جواز الرد مطلقاً بعد القبول والرد.

عكس مذهب الحنابلة تماماً.

والمسألة كما ظهر لكم مبنية على مسألة أخرى إذا تحررت تلك المسألة تحررت هذه المسألة وهي:

ـ هل يشترط في ملك الوصية القبول مع القبض أو القبول فقط؟

- فإن قلنا القبول فقط فمذهب الحنابلة هو الراجح.

ص: 31

- وإن قلنا القبول مع القبض فالمذهب الثاني هو الراجح.

وبهذا تبين أن المذهب الثالث ضعيف - الذي يقول يجوز الرد مطلقاً حتى بعد القبض فهذا ضعيف جداً ليس لهم فيما أعلم دليل واضح.

الراجح فيما يبدو لي أن الملك يتم بالقبول ولا يشترط القبض. لماذا؟ لأن الشارع اشترط استقرار الملك بالقبض في عقود معينة ليس منها الوصية لاسيما وأن الوصية في حقيقتها نبرع من الموصي إلى الموصى إليه.

فلا يوجد في الأدلة ما يدل على اشتراط القبض ومن اشترط القبض فعليه بالدليل الدال على ذلك.

في الهبة توجد أدلة تدل على أنها لا تلزم إلا بالقبض يعني: لا يستقر الملك إلا بالقبض. توجد أدلة صريحة هنا لا توجد أدلة فلا نستطيع أن نوقف الملك على القبض.

بناءً على هذا الترجيح الراجح مذهب الحنابلة أنه بالقبول لا يمكن الرد.

ثم قال رحمه الله:

ويجوز الرجوع في الوصية.

الرجوع في الوصية ينقسم إلى قسمين:

ـ الرجوع في غير العتق، وهذا جائز بالإجماع، وقد اشتهر عن الصحابة تغيير الوصايا، وتغيير الوصايا رجوع.

ـ القسم الثاني: العتق = فالجماهير ذهبوا إلى أنه يصح الرجوع في العتق أيضاً.

= القول الثاني: أن العتق لا يصح في الرجوع فإذا أوصى بعتق عبده لا يرجع.

- وذلك لأن الشارع متشوف للعتق ولتحرير الرقاب.

والراجح أن الرجوع يجوز مطلقاً وأنه لا يوجد دليل يدل على التفريق بين العتق وغيره والعتق نوع من الصدقة والتبرع بالمال نوع من الصدقة فالراجح إن شاء الله أنه يجوز الرجوع عن جميع أنواع الوصايا.

ومما يدل على قوة هذا القول أن الصحابة المروي عنهم الرجوع كثيراً لم يرو عنهم التفريق بين العتق وغيره من أنواع العبادات والقربات.

فالراجح إن شاء الله جواز الرجوع عن جميع أنواع الوصايا.

ثم قال رحمه الله:

وإن قال: ((إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلَهُ مَا وَصَّيْتُ بِهِ لِعَمْرو)) فقدم في حياته: فله.

هذه الصورة الأولى: إن قال قدم زيد فله ما وصيت به لعمرو ثم قدم قبل وفاة الموصي فالوصية لزيد.

- لأن الشرط تحقق فيه وإذا تحقق في الشرط ملك الوصية.

ثم قال رحمه الله: مصرحاً بمفهوم هذا الكلام.

وبعدها: لعمرو.

يعني: وإن قدم زيد بعد وفاة الموصي فالوصية لعمرو.

والسبب:

ص: 32

- أنه بموت الموصي استقرت لعمرو فقدوم زيد بعد ذلك لا يقدم ولا يؤخر لأنه لم يتحقق الشرط في حقه وهو أن يقدم قبل موت الموصي.

وهذا لا إشكال فيه وهو واضح جداً.

ثم قال رحمه الله:

ويخرج الواجب كله: من دين وحج وغيره من كل ماله بعد موته وإن لم يوص به.

مقصود المؤلف: أن الواجبات الشرعية الواجبة لله أو للآدمي كالحج والزكاة لله والدين لآدمي يجب أن تقضى من رأس المال أوصى أو لم يوص.

واستدلوا على هذا بأمرين:

- الأمر الأول: أن علي بن أبي طالب ذكر أن السنة تقديم الدين على الوصية وإذا كان الميراث مؤخر عن الوصية إجماعاً والدين مقدم على الوصية فصار الترتيب: الدين ثم الوصية ثم الميراث.

- الدليل الثاني: أن هذه من الحقوق الواجبة فتقدم على غيرها.

والآية صريحة: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) صريحة في تقدم الدين على الوصية إلا أن أثر علي أفادنا تقديم الدين على الوصية.

إذاً: قضاء الواجبات يمون من رأس المال سواء كانت واجبات لله أو واجبات لآدمي.

ثم قال رحمه الله:

فإن قال: ((أَدُوْا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثِي)) بدئ به فإن بقي منه شيء: أخذه صاحب التبرع وإلاّ سقط.

في هذه الصورة وهي: إن قال: أدوا الواجب من ثلثي بدئ به: الموصي أمر بأن يبدأ بالثلث في قضاء الدين والواجبات الأخرى.

فحصر القضاء فيه.

والواجب أن نتبع وصية الموصي.

بناء على هذا نبدأ بقضاء الواجبات بتسديد الديون وأروش الجنايات والحج إذا لم يحج ثم إذا انتهينا من تسديد الواجبات نظرنا فإن بقي من الثلث شيء استحقه الموصى له وإلا فلا.

وهذا معنى قوله: (وإلا سقط) وسبب السقوط: أن الواجبات استغرقت الثلث وقد حصر الموصي أداء الواجب في الثلث فوجب أن نصير إلى قوله.

* * مسألة/ فإن حصر قضاء الواجبات في الثلث وقضينا بعض الواجبات وانتهى الثلث ولم تنته الواجبات ولم تقض جميع الواجبات فالواجب: أن نكمل قضاء الواجبات من رأس المال. ولو كان الموصي قال اقضوا ما وجب علي من ثلثي ولو قال هذه العبارة إذا انتهى الثلث قبل أن تنتهي الواجبات فإننا ننتقل إلى رأس المال وذلك للأدلة السابقة لأن قضاء الدين واجب وصى به أو لم يوصِّي.

ص: 33