المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب نكاح الكفار حكمه كنكاح المسلمين - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٥

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب نكاح الكفار حكمه كنكاح المسلمين

ومقصود المؤلف بهذا يعني بعد العقد إذا علمت به بعد العقد أو حدث العيب بعد العقد فإنه ليس للولي أن يجبر المرأة على الفسخ، بل يصبح حقاً خاصاً بالمرأة، والسبب في هذا أن القاعدة المشهورة أن الاستدامة أقوى من الابتداء، هذا من جهة ومن جهة أخرى القاعدة أيضاً أن الولي له حق في الابتداء دون الاستدامة، وهذه المسألة قال عنها الشيخ المرداوي بلا نزاع، فليس للولي إذا رضيت المرأة بعد العقد بحدوث العيب أن يجبرها على الفسخ.

بهذا انتهى هذا الباب ننتقل للباب الذي يليه.

قال المؤلف رحمه الله:

‌باب نكاح الكفار حكمه كنكاح المسلمين

يريد المؤلف أن يبين حكم الأنكحة التي تجري بين الكفار، ووضع الشيخ رحمه الله قاعدة لهذا وهي أن حكم نكاح الكفار كنكاح المسلمين، يعنى أنه صحيح وليس بفاسد، وإذا كان صحيحاً ترتبت عليه الآثار التي تترتب على النكاح الصحيح، فتجب القسمة فيه ويجب المهر ويقع الطلاق والخلع والظهار والإيلاء وإن طلقها ثلاثاً فلا تحل له إلا بعد زوج آخر، تترتب عليه الآثار التي تترتب على النكاح الصحيح، وذلك لأنا حكمنا على أنكحتهم بأنها أنكحة صحيحة، ومقصود المؤلف أن أنكحة الكفار كأنكحة المسلمين ولو كانت بالنسبة لأحكام المسلمين فاسدة، يعني إذا أجرى الكفار نكاح بلا ولي ولا شهود ولا مهر لكنهم يرونه نكاحاً صحيحاً فهو صحيح، والدليل على هذا من وجهين:

الوجه الأول: أن الله تعالى نسب نساء الكفار إليهم، والنسبة تقتضي التصحيح، فقال امرأة فرعون وامرأته حمالة الحطب فنسب المرأة لهذا الكافر وهذه النسبة تقتضي تصحيح العقد.

الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أهل الذمة ومجوس هجر وغيرهم على أنكحتهم، ولم يفتش فيها بل أجراها على الظاهر والصحة، فدل هذا على أن أنكحة الكفار حكمها حكم أنكحة المسلمين يعني من حيث الصحة، وهذا الحكم لا إشكال فيه فعليه عمل الصحابة وعليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم، بناءً على هذا لا يصح أن نفتش عن أنكحتهم فنأتي إلى أهل الذمة ونقول كيف عقدت على زوجتك وننظر فيه فإن كان متوافقاً مع أحكام الشرع أمضيناه وإلا أبطلناه، هذا التصرف تصرف خاطئ مخالف لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ولظاهر القرآن.

ص: 179

قال المؤلف رحمه الله:

(ويقرون على فاسده)

يعني إذا علمنا أن نكاح الكفار فاسد فيقرون على هذا النكاح الفاسد لكن بشرطين:

الشرط الأول: أن يكون نكاحاً صحيحاً في دينهم، والسبب في اشتراط هذا الشرط أنا نقرهم على ما يصحح في دينهم، فإذا لم يصحح في دينهم فلسنا ملزمين بإقرار النكاح الذي يصح في غير ملتهم، بل نحن نقرهم على ما يصح في ملتهم لأن هذا هو مقتضى العقد الذي بيننا وبينهم، فإذا تزوج نصراني نصرانية على غير شريعة النصارى فليس علينا أن نقر هذا النكاح، بل نبطل النكاح ونجري عليه أحكام الإسلام، لابد أن يتزوجها على طريقة النصارى، بعبارة أخرى لابد أن يتزوجها زواجاً يرى النصارى أنه صحيح، وهكذا اليهود والمجوس والوثنيين وكل ملة لها شريعة أو طريقة، فإن كانت الملة ليس لها شريعة وثني أو ملحد ليس له دين ولا شريعة فما الحكم؟ الحكم أن هذه المجموعة من الناس الذين لا يتدينون بأي شريعة سماوية ولا أرضية هذه هي شريعتهم، أنهم لا يتدينون بأي دين فإذا عقد نكاحاً على وفق هذه العقيدة فهو يعتبر نكاح صحيح، ومن هنا نقول إذا ارتد النصراني عن دينه تماماً وأصبح ملحد لا يؤمن بالله ولا بموسى ولا بعيسى ولا بأي نبي ثم أجرى العقد على شريعة النصارى لأنه في محيط نصراني فهنا نجري عقده على أحكام المسلمين ونبطل العقد لماذا؟ لأنه لم يجري العقد على دينه، لأن دينه هو الإلحاد، وهذه قضية يجب أن يتنبه إليها، لأنهم أي الحنابلة يرون أنا نقر الكفار على دينهم إذا أجروه على وفق دينهم.

قال المؤلف رحمه الله:

(إذا اعتقدوا صحته في شرعهم ولم يرتفعوا إلينا)

الشرط الثاني: أن لا يرتفعوا إلينا، يعني ألا يتحاكموا إلينا، والدليل على هذا قوله تعالى {فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً} فدلت الآية على أنا نخضعهم بأحكامنا إذا جاؤونا، وقبل المجيء لا نخضعهم إلى أحكامنا، وهذا صحيح، فالآية نص في اعتبار هذا الشرط إذا تحقق الشرطان فإنه يقرون على أنكحتهم ولو كنا نرى أنها في شرعنا فاسدة.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإن أتونا قبل عقده عقدناه على حكمنا)

ص: 180

إذا أتونا قبل عقده، يعني ارتفعوا إلينا، فإنا نعقد لهم وجوباً على ملة الإسلام، فلا بد من ولي وشهود ومهر وكل شروط وأركان النكاح الصحيح الشرعي لقوله تعالى {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} ، والقسط هو أن يجري العقود على مقتضى الشرع، وهذا الحكم لا إشكال فيه، وهو أنهم إذا ارتفعوا إلينا نحكم على عقودهم بمقتضى الشرع.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن أتونا بعده أو أسلم الزوجان)

إذا أتونا بعد أن أجروا العقد، أو أسلما بعد الدخول وإجراء العقد فإنا نقر النكاح كما هو ولا نخضعه إلى أحكام الشريعة، والسبب في هذا أن خلقاً عظيماً كثيراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخضع عقودهم إلى أحكام الشرع، بل أجراها على ظاهرها واعتبرها صحيحة، وهذا الدليل دليل قطعي معلوم من السيرة بالضرورة أنه صلى الله عليه وسلم لم يخضع أنكحة الذين أسلموا من القبائل والأمم التي دخلت في دين الله لم يخضع عقودهم إلى أحكام الشرع، وهذا أمر إن شاء الله ظاهر متى ارتفعوا إلينا بعد العقد أو أسلما في وقت واحد، وحكى بعضهم الإجماع على هذا الحكم وهو ظاهر إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله:

(والمرأة تباح إذاً أقرا

)

أي أن هذا الحكم الذي ذكرت مشروط بأن تكون المرأة تباح إذاً، يعني تباح حال إقرار العقد، فإذا كان هذا الكافر قد تزوج خالته أو عمته فإنه يجب أن نفرق بينهم، وإذا كان تزوج أخت زوجته يجب أن نفرق بينهم، القاعدة أنه يجب أن نفرق بينهم إذا كان لا يجوز أن يقر عليها، وذكر الحنابلة ضابط مريح في هذه القاعدة، أن كل نكاح لا يجوز ابتداؤه لا يجوز استدامته، فلا يجوز أن يبتدئ نكاح الخالة ولا العمة ولا المرأة على أختها ولا المطلقة ثلاثاً قبل زوج آخر وهكذا، واستدلوا على هذا بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بأن يفرق بين كل من تزوج ذي رحم من المجوس، وهذا إن شاء الله صحيح، فإذا ارتفعوا إلينا أو أسلموا نبقيه إلا إذا كان مما لا يجوز ابتداؤه.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن وطئ حربي حربية

)

ص: 181

مقصود الشيخ هنا ولو كان على سبيل القهر، بشرط أن يعتبر هذا الوطء نكاحاً في دينهم، فإذا اعتبروه نكاحاً يعني أن المرأة تصبح زوجة بمجرد السطو عليها ووطؤها قهراً فإنه يعتبر نكاح ويقر كل من الزوج والزوجة عليه، وفي الحقيقة هذه المسألة داخلة في ضمن المسألة السابقة، إلا أنه نبه عليها لأمرين:

الأمر الأول: أنها تتعلق بالحربي والحربية، ولكن الصواب أن هذا لا يختص بالحربي حتى الكتابي والكتابية وأي ملة إذا اعتبروا هذا نكاحاً فهو نكاح.

الأمر الثاني: نص عليه لألا يتوهم أن إقرار العقود يفتقر إلى إجراء العقد، بل لو كان الوطء عندهم نكاح يكفي، ومع ذلك هو في الحقيقة داخل في الجملة السابقة، فنحن نقول كل نكاح يعتبره الكفار نكاح إذا أسلم عليه أبقيناهم وأقريناهم على هذا النكاح، مهما كان نوعية إجراء العقد عند هذه الملة وتلك الملة، ويبقى الشرط فقط أن يكون مما يجوز استدامته عند المسلمين.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإلا فسخ)

يعني وإن لم يكن نكاحاً في دينهم فسخ، لما تقدم من أنا نقر الكفار على ما يعتبرونه ديناً لهم، أما دين غيرهم فلسنا ملزمين بإقرارهم عليه، بل يجب أن يجرى على وفق الشرع.

قال المؤلف رحمه الله:

(ومتى كان المهر أخذته)

يعني إذا كان المهر في هذه الأنكحة صحيح فإنها تأخذه كاملاً، واستدلوا على ذلك بأن هذا النكاح صحيح والمسمى صحيح فوجب دفعه، لأنه إذا كان النكاح صحيحاً والمسمى صحيح فالنتيجة الطبيعية لهذه المقدمة وجوب دفع هذا المهر.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن كان فاسداً .. )

بين الشيخ حكم المهر إذا كان صحيحاً، ثم أراد أن يبين حكم المهر إذا كان فاسداً، فحكم المهر إذا كان فاسداً ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون المهر الفاسد مقبوض، فإذا كان المهر الفاسد مقبوض، ثم ارتفعوا إلينا فإنا نصحح قبض هذا المهر، ولو كان باطلاً أو سحتاً أو محرماً لا ننظر إلى طبيعة المهر ما دام قبض، والدليل على هذا من وجهين:

ص: 182

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن مهور الكفار بعد إسلامهم، وقطعاً أن بعض المهور لبعض الذين أسلموا كانت فاسدة، فإنه قد يجعل مهرها خمراً أو خنزيراً، ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم إلى مهورهم هذا أولاً.

ثانياً: أن في العادة إذا كان الرجل أصدق امرأته منذ زمن أنها تصرفت فيه، وأعطته إلى غيرها بيعاً أو هبةً أو استئجاراً، وغيرها أعطاه إلى ثالث ومع تطاول المعاملات على الصداق يكون إبطاله فيه عسر ومشقة عظيمين، كما أن فيه صد عن سبيل الله، وفيه تنفير للمسلمين عن الدخول في الإسلام، ولهذا نقول أنه باعتبار هذه العلل مجتمعة يبقى المهر كما كان مادام مقبوضاً.

القسم الثاني: المهر الذي لم يقبض، وكذلك نفس الحكم الذي لم يسمى، ولهذا هنا كلام الشيخ قوله في المتن وإن لم تقبضه ولم يسمى، العبارة في نسخ الزاد هكذا فيما أعلم (ولم يسمى) لكن العبارة الصحيحة (أو لم يسمى) وهذه العبارة وهي عدم التسمية ليست في المقنع إنما أتى بها الشيخ موسى زيادة، لكن في غير المقنع من كتب الحنابلة قال (أو) وهو المقصود يعني إذا (لم تقبضه) أو (لم يسمى)، إذاً نقول القسم الثاني إذا لم تقبضه أو لم يسمى أصلاً فحينئذ لها مهر المثل.

والقول الثاني: أنه إذا لم يسمى فلها مهر المثل بلا إشكال، لكن إذا كان فاسداً فالقول الثاني أنه لها بمقدار قيمة المهر الفاسد، فإذا أهداها آلات طرب أو خنزير أو خمر ننظر إلى قيمة هذا المهر الفاسد ونعطي المرأة بمقدار هذه القيمة، والصحيح أن لها مهر المثل، لأن المهر الذي فيه مال فاسد لا يعتبر مالاً في الشرع ليس له قيمة ولا اعتبار، ولذلك نحن نهدر هذا المهر تماماً، ولا نعتبر فيه لا القيمة ولا غير القيمة.

قال المؤلف رحمه الله:

فصل (وإن أسلم الزوجان معاً)

إذا أسلم الزوجان في وقت واحد بقي النكاح على ما هو عليه بالإجماع، والدليل هو ما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين الذين أسلموا.

ص: 183

والدليل الثاني: الإجماع المحكي ومقصود الحنابلة بقولهم معاً يعني أن يتلفظا بالإسلام في وقت واحد، يقول الزوج والزوجة الشهادتين في وقت واحد، فإن اختلف أو تقدم أحدهما أو تأخر فله حكم آخر سيذكره المؤلف، لكن يشترط لبقاء العقد أن يتلفظا بوقت واحد.

والقول الثاني: أنه لا يشترط أن يتلفظا به في وقت واحد، بل يشترط أن يكون في مجلس واحد، وعلة القول الثاني تقدمت معنا وهي تعليل يشتهر بين الفقهاء وهو قولهم أن حال المجلس حال العقد، يعني أن كل ما يكون في مجلس العقد يعتبر كأنه كان أثناء العقد، وهذا القول الثاني هو الصحيح إن شاء الله، بل القول الأول كما قال ابن القيم وغيره من الأقوال التي يتعذر وقوعها فإنه يتعذر أن ينطق الزوج والزوجة لا إله إلا الله في وقت واحد هذا لا يكاد يقع والشرع لا يعلق بأمور يندر وقوعها.

قال المؤلف رحمه الله:

(أو زوج كتابية بقي نكاحهما)

يعني إذا أسلم زوج الكتابية فإن النكاح يبقى على ما هو عليه لأنه يجوز للمسلم أن ينكح الكتابية، وهذا الحكم محل إجماع يعني عند القائلين بجواز نكاح الكتابية، كما أنه مقتضى النظر لأنه إذا أسلم ما زال يجوز له أن يكون زوجاً لهذه المرأة ما دامت كتابية.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإن أسلمت هي أو أحد الزوجين

)

يقصد بقوله هي: يعني الكتابية سواء كانت مع كتابي أو مع غير كتابي، أما هو يعني لو أسلم الكتابي فتقدم، فإن أسلمت هي أو أحد الزوجين غير الكتابيين قبل الدخول بطل، إذا أسلمت المرأة قبل الدخول بطل النكاح، لأنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج الكافرة، ولا يجوز للكافر أن يتزوج المسلمة، هذا الدليل الأول.

الدليل الثاني: حكي الإجماع.

الدليل الثالث: قوله تعالى {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} لكن الشطر الأول هو الدليل الآن، بناءً على هذا بمجرد إسلام الزوجة قبل الدخول يعتبر العقد مفسوخ، ولا نسميه طلاقاً، وتنتهي علاقة المرأة بالرجل بمجرد إسلام المرأة، كل هذا إذا كان قبل الدخول، سيأتينا تعليق على هذا في المسألة الثانية.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإن سبقته فلا مهر

)

ص: 184

إذا أسلمت هي قبله فلا مهر يعني فليس لها المهر، وعلل الحنابلة هذا بأن الفرقة جاءت من قبلها لأنها هي التي أسلمت، فبإسلامها انفسخ النكاح، والقاعدة أن الفرقة إذا كانت من جهة الزوجة فلا مهر لها.

القول الثاني: أنها لها نصف المهر، والسبب في ذلك أن الفرقة في الحقيقة ليست من قبل الزوجة بل من قبل الزوج، لأنها إنما فعلت ما فرض الله عليها وهو الإسلام، وهو الذي بتركه الإسلام صارت الفرقة، واختار هذا القول أبو بكر من كبار أصحاب الإمام أحمد والمرداوي، ونصروه وقووه وقالوا الخطأ منه لا منها، فلها نصف المهر، وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله بلا إشكال وهو مقتضى النظر والفقه لأنه ليس السبب منها السبب منه هو، لأن الفطرة والأصل الإسلام، فهو خالف الفطرة وترك الإسلام، وأما هي فلم تصنع إلا الرجوع إلى الفطرة، ولا إشكال إن شاء الله أن هذا هو الراجح.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن سبقها فلها نصفه)

يعني إن أسلم هو فلها نصف المهر، والتعليل لأنه السبب منه هو لأنه أسلم، فالحنابلة مطردة عندهم القاعدة الذي يسلم هو السبب.

والقول الثاني: أنه لا شيء لها لأن الفرقة منها حيث تركت الإسلام، نفس المسألة السابقة، لكن الغريب أن أبو بكر في المسألة الأولى قال كما سمعتم، في المسألة الثانية وافق الحنابلة ونص على هذا ولا أعلم ما وجه التفريق، أما المرداوي فاطرد وقال هذه المسألة كتلك المسألة، وكلام المرداوي هو المنطقي والمعقول والمقبول أنه لا فرق بينهما ونعتبر الزوج هو الذي تسبب في الفرقة لأنه ترك الإسلام، يعني في المسألة الثانية، وبناءً على هذا يدفع نصف المهر.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن أسلم أحدهما بعد الدخول

)

إذا أسلم أحدهما بعد الدخول فهي مسألة فيها اضطراب شديد جداً، نحن نلخص الأقوال كما يلي:

ص: 185

القول الأول: أنه يوقف على انقضاء العدة، فإن أسلم الآخر قبل انقضاء العدة عاد إلى الزوج إلى زوجته وإلا فلا، وهذا القول وهو اعتبار الوقت بانقضاء العدة هو مذهب الأئمة الأربعة، إلا أن الأحناف والمالكية عندهم تفصيلات أخرى، لكن من حيث اعتبار العدة اتفق الأئمة الأربعة على اعتبار العدة، والإمام أحمد روي عنه اعتبار العدة من أكثر من طريق حتى بلغ مجموع الذين رووا عنه هذه الفتوى نحو خمسين رجلاً، كأنها من أكثر ما روي عن الإمام أحمد خمسون واحد رووا عن الإمام أحمد أنها تنتظر إلى العدة، فإن أسلم أحدهما وإلا فالفراق، هذا القول يتضمن أمرين:

الأول: أن النكاح يبقى ولا ينقطع.

والثاني: أن حدود النكاح إلى نهاية العدة.

أما الدليل على الأول فأدلة كثيرة منها الأول أن صفوان بن أمية تأخر إسلامه عن زوجته لمدة نحو شهر وردها النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول، وكذلك أبو سفيان تقدم إسلامه على إسلام زوجته هند ومع ذلك ردها النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهم على النكاح الأول، وكذلك عكرمة فإنه أبى الإسلام وخرج إلى اليمن وخرجت زوجه في إثره إلى اليمن وأقنعته بالإسلام وأسلم وأبقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على نكاحهما الأول.

وأما الدليل على مسألة العدة فهو ما رواه شبرمة وهو أحد التابعين أنه قال كان الرجل والمرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا أسلم أحدهما وقف على العدة فإن أسلم الآخر قبلها وإلا انقطع النكاح، هذا الأثر ضعفه الشيخ العلامة الألباني في إرواء الغليل، لكن في الحقيقة الأثر يحتاج إلى جمع طرق، ولأن العلل التي ذكرها الشيخ لم أبحث الأثر بشكل عميق لكني لم أقتنع مع ذلك بالعلل التي ذكرها الشيخ رحمه الله فيحتاج الأمر إلى جمع طرق وتحرير حال شبرمة يحتاج إلى جهد كثير وطويل، لاسيما وأن هذا الأثر في الحقيقة مهم في المسألة جداً، وتضعيفه بأشياء بسيطة مما لا يقبل، على كل حال أنا لا أقول هو صحيح أو ضعيف، لكني أقول أنه يحتاج إلى نظر أعمق من هذا، هذه هي أدلة الجمهور، وهي فيما يتعلق ببقاء النكاح أدلة لا شك فيها، أما فيما يتعلق بتأقيته بالعدة فهي محل نظر.

ص: 186

القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد ونصره ابن المنذر ونصره الخلال وأيضاً تلميذه أبو بكر وأيضاً نصره ابن حزم وعدد من أهل العلم، أنه بمجرد الإسلام تنقطع العلاقة، بمجرد ما يسلم أحدهما تنقطع العلاقة بينهما، واستدلوا على هذا بأن المبطل للنكاح هو اختلاف الدين، ومبطلات النكاح لا تختلف أن تكون قبل الدخول أو بعد الدخول، كما أن قوله تعالى {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} آية مطلقة لم تفرق بين قبل الدخول وبعد الدخول، وقوله {لا هن حل لهم} أيضاً لم تفرق بين قبل الدخول وبعد الدخول، فهم في الحقيقة تمسكوا بالأصل، فقالوا بما أن إسلام أحد الزوجين يفسخ النكاح إذاً يفسخه مباشرة، ولا يوجد هناك مدة يرجع إليها في ذلك، لأن المبطل مبطل مطلقاً.

القول الثالث: وهو قول الشيخ الفقيه النخعي ونصره جداً شيخ الإسلام وابن القيم، وخلاصة هذا القول أنه إذا أسلم أحد الزوجين فالنكاح باقي مطلقاً ودائماً، إلا أنه يكون عقد جائز لا لازم، ومعنى هذا أنها إذا أسلمت المرأة فهي تبقى في عقد الزواج وعلى عصمة الزوج، لكنه بقاء غير ملزم فإن شاءت أن تتزوج فلها ذلك، واستدل هؤلاء بأدلة:

الدليل الأول: وهو من أدلتهم القوية، أنه لا يوجد في كتاب ولا سنة ولا إجماع اعتبار العدة يعني اعتبار مدة العدة والانتظار إلى نهايتها لبقاء النكاح أو فسخه، فتعليق الأمر على العدة تعليق على أمر لم يعتبره الشارع مطلقاً، هذا أولاً.

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على زوجها أبي العاص بعد سنين اختلف فيها، وعلى كل الأقوال هي بعد العدة، لأنه ردها على قول بعد ست سنين، وعلى قول بعد ثمان عشر سنة، وعلى قول بعد أربع سنوات، والحقيقة تحرير هذا لا يعنينا لأنه على كل الأقوال بعد انتهاء العدة.

الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشر إلى اعتبار العدة في الوقائع التي أقر النبي صلى الله عليه وسلم عليها الزواج بعد إسلام أحد الزوجين، يعني حديث عكرمة وسفيان وغيره لم يشر فيها إلى اعتبار العدة.

ص: 187

وهذا القول مع كونه من الأقوال التي ظاهرها القوة إلا أن اثنان من أهل العلم وهم ابن عبد البر وابن قدامة يعتبرون هذا القول شاذ، مخالف لجماعة المسلمين، ما هو الشاذ في هذا القول؟ الشاذ في هذا القول عندهم هو إرجاع الزوجة إلى زوجها بعد انتهاء العدة، هذا المفهوم هو الشذوذ، فإرجاعها بعد العدة لم يقل به أحد إلا النخعي وشيخ الإسلام وابن القيم، واعتبر أيضاً من الشذوذ، وتقدم معنا أن الأئمة الأربعة على اعتبار العدة أي على التأقيت بالعدة.

ص: 188

المسألة هذه في الحقيقة فيها إشكال كبير، وليست من المسائل التي ممكن أن الإنسان يرجح فيها ببساطة، فيه امرأة خرجت من الروم وقت الإمام أحمد وأسلمت، جاء عبد الله بن الإمام أحمد وقال: ههنا امرأة خرجت من الروم وأسلمت فهل ترى لها أن تتزوج فالإمام أحمد قال: اختلف الناس في هذا رحمه الله فذهب بعضهم إلى التأقيت بالعدة، وذهب بعضهم إلى الانتظار مطلقاً، وذهب بعضهم إلى فسخ النكاح، ثم قال الإمام أحمد وأما أنا فأتهيب الجواب فيها. هذا هو وهو يعني من هو رحمه الله يعني من هنا أقول أنه ما يلزم أن في كل مسألة أن الإنسان يرجح ومع ذلك أنا أعطي نقاط، لاشك أن أدلة شيخ الإسلام وابن القيم غاية في القوة والواقع أنه قوية جداً من حيث الدلالة والثبوت، حتى أنها أثبت من أدلة الجمهور، ويؤيدها أثر عن عمر وأثر عن على بإسناد صحيح، فهي أدلة قوية جداً جداً، هذا شيء الشيء الثاني أشار ابن القيم إلى شيء وهو أنه لو لم نقل بتصحيح القول الثالث الذي تبناه هو لكان القول الثاني وهو مذهب ابن حزم وابن المنذر أقوى من مذهب الجمهور لأن القاعدة أن ما يبطل يبطل قبل وبعد الدخول، فأشار إلى هذا المعنى أن القول الثاني أقوى يعني ابن القيم يرى أن القول الذي حكي هو أضعف الأقوال قول الأئمة الأربعة يعتبره أضعف الأقوال، وهذا لا يزيد المسألة إلا إشكال، فإن شاء الله تبقى كما هي وتتوقف على بحث أثر شبرمة وعلى أن الإنسان يستخير فيها مراراً ويسأل الله أن يفتح عليه، ولاسيما وأن المسألة هذه اليوم مسألة مهمة جداً والسبب أنه ولله الحمد الدخول في الإسلام أصبح بأعداد كبيرة جداً، ونسبة الدخول في الإسلام الآن في أوروبا وأمريكا هي أعلى نسبة، ولا تقارنها أي نسبة أصلاً فنسبة الدخول في الإسلام إلى نسبة عدد السكان مرتفعة جداً تصل أحياناً إلى عشرة بالمئة وهي نسبة خيالية تعتبر وتسعة بالمئة وثمانية بالمئة، كل هؤلاء يحتاجون إلى هذه المسألة لأنهم غالباً لا تريد أن تبقى على عصمة زوجها الكافر ويتقدم إلى خطبتها مسلم مباشرة لتثبيتها على الإيمان وترجع إلى مسألتنا هذه.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإلا بان فسخه منذ أسلم الأول)

ص: 189

يعني إذا انتهت العدة ولم يسلم أحدهما تبينا أن العقد مفسوخ من الأول، وعللوا هذا بأن سبب الفسخ هو اختلاف الدين وهو موجود من حين أن أسلم أحدهما، إذاً إذا لم يسلم بعد انتهاء العدة نعتبر العقد مفسوخ من الأول، ويترتب على هذا أنه إذا وطءها في أثناء العدة فإنه يترتب عليه أن يدفع مهر آخر لأن المهر الذي وجب بالعقد دفع، وهذا مهر بسبب الوطء الذي كان بعد الفسخ لأنه تبين معنا أنه بعد الفسخ يفهم من هذا أنه لا يجوز للزوج أثناء التربص أن يطء امرأته، لأنه لم يتبين هل هي زوجة أو ليست بزوجة، كما أنه يفهم من هذا أن من فعل هذا بالإضافة إلى ترتب مهر آخر ينبغي أن يعزر وأن يؤدب لأنه وطء هذه التي ينتظر فيها في حال لا يجوز له أن يطأها.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن كفرا أو أحدهما بعد الدخول

)

إذا كفرا، مقصود الشيخ بكفرا هنا ارتد فالبحث الآن في الردة لأن البحث في الدخول في الإسلام تقدم ولذلك لو أن الشيخ قال إن ارتد كان أوضح لأن المقصود في الحقيقة الكلام على أحكام المرتد فإذا ارتد أحد الزوجين عياذاً بالله نسأل الله العافية والسلامة، فالحكم كالحكم إذا أسلم أحد الزوجين إن ارتد قبل الدخول انفسخ النكاح مباشرة وإن ارتد بعد الدخول فننتظر مضي العدة، فإن انتهت العدة قبل أن يرجع إلى الإسلام تبينا أنه مفسوخ وإن رجعا بقيا على نكاحهما.

ص: 190

وهذه المسألة قلت أنها كالمسألة السابقة لكن عند التأمل تجد أنها من حيث العمل ترجح قول الجمهور، لأنه الآن مثلاً من الأشياء التي انتشرت ترك الصلاة بالكلية، لا يصلي مطلقاً وإذا لم يصلي مطلقاً فإن العلماء اختلفوا فيه على قولين: منهم من يرى أنه مرتداً خارجاً عن الدين، ومنهم ومن يرى لأنه يبقى على الإسلام وإن قتل حداً، فعلى القول بأنه يكون مرتد إذا كان مرتداً فعند شيخ الإسلام وابن القيم يعامل معاملة إذا أسلم أحدهما، هنا يكون فيه إشكال، يعني يترتب على هذا أن نقول للزوجة إذا قالت أن الزوج لا يصلي مطلقاً ماذا نقول؟ تبقين وأنت على الخيار، إلى متى؟ ليس له حد. فتقول إلى متى أبقى مع هذا الزوج الذي لا يصلي؟ ليس له حد وتبقى على هذا على شرط ألا يطأها، فإذا تبينا أنه لم يرجع، ومتى نتبين أنه لم يرجع ربما لا يصلي وربما يقول سأصلي بعد أسبوع تبقى القضية غير منضبطة في الحقيقة مطلقاً، لاسيما في مثال الردة لأن الإسلام وعدمه قد يكون تحديد الزوج لكونه سيسلم أو لا واضح، يعني بعد مضي مدة يقول سأسلم أو سأبقى على ملة الكفر التي أنا عليها، لكن بالنسبة لترك الصلاة دائماً كما هو مشاهد في الواقع تبقى ربما بعض الناس ما يرجع إلى الصلاة إلا بعد ثلاث سنوات، أو بعد خمس سنوات، ولكن بالنسبة للجمهور الأمر مضبوط جداً جداً نقول تبقين معه إلى انتهاء العدة إن صلى فهو زوجك وإن لم يصلي فقد انفسخ النكاح، وفي هذا انضباط كبير جداً وهو مما يرجح قول الجمهور، على أن شيخ الإسلام نص أن الردة كإسلام أحدهما، وأنا أقول أن هذا مما يقوي قول الجمهور، بالإضافة إلى أثر شبرمة إن صح، ومع ذلك في الحقيقة المسألة مشكلة كيف لم يأتي أي شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة يعلق الأمر بالعدة، ولا إشارة من قريب أو بعيد، هذا في الحقيقة غريب ومشكل ومع هذا الأئمة الأربعة لا يختلفون في اعتبار العدة، فلا بد أن أثر شبرمة هذا له أصل إن شاء الله، وهو الذي عليه اعتمد الأئمة في تحديد الأمر في النكاح.

إلى هنا نتوقف على باب الصداق.

هذا والله أعلم وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

- ((انتهى الدرس))

ص: 191