المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الدرس: (1) من الإيلاء   قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٥

[أحمد الخليل]

الفصل: الدرس: (1) من الإيلاء   قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس: (1) من الإيلاء

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

‌كتاب الإيلاء

الإيلاء لغة / الحلف وقال بعضهم الإيلاء في لغة العرب لا يطلق على أيّ حلف وإنما على الحلف الذي يمتنع به الإنسان عن وطء الزوجة فيكون في اللغة معناه قريب من معناه في الشرع.

وأما التعريف الاصطلاحي / فقد ذكره المؤلف يقول رحمه الله (وهو حلف زوج بالله تعالى ، أو صفته على ترك وطء زوجته في قبله أكثر من أربعة أشهر) ذكر المؤلف في هذه العبارة تعريف الإيلاء وشروط الإيلاء.

فتعريف الإيلاء هو حلف الزوج بالله أو بصفته على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، وسيأتينا الوقوف علىكل مفردة من مفردات هذا التعريف أثناء كلام المؤلف.

والإيلاء والظهار كانا عند الجاهليين طلاق ثم نسخ هذا في الإسلام كما تقدم معنا من كلام شيخ الإسلام عند الحديث عن مسألة:" أنت عليّ حرام ".

حكم الإيلاء/

الإيلاء محرم لوجهين: -

الأول: القياس على الظهار وسيأتينا أنّ النصوص الصريحة دلت على تحريم الظهار.

الثاني: أنه حلف على ترك واجب ، والحلف على ترك واجب محرم.

قال المؤلف رحمه الله:

(هو حلف زوج بالله)

أفادنا المؤلف أنّ الإيلاء هو حلف الزوج لقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} [البقرة/226] فحلف غير الزوج لا يعتبر إيلاء، فحلف السيد مثلاً لا يعتبر إيلاء يعني إذا حلف على أمته ، إنما الذي يعتبر في الشرع هو الزوج فقط.

وقوله (حلف) يعني أنّ الامتناع بغير حلف ليس إيلاء وسينص المؤلف في آخر مسألة من الإيلاء على مفهوم هذه العبارة.

قال المؤلف رحمه الله:

(بالله تعالى أوصفته)

لا يكون الإيلاء إيلاء إلاّ إذا حلف بالله أو بصفة من صفاته ، أو باسم من أسمائه ، خرج من هذا العموم ما لو حلف بالطلاق أو بالنذر أو بالعتاق ، فإنه لا يسمى إيلاء، واستدل الحنابلة على هذا بأمرين:

الأمر الأول: قراءة ابن عباس (للذين يؤلون) قرأها (للذين يقسمون) والقسم لا يكون إلاّ بالله أو بصفة من صفاته.

ص: 413

الدليل الثاني: أنّ الإيلاء عند الإطلاق في الشرع واللغة ينصرف إلى الحلف بالله أو بصفة من صفاته ، فإذا حلف بغيرهما لم يكن إيلاء.

القول الثاني: أنّ الحلف بغير الله كالحلف بالطلاق والنذر والعتاق وغيرهما يعتبر إيلاء ، واستدلوا أيضاً بدليلين:

الأول: وهو غريب عجيب أثر أيضاً عن ابن عباس كما تلك قراءة عن عباس هذا أثر عن ابن عباس وهو أنه قال كل منع من الجماع فهو إيلاء.

الدليل الثاني: من المعنى وهو أنّ الشارع إنما حرم الإيلاء لما فيه من الإضرار بامتناع الزوج بالحلف عن وطء الزوجة وهذا المعنى موجود إذا حلف بالطلاق أو بالنذر أو العتاق ، وهذا القول الثاني اختيار شيخ الإسلام وهو القول الراجح وفي الحقيقة اختيار الحنابلة في هذه المسألة ضعيف وسبب الضعف:

أولاً: لأنه يخالف صريح فتوى ابن عباس.

وثانياً: أنه يفتح باب للتلاعب لأنه إذا علم الزوج أنه لن يلزم بحكم الإيلاء إذا حلف بغير اليمين والقسم فإنه يحلف بغير اليمين وبهذا يتحقق الإضرار بالزوجة ولا يتحقق المقصود الشرعي من مشروعية الإيلاء.

قال المؤلف رحمه الله:

(على ترك وطء زوجته في قبلها)

يشترط أن يحلف على ترك الوطء في القبل ، أما لو حلف على ترك الوطء في الدبر أو ترك الاستمتاع بأيّ مكان من زوجته فإنه لا يعتبر إيلاء ، وعلل الحنابلة هذا بأنّ الضرر الذي أراد الشارع رفعه إنما هو فيما إذا حلف على ترك القبل دون غيره من الاستمتاعات.

وهذا صحيح ، بل الحلف على ترك وطء الدبر هذا أمر طيّب ، فليس من الإيلاء بحال من الأحوال.

إذا الخلاصة / أن يشترط على ترك وطء القبل

قال المؤلف رحمه الله:

(أكثر من أربعة أشهر)

يشترط ليكون الحلف إيلاء أن يقسم على ترك وطئها أكثر من أربعة أشهر، علمنا من عبارة المؤلف أنه لو أقسم على أربعة أشهر أو أقل فإنه لا يعتبر إيلاء وهذا مذهب الجمهور. واستدل الجمهور بالآية فإنّ الآية جعلت مدة الإيلاء أربعة أشهر ، ولو كان الإنسان يصح إيلاءه لمدة أربعة أشهر لكان الإيلاء ينتهي قبل ذلك. وهذا معلوم أنه لا يكون.

ص: 414

القول الثاني: أنه إذا حلف على ترك وطء زوجته أربعة أشهر يعتبر مولياً ، وهؤلاء يتمسكون بالظاهر وهذا الظاهر هو أنّ هذا الزوج حلف على ترك وطء زوجته والإيلاء هو الحلف على ترك وطء الزوجة ، فلما وجد منه صح أنه إيلاء ، وهذا مذهب الأحناف وهو مذهب ضعيف جداً لأنه مخالف لظاهر الآية ولهذا لم يوافق مالك وأحمد والشافعي أبا حنيفة على هذا القول ، والراجح مذهب الحنابلة، علمنا من هذا القول أنه إذا حلف على ترك وطء زوجته أقل من أربعة أشهر فإنه بالإجماع لا يعتبر من الإيلاء وهذا دليل على الأحناف.

قال المؤلف رحمه الله:

(ويصح من: كافر ، وقن ، وغضبان ، وسكران ، ومريض مرجو برؤه)

المؤلف يريد أن يبيّن من هو الزوج الذي يصح منه الإيلاء والزوج الذي لا يصح منه الإيلاء الزوج الذي يصح منه الإيلاء ضبطه الحنابلة بضابط يسير جداً وواضح ، فقالوا كل من صح طلاقه صح إيلاءه والمسائل التي أشار إليها المؤلف إنما أشار إليها لوقوع الخلاف فيها ، وإلاّ لكفى أن يذكر هذا الضابط العام ، وغير المؤلف من الحنابلة ذكر هذا الضابط وهو أحسن لو أنّ المؤلف ذكره لكان أحسن إنما المؤلف نص على مسائل فيها خلاف ليبيّن أنّ ما عداها كل من صح طلاقه صح إيلاءه.

قوله (ويصح من كافر) يعني إذا آلى الكافر من زوجته وترافعوا إلينا فإنّا نلزمه بحكم الإيلاء لماذا؟ لأنّ الكافر يصح طلاقه فيصح إيلاءه.

قوله (وقن) يعني لو أنّ العبد حلف أن لا يطأ زوجته فهو مولي وتضرب له المدة ويأخذ بأحكام الإيلاء والدليل على هذا أنّ القِنّ يدخل في عموم الآية العبد يدخل في عموم الآية.

قال المؤلف رحمه الله:

(ومميز وغضبان وسكران)

تقدم معنا في كتاب الطلاق الخلاف في طلاق المميز والسكران والغضبان فعلى القول بأنّ طلاقهم يقع إيلائهم أيضاً يقع ، وعلى القول بأنّ طلاقهم لا يقع ، لا يقع منهم الإيلاء ، فالخلاف في الطلاق يأتي معنا هنا.

ص: 415

قوله (ومريض مرجو برؤه) يعني المريض الذي لا يستطيع الآن أن يجامع لو أقسم على أن لا يجامع فهو إيلاء وعلل الحنابلة هذا بأنّ هذا الزوج يستطيع أن يجامع لولا العارض وهذا العارض سيزول ، ولهذا قالوا مرجو برؤه فإذا المريض الذي يرجى برؤه إذا أقسم على ترك وطء زوجته بسبب غضب أو غيره فإنّا نضرب عليه المدة ونعتبره مولياً.

قال المؤلف رحمه الله:

(وممن لم يدخل بها)

الإيلاء من المسائل التي لاتفترق فيها المدخول عليها أو بها عن التي لم يدخل بها ، فإذا قال الزوج قبل الدخول والله لا أطأ زوجتي يقصد في قبلها فإنه مولي وإن كان لم يدخل إلى الآن ، وعللوا هذا بأنه داخل في الآية وأيضاً هو زوج وكل زوج أقسم على ترك وطء زوجته فهو مولي.

القول الثاني: أنه إذا آلى ممن لم يدخل بها ، فإنه لا يعتبر من الإيلاء لأنه لم يدخل بها إلى الآن ولم يطأ ولم تسلم إليه الزوجة ، والراجح المذهب؟ لماذا؟ لأنه يصح طلاقها ولأنّ قضية الدخول وعدمه لا أثر له في الامتناع من الوطء كما ذكرتم أحسنتم أنّ طلاقه صحيح فإيلاءه صحيح.

قال المؤلف رحمه الله:

(لا من مجنون ، ومغمى عليه)

المجنون والمغمى عليه لا يصح منهما الإيلاء لأنه القلم مرفوع عنهما ، فإذا هذى بالإيلاء وأقسم فلا عبرة بكلامه ولا يصح منه ، لأنه مرفوع عنهما القلم وليسوا بمكلفين.

قال المؤلف رحمه الله:

(وعاجز عن وطء لجب كامل أو شلل)

يعني إذا كان الزوج أقسم أن لا يطأ زوجته ولكنه مجبوب أو مشلول فإنّ هذا القسم لا يعتبر إيلاء ، وإن أقسم على ترك وطء زوجته قاصداً، وعلل الحنابلة هذا بأنّ المانع من الوطء ليس اليمين وإنما المرض أو العلة أو الجب أو الشلل فإذا كان المانع ليس الإيلاء ليس اليمين والقسم فليس بإيلاء في الشرع وهذا صحيح لأنّ المانع الآن ليس القسم حتى نرتبّ عليه أحكام الإيلاء.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإذا قال: والله لا وطئتك أبداً ، أو عيّن مدة تزيد على أربعة ، أو حتى ينزل عيسى ، أو يخرج الدجال)

ص: 416

فإذا قال والله لا وطئتك أبداً وعيّن مدة تزيد على أربعة أشهر ........ الخ فهو مول ، والسبب في هذا أنه أقسم على ترك وطء زوجته مدة تزيد على أربعة أشهر ، ولكن الشيخ كما هي عادته المؤلف رحمه الله أجاد وأحسن بذكر هذه الأمثلة ليدلنا على قاعدة وهذه القاعدة أو الضابط تقول [كل من أقسم على مدة يغلب على الظن أنها تزيد على الأربعة أشهر فهو مولٍ وإن لم يذكر العدد] وهذا ضابط مفيد فعيسى عليه السلام وخروج الدجال لن يكون بغلبة الظن إلاّ بعد مضي أربعة أشهر، وهذا يقاس على ما ذكره كل ما ينطبق عليه الضابط وهو أن يحلف على شيء يغلب على الظن أنه يستغرق مدة تزيد على أربعة أشهر.

قال المؤلف رحمه الله:

(أو حتى تشربي الخمر)

إذا قال والله لا أطأك حتى تشربي الخمر فهو مول ، لماذا؟ وهذا جنس آخر من اليمين مول لأنه علقّ أو منع نفسه من الوطء حتى تفعل المحرم والمحرم معدوم شرعاً فيقاس على المعدوم حساً فكأنه علقّ الوطء على أمر لا يمكن أن يوجد حساً لأنّ المعدوم شرعا كالمعدوم حساً، ولأنه لو فتح هذا الباب لأمكن للإنسان أن يُجَرِأ زوجته على المعاصي باستخدام الإيلاء ، والشرع لا يأتي بمثل هذا.

قال المؤلف رحمه الله:

(أو تسقطي دينك أو تهبي مالك ، ونحوه فمول)

أيضاً في هذه الصور يعتبر مول لماذا؟ لأنه حلف عليها بما يؤدي إلى أخذ المال ظلماً ، وأخذ المال ظلماً محرم ، وإذا كان محرماً رجعنا إلى قاعدة الخمر وهو أنّ تعليق الأمر على فعل محرم يجعله معدوماً حساً. فيصبح مولياً وهذا صحيح فمسألة أخذ المال وشرب الخمر مسألة واحدة. والضابط لهذه المسائل ما هو؟ أن يعلق الوطء على تحقق أمر محرم فإذا الأمثلة الأولى لها ضابط والأمثلة الثانية لها ضابط مستقل.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإذا مضى أربعة أشهر من يمينه ولو قناً)

أفادنا المؤلف أنه إذا أقسم هذا القسم فهو مول ، وإذا كان مول فإنّا نضرب له المدة ونبدأ بحساب المدة من حين أقسم وفي هذه العبارة مسائل:

ص: 417

المسألة الأولى: أنّ ابتداء المدة لا يحتاج إلى ضرب ولا إلى حكم حاكم بل نبدأ باحتساب المدة من حين يقسم ولا نحتاج إلى ضرب مدة وهو بهذا يشبه العدة. بخلاف العنين فإنّ العنين يجب أن يضرب المدة من؟ الحاكم كما تقدم معنا.

المسألة الثانية: أنّ قاعدة مدة الإيلاء أن يحسب عليه عذره دون عذرها ، فإذا سافر أو أحرم أو مرض فإنّا نحسب المدة عليه ، لأنّ هذا الزوج هو السبب في الامتناع فلم يراعيه الشارع بإيقاف المدة حال عذره. وبالمقابل لا نحسب على الزوج عذرها ، فإذا أحرمت أو نشزت أو سافرت أو مرضت مرضاً لا يمكن معه الوطء فإنّا لا نحسب عليه هذه المدة لأنه لا يد له في هذه المدة.

ويستثنى من هذا الحيض فإنّ الحيض يحسب عليه ، وإن كان عذراً لها إلاّ أنه يحسب عليه لماذا؟ لأنّا لو حسبنا الحيض لا يمكن أن تنتهي مدة الإيلاء ، لأنه في كل شهر حيض أليس كذلك؟ معناه أنّ الأشهر لن تنتهي أبداً لأنه في كل شهر إيلاء في كل شهر حيض وبهذا لن ننتهي. * النفاس هل يحسب عليه أو لا يحسب؟ الحنابلة لم يستثنوا إلاّ الحيض ونصوا على أنّ النفاس يحسب عليه لأنه أمر عارض ليس كالحيض ، الخلاصة: أنّ أعذاره كلها تحسب عليه وأعذارها كلها لا تحسب إلاّ الحيض.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولو قناً)

يعني أربعة أشهر لا تنصف بالرق ، واستدلوا على هذا بعموم الآية.

ص: 418

والرواية الثانية عن الإمام أحمد أنّ العبد تنصف له المدة فتكون مدة الإيلاء بالنسبة له شهرين فقط هذه الرواية نقلها أبو طالب وأفادنا جزاه الله خيراً. أنّ الإمام أحمد رجع إليها وهنا علمنا أيّ الروايتين الأولى وأيّ الروايتين الثانية. السبب في رجوع الإمام أحمد لاحظ تعليل الإمام أحمد قال الإمام أحمد وجدنا أنّ كل التابعين على هذا إلاّ الزهري ، يعني على تنصيف مدة الإيلاء بالنسبة للعبد إلاّ الزهري فأخذ بإجماع التابعين لأنه لم يخالف إلاّ من؟ الزهري. كما أنّ غير الزهري ولعل هذا ملحظ من ملاحظ الإمام أحمد غير الزهري قد يكون أفقه من الزهري فإذا لم يخالف إلاّ الزهري وبقية الفقهاء الكبار كلهم على التنصيف لاشك أنّ هذا يستدعي من الإنسان الوقوف عند هذا الأمر والرجوع إليه ، كما أنّ هذا قد يكون من التابعين بناء على فتاوى تلقوها من الصحابة.

الأمر الثاني: قياس التنصيفات الأخرى كعدد الطلاق ، وإقامة الحدود، فكأنّ الشارع ينصف على العبد ما يتعلق بالمدد والأعداد وهذا القول الذي رجع إليه الإمام أحمد هو الصحيح إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإن وطئ ولو بتغييب حشفة)

أفادنا المؤلف أنّ أدنى ما يكفي في فيئة ، أن يغيّب الحشفة فإن وطئ دون ذلك فلم يرجع إلى الآن ، ويعتبر مازال مولياً ، أما إن وطئها بتغييب الحشفة فإنه يعتبر رجع عن الإيلاء.

قال المؤلف رحمه الله:

(فقد فاء)

أفادنا المؤلف أنّ الفيئة هي الوطء. وهذا محل إجماع حكاه ابن المنذر وغيره من أهل العلم أنّ الفيئة هي الوطء يعني أنه لا يعتبر فاء لا بالكلام ولا بأيّ عمل سوى الوطء ، فإذا وطئ اعتبرناه فاء ورجع.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإلاّ أمر بالطلاق)

أفادنا الشيخ رحمه الله أنه لا يقع الطلاق بمجرد انتهاء مدة الإيلاء، بل يأمره الحاكم بأحد أمرين لا ثالث لهما:

ص: 419

إما أن يرجع والرجوع هو الوطء ، أو أن يطلق ، ولا يقع الطلاق بمجرد الإيلاء أو بمجرد انتهاء المدة ، وإلى هذا ذهب الجماهير وهو أنه لا تكون انتهاء المدة بمجردها طلاق وأفادنا المؤلف أنّ الزوج إذا لم يفء فليس أمامه إلاّ الطلاق ولم يبيّن الشيخ رحمه الله هذا الطلاق طلاق بائن أو رجعي. اختلف الفقهاء في هذا الطلاق هل طلاق بائن أو رجعي على أقوال:

القول الأول: أنه طلاق رجعي، لأنه طلاق زوجته والأصل في الطلاق قبل استيفاء العدد أنه رجعي، فلما قيل لهم إذا يطلق ويرجع ولا تنتهي معاناة المرأة ، فأجابوا عن هذا أنه إذا طلق ورجع فإنّا نضرب عليه المدة من جديد.

القول الثاني: أنه طلاق بائن، وعللوا هذا أنّ هذا الطلاق طلاق يقصد منه رفع الضرر عن الزوجة ولا يكون هذا مع تمكين الزوج للرجوع. ولهذا حكموا عليه بأنه طلاق بائن.

أيٌّ القولين أرجح؟ الواقع أنّّ الراجح قول ثالث وهو أنّ الطلاق كما قلت رجعي لكن بشرط أن يطأ بمجرد ما يراجع ، فإن لم يرضى بهذا الشرط فإنه لا يراجع وهذا اختيار شيخ الإسلام وجيّد جداً أنّ الشيخ ماذا صنع؟ جمع بين القولين بطريقة فقهية متقنة جداً وهذا القول لم يتفرد به الشيخ لكنه نصره وقواه وقال تكون رجعية لأنه الأصل ولكن بشرط ماذا؟ أن يطأ بمجرد ما يراجع ولا تضرب له مدة واستدل على هذا بالآية. قال تعالى:{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} [البقرة/228] والزوج الذي يؤلي من زوجته ثم يراجعها بغير نية الوطء فقد راجعها ولم يرد الإصلاح فلا تصح هذه الرجعة وهذا قول قوي جداً.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإن أبى طلق حاكم عليه واحدة أو ثلاثاً أو فسخ)

أفادنا المؤلف أنّ الحاكم يملك الطلاق إذا أبى أن يطلق ولا يرجع ، أيّ الزوج وإلى هذا ذهب الجماهير وهو أنّ الحاكم يملك الطلاق.

واستدلوا على هذا بالقاعدة المشهورة وهو أنّ كل واجب امتنع عنه صاحبه قام الحاكم مقامه في أدائه ولولا ذلك لتعطلت حقوق الناس.

ص: 420

القول الثاني: أنّ الحاكم لا يملك أن يطلق بل عليه أن يحبس المولي وأن يؤدبه ويعّزره إلى أن يطلق المولي بنفسه واستدلوا على هذا بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) وأنّ النصوص كلها تدل على أنّ الطلاق حق من حقوق الزوج، والراجح المذهب ، والجواب عن هذه الأدلة أنّ هذه الأدلة تحمل على حال السعة والاختيار دون حال الضرورة ودفع الضرر.

أفادنا المؤلف أنّ الحاكم يملك أن يطلق واحدة أو ثلاث أو يفسخ ، واستدل الحنابلة على هذا بأنه لما قام مقام المولي ملك ما يملك المولي والمولي يملك أن يطلق واحدة أو اثنتين أو أن يفسخ.

القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد أنّ الحاكم لا يملك إلاّ واحدة رجعية فقط، واستدل على هذا أصحاب هذا القول بأنّ المقصود دفع الضرر وهو حاصل بإيقاع الواحدة فلا يملك أكثر من ذلك وهذا القول رواية عن أحمد ونصرها أيضاً شيخ الإسلام وهي الصواب فالحاكم لا يملك إلاّ واحدة رجعية لأنّ الضرر يزول بهذا لاسيما على اختيار شيخ الإسلام أنه لا يملك المراجعة إلاّ مع إلزامه بالوطء.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن وطئ في الدبر أو دون الفرج فما فاء)

إذا وطئ في الدبر أو فيما دون الفرج فإنه لا يعتبر فاء ، لأنّ الضرر لم يزل بهذا الوطء والمقصود بالفيئة والرجوع أن يطأ وطأًً يزول معه الضرر.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن ادعى بقاء المدة أو أنه وطئها وهي ثيّب صدق مع يمينه)

ادعى بقاء المدة فإنه يصدق مع يمينه بلا إشكال لماذا؟ لأنها ترجع إلى مسألة أخرى لأنه لا يعرف بداية اليمين إلاّ من قبله وانتهاء المدة مبني على بداية اليمين وبداية اليمين هو أعلم بها ، ولهذا تقبل منه هذه الدعوى.

المسألة الثانية: إذا ادعى أنه وطئها وهي ثيّب فإنه أيضا يقبل مع يمينه والسبب في هذا أنّ هذا الأمر لا يعلم إلاّ من جهته فإذا ادعى أنه وطئها فإنه يقبل قوله لكن مع يمينه.

القول الثاني: أنه في مسألة ادعاء الوطء أنه لا يقبل وإنما يلزم بإحضار بيّنة والصواب مع الحنابلة.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن كانت بكراً وادعت البكارة وشهد بذلك امرأة عدل صدقت)

ص: 421

إذا ادعت أنها بكر فإنه لا يقبل قوله بالوطء لأنه لو وطئها لم تكن بكراً لكن كما قال المؤلف يجب أن تحضر بيّنة على أنها بكراً فإذا أحضرت لاشك أنه تبيّن لنا أنّ كلامه ليس بصحيح.

القول الثاني: أنّ القول قوله ولو ادعت البكارة لأنّ البكارة ربما رجعت وهذا ذكره الفقهاء المتقدمون فكيف لو علموا بعمليات إرجاع البكارة المعاصرة لكان البكارة ليست دليل على شيء مطلقاً لكن على كل حال الطب الحديث يعرف هل هذه المرأة بكارتها أصلية أو رجعت.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن ترك وطأها إضراراً بها بلا يمين ولا عذر فمول)

ذكرت في أول الفصل وهو قوله وهو حلف ، أنه إذا ترك بغير الحلف امتنع بقصد الإضرار بلا حلف فليس بإيلاء عند الحنابلة.

والقول الثاني: أنه إيلاء لأنّ المقصود من شرع الإيلاء هو رفع الضرر الواقع على المرأة بترك الوطء وهذا يستوي فيه ما إذا تركها بقصد الإضرار مع الحلف أو بدون الحلف وهذا القول الثاني اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو الراجح.

مسألة أخيرة: إذا تركها بغير حلف وبغير قصد الإضرار وإنما تركها لم يطأ ففيها خلاف ، أما الحنابلة فمن باب أولى أنه ليس يإيلاء.

وعلى القول الثاني: اختلفوا أيضاً منهم من قال إيلاء ومنهم من قال ليس بإيلاء ، والصحيح إن شاء الله أنّ ترك الوطء مع اليمين أو مع قصد الإضرار بلا يمين ، أو بلا يمين ولا قصد إضرار أنه يعتبر من الإيلاء ونضرب عليه المدة لأنّ الشارع الحكيم إنما شرع هذه الأحكام لدفع الضرر عن المرأة والضرر يقع عليها بترك الوطء في الأحوال الثلاثة فنضرب عليه المدة ونعامله معاملة المولي.

وبهذا انتهى كتاب الإيلاء ولله الحمد.

ص: 422