المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الدرس: (10) من النكاح   قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم، - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٥

[أحمد الخليل]

الفصل: الدرس: (10) من النكاح   قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم،

الدرس: (10) من النكاح

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

(باب الصداق)

الصداق تعريفه هو: العوض الذي يعطى للمرأة مقابل للنكاح ونحوه، والمقصود بنحوه أي وطء الشبهة والنكاح الفاسد.

والصداق في النكاح مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم}

وأما السنة: فسيأتينا منها عدد كبير، ومن ذلك أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه أصدق امرأة تزوجها بنواة من ذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" أولم ولو بشاة" فهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم له على الدخول على المرأة بالصداق.

أخيراً الإجماع: والإجماع حكاه غير واحد، إذاً الصداق ذكرنا تعريفه، وأخذنا أنه مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.

قال المؤلف رحمه الله:

(يسن تخفيفه)

ذهب الفقهاء إلى أن السنة في المهر التخفيف، وأن تخفيف المهر أحب إلى الله.

واستدلوا على هذا بنصوص:

النص الأول: حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أكثر النساء بركة أقلهن مؤنه" هذا الحديث إسناده ضعيف لا يثبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن في الحقيقة معناه صحيح، يدل على معناه الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتينا، والآثار المروية عن الصحابة وقواعد الشرع العامة.

الدليل الثاني: حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خير النساء أيسرهن مهراً"، وهذا الحديث صححه المتأخرون.

ص: 192

الدليل الثالث: الأثر المروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا تغلوا صداق النساء فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صداق نسائه ولا بناته عن اثنتي عشرة أوقيه) وهذا الأثر ثابت إن شاء الله عن أمير المؤمنين عمر. كما ترى الآثار واضحة جداً، وإذاً نصتصحب هذا الأصل أثناء دراسة مسائل الصداق، وهو أن الأحب للشارع أن يكون يسيراً قليلاً.

مسألة: فإن زاد الإنسان في المهر زيادة كثيرة مع القدرة فهو جائز بلا كراهة بشرط أن يخلو من سبب إضافي يدل على الكراهة، كالمباهاة والمنافسة الجاهلية في مقدار الصداق، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو الصحيح إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله:

(يسن تخفيفه وتسميته في العقد)

أفادنا المؤلف رحمه الله بهذه العبارة مسألتين:

الأولى: أن تسمية النكاح يعني ذكر مقدار المهر في أثناء العقد أنه سنة.

والدليل على هذا من وجهين:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمي المهر.

الثاني: أن تسمية المهر أثناء العقد أقطع للنزاع.

المسألة الثانية التي أفادها كلام المؤلف هو: جواز عدم تسمية المهر في العقد لأن تسمية وذكر المهر سنة إذاً يجوز ألا يذكر.

والدليل على هذا قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} ، فإن مفهوم الآية أنه: يجوز أن يطلق قبل أن يفرض لها فريضة، يعني قبل أن يسمي ويذكر المهر في العقد.

الدليل الثاني: ما أخرجه أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً ولم يذكر مهراً، فيجوز أن الإنسان يعقد العقد ولا يذكر المهر مطلقاً، ويؤجل الكلام عن المهر إلى ما بعد الدخول ولا حرج في هذا بدلالة القرآن والسنة.

قال المؤلف رحمه الله:

(وتسميته في العقد من أربعمائة درهم إلى خمسمائة درهم)

يعني ويسن أن يتراوح المهر بين الأربعمائة والخمسمائة درهم.

الدليل على هذا أن صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة، وصداق نسائه خمسمائة درهم صلى الله عليه وسلم.

ص: 193

أما الدليل على صداق البنات رضي الله عنهن وأرضاهن فهو أثر عمر السابق فإنه قال وأخبر أن صداق النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه وبناته هذا المقدار وهو اثنتي عشرة أوقية والأوقية أربعين درهم.

والدليل الثاني أن علي بن أبي طالب لما عقد على فاطمة رضي الله عنها وأرضاها أراد أن يدخل عليها فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أعطها شيئاً فقال: لا أملك شيئاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين درعك رضي الله عنه وأرضاه فأعطاه الدرع، درع من حديد وقدره في بعض الروايات بأنها بأربعمائة درهم، هذه الرواية لم أقف على إسنادها التي فيها التقدير أن الدرع قيمته أربعمائة درهم لم أقف على إسنادها، لكن مع أثر عمر ربما يقبل أنه هذا المقدار، أما أن صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ثابت من حديث عائشة قالت:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصدق نسائه اثنتا عشرة أوقية ونشاً قيل: ما النش؟ قالت: النش نصف أوقية" وكما قلت الأوقية أربعون درهم يكون المجموع خمسمائة درهم.

من الظاهر أن بين أثر عمر وحديث عائشة شيء من الاختلاف، لأن عمر يخبر أنها اثني عشر أوقية، وعائشة تخبر أنها اثنتي عشرة أوقية ونصف، والجواب عن هذا الاختلاف من وجهين:

الأول: أن يكون الصواب مع عائشة ويكون ما ذكره عمر رضي الله عنه مخالف للواقع، وسبب الترجيح أن حديث عائشة صحيح وهي أخبر بصداق نسائه من عمر.

الجواب الثاني: وهو الصحيح أو وهو إن شاء الله الأقرب أن عمر أراد أن يخبر على سبيل الإجمال، ولم يرد أن يحدد بدقة وإنما أراد أن يخبر إخباراً مجملاً، وإلا فهو يعرف مقدار الصداق، وهذا الجواب الثاني أحسن إن شاء الله، إذاً عرفنا الآن ما هو مستند الحنابلة في تحرير المهر بين هذين المقدارين.

قال المؤلف رحمه الله:

(وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً)

أفادنا المؤلف رحمه الله أيضاً مسألتين:

ص: 194

المسألة الأولى: أن المهر يجوز مهما كان قليلاً أو كان كثيراً، بعبارة أخرى لا حد لأقله ولا لأكثره، أما أنه لا حد لأكثره فهذا محل إجماع أنه لا حد لأكثره ويدل عليه ظاهر الآية:{وآتيتم إحداهن قنطاراً} واختلف المفسرون في معنى القنطار، ولكن على جميع الأقوال هو المال الكثير فالاستدلال بالآية صحيح.

الثاني: أنه لا يوجد في النصوص ما يدل على تحديد أكثر المهر.

المسألة الثانية: أقله، لا حد لأقله عند الجمهور، واستدل الجمهور على هذا بإطلاق الآية {أن تبتغوا بأموالكم} ، والمال يصدق على الكثير وعلى القليل.

والقول الثاني للأحناف: أنه لا يجوز أن يقل المهر عن ما تقطع به يد السارق، واستدلوا بحديث وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا مهر دون عشرة دراهم"، وهذا الحديث لا أصل له يعني أقل من أن نقول ضعيف، ليس في كتب السنة، والغالب أن العلماء إذا قالوا لا أصل له يعني أنه لم يرو بإسناد.

والراجح إن شاء الله مذهب الجمهور وهو أن المهر لا حد لأقله.

قال المؤلف رحمه الله:

(وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً)

هذه هي المسألة الثانية: كل ما صح ثمناً صح مهراً.

والدليل على هذا: أن المهر عوض البضع، فكل ما جاز أن يكون عوضاً في البيع والأجرة يعني في الإجارة صح أن يكون مهراً، وسيذكر المؤلف مجموعة من الأشياء التي تستثنى لكن الأصل أن كل ما صح ثمناً للمبيع أو أجرة في الإجارة، فإنه يصح أن يكون مهراً.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن أصدقها تعليم القرآن .. )

ص: 195

قوله وإن أصدقها تعليم القرآن أفادنا المؤلف بهذه العبارة بل بالتي قبلها، يعني هو مستفاد من عموم العبارة السابقة، أنه يجوز أن يكون المهر قليلاً وكثيراً، حالاً ومؤجلاً، حالاً وفي الذمة، وعيناً، لأنه يقول:(كل ما صح أجرة أو ثمن صح مهراً)، وهذه الأشياء تصح، وأيضاً يجوز أن يكون منفعة، ويجوز أن يكون عيناً، وهذا الذي أقوله اتفق عليه الأئمة الأربعة في الجملة، وهو أنه يجوز مهما كان نوعه وجنسه وتأجيله وحلوله إلى آخره، إلا أن الأحناف خالفوا في المنفعة، فلم يرو أن المنفعة يصح أن تكون مهراً، واستدل الأحناف على عدم تصحيح المنفعة مهراً في أن الله سبحانه وتعالى اشترط أن يكون المهر من المال والمنفعة ليست مالاً.

واستدل الجمهور الذين يرون جواز أن تكون المنفعة مهراً بأدلة:

الأول: أن المنفعة وإن لم تكن مالاً فهي بمعنى المال ولذلك يعاوض عنها بالمال.

الدليل الثاني قوله تعالى: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثمان حجج} ، والإجارة للرعي منفعة وليست مالاً.

لهذا نقول الراجح إن شاء الله: جواز جعل المنفعة مهراً، يستثنى من هذا مسألة واحدة فقط أشار إليها شيخ الإسلام رحمه الله، وهي أنه لا يجوز أن تكون المنفعة خدمة خاصة للزوجة، يعني أن يكون المهر هو منفعة خدمة الزوجة، واستدل على هذا بأمرين:

الأمر الأول: أن في هذا إهانة وامتهاناً للزوج.

الثاني: وهو من وجهة نظري الأهم أن في هذا تعارض الحقوق، بأن العقد يقتضي أن تخدم الزوجة الزوج، وهذا المهر يقتضي العكس، وما ذكره الشيخ وجيه وصحيح، فإذاً يجوز أن تكون المنفعة أي نوع من الأنواع، إلا خدمة الزوجة، فلها أن تقول مهري أن تقوم بإدارة المزارع الخاصة بي، أو المنازل الخاصة بي، أو بتأجير البيوت التابعة لي، ونحو هذه، أو بمتابعة المعاملات الخاصة بي، إلا أنه يجب أن تكون المنفعة محددة ومعلومة.

ص: 196

نرجع، يقول الشيخ رحمه الله تعالى:(وإن أصدقها تعليم قرآن لم يصح)، لا يصح عند الحنابلة أن يكون العوض هو تعليم القرآن، والتعليل ظاهر لما تقدم معنا في كتاب البيوع، أنه لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ونحن نقول أن كل ما صح عوضاً في الأجرة والبيع صح مهراً، وهذا لا يصح عوضاً في الأجرة، فلا يصح مهراً في الحقيقة، مسألة تعليم القرآن داخلة في عموم عبارته السابقة، يعني لو لم يذكرها لأمكن طالب العلم أن يعرفها من خلال القاعدة، لأنه لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن عند الحنابلة إنما نص عليه الشيخ لأن فيها نصاً من السنة، ولقوة الخلاف فيها، إذاً عرفنا الآن مذهب الحنابلة أنه لا يجوز أن يكون تعليم القرآن مهراً.

واستدلوا على هذا بأنه ليس مما يجوز أخذ الأجرة عليه.

الدليل الثاني: أن تعليم القرآن ليس مالاً.

القول الثاني: أنه يجوز أن يكون تعليم القرآن مهراً، واستدل الحنابلة على هذا بحديث الواهبة، فإن الواهبة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم لما لم يرد أن ينكحها أنكحها رجلاً، ولم يكن مع الرجل أي نوع من الأموال النقدية، لا الحاضرة ولا الغائبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" هل معك شيء من القرآن؟ فقال: نعم، فقال: أنكحتكها بما معك من القرآن، أو زوجتكها بما معك من القرآن".

فالباء في هذا الحديث باء المعاوضة فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل عوض البضع تعليم القرآن، وهو نص في المسألة.

ص: 197

الدليل الثاني: أن تعليم القرآن منفعة معلومة محددة، فجاز أن تكون مهراً، واشترط القائلون بالجواز معرفة مقدار ما سيعلم الرجل المرأة، وهل التعليم هو التحفيظ؟ أو التعليم هو حسن القراءة؟ فلا بد أن يبين هذا بالتمام حتى نخرج من الجهالة إلى العلم، إذاً يجوز أن يكون تعليم القرآن عند هؤلاء مهراً، والصحيح هو هذا إن شاء الله، ولا يستطيع أن يخرج الإنسان عن مقتضى هذا الحديث، وما أجاب به الحنابلة عن الحديث ضعيف جداً وهو أنهم قالوا: مقصود النبي صلى الله عليه وسلم زوجتكها بما معك من القرآن أي نظراً لقدرك ورفعتك بحفظ القرآن، وهذا كلام فيه تكلف ظاهر جداً، ثم إنه يجعل العقد بلا مهر، ونحن تقدم معنا أن خلو العقد من المهر يفسد النكاح.

الخلاصة أن الراجح إن شاء الله: هو هذا أنه يجوز أن يكون تعليم القرآن مهراً للمرأة.

قال المؤلف رحمه الله:

(بل فقه وأدب وشعر .. )

ص: 198

يعني بل يجوز أن يكون تعليم الفقه والأدب والشعر المباح مهراً، وتعليل ذلك أن هذا التعليم تعليم معلوم، ومنفعة محددة، فجاز أن تكون مهراً، والشيخ هنا يقول رحمه الله:(بل فقه وأدب وشعر مباح معلوم) فذكر الفقه والأدب والشعر المباح، هل في كلام الشيخ إشكال؟ الإشكال الذي ظهر لي أنه كيف يقول الشيخ بل فقه وغيره من الحنابلة يقولون بل فقه وحديث إلى آخره، مع العلم أنهم قرروا في كتاب البيع أنه لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الفقه والحديث، نصوا على هذا أليس كذلك؟ الجواب عن هذا أن يقال: أن قوله بل فقه يعني على القول بجواز أخذ الأجرة هذا حتى نحمل كلام المؤلف على محمل حسن، وإلا في الحقيقة ينبغي أن لا يذكر الفقه باعتبار أنه قرر فيما سبق أنه لا يجوز أن تؤخذ الأجرة على تعليم الفقه، وهنا نقول على القول بجواز تعليم الفقه والحديث، ينبغي أيضاً أن يحدد، الفقه طويل ومتشعب والحديث كذلك والتفسير والنحو، ينبغي أن يحدد ما هو الشيء الذي سيكون محل التعليم، وإذا حدد الشيء كأن يقول تعليم كتاب الصلاة مثلاً، إذا حدد الكتاب ينبغي أن يحدد ما هو التعليم المقصود، هل تقصد أنه يفهم أو يحفظ؟ ثم إذا حدد ينبغي أن يحدد إذا افترضنا أن التعليم هو الفهم يعني أن يشرح له إلى أن يفهم، ينبغي أن يحدد مدى الشرح المتعلق بالفهم، يعني كأن يقول المهر هو شرح كتاب الصلاة إلى أن تفهم الزوجة كتاب الصلاة على ألا يتجاوز مدة الشرح شهر مثلاً، لأنه قد يكون المتعلم ذكي، وقد يكون غبي، وقد يكون بطيء الفهم، وقد يكون سريع الفهم، فإذا كان المهر هو التعليم والتفهيم، ربما يجلسون ثلاث أربع سنوات ما فهم الكتاب، فإلى أي حد يكون العمل، ومن الناس من يفهم من أول مرة ومنهم من يفهم من ثاني مرة ومنهم من يفهم من ثالث مرة ومنهم من لا يفهم أبداً، فإذاً لا بد من وضع حد معين للفهم، وهذا كله نصوا عليه الحنابلة وهو حقيقي، ولذلك إذا كان في منطقة من المناطق اعتادوا أن يكون المهر هو التعليم بسبب جودتهم وكثرة الدين فيهم ورغبتهم في الخير ينبغي تحديد هذا الشيء، حتى لا يكون مثار اختلاف.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن أصدقها طلاق ضرتها .. )

ص: 199

وإن أصدقها طلاق ضرتها لم يصح، لا يجوز أن يكون المهر طلاق الضرة الأخرى، لأمرين:

الأمر الأول: أن طلاق المرأة الأخرى ليس بمال، والله تعالى شرط في المهر أن يكون مالاً.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسأل المرأة طلاق أختها"، فهذا النوع من المهر محرم.

القول الثاني: أنه يجوز أن يجعل طلاق الضرة مهراً، لأن للزوجة الجديدة منفعة واضحة، وهي خلو الزوج عن مشارك، وهذا القول الثاني كما ترون ضعيف جداً لأنه مصادم للنص، والقول إذا صادم النص لا عبرة به، ولو ظهر للإنسان أن ما ذكره أصحابه من تعليل وجيه، فهو قول ضعيف مصادم للنص، كيف ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر فيجعله بعض الناس مهراً هذه مضادة للشرع.

قال المؤلف رحمه الله:

(وله مهر مثلها)

له مهر مثلها: يعني إذا لم نصحح هذا المهر فللمرأة مهر المثل، واستدلوا على هذا بأن المهر إذا لم يصح فإنا نرجع إلى مهر المثل، وهي قاعدة الحنابلة وغيرهم من الفقهاء كما سيأتينا في المسألة اللاحقة.

القول الثاني: أن لها مهر ضرتها، يعني نعطيها بمقدار مهر الضرة، وهذا القول اختاره شيخ الإسلام، لأن هذا المهر أقرب إلى المهر المسمى، وهذا القول هو الراجح، لاحظ الآن سيأتينا مسائل أخرى تشبه هذه المسألة، لاحظ الآن أنا رجحنا القول الذي فيه مهر المثل أو الأقرب للمسمى، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وسيأتينا أن هذا لو وضع قاعدة لكان مفيداً سيأتينا الآن في المسألة اللاحقة.

قال المؤلف رحمه الله:

(ومتى بطل المسمى وجب مهر المثل)

إذا بطل المسمى وجب مهر المثل عند الجماهير.

استدلوا على هذا بأن البضع لا يستباح إلا بعوض، فإذا بطل العوض رجعنا إلى بدله، وأقرب الأبدال مهر المثل، والمهر يبطل لعدة أسباب: إما أن يكون المهر محرماً، كأن يصدقها خمراً أو خنزيراً، أو يبطل لكونه مجهولاً، أو لا يبطل وإنما لم يسمى.

هذه قاعدة الحنابلة، والحقيقة أن في المسألة تفصيل آخر وهو كالتالي:

ص: 200

أن نقول إذا كان المهر لم يسمى، فالواجب بدله مهر المثل، والدليل على هذا حديث صحيح وهو أن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه سئل عن رجل عقد على امرأة ثم مات فأفتى رضي الله عنه وأرضاه بأن لها مهر مثلها، ثم قام أحد الصحابة وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بمثل ما حكم به ابن مسعود، قال الراوي: فلما علم ابن مسعود بموافقته النبي صلى الله عليه وسلم فرح فرحاً لم يفرح مثله في الإسلام، عبارة ضخمة جداً يعني كأنه بعد إسلامه لم يفرح بشيء كفرحه بموافقته لفتوى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الحديث أخذ بعض أهل العلم أن من ضوابط معرفة الإنسان لفهمه أن يوافق قول المحققين، وهذا الصحيح، فإذا كان الإنسان فهمه وإدراكه وفهمه للنصوص يوافق فهم المحققين وعلى رأسهم الصحابة فهذا دليل على صحة فهمه وجودة ذهنه، وإن كان العكس فالعكس، وليس المقصود أن يكون الترجيح واحد، لكن الفهم واحد أما الترجيح فيختلف فيه الناس، فهذا الحديث نص في أنه إذا لم يسمى المهر فلها مهر المثل.

القسم الثاني: أن يكون المهر باطلاً، لكونه محرماً كالمغصوب والخنزير والخمر وما شابه ذلك، فهذا الحنابلة أيضاً يرون أن لها مهر المثل.

والقول الثاني: أنه في هذا النوع للزوجة مثل المغصوب أو قيمته، فإذا غصب سيارة وأصدقها للمرأة ثم تبين أنها مغصوبة فالمهر عند الحنابلة مهر المثل، والمهر على القول الثاني أن يأتي بسيارة مثل هذه السيارة المغصوبة.

والقول الثالث: أنه إن كان خمراً فتعطى بمقداره خلاً، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد وهو في الحقيقة لا يختلف عن القول الثاني نفس الشيء.

ص: 201

على كل حال الراجح إن شاء الله القول الثاني وهو أن يأتي بمثل المغصوب أو بقيمته، إذا كان المهر مغصوباً يأتي بمثله أو قيمته، لكن إذا كان المهر خمراً كيف يأتي بمثله؟ خل هذا الذي أشارت إليه الرواية الثالثة، لكن الإشكال الآن أن بين قيمة الخمر وقيمة الخل فرق كبير، وهي مثلاً امرأة نصرانية لا تعرف أحكام الإسلام وأصدقها خمراً باهض الثمن رضيت به مهراً، ثم تبين أنه في الشرع لا يجوز، فقال: آتي لك بدله وهو الخل، الخل أرخص بكثير من الخمر، وقد يكون الفرق بينهما كبير، ولهذا نقول إن القول الثاني أرجح لأنه أضبط، تأتي ببدله، فإن لم تتمكن لعدم وجوده أو للمانع الشرعي فتأتي بالقيمة، فنقول كم قيمة هذا الخمر ويكون هو الصداق. وهذا القول في الحقيقة فيه عدل كبير جداً، متوافق مع الشرع وفيه طمأنينة في استباح البضع، لأنها إنما رضيت بهذا القدر من المهر، وكما تعلمون قد يكون بين المهرين بون شاسع جداً، فإذا أصدقها سيارة جديدة تقدر بمائة ألف ريال وصداق مثلها عشرة آلاف ريال بين المهرين تسعين ألف ريال، فدخل عليها ضرر على مذهب الحنابلة لو قلنا لها مهر المثل، أما على هذا القول الذي ذكره شيخ الإسلام ففيه عدل، وإن شاء الله أنه أقرب لقواعد الشرع.

فصل

وإن أصدقها ألف إن كان أبوها حياً وألفين إن كان ميتاً وجب مهر المثل، قوله وجب مهر المثل يعني فسد المهر المسمى ووجب مهر المثل، هذا مقصود المؤلف، يعني فسد المهر المسمى ووجب مهر المثل والحنابلة يرون أن هذا المهر فاسداً لأنه مجهول، فإنا لا نعلم هل الأب ميت أو حي، وأخذنا أنه لا يصح أن يكون المهر مجهولاً ويجب إذا كان مجهولاً مهر المثل، فإن كان حال الأب معلوماً يعرف هل هو ميت أو حي فإنه أيضاً لا يصح أن يكون مهراً لأن تعليق المهر على موت الأب أو حياته لا ضرر فيه صحيح لا للزوجة ولا للزوج، ولا يجوز تعليق المهر على أمر ليس فيه غرض صحيح.

ص: 202

القول الثاني: أنه يصح تعليق المهر على هذا الأمر لأنه قد يكون فيه غرض صحيح للزوج وفيه غرض صحيح للزوجة، أما غرض الزوجة فواضح فهي إذا قالت إن كان الأب ميتاً فلي ألفين وإن كان الأب حياً فلي ألف غرضها صحيح، لأنه بموت أبيها تكون حاجتها أكبر، وبحياته تكون حاجتها أقل، وهذا يجعل الأمر متناسباً مع مقدار المهر، وقد يكون هو أيضاً له غرض صحيح بأن يكون لا يحب أباها أو يستثقل أباها فإن كان الأب ميتاً فهي كالبشارة له ويعطيها ألفين، وإن كان حياً نقص، بالنسبة للقول الثاني وجيه في الحقيقة لاسيما إذا كان الغرض لها لكنه ليس من المروءة تعليق المهر مهما كان الغرض على موت الأب تعليقه على موت الأب أمر غير جيد لاسيما إذا كان المهر أكثر في حال موت الأب، بل ينبغي أن يعلق المهر على أمر آخر سوى موت الأب يحصل به الغرض، على كل حال إن علقه عليه فالرواية الثانية عن الإمام أحمد أرجح إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله:

(وعلقه

)

نعم إذا علقه فقال: إن كان لي زوجة بألفين، وإن كان ليس لي زوجة بألف، فيصح المسمى بلا إشكال لأن للمرأة غرض صحيح في خلوه من المشاركة، بل أن الفقهاء يقولون من أكبر أغراض المرأة خلو الزوج من مشاركة، فتعليق هذا الأمر أو المهر على هذا الأمر صحيح ولا إشكال عليه فإن تبين أن له زوجة فيعطيها ألفين وإلا فألف.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإذا أجل الصداق .. )

إذا أجل الصداق أو بعضه صح بلا نزاع، فيجوز أن يكون مؤجلاً أو معجلاً، ولا إشكال في ذلك لأنه معاوضة، فيقاس على البيع، فلا إشكال إن شاء الله في كونه مؤجلاً.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإن عين أجلاً

)

إذا كان المهر مؤجلاً فهو على قسمين: إما أن يكون مؤجلاً لأجل معين، فيحل بحلول الأجل، ولا إشكال ويجب على الزوج أن يدفع المهر عند حلول الأجل.

القسم الثاني: ألا يكون مؤجلاً بأجل معين، وإنما يطلق، فالحنابلة يرون أنه إذا أطلق فالتسمية صحيحة، ويحل بالفرقة، والفرقة تحصل بأحد أمرين طلاق أو موت.

ص: 203

استدل الحنابلة على تصحيح المسمى مع جهالة الأجل بأن العرف والعادة جرت بأن المؤجل إذا لم يحد بأجل معين فحده الفرقة، والعرف دليل معتبر في الشرع، ولهذا قعد الفقهاء أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.

القول الثاني: أنه إذا أجله بأجل مجهول فسد الأجل ووجب حالاً.

والقول الثالث: أنه يفسد المسمى برمته ولها مهر المثل، ولا شك أن الحنابلة قولهم أرجح وأوفق وهو الذي يدل عليه عمل الناس والأعراف السائدة، وأما إلغاء الشرط وحلول المهر ففيه مضرة ظاهرة على الزوج، ولا يأتي فيما أرى الشرع بمثله.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن أصدقها مالاً مغصوباً .. )

إن أصدقها مالاً مغصوباً أو خنزيراً ونحوه وجب مهر المثل، تقدم معنا أن قاعدة الحنابلة أنه متى فسد المسمى فالواجب مهر المثل، وأن من صور فساد المسمى أن يصدقها مالاً محرماً كالخنزير والخمر، وتقدم معنا أن القول الثاني وجوب مثله أو قيمته، وأن هذا إن شاء الله أرجح القولين وأقرب لقواعد الشرع.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن وجدت

)

وإن وجدت المباح معيباً خيرت بين أرشه وقيمته، معنى هذه العبارة: أنه إذا أعطى الزوج زوجته مهراً معيباً فإن الزوجة تخير بين أمرين:

الأول: أن تمسك المهر المعيب، وتأخذ الأرش وهو الفرق بين قيمة المهر سليماً ومعيباً.

والخيار الثاني: أن ترد المهر وتأخذ قيمته إن كان قيمي أو مثله إن كان مثلي.

والقول الثاني: أنه ليس لها إلا أن تمسك أو ترد فقط، وهذه المسألة تقدمت معنا بعينها في خيار العيب، فما يقال هناك هو ما يقال هنا، تماماً، الخلاف هنا كالخلاف هناك، وذكرت هناك أن الراجح: أنها تخير بين الإمساك وبين الرد فقط بظاهر حديث المصراة، كذلك هنا لأن هذا العقد فيه معاوضة، يعني النكاح والمهر فيه معاوضة، فلعله إن شاء الله الأقرب هنا هو الأقرب هناك، وإن كانت المسألة أيضاً تحتاج إلى مزيد تأمل هنا وهناك لكن الأقرب إن شاء الله الآن هذا.

ص: 204

يقول الشيخ هنا رحمه الله تعالى: (وإن وجدت المباح معيباً خيرت بين أرشه وقيمته)، مقصود الشيخ بهذه العبارة: أي إذا كان معيناً، إذا كان المهر معيناً فالحكم هو ما ذكرت، أما إذا كان المهر في الذمة فإنه إذا كان معيباً فلها بدله لا الأرش ولا القيمة، لأنه في الذمة، فإذا قال صداقك شاة عمرها كذا وصفتها كذا وكان ينوي أن يعطيها شاة عنده تنطبق عليها المواصفات ثم تعيبت الشاة بأي عيب، فالواجب أن يحضر لها شاة تتوافق مع الوصف المذكور في العقد، إذاً الخلاصة أن الخلاف السابق في المعين لا في ما في الذمة لأن ما في الذمة يجب بدله مطلقاً.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن تزوجها على ألف

)

إذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صحت التسمية، مقصود المؤلف هنا: أنه يجوز للأب أن يشترط لنفسه قدراً معيناً من المهر، ويكون ملكاً له، لكن ينبغي أن تتنبه أن المهر هو مجموع ما لها وله، مال الزوجة وللأب، المجموع هو المهر، يسمى مهراً، لأنه سيأتينا فروع تنبني على مقدار المهر، هل المهر ما تأخذه الزوجة أو ما يأخذه الأب؟ الصواب أن المهر ما تأخذه الزوجة والأب، نرجع لمسألتنا، الحنابلة يرون أنه يجوز للأب أن يشترط لنفسه قدراً معيناً من المهر، واستدل الحنابلة على هذا بدليلين:

الأول: الآية السابقة {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} ففي الآية أن شعيب عليه الصلاة والسلام اشترط لنفسه أن يرعى موسى الغنم والمهر في هذه الحالة للأب كله.

الدليل الثاني: الذي استدل به الحنابلة أن الأب له أن يتملك من مال ولده ما يشاء، واشتراط الأب قسماً من المهر هو بمعنى التملك.

القول الثاني: أن المهر كله للمرأة.

والقول الثالث: أنه إذا اشترط الولي هذا الشرط فسد المسمى ولها مهر المثل.

والقول الرابع: أن ما يشترط لأحد سوى الزوجة إن كان قبل العقد فهو للزوجة، وليس لمن سمي له وإن كان بعد العقد فهو لمن سمي له.

ص: 205

واستدلوا أي أصحاب القول الرابع بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة نكحت على مهر أو محاباة أو حباء أو عطية فهو لها قبل العقد، ولمن سمي له بعد العقد" وهذا الحديث كما ترى نص على التفصيل المذكور في القول الرابع نص تماماً، لكن هذا الحديث فيه إشكال من حيث الثبوت، فهو أعل بعلتين:

العلة الأولى: أنه رواه ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وابن جريج مدلس وأجاب أصحاب هذا القول عن هذه العلة بأن ابن جريج صرح بالتحديث عند الإمام النسائي، فانتهينا من علة التدليس.

العلة الثانية: أن الإمام الكبير البخاري قال: ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يعني لم يسمع من عمرو، وهذه علة قادحة، ولم يذكر عنها أصحاب هذا القول جواباً مع ذلك أقول أن هذا الحديث يؤيده أمران:

الأول: أنه روي هذا الحديث من طريق آخر عن مكحول مرسلاً ومراسيل مكحول جيدة.

الثاني: أن هذا الحديث روي عن عائشة رضي الله عنها، وهو ضعيف لكن ضعفه يسير، فاجتمع معنا هذا الحديث، مع حديث عائشة وضعفه يسير، مع مرسل مكحول، من وجهة نظري أن اجتماع مثل هذه الأمور تعطي الحديث قوة لاسيما وأنه فيما يظهر لي أن ما في الحديث من تفصيل متوافق مع قواعد الشرع.

((الآذان))

لهذا يكون إن شاء الله الراجح القول الرابع لأن هذا الحديث يعضده ويقويه.

قال المؤلف رحمه الله:

(فلو طلق قبل الدخول .. )

إذا طلق الإنسان قبل الدخول وبعد العقد فللمرأة نصف المهر، ونص المسمى هنا ألف، وهذا معنى ما قلته أولاً، أن المهر هو مجموع ما يعطى الأب والزوجة، فإذا كان المهر يتقدر بألفين، فنصفه ألف، لقوله تعال:{فنصف ما فرضتم} ، وسيأتينا كم للمرأة قبل الدخول وبعد الدخول، لكن المؤلف يريد أن يشير هنا إلى أنه يأخذ نصف مجموع ما أعطى الأب والمرأة.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولا شيء .. )

يعني لا تملك المطلقة وهي ابنته المطالبة بالألف، ولا الزوج يملك المطالبة بالألف، لأن حقيقة ما صار أن المهر للمرأة ثم أخذه الأب، كأنه أخذه بعد قبض المرأة يعني الزوجة، وإذا أخذ الأب المهر بعد قبض الزوجة له فلا يستطيع أحد أن يطالبه به لا ابنته ولا الزوج.

قال المؤلف رحمه الله:

ص: 206

(ولو شرط ذلك لغير الأب فكل مسمى لها)

يعني أن جواز اشتراط الأولياء شيء من المهر خاص بالأب، أما غيره من الأولياء كالأخ والعم والابن فليس لهم أن يشترطوا، واستدل الحنابلة على هذا بأن غير الأب ليس له أن يتملك من مال ابنه فلا يساوي الأب. واستدلوا ثانياً بأن الأصل أن المهر ملك للزوجة، وإنما خرجنا عن هذا الأصل بوجود أدلة تستثني الأب.

قال المؤلف رحمه الله:

(ومن زوج بنته ولو ثيباً بدون مهر مثلها .. )

يجوز للأب أن يزوج ابنته ولو كانت كبيرة وثيبة بدون مهر مثلها ولو كرهت.

واستدل الحنابلة على هذا بأمرين:

الأمر الأول: جميع النصوص الدالة على استحباب تخفيف المهور.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ صداقاً عن بناته اثنتي عشرة أوقية، وهذا بلا شك أنه ليس مهر مثلها، بل مهر مثل بنت النبي صلى الله عليه وسلم عظيم، فهذان دليلان على جواز أن يكون أقل ولا يشترط رضا المرأة.

القول الثاني: وهو الذي تبناه الإمام الشافعي أنه لا يجوز للأب أن يأخذ مهراً أقل من مهر المثل.

أولاً استدل بأمرين: الأمر الأول: أن في هذا تعدي على حقوق المرأة.

الثاني: أنه بهذا مفرط، لأن عليه أن يعمل بما فيه صلاح المرأة، وليس من صلاحها الغض من مهر مثلها.

والراجح إن شاء الله القول الأول لأن معه النصوص التي ذكر.

والله أعلم وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

- ((انتهى الدرس)).

ص: 207

الدرس: (11) من النكاح

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن زوجها به ولي غيره

)

قوله وإن زوجها به، الضمير في قوله به يعود إلى ما دون مهر المثل، فإذا زوجها بما دون مهر المثل غير الأب ورضيت وأذنت جاز، والعلة في ذلك أن الحق لها فإذا أسقطته سقط، ولهذا جوزنا لغير الأب أن يزوجها بدون مهر المثل.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن لم تأذن فمهر المثل)

إذا لم تأذن يعني للأولياء غير الأب، فيجب مهر المثل، لأن المهر عوض عن البضع، والعوض لابد فيه من رضا صاحبه، وصاحب العوض هي الزوجة، فإذا لم تأذن ولم ترض فإن المسمى يبطل، ولها مهر المثل، وهذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال على من يكون تكميل المسمى الذي هو دون مهر المثل، إلى أن يبلغ إلى مهر المثل، في هذا خلاف بين الفقهاء اختلفوا على قولين:

ص: 208

القول الأول: أنه الزوج، فعلى الزوج أن يكمل إلى أن يبلغ مهر المثل، لأنه هو الذي أخذ العوض واستمتع بالزوجة فعليه أن يدفع مقابل هذا الاستمتاع، والمقابل هنا هو مهر المثل.

والقول الثاني: أن الزوج عليه أن يدفع المسمى، وعلى الولي أن يكمل إلى مهر المثل، واستدلوا على هذا بأن الولي هو الذي فرط وهو الذي قصر بأخذ دون مهر المثل، ولعل الأقرب أنه على الولي، لأنه فرط بتزويجها بأقل من مهر المثل، ويفهم من كلام الفقهاء حين قالوا فرط، أن تصرفه هذا إذا لم يكن تفريطاً وإنما صنع ذلك لصالح الزوجة، كأن تخطب من قبل رجل مرغوب ومعروف بالصيانة والقيام على الزوجة بما ينبغي من حقوقها ولكنه لم يرض إلا بهذا المهر الذي هو دون مهر المثل فرضي مراعاة لمصلحة المرأة فإنه لا يُضمّن في مثل هذه الصورة، أما إذا لم يكن هناك مصلحة مراعاة فإن الولي يضمن.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن زوج ابنه الصغير بمهر المثلي أو أكثر .... )

أفادنا المؤلف أن للأب أن يزوج ابنه بأكثر من مهر المثل، ويصح ويكون لازماً ويثبت في ذمة الصبي. والدليل على هذا: أن المرأة قد لا ترضى إلا بهذا المهر، كما أن هذا الابن قد لا يزوج إلا بهذا المهر، ولهذا جاز له أن يزيد على مهر المثل.

ص: 209

والقول الثاني: أنه ليس للأب أن يزيد عن مهر المثل، لأنه يتصرف بمال ابنه بطريق الوكالة وعليه أن يراعي مصلحة الابن وليس من مصلحة الابن زيادة المهر عن مهر المثل، والصواب إن شاء الله أن للأب أن يزيد في مهر ابنه عن مهر المثل، لما في ذلك غالباً من المصلحة ويندر أن يدفع الأب أكثر من مهر المثل بغير مصلحة، ومن هنا عرفنا أن الشارع الحكيم يفرق بين أن يكون الولي هو الأب وبين أن يكون الولي سواه من الأولياء كالأخ والعم والابن، لأن الأب فيه زيادة شفقة وحرص على الابن والابنة ولذلك خوله الشارع أن يتصرف أكثر من غيره من الأولياء.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن كان معسراً لم يضمنه الأب)

هذه المسألة مفروضة فيما إذا كان أهل الزوجة والزوجة يعرفون أنه معسر، فإذا كانوا يعرفون فإن الأب لا يضمن المهر، السبب في ذلك أنه ليس للأب دور سوى أن يكون وكيلاً عن ابنه، والوكيل لا يضمن الثمن كما في البيع، ولا يضمن العوض هنا في النكاح، لأنه مجرد وكيل لا يدخل ذمته شيء من الضمان.

والقول الثاني: في هذه المسألة أن الأب إذا زوج ابنه المعسر فإنه يضمن، لأن لسان الحال يقول وأنا ضامن عنه، وعلى هذا يدل العرف، أن الأب إذا زوج ابنه المعسر كأنه يقول أنا أضمن ما على ابني من مهر ونفقه. وهذا القول الثاني هو الصحيح إن شاء الله أنه يضمن ما دام زوج ابنه وهو معسر فكأنه يقول ما يجب على ابني فهو علي، وفهم من هذا التفصيل أن الابن إذا كان موسراً فإن الأب لا يضمن مطلقاً، وهذا صحيح وهو رواية واحدة عن الإمام أحمد لم يختلف فيه، أنه إذا كان موسراً فإن الأب لا يضمن ما على ابنه في حالة كونه موسراً قادراً، ولو عجز بعد ذلك مادام حين العقد موسراً فإنه لا ضمان على الأب.

انتهى الفصل الأول من باب الصداق ننتقل إلى الفصل الثاني.

قال المؤلف رحمه الله:

(فصل وتملك الزوجة .. )

هذا الفصل خصصه المؤلف للكلام عن ملك المهر والتصرف فيه وما يتعلق بهذه المسائل.

أفادنا المؤلف أن المهر يملك بالعقد، يعني بمجرد العقد، وتعليل ذلك أن العقد موجب بذاته لملك العوض، فملكت المرأة المهر به.

ص: 210

والقول الثاني: أن المرأة لا تملك بالعقد إلا نصف المهر، واستدلوا على هذا بأن الزوج ربما طلق قبل الدخول فلا يكون لها إلا نصف المهر، والراجح إن شاء الله المذهب وهي أنها تملك جميع المهر بالعقد، والقول الثاني ضعيف فقهاً وتعليلاً لأمور:

الأمر الأول: أن الطلاق عارض والأصل عدمه، وإنما يريد الإنسان النكاح للدوام لا للطلاق، والقاعدة الشرعية أن الحكم للغالب لا للعارض، فكيف نثبت الحكم هنا للعارض.

ثانياً: ينبغي على هذا القول أن لا تملك المرأة شيء مطلقا، ً لأنه ربما أيضاً ارتدت، وإذا ارتدت لم تستحق شيئاً من المهر، فإذا كانوا يراعون أنه ربما طلق، كذلك يجب أن يراعوا أنها ربما ارتدت.

وهذا كله يدل على الضعف الشديد في القول الثاني، فالراجح إن شاء الله أن المرأة تملك المهر بمجرد العقد لأن العوض في العقود يملك بها.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولها نماء المعين قبل قبضه)

بدأ الشيخ الكلام عن فروع ملك الزوجة للمهر بالعقد.

الفرع الأول: أنه إذا كان المهر معنياً فإن المرأة تملك النماء المتصل والمنفصل، فهو لها، والتعليل أن هذا النماء نماء في ملكها، ونماء الإنسان في ملكه هو من ملكه، يعني أنه نمى والعين في ملكها، ونماء العين المملوكة ملك لمالك العين، وهذا صحيح ولا إشكال فيه، ومفهوم قوله المعين: أن غير المعين ليس كذلك وهذا الذي أشار إليه بقوله:

(وضده بضده)

ضد المعين غير المعين، فإذا كان المهر مالاً لم يعين فإن المرأة لا تملك نماء هذا المهر غير المعين، ولا تملك أن تتصرف فيه، لأنه لم يعين ولهذا لا يمكن أن يكون نماؤه تبعاً له لعدم التعيين، وهذا أيضاً لا إشكال فيه فإذا قال: صداقك شاة وصفها كذا وكذا، أو سيارة وصفها كذا وكذا، أو بيت وصفه كذا وكذا ولم يعين، فإنها لا تملك النماء.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن تلف فمن ضمانها

)

هذه أيضاً من فروع ملك المهر الفرع الأول: أن لها أن تتصرف فيه.

والفرع الثاني: أن ضمان المهر عليها فلها أن تتصرف والضمان عليها، واستثنى المؤلف من الضمان ما إذا منع الزوج زوجته من قبض المهر فإذا منعها فإن الضمان لا يكون عليها، وفي هذه المسألة بحث:

ص: 211

البحث الأول: أن الزوج إذا منع زوجته من التصرف في المهر فحكمه حكم الغاصب، عليه النقص ولها الزيادة.

المسألة الثانية: أن المؤلف أفادنا أن المرأة تملك التصرف، وعليها الضمان بملك المهر بالعقد، وذلك لأن المهر دخل في ملكها وإذا دخل الشيء في ملك الإنسان ملك التصرف فيه وعليه ضمانه.

القول الثاني: أن التصرف في المهر والضمان له لا يكون إلا بعد القبض، أما قبل القبض فإنها لا تملك ذلك، قياساً على ما تقدم في البيع أن الأعيان المملوكة بعقود معاوضة لا يتصرف فيها ولا تدخل الضمان إلا بعد القبض، فالخلاف الذي تقدم معنا في كتاب البيوع في التصرف في المبيع قبل قبضه وفي ضمانه يأتي معنا في التصرف في المهر قبل قبضه والتصرف فيه وضمانه قبل قبضة، فهناك ذكرنا الأقوال وهي نفسها هنا التفريق بين المكيل والموزون وغيره والقول بالتعميم، وترجيح أن الحكم عام لجميع الأعيان فكذلك هنا، الخلاصة أن البحوث التي تقدمت معنا في قبض الثمن في البيع من حيث التصرف والضمان، تأتي معنا في قبض المهر من حيث أيضاً التصرف والضمان، ولهذا نقول أن الراجح بناءً على البحوث السابقة أن المهر لا يصح التصرف فيه ولا يضمن مطلقاً إلا بعد القبض، مهما كان نوع المهر معدوداً مذروعاً مكيلاً موزوناً مهما كان نوع المهر فإنه لا يصح التصرف فيه ولا يضمن إلا بعد القبض، ولو كان من العقار أو من المنقود عموماً يشمل جميع أنواع المهور وهذا الذي تقدم معنا في البيع.

قال المؤلف رحمه الله:

(وعليها زكاته)

يعني عليها زكاة المعين، لأنه دخلها في ملكها بالعقد وعلى الإنسان أن يزكي الأموال التي يملكها إذا حال عليها الحول، فعليها الزكاة بالنسبة للمعين، أما غير المعين فلا زكاة فيه على المرأة لأنه لم يعين ولم يستقر الملك عليه بعد، فإذا قال الزوج لزوجته قبل العقد أو بعد العقد سيكون المهر سيارة وصفها لها ولم يقبضها إياها إلا بعد سنة فإنها إذا قبضت هذه السيارة يبدأ الحول بعد القبض، أما إذا قال صداقك هذه السيارة التي يشار إليها الآن فإنه يحسب الحول من حين العقد.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن طلق قبل الدخول

)

ص: 212

من الأشياء التي تستغرب على المؤلف رحمه الله أنه لم يذكر الأمور التي يستقر بها المهر، مقررات المهر مع أنه من أهم مباحث الصداق لم يذكره الشيخ، وهذا غريب في الحقيقة، والسبب في ذلك أن الأصل وهو المقنع لم يذكر مقررات المهر، أما غيرهم من الحنابلة وغيرهم من الشافعية والمالكية وسائر أهل العلم فإنه في الحقيقة يعتنون عناية خاصة بمقررات المهر، لأنها مهمة من حيث ثبوت المهر، وللخلاف القوي في بعضها، ولشدة حاجة الناس إليها، في الحقيقة أنا استغربت من الشيخ أنه ترك مقررات المهر، مع أنه ذكرها في كتابه الإقناع وذكرها في كتبه الأخرى، وذكرها الشيخ ابن قدامة في غير الأصل في غير المقنع، لكن على كل حال الأصل والمختصر الزاد لم يذكرا مقررات المهر.

نقول مقررات المهر أربعة:

الأول: يتقرر ويستقر المهر، ومعنى يتقرر ويستقر: أي لا يسقط مهما كان السبب بعد ذلك، يتقرر أولاً بالموت فإذا مات الزوج أو ماتت الزوجة حتف أنفها أو انتحرت أو حتف أنفه أو انتحر أو مات بأي سبب من الأسباب فإن المهر يستقر ويثبت للمرأة، واستدل الجماهير على هذا الحكم بأمرين:

الأول: حكي إجماعاً.

الثاني: حديث ابن مسعود رضي الله عنه فإن رجلاً تزوج امرأة ولم يسمي لها مهراً فسئل ابن مسعود فقال: لها مهر نسائها لا نقص ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في بروة بنت واشق بنفس هذا الحكم الذي حكمه ابن مسعود، فإذاً الموت من مقررات المهر ولا إشكال.

الثاني: الوطء، والوطء أيضاً من مقررات المهر بالإجماع، بل هو المقرر الأول في الحقيقة للمهر، والدليل على أن الوطء من مقررات المهر من وجهين:

الأول: الآية وهي قوله تعالى: {ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} ، فنصت الآية أنه لا يتقرر المهر إلا بالمس، والمس في الآية هو الوطء.

الدليل الثاني: هو الإجماع.

ص: 213

الثالث من مقررات المهر: الخلوة، والمقصود بالخلوة يعني المجردة ولو بلا وطء، فإذا خلا الزوج بزوجته وانفردا فإنه يجب بذلك المهر، سواء وطء وجامع أو لم يجامع، ويستثنى من هذا إذا منعت المرأة زوجها من الوطء، أو كان ممن لا يطأ مثله، ففي هاتين الصورتين لا تكون الخلوة مقررة للمهر، فيما عدا هاتين الصورتين الخلوة مقررة للمهر، ولو خلا بها وهي حائض يعني لا يستطيع أن ينكحها، ولو خلا بها وهي محرمة، يعني ولو وجدت موانع حسية أو شرعية، والدليل على أن الخلوة من مقررات المهر من وجهين:

الوجه الأول: وهو الأصل عليه الاعتماد، أنه روي عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم أن من أغلق باباً أو أرخى ستراً فقد وجب المهر، فجعلوا مناط استقرار المهر على الخلوة، وهذه الآثار التي رويت عن الصحابة رضي الله عنهم هي العمدة في باب ثبوت واستقرار المهر بمجرد الخلوة.

الدليل الثاني: أن المرأة بتسليم نفسها للزوج أثناء الخلوة أدت ما عليها من التمكين فاستحقت بذلك المهر.

والقول الثاني: أن الخلوة لا توجب المهر إذا خليت عن الوطء، لأن الآية صرحت باشتراط المس {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} ، والمس هو الجماع، والراجح القول الأول لورود الآثار الصحيحة عن الصحابة بل عن الخلفاء.

المقرر الرابع والأخير: المباشرة أو أن يستحل منها ما لا يستحله إلا الزوج، هذا المقرر الرابع على شقين: الشق الأول: أن يباشر أو يقبل أو يمسك أو يلمس كما قال الفقهاء، ولو بلا خلوة، جعلوا هذا المباشرة وما يلحق بها من مقررات المهر، واستدلوا على هذا بأن هذا من جملة الاستمتاع فيقاس على الوطء.

الشق الثاني للمقرر الرابع: أن يستحل منها ما لا يستحل غيره، كأن يراها عريانة، فإن رؤية الرجل للمرأة عريانة ليست من المباشرة، إلا أنها مما لا يستحله إلا الزوج.

ص: 214

والقول الثاني: أن المباشرة ونحوها لا تقرر المهر، لأن الآية والآثار دلت على أن مقررات المهر الوطء والخلوة، والمباشرة ليست وطء ولا خلوة، ولهذا نقول إنها ليست من المقررات، يعني لأنها ليست وطءً ولا خلوة، والراجح بوضوح إن شاء الله أنها ليست من المقررات، فعلى الراجح تكون المقررات ثلاثة، الموت والوطء والخلوة، فإذا حصل أحد هذه الثلاثة تقرر المهر ووجب في ذمة الزوج، ولا يمكن أن يسقط أبداً لأنه استقر.

نرجع إلى كلام المؤلف.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن طلق قبل الدخول أو الخلوة

)

إذا طلق الزوج قبل الدخول أو الخلوة، يعني قبل مقررات المهر، فله نصف المهر، لقوله تعالى:{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} ، هو الشيخ يقول له نصف المهر أو نقول لها نص المهر النتيجة واحدة، فإذاً إذا طلق قبل الدخول فله نصف المهر، وهذا الحكم منصوص عليه في الآية.

قال المؤلف رحمه الله:

(فله نصفه حكماً)

معنى قوله حكماً أي قهراً، يدخل في ملكه بلا اختيار، لأن الآية أثبتت أن له النصف.

قال المؤلف رحمه الله:

(دون نمائه المنفصل)

له نصف المهر دون النماء المنفصل، يعني وهو للزوجة، باعتبار ما تقدم معنا أن المهر يملك بنمائه المنفصل والمتصل بمجرد العقد، فإذا طلق قبل الدخول رجع بنصف المهر الذي سلم، وأما النماء فهو للزوجة لما تقدم معنا من ملكها إياه.

قال المؤلف رحمه الله:

(وفي المتصل له نصف قيمته بدون نمائه)

يعني والمتصل أيضاً للزوجة، لكن أراد المؤلف أن يبين بماذا يرجع الزوج، إذا كان النماء متصلاً، فيقول يرجع بنصف القيمة قبل النماء، فإذا أصدقها شاة تقدر بمائة ريال مثلاً وسمنت الشاة وصحت وأصبح قيمتها ثلاثمائة ريال فهو يرجع بخمسين ريال، بالقيمة قبل النماء المتصل، والخلاصة والأسهل أن نقول يرجع بنصفه والنماء المتصل والمنفصل للزوجة، فإذا قلنا أن النماء المتصل كله للزوجة، إذاً لن يرجع الزوج إلا بنصف ما أعطاها قبل هذا النماء المتصل، وإنما نص الشيخ على المتصل لأن المنفصل أمره واضح، المنفصل سيبقى عند الزوجة لكن الإشكال في المتصل فبين الشيخ كيف يحسب.

قال المؤلف رحمه الله:

ص: 215

(وإن اختلف الزوجان

)

بدأ الشيخ بمسائل الاختلاف، وبدأ بالمسألة الأهم، وهي ما إذا اختلفا في القدر يقول: وإن اختلف الزوجان أو ورثتهما في قدر الصداق يعني فالقول قول الزوج وإلى هذا ذهب الجمهور أنهما إذا اختلفا في قدر المهر أو الصداق فالقول فيه قول الزوج، فإذا قال: الزوج قدر المهر مائة وقالت: قدر المهر ثلاثمائة، فالمهر مائة، والدليل للجمهور: أن الزوج ينكر الزيادة، والمنكر جانبه مرجح لأن الأصل براءة الذمة، فلا يجب للزوجة إلا مائة، ومن المعلوم أن هذا الاختلاف يقصد الشيخ بعد العقد أو قبل العقد؟ الاختلاف دائماً يكون بعد العقد، لأنه بعد العقد ثبتت الحقوق فأي منهما نقبل قوله.

القول الثاني: أنهما إذا اختلفا في القدر نرجع إلى مهر المثل، لأنهم اختلفوا وتعذر معرفة المهر المسمى فرجعنا إلى مهر المثل.

والقول الثالث: أنا نقبل قول من يشبه قوله الواقع، فإذا كان قول الزوج والزوجة كلاهما يشبه الواقع فسخ النكاح، وهذا مذهب الإمام مالك، فإذا كانت الأعراف أن متوسط العوائل يكون الصداق فيها ثلاثون ألفاً، هذا هو المتوسط، والعاقد والمعقود عليها من متوسط العوائل، فزعم الزوج أن المهر خمسة آلاف ريال، وزعمت الزوجة أن المهر ثلاثون ألف ريال، فعلى المذهب المهر خمسة آلاف، وعند المالكية المهر ثلاثون ألف ريال، إذا زعمت الزوجة في هذا المثال أن المهر ثلاث وثلاثون ألف ريال، وهو زعم أن المهر ثلاثون ألف ريال فالحكم عند المذهب القول قول الزوج وعند المالكية ينفسخ النكاح، ويستقبلون عقداً جديداً إن شاؤا، وقول المالكية ينفسخ يعني بدون طلاق، هذا ظاهر عبارة المالكية، نفسخ العقد بدون طلاق، لأنهم عبروا بكلمة يفسخ، مذهب المالكية في الحقيقة فيه اعتدال وفيه توسط وإن كان الأصل دائماً أن القول قول مُنكر وهذا قاعدة صحيحة ويدل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم:"البينة على المدعي واليمين على من أنكر" لكن في مثل الأمور التي فيها أعراف سائدة، جرى عليها الناس، ترجيح قول من قوله يؤيد أو يتوافق مع العرف أقرب من اعتبار القواعد العامة، فالذي يبدو أن قول المالكية أقرب إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله:

(أو عينه)

ص: 216

إذا اختلفوا في عين الصداق فقالت المرأة الصداق هذا البيت، وقال الزوج بل الصداق هذه المزرعة، فالقول قول الزوج لما تقدم معنا أن القول قول المنكر.

قال المؤلف رحمه الله:

(أو فيم يستقر به .. )

إذا تنازعوا في حصول ما يستقربه المهر، فالقول قول الزوج بلا نزاع، لأن هذه المسألة ليس فيها أعراف، فهي تقول حصلت الخلوة، والزوج يقول لم تحصل الخلوة، أو هي تقول حصل الوطء، والزوج يقول لم يحصل الوطء، أو هي تقول مات الزوج، والزوج يقول لم يمت، إذاً الموت لا يدخل معنا في هذا الخلاف، الحنابلة يقولون أنه بلا نزاع وهذا صحيح، لأنه ينفي وقوع شيء، والأصل أن الأشياء لم تقع وليس الأصل أن الأشياء وقعت، فالقول قول الزوج إن شاء الله بلا إشكال يستثنى من هذا مسألة واحدة وهي ما إذا كانت المرأة بكر وأثبتت بعد خلوته بها صارت ثيبة، فإن استطاعت أن تثبت فالقول قولها وهذا كما لو أتت ببينة.

قال المؤلف رحمه الله:

(وقولها في قبضة)

يعني والقول وقولها في قبضة، فإذا قال الزوج: قبضت المهر وقالت الزوجة: لم أقبض المهر فالقول قول الزوجة لأن الأصل عدم قبض عدم المهر.

والقول الثاني: أنه إذا جرت عادة الناس أن المهر الحال يسلم قبل الدخول فالقول قول من يدل العرف والعادة على صحت قوله، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام وهو قوي جداً وظاهر الرجحان، وهنا نكون قدمنا الأصل على الأصل أو الأصل على العادة؟ قدمنا العادة على الأصل، وسيأتينا مراراً أنه عندنا في الفقه الظاهر والأصل والعادة، أحياناً نقدم الظاهر وأحياناً نقدم الأصل وأحياناً نقدم العادة حسب قرائن المسائل، وفي هذه المسألة رسالة دكتوراة مفيدة جداً هل يقدم الأصل أو الظاهر أو يقدم الأصل على العرف أو العرف على الظاهر، فإذا تعارض الأصل والظاهر فهناك خلاف بحسب ملابسات القضية، وأيضاً الشيخ العلامة ابن رجب تحدث عن تعارض الأصل والظاهر.

فصل

هذا الفصل عقده المؤلف لبيان أحكام المفوضة، وأطال المؤلف في أحكام المفوضة واختصر في أحكام المهر المسمى، وهذا من وجهة نظري خلل في الحقيقة لأن غالب الناس المهر فيها مسمى، إذاً هذا الفصل في أحكام المفوضة، النساء تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: المفوضة.

ص: 217

القسم الثاني: المسمى لها المهر

والمؤلف انتهى عن المسمى لها المهر وانتقل إلى الكلام عن المفوضة.

والمفوضة أو التفويض في لغة العرب: إحالة الأمر إلى الغير، أو إسناد الأمر إلى الغير، وهو ينقسم إلى قسمين: تفويض بضع، وتفويض مهر، وسيذكر الشيخ تفويض البضع ويبدأ به ثم ينتقل إلى تفويض المهر.

قال المؤلف رحمه الله:

(يصح تفويض البضع

)

تفويض البضع ذكر المؤلف تعريفه الدقيق، وأما معناه العام الذي يسهل معرفة ما هو المفوضة، فتفويض البضع هو إخلاء النكاح من المهر، هذا هو تفويض البضع، وقد يكون إخلاء النكاح من المهر بالسكوت عن المهر وقد يكون بشرط نفيه، ولا توجد صورة ثالثة.

فإن كان تفويض البضع بالسكوت عن المهر فهذا صحيح وجائز، وتقدم معنا أن تسمية المهر حكمه في الشرع سنة، وذكرنا الأدلة على أن تسمية المهر في العقد سنة وليس بواجب، فالسكوت عن التسمية جائز ولا حرج فيه.

النوع الثاني: أن يكون التفويض بشرط نفيه، وتقدم معنا أن شرط عدم المهر عند الحنابلة شرط فاسد لا يفسد، وأن القول الثاني أنه شرط فاسد مفسد، وأن الراجح أن اشتراط عدم المهر شرط فاسد مفسد، وهذا كله تقدم معنا في الكلام عن الشروط في النكاح وليس شروط النكاح.

نأتي إلى التعريف الدقيق وقد أوضحه الشيخ بعبارة جلية يقول: تفويض البضع بأن يزوج الرجل ابنته المجبرة يعني بلا مهر، أو تأذن امرأة لوليها أن يزوجها بلا مهر، فإن كان الأب فله أن يزوج المجبرة بلا مهر، وإن كان غير الأب فليس له ذلك إلا إذا أذنت.

هذا ما يتعلق بتفويض البضع، وأما ما الحكم إذا فوض الولي البضع فسيذكره المؤلف لاحقاً.

قال المؤلف رحمه الله:

(وتفويض المهر .. )

كما أخذنا حقيقة تفويض البضع، نأخذ حقيقة تفويض المهر، تفويض المهر هو جعل تحديد المهر إلى الزوجين أو إلى غيرهما، ونسيت أن أنبه أن الأصل في التفويض والذي ينصرف إليه عند الإطلاق تفويض البضع لا المهر، فالأصل إذا قيل مفوضة يعني في البضع لا في المهر. إذاً نرجع ونقول تفويض المهر بأن يزوجها على ما يشاء أحدهما أي أحد الزوجين أو أجنبي، فإذا حصل ذلك فهي مفوضة تفويض مهر، ثم بدأ المؤلف بالحديث عن الحكم.

قال المؤلف رحمه الله:

ص: 218

(فلها مهر المثل في العقد)

أفادنا المؤلف أن عقد المفوضة صحيح، وأن للمفوضة بنوعيها البضع والمهر مهر المثل، والدليل على هذا: أن التفويض جعل المهر مجهولاً، والمهر المجهول يجب فيه مهر المثل، أو يجب بدله مهر المثل، وهذا يستوي فيه تفويض البضع وتفويض المهر، وذكر بعض الفقهاء خلافاً في تفويض المهر، وهذا الخلاف ضعيف، والصواب إن شاء الله أن حكم تفويض البضع والمهر واحد، وأن فيهما مهر المثل، والدليل على هذا حديث ابن مسعود فإن الرجل الذي مات لم يسمي المهر في النكاح فأوجب ابن مسعود مهر المثل.

قال المؤلف رحمه الله:

(ويفرضه الحاكم بقدره .. )

هذه العبارة فيها مسائل: المسألة الأولى: أنه يجوز للمرأة المطالبة بفرض المهر بالإجماع، ومعنى فرض المهر هو تحديد قدره.

ثانياً: إذا امتنع الزوج من فرض المهر، فإن الحاكم يلزمه بذلك، وإلا أوجب عليه مهر المثل.

قوله (بقدره): يعني أن الحاكم يجب أن يفرض المهر إذا رفض الزوج من فرضه بقدره والضمير يعود على مهر المثل، يعني يفرض مهر المثل، والسبب في ذلك أن الزيادة إجحاف على الزوج والنقص إجحاف بالزوجة، والعدل هو مهر المثل، ولذلك نقول الحاكم ليس له أن يقدر ما شاء بل يجب عليه أن يقدر قدراً يتساوى مع مهر المثل.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن تراضيا قبله)

وإن تراضيا قبله يعني: قبل تقدير الحاكم على مفروض جاز، سواء كان قليلاً أو كثيراً، لا فرق بين كون قليل وكثير، وتعليل ذلك أن الحق لا يخرج عنهما يعني عن الزوج والزوجة، فإذا تراضيا صح ما تراضيا عليه.

مسألة: ويكون المبلغ الذي تراضيا عليه حكمه حكم المسمى، يعني كأنهم سموا مهراً معيناً في العقد، ويأخذ أحكام المهر المسمى كلها.

قال المؤلف رحمه الله:

(يصح إبراؤها من مهر المثل قبل فرضه)

يعني لو قالت الزوجة قبل أن يفرض الزوج، أو قبل أن يفرض الحاكم مهر المثل: أبرأته من المهر صح، وإن كان مهر المثل الآن مجهولاً، والسبب في ذلك أن الإبراء من المجهول جائز صحيح، إذاً يجوز لها أن تبرأه ولا حرج، وليس هذا من النكاح بلا مهر، لأنه الآن عقد على أساس أن لها مهر المثل، لكن هي أبرأته.

قال المؤلف رحمه الله:

(ومن مات منهما .. )

ص: 219

مازال الكلام عن المفوضة، يقول ومن مات منهما يعني من الزوجة أو الزوج قبل الإصابة والفرض المقصود بالإصابة الوطء والمقصود بالفرض تقدير وبيان المهر، فالحكم يقول ورثه الآخر، إذا مات أحدهما قبل التقدير والإصابة فإن الآخر يرثه بالإجماع، والسبب في ذلك أن العقد جعلها زوجة، وهو عقد كما تقدم معنا صحيح، فتدخل في النصوص الآمرة بفرض قدر من التركة للزوجة، وهذا أمر واضح لا إشكال فيه.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولها مهر نسائها)

أفادنا المؤلف بهذه العبارة قاعدة، وهي أن كل ما يتقرر به المهر المسمى يتقرر به مهر المفوضة، وتقدم معنا أن المسمى من جملة الأشياء التي يتقرر بها الموت، فموت أحد الزوجين في نكاح التفويض أيضاً يتقرر به المهر.

((الآذان))

هذا مذهب الحنابلة، واستدلوا بعموم حديث ابن مسعود رضي الله عنه حيث جعل الموت مقرراً للمهر، والنكاح الذي في حديث ابن مسعود مفوضة.

القول الثاني: أنه لا مهر لها مطلقاً، لأن هذا الفراق بالموت فراق بلا مسيس ولا فرض، فيقاس على الطلاق، والله تعالى يقول:{لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} وهذه فورقت بلا مس ولا فريضة، فتقاس على الطلاق، فليس لها شيء، والجواب عن هذا الاستدلال أن قياس الموت على الطلاق قياس مع الفارق الكبير، لأن الطلاق يختلف عن الموت بأشياء كثيرة، منها أن الموت يقرر المهر في الحياة والطلاق لا يقرره، ومنها أن العدة تجب بالموت ولا تجب بالطلاق، فقياس أحدهما على الآخر قياس فيه نظر

القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد كما أن القول الأول والثاني روايات عن الإمام أحمد، أن لها نصف مهر المثل، وهذه الرواية رويت عن الإمام أحمد، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية شن على هذه الرواية حملة بقصد أنها لا يمكن أن تثبت عن الإمام أحمد، أي يقصد إثبات عدم صحة هذه الرواية عن الإمام أحمد، وذكر أوجه كثيرة جميلة جداً في بيان ضعف نسبة هذه الرواية إلى الإمام أحمد، منها أن هذه الرواية تخالف المشهور عن الإمام أحمد، فإن أصحاب الإمام المعروفين المشهورين رووا عنه خلاف هذه الرواية،

ص: 220

الثاني: أن هذه الرواية تخالف طريقة ومنهج الإمام أحمد، لأن الإمام أحمد إذا اختلف الصحابة على قولين لا يخرج إلى قول ثالث، والصحابة اختلفوا على القول الأول والثاني فقط، أنه لا شيء لها أو لها المهر الشيء الثالث: أن الإمام أحمد لا يخالف النصوص، وحديث ابن مسعود ظاهر في أن الموت يقرر المهر بالنسبة للمفوضة، وما ذكره الشيخ من تضعيف نسبة هذه الرواية للإمام أحمد صحيح وقوي، وهذا البحث الذي بحثه الشيخ في كيفية إضعاف بعض الروايات التي تنسب إلى الإمام أحمد مفيد، ويحسن ويجدر بالإنسان أن يطالعه.

هذا والله أعلم وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

- ((انتهى الدرس)).

ص: 221

الدرس: (12) من النكاح

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ما زال البحث في المفوضة وكما قلت بالأمس المؤلف رحمه الله أطال فيها.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة)

يعني وإن طلق المفوضة قبل الدخول، فلها المتعة وإلى هذا ذهب الأئمة الثلاثة، أن المتعة في هذه الحال واجبة، واستدل الجمهور هؤلاء بقوله تعالى:{لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدرة وعلى المقتر قدرة متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين} ، الآية نصت على أنه إذا خلي النكاح عن الفرض والمس، فإن الواجب حينئذ المتعة.

والقول الثاني: للمالكية وهم يرون أن المتعة مشروعة، إلا أنها على سبيل الاستحباب لا الوجوب، يعني أنه تستحب ولا تجب واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في آخر الآية السالفة {حقاً على المحسنين} ، والإحسان ليس بواجب، الإحسان درجة من درجات الندب لا الوجوب.

القول الثالث: أن لها نصف مهر المثل، واستدلوا على هذا بأن هذه المفوضة لو دخل بها لوجب لها مهر المثل، فإذا طلقها قبل الدخول لها نصفه قياساً على الطلاق والمهر المسمى فيه.

والراجح القول الأول.

ص: 222

والجواب على استدلال المالكية، أن الإحسان لا يتنافى مع الوجوب، فقد يكون الشيء إحساناً وهو واجب، لاسيما والآية أمرت أمراً صريحاً {فمتعوهن} وقال الله تعالى في آخرها:{حقاً} والحق يطلق على الواجب.

وأما القول الأخير فهو قياس مع الفارق، إذ كيف نقيس المفوضة على التي لها مهر مسمى، ثم هذا القياس والاستحسان قياس في مقابل النص الصريح وهي الآية، فالراجح إن شاء الله تعالى مذهب الجمهور.

ثم لما قرر المؤلف وجوب المتعة انتقل إلى بيان المقدار.

قال المؤلف رحمه الله:

(بقدر يسر زوجها وعسره)

أفادنا بهذه العبارة أن المتعة مقدرة بحال الزوج لا بحال الزوجة، واستدلوا على هذا بصريح الآية:{على الموسع قدرة وعلى المقتر قدرة} ، يعني على الزوج.

والقول الثاني: أنها مقدرة بحال المرأة، واستدل أصحاب هذا القول: بأن المهر مقدر بحال المرأة، ولهذا نحن نقول مهر المثل، يعني مهر مثل الزوجة، فإذا كان المهر مقدراً بالمرأة، فكذلك المتعة، وهو قول ضعيف. والراجح إن شاء الله القول الأول، لصراحة الآية باعتبار حال الزوج لا حال الزوجة، ومما يتفرع على هذه المسألة مسألة أخرى: وهي مقدار المتعة، ذهب الحنابلة إلى أن مقدار المتعة يقدر بأعلاه وأدناه، فأعلاه خادم، وأدناه سترة تصلح لصلاة المرأة فيها، هذا أعلاه وأدناه.

والقول الثاني: أن المتعة لا تتقدر، وإنما يرجع في تقديرها عند التنازع إلى الحاكم، لأنه واجب لم يقدر في الشرع، فرجعنا فيه إلى اجتهاد الحاكم، والراجح القول الثاني: أنه لا يتقدر بقدر معين، وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم، وهذا كما قلت إذا وقع النزاع بين الزوجة والزوج.

قال المؤلف رحمه الله:

(ويستقر مهر المثل بالدخول)

إذا دخل على المفوضة استقر مهر المثل، ومقصود الشيخ بقوله بالدخول، يعني بكل مقررات المهر، وإنما ذكر الدخول لأنه أكثر مقررات المهر وقوعاً.

والدليل على ذلك: القياس على المهر المسمى، ففي المهر المسمى يستقر هذا المهر بالدخول، فكذلك بالنسبة للمفوضة وهذا لا إشكال فيه.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن طلقها بعده فلا متعة)

ص: 223

يعني وإن طلق المفوضة بعد الدخول فإنه لا متعة لها، استدل الحنابلة على أنه: لا تعطى المرأة المطلقة بعد الدخول متعة بأن الله تعالى قسم النساء إلى قسمين لا ثالث لهما، قسم لها المتعة وهي مذكورة في قوله تعالى:{لا جناح عليكم إن طلقتم النساء} وقسم لها نصف المهر وهي المذكورة في قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن

فنصف ما فرضتم} فلما قسم الله تعالى النساء إلى قسمين علمنا أن كل قسم يختص بحكمه، فيختص المتعة بالنساء اللاتي لا دخول فيها ولا مسيس ولا فرض، ويختص المهر أو نصفه بما في الآية، نصفه إذا طلق وقد سمى أو فرض، وكله إذا دخل أو باقي مقررات المهر.

القول الثاني: أن المتعة واجبة لكل مطلقة، وهي رواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام رحمه الله واستدل بقوله تعالى:{وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين} ، فالآية عامة وفيها مؤكدات كثيرة، فيها الأمر، وفيها قوله حقاً، وفيها الإشارة إلى أن دفع المتعة مطلقاً من جملة التقوى، والتقوى واجبة.

القول الثالث، أن المتعة مستحبة، ودليل هذا القول هو: الجمع بين الأدلة السابقة.

الراجح إن شاء الله اختيار شيخ الإسلام، وإن كانت المسألة فيها نوع إشكال، لكن الراجح إن شاء الله هو هذا، لأنه لا يوجد صارف واضح للآية، وكون الآية الأولى أثبتت المتعة في صورة، فإنها لا تنفي المتعة عن الصور الأخرى، فالأقرب إن شاء الله أنها واجبة وإن كان عمل الناس الآن أن المطلقة بعد الدخول قلّ من يعطيها متعة، وأنت كما ترى القول بالوجوب قوي وواضح، ونصر الشيخ القول بالوجوب بمعنى إضافي على الآية وهو جميل فقال: إن المهر الذي يعطى للمرأة بسبب الدخول لا يمنع المتعة، لأن المهر مقابل الوطء، وأما المتعة فهي في مقابل ما حصل للمرأة من كسر الخاطر وضيق النفس بسبب الطلاق، فهذا له سببه، وهذا له سببه، وهذه إشارة جميلة في الحقيقة.

مسألة: الخلاف المذكور هو في متعة المفوضة، لأن البحث ما زال في المفوضة، وأما المطلقة بعد الدخول التي مهرها مسمى فالخلاف فيها هو هذا الخلاف نفسه، إذاً الخلاف في المفوضة والمسماة واحد لا فرق بينهما واستدلوا بذات الأدلة.

ص: 224

انتهى الشيخ الآن من الكلام عن المفوضة، وانتقل إلى الكلام عن النكاح الفاسد، وما يشبه النكاح الفاسد.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإذا افترقا في الفاسد)

استعمل المؤلف كلمة افترقا ليشمل الطلاق والفسخ، والنكاح على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: النكاح الصحيح وتقدم معنا.

النوع الثاني: النكاح الفاسد وهو الذي نتحدث عنه

النوع الثالث: النكاح الباطل

ففرق العلماء بين النكاح الفاسد والنكاح الباطل، فالنكاح الفاسد هو النكاح المختلف في صحته، وهذا ظاهر كلام الفقهاء، سواء كان الخلاف قوي أو ضعيف، ما دام مختلف فيه اختلاف معتبر فهو فاسد، ولو كان أحد القولين شديد الضعف عند الآخر، ومثاله أن يتزوج بلا شهود أو بلا مهر أو بلا ولي فهذه من أمثلته.

النوع الثاني: النكاح الباطل وهو النكاح المتفق على بطلانه، ومن أبرز أمثلته أن يتزوج من لا تحل له، كأن يتزوج أخته من الرضاع أو خالته أو عمته إلى آخره فهذا نكاح باطل بإجماع المسلمين.

الهدف أو الفائدة من التفريق بين النكاح الفاسد والباطل: هو أنه في النكاح الفاسد يجب على الزوج وجوباً أن يطلق أو يفسخ، وجوباً عند الجماهير، ولو كان الزوج أو الزوجة أو الولي يرون أن النكاح فاسد، يجب عليه مع ذلك أن يطلق أو يفسخ، والدليل على ذلك: أن هذا النكاح الفاسد ربما رأى الزوج أنه صحيح ورأت الزوجة أنه فاسد، فتذهب الزوجة بلا طلاق وترى بأنها ليست زوجة للأول، والأول يبق يرى أنه زوجها، ثم تتزوج بآخر ويكون للمرأة زوجان، فلأجل عدم وقوع هذا المحذور الكبير أوجب الجمهور أن يقوم الزوج بالطلاق أو الفسخ.

القول الثاني: للشافعي قال: إذا ثبت أن النكاح فاسد فإنه لا يجب على الزوج لا أن يطلق ولا أن يفسخ، واستدل على هذا: بأن هذا العقد الفاسد لم ينعقد أصلاً حتى نوجب عليه أن يفسخه أو أن يطلق، والراجح مذهب الجمهور وبناءً، على هذا الراجح نقول إذا لم يطلق الزوج ولم يفسخ وجب على الحاكم أن يقوم بالتفريق بينهما بالفسخ أو الطلاق، حتى لا يدخل الاشتباه في وجود زوج آخر.

ص: 225

هذا الفرق هو الفارق الأساسي بين النكاح الفاسد والنكاح الباطل، وهذا الفارق في الحقيقة يرجع إلى أثر العقد لا إلى حقيقة العقد، ما معنى هذا؟ معنى هذا أنه في الواقع وحقيقة الأمر عند الفقيه الذي يرى أن العقد فاسد العقد، الفاسد والباطل واحد، لأن كل منهما لم ينعقد شرعاً عند هذا الفقيه، فهو في حقيقة الأمر لا فرق بينهما، ولكن الفرق هو من جهة أثر العقد الفاسد وأثر العقد الباطل، وهذا أمر يجب أن يُعرف، وأن الفرق إنما هو في الظاهر والآثار لا في الحقيقة.

الآن عرفنا الفرق بين الفاسد والباطل ننتقل الآن إلى الكلام عن الفاسد.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإذا افترقا في الفاسد قبل الدخول والخلوة فلا مهر)

إذا افترقا قبل دخول وخلوة فلا مهر، ولو كان المهر مسمى، والدليل على هذا: أن الذي يوجب المهر هو العقد، وهنا لا عقد، لأن العقد شرعاً لا حقيقة له في العقد الفاسد، إذاً هذا الحكم الأول للعقد الفاسد.

الثاني: قال المؤلف رحمه الله:

(وبعد أحدهما يجب المسمى)

قوله بعد أحدهما: يرجع إلى الدخول أو الخلوة، ونحن سنأخذ كل واحد على حدة.

المسألة الأولى: إذا فارقها بعد الدخول، فالواجب عند الحنابلة المهر المسمى، الدليل عند الحنابلة: أنه في حديث عائشة: "أيما امرأة نكحت بلا ولي فنكاحها باطل باطل باطل ولها المهر بما استحل من فرجها" هذا الحديث عمدة في مسائل النكاح الفاسد، عليه اعتماد الفقهاء في رواية لهذا الحديث "عليه ما أصدقها بما استحل من فرجها" وما أصدقها هو المسمى هذا مذهب الحنابلة.

ص: 226

القول الثاني: أن عليه مهر المثل لا المسمى، واستدل هؤلاء بذات الحديث فقالوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" فلها المهر بما استحل من فرجها" فجعل النبي صلى الله عليه وسلم سبب المهر هو استحلال الفرج لا العقد، والواجب بالوطء هو مهر المثل لا المسمى، والنبي صلى الله عليه وسلم علق المهر على الوطء لا على العقد، وهذا القول اختاره ابن قدامة وهو الصحيح إن شاء الله، إذ كيف نرتب على العقد الفاسد المسمى في ترتيب مهر المسمى على العقد الفاسد تصحيح للعقد الفاسد، ونحن نرى أنه فاسد يعني لم ينعقد أصلاً، ولهذا إن شاء الله الراجح هو هذا القول وهو انه مهر المثل.

المسألة الثانية: التي أشار إليها الماتن الخلوة، فالخلوة تقرر المهر المسمى عند الحنابلة، واستدلوا على هذا بالقياس على النكاح الصحيح، قالوا كما أن الخلوة تقرر المهر المسمى النكاح الصحيح، فكذلك في النكاح الفاسد، بجامع أن في كل منهما وطء ودخول.

القول الثاني: أن الخلوة لا توجب على الزوج شيئاً، واستدلوا بأنه في حديث عائشة جعل النبي صلى الله عليه وسلم سبب المهر الوطء وهنا لا يوجد وطء، بناءً على هذا إذا تزوج رجل امرأة بلا ولي وخلا بها بلا وطء جلس معها ليلة الزفاف خلوة كاملة بلا وطء ولم يمسها إلى الصبح فإنه إذا جاء الصبح وأُخبر أن العقد فاسد فأنهما يفترقان ولا يترتب على هذا شيء، بينما عند الحنابلة يترتب المسمى، وهذا فرق كبير جداً بين أن يترتب المسمى وبين ألا يترتب شيء، والراجح إن شاء الله أنه لا يترتب شيء لما تقدم من حديث عائشة وهو أصل في هذا الباب.

قال المؤلف رحمه الله:

(ويجب مهر المثل لمن وطئت .. )

بدأ الكلام عما يشبه النكاح الفاسد وليس بنكاح فاسد، فإذا وطء الإنسان امرأة وطء شبهة فإنه يجب عليه أن يدفع مهر مثلها كاملاً، والدليل على هذا من وجهين:

الأول: الإجماع فإنه حكي الإجماع على هذه المسألة وهي وجوب مهر المثل في وطء الشبهة.

الثاني: عموم حديث عائشة فإنها تقول فلها المهر بما استحل من فرجها، فجعلت المهر بسبب استحلال الفرج وهذا استحل الفرج.

ص: 227

القول الثاني: وطء الشبهة لا يجب شيء واستدل هؤلاء بأن: الشارع إنما علق المهر ونحو المهر بوجود الزوج وشبهة، وهذا ليس بزوج، وهذا الثاني اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، والراجح إن شاء الله المذهب، سبب ذلك أنه يظهر بوضوح وجلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم علق وجوب دفع مهر المثل بالوطء، وهذا ظاهر، ولهذا يقول بما استحل يعني بسبب استحلاله الفرج، وهذا واضح، ومع وجاهة وقوة ما ذكره الشيخ إلا أنه لا يكفي في الخروج عن ظاهر هذا الحديث، هذا هو النوع الأول وهو وطء الشبهة.

وقبل أن ننتقل إلى الثاني، وطء الشبهة يأخذ حكمه وطء آخر، وهو الوطء في نكاح باطل، فالوطء في نكاح باطل حكمه حكم وطء الشبهة، فإذا عرفت حكم وطء الشبهة عرفت حكم النكاح الباطل، وبالإمكان أن يضاف هذا لمساءل الفروق بين النكاح الفاسد والنكاح الباطل، وعلى هذا يكون مقتضى اختيار شيخ الإسلام أنه إذا حصل نكاح باطل فإنه لا يجب شيء ولو مع الدخول الوطء.

قال المؤلف رحمه الله:

(أو زناً كرهاً)

إذا زنا بامرأة غصباً وكرهاً فلها مهر المثل، استدل الحنابلة بحديث عائشة السابق بما استحل من فرجها.

القول الثاني: أن لها المهر إن كانت بكراً، وليس لها شيء إن كانت ثيبة.

والقول الثالث: أنه لا شيء لها، واستدل الذين قالوا بأن لا شيء لها بأن النبي صلى الله عليه وسلم:" نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي" فمهر البغي أبطله الشارع، وهذا القول الثالث اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، وهو فيما يظهر لي الآن غاية في الضعف، والسبب في ذلك، أن هذه المزني بها كرهاً، كيف نعتبر الموطوءة بزناً حكمها حكم البغي، البغي رضيت بالبغاء فلا حق لها ولا مهر، وهذه وطئت غصباً، بل إنها المزني بها غصباً أولى بمهر المثل من الموطوءة بشبهة، لأن الوطء بشبهة لا يوجد إجبار منه ولا منها، وإنما محض خطأ، وهنا هذه المرأة مجبرة ومعتدى عليها فهي أحق بمهر المثل من الأولى، ولهذا في الحقيقة غريب اختيار الشيخ اللهم إلا أن يكون له مأخذ آخر لم يذكره، أما التسوية بين وطء الزنا بالرضا والموطوءة بزناً كرهاً هذا غريب، لذلك الراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة وهو أن لها مهر المثل.

قال المؤلف رحمه الله:

ص: 228

(أو زناً كرهاً)

خرج بالزنا الكره الزنا بالمطاوعة، فهذه لا مهر لها وعليها الحد، فإذاً قيد معتبر قوله كرهاً.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولا يجب معه أرش بكارة)

لا يجب مع الوطء بشبهة ولا مع الزنا كرهاً أرش بكارة، والسبب في هذا يرجع إلى أمرين:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة أوجب على الواطء مهر المثل فقط، ولم يتطرق إلى الأرش، فنقتصر على الموجود في الحديث.

والدليل الثاني، وهو من حيث المعنى وهو قوي أيضاً، أن أرش البكارة موجود في مهر المثل لأنه حين تقدير مهر المثل نراعي أنها بكراً، فثمن البكارة متضمن في مهر المثل، وهذا كلام جيد وسديد، إذاً لا يجب عليه أن يدفع أرش البكارة، وتقدم معنا أن أرش البكارة هو الفرق بين قيمة الأمة ثيباً وقيمتها بكراً، أو الفرق بين مهر المرأة ثيباً وبين مهرها بكراً.

قال المؤلف رحمه الله:

(وللمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال)

يعني أنه يجوز للمرأة أن تمنع نفسها يعنى ألا تسلم نفسها للزوج حتى تقبض مهرها، لكن بشرط أن يكون هذا المهر حالاً، الدليل على هذا الحكم من وجهين:

الأول: الإجماع، فإنه حكي الإجماع على أن للمرأة أن تمنع نفسها.

الدليل الثاني: أنه ربما فض بكارتها ثم امتنع عن دفع المهر أو ماطل فيه، وحينئذ لا يمكن أن نستدرك البكارة، وهذا كما ترون أدلة قوية جداً، فللمرأة أن تقول لن أذهب إلى بيت الزوج حتى يكمل المهر الحال.

عرفنا حكم هذه المسألة، مسألة ملحقة بها ظاهر كلام الحنابلة أن للمرأة أن تمنع نفسها من الزوج ولو كان مثلها لا يصلح للوطء لها أن تمتنع مطلقاً.

والقول الثاني: أن للمرأة أن تمنع نفسها من الزوج، أي من تسليم نفسها لبيت الطاعة، إذا كانت تصلح للوطء، أما إذا كانت لا تصلح للوطء فيجب عليها أن تذهب، لأن المعنى الذي من أجله جوزنا لها الامتناع مفقود فيمن لا يمكن أن توطء، وهذا القول الثاني هو الصحيح، لأنه لا معنى من الامتناع مع أنه لا يمكن أن يوطأ مثلها، ومن هذا الخلاف عرفنا أن الإجماع المحكي في المسألة الأولى يتنزل على المرأة التي يمكن أن توطأ.

قال المؤلف رحمه الله:

(إن كان مؤجلاً .. )

هذه ثلاث مسائل:

ص: 229

الأولى: إن كان مؤجلاً، فإذا كان المهر مؤجلاً فليس لها أن تمنع نفسها من التسليم، وجه ذلك أنها برضاها بالتأجيل رضيت بتسليم نفسها، وهذا صحيح، بأنها لما رضيت بالتأجيل علمنا أنه لا مانع عندها من تسليم نفسها، ولأن القول بجواز منع نفسها مع التأجيل يفضي إلى عدم حصول المقصود من النكاح، لأن الحنابلة يرون أنه يجوز أن يكون المهر مؤجلاً بغير حد معلوم، أليس كذلك كما تقدم معنا، إذاً على هذا ربما تبقى الزوجة في بيتها أو الزوج في بيته سنين، ولا يلزم المرأة أن تذهب إلى زوجها وهذا يتنافى مع كل مقاصد النكاح.

المسألة الثانية: أو حل قبل التسليم، يعني إذا كان المهر مؤجلاً ثم لم تسلم نفسها حتى حل، فحينئذ يجب أن تسلم نفسها ولو كان المهر الآن حال، والسبب في ذلك أن وجوب التسليم مستقر قبل حلول أجل المهر، بناءً على هذا إذا حل الأجل ولم يسلم فإنه يجب أن تذهب إلى بيتها، لأن وجوب التسليم سابق لموعد الحلول.

المسألة الثالثة: أو سلمت نفسها تبرعاً، إذا سلمت المرأة نفسها تبرعاً يعني في صورة تستطيع أن لا تسلم نفسها، فإنها بمجرد التسليم لا يجوز لها الرجوع، ودليلهم على هذا أنه بالدخول استقر عوض المرأة فلا تتمكن من الرجوع، هذه مسألة مهمة جداً ويكثر وقوعها.

ص: 230

القول الثاني: أن لها الامتناع عن تسليم نفسها ولو رضيت في وقت من الأوقات، واستدل هؤلاء بأن الموجب والمسوغ لامتناع المرأة هو عدم تسليم المهر، ولا زال هذا المعنى موجوداً، وقبل الترجيح هذه المسألة من المسائل التي توقف فيها الإمام أحمد رحمه الله، وتقدم معنا أنه مثل هذا الإمام الكبير إذا توقف فهو إشارة إلى وجود بعض التعارض في أدلة المسألة، الذي يظهر لي أن المتوافق مع قواعد الشرع هو القول الثاني لأن الحقوق المتجددة لا تسقط بالإسقاط ولأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا كان علة الامتناع هو عدم دفع الزوج للمهر فهذه العلة موجودة، فالذي يظهر والله أعلم هو هذا أن لها أن تمتنع، وفي هذا القول في الحقيقة الثاني مع أنه قرب لقواعد الشرع أحفظ لحقوق النساء، لأنها قد ترضى في وقت من الأوقات ضانة أن الزوج سيؤدي الحق الذي عليه إن عاجلاً أو آجلاً، ثم يظهر لها أنه مماطل وأنه يدفع كلما جاء الوقت أخر فلها أن تمتنع وتذهب إلى أهلها إلى أن يدفع الزوج المهر وهذا إن شاء الله أقرب.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإن أعسر بالمهر الحال .. )

إذا أعسر بالمهر بشرط أن يكون الحال، فلها الامتناع، سواء قبل الدخول أو بعد الدخول.

نأخذ كل مسألة على حده.

المسألة الأولى: قبل الدخول، قبل الدخول للمرأة أن تمتنع عن تسليم نفسها إذا أعسر الزوج، لأنه بإعسار الزوج تبينّا عدم المقدرة على أداء العوض، وإذا لم يستطع أن يؤدي العوض جاز لها أن تمتنع، كما أن البائع إذا لم يؤدي المشتري الثمن جاز له الرجوع بالسلعة.

القول الثاني: أنه إذا أعسر فليس لها أن تمتنع، لأن هذا الإعسار غاية ما يكون دين في ذمة الزوج لا يمنع من الطاعة، كما إذا أعسر في النفقة القديمة، فإن هذا الإعسار لا يمنع من التسليم، وهذا القول الثاني اختاره الشيخ ابن قدامة وأيضاً الشيخ ابن حامد من الحنابلة وله اختيارات أيضاً جميلة.

المسألة الثانية: إذا كان بعد الدخول، وهي التي أشار إليها قوله (ولو بعد الدخول)، إذا كان بعد الدخول فالحنابلة كما ترون الحكم نفسه، أن لها الفسخ،

ص: 231