المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الموصى إليه] - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٥

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌[باب الموصى إليه]

الأول: أنّ هذا الحكم مروي عن الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه

الثاني: أن هذه اللفظة عند العرب تحمل على السدس، فقول الشيخ هنا بسهم من ماله فله السدس يعني أنّ العرب كانوا إذا قيل أعطيت فلان سهم فهو ينصرف إلى ماذا؟ إلى السدس.

والقول الثاني: أنّ له مثل أقل الورثة، لأنّ السهم مجهول فيعطى الأقل احتياطاً، والراجح مذهب الحنابلة إلاّ إذا كان السهم في وقت من الأوقات عرفاً يطلق على مقدار معيّن، يجب أن نحمله على هذا العرف، وإذا لم يكن هناك عرف فإنّا نحمل السهم على السدس، ولو لم يكن في الباب إلاّ أثر ابن مسعود لكفانا ولله الحمد.

قال المؤلف رحمه الله:

(وبشيء أو جزء أو حظ أعطاه الوارث ما شاء)

إذا أوصى بشيء، أو بجزء، أو بحظ، فإنّ الورثة يعطونه ما شاءوا قلّ أو كثر، والدليل على هذا من وجهين:

الأول: الإجماع، فإنهم أجمعوا أنه إذا قال أوصيت له بشيء، أو بحظ ،أو بنصيب، فإنه إذا أعطي أي شيء، وأيّ حظ أجزء.

الثاني: أنه إذا أوصى له بجزء، وأعطوه أيّ شيء، صدق عليه أنه أخذ جزءًا، وبهذا نكون نفذّنا وصيت الموصي، والواجب على الورثة لا يتعدى أن ينفّذوا وصية الموصي، وهذا الحكم كما سمعتم إجماع وهو صحيح، لكن ينبغي إذا أوصى بشيء أو بجزء، أن يعطى من وجهة نظري أنه ينبغي إذا بشيء أو بجزء أن يعطى السدس، لأنه إذا كان العرب يحملون السهم على هذا، فكلمة شيء أو جزء من المعلوم أنه ما أراد أن يعطوه أتفه الأمور، وإنما أراد أن يعطوه شيئا ولو لم يكن كثيراً، وأقرب ما يكون هذا الشيء الذي ليس بكثير السدس حملاً على فتاوى الصحابة، لو قيل أيضاً بهذا كان متوجه، يعني أنه ينبغي، أما الحكم فهو محل إجماع، أنه يجوز أن يعطى أيّ شيء.

[باب الموصى إليه]

قال المؤلف رحمه الله:

(تصح وصية المسلم إلى كل مسلم، مكلف، عدل، رشيد، ولو عبداً)

تقدم معنا في أول الوصايا أنّ الوصايا تنقسم إلى قسمين: أمر بتبرع وأمر بتصرف، أليس كذلك؟

فالأمر الذي بالتبرع هو ما تقدم معنا من الوصية له، وأما الأمر بالتصرف فهو الوصية إليه، وهو هذا الباب الذي معنا.

ص: 49

واختلف الفقهاء رحمهم الله هل الأولى للإنسان أن يقبل الوصية إليه أو أن يرد، فذهب الحنابلة إلى أنّ الأولى والمستحب والأحب إلى الله أن يقبل بشرط أن يكون قوياً وعارفاً، أن يكون قويا على تطبيق الوصية، وعارفا بكيفية التطبيق، فإذا تحققت الشروط فالأولى والأحسن والأفضل أن يدخل فيها، وأن يمتثل بأداء ما أوصي إليه من الأعمال.

القول الثاني: أنّ الأفضل الترك، والاحتياط، وذلك خوفاً على النفس من الخيانة أو التقصير، والراجح إن شاء الله القول الأول وهو المذهب والسبب في ذلك، أنّ عدداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أوصي إليهم فقبلوا وهم سادة الخلق، وأكثرهم طاعة وورع وتقوى هذا أولا.

ثانياً: أنّ قبول الوصية إليه يدخل في قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى} ، فإنه من الغالب أنّ الموصي ما أوصى إليه إلاّ لظنه أنه سيقوم بالواجب، ولحرص الموصي على موضوع الوصية أيّا كانت وصية مالية أو تصرفات أخرى، فإذا إن شاء الله الأقرب هو هذا أن يقبل إذا قوي وكان عالماً بأداء الواجب.

قال المؤلف رحمه الله:

(تصح وصية المسلم إلى كل مسلم)

قوله تصح الوصية إلى كل مسلم، أفادنا مسألتين:

المسألة الأولى: جواز الوصية إلى المرأة، فيجوز أن يوصي إلى امرأة، سواء كان موضوع الوصية تربية، أو موضوع الوصية مالية أو أيّا كان موضوع الوصية، وإلى هذا ذهب الجماهير، بل إنّ هذا الحكم حكي إجماعاً في أكثر من كتاب، فهو في الحقيقة مذهب أكثر أهل العلم واستدلوا على هذا بأنّ الوصية نوع من التوكيل والمرأة يجوز أن توكل.

القول الثاني: أنه لا يجوز أن نوصي إلى امرأة، ولم أرى أحداً ذهب إلى هذا القول إلاّ شخص واحد، من كبار وأئمة التابعين وهو الإمام عطاء رحمه الله فإنه ذهب إلى عدم صحة الوصية إلى المرأة، وقوله مرجوح، بل لو قيل إنه قوله شاذ لكان لهذا القول وجه، والسبب في ذلك أنّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوصى إلى حفصة ولم ينقل عن أحد من الصحابة إنكار ذلك.

فالقول بعدم صحة الوصية إلى المرأة يخالف الجماهير والإجماع، ويخالف الآثار، وهذا يقّربه من الشذوذ، وعلى كل حال استقّر الأمر على الجواز.

ص: 50

المسألة الثانية: التي أفادنا المؤلف بها أنه لا يجوز أن نوصي إلى كافر، لأنّ الكافر ليس له ولاية على المسلم وإطلاق كلام الحنابلة على يفيد أنه سواء كان الكافر ذميّ أو مستأمن أو غير ذلك، لا يجوز مطلقاً وهذا صحيح أنه لا يجوز الوصية إلى الكافر لأنه ليس أهلاً للأمانة ولأنه لم يجعل الله له ولاية على المسلم.

قال المؤلف رحمه الله:

(مكلف، عدل، رشيد، ولو عبداً)

مكلف، المكلف: هو البالغ العاقل، بناء على هذا لا يجوز أن نوصي إلى مجنون، ولا يجوز أن نوصي إلى صغير، والسبب في ذلك أنّ الوصية تتضمن الولاية، وهؤلاء لا يملكون الولاية على غيرهم، لأنهم لا يملكون الولاية على أنفسهم، فكيف بغيرهم، وهذا لا إشكال فيه، أنّ المجنون لا يجوز أن نوصي إليه، يبقى الإشكال في الصبيّ الذي نهز البلوغ وقرب منه ولم يبلغ، فالحنابلة يرون أنه لا يجوز أن نوصي إليه، لأنه لم يبلغ ومازال صغيراً على تحمّل الولاية، ومن الفقهاء من قال إذا كان يحسن التصرف وقد قارب البلوغ وهو كبير فإنه لا بأس بالوصية إليه، والراجح مذهب الحنابلة مادام لم يبلغ وصغيراً فإنه لا يوصى إليه.

قال المؤلف رحمه الله:

(وعدل، رشيد)

قوله وعدل يعني فلا يجوز أن نوصي إلى فاسق، لأنّ موضوع الوصية الولاية، والولاية تقتضي الأمانة، والفسق يتنافى مع الأمانة.

والقول الثاني: أنه يجوز أن نوصي إلى الفاسق، لكن يضم إليه عدل.

والقول الثالث: أنه يجوز أن نوصي إلى الفاسق مطلقاً، وذكر هذا القول رواية عن الإمام أحمد، قال الشيخ المرداوي وهو بعيد جداً، وهو كما قال الجواز بالإطلاق بعيد جداً.

القول الرابع: وهو مذهب المالكية والأحناف، أنه يجوز أن نوصي إلى الفاسق إذا أمِنا الخيانة وكان قوياً على العمل، وهذا القول هو الراجح لأنه قد يكون في الفاسق مع أمانته غِناء لا يكون في غيره، لمعرفته في موضوع الوصية، وإحسانه التصرف فيها، فحينئذ المنع من الوصية إليه فيه إضرار بموضوع الوصية، على كل حال إذا تحقق الشرطان، فالأقرب ما ذهب إليه المالكية وهو الجواز والصحة.

قال المؤلف رحمه الله:

(رشيد)

ص: 51

الرشيد يشترط بناءاً عليه لا يصح أن نوصي إلى من لا يحسن التصرف، لأنّ الإيصاء إليه مناقض للمراد من الوصية فإنّ المراد من الوصية أن يقوم عليها بالإصلاح والعناية والحفظ، وهذا لا يحسن التصرف فكيف سيقوم عليها بالعناية والحفظ والإصلاح.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولو عبداً)

يجوز أن يوصي إلى العبد، وظاهر كلام المؤلف سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره، إلاّ أنه إذا كان عبداً لغيره فاشترط المؤلف قال ويقبل بإذن سيده، يشترط إذا كان عبد غيره أن يكون بإذن السيد، والسبب في اشتراط الإذن، أنّ منافع العبد مستحقة لسيده، فلا يقبل إلا بإذنه لأنّ الحق له في المنافع.

والقول الثاني: أنه لا يصح الوصية للعبد مطلقاً.

والقول الثالث: أنه لا يصح الوصية لعبد غيره ويصح لعبد نفسه، والأقرب مذهب الحنابلة أنه يجوز مطلقاً إلاّ إذا كان العبد لغيره فإنه يشترط رضا السيد، وهذا القول هو الراجح وقد يكون في العبد من الغناء وجودة التصرف وإحسان التعامل ما ليس في غيره، والمقصود من الوصية هو هذا.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإذا أوصى إلى زيد وبعده إلى عمرو ولم يعزل زيداً اشتركا)

إذا أوصى إلى رجل ثم بعد سنة، أوصى إلى غيره ولم ينصّ في الوصية الثانية لا على عزل الأول ولا على إبقائه، فإنّ الحنابلة يرون أنه يبقى، لأنه ليس في الوصية الثانية ما يدل على عزل الموصى إليه الأول، فإنّ لفظ الوصية للثاني لا يتضمن عزل الأول.

القول الثاني: أنّ الوصية للثاني تلغي الوصية للأول، لأنّ الظاهر أنه إذا أوصى للثاني، أنه تراجع عن الوصية للأول، والأقرب الثاني إلاّ إذا دلت القرائن على أنه لم يرد أن يعزل الأول، حينئذ يشتركان، فيما عدا هذا فإنّ الظاهر أنه أراد أن يكون الوصي هو الثاني.

ولا يخفاكم إن شاء الله أنّ هذا الترجيح ليس بترجيح بيّن، مسألة ليست واضحة بدرجة كافية لكن يميل الإنسان إلى أن يكون الثاني هو المراد بالوصية دون الأول، لأنه الظاهر من صنيع الموصي أنه عدل عن الأول.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولا ينفرد أحدهما بتصرف لم يجعله له)

إذا أوصى الإنسان إلى اثنين، فهو أقسام:

ص: 52

القسم الأول: أن ينصّ على أنّ لكل واحد منهم أن يتصرف منفرداً، فحينئذ لكل واحد أن يتصرف منفرداً.

القسم الثاني: أن ينصّ على أنه لا يتصرف الاثنان إلاّ بالاشتراك حينئذ ليس لهما التصرف إلاّ بالاشتراك، يعني معنى الاشتراك، يتخذا القرار جميعاً، لا ينفرد أحدهما باتخاذ القرارات الخاصة بالوصية، والصورة الأولى والثانية التي ذكرت محل إجماع.

الصورة الثالثة: إذا أوصى إلى اثنين وأطلق، لم يبيّن هل هو على سبيل الاشتراك، أو على سبيل الإنفراد، حينئذ فيه خلاف فالمذهب أنه إذا أوصى إلى اثنين وأطلق فحكمه حكم الاشتراك، فلا يتصرفان إلاّ سوّياً.

والقول الثاني: أنّ لكل منهما أن يتصرف على إنفراد لأنه لم ينصّ على الاشتراك، والراجح رجحاناً بيّناً مذهب الحنابلة، لأنه من الظاهر جداً أنّ الموصي لماّ نصّ على اثنين أنه أراد أن يشتركا في اتخاذ القرار المناسب الذي هو في صالح الوصية، وهذا يحصل كثيراً والسبب في ذلك أن يكون أحد الوصيّين يحسن جانب، والآخر يحسن جانب آخر، أو يكون أحد الوصيّين متعجل جداً والآخر متأني جداً، فباجتماعهما يحصل الوسط، المهم قد يكون للموصي غرض بالجمع بين الاثنين، ومن الخطأ البيّن أن يوصي إلى اثنين ويجعل لهما التصرف على انفراد، لأنّ هذا يؤدي إلى الاضطراب، والتناقض وتضارب القرارات، لكنه لو صنع لصح.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولا ينفرد أحدهما بتصرف لم يجعله له)

إذا جعل بعض التصرفات خاصة له، فقال مثلاً أوصيت إلى زيد بأن يتصرف في المزارع، وأوصيت إلى عمرو بأن يتصرف في العمائر، صار كل واحد منهما يتصرف بما أوصي إليه فيه فقط، فزيد لا يتصرف في العمائر وعمرو لا يتصرف في المزارع، لأنّ الموصي خصص العمل لكل واحد في جهة معيّنة.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولا تصح وصية إلاّ في تصرف معلوم)

لأنه لن يتمكن من أداء ما أوصي إليه فيه، إلاّ إذا كان العمل معلوم، ولأنّ الوصية هي عبارة عن إذن في التصرف، والإذن في التصرف بدون بيان مجال التصرف لا قيمة له ولا فائدة، فإذاً لاشك بأنه لابد أن يكون التصرف معلوم.

قال المؤلف رحمه الله:

(يملكه الموصي)

ص: 53

يعني أنه يشترط في التصرف أن يكون مملوكا للموصي حال الحياة، لأنّ الموصى إليه إنما يتصرف بإذن الموصي، والموصي نفسه لا يتمكن من التصرف إلاّ فيما يملك، فكذا فيما يأذن فيه، وهذا أمر واضح، فلو قال أوصيت إلى عمرو أن يبيع ويشتري، بأملاك زيد والموصي اسمه خالد، هذه وصية باطلة لأنه أوصى في مالا يملك.

قال المؤلف رحمه الله:

(كقضاء دينه، وتفرقة ثلثه، والنظر لصغاره)

كقضاء دينه وتفرقة ثلثه، هذان مثالان لأمور يملكها الموصي، فالموصي يملك أن يقضي دينه ويملك أن يحدد مصارف الثلث، فلما ملك التصرف ملك الإذن، وملك أن يوصي، وقول الشيخ هنا رحمه الله (والنظر لصغاره) هذا من باب التمثيل وإلاّ فإنّ الحكم لا يقتصر على الصغار، بل يشمل كل من للموصي ولاية عليهم حال الحياة كالمجانين كأن يكون ولياً على المجانين، وكأن يكون ولياً على قُصر، وكأن يكون ولياً على من لا يحسن التصرف، كل من له ولاية عليهم في حال الحياة له أن يوصي بالولاية عليهم بعد الممات، فالمؤلف ذكر الصغار مجرد تمثيل وإنما مثّل بهم لأنهم الغالب.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولا تصح بما لا يملكه الموصي كوصية المرأة بالنظر في حق أولادها الأصاغر ونحو ذلك)

ص: 54

هنا أراد الشيخ أن يمثّل بما لا يملك، وبناء عليه لا يوصى به، فقول الشيخ ولا تصح بما لا يملكه الموصي، هو تكرار لقوله ولا تصح وصية إلاّ فيما يملكه الموصي أليس كذلك؟ إنما أعاده ليمثّل، والمثال هو كوصية المرأة في حق أولادها الأصاغر ونحو ذلك، معنى هذه العبارة أنه ليس للمرأة أن توصي بأولادها الأصاغر إلى زيد أو عمرو، بل تكون الولاية، للقاضي يصرفها إلى من شاء لماذا؟ لأنّ الحنابلة يرون أنّ المرأة لا تملك الولاية على أولادها الصغار، فعرفنا الآن أنّ هذه المسألة مبنية على مسألة أخرى، وهي هل تملك المرأة الولاية على أولادها الصغار أو لا، وهذه المسألة الثانية مهمة وهي محل خلاف بين الفقهاء، فذهب الحنابلة إلى أنّ المرأة لا تملك الولاية على أولادها الصغار، ومعنى هذا أنّ الولاية تنحصر في الأب والجد ووصيهما، فإذا مات الأب، فوصي الأب مقدم على الأم، لأنّ الأم لا تملك الولاية، دليل الحنابلة دليلهم هو القياس على ولاية النكاح، فقالوا لماّ كانت المرأة لا تملك ولاية النكاح كذا لا تملك الولاية الأخرى.

القول الثاني: أنّ المرأة تملك الولاية وهي مقدمة على وصي الأب، وعلى وصي الجد، واستدلوا على هذا بأنّ المرأة أكثر شفقة وأحرص على نفع الأولاد من وصي الأب والجد ، بل من الأب والجد.

ص: 55

الدليل الثاني: أنّا وجدنا أنّ بعض النساء تحسن التصرف ما لا يحسنه الرجال، وهذا القول الثاني أظهر إن شاء الله. كيف نجمع بين هذه المسألة وبين المسألة السابقة التي فيها أنه يجوز أن يوصي إلى المرأة بالإجماع؟ الجمع بينهما أنه يجوز أن نوصي إلى المرأة فتكتسب المرأة الولاية، من خلال الوصية لأنّ الموصي للمرأة يملك الوصية ويملك الولاية، لكن المرأة نفسها لا تملك الولاية فلا تملك أن توصي بها إذاً لاحظت الآن الفرق بين المسألتين، ومن هنا يمكن للأب الفطن الحكيم، إذا رأى أنّ زوجته خير من يقوم بأمر الأولاد أن يصنع ماذا؟ أن يوصي إليها لأنه لو مات بلا وصية فإنها لا تستحق عند الحنابلة، لكن لو أوصى لها استحقت عند جميع الفقهاء، إذاً الآن هذا العلم قد يسهّل للإنسان الاستفادة ممن يحسن الاستفادة مِنه الذين يرى الميّت أنهم أحق بولاية الأطفال، هذه المسألة مبنية على المسألة السابقة، فعلى القول أنها تملك الولاية لا تملك أن توصي، وعلى القول أنها تملك الولاية تملك أن توصي.

قال المؤلف رحمه الله:

(ومن وصي في شيء لم يصر وصياً في غيره)

صحيح لأنه استفاد الوصاية بالإذن، والإذن قيّده في هذا الشيء فلا يتعداه إلى غيره، فإذا أوصى إليه في جزء من المال أو في نوع من الأراضي، أو في نوع من التصرفات فقط، فإنه يختص بهذا النوع ولا يتعداه إلى غيره.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن ظهر على الميّت دين يستغرق تركته بعد تفرقة الوصي لم يضمن)

المقصود بهذه العبارة، إذا قام الوصي بتفرقة الثلث، ثم لماّ فرّقه ظهر أنّ على الميّت دين يستغرق التركة، فإنّ الوصي لا يضمن، لأنه تصرف بإذن الشارع، ومن تصرف تصرفاً مأذوناً له فيه لم يضمن، إلاّ أنه إذا كانت العين المفرّقة لازالت موجودة، فإنه يجب على من أخذها أن يردها، لأنّ حق الدائن مقدم على حق الوصي، وفي كل حال الوصي لا يضمن، لأنه ليس منه تفريط وليس منه تعدّي.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن قال ضع ثلثي حيث شئت لم يحل له ولا لولده)

إذا قال ضع ثلثي حيث شئت لم يحل له ولا لولده وإنما يجب أن يعطيه إلى جهة خارجية، واستدل الحنابلة على هذا بأمرين:

ص: 56

الأمر الأول: أنّ الوصي مأمور بتنفيذه وإخراجه، أي الموصى به، وإذا أعطى نفسه أو أحداً من أبنائه فإنه لم يخرجه.

الدليل الثاني: أنّ تصرفه هذا محل تهمة، فقد يراعي ويحابي نفسه أو أقربائه.

القول الثاني: أنه يجوز أن يعطي نفسه وأن يعطي أبنائه، واستدلوا بأنّ لفظ الموصي عام يتناول الموصى إليه وأبناء الموصى إليه وغيرهم من الأجانب.

القول الثالث: أنه ليس له أن يعطي نفسه، وله أن يعطي أبنائه، والراجح المذهب أنه لا يجوز أن يعطي لا نفسه ولا أبنائه، إلاّ في صورة واحدة وهو إذا علمنا من الموصي أنه أراد أن يدخل الموصى إليه في الوصية، أو دلّت القرائن.

((الآذان))

ص: 57

قال المؤلف رحمه الله:

(ومن مات بمكان لاحاكم فيه ولا وصي، حاز بعض من حضره من المسلمين تركته، وعمل الأصلح حينئذ فيها من بيع وغيره)

قوله (حاز) هو على سبيل الفرضية يعني يجب لكنه فرض كفاية، فإذا مات الإنسان في مكان ليس عنده إلاّ الجماعة المرافقين له، فإنه يجب على أحدهم أن يحوز المال، وذلك صيانة للمال عن الضياع، وقوله (وعمل الأصلح فيها من بيع وغيره).

الدليل على أنه يحوز وأنه يعمل الأصلح، أنّ هذا موضع ضرورة، لأنّ المال لو ترك لفسد، فعليه أن يحوز المال وعليه أيضاً أن يعمل فيه الأصلح، فإن كان الأصلح البيع باع، وإن كان الأصلح الإمساك أمسك، وينظر في صالح هذا المال ويعمل على وفقه وجوباً.

وقول الشيخ هنا (حاز) في هذه النسخة يوجد من وجهة نظري خطأ يقول هنا (حاز بعض من حضر من المسلمين تولي تركته) في النسخة الأخرى التي أشار إليها (جاز لبعض من حضر من المسلمين تولي تركته) الصواب إن قلنا حاز أن نحذف توّلي، وتكون المسألة (حاز بعض من حضر تركته) والنسخ التي فيها حاز كلها المخطوطة ليس فيها تولّي، وإن اخترنا نسخة جاز أضفنا كلمة تولّي، أما أن نختار حاز ونضيف تولّي فهذا خطأ، إما أن نقول حاز بلا تولّي أو جاز مع التولّي حتى يستقيم الكلام، وبهذا ولله الحمد تم الباب.

وهذا تيسير من الرب سبحانه وتعالى.

(كتاب الفرائض)

و (كتاب العتق)

ذكر شيخنا أنه سيؤخر شرحهما وذكر في الدرس الأسباب.

ص: 58