المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الدرس: (1) من اللعان   قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٥

[أحمد الخليل]

الفصل: الدرس: (1) من اللعان   قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس: (1) من اللعان

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله:

‌كتاب اللعان

اللعان مشتق من اللعن وهو: الطرد والإبعاد من رحمة الله.

في الاصطلاح: اسم لما يجري بين الزوجين من الشهادات التي تكون بألفاظ مخصوصة ، وهو مشروع بالكتاب والسنة.

وأما الكتاب فقوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين} (النور/4)، وأما السنة فما ثبت في الحديث الصحيح أنّ عويمر العجلاني رضي الله عنه لاعن زوجته بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقصة عويمر ثابتة في صحيح البخاري ومسلم فعرفنا الآن التعريف وأصل المشروعية.

مسألة:

اللعان شرع في الإسلام لأمرين: -

الأول: إسقاط الحد عن الزوج.

الأمر الثاني: نفي الولد وهو المقصود من اللعان.

إما تخليص الزوج من الحد إذا قذف زوجته أو نفي الولد. وسيأتي تفصيل ذلك لاحقا.

قال المؤلف رحمه الله:

(يشترط في صحته: أن يكون بين زوجين إلى آخره)

يلاحظ على المؤلف رحمه الله أنه شوش الترتيب جداً حيث بدأ بالشروط ثم انتقل بعد ذلك إلى حقيقة اللعان وليس من العادة البدء بالشروط، بل بالحقيقة الشرعية أولاً ليحصل التصور للمسألة ثم تذكر بعد ذالك الشروط، أضف إلى هذا أن المؤلف لم يذكر الشروط كلها مجتمعة في مكان واحد بل فرقها وقد خالف المؤلف رحمه الله أصل الكتاب وهو المقنع، فإن ابن قدامة لم يصنع كصنيع المؤلف وإنما بدأ بحقيقة اللعان ثم انتقل إلى الشروط فأتى بها مرتبة مبسطة سهلة المنال.

أما المؤلف رحمه الله يقول (يشترط في صحته: أن يكون لصحة اللعان أربعة شروط سيذكرها المؤلف مشوشة كما قلت.

الشرط الأول: أن يكون بين زوجين ، فإنه في الشرع لا يوجد لعان إلاّ بين زوجين فإذا قام الشخص بقذف امرأة ليست زوجته فلا لعان وإنما يحد لأنه قذفها إن كانت محصنة أو يعزّر إن كانت غير محصنة.

ص: 451

إذا اللعان خاص بما يكون بين الزوج وزوجته فقط لظاهر الآية السابقة. لأنها خصت اللعان بقذف الزوجة فقال تعالى "والذين يرمون أزواجهم "فنصت عليهم، ولأنه في حديث أوس وسلمة كان اللعان مع الزوجة.

يقول الشيخ يشترط أن يكون بين زوجين، لم يبيّن هل يشترط التكليف أو لا يشترط والواقع أنه يشترط في الزوجين التكليف فقط فلا يشترط الإسلام بل يشترط التكليف فإذا كان كل من الزوجين مكلفاً فإنّ اللعان يصح، وأما إذا لم يكن أحدهما مكلفاً فسيذكر المؤلف حكم ذلك، الذي يعنينا الآن أنّ الشرط الأول أن يكون اللعان بين زوجين وأن يكون الزوجان مكلفان.

قال المؤلف رحمه الله:

(ومن عرف بالعربية لم يصح لعانه بغيرها)

يعني أن يكون اللعان باللغة العربية ، فمن كان عارفاً باللغة العربية ولاعن بغيره فلا يصح ولا تترتب عليه آثاره لأنّ الله تعالى أمر باللعان بألفاظ عربية لا يقوم غيرها مقامها كما في أذكار الصلاة.

القول الثاني: له أن يلاعن بغير العربية ولو عرفها وهذا أصح الوجهين عند الشافعية لأن المقصود المعاني لا الألفاظ.

قال المؤلف رحمه الله:

فإذا أقذف امرأته

لم يبين المؤلف حكم القذف ابتداءً وله أقسام:

القسم الأول: أن تكون عفيفة فقذفها حينئذ محرم وهو من الكبائر.

القسم الثاني: أن يراها تزني أو تعترف بذلك ولا يترتب على ذلك حمل فهنا يجوز أن يقذف ويلاعن ويجوز أن يستر عليها وهو أولى للنصوص العامة في الستر ويطلق إن كرهها.

القسم الثالث: كالسابق لكن مع الحمل ويتيقن أو يغلب على ظنه أنه ليس منه فهنا يجب أن يلاعن لنفي الولد لأنه لو لم يفعل لورثه ونظر إلى بناته وقريباته وهذا لا يجوز.

القسم الرابع: كالسابق لكن لا يدري هل الولد منه أو من الزاني وفي هذا القسم خلاف:

القول الأول: يجوز أن يلاعن.

القول الثاني: يحرم لأن الأصل أن الولد للفراش ولو لاعن لكان في هذا تعيير للولد وبإمكانه أن يطلق.

القول الثالث: يجب إذا كان الولد شبيهاً بالزاني وإلا فلا يجوز لأن الأصل أن الولد للفراش.

قلت الراجح أنه يتأكد من نسب الولد بالرجوع للأطباء ويحكم بناء على النتيجة.

قال المؤلف رحمه الله:

فإذا قذف امرأته بالزنا فله إسقاط الحد باللعان

ص: 452

أي إذا قذفها فعليه الحد ولا تقبل له شهادة ويحكم بفسقه إلا أن يأتي ببينة أو يلاعن أو تصدقه فيسقط الحد بأحد هذه الأمور.

ثم بدأ المؤلف رحمه الله ببيان صفة اللعان مفصلاً.

قال المؤلف رحمه الله:

(فيقول قبلها أربع مرات: اشهد بالله)

تقدم معنا أنه إذا قذف امرأته بالزنا فيجب عليه الحد ولا تقبل له شهادة ويحكم بفسقه إلاّ إن أتى ببيّنة أو لاعن، أمر القذف أمر عظيم في الإسلام إذا قذف زوجته فتترتب عليه أحكام القذف ولا يخرج منها إلاّ بأحد أمرين البيّنة أو اللعان فإذا امتنع عن اللعان ولم يتمكن من إقامة البيّنة أربع شهود يرون الزنا صراحة فإنه يحد حد القذف، ولهذا قال المؤلف فإذا قذف امرأته بالزنا فله إسقاط الحد باللعان، فلا يمكن أن يسقط عنه الحد إلاّ باللعان أو بالبيّنة وإنما لم يذكر المؤلف البيّنة لآنّ هذا الكتاب خاص باللعان فذكر إسقاط الحد باللعان فقط.

قال المؤلف رحمه الله:

(فيقول قبلها أربع مرات أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه ، ويشير إليها ومع غيبتها يسميها وينسبها وفي الخامسة وأنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين)

أفادنا المؤلف في صفة اللعان أنّ الذي يبدأ باللعان هو الزوج ويقول هذه العبارة التي ذكرها المؤلف ويجوز أن يقول:" أشهد بالله أني فيما رميتها به لمن الصادقين" بل هذا اللفظ هو الموافق لظاهر القرآن ففيه: "فشاهدة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ".

وعلم مما تقدم أنه على المذهب لا يلزم القاذف وهو الزوج أن يقول ـ إذا أراد أن يلاعن زوجته ـ:

" فيما رميتها به من الزنا" أي لا يشترط أن يصرح بقوله فيما رميتها به من الزنا.

والقول الثاني: أنّ اللعان لا يصح إلاّ إذا قال فيما رميتها به من الزنا يشير إلى ما رماها به من الزنا وجعله في الإنصاف المذهب، والصحيح أنه لا يشترط أخذاً بظاهر لفظ القرآن.

قال المؤلف رحمه الله:

(ثم تقول هي أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا ثم تقول الخامسة: وأنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين)

ص: 453

أي ثم تقول الزوجة أربع مرات:" أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا" ونقول في هذه العبارة ما قلنا في عبارة الزوج من أن لها أن تستبدل هذه العبارة بالعبارة التي جاءت في الآية فتقول:"أشهد بالله إنه لمن الكاذبين" ثم تقول في الخامسة:" وأنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين" ، ويلاحظ أنّ الله تعالى أمره بأن يلعن نفسه ، وأمرها بأن تدعو على نفسها بالغضب ، ومن المعلوم أنّ الغضب أشد من اللعن ، فلماذا جعل الله سبحانه وتعالى الأشد في حق الزوجة لا في حق الزوج؟ أجاب عن هذا الفقهاء بأنّ الغالب أن يكون الزوج صادقاً وأن تكون الزوجة كاذبة ، لأنه يبعد جداً أن يقدم الإنسان على ملاعنة زوجته وتلويث فراشه وسمعته وسمعت أبناءه إلاّ وهو صادق، كما أنّ المرأة أعلم بالزوج من وقوع الزنا من عدمه لأنها هي التي باشرت فشددت العبارة في حقها ، وهذه حكمة صحيحة.

ولما ذكر المؤلف كيفية اللعان بدأ بذكر المحترزات.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإن بدأت باللعان قبله)

لم يعتد بهذا اللعان لأنه خلاف ما أمر الله به ، وإذا عمل الإنسان عملاً هو خلاف ما أمر الله به فهو لا يعتد به وباطل.

قال المؤلف رحمه الله:

(أو نقص أحدهما شيئاً من الألفاظ الخمسة)

إذا نقص لفظاً من الألفاظ الخمسة فإنّ اللعان لا يصح ولا يعتد به لماذا؟ لأنّ الله تعالى علق اللعان وصحته على هذه الألفاظ الخمسة فإذا نقص منها شيئاً فلم يأتي بما علق الله عليه الحكم فلم يصح اللعان وهذا صحيح والأمر أمر عظيم أشد من ألفاظ الأذكار ، لابد أن يأتي بالألفاظ القرآنية كاملة كما هي ، فإنّ أخل بشيء لم يصح اللعان.

قال المؤلف رحمه الله:

(أو لم يحضرهما حاكم أو نائبه)

إذا لم يحضر الحاكم أو نائبه فإنّ اللعان لا يصح ، التعليل قاعدة:

[أنّ جميع الأيمان التي بسبب الدعاوى لا تصح إلاّ بحضرة الحاكم]

وهو صحيح لأنها يمين بسبب دعوى ففيها خصومة فلا تصح إلاّ بحضرة الحاكم، فلو قال رجل من أقارب الزوجين تلاعنوا في البيت حتى لا ينتشر أمركما فإنّ هذا اللعان لا تنبني عليه الأحكام ولا يصح.

قال المؤلف رحمه الله:

ص: 454

(أو أبدل لفظة أشهد بأقسم أو أحلِفُ ، أو لفظة اللعنة بالإبعاد ، أو الغضب بالسخط لم يصح)

إذا أبدل لفظة الشهادة بأقسم أو أحلف أو أبدل لفظة اللعن بالطرد أو الإبعاد فإنّ اللعان لا يصح لأنّ لفظ الإشهاد واللعن أعظم وأكثر زجراً وتخويفاً في النفس ، فلا يقوم غيره مقامه من الألفاظ.

والقول الثاني: أنه إذا أبدل هذه الألفاظ بما ذكره المؤلف فاللعان صحيح لأنّ العبرة بالمعنى وليس باللفظ. والراجح المذهب لوجهين: -

الوجه الأول: أنّا نقول صحيح أن العبرة بالمعنى وليس لفظ القسم، واليمين مساوياً للفظ الشهادة ولا لفظ الإبعاد والطرد مساوياً للفظ اللعن من كل وجه ، فإذا انتفى المعنى ولو سلمنا أنّ المعنى متحد فإنّ هذه الألفاظ خاصة أراد الشارع أن يتم التلاعن بها كما في أذكار الصلاة وكما في أذكار الصباح والمساء فلا يقوم غيرها مكانها، ولهذا نقول إن شاء الله لا يجزئ غير هذه الألفاظ من الألفاظ وإن تساوت معها في المعاني إذا افترضنا صحة تساويها معها في المعاني.

فصل

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة عزّر ، ولا لعان)

ذكر المؤلف مسألتين:

المسألة الأولى: إذا قذف زوجته الصغيرة.

والمسألة الثانية: إذا قذف زوجته المجنونة.

نبدأ بالمسألة الأولى: إذا قذف زوجته الصغيرة فالحكم أنه لا لعان وإنما يعزّر.

ومقصود الحنابلة بالصغيرة هنا يعني التي لا يوطأ مثلها وليس المقصود مسألة البلوغ أو عدمه ، فإذا قذف زوجته التي لا يوطأ مثلها فلا لعان وإنما يعزر ، السبب أنه لا لعان لأنّ قوله معلوم الكذب لأنّ هذه المرأة لا يوطأ مثلها فكيف يرميها بالزنا وهي لا يوطأ مثلها فلما كان كلامه معلوم الكذب فإنه لا لعان وإنما يعزر كما أنه لا يلحقها عار بهذا القذف هكذا قالوا وفي تعليلهم الثاني نظر.

أما إن كانت يوطأ مثلها كابنة تسع فإنها لا تطالب بحقها إلا بعد البلوغ وله إسقاطه باللعانـ أي الحد ـ إذا طالبت بعد البلوغ.

ص: 455

المسألة الثانية: المجنونة إذا قذف زوجته المجنونة فإنه لا لعان وإنما يعزر وعلل الحنابلة هذا بأنّ اللعان هو عبارة عن أيمان ويشترط لصحة الأيمان التكليف وهذه مجنونة وليست بمكلفة فلا يصح حلفها وأيمانها فلا يصح معه اللعان لأنّ اللعان لا يصح إلاّ بين زوجين فإذا بطل في أحد الزوجين بطل في الآخر ، وهذا الكلام من المؤلف عام يشمل ما إذا أراد الزوج أن يلاعن ليتخلص من الحد أو أن يلاعن لينفي الولد.

بناء على مذهب الحنابلة لا يستطيع الزوج أن ينفي الولد من زوجته المجنونة مطلقاً لأن نفي الولد لا يكون إلاّ باللعان واللعان مع المجنونة لا يصح وهذه مشكلة لأنه قد يعلم علم اليقين أنه زوجته زُنيَ بها وأنّ هذا الولد ليس بولد له ومع ذلك لا يستطيع أن ينفي الولد لأنّ اللعان باطل.

القول الثاني: في هذه المسألة أنّ الزوج إذا أراد أن يلاعن بقصد نفي الولد فقط صح ويكون اللعان في هذه الصورة من قبل الزوج فقط.

هذا القول قول العلامة القاضي أبي يعلى من الحنابلة وهو قول وجيه لأنه جمع بين الأدلة فنحن نقول للزوجة لا تلاعن لأنها غير مكلفة وإنما يلاعن الرجل لأنه أراد نفي الولد لا درأ الحد عن نفسه، وهذا القول إن شاء الله هو الصحيح.

قوله: (عزر ولا لعان)

التعزير هنا مقابل السب لا القذف لأن كلامه هنا يعتبر سباً لا قذفاً.

قال المؤلف رحمه الله:

(ومن شرطه: قذفها بالزنا لفظاً كزنيت ، أو يا زانية ، أو رأيتك تزنين في قبل أو دبر)

أي فلا يشترط أن يقول رأيتها تزني أو أن الحمل ليس مني لعموم الآية.

والقول الثاني: لا بد من أن يصرح بالرؤية أو بإنكار الحمل ولا يكتفي بزنيتي وهو مذهب مالك لأنه في حديث هلال قال: "رأيت بعيني وسمعت بأذني"، والراجح الأول لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والآية عامة.

قال المؤلف رحمه الله:

(في قبل أودبر)

يعني أنه لا يشترط في القذف أن يخصص بالقبل بل لو قذفها في الدبر صح ، لأنه وطء في فرج فصح القذف به ولأنّ الوطء في الدبر يلحقها به العار كما في القبل ، ففي هذه المسألة لا نفرق بين القبل والدبر.

قال المؤلف رحمه الله:

(فإن قال وطئت بشبهة أو مكرهة أو نائمة)

ص: 456

أي فلا لعان لأنه لم يقذفها بما يوجب الحد.

وظاهره لا لعان ولو كان ثم ولد وهو المذهب ويلحقه نسبه الحديث "الولد للفراش".

والقول الثاني: يلاعن الرجل وحده لنفي الولد لأنه محتاج إلى ذلك اختاره المجد والقاضي وهو أقرب.

قال المؤلف رحمه الله:

(أو قال: لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني)

إذا قال الزوج ، زوجتي لم تزني لكن هذا الولد ليس مني ، لحقه نسبه ولا لعان فصارت كمسألة الوطء بشبهة، والزوج إذا قال لم تزني لكن هذا الولد ليس مني ففي هذا القول إشكال لأنه إذا كانت زوجتك لم تزني كيف يكون هذا الولد ليس منك، وقد أجاب الحنابلة أنه ربما يقول أن زوجته وطئت بشبهة فإذا قال الزوج هذا الكلام نقول لا لعان ويثبت النسب ، والخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة تماماً ، من حيث أدلة الحنابلة واختيار الشيخ المجد واختيار الشيخ القاضي أبو يعلى، والصحيح إن شاء الله في هذه المسألة هو الصحيح في المسألة السابقة، فنقول أنه يلاعن بمفرده ليتمكن من نفي الولد ولا تلاعن المرأة لأنّ لعان المرأة يترتب على القذف ولا قذف في هذه الصورة.

قال المؤلف رحمه الله:

(فشهدت امرأة ثقة أنه ولد على فراشه)

المؤلف رحمه الله خلط بين مسألتين:

المسألة الأولى: هي المسألة السابقة وقد تقدم توضيحها.

المسألة الثانية: أن يقول لم تزن ولكن هذا الولد ليس مني لكن قال هذا الكلام بعد أن أبانها فالحكم في هذه المسألة أنه لا يلحقه النسب إلا إذا شهدت به امرأة بخلاف المسألة السابقة فيلحقه النسب ولو بلا شهادة لأنها فراشه، وفي المسألة الثانية نكتفي بشهادة امرأة واحدة لقصة التي شهدت بالرضاع.

والقول الثاني: لا بد من شهادة امرأتين وهو رواية عن أحمد.

أما إذا لم يشهد به أحد فالقول قول الزوج ولا يلحقه نسبه.

قال المؤلف رحمه الله:

(ومن شرطه: أن تكذبه الزوجة)

هذا هو الشرط الأخير وهو الرابع أن تكذب الزوجة الزوج.

وإتماماً لهذا الشرط نقول ويجب أن يستمر هذا التكذيب إلى نهاية اللعان فإن لم تكذب الزوجة الزوج فلا لعان وإنما يقام عليها الحد ولا نحتاج إلى لعان لأنها اعترفت بجريمة الزنا فيقام عليها الحد.

قال المؤلف رحمه الله:

ص: 457

(وإذا تّم سقط عنه الحد)

إذا تّم اللعان بالشروط السابقة ترتب عليه أربعة أحكام:

الحكم الأول: أشار إليه الشيخ بقوله سقط عنه الحد والتعزير، فإذا تّم اللعان فإنّ الحد يسقط عن الزوج أو التعزير إذا كانت الزوجة ليست محصنة ، إذا كانت محصنة سقط عنه الحد وإن كانت ليست محصنة سقط عنه التعزير، والدليل على هذا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم درأ الحد عن أوس وسلمة بن صخر بالملاعنة.

ولأن الشهادة أقيمت مقام البينة، والبينة تسقط الحد وكذا لو قذفها برجل بعينه سقط الحد عنه لهما لأن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك بن سحماء فلم يحده ولم يعزره له.

قال المؤلف رحمه الله:

(وتثبت الفرقة بينهما بتحريم مؤبد)

الحكم الثاني: أنّ الفرقة تثبت بينهما ، وظاهر كلام المؤلف أنّ الفرقة تثبت بمجرد اللعان ولا نحتاج إلى حكم الحاكم بالتفريق بينهما ويدل على أنّ الفرقة تثبت بمجرد اللعان أنّ الفرقة لو توقفت على حكم الحاكم لجاز إذا رضيا بالبقاء كالتفريق بالعيب وقياساً على التفريق بالرضاع بجامع أن كلاً منهما يقتضي التفريق المؤبد.

القول الثاني: أنّ الفرقة لا تثبت إلاّ بتفريق الحاكم لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما لاعن بينهما قال ابن عباس "وفرّق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم".

أجاب الحنابلة عن قول ابن عباس وفرّق بينهما يعني أعلمهما بالفرقة ، وليس إنشاء للتفريق منه صلى الله عليه وسلم. والذي يظهر أنّ الأقوى المذهب مذهب الحنابلة.

مسألة: الفرقة في اللعان تعتبر فسخاً وليست طلاقاً ، عند جماهير أهل العلم ولا تعتبر من الطلقات قياساً على التفريق بالرضاع فإنّ التفريق بالرضاع كان سببه معنى يمنع استمرار الزوجين واعتبرناها فسخاً كذلك اللعان.

قال المؤلف رحمه الله:

(بتحريم مؤبد)

هذا هو الحكم الثالث أنّ التحريم مؤبد وليس مؤقتاً والتحريم ينقسم إلى قسمين: -

أن يكون التحريم مع عدم إكذاب الزوج نفسه ،يعني إذا استمر الزوج ولم يكذب الزوج نفسه فالتحريم مؤبد في هذه الصورة بالإجماع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولا رجعة لك عليها ، وهذا اللفظ أنه لا رجعة له عليها إسناده صحيح وإن كان خارج الصحيح.

ص: 458

القسم الثاني: أن يكذب بعد ذلك نفسه فالجمهور أيضاً أنه لا رجعة له عليها أبداً استدلوا بعموم الحديث السابق.

والقول الثاني: وهو رواية اعتبرها الحنابلة شاذة عن الإمام أحمد أنه له أن يرجع وهو اختيار سعيد بن المسيب ، فإذا أكذب نفسه فهو خاطب من الخطاب له أن يرجع.

ترك المؤلف حكماً غاية في الأهمية وهو الحكم الرابع: انتفاء الولد.

والولد ينتفي من الملاعن بلا إشكال لكن اختلف الفقهاء هل ينتفي الولد ولو لم ينفه أثناء اللعان أو لا ينتفي إلاّ بشرط أن ينفيه أثناء اللعان؟.فيه خلاف:

القول الأول: أنّ الولد لا ينتفي إلاّ بماذا؟ إلاّ بتصريح الزوج بأنّ هذا الولد ليس بولده فيرميها بالزنا ويصرح أنّ الولد ليس بولده واستدل هؤلاء بأنّ اللعان غاية ما فيه أن يثبت أنّ هذه المرأة زنت وهذا لا يوجب نفي الولد.

القول الثاني: أن الولد ينتفي بمجرد اللعان ولو لم يذكر النفي أثناء اللعان.

واستدل هؤلاء بأنّ الذين لاعنوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في لعانهم انتفاء الولد أو الانتفاء من الولد بل في صحيح مسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بينهم وألحق الولد بأمه وليس في الحديث أنه أي الزوج ذكر أثناء اللعان أنّ هذا الولد ليس منه وهذا القول الثاني هو الصحيح بل إنّ الغالب من الملاعنين هو إرادة نفي الولد لا مجرد إثبات زنا الزوجة.

ص: 459

الدرس: (2) من اللعان

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

فصل

قال المؤلف رحمه الله:

(من ولدت له زوجته من أمكن أنه منه لحقه)

هذه قاعدة الباب أنه إذا ولدت زوجة الرجل ولداً يمكن أن يكون منه فإنه يلحق الزوج لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش)، وعند الحنابلة الشرط يمكن أن يكون هذا الولد منه أي ولو لم يثبت وطء ولا دخول فإذا أمكن أن يكون منه فإنه ينسب إليه ، ومثلوا لما لا يمكن أن يعقد الزوج على زوجته في المجلس بحضرة الحاكم ثم يطلق بحضرة الحاكم وهم جلوس حينئذ لا يمكن أن يكون منه وكذلك إذا تزوج وهو في بلد وهي في بلد ولا يتمكن أن يسافر إلى بلدها في أقل مدة الحمل حينئذ نقطع أنه ليس منه فإذاً الحنابلة لا يشترطون الوطء ولا الدخول وإنما يشترطون إمكان أن يكون هذا الولد من هذا الزوج واستدلوا بعموم الحديث السابق وبأنه يمكن أن يكون منه.

القول الثاني: أنه يشترط لتكون الزوجة فراشاً ويلحق الولد بالزوج أن يحصل الدخول وإلا فلا يلحق بالزوج وهذا القول الثاني اختيار شيخ الإسلام واختيار والده.

قال المؤلف رحمه الله:

(بأن تلده بعد نصف سنة منذ أمكن وطؤه ، أو دون أربع سنين منذ أبانها وهو ممن يولد لمثله) ذكر المؤلف شرطين لصحة حقوق النسب:

الشرط الأول: أن تلده بعد نصف سنة.

والشرط الثاني: أن يكون ممن يولد لمثله ـ وسيأتي الكلام عنه ـ.

نبدأ بالشرط الأول إذا ولدته بعد نصف سنة أو قبل مضي أربعة أشهر فإنّ هذا الولد ولده لأنّ ستة أشهر هي أقل مدة الحمل كما أن أكثر مدة الحمل أربع سنين، فإذا أتت به لأقل من ستة أشهر أو لأكثر من أربع سنين بعد الإبانة علمنا أنّ الولد ليس له قطعاً ولا يحتاج الزوج لنفي هذا الولد أن يلاعن وتقدم الكلام عن قوله "منذ أمكن وطؤه".

قال المؤلف رحمه الله:

(وهو ممن يولد لمثله كابنة عشر)

هذا هو الشرط الثاني وهو أن يكون الزوج ممن يولد له ومن يولد لمثله محل خلاف بين الفقهاء فالحنابلة يرون أنه ابن العشر وفهم من هذا أن ابن تسع لا يلحق به الولد لحديث "اضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" والأمر بالتفريق دليل على إمكان الوطء الذي هو سبب الولادة.

ص: 460

القول الثاني: أنّ من يمكن أن ينسب إليه ولد هو من بلغ بالإنزال ولا ننظر للسن لأنه قبل أن ينزل لا يمكن أن يكون الولد منه لأن الولد إنما يكون من الماء.

القول الثالث: أنّ من يمكن أن يولد لمثله هو ابن الاثني عشر سنة.

والخلاف السابق يفيد أن ابن تسع ليس ممن يولد لمثله بالاتفاق وهو محكي ـ أي الاتفاق ـ لكن الصحيح أن ابن التسع فيه خلاف لكن تركناه لضعفه والقول الثاني ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ومن حين وقفت على هذا القول وقع في ذهني أنه أرجح الأقوال لأنه كيف ننسب الولد لشخص لم يثبت أنه بلغ بالإنزال مع العلم أنّ الناس العلماء وغير العلماء أجمعوا أنّ الولد لا يكون إلاّ بالإنزال وهذه المعلومة أنّ الولد لا يكون إلاّ بالإنزال لا تخفى على الحنابلة أليس كذلك لا تخفى على أحد لكن ذهبوا إلى تقييده بابن العشر مراعاة وحفظاً للأنساب لأنّا نرى أنه في القصة التي ستأتينا لما تنازع سعد بن أبي وقاص مع عبد بن زمعة.

سيأتينا أنّ الولد يشبه عقبة ولا يشبه زمعة ونكاد نقطع أنّ هذا الولد ليس لزمعة ومع هذا جعله النبي لزمعة وعلل ذلك بقوله: (الولد للفراش) فنرى أنّ الشارع يثبت النسب مع علمه أنّ هذا الولد ليس لهذا الأب فمنطلق الحنابلة منطلق قوي مع هذا أنا أقول أنّ القول الثاني هو الراجح لأنه في هذه المسألة لا يوجد هنا نزاع حتى نلحقه بصاحب الفراش وإنما ابتداء نقول هل يمكن أن ينسب الولد لمن لم ينزل أصلاً أو لا يمكن ، فنحن نقول إن شاء الله الراجح أنه لابد من ثبوت الإنزال وإنما أردنا بهذا التطويل أن تعلم أنّ مذهب الحنابلة قوي وليس مصادماً لا للعقل ولا للشرع.

قال المؤلف رحمه الله:

(ولا يحكم ببلوغه إن شك فيه)

لا يحكم ببلوغ هذا الذي نسبنا إليه الولد إن شك ببلوغه لماذا؟ لأنّ الأصل عدم البلوغ ولأن البلوغ يترتب عليه أحكام كالتكليف ووجوب الغرامات وإنما أثبتنا النسب احتياطا للأنساب فقط وأيضاً نقول في هذه المسألة لا تظن أنّ في هذا التقرير تعارضاً ، كيف تقول لم يبلغ وتنسب إليه الولد؟ لما تقدم معنا أن المراد الاحتياط للأنساب.

قال المؤلف رحمه الله:

(ومن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دونه فولدت لنصف سنة ، أو أزيد لحقه ولدها)

ص: 461

إذا اعترف أنه وطء الأمة وولدت لأقل من نصف سنة فإنه ينسب إليه الولد ، والاعتبار بالمدة من الشراء أو من الوطء؟ بالنسبة للزوجة الاعتبار في المدة من العقد أما بالنسبة للأمة فهل هو من الشراء أو الوطء؟ مذهب الحنابلة أنه من الوطء ، فنحسب المدة من الوطء فبهذا الاعتراف صارت فراشاً له وصار الولد ولداً له لحديث اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة أخو سودة بنت زمعة فإن أمة زَمْعَة أتت بولد فادعى سعد أنه ابن أخيه عتبة لأنه ألم بها وادعى عبد بن زمعة أنه له لأنه ولد على فراش أبيه فحكم به صلى الله عليه وسلم لعبد بن زمعة وأمر سودة أن تحتجب عنه لوجود الشبه البين بعتبة.

قال المؤلف رحمه الله:

(إلاّ أن يدعي الإستبراء ويحلف علي)

أي إلاّ أن يدعي السيد الإستبراء فإذا ادعى أنه أستبرء الأمة بحيضة فإنّا نقبل منه هذا الإدعاء بشرط أن يحلف ، فإنّ البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر فهذا منكر للحوق النسب ، فقيل قوله مع اليمين.

قال المؤلف رحمه الله:

(وإن قال وطأتها دون الفرج ، أو فيه ولم أنزل ، أو عزلت لحقه)

ذكر المؤلف مسألتين:

المسألة الأولى: إذا قال وطئتها دون الفرج.

والمسألة الثانية: إذا قال وطئتها ولم أنزل أو عزلت.

بالنسبة للمسألة الأولى: لو قال وطئتها لكن دون الفرج فإنّ الولد يلحق به لأنّ الماء قد يسبق ويدخل في فرج المرأة.

والقول الثاني: إذا زعم أنه وطئها في غير الفرج فإنّ الولد لا يلحق به لأنه لم يطأ ونحن نثبت الفراش بالوطء.

والمسألة الثانية: إذا قال أنا وطئت الأمة لكني لم أنزل وعزلت فإنه في هذه الصورة لا يسمع لدعواه ويلحقه الولد لدليلين:

الدليل الأول: أنّ أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استفتوه في العزل فقال:" اعزل عنها إن شئت فإنّ ما قدر الله سيكون".

والدليل الثاني: ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه رأى الناس يزعمون أنهم عزلوا عن الإماء وينتفون من الأولاد فقال رضي الله عنه من وطء أمته فهو ولده عزل أو لم يعزل فأغلق الباب فقال مادامت هذه الأمة توطأ من السيد فهي فراش له والولد ولد له.

قال المؤلف رحمه الله:

ص: 462

(وإن أعتقها ، أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون نصف سنة لحقه والبيع باطل)

لأنّ علمنا قطعا أنّ هذا الولد منه فقد حملت به وهي فراشه فالحمل كان قبل البيع لأن أقل الحمل ستة أشهر. قال الشيخ (والبيع باطل) لأنّ الأمة صارت أم ولد وأمهات الأولاد لا يجوز أن يباعن.

وبهذا انتهى كتاب اللعان ولله الحمد

ص: 463