الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس: (1) من الظهار
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كتاب الظهار
قوله كتاب الظهار / الظهار مشتق من الظهر وخُص به لأنه موضع الركوب أي لأنه هو الجزء الذي يركب فاشتقوا الظهار من الظهر لهذا المعنى ، والأصل فيه قوله تعالى:{والذين يظاهرون من نسائهم} (المجادلة/3).
وكذلك حديث أوس بن الصامت رضي الله عنه وتقدم معنا أنّ الظهار كان في الجاهلية طلاقاً وأنّ هذا المعنى نسخ.
قال المؤلف رحمه الله:
(وهو محرم)
يعني والظهار محرم. الظهار بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} [المجادلة/2]، والمنكر والزور محرم
الثاني: أنّ أوس بن الصامت رضي الله عنه لما ظاهر من زوجته ألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة. والكفارة في الشرع إنما تكون على المخالفات الشرعية ، وهو أيضاً محل إجماع.
قال المؤلف رحمه الله:
معرفاً بالظهار (فمن شبه زوجته ، أو بعضها ببعض ، أو بكل من تحرم عليه أبداً بنسب أو رضاع إلى أن قال فهو مظاهر)
الظهار عند الحنابلة هو أن يشبه زوجته أو بعضها بأمه أو بعضها وهذا يختصر ما ذكره الشيخ المؤلف رحمه الله هو أن يشبه زوجته أو بعضها بأمه أو بعضها ، فإذا شبه فهو مظاهر بأن يقول أنت عليّ كظهر أمي، وهذا اللفظ هو الذي استخدمه أوس رضي الله عنه فقول الإنسان أنت عليّ كظهر أمي ظهار بالإجماع.
قال المؤلف رحمه الله:
(فمن شبه زوجته ، أو بعضها ببعض
…
إلى قال أو رضاع)
أفادنا المؤلف أنّ الظهار لا يختص بتشبيه الزوجة بالأم بل يشمل تشبيه الزوجة بكل المحرمات ، وهذا مذهب الحنابلة ومذهب الجمهور.
واستدلوا على هذا بأنّ تشبيه الزوجة بغير الأم من المحرمات أياًّ كان سبب التحريم هو منكر من القول وزوراً فيدخل في الآية.
الثاني: أنّ في هذا التشبيه التحريم، والتحريم هو أصل موضوع الظهار ، يعني أنّ الظهار هو لتحريم الزوجة وهذا التشبيه ولو كان بغير الأم تحريم للزوجة فهو ظهار.
القول الثاني: أنّ الظهار يختص بالأم، يعني أنه لا يكون مظاهراً حتى يشبه زوجته بالأم فقط. فإن شبهها بالأخت أو العمة أو أم الزوجة، فإنه لا يعتبر مظاهراً ، وعللوا هذا بأنّ اللفظ الشرعي الذي نزل الآية بسببه في تشبيه الأم فقط، فيختص بها كما أنّ الآية صريحة بهذا.
الدليل الثاني لهم: أنّّ جميع العقول والفطر تعلم أنّ تشبيه الزوجة بالأم أقبح من تشبيهها بغيرها من المحرمات.
والراجح إن شاء الله: المذهب
لأنّ: دليلهم أقوى من حيث المعنى الذي شرع من أجله الظهار وهو التحريم.
وهذا يقودنا إلى مسألة أخرى هل الظهار يحصل بأمرين: وهما التحريم والتشبيه، أو يحصل بالتحريم فقط؟ بعبارة أخرى هل الظهار في الشرع لا يكون إلاّ إذا جمع الزوج بين التحريم والتشبيه أو فقط بالتحريم؟
مثال الأول: إذا قال أنت عليّ كظهر أمي ، معنى كلامه أنت عليّ محرمة كتحريم ظهر أمي ، فجمع بين التحريم والتشبيه.
أما المثال الثاني: كأن يقول أنت عليّ حرام.
فهل الظهار في الشرع هو التحريم أو التشبيه؟ لماذا التحريم؟ نحن نقول أنّ الظهار في حقيقته التحريم وليس التشبيه ولهذا نحن نقول أنت عليّ حرام. الأدلة قامت على أنه ماذا؟ ظهار فهذا ابن عباس صح عنه أنّ أنت عليّ حرام ظهار فعلمنا من فقه الصحابة ومن المعنى الذي شرع من أجله الظهار أنّ المعنى الذي حرم من أجله هو التحريم ، لا التحريم مع التشبيه إلاّ أنّ التشبيه يزيد الأمر ماذا؟ سوءاً وحرمة. لكن من حيث الأصل التحريم هو الذي يقصد بالنهي عنه. وهذا واضح من أيّ مسألة من مسألة أنت عليّ حرام لما ناقشنا أنت عليّ حرام يتبيّن من أدلة الذين تحدثوا حول هذه المسألة أنه التحريم.
نرجع إلى كلام المؤلف يقول رحمه الله:
(بكل من تحرم عليه أبداً بنسب أو رضاع من ظهر ، أو بطن أو عضو (
أفادنا المؤلف رحمه الله أنّ تشبيه العضو بالعضو أو تشبيه الكل بالعضو أو تشبيه العضو بالكل ، كله ظهار واستدلوا على هذا بأنّ في هذا التشبيه تحريم فإنّ يد الأم محرمة فإذا قال أنت عليّ كيد أمي فقد حرّم لأنّ يد الأم محرمة ، وإذا قال يدك أو ظهرك عليّ كأمي حرّم ، لأنه تقدم معنا أنّ الزوجة لا تتبعض وإذا حرّم بعضها حرمت كلها ، ولهذا نحن نقول تشبيه البعض بالكل أو الكل بالكل أو الكل بالبعض كله ماذا؟ ظهار، أو البعض بالبعض، والدليل هو ما ذكرت.
القول الثاني: أنه لا يكون مظاهراً حتى يشبه كل زوجته بأمه ، لأنه اللفظ الذي جاء في السنة ولأنّ تشبيه البعض لا يستوي مع تشبيه الكل فلا يكون مظاهراً حتى يقول أنت يعني كلك عليّ كظهر أمي ، والراجح المذهب.
ثم - قال المؤلف رحمه الله:
(أو عضو آخر لا ينفصل)
اشترط المؤلف في تشبيه العضو أن يكون العضو لا ينفصل ، لأنّ الذي لا ينفصل لا يقع عليه الطلاق وبهذا التعليل أفادنا الحنابلة أنّ الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في مسألة ماذا؟ هل يقع الطلاق على السن والظفر والشعر أو لا يقع؟ فما رجحناه هناك هو الراجح هنا ، فإذا قال أنت عليّ كظفر أمي ، حكمه ليس بظهار ، وإذا قال أنت عليّ كشعر أمي؟ فهو ليس بظهار عند الحنابلة وهو ظهار على القول الأقرب إن شاء الله. فنستحضر الخلاف في السن والظفر والشعر هنا.
قال رحمه الله:
(بقوله لها / أنت عليّ ، أو معي ، أو مني كظهر أمي ، أو كيد أختي ، أو وجه حماتي ونحوه ، أو أنت عليّ حرام ، أو كالميتة والدم فهو مظاهر)
أفادنا المؤلف أنه إذا قال أنت عليّ كظهر أمي فهو مظاهر ، وإنما أعاد المؤلف هذه العبارة لقوله أو معي أو مني ، ليبيّن أنّ استخدام معي أو مني هو كاستخدام عليّ ففي الجميع يكون مظاهراً ، والتعليل أنه مهما استخدم من هذه الألفاظ يكون مظاهراً ما تقدم وهو أنّ حقيقة الظهار هو ماذا؟ هو التحريم والتحريم يحصل بهذه الألفاظ.
قال المؤلف رحمه الله:
(أو وجه حماتي)
الحماة / هي أم الزوجة ، فإذا شبه زوجته بوجه حماته فقد شبهها بمحرم فهو على الصحيح ظهار على ما تقدم معنا من الخلاف.
قوله: (أو أنت عليّ حرام ، أو كالميتة والدم فهو مظاهر (
تقدم معنا الخلاف والأقوال والأدلة في هذه المسألة المهمة وهي أنه أنت عليّ حرام أو كالميتة والدم عند الحنابلة ماذا يكون؟ ظهار ولو نوى طلاقاً ولو نوى يميناً وأنّ الأقرب أنه ماذا؟ ظهار ولو نوى طلاقاً إلاّ أن ينوي يميناً ، وأنه يلي هذا القول في القوة ما اختاره الإمام الشافعي ونصره أنه إن نوى طلاق فطلاق ، وإن نوى ظهار فظهار ، وإن نوى يمين فيمين ، تقدمت هذه المسألة وترجع إلى الخلاف في أنت عليّ حرام.
* * باقي مسألة: لم يذكرها المؤلف ما إذا قال أنت عليّ كظهر أبي ، فإذا قال أنت عليّ كظهر أبي فهو ظهار والحنابلة يسوون بين أنت عليّ حرام وأنت عليّ كالميتة والدم وبين أنت عليّ كظهر أمي ، فيرون أنّ أنت عليّ كظهر أمي تحريم والسبب في ذلك أنه شبه زوجته بمن تحرم عليه ، فوقعت حقيقة الظهار والتحريم فأخذ حكمه.
والقول الثاني: أنّ تشبيهها بظهر الأب ليس بظهار ، واستدلوا على هذا بأنّ الأب ليس بمحل للاستمتاع من الأصل فلا يجوز أن يقاس على الأم، والراجح والله أعلم المذهب والسبب في الترجيح هو أنه بهذا التشبيه حصل التحريم ولو كان الأب في الأصل ليس بمحل للاستمتاع بل نستطيع نقول ، نقلب عليهم الدليل ونقول إذا كان الأب ليس بمحل للاستمتاع أصلاً فهذا أشد في التحريم ، فينبغي أن يكون ظهاراً أشد من أنت عليّ كظهر أمي.
المسألة الثانية: إذا قال أنت عليّ كظهر الأجنبية ، وإنما أفردوا هذه المسألة بالحديث لأنّ الأجنبية تحريمها تحريماً مؤقتاً ، فالمذهب أنه ظهار ، قاعدة المذهب في الظهار جميلة وهي أنه وجد التحريم وجد الظهار.
والقول الثاني: أنه ليس بظهار لأنّ تحريم الأجنبية تحريم مؤقت فلا يقاس على التحريم المؤبد ، والراجح المذهب لأنها حين التحريم أو حين التشبيه دلت على التحريم فهي الآن محرمة ولهذا نقول إن شاء الله الراجح مذهب الحنابلة.
قال المؤلف رحمه الله:
(وإن قالته لزوجها فليس بظهار ، وعليها كفارته (
وإن قالته لزوجها يعني قالت الزوجة لزوجها أنت عليّ كظهر أبي ، فليس بظهار رواية واحدة عن الإمام أحمد عن القاضي من كبار أصحاب الإمام أحمد يقول ليس عن الإمام أحمد في هذه المسألة إلاّ رواية واحدة وهو أنه ليس بظهار واستدلوا على هذا بأنّ الاستمتاع حق من حقوق الزوج فلا تملك المرأة أن تمتنع عنه.
والقول الثاني: أنّ المرأة إذا قالت أنت عليّ ظهر أبي فهو ظهار ، ويمتنع الزوج إلى أن تكفر ، ويزعم بعض الحنابلة أنها رواية، والقاضي ينكر هذا والأقرب والله أعلم أنه ليس بظهار. لكن مع هذا يقول الحنابلة فليس بظهار وعليها كفارته ، مع كونهم يرون أنّ هذه العبارة ليست ظهاراً في الشرع إلاّ أنهم يوجبون عليها ماذا؟ الكفارة.
واستدلوا على هذا بأنّ عائشة بنت طلحة خطبها رجل من الصحابة فقالت أنت عليّ كظهر أبي ، كأنها رضي الله عنها غضبت ثم أرادت أن تمتنع عنه فقالت أنت عليّ كظهر أبي ثم بدا لها بعد حين أن تتزوجه فسألت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا عليك الكفارة اعتقي رقبة ، فقالوا وجدنا أنّ الصحابة أفتوها بعتق رقبة فدل على أنها عليها كفارة ظهار.
والقول الثاني: أنّ عليها كفارة يمين فقط. دون كفارة الظهار قال بعض الحنابلة وهذا أكثر موافقة لأصول أحمد السبب كيف كان هذا أكثر موافقة لأصول أحمد ، لأنّ أحمد يرى أنّ أنت عليّ كظهر أبي ليس بظهار والموافق لهذا الأصل أن لا تجب عليها كفارة ظهار وهذا صحيح ، واستدل أصحاب هذا القول بأنّه إذا لم نحكم على هذا اللفظ بأنه ظهار فلا يجوز أن نرتب عليه الكفارة لأنّ الشارع إنما رتب كفارة الظهار على الظهار. وأجابوا عن الآثار المروية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنّ مرادهم بالعتق كفارة يمين
لأنّ كفارة اليمين فيها عتق رقبة وربما اختاروا لها العتق ترجيحاً لا إلزاماً لبشاعة قولها أنت عليّ كظهر أبي. والراجح أنّ عليها كفارة يمين وفي المسألة قول ثالث لا بأس من الإشارة إليه وهو أنّ هذا الكلام هذر لا قيمة له لغو لا قيمة له فلا يوجب تحريماً ولا كفارة وليس له أيُّ قيمة لأنّ الظهار وألفاظ الظهار يختص بها الزوج وليس للمرأة فيها علاقة ، وهذا القول الأخير ضعيف سبب الضعف فتاوى الصحابة. نحن نقول لا نخالف الصحابة ، الصحابة أفتوا عائشة بنت طلحة بأنّ عليها كفارة إذا هم اعتبروها تحريم كما أنه من حيث المعنى كأنّ المرأة أقسمت أن لا تتزوج هذا الرجل وإذا أقسمت فعليها كفارة يمين والخلاصة أنّ الراجح أنّ عليها كفارة يمين وليس بظهار.
قال المؤلف رحمه الله:
(ويصح من كل زوجة)
صغيرة أو كبيرة مسلمة أو ذمية يمكن أن توطأ أو لا يمكن أن توطأ ، في الكل يصح الظهار حتى في المرأة التي لا يمكن أن توطأ. لأنّ الظهار هو التحريم وإذا حرم على نفسه وطء هذه الزوجة ولو كان مثلها لا يوطأ فقد تحققت حقيقة الظهار ، ولم يبيّن الشيخ المؤلف رحمه الله ما يتعلق بالزوج ، متى يصح أو من أيّ زوج يصح الظهار. وقاعدة الحنابلة:[أنّ من صح طلاقه صح ظهاره] كقاعدتهم في الإيلاء ولكن لو أنّ الشيخ رحمه الله. أشار إليه لكان أولى من الإشارة إلى الزوجة لأنّ الظهار يكون من الزوج أو من الزوجة؟ من الزوج. كما أنهم يرون أنّ الزوجة مهما كانت فإنّ الظهار يقع عليها ، إذا نحن نحتاج لبيان الزوج لا لبيان الزوجة ، لكن هكذا الشيخ المؤلف رحمه الله. رأى واختصر على الزوجة دون الزوج.
فصل
قال المؤلف رحمه الله:
فصل (ويصح الظهار معجلاً ومعلقاً بشرط)
يصح الظهار معجلاً وهذا هو الأصل وهو محل إجماع ، معجلاً كأن يقول أنت علّي كظهر أمي.
ومعلقاً بشرط ، كأن يقول لزوجته إن دخلت الدار فأنت عليّ كظهر أمي. فإذا دخلت الدار فقد وجدت الصفة وإذا وجدت الصفة وجد الحكم فأصبحت عليه كظهر أمه لا يقربها حتى يكفر.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله:
(فإذا وجد صار مظاهراً)
فإذا وجد. يعني الشرط ، صار مظاهراً. يعني لوجود المعلق عليه وهي الصفة.
ثم - قال المؤلف رحمه الله:
(ومطلقاً ، ومؤقتا)
يعني يجوز في الظهار أن يكون مطلقاً وأن يكون مؤقتاً ، أما المطلق فهو الأصل كأن يقول أنت عليّ كظهر أمي يعني دائماً وأبداً. وأما المؤقت فكأن يقول أنت عليّ كظهر أمي إلى أن ينسلخ شهر رمضان ، فهذا مؤقت بكم؟ بشهر. فالحنابلة يرون أنّ المؤقت بشهر يجوز واستدلوا على هذا بدليلين:
الأول: هو القياس على الإيلاء فإنّ الإيلاء مؤقت وهو امتناع عن وطء الزوجة.
الثاني: أنّ سلمة بن صخر رضي الله عنه ظاهر من امرأته إلى أن ينسلخ شهر رمضان لأنه كان رجلاً قوياً في الجماع فلما دخل شهر رمضان خشي أن يقع منه شيء في الجماع ، ومقصوده أن يقع منه شيء كما قال الشراح خشي أن يجامع في الليل ثم لا ينفك إذا خرج النهار ، ونحن ننزهه رضي الله عنه أن يكون خشي أن يجامع في النهار ، وهذا الحمل حمل طيّب. لأنّ فيه تنزيهاً للصحابي وعلى كل حال هو أراد التقوى فظاهر من امرأته في رمضان حتى لا يقع منه شيء. وهذا الحديث صحيح أنه معلول بالإرسال لكن ليس في الباب إلاّ هذا الحديث المرسل ،وأنتم تعلمون كما تقدم معنا أنّ من أصول الإمام أحمد قبول المرسلات إذا لم يكن في الباب شيء يدفعها ولم تكن عن أناس لا يرسلون إلاّ عن الضعفاء.
القول الثاني: أنّ الظهار والتأقيت كلاهما يبطل ، فلا ظهار ولا تأقيت واستدلوا على هذا بأنّ الظهار في الشرع جاء مطلقاً فإذا أقّته فقد أخرجه عن موضوعه فبطل هو والتأقيت.
القول الثالث: أنّ التأقيت يبطل ويكون مظاهراً على الإطلاق ، لماذا؟ لأنّ الشرط باطل وأصل العقد صحيح ، والراجح المذهب:
أولاً لقوة قياسهم على الإيلاء وثانياً لوجود الحديث المرسل.
قال المؤلف رحمه الله:
(فإن وطئ فيه كفّر ، فإذا فرغ الوقت زال الظهار)
وهذا هو ثمرة التوقيت أنه إن وطئ في الوقت المحدد فعليه الكفارة وإذا زال الوقت وانتهى زال معه حكم الظهار ، وكما قلت هذه ثمرة التوقيت.
قال المؤلف رحمه الله:
(ويحرم قبل أن يكفّر / وطء ودواعيه ممن ظاهر منها (
يقول المؤلف ويحرم قبل أن يكفر ...... الخ ، نبدأ بالمسألة الأولى/ وهي الوطء يحرم على المظاهر أن يطأ زوجته حتى يكفر، وظاهر عبارة المؤلف سواء كفر بالعتق أو بالصيام أو بالإطعام ، والتكفير من حيث تعلق الوطء به ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكفر بالعتق أو بالصيام فإذا كفر بالعتق أو بالصيام فإنه يحرم عليه بالإجماع أن يطأ قبل أن ينتهي من التكفير لقوله تعالى: {من قبل أن يتماسا} [المجادلة/3]، في العتق وفي الصيام ، إذا التكفير بالعتق والصيام لا إشكال فيه.
القسم الثاني: أن يكفر بالإطعام ، فإذا كفّر بالإطعام فالمذهب أنه أيضاً لا يجوز له أن يطأ حتى ينتهي من الإطعام ، وسيأتينا دليلهم في الجواب عن دليل القول الثاني.
القول الثاني: أنه كفّر بالإطعام فله أن يطأ مباشرة ولو قبل أن يكفّر لأنّ الله لما ذكر العتق والصيام قيّده بمن قبل أن يتماسا ، ولما ذكر الإطعام لم يقيّده بأن يكون ذلك قبل التَمَاس. ودليلهم واضح.
الجواب عن هذا الاستدلال أنّ التقييد بالمساس معلوم من الآية ، وإنما كرر في الصيام دون الإطعام لأنه لما كان الصيام طويل وقد يظن المكفّر أنه بسبب طول مدة التكفير لا يلزمه الامتناع عن الوطء صار من المناسب أن تقيّد الآية بعدم المماسة.
وأما الإطعام فإنه معلوم مما سبقه ووجه ذلك أنه إذا شرط في الكفارة الفاضلة عدم الوطء ففي المفضولة من باب أولى. بل ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنّ ذكر المماسة في الآية ليس من البلاغة التي تنسجم مع طريقة القرآن وليس من الفصاحة ، فتركه هو مقتضى الفصاحة والبلاغة لأنه معلوم مما سبق ووجه أنه معلوم مما سبق أنه إذا قيّد الفاضل فالمفضول من باب أولى ، فحصل بهذا الكلام الجواب عن قولهم لماذا قيّد الصيام دون الإطعام ، إذا كنتم تكتفون بتقييد الأول أكتفوا بتقييد العتاق فقط ، واتركوا الصيام والإطعام ، فبيّن الشيخ أنه إنما قيّد الصيام دون الإطعام بسبب ماذا؟ طول مدة الصيام مما يظن معه الظان أنه يجوز له أن يطأ ، وما ذكره الشيخ قوي في الحقيقة نقول لا يجوز للإنسان كما هو مذهب الحنابلة أن يأتي زوجته إلاّ بعد أن يكفّر. لاسيما وأنّ الكفارة موضوعة للتأديب وهذا من التأديب.
المسألة الثانية: يقول ودواعيه يعني ولا يجوز له أن يأتي من زوجته دواعي الوطء يعني المباشرة والتقبيل والضم ونحو هذه الأمور، لا يجوز للمظاهر أن يباشر زوجته قبل أن يكفرّ. الدليل على هذا أنه في الشرع كل ما حرم فيه الوطء حرمت دواعيه لئلا تؤدي الدواعي إلى ماذا؟ إلى الوطء مثل ماذا؟ الصيام الحج وهو أوضح الأمثلة ، فالحج لما حرم فيه الوطء حرمت فيه أيضاً الدواعي فقاسوا هذا على هذا.
الدليل الثاني: أنّ المباشرة ونحوها هي نوع من المماسة ، والآية تقول من قبل أن يتماسا.
القول الثاني: أنه يجوز له أن يباشر ويقبل وأن يأتي من زوجته ما شاء دون الوطء ، واستدلوا على هذا بدليلين:
الدليل الأول: أنّ المماسة في الآية هي الجماع لقوله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة/237] والمماسة في هذه الآية هي الجماع.
الدليل الثاني: أنّ المنع من الوطء في الظهار كالمنع من الوطء في الحيض قاسوا قياس آخر كالمنع من الوطء في الحيض والمنع من الوطء في الحيض لا يمتنع معه المباشرة ومقدمات الجماع. والراجح المنع لأنه إذا حرم شيء حرم وسائله. هذا هو محرم في الحيض ولم تحرم وسائله.
أما ابن القيم فكأنه متوقف ، حكى الخلاف ولم يرجح ، وأما الإمام أحمد فعامة الروايات عنه والظاهر من مذهبه والمنقول عنه الجواز وأما الراجح ففيه إشكال والذي يظهر لي أنّ الراجح المذهب كما قال الشيخ محمد الراجح المنع. لماذا؟ لأنّ قياس الوطء على المنع منه في الإحرام أقرب منه على المنع منه في الحيض ، وجه القياس لماذا أقرب؟ لأنّ المنع من الوطء في الإحرام ونحوه منع عارض والمنع من الوطء في الحيض منع متكرر وليس بعارض ، فتشبيه هذا بهذا أقرب منه من الحيض كما أشرت أنّ هذا بالاختيار وهذا خارج عن يد الزوج والزوجة فهو في الحقيقة أشبه مع هذا الإمام أحمد يميل للجواز لأنه يقول الله سبحانه وتعالى منع الجماع لأنّ المماسة في الآية الجماع ولا يوجد دليل يدل على المنع من الأمور الأخرى فلماذا نمنع الزوج كل هذه المدة إلى أن يكفر عن الوطء ، فوجهة نظر الإمام أحمد قوية كما ترون والمسألة مشكلة ولهذا توقف فيها ابن القيم. ولا أقول صرح بالتوقف إلاّ أنه حكى الخلاف ولم يرجح.
قال المؤلف رحمه الله:
(ولا تثبت الكفارة في الذمة إلاّ بالوطء وهو العود)
ولا تثبت الكفارة في الذمة إلاّ بالوطء وهو العود في الحقيقة عبارة المؤلف محل نظر كبير لماذا؟ لأنه كان ينبغي أن يعبر كما عبّر ابن قدامة ويقول وتثبت الكفارة بالعود وهو الوطء لماذا؟ ليفسر العود بأنه الوطء. وأنّ ثبوت الكفارة بالعود محل إجماع لكنهم اختلفوا في أيّ شيء يكون العود. واضح ولا لا ولهذا ابن قدامة قال وتثبت الكفارة بالعود وهو الوطء وهذه هي العبارة الصحيحة.
نأتي إلى المسألة الحنابلة يرون أنّ الكفارة تثبت بالوطء ويفسرون العود بالوطء بل إنّ الإمام أحمد ينكر على الإمام مالك بتفسيره العود بالعزم ، يعني بغير الوطء ، إذا القول الأول وهو مذهب الحنابلة أنّ العود هو الوطء واستدلوا على هذا بأدلة:
الدليل الأول: أنّ الوطء هو المحلوف على تركه فلا يكون العود إلاّ بفعل المحلوف على تركه يعني الظهار
الدليل الثاني: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال (عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) والعزم لا يخرج عن أن يكون تحديث للنفس.
الدليل الثالث: أنّ من عزم على العود لم يعد بعد أليس كذلك؟ إذا هذه ثلاثة أدلة للإمام أحمد وهي أدلة قوية.
القول الثاني: وهو الذي تبناه الإمام مالك وغيره من الفقهاء أنّ العود هو العزم واستدل على هذا بأنّ الله تعالى أمر بالكفارة قبل العود فكيف ترون أنّ العود هو سبب الوجوب والله أوجب الكفارة قبل العود وهو دليل قوي.
الجواب عنه: أجاب عنه الحنابلة وغيرهم ممن يرجح القول الأول وهم الجمهور بأنّ الكفارة لها حالين:
الحال الأول: الإخراج عند العزم ، وأما استقرار الوجوب فلا يكون إلاّ بالحنث يعني بالوطء ، إذا هم يقولون الآية دلت على أنه يجب أن يكفر قبل أن يعود وهذا صحيح لأنّ الكفارة شرط للعود لكن استقرار الوجوب لا يكون إلاّ بالوطء وهذا كلام لا يتضح تماماً إلاّ بالمثال.
المثال: لو أنّ شخصا ظاهر من زوجته ثم عزم على الوطء ، عزم جازم ثم مات قبل أن يعود فعند المالكية يجب أن تخرج الكفارة من تركته لأنّ العود عندهم هو الذي يقرر الوجوب ويقرر الكفارة.
وعند الحنابلة: إذا مات قبل أن يعود فلا شيء عليه ومع هذا الحنابلة يقولون يجب أن تكفر قبل أن تطأ وهذا لأنّ شرط الوطء هو الكفارة ولكن استقرار الوجوب يكون بالوطء وكلامهم جميل وهو الراجح إن شاء الله وممن نصر هذا القول أيضاً شيخ الإسلام رحمه الله وقال أنّ عامة السلف غير الإمام مالك على مذهب الإمام أحمد ، عامة سلف الأمة سوى الإمام مالك فهم على هذا القول الذي اختاره الإمام أحمد رحمه الله.
قال المؤلف رحمه الله:
(ويلزم إخراجها قبله عند العزم عليه)
لقوله تعالى: {من قبل أن يتماسا} [المجادلة/1]، صحيح فإنّ الله أوجب الكفارة قبل التَمَاس ، وهذا الذي أشرنا إليه في الجواب عن الآية، أنّ الآية أوجبت الإخراج وهو يختلف عن استقرار الوجوب.
قال المؤلف رحمه الله:
(وتلزمه كفارة واحدة لتكريره قبل التكفير من واحدة)
إذا كرر الظهار من امرأة واحدة فإنه لا يلزمه إلاّ كفارة واحدة ، لاحظ قال الحنابلة ولو في مجالس ولو أراد الاستئناف ، يعني لو قال لزوجته أنت عليّ كظهر أمي ثم من غدٍ أغضبته وأراد أن يظاهر مظاهرة جديدة وقال أنت عليّ كظهر أمي لكنه لم يكفر عن ظهار أمس فحينئذ لا تجب عليه إلاّ كفارة واحدة ، واستدلوا على هذا بالقياس باليمين فإنّ الإنسان إذا أقسم أيمان متتابعة في أوقات متفرقة على شيء واحد ولم يكفر فإنه تغني عنه كفارة واحدة ، واستدلوا بدليل آخر جميل فقهياً وهو أنّ الظهار الثاني لم يزد التحريم وجوداً يعني أنّ
التحريم موجود من الظهار الأول ولذلك ليس عليه إلاّ كفارة واحدة.
قال المؤلف رحمه الله:
(ولظهاره من نسائه بكلمة واحدة)
يعني إذا كان للرجل أربعة زوجات وحصل شقاق بين الزوجات الأربع واختلاف بين يديه وغضب وقال أنتن عليّ كظهر أمي ، يعني ظهار بالجملة فإنّ عليه عند الحنابلة كم؟ كفارة واحدة. التعليل قالوا أنه ظاهر بلفظ واحد من عدة نسوة وإذا كان بلفظ واحد فلا يلزمه إلاّ كفارة واحدة.
القول الثاني: أنّ عليه في كل زوجة كفارة ، واستدلوا على هذا بأنّ هذا اللفظ وإن كان واحداً إلاّ أنه ظاهر به من أربع في المثال ، وكل واحدة تستقل بالمظاهرة ، أيّ القولين أوجه. قد يكون فيما يبدوا للإنسان أنّ الثاني أوجه لماذا؟ لأنه ظاهر من نسوة أربعة فهو في الحقيقة حرّم كم تحريمة؟ أربع جعل أربعة نسوة كلهن حرام عليه. لكن أنا تركت دليل للقول الأول لم أذكره حتى أسألكم أول أيهما الراجح ثم أذكره وهو أنّ الذي ذهب إليه الإمام أحمد مروي عن عليّ وابن مسعود.
إذا أحيانا قد يخالف فقهنا فقه الصحابة فعليك أن تتثبت ، والراجح بناء على فتاوى الصحابة أنها كفارة واحدة ،كما أنه قد يقول قائل بل الراجح بناء على فتاوى الصحابة وبناء على التعليل والرأي أنه القول الأول أوجه لوجود لفظ واحد.
قال المؤلف رحمه الله:
(وإن ظاهر منهن بكلمات فكفارات)
إذا ظاهر منهن بكلمات فكفارات ، لأنّ كل واحدة منهن تستقل بكفارة واحدة ، واستدلوا بدليل آخر وهو أن إذا خالف في إحداهن إنه لا يحنث في الأخرى فهذا يدل على أنّ كل واحدة منهن مستقلة بظهار خاص وهذا يقوي القول الثاني أو الأول في المسألة السابقة يقوي القول الثاني ، ولهذا أنا أؤكد على أنّ الإنسان أحياناً قد يظهر له قول ويكون فقه الصحابة أعمق منه.
فصل
هذا الفصل مخصص لبيان أحكام الكفارة.
فيقول رحمه الله:
(وكفارته / عتق رقبة ، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً)
هذا ترتيب الكفارة وهو واجب على الترتيب لا على التخيير فيجب عليه أن يعتق فإن لم يجد فإنه يصوم شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإنه يطعم ستين مسكيناً. وسيبيّن المؤلف متى ينتقل الإنسان من الخصلة الأولى إلى الخصلة الثانية ومن الثانية إلى الثالثة ، ولهذا نرجأ الكلام عن هذا إلى أن يتحدث المؤلف عنه وإنما الذي يهمنا الآن مسألة أخرى وهي متى نعتبر حال الوجوب ، متى يجب عليه أن يكفر الخصلة الأولى ثم ينتقل إلى الثانية إلى آخره. في هذه المسألة خلاف بين الفقهاء.
القول الأولّ: الاعتبار بحال الوجوب فإذا كان حال الوجوب يستطيع أن يعتق فهذا الواجب عليه وإذا كان لا يستطيع فالواجب أن ينتقل إلى الخصلة الثانية وهذا مذهب الإمام أحمد. واستدل على هذا بأنّ هذه الكفارة شرعت للتطهير وإذا شرعت للتطهير فإنها تقاس على الحد ، والحدود المعتبر فيها وقت الوجوب.
القول الثاني: أنّ المعتبر فيها حال الأداء لا حال الوجوب، وأيضاً قاسوا قياس فقالوا المعتبر حال الأداء لأنّ هذه الكفارات لكل واحدة منها بدل من غير جنسها فأشبهت الوضوء لأنّ الوضوء له بدل من جنسه ولا من غير جنسه ، من غير جنسه والاعتبار في الوضوء بحال الأداء ولا بحال الوجوب؟ بحال الأداء. وهذا الخلاف ينبني عليه فروع كبيرة جداً نذكر بعض الأمثلة التي تبيّن الفرق بين القولين:
* إذا ظاهر العبد من زوجته ثم أعتقه سيده فالواجب عليه على القول الأول الصيام ، لأنه حال الوجوب الواجب عليه الصيام لأنه يملك حتى يعتق.
مثال ثاني: إذا ظاهر من امرأته وهو موسر ثم لما أراد أن يكفر فإذا هو معسر فالواجب عليه على القول الأول؟ عليه عتق رقبة ولا يجزئه وإن كان هو الآن معسر لا يستطيع أن يشتري رقبة لكن لا يجزئه تبقى في ذمته إلاّ أن يعتق رقبة ، وهذه الأمثلة تعكسها في القول الثاني ، إذا تبيّن أنه هذه المسألة ينبني خلاف كبير ، الراجح أيّ القياسين أقوى؟ لكن أنا من وجهة نظري أنّ الراجح والأقرب القياس الأول وهو المذهب وجه ذلك أيهما أشبه الظهار أشبه بالحدود ولا أشبه بالوضوء؟ يعني هل الكفارة هذه للردع والتأديب أو مثل الوضوء بدل تخفيف ، إذا قياس الإمام أحمد أقوى لما ذكرته وهذا وجه تقوية ، والمسألة محل إشكال تحتاج إلى تأمل لكن يبدوا لي أنّ كلام الإمام أحمد أقوى وأوجه.
قال المؤلف رحمه الله:
(وتلزم الرقبة إلاّ لمن ملكها ، أو أمكنه ذلك ، بثمن مثلها)
أشار المؤلف بما أشرت إليه وهو بيان متى يجوز للإنسان أن ينتقل من العتق إلى الصيام فيقول (وتلزم الرقبة إلاّ لمن ملكها أو أمكنه ذلك بثمن مثلها) إذا ملكها فالأمر واضح، الثاني: إذا أمكنه أن يشتري هذه الرقبة بثمن مثلها فالأمر أيضاً واضح وهو محل إجماع، بقينا فيما إذا لم يتمكن من الشراء إلاّ بأكثر من ثمن المثل حينئذ ينقسم الأمر إلى قسمين:
القسم الأول: من ثمن المثل بزيادة تجحف المال فحينئذ لا يلزمه بلا إشكال.
القسم الثاني: أن تكون بزيادة على ثمن المثل لكنها لا تجحف بالمال وحينئذ ففيه خلاف ، فالمذهب أنه لا يلزمه ولهذا يقول أو أمكنه ذلك بثمن مثلها وعللوا هذا بأنّ في ثمن هذه الرقبة زيادة والزيادة لا يكلف بها.
والقول الثاني: أنه يلزمه لأنه الآن مستطيع لشراء الرقبة والآية نصت أنه لا ينتقل إلى إذا كان لا يستطيع وهو مستطيع وهذه الزيادة لا تجحف بماله ، وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله تعالى.
قال المؤلف رحمه الله:
(فاضلاً عن كفايته دائماً ، وكفاية من يمونه)
كفاية الرجل وكفاية من يمونه والمقصود بمن يمونه يعني من ينفق عليه ، تشترط زائدة على ثمن الرقبة. والدليل على هذا أيضاً ضابط جميل ذكره الفقهاء وهو أنّ كل مال استغرقته حاجة الإنسان فهو في حكم المعدوم. لأنه معدوم بانشغاله بحاجة الإنسان وهذا من رحمة الله وهذا إن شاء الله لا خلاف فيه.
ثم - قال المؤلف رحمه الله:
(وكفاية من يمونه وعما يحتاجه)
مقصوده بكلمة وعما يحتاجه يعني هو ومن يمونه بخلاف ظاهر عبارته أنه هو فقط بل كفايته وكفاية من يمونه ثم مثّل بما يحتاجه.
قال المؤلف رحمه الله:
(من مسكن وخادم ومركوب وعرض بذلة وثياب تجمل ومال يقوم كسبه بمؤنته وكتب علم ووفاء دين)
المقصود بمسكن وخادم إلى آخره المراد بهذا أدنى مسكن يصلح لمثله. وليس المقصود المسكن الفاره لكن أدنى مسكن يصلح لمثله وأيضاً ليس المقصود أدنى مسكن مطلقاً وإنما أدنى مسكن يصلح لمثله فإذا كان مثله يأخذ خادم أخذ الخادم وما بقي اشترى به الرقبة وكذلك قال في المسكن ، وعرض البذله كاللباس وآلة الطبخ والفرش ونحو هذه الأمور.
وقوله ثياب التجمل والمال الذي يقوم كسبه بمؤنته ، أمرها واضح فإذا كان مثله يتجمل في المناسبات فيستثني ثياب التجمل وكذلك إذا كان له مال يتجر به أو مكان يكتسب منه فإنه لا يلزم ببيعه.
وكتب علم هذه لفتة طيبة من المؤلف لأنّ المقصود بكتب العلم لمن يحتاج إليها ، أما العامي وأشباه العوام فإنه يجب عليه وجوبا أن يبيع الكتب ويعتق رقبة فإذا الكتب تتعلق بطالب العلم الذي يتعاطى الكتب أما الشخص الذي أحضر الكتب ليجمل بها المنزل يضعها كجمال لأنّ بعض الناس يحضر الكتب ليجمل بها المجلس أو طالب العلم الذي كان طالب علم وأصبح لا يتعاطى الكتب بحال فهؤلاء لا يدخلون في عبارة المؤلف بل عليه أن يبيع إنما يدخل في عبارة المؤلف من يستفيد من الكتب بالقراءة والإطلاع والمراجعة.
يقول المؤلف: ووفاء دين ، يعني ولو كان مؤجلاً إذا كان الإنسان عليه دين فإنه يخصم مقدار الدين ثم إن بقي شيء اشترى به رقبة.
* نريد أن ننبه إلى شيء قول المؤلف ولا تلزم الرقبة إلاّ لمن ملكها ، من قوله إلاّ لمن ملكها إلى وفاء الدين، مقصود المؤلف أنه متى تحققت هذه الشروط فإنه لا يجوز له أن ينتقل من العتق إلى الصيام بالإجماع ، ومتى اختل شرط من هذه الشروط فإنه يجوز أن ينتقل من العتق إلى الصيام.
قال المؤلف رحمه الله:
(ولا يجزئ في الكفارات كلها إلاّ رقبة مؤمنة)
يقصد المؤلف أن يبيّن شروط الرقبة التي تعتق في جميع الكفارات ، في كفارة الظهار في كفارة وطء رمضان في كفارة القتل خطأ في جميع الكفارات يشترط في الرقبة الشروط التي سيذكرها الشيخ الماتن رحمه الله:
الشرط الأول: أن تكون مؤمنة يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة لقوله تعالى: {فتحرير رقبة مؤمنة} [النساء/92] في قتل الخطأ.
وجه الاستدلال بهذه الآية أنّ جمهور الأصوليين يرون أنه إذا اتحد الحكم واختلف السبب وجب أن نحمل المطلق على المقيّد فإعتاق الرقبة في آية الظهار مطلقة وبينما نجد أن عتق الرقبة في آية القتل الخطأ مقيّد بالإيمان، الحكم واحد وهو الكفارة بعتق الرقبة والسبب يختلف فتلك القتل خطأ وفي هذه الظهار ، والقاعدة أنه إذا اتحد الحكم واختلف السبب فإنّا نحمل المطلق على المقيّد.
الدليل الثاني: أنّ صحابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذه أمة لي أريد أن اعتقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها أين الله قالت في السماء ، فقال لها من أنا قالت رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اعتقها فإنها مؤمنة. هذا اللفظ في مسلم وليس فيه تقييد بأنّ رجلاً ضرب أمته فأراد أن يعتقها، هذا اللفظ بدون تقييد في مسلم وهو صريح في أنّ عتق الرقبة يشترط فيه ماذا؟ الإيمان.
القول الثاني: أنه لا يشترط لأنّ الآية مطلقة ، ولو أراد الله سبحانه وتعالى أن يقيّد هذه الآية لقيّدها وما كان ربك نسياً ، والراجح والله أعلم المذهب وسبب الترجيح هو الحديث فإنّ الحديث دال على أنّ الإنسان إذا أراد أن يعتق كفارة عن عمل من الأعمال فإنه ينبغي أن تكون ماذا؟ أن تكون الرقبة مؤمنة ومما يؤيد هذا القول وهو من الأدلة التي تقوي ولا يعتمد عليها أنّه إذا اعتق رقبة مؤمنة فقد خرج عن العهدة بالإجماع بخلاف ما إذا أخرج رقبة ليست مؤمنة.
قال المؤلف رحمه الله:
(سليمة من عيب يضر بالعمل ضرراً بيّنا)
يشترط في الرقبة أن تكون سليمة من العيوب لكن المقصود بالعيوب هنا عيوب خاصة وهي العيوب التي تمنع من العمل فقط ، أما العيوب التي لا تمنع من العمل فهي لا تؤثر في عتق الرقبة واستدل الحنابلة على هذا الشرط بأنّ المقصود من العتق تمليك العبد نفسه ليعمل في تحصيل معاشه وإذا اعتق وهو لا يتمكن من العمل لم يحصل هذا المقصود.
القول الثاني: الذي تبناه ابن حزم رحمه الله أنه لا يشترط أن تكون سليمة من العيوب لأنه إذا اعتق رقبة معيبة فقد اعتق رقبة أليس كذلك؟ فيصدق عليه عتق الرقبة وأنه أتى بالكفارة ، ويبدوا لي وإن كانت المسألة تحتاج إلى جمع فتاوى الصحابة وتأمل يبدوا لي الآن أنّ مذهب ابن حزم أقوى لإطلاق الآية. ثم مثّل المؤلف على العيوب التي تمنع من العمل.
فقال المؤلف رحمه الله:
(كالعمى)
العمى يمنع من العمل ووجه ذلك أنّ جملة عظيمة من الأعمال لا يمكن أن يقوم بها الأعمى فلهذا نصوا عليه.
قال المؤلف رحمه الله:
(والشلل ليد أو رجل أو أقطعهما)
إذا كان مشلول اليد مشلول الرجل فإنه لا يجوز أن يعتق لانّ اليد تتخذ للبطش والعمل والإنتاج ، والرجل تتخذ للتنقل وتحصيل المصالح بها فإذا كان مشلول اليد والرجل ، أو مقطوع اليد أو الرجل فإنه لا يجوز أن يعتق.
قال المؤلف رحمه الله:
(أو أقطع الرجل الإصبع الوسطى، أو السبابة، أو الإبهام ، أو الأنملة من الإبهام أو أقطع الخنصر والبنصر من يد واحدة)
مقصوده إذا كان مقطوع هذه الأصابع من يد واحدة فإنه لا يجزئ ، التعليل أنّ اليد مع قطع هذه الأصابع لا ينتفع بها ، فيعود التعليل إلى مسألة العمل.
قال المؤلف رحمه الله:
(ولا يجزئ مريض مأيوس منه ونحوه)
ذهب الأئمة الأربعة إلى أنّ المريض المأيوس منه لا يجزئ ، واستدلوا على هذا بأمرين: -
1 ـ أن المريض الميؤس منه وجوده كعدمه ، لأنه هذا مريض ميؤس منه.
2ـ أنّا نشترط أن يكون صالحاً للعمل والمريض الميؤس منه ليس بصالح للعمل.
لماذا ذكر المؤلف هذه المسألة ، ألا يكتفي بقوله سليمة من عيب يضر بالعمل وهل هناك عيب أعظم من أن يكون مريضاً مرضاً مأيوساً منه؟ لأنه بالنسبة للمريض الميؤس منه لا يجزئ بالإجماع سواء قلنا باشتراط العمل أو لم نقل ، يعني غير داخل في الخلاف السابق. وأنا أرى أن المؤلف بدقته وحذقه إنما ذكرها لهذا المعنى يعني أنها غير داخلة فحتى ابن حزم الذي يرى عدم اشتراط صلاحية الرقبة للعمل لا يرى جواز اعتاق الميؤس منه لأنّ هذا منتهي وجوده كعدمه.
قال المؤلف رحمه الله:
(ولا أم ولد)
لا يجوز أن يعتق الإنسان أم الولد ، لأنها عتقها مستحق بسبب آخر وهو عليه أن يعتق إعتاقاً جديداً ولهذا نقول لا تذهب تعتق امرأة قد اعتقت من الأصل بسبب ماذا؟ أنها أم ولد لك ، وهذا صحيح ولا تجزئه مطلقاً وعليه أن يعتق رقبة جديدة.
قال المؤلف رحمه الله:
(ويجزئ المدبر)
المدبر هو العبد الذي علق سيده عتقه على موته هذا يجزئ لماذا؟ يجزئ لأنه داخل في عموم الآية ،فإن قيل وما الفرق بين المدبر وأم الولد فإن أم الولد تعتق بموت السيد والمدبر يعتق بموت السيد؟
الفرق ببينهما هو أنّ المدبر يملك أن يبيعه ويقطع التدبير ولهذا جاز أن يعتقه في كفارة الظهار ، لكن مع هذا ينبغي أن لا يعتق المدبر لأنّ المدبر سبق وأن جعله حراً بعد الموت.
قال المؤلف رحمه الله:
(وولد الزنا)
يجوز أن يعتق ولد الزنا يعني إذا كان له عبد، وهذا العبد جاء من زنا فإنه يجوز أن يعتق هذا العبد ولو كان من ولد الزنا. الدليل قالوا إنّ العبد إذا كان من الزنا فإنه عبد وهو داخل في عموم الآية وإعتاقه اعتاق لعبد. إذا دليل الحنابلة واضح.
القول الثاني: أنّ اعتاق ولد الزنا لا يصح ولا يجزئ واستدلوا على هذا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولد الزنى شر الثلاثة) وإذا كان شر الثلاثة فإنه لا يجزئ في العتق هذا الحديث مشكل.
الجواب عنه من أوجه: -
الوجه الأول: أنّ معنى ولد الزنى شر الثلاثة يعني إذا عمل بعمل والديه. وممن فسر الحديث بهذا التفسير راويه الإمام الكبير الثوري. كما أنّ هذا الحديث رواية عند الإمام أحمد أنه قال (ولد الزنى شر الثلاثة إذا عمل بعمل والديه) لكن هذه الزيادة إما موضوعة أو ضعيفة جداً. فالعبرة بتفسير الإمام الثوري.
الجواب الثاني: وهو جواب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تنكر على أبي هريرة تحديثه بهذا الحديث وكانت تقول ماله ومالأبويه ، ولا تزر وازرة وزر أخرى. وكانت تجيب عن هذا الحديث فتقول إنما [لاحظ فقه أم المؤمنين] إنما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في شخص معين هو هذاك الشخص قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم شر الثلاثة. فكانت تقول إطلاق الحديث خطأ وتنكر على أبي هريرة ، وهذا أيضاً جواب قوي.
الجواب الثالث: أنّ رواة هذا الحديث في الحقيقة ثقات وهو متصل وفيه شروط الصحة إلاّ أنّ الذهبي قال عدوا هذا الحديث مما استغرب على أبي صالح صهيب فهذا الرواي أحد رواته اعتبروا هذا الحديث من غرائبه وممن نص على أنّ هذا الحديث من غرائبه الإمام الذهبي فإنه قال استغرب عليه. الحقيقة الأجوبة الثلاثة قوية وأرجح الثلاثة فيما يبدوا لي جواب عائشة رضي الله عنها لأنها عاصرت الحديث وعلمت أنه خرج مخرج خاصاً وعليه يحمل هذا الحديث ولا نتطرق إلى توهيم الرواة بغير دليل.
قال المؤلف رحمه الله:
(والأحمق)
يجوز أن نعتق العبد الأحمق لماذا؟ لأنّ الحمق لا يمنع من العمل هكذا قال الحنابلة ، والواقع أنّ الحمق قد يكون وبال على صاحبه يعمل ويفسد أكثر من المريض ، ولذلك لو قيل أنّ حمق هذا الشخص إذا كان في العمل وسوء التصريف والتدبير فإنه لا يعتق وإذا كان حمقه في أمور أخرى في أمور غير التجارة فإنه يعتق ، لأن بعض الناس أحمق جداً إذا جاء يتصرف مع الناس وإذا جاء يتصرف مع زوجته وإذا جاء يتصرف مع زملائه أحمق وأرعن ، وإذا جاء يتاجر انقلب إلى رجل حكيم أليس كذلك؟ وصار يحسن التجارة هذا يعتق والعكس لا يعتق.
قال المؤلف رحمه الله:
(والمرهون)
يجوز أن يعتق العبد المرهون وهذه المسألة مبنية على حكم عتق العبد المرهون وأخذنا في باب الرهن أنّ عتق العبد المرهون عند الحنابلة جائز وأنّ الصواب أنه يجوز لتعلق الحق الدائم فيه وذكرنا تلك المسألة ، الذي يعنينا الآن أنّ جواز عتق العبد المرهون مبني على جواز عتقه في الكفارة مطلقاً.
يقول المؤلف رحمه الله:
(والجاني)
يجوز أن يعتق ولو كانت جنايته توجب القصاص لأنّ هذه الجناية لا تمنع من العمل ، ولأنه ربما سمح ولي الدم في آخر لحظة.
القول الثاني: أنّ المحكوم عليه بالقصاص إذا كانت جنايته توجب قصاصاً فإنه لا يجوز أن نعتقه في الكفارة لأنه في معنى المريض الميؤس منه ، والراجح نحن ذكرنا الخلاف هناك فرق بين المريض الميؤس منه والجاني ما هو الفرق؟ الفرق أنّ المريض الميؤس منه نحن نتحدث عن الأسباب الطبيعية في الأصل أنّ المريض الميؤس منه لا يشفى. وإن كان الشفاء بيد الله ، بينما المحكوم عليه في القصاص يكثر أن يعفوا المجني عليه. هذا فرق بين هذا وتلك. مع ذلك أنا أرى أنه لا يجوز أن يعتق من حكم عليه بالقصاص مع وجود هذا الفرق وهو فرق فقهي لكن مع ذلك المحكوم عليه بالقصاص شخص انتهى أمره وهو في حكم المعدوم في الأصل ، والأصل أنّ القصاص سيقام فكيف نذهب نصحح اعتاقه لعبد سيقتل بعد يوم أو يومين ربما المريض الميؤس منه يبقى سنة أو شهر ثم يموت وهذا يقتل بعد يوم أو يومين. مع قوة القولين إلاّ أني أرى خلاف المذهب.
ثم المسألة الأخيرة.
قال المؤلف رحمه الله:
(والأمة الحامل ولو استثني حملها)
يجوز أن يعتق الأمة الحامل لأنّ الحمل دائماً التعليل واحد عند الحنابلة لأنّ الحمل لا يضر بالعمل ولا يمنع. ولو كانت حامل فإنها تستطيع أن تعمل وأن تنتج فله أن يعتقها ولو أنه استثنى الحمل فإنّ هذا الاستثناء لا ينقص من قيمة الأمة التي اعتقت ولا يخرجها عن مسمى الرقبة.
الدرس: (2) من الظهار
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فصل
المؤلف رحمه الله سيتحدث في هذا الفصل عن أحكام التكفير والصيام وأحكام التكفير بالإطعام حيث انتهى عن أحكام التكفير بعتق الرقبة في الفصل السابق وهذا الفصل سيختم به المؤلف كتاب الظهار.
قال المؤلف رحمه الله:
(يجب التتابع في الصوم)
يعني يجب أن يتابع الصيام إذا كفّر به لقوله تعالى: {فصيام شهرين متتابعين} (المجادلة/1)
ولأنه في حديث سلمة بن صخر وأوس بن الصامت رضي الله عنهما أنّ الصيام يجب أن يكون متتابعاً.
ومعنى التتابع هنا أن لا يفصل في الصيام بين أيام الشهرين وأن لا يصوم غير صيام الكفارة ، فإذا فعل فقد تابع بينهما. فعرفنا الآن معنى التتابع ودليل الوجوب. ووجوب التتابع في صيام الكفارة محل إجماع فدل عليه إذا الكتاب والسنة والإجماع.
يقول المؤلف رحمه الله:
(فإن تخلله رمضان ، أو فطر يجب ، كعيد ، وأيام تشريق)
لم ينقطع أي إذا تخلل صيام شهرين متتابعين فطر واجب أو صيام واجب فإنه لا ينقطع مثال الصيام الواجب رمضان ومثال الفطر الواجب أيام العيد والتشريق حينئذ لا ينقطع التتابع إذا فصل بين الشهرين بصيام رمضان أو بفطر العيد ، واستدل الحنابلة على هذا بأنّ هذا الصيام صيام واجب من جهة الشارع والفطر فطر واجب من جهة الشارع فلا يقطع التتابع لأنّ الشارع أذن به. سبحانه وتعالى هذا مذهب الحنابلة
والقول الثاني: أنه إذا تخلل صيام شهرين متتابعين صيام رمضان أو فطر عيد فإنّ التتابع ينقطع ، واستدل هؤلاء الذين رأوا انقطاع التتابع بأنّ من أراد أن يكفرّ بالصيام بإمكانه أن يجتنب الصيام الذي يتخلله رمضان أو عيد فإذا لم يتجنب ذلك صار قاطعاً للتتابع بإراداته. وهذا مذهب الإمام الشافعي.
القول الثالث: التفريق فإن صام شهرين متتابعين ولم يتقصد أن يكون في وسطها صيام رمضان وإنما جاء هكذا مصادفة بلا قصد فإنّ صيام رمضان وفطر العيد لا يقطع التتابع ، وإن صام قاصداً أن يكون رمضان أو
العيد يتخلل صيامه فإنّ هذا الفطر يقطع التتابع وهذا القول الثالث: هو قول للمالكية وليس المذهب وهو وجيه جداً فإذا تقصد أن يوقع الأعياد وأيام التشريق في مدة صيام الشهرين المتتابعين فإنه ينقطع التتابع وإذا كان هذا مصادفة أو إنما صامه لأنه إجازة يقصد أنه يتمكن في الإجازة أن يصوم ولا يتمكن في غير الإجازة أن يصوم ووقع العيد ورمضان في الإجازة مثلاً فهذا كله لا يقطع التتابع ، والراجح إن شاء الله كما قلت القول الثالث.
قال المؤلف رحمه الله:
(وحيض)
يعني وإن تخلل الصيام المتتابع حيض فإنّ التتابع لا ينقطع ، وعدم انقطاع صيام الشهرين المتتابعين في الحيض محل إجماع. لا إشكال فيه لأنّ المرأة لا تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين إلاّ بماذا؟ إلاّ بوجود حيض فتكليفها أن تصوم شهرين متتابعين بلا حيض تكليف بمحال ولهذا صار محل إجماع. لم يذكر المؤلف حكم النفاس إذا تخلل صيام شهرين متتابعين.
النفاس فيه خلاف كالخلاف السابق فيما إذا تخلل الصيام المتتابع عيد أو رمضان كالخلاف السابق تماماً ، والأدلة هي الأدلة المذكورة في الخلاف السابق فلسنا بحاجة إلى إعادة القول في حكم النفاس إذا تخلل صيام شهرين متتابعين وهذه المسألة تلحق بالفروق بين الحيض والنفاس فبالأمس أخذنا مسألة وهذه مسألة ولا يشترط في الفروق أن يكون الراجح هو إثبات الفرق بينهما بل يكون فرقاً ولو لم نثبت الراجح فرقاً بمعنى أن نقول أنّ الحيض محل إجماع والنفاس محل خلاف هذا فرق بينهما ، إذا عرفنا الآن حكم الحيض والنفاس.
قال المؤلف رحمه الله:
(وجنون ، ومرض مخوف ، ونحوه)
إذا انقطع التتابع بجنون أو بمرض مخوف فإنّ التتابع لا ينقطع ، فإذا صام الرجل الكفارة للظهار شهر ثم جُنَّ لمدة شهر ثم عوفي ورفع عنه الجنون فإنه يبقى عليه كم؟ شهر واحد. وكذلك إذا صام شهر ثم مرض غير مرجو ثم عوفي وشفي ثم استطاع الصيام فإنه يصوم ويتمم الصيام الأول ولا يحتاج إلى استئناف الصيام ، الدليل على هاتين المسألتين من وجهين: -
الأول: القياس على الحيض. والجامع بينهما ما هو؟ أنه أمر خارج عن إرادته.
الدليل الثاني: أنّ هذا مروي عن ابن عباس وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع دليلان قويان يؤيدان القول بعدم الانقطاع في الجنون والمرض غير المرجو.
قال المؤلف رحمه الله:
(أو أفطر ناسياً أو مكرهاً)
إذا أفطر ناسياً أو مكرهاً فإنّ التتابع لا ينقطع لأنه لم يفطر في الحقيقة إذ أنّ الإنسان إذا أكل أو شرب ناسياً أو جاهلاً فإنّ صيامه صحيح وإذا كان الصيام صحيحاً فإنه لم ينقطع أصلاً ، فما معنى قول الشيخ أفطر ونحن نقول إذا أكل ناسياً أو جاهلاً لم يفطر أصلاً؟
يحتمل أن نقول معنى قوله أفطر أو أن نعلق على قوله أفطر ، أنّ هذه العبارة غير دقيقة وأنها غير محررة من المؤلف وإلى هذا ذهب شيخنا رحمه الله فعلق على هذه العبارة بأنها غير محررة. وبالإمكان أن نعلق على العبارة بأمر آخر فنقول معنى قوله أفطر يعني أكل أو شرب ، وهذا لعله أقرب فكأن المؤلف عبرّ عن الأكل والشرب بالفطر وهذا أقرب إلى تصحيح عبارة المؤلف بدل أن نوهمه.
قال المؤلف رحمه الله:
(أو لعذر يبيح الفطر لم ينقطع)
إذا أفطر لعذر يبيح الفطر ومن أمثلة الأعذار التي تبيح الفطر السفر والمرض أي المرجو. لأنّ غير المرجو تحدثنا عنه إذا من أمثلته السفر والمرض المرجو. فإذا أفطر فيهما فإنه لا ينقطع التتابع عند الحنابلة وصيامه صحيح وإذا زال العذر أتم صيامه ولا نلزمه بالاستئناف.
والدليل على هذا: القياس على الحيض لأنه في الحيض عذر جاز له أن يفطر فلم يقطع التتابع كذلك السفر عذر جاز له أن يفطر به فلم يقطع التتابع.
القول الثاني: أنه إن أفطر بسبب السفر أو بسبب المرض الذي يبيح الفطر فإنه ينقطع التتابع لأنه قطع التتابع بإرادته مع إمكان الصيام.
والقول الثالث: التفصيل أنّ التتابع ينقطع إن أفطر بالسفر ولا ينقطع إن أفطر بالمرض لأنّ السفر وقع بإرادته والمرض وقع بغير إرادته، والصحيح إن شاء الله أنه لا ينقطع التتابع لا بالسفر ولا بالمرض ، وهو المذهب لأنه إذا لم يقطع التتابع في صيام رمضان فمن باب أولى في صيام الكفارة ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله "لا ينبغي أن يكون أوكد من رمضان ".يعني صيام الكفارة وهي عبارة محررة جداً. ولهذا فالراجح إن شاء الله أنه لا يقطع التتابع. ويستثنى من هذا ما إذا سافر حيلة ليفطر فإذا سافر حيلة ليفطر فإنّ التتابع ينقطع، لأنّ الحيل لا تذهب الواجبات ولا تحل المحرمات.
وبهذا انتهى الشيخ من أحكام الصيام في الكفارة وانتقل إلى أحكام التكفير في الإطعام.
ثم - قال المؤلف رحمه الله:
(ويجزئ التكفير بما يجزئ في فطرة فقط (
معنى هذه العبارة أنّ التكفير لا يجزئ من حيث جنس الطعام إلاّ في ما يجزئ في الفطرة فقط. فكل طعام لا يجزئ في زكاة الفطرة فإنه لا يجزئ في كفارة الظهار إلى هذا ذهب الحنابلة ودليلهم القياس على زكاة الفطرة ووجه القياس أنّ زكاة الفطرة والإطعام في الكفارة كل منهما شرع طهرة، ذاك طهرة للصائم وهذا طهرة للمظاهر. وإذا كان كل منهما شرع طهرة فيأخذ الحكم نفسه.
والقول الثاني: أنّ له أن يطعم بما شاء من الطعام سواء كان يجزئ في زكاة الفطرة أو لا يجزئ في زكاة الفطرة ، واستدل أصحاب هذا القول على قولهم بأنّ الله أمر بالإطعام مطلقاً في الآية وليس فيها تقييد ، وليس في حديث أوس بن الصامت رضي الله عنه ما يدل على هذا القيد والأصل الإطلاق لا التقييد بناء عليه يجوز أن يكفر بما شاء من الطعام ولو لم يجزئ في زكاة الفطرة وهذا القول اختاره شيخ الإسلام وابن القيم أخذاً بإطلاق الآية وهو قول كما ترى قوي ووجيه.
قال المؤلف رحمه الله:
(ولا يجزئ من البر أقل من مد ، ولا من غيره أقل من مدين)
لما انتهى من جنس المطعم به انتقل رحمه الله إلى مقدار ما يكفر به ، فالمذهب أنه لا ينقص عن مد في القمح وعن مدين فيما سواه فإذا أراد أن يكفر بالبر أو القمح يجزئه مد وبغيره من الأطعمة لا يجزئ إلاّ أن يخرج مدين واستدل الحنابلة على هذا بدليلين: -
الدليل الأول: الآثار المروية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم أفتوا بذلك.
الدليل الثاني: روايات متعددة في حديث أوس بن الصامت وغيره من أحاديث كفارة الظهار تفيد هذا التفصيل.
والقول الثاني: أنّ الإنسان له أن يطعم كفارة عن ظهاره بالمقدار الذي يشاء ، وليس هناك حد لما يخرج واستدلوا بأنّ الآية أمرت بالإطعام مطلقاً وأما الروايات في حديث أوس وسلمة بن صخر رضي الله عنهما فهي ضعيفة كلها، وأما الآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهي مختلفة، الراجح إن شاء الله المذهب، سبب الترجيح أنّ الآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت مختلفة إلاّ أنّ جمهور الصحابة على هذا التفصيل كما أنّ معاوية رضي الله عنه خطب في الناس في المدينة وذكر لهم هذا المقدار من زكاة الفطر ومن هنا نقول مادام أنّ جمهور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا القول فهو القول الراجح، كما أنّ القول بعدم التحديد مطلقاً خروج عن فتاوى الصحابة ، فإنّ الصحابة اتفقوا على التحديد واختلفوا في مقداره، فنحن نقول لا بد من التحديد ونختار هذا التحديد الذي ذكره الحنابلة لموافقته ما خطب به معاوية رضي الله عنه بين الصحابة.
قال المؤلف رحمه الله:
(لكل واحد ، ممن يجوز دفع الزكاة إليهم)
انتقل الشيخ إلى بيان من يجوز أن يعطى من كفارة الظهار فيجوز أن يعطى من يعطى من الزكاة ، ولهذا هو يقول رحمه الله لكل واحد ممن يجوز دفع الزكاة إليهم، وعبارته في الحقيقة فيها خلل لأنّ الحنابلة يرون أنه يجوز لكن بقيد وهو من يأخذ لحاجته وهذا القيد أساسي كان ينبغي على المؤلف أن يقيّد العبارة به ، فالحنابلة يرون أنه يجوز أن نعطي كل من يجوز أن يأخذ من الزكاة لحاجته ولا يجوز أن نعطي من يأخذ لغير حاجته ، فمن أمثلة من يأخذ لحاجته الفقير والمسكين والمدين ونحوهم.
ومن أمثلة من يأخذ لا لحاجته العاملون عليها ، هؤلاء يأخذون لا لحاجتهم. ودليل الحنابلة على هذا الضابط أنّ الله تعالى نص على المساكين في كفارة الظهار {فإطعام ستين مسكينا} [المجادلة/1] فنص على المساكين، فقاسوا رحمهم الله غير المساكين عليهم بجامع وجود الحاجة في الصنفين فقالوا إنما نص الله على المساكين لأنّ له حاجة فكذا غيره من أصناف أهل الزكاة ممن يأخذ لحاجة.
والقول الثاني: لا يجوز أن نعطي إلاّ المسكين فقط لأنّ الله تعالى إنما نص على المسكين فقط فلا نخرج عنه وإلى هذا القول مال ابن القيم رحمه الله تمسكاً بالآية ونحن نلاحظ أن شيخ الإسلام وابن القيم يأخذون بإطلاق الآية ..... فلا يزيدون ولا ينقصون وهذا تمسكاً منهم بظاهر الآية وهو استدلال صحيح فيما إذا لم تخالف الآثار الأخرى هذا النص.
قال المؤلف رحمه الله:
(وإن غدَّى المساكين أو عشاهم لم يجزئه)
وعلل الحنابلة ذلك بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة فدية الأذى أمر بالتمليك لقوله صلى الله عليه وسلم لكعب أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، واللام في لكل للتمليك، ومن غدا أو عشا فلم يملك والواجب التمليك وعرفتم الآن أنّ الاستدلال بالقياس على فدية الأذى.
القول الثاني: له أن يغديهم أو يعشيهم لأنّ الله تعالى أمر في الآية بماذا؟ الإطعام، فإذا غداهم أو عشاهم فقد أطعمهم. فهو امتثل الأمر بذلك، وهذا القول هو الراجح إن شاء الله لأنه يعتبر أطعم بمجرد الغداء والعشاء، وهذا هو القول الصحيح فيخرج من العهدة بأن يغدي أو يعشي ستين مسكيناً.
* * مسألة: علم من إطلاق الآية أنه لا يجوز أن يعطي الطعام الكافي لستين مسكيناً أن يعطيه لمسكين واحد أو لمسكينين بل لابد أن يفرق هذا الطعام بين ستين مسكيناً لأنّ الله أمر أن يطعم ستين مسكيناً فلو غدى أو عشى ثلاثين مسكينا مرتين فإنه لا يجزئ لأنه يجب أن يتعدد المساكين ليبلغوا ستين مسكيناً.
قال المؤلف رحمه الله:
(وتجب النية في التكفير من صوم وغيره)
أي يجب عليه أن ينوي أنها كفارة الظهار سواء كفر بالعتق أو بالصيام أو بالإطعام فإن لم يفعل فإنها لا تجزئ.
لدليلين: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرأ ما نوى) فيجب أن ينوي أنه يخرج هذا الشيء كفارة عن ظهاره.
الدليل الثاني: أنّ إخراج الكفارة يحتمل أنه عن كفارة يمين أو نذر أو غيرهما ولا يحدد كونها عن كفارة الظهار إلا النية ولا ينبغي أن يكون في هذا خلاف لأنّ هذه الكفارة عبادة وبلا نية تحدد لا تجزئ عن صاحبها
قال المؤلف رحمه الله:
(وإن أصاب المظاهر منها ليلاً أو نهاراً انقطع التتابع)
إن أصاب المظاهر منها ليلا أو نهاراً انقطع التتابع يلاحظ على المؤلف رحمه الله أنه رجع لأحكام الصيام مع أنه انتهى من أحكام الصيام وانتقل إلى أحكام الإطعام فكان ينبغي أن يجعل هاتين المسألتين مع أحكام الصيام.
يقول المؤلف أنه إن جامع ليلاً أو نهاراً انقطع التتابع ، أما إن جامع نهاراً فإنه يأثم والتتابع ينقطع بالإجماع لقوله تعالى:{من قبل أن يتماسا} [المجادلة/1] فالجماع في النهار أمره ظاهر.
وأما إن جامع زوجته التي ظاهر منها في الليل فإنه عند الحنابلة يأثم وينقطع التتابع ، أما الإثم فهو محل إجماع وإن جامع بالليل لأنه محرم أما انقطاع التتابع ففيه خلاف فالمذهب كما سمعت عن المؤلف يرون التتابع ينقطع، لأنّ الله تعالى أمر بأمر مركب فلا نخرج من العهدة إلاّ بأداء الأمرين معاً:
الأمر الأول: فصيام شهرين متتابعين.
الأمر الثاني: من قبل أن يتماسا.
فالتكفير يحصل بامتثال الأمرين معاً قبل المسيس أدى وبعد المسيس لم يمتثل الأمر الذي في الآية. وإليه يميل الشيخ ابن القيم رحمه الله.
القول الثاني: أنه إن جامع في الليل فهو آثم لكن التتابع لا ينقطع ، لأنه صام شهرين متتابعين لأنه يصدق عليه ذلك ولم يقطع التتابع .....
الراجح إن شاء الله المذهب لأنّ هذا الشخص يصدق عليه أنه صام شهرين متتابعين لكن لا يصدق عليه أنه "من قبل أن يتماسا" ، فإذا لم يؤدي الأمر فإنه لم يكفر وهذا القول هو الراجح وإن كانت المسألة محل تأمل ودليل كل قول من الأقوال وجيه وقوي لكن يبدوا لي أنّ القول الأرجح هو القول الأول لظاهر الآية.
قال المؤلف رحمه الله:
(وإن أصاب غيرها ليلاً لم ينقطع)
المقصود بغيرها يعني غير المظاهر منها فإذا أصاب غير المظاهر منها لم ينقطع التتابع لأنّ المحرمة عليه قبل التكفير هي المظاهر منها وما عداها فهي على أصل الجواز كما أنّ جماعها له في الليل لا يؤدي إلى انقطاع التتابع.
وبهذا انتهى كتاب الظهار ولله الحمد