الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِهِ. وَرَوَاهُ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ نَفْسِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعِهِ فِي قِتَالِ عَلِيٍّ أَهْلَ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَدَّمْنَا أَيْضًا «حَدِيثَ عَلِيٍّ لِلزُّبَيْرِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَكَ إِنَّكَ تُقَاتِلُنِي وَأَنْتَ ظَالِمٌ. فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجَمَلِ، ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ مَرْجِعِهِ فِي وَادِي السِّبَاعِ» . وَقَدَّمْنَا صَبْرَهُ وَصَرَامَتَهُ وَشَجَاعَتَهُ فِي يَوْمَيِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، وَبَسَالَتَهُ وَفَضْلَهُ فِي يَوْمِ النَّهْرَوَانِ، وَمَا وَرَدَ فِي فَضْلِ طَائِفَتِهِ الَّذِينَ قَتَلُوا الْخَوَارِجَ، مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَذَكَرْنَا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ، عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي أَيُّوبَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمَارِقِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالنَّاكِثِينَ، وَفَسَّرُوا النَّاكِثِينَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ، وَالْقَاسِطِينَ بِأَهْلِ الشَّامِ، وَالْمَارِقِينَ بِالْخَوَارِجِ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ.
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ الْعَادِلَةِ وَطَرِيقَتِهِ الْفَاضِلَةِ وَمَوَاعِظِهِ وَقَضَايَاهُ الْفَاصِلَةِ]
ِ، وَخُطَبِهِ الْكَامِلَةِ وَحِكَمِهِ الَّتِي هِيَ إِلَى الْقُلُوبِ وَاصِلَةٌ
قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ
فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا رَزَأْتُ مِنْ مَالِكُمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إِلَّا هَذِهِ. وَأَخْرَجَ قَارُورَةً مِنْ كُمِّ قَمِيصِهِ فِيهَا طِيبٌ. فَقَالَ: أَهْدَاهَا إِلَى الدِّهْقَانُ. ثُمَّ أَتَى بَيْتَ الْمَالِ فَقَالَ: خُذُوا. وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ
…
يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ تَمْرَهْ
وَفِي رِوَايَةٍ: مَرَّهْ. وَفِي رِوَايَةٍ:
طُوبَى لِمَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَقَالَ حَرْمَلَةُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ الْأَضْحَى، فَقَرَّبَ إِلَيْنَا خَزِيرَةً، فَقُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، لَوْ قَدَّمْتَ إِلَيْنَا هَذَا الْبَطَّ وَالْإِوَزَّ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْثَرَ الْخَيْرَ. فَقَالَ: يَا ابْنَ زُرَيْرٍ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَحِلُّ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ مَالِ اللَّهِ إِلَّا قَصْعَتَانِ ; قَصْعَةٌ يَأْكُلُهَا هُوَ وَأَهْلُهُ، وَقَصْعَةٌ يُطْعِمُهَا النَّاسَ ".»
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ وَأَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنَى هَاشِمٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - قَالَ حَسَنٌ: يَوْمَ الْأَضْحَى - فَقَرَّبَ إِلَيْنَا خَزِيرَةً، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، لَوْ قَرَّبْتَ إِلَيْنَا مِنْ هَذَا الْبَطِّ - يَعْنِي الْوَزِّ - فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْثَرَ
الْخَيْرَ. فَقَالَ: يَا ابْنَ زُرَيْرٍ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَحِلُّ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ مَالِ اللَّهِ إِلَّا قَصْعَتَانِ ; قَصْعَةٌ يَأْكُلُهَا هُوَ وَأَهْلُهُ، وَقَصْعَةٌ يَضَعُهَا بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ» ".
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالْخَوَرْنَقِ وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ وَهُوَ يُرْعِدُ مِنَ الْبَرْدِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكَ نَصِيبًا فِي هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ تَفْعَلُ بِنَفْسِكَ هَذَا؟ ! فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَرْزَأُ مِنْ مَالِكُمْ شَيْئًا، وَهَذِهِ الْقَطِيفَةُ هِيَ الَّتِي خَرَجْتُ بِهَا مِنْ بَيْتِي. أَوْ قَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: مَا بَنَى عَلِيٌّ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، وَلَا قَصَبَةً عَلَى قَصَبَةٍ، وَإِنْ كَانَ لَيُؤْتَى بِجَبُوبِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي جِرَابٍ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ مُجِمِّعِ بْنِ سَمْعَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِسَيْفِهِ إِلَى السُّوقِ فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي سَيْفِي هَذَا؟ فَلَوْ كَانَ عِنْدِي أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ أَشْتَرِي بِهَا إِزَارًا مَا بِعْتُهُ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرٍ - قَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ أَبِيهِ - أَنَّ عَلِيًّا كَانَ إِذَا لَبِسَ قَمِيصًا مَدَّ يَدَهُ فِي كُمِّهِ، فَمَا فَضَلَ مِنَ الْكُمِّ عَنِ الْأَصَابِعِ قَطَعَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ لِلْكُمِّ فَضْلٌ عَنِ الْأَصَابِعِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَرَى عَلِيٌّ قَمِيصًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، وَقَطَعَ كُمَّهُ مِنْ مَوْضِعِ الرُّسْغَيْنِ، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَذَا مِنْ رِيَاشِهِ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " الزُّهْدِ "، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ مَوْلًى لِأَبِي عُصَيْفِيرٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا خَرَجَ فَأَتَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ الْكَرَابِيسِ، فَقَالَ لَهُ: عِنْدَكَ قَمِيصٌ سُنْبُلَانِيٌّ؟ قَالَ: فَأَخْرُجُ إِلَيْهِ قَمِيصًا فَلَبِسَهُ، فَإِذَا هُوَ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، فَنَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَقَالَ: مَا أَرَى إِلَّا قَدْرًا حَسَنًا، بِكَمْ هُوَ؟ قَالَ: بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَحَلَّهَا مِنْ إِزَارِهِ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ جُرْمُوزٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا وَهُوَ يَخْرُجُ مِنَ الْقَصْرِ وَعَلَيْهِ قِطْرِيَّتَانِ ; إِزَارٌ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَرِدَاءٌ مُشَمَّرٌ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَمَعَهُ دِرَّةٌ لَهُ يَمْشِي بِهَا فِي الْأَسْوَاقِ، وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنِ الْبَيْعِ، وَيَقُولُ: أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ. وَيَقُولُ: لَا تَنْفُخُوا اللَّحْمَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فِي " الزُّهْدِ ": أَنَا رَجُلٌ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مِيثَمٍ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ الْجُهَنِيُّ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذَاتَ يَوْمٍ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ، مُتَّزِرٌ بِأَحَدِهِمَا مُرْتَدٍ بِالْآخَرِ، قَدْ أَرْخَى جَانِبَ إِزَارِهِ وَرَفَعَ جَانِبًا، وَقَدْ رَفَعَ رِدَاءَهُ بِخِرْقَةٍ، فَمَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَيُّهَا الْإِنْسَانُ، الْبَسْ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ أَوْ مَقْتُولٌ. فَقَالَ: أَيُّهَا الْأَعْرَابِيُّ، إِنَّمَا أَلْبَسُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ لِيَكُونَا أَبْعَدَ لِي مِنَ الزَّهْوِ، وَخَيْرًا لِي فِي صَلَاتِي، وَسُنَّةً لِلْمُؤْمِنِ.
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا الْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي مَطَرٍ قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا رَجُلٌ يُنَادِي مِنْ خَلْفِي: ارْفَعْ إِزَارَكَ ; فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لَكَ، وَخُذْ مِنْ رَأْسِكَ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمًا. فَمَشَيْتُ خَلْفَهُ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيَّ مُؤْتَزِرٌ بِإِزَارٍ مُرْتَدٍ بِرِدَاءٍ وَمَعَهُ الدِّرَّةُ، كَأَنَّهُ أَعْرَابِيٌّ بَدَوِيٌّ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ لِي رَجُلٌ: أَرَاكَ غَرِيبًا بِهَذَا الْبَلَدِ. فَقُلْتُ: أَجَلْ، أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. فَقَالَ: هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَارِ بَنَى أَبِي مُعَيْطٍ وَهِيَ سُوقُ الْإِبِلِ، فَقَالَ: بِيعُوا وَلَا تَحْلِفُوا ; فَإِنَّ الْيَمِينَ تُنْفِقُ السِّلْعَةَ وَتَمْحَقُ الْبَرَكَةَ. ثُمَّ أَتَى أَصْحَابَ التَّمْرِ، فَإِذَا خَادِمٌ تَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: بَاعَنِي هَذَا الرَّجُلُ تَمْرًا بِدِرْهَمٍ فَرَدَّهُ مَوَالِيَّ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: خُذْ تَمْرَكَ وَأَعْطِهَا دِرْهَمَهَا ; فَإِنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَمْرٌ. فَدَفَعَهُ، فَقُلْتُ: أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا. فَقُلْتُ: هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. فَصَبَّتْ تَمْرَهُ وَأَعْطَاهَا دِرْهَمَهَا، ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: أُحِبُّ أَنْ تَرْضَى عَنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: مَا
أَرْضَانِي عَنْكَ إِذَا أَوْفَيْتَ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ. ثُمَّ مَرَّ مُجْتَازًا بِأَصْحَابِ التَّمْرِ فَقَالَ: يَا أَصْحَابَ التَّمْرِ، أَطْعِمُوا الْمَسَاكِينَ يَرْبُ كَسْبُكُمْ. ثُمَّ مَرَّ مُجْتَازًا وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَصْحَابِ السَّمَكِ، فَقَالَ: لَا يُبَاعُ فِي سُوقِنَا طَافٍ. ثُمَّ أَتَى دَارَ فُرَاتٍ وَهِيَ سُوقُ الْكَرَابِيسِ، فَأَتَى شَيْخًا فَقَالَ: يَا شَيْخُ، أَحْسِنْ بَيْعِي فِي قَمِيصٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. فَلَمَّا عَرَفَهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ آخَرَ، فَلَمَّا عَرَفَهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَتَى غُلَامًا حَدَثًا فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَكُمُّهُ مَا بَيْنَ الرُّسْغَيْنِ إِلَى الْكَفَّيْنِ يَقُولُ فِي لُبْسِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي مِنَ الرِّيَاشِ مَا أَتَجَمَّلُ بِهِ فِي النَّاسِ، وَأُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي. فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا شَيْءٌ تَرْوِيهِ عَنْ نَفْسِكَ، أَوْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ عِنْدَ الْكِسْوَةِ. فَجَاءَ أَبُو الْغُلَامِ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَقِيلَ لَهُ: يَا فُلَانُ، قَدْ بَاعَ ابْنُكَ الْيَوْمَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَمِيصًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. قَالَ: أَفَلَا أَخَذْتَ مِنْهُ دِرْهَمَيْنِ؟ فَأَخَذَ مِنْهُ أَبُوهُ دِرْهَمًا، ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَابِ الرَّحْبَةِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذَا الدِّرْهَمَ. فَقَالَ: مَا شَأْنُ هَذَا الدِّرْهَمِ؟ فَقَالَ: كَانَ قَمِيصًا ثُمِّنَ دِرْهَمَيْنِ. فَقَالَ: بَاعَنِي رِضَايَ وَأَخَذَ رِضَاهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَجَدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ دِرْعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ، فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى شُرَيْحٍ يُخَاصِمُهُ. قَالَ: فَجَاءَ عَلِيٌّ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِ شُرَيْحٍ وَقَالَ: يَا شُرَيْحُ، لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا مَا جَلَسْتُ إِلَّا مَعَهُ، وَلَكِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا كُنْتُمْ
وَإِيَّاهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى مَضَايِقِهِ، وَصَغِّرُوا بِهِمْ كَمَا صَغَّرَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَطْغَوْا ".» ثُمَّ قَالَ: هَذَا الدِّرْعُ دِرْعِي وَلَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ. فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلنَّصْرَانِيِّ: مَا تَقَولُ فِيمَا يَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: مَا الدِّرْعُ إِلَّا دِرْعِي، وَمَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدِي بِكَاذِبٍ. فَالْتَفَتَ شُرَيْحٌ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ؟ فَضَحِكَ عَلِيٌّ وَقَالَ: أَصَابَ شُرَيْحٌ، مَا لِي بَيِّنَةٌ. فَقَضَى بِهَا شُرَيْحٌ لِلنَّصْرَانِيِّ. قَالَ: فَأَخْذُهَا النَّصْرَانِيُّ، وَمَشَى خُطًى ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدَّمَنِي إِلَى قَاضِيهِ، وَقَاضِيهِ يَقْضِي عَلَيْهِ! أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدِّرْعُ وَاللَّهِ دِرْعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اتَّبَعْتُ الْجَيْشَ وَأَنْتَ مُنْطَلِقٌ إِلَى صِفِّينَ فَخَرَجَتْ مِنْ بَعِيرِكَ الْأَوْرَقِ. فَقَالَ: أَمَا إِذْ أَسْلَمْتَ فَهِيَ لَكَ. وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ رَآهُ يُقَاتِلُ الْخَوَارِجَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ: جَاءَ جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَأْتِيكَ الرَّجُلَانِ أَنْتَ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِهِمَا مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَالْآخَرُ لَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَذْبَحَكَ لَذَبَحَكَ، فَتَقْضِي لِهَذَا عَلَى هَذَا! قَالَ: فَلَهَزَهُ عَلِيٌّ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَوْ كَانَ لِي فَعَلْتُ، وَلَكِنْ إِنَّمَا ذَا شَيْءٌ لِلَّهِ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنِي جَدِّي، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ صَالِحٍ بَيَّاعِ الْأَكْسِيَةِ، عَنْ جَدَّتِهِ قَالَتْ: رَأَيْتُ عَلِيًّا اشْتَرَى تَمْرًا بِدِرْهَمٍ، فَحَمَلَهُ فِي مِلْحَفَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا نَحْمِلُهُ عَنْكَ. فَقَالَ: أَبُو الْعِيَالِ أَحَقُّ بِحَمْلِهِ.
وَعَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ زَاذَانَ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ وَحْدَهُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، يُرْشِدُ الضَّالَّ وَيُعِينُ الضَّعِيفَ، وَيَمُرُّ بِالْبَيَّاعِ وَالْبَقَّالِ فَيَفْتَحُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَيَقْرَأُ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} [القصص: 83] . ثُمَّ يَقُولُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْعَدْلِ وَالتَّوَاضُعِ مِنَ الْوُلَاةِ وَأَهْلِ الْقُدْرَةِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ.
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا قَدْ رَكِبَ حِمَارًا وَدَلَّى رِجْلَيْهِ إِلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا الَّذِي أَهَنْتُ الدُّنْيَا.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: تَذَاكَرُوا الزُّهَّادَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ قَائِلُونَ: فُلَانٌ. وَقَالَ قَائِلُونَ: فُلَانٌ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَزْهَدُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مَنِ الْأَزَارِقَةِ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا تَقُولُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: فَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَا الْحَسَنِ، وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا، إِنَّ عَلِيًّا كَانَ سَهْمًا لِلَّهِ صَائِبًا فِي أَعْدَائِهِ، وَكَانَ فِي مَحَلَّةِ الْعِلْمِ أَشْرَفَهَا وَأَقْرَبَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ رَبَّانِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، لَمْ يَكُنْ لَمِالِ اللَّهِ بِالسَّرُوقَةِ، وَلَا فِي أَمْرِ اللَّهِ بِالنَّئُومَةِ، أَعْطَى الْقُرْآنَ عَزَائِمَهُ وَعَمَلَهُ وَعِلْمَهُ، فَكَانَ مِنْهُ فِي رِيَاضٍ مُونِقَةٍ، وَأَعْلَامٍ بَيِّنَةٍ، ذَاكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَا لُكَعُ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَ رَجُلٌ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِحَدِيثٍ فَكَذَبَهُ، فَمَا قَامَ حَتَّى عَمِيَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمِ عَنْ عَمَّارٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ زَاذَانُ أَبِي عُمَرَ، أَنْ رَجُلًا حَدَّثَ عَلِيًّا بِحَدِيثٍ، فَقَالَ: مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ كَذَبْتَنِي. قَالَ: لَمْ أَفْعَلْ. قَالَ: أَدْعُو عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ؟ قَالَ: ادْعُ. فَدَعَا فَمَا بَرِحَ حَتَّى عَمِيَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ قَالَ: مَرَرْتُ أَنَا وَخَالِي أَبُو أُمَيَّةَ عَلَى دَارٍ فِي مَحَلِّ حَيٍّ مِنْ مُرَادٍ، فَقَالَ: تَرَى هَذِهِ الدَّارَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ عَلِيًّا مَرَّ عَلَيْهَا وَهُمْ يَبْنُونَهَا، فَسَقَطَتْ عَلَيْهِ قِطْعَةٌ فَشَجَّتْهُ، فَدَعَا اللَّهَ أَنْ لَا يَكْمُلَ بِنَاؤُهَا. قَالَ: فَمَا وُضِعَتْ عَلَيْهَا لَبِنَةٌ. قَالَ: فَكُنْتُ أَمُرُّ عَلَيْهَا لَا تُشْبِهُ الدُّورَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي بَشِيرٍ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ الْجَمَلَ مَعَ مَوْلَايَ، فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ أَكْثَرَ سَاعِدًا نَادِرًا وَقَدَمًا نَادِرَةً مِنْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا مَرَرْتُ بِدَارِ الْوَلِيدِ قَطُّ إِلَّا ذَكَرْتُ يَوْمَ الْجَمَلِ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ أَنَّ عَلِيًّا دَعَا يَوْمَ الْجُمَلَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ خُذْ أَيْدِيَهُمْ وَأَقْدَامَهُمْ.
وَمِنْ كَلَامِهِ الْحَسَنِ، رضي الله عنه: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ السُّدِّيُّ، سَمِعْتُ أَبَا أَرَاكَةَ يَقُولُ: صَلَّيْتُ مَعَ عَلِيٍّ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ عَنْ يَمِينِهِ مَكَثَ كَأَنَّ عَلَيْهِ كَآبَةً، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى حَائِطِ الْمَسْجِدِ قَيْدَ رُمْحٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَلَّبَ يَدَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَمَا أَرَى الْيَوْمَ شَيْئًا يُشْبِهُهُمْ، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ صُفْرًا شُعْثًا غُبْرًا، بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ كَأَمْثَالِ رُكَبِ الْمِعْزَى، قَدْ بَاتُوا لِلَّهِ سُجَّدًا وَقِيَامًا، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ، فَإِذَا أَصْبَحُوا فَذَكَرُوا اللَّهَ مَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ فِي يَوْمِ الرِّيحِ، وَهَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ ثِيَابَهُمْ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ الْقَوْمَ بَاتُوا غَافِلِينَ. ثُمَّ نَهَضَ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مُفْتَرًّا يَضْحَكُ، حَتَّى قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ عَدُوُّ اللَّهِ الْفَاسِقُ.
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ تُعْرَفُوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي مِنْ بَعْدِكُمْ زَمَانٌ يُنْكَرُ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ، وَإِنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْهُ إِلَّا كُلُّ نُوَمَةٍ مُنْبَتِّ الدَّاءِ، أُولَئِكَ أَئِمَّةُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الْعِلْمِ، لَيْسُوا بِالْعُجُلِ الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً، وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَتَتْ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، أَلَّا وَإِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطًا، وَالتُّرَابَ فِرَاشًا، وَالْمَاءَ طِيبًا،
أَلَا مَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْآخِرَةِ سَلَا عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ رَجَعَ عَنِ الْحُرُمَاتِ، وَمَنْ طَلَبَ الْجَنَّةَ سَارَعَ إِلَى الطَّاعَاتِ، وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا هَانَتْ عَلَيْهِ الْمُصِيبَاتُ، أَلَا إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا كَمَنْ رَأَى أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ مُخَلَّدِينَ، وَأَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ مُعَذَّبِينَ، شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ، وَحَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ، صَبَرُوا أَيَّامًا قَلِيلَةً لِعُقْبَى رَاحَةٍ طَوِيلَةٍ، أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ، يَجْأَرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ: رَبَّنَا رَبَّنَا. يَطْلُبُونَ فِكَاكَ رِقَابِهِمْ، وَأَمَّا النَّهَارُ فَعُلَمَاءُ حُلَمَاءُ، بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ، كَأَنَّهُمُ الْقِدَاحُ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَقُولُ: مَرْضَى. وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ، وَ: خُولِطُوا. وَلَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ.
وَعَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: صَعِدَ عَلِيٌّ ذَاتَ يَوْمٍ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْمَوْتَ، فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ، الْمَوْتُ لَيْسَ مِنْهُ فَوْتٌ، إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخَذَكُمْ، وَإِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ، فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ، وَالْوَحَاءَ الْوَحَاءَ، وَرَاءَكُمْ طَالِبٌ حَثِيثٌ ; الْقَبْرُ، فَاحْذَرُوا ضَغْطَتَهُ وَظُلْمَتَهُ وَوَحْشَتَهُ، أَلَا وَإِنَّ الْقَبْرَ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، أَوْ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَلَّا وَإِنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الظُّلْمَةِ، أَنَا بَيْتُ الدُّودِ، أَنَا بَيْتُ الْوَحْشَةِ. أَلَا وَإِنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ يَوْمًا يَشِيبُ فِيهِ الصَّغِيرُ، وَيَسْكَرُ فِيهِ الْكَبِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ، أَلَا وَإِنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ ; نَارٌ حَرُّهَا شَدِيدٌ، وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ، وَحَلْيُهَا حَدِيدٌ، وَمَاؤُهَا صَدِيدٌ،
وَخَازِنُهَا مَلَكٌ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ رَحْمَةٌ. قَالَ: ثُمَّ بَكَى وَبَكَى الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَإِنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ جَنَّةً، عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَأَجَارَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ. وَرَوَاهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيًّا، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمٍ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ، وَإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ، وَغَدًا السِّبَاقُ، أَلَا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجْلٌ، فَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجْلِهِ فَقَدْ خُيِّبَ عَمَلُهُ، أَلَا فَاعْمَلُوا لِلَّهِ فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ لَهُ فِي الرَّهْبَةِ، أَلَا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، وَلَمْ أَرَ كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، أَلَا وَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ الْحَقُّ ضَرَّهُ الْبَاطِلُ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَقِمْ بِهِ الْهُدَى حَارَ بِهِ الضَّلَالُ، أَلَا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ، وَدُلْلِتُمْ عَلَى الزَّادِ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ، يَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ، يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، أَيُّهَا النَّاسُ، أَحْسِنُوا فِي عُمْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَ جَنَّتَهُ مَنْ أَطَاعَهُ، وَأَوْعَدَ نَارَهُ مَنْ عَصَاهُ، إِنَّهَا نَارٌ لَا يَهْدَأُ زَفِيرُهَا، وَلَا يُفَكُّ أَسِيرُهَا، وَلَا يُجْبَرُ كَسِيرُهَا، حَرُّهَا شَدِيدٌ، وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ، وَمَاؤُهَا صَدِيدٌ، وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَطُولُ
الْأَمَلِ يُنْسِي الْآخِرَةَ.
وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: ذَمَّ رَجُلٌ الدُّنْيَا عِنْدَ عَلِيٍّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ نَجَاةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا، مَهْبِطُ وَحْيِ اللَّهِ، وَمُصَلَّى مَلَائِكَتِهِ، وَمَسْجِدِ أَنْبِيَائِهِ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَائِهِ، رَبِحُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ، وَاكْتَسَبُوا فِيهَا الْجَنَّةَ، فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ بِبَيْنِهَا، وَنَادَتْ بِفِرَاقِهَا، وَشَبَّهَتْ بِشُرُورِهَا السُّرُورَ، وَبِبَلَائِهَا إِلَيْهِ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا، فَيَا أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا الْمُعَلِّلُ نَفْسَهُ، مَتَى خَدَعَتْكَ الدُّنْيَا، أَوْ مَتَى اسْتَذَمَّتْ إِلَيْكَ؟ أَبِمَصَارِعِ آبَائِكَ فِي الْبِلَى؟ أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى؟ ! كَمْ مَرِضْتَ بِيَدَيْكَ، وَعَلَّلَتْ بِكَفَّيْكَ، تَطْلُبُ لَهُ الشِّفَاءَ، وَتَسْتَوْصِفُ لَهُ الْأَطِبَّاءَ، لَا يُغْنِي عَنْكَ دَوَاؤُكَ، وَلَا يَنْفَعُكَ بُكَاؤُكَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ فَأَطْرَاهُ، وَكَانَ يُبْغِضُ عَلِيًّا، فَقَالَ لَهُ: لَسْتُ كَمَا تَقُولُ، وَأَنَا فَوْقَ مَا فِي نَفْسِكَ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ: ثَبَّتَكَ اللَّهُ. قَالَ: عَلَى صَدْرِكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ،
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كَقَطْرِ الْمَطَرِ، لِكُلِّ نَفْسٍ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، فِي نَفْسٍ أَوْ أَهْلٍ أَوْ مَالٍ، فَمَنْ رَأَى نَقَصَا فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ، وَرَأَى لِغَيْرِهِ غَفِيرَةً فَلَا يَكُونَنَّ ذَلِكَ لَهُ فِتْنَةً، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً يُظْهِرُ تَخَشُّعًا لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ، وَتُغْرِي بِهِ لِئَامَ النَّاسِ، كَالْيَاسِرِ الْفَالِجِ يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ وَتَدْفَعُ عَنْهُ الْمَغْرَمَ، فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الْبَرِيءُ مِنَ الْخِيَانَةِ بَيْنَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِذَا مَا دَعَا اللَّهَ، فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ مَالًا فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ وَمَالٍ، وَمَعَهُ حَسَبُهُ وَدِينُهُ، الْحَرْثُ حَرْثَانِ ; فَحَرْثُ الدُّنْيَا الْمَالُ وَالْبَنُونَ، وَحَرْثُ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ. قَالَ سُفْيَانُ: وَمَنْ يُحْسِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ إِلَّا عَلِيٌّ؟ !
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، عَنْ مُهَاجِرٍ الْعَامِرِيِّ قَالَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَهْدًا لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ عَلَى بَلَدٍ، فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَلَا تُطَوِّلَنَّ حِجَابَكَ عَلَى رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةُ الضِّيقِ، وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ، وَالِاحْتِجَابُ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتُجِبُوا دُونَهُ، فَيَضْعُفُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ، وَيَعْظُمُ الصَّغِيرُ، وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ، وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ، وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ
لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَوْلِ سِمَاتٌ يُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ، فَتَحَصَّنْ مِنَ الْإِدْخَالِ فِي الْحُقُوقِ بِلِينِ الْحِجَابِ، فَإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ ; إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ، فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ أَنْ تُعْطِيَهُ، أَوْ خُلُقٍ كَرِيمٍ تُسَدِّدُ بِهِ؟ وَإِمَّا مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ وَالشُّحِّ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا يَئِسُوا مِنْ خَيْرِكِ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مَا لَا مُؤْنَةَ فِيهِ عَلَيْكَ ; مِنْ شَكَاةِ مَظْلَمَةٍ، أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ، فَانْتَفِعْ بِمَا وَصَفْتُ لَكَ، وَاقْتَصِرْ عَلَى حَظِّكَ وَرُشْدِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: رُوَيْدًا، فَكَأَنْ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى، وَعُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الْمُغْتَرُّ بِالْحَسْرَةِ، وَيَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ التَّوْبَةَ، وَالظَّالِمُ الرَّجْعَةَ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ الشِّعْرَ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ الشِّعْرَ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ الشِّعْرَ، وَكَانَ عَلِيٌّ أَشْعَرَ الثَّلَاثَةِ. وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَنْ دَمَاذٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَلِيٍّ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، إِنَّ لِي فَضَائِلَ كَثِيرَةً، وَكَانَ أَبِي سَيِّدًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَصِرْتُ مَلِكًا فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنَا صِهْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَخَالُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَاتِبُ الْوَحْيِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: أَبَالْفَضَائِلِ يَفْخَرُ عَلَيَّ ابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ؟ ! ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ يَا غُلَامُ:
مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ أَخِي وَصِهْرِي
…
وَحَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عَمِّي
وَجَعْفَرٌ الَّذِي يُمْسِي وَيُضْحِي
…
يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ ابْنُ أُمِّي
وَبِنْتُ مُحَمَّدٍ سَكَنِي وَعِرْسِي
…
مَسُوطٌ لَحْمُهَا بِدَمِي وَلَحْمِي
وَسِبْطَا أَحْمَدَ وَلَدَايَ مِنْهَا
…
فَأَيُّكُمُ لَهُ سَهْمٌ كَسَهْمِي
سَبَقْتُكُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا
…
صَغِيرًا مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حُلْمِي
قَالَ: فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَخْفُوا هَذَا الْكِتَابَ لَا يَقْرَؤُهُ أَهْلُ الشَّامِ فَيَمِيلُوا إِلَى ابْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ وَزَمَانِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ حَارِثَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «سَمِعْتُ عَلِيًّا يُنْشِدُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ
أَنَا أَخُو الْمُصْطَفَى لَا شَكَّ فِي نَسَبِي
…
مَعْهُ رَبِيتُ وَسِبْطَاهُ هُمَا وَلَدِي
جَدِّي وَجَدُّ رَسُولِ اللَّهِ مُنْفَرِدٌ
…
وَفَاطِمٌ زَوْجَتِي لَا قَوْلَ ذِي فَنَدِ
صَدَّقْتُهُ وَجَمِيعُ النَّاسِ فِي بُهَمٍ
…
مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْإِشْرَاكِ وَالنَّكَدِ
فَالْحَمْدُ لِلَّهِ شُكْرًا لَا شَرِيكَ لَهُ
…
الْبَرِّ بِالْعَبْدِ وَالْبَاقِي بِلَا أَمَدِ
قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ صَدَقْتَ يَا عَلِيٌّ» وَهَذَا بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُنْكَرٌ، وَالشِّعْرُ فِيهِ رَكَاكَةٌ، وَبَكْرٌ هَذَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ تَفَرُّدَهُ بِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زَكَرِيَّا الرَّمْلِيِّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ سَلَامَةَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً قَدْ رَفَعْتُهَا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أَرْفَعَهَا إِلَيْكَ، فَإِنْ أَنْتَ قَضَيْتَهَا حَمِدْتُ اللَّهَ وَشَكَرْتُكَ، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَقْضِهَا حَمِدْتُ اللَّهَ وَعَذَرْتُكَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: اكْتُبْ عَلَى الْأَرْضِ ; فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَرَى ذُلَّ السُّؤَالِ فِي وَجْهِكَ. فَكَتَبَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ. فَقَالَ عَلِيٌّ: عَلِيَّ بِحُلَّةٍ. فَأَتَى بِهَا، فَأَخَذَهَا الرَّجُلُ فَلَبِسَهَا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
كَسَوْتَنِي حُلَّةً تَبْلَى مَحَاسِنُهَا
…
فَسَوْفَ أَكْسُوكَ مِنْ حُسْنِ الثَّنَا حُلَلَا
إِنْ نِلْتَ حَسَنَ ثَنَائِي نِلْتَ مَكْرُمَةً
…
وَلَسْتَ تَبْغِي بِمَا قَدْ قُلْتُهُ بَدَلًا
إِنَّ الثَّنَاءَ لَيُحْيِي ذِكْرَ صَاحِبِهِ
…
كَالْغَيْثِ يُحْيِي نَدَاهُ السَّهْلَ وَالْجَبَلَا
لَا تَزْهَدِ الدَّهْرَ فِي خَيْرٍ تُوَاقِعُهُ
…
فَكُلُّ عَبْدٍ سَيُجْزَى بِالَّذِي عَمِلَا
فَقَالَ عَلِيٌّ: عَلَيَّ بِالدَّنَانِيرِ. فَأُتِيَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ. قَالَ الْأَصْبَغُ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حُلَّةً وَمِائَةَ دِينَارٍ؟ ! قَالَ: نَعَمْ. «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» ". وَهَذِهِ مَنْزِلَةُ هَذَا الرَّجُلِ عِنْدِي.
وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:
إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْيَأْسِ الْقُلُوبُ
…
وَضَاقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيبُ
وَأَوْطَنَتِ الْمَكَارِهُ وَاطْمَأَنَّتْ
…
وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الْخُطُوبُ
وَلَمْ تَرَ لِانْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهًا
…
وَلَا أَغْنَى بِحِيلَتِهِ الْأَرِيبُ
أَتَاكَ عَلَى قُنُوطٍ مِنْكَ غَوْثٌ
…
يَجِيءُ بِهِ الْقَرِيبُ الْمُسْتَجِيبُ
وَكُلُّ الْحَادِثَاتِ إِذَا تَنَاهَتْ
…
فَمَوْصُولٌ بِهَا الْفَرَجُ الْقَرِيبُ
وَمِمَّا أَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَلَّا فَاصْبِرْ عَلَى الْحَدَثِ الْجَلِيلِ
…
وَدَاوِ جَوَاكَ بِالصَّبْرِ الْجَمِيلِ
وَلَا تَجْزَعْ فَإِنْ أَعْسَرْتَ يَوْمًا
…
فَقَدْ أَيْسَرْتَ فِي الدَّهْرِ الطَّوِيلِ
وَلَا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ ظَنَّ سَوْءٍ
…
فَإِنَّ اللَّهَ أَوْلَى بِالْجَمِيلِ
فَإِنَّ الْعُسْرَ يَتْبَعُهُ يَسَارٌ
…
وَقَوْلُ اللَّهِ أَصْدَقُ كُلِّ قِيلِ
فَلَوْ أَنَّ الْعُقُولَ تَجُرُّ رِزْقًا
…
لَكَانَ الرِّزْقُ عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ
فَكَمْ مِنْ مُؤْمِنٍ قَدْ جَاعَ يَوْمًا
…
سَيُرْوَى مِنْ رَحِيقِ السَّلْسَبِيلِ
فَمِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُجِيعُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَفَاسَتِهِ، وَيُشْبِعُ الْكَلْبَ مَعَ خَسَاسَتِهِ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَلْبَسُ وَيَتَمَتَّعُ، وَالْمُؤْمِنُ يَجُوعُ وَيَعْرَى، وَذَلِكَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْهَا حِكْمَةُ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ.
وَمِمَّا أَنْشَدَهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرَّاقُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَجِدِ الثِّيَابَ إِذَا اكْتَسَيْتَ فَإِنَّهَا
…
زَيْنُ الرِّجَالِ بِهَا تُعَزُّ وَتُكْرَمُ
وَدَعِ التَّوَاضُعَ فِي الثِّيَابِ تَخَوُّفًا
…
فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُجِنُّ وَتَكْتُمُ
فَرَثَاثُ ثَوْبِكَ لَا يَزِيدُكَ زُلْفَةً
…
عِنْدَ الْإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْرِمٌ
وَبَهَاءُ ثَوْبِكَ لَا يَضُرُّكَ بَعْدَ أَنْ
…
تَخْشَى الْإِلَهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ
وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى ثِيَابِكُمْ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» . وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَ الزُّهْدُ فِي
الدُّنْيَا بِلُبْسِ الْعَبَاءِ وَلَا بِأَكْلِ الْخَشِنِ، إِنَّمَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قِصَرُ الْأَمَلِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْأَكْبَرِ الْمُبَرِّدُ: كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى سَيْفِ عَلِيٍّ:
لِلنَّاسِ حِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا وَتَدْبِيرُ
…
وَصَفْوُهَا لَكَ مَمْزُوجٌ بِتَكْدِيرِ
لَمْ يُرْزَقُوهَا بِعَقْلٍ عِنْدَمَا قُسِمَتْ
…
لَكِنَّهُمْ رُزِقُوهَا بِالْمَقَادِيرِ
كَمْ مِنْ أَدِيبٍ لَبِيبٍ لَا تُسَاعِدُهُ
…
وَمَائِقٍ نَالَ دُنْيَاهُ بِتَقْصِيرِ
لَوْ كَانَ عَنْ قُوةٍ أَوْ عَنْ مُغَالَبَةٍ
…
طَارَ الْبُزَاةُ بِأَرْزَاقِ الْعَصَافِيرِ
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: ثَنَا سَلَمَةُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِرَجُلٍ كَرِهَ لَهُ صُحْبَةَ رَجُلٍ:
فَلَا تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ
…
وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ
فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى
…
حَلِيمًا حِينَ آخَاهُ
يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ
…
إِذَا مَا هُوَ مَاشَاهُ
وَلِلشِيءِ عَلَى الشَّيْءِ
…
مَقَايِيسٌ وَأَشْبَاهُ
وَلِلْقَلْبِ عَلَى الْقَلْبِ دَلِيلٌ
حِينَ يَلْقَاهُ
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَقَفَ عَلِيٌّ عَلَى قَبْرِ فَاطِمَةَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
ذَكَرْتُ أَبَا أَرْوَى فَبِتُّ كَأَنَّنِي
…
بِرَدِّ الْهُمُومِ الْمَاضِيَاتِ وَكِيلُ
لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ خَلِيلَيْنِ فُرْقَةٌ
…
وَكُلِّ الَّذِي قَبْلَ الْمَمَاتِ قَلِيلُ
وَإِنَّ افْتِقَادِي وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ
…
دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يَدُومَ خَلِيلُ
سَيُعْرَضُ عَنْ ذِكْرِي وَتُنْسَى مَوَدَّتِي
…
وَيَحْدُثُ بَعْدِي لِلْخَلِيلِ خَلِيلُ
إِذَا انْقَطَعَتْ يَومًا مِنَ الْعَيْشِ مُدَّتِي
…
فَإِنَّ عَنَاءَ الْبَاكِيَاتِ قَلِيلُ
وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه:
حَقِيقٌ بِالتَّوَاضُعِ مَنْ يَمُوتُ
…
وَيَكْفِي الْمَرْءَ مِنْ دُنْيَاهُ قُوتُ
فَمَا لِلْمَرِءِ يُصْبِحُ ذَا هُمُومٍ
…
وَحِرْصٍ لَيْسَ تُدْرِكُهُ النُّعُوتِ
صَنِيعُ مَلِيكِنَا حَسَنٌ جَمِيلٌ
…
وَمَا أَرْزَاقُهُ عَنَّا تَفُوتُ
فَيَا هَذَا سَتَرْحَلُ عَنْ قَلِيلٍ
…
إِلَى قَومٍ كَلَامُهُمُ السُّكُوتُ
وَهَذَا الْفَصْلُ يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهُ مَا فِيهِ مَقْنَعٌ لِمَنْ أَرَادَهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ