الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]
[تَسْلِيمُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبَى سُفْيَانَ]
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فِيهَا سَلَّمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ بْنَ أَبَى سُفْيَانَ. ثُمَّ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ طَفِقَ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ: إِنَّكُمْ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ، مُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ، مُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ. فَارْتَابَ بِهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَقَالُوا: مَا هَذَا لَكُمْ بِصَاحِبٍ. فَمَا كَانَ عَنْ قَرِيبٍ حَتَّى طَعَنُوهُ فَأَشْوَوْهُ، فَازْدَادَ لَهُمْ بُغْضًا، وَازْدَادَ مِنْهُمْ ذُعْرًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ عَرَفَ تَفَرُّقَهُمْ وَاخْتِلَافَهُمْ عَلَيْهِ، وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُسَالِمُهُ وَيُرَاسِلُهُ فِي الصُّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَلَى مَا يَخْتَارَانِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبَى مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبَى سُفْيَانَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ، وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ: أَيْ عَمْرُو، إِنَّ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ؟ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنَى
عَبْدِ شَمْسٍ ; عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولَا لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ. فَأَتَيَاهُ فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا، وَقَالَا لَهُ، وَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا. قَالَا: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ. قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَصَالَحَهُ. قَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: إِنَّمَا ثَبَتَ عِنْدَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَفِي فَضَائِلِ الْحَسَنِ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ، وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ مُوسَى الْبَصْرِيِّ بِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، كِلَاهُمَا عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْبَصْرِيُّ، بِهِ. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا
وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُرْسَلًا.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي مَنْ سَمْعِ الْحَسَنَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُنَا يَوْمًا وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي حِجْرِهِ، فَيُقْبِلُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَيُحَدِّثُهُمْ، ثُمَّ يَقْبَلُ عَلَى الْحَسَنِ فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، إِنْ يَعِشْ يُصْلِحْ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ". قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَلَمْ يُسَمِّ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ عَنِ الْحَسَنِ، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ الْحَسَنِ، مِنْهُمْ ; أَبُو مُوسَى إِسْرَائِيلُ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَمَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، وَأَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، وَالْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ الْقَدَرِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَطْرِيقِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، فَأَفَادَ وَأَجَادَ.
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنْ مَعْمَرًا رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ فَلَمْ يُفْصِحُ بِاسْمِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ وَسَمَّاهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ هَاشِمٍ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ الْحَسَنُ: فَوَاللَّهِ وَاللَّهِ بَعْدَ أَنْ وَلِيَ لَمْ يُهْرَقْ فِي خِلَافَتِهِ مِلْءُ مِحْجِمَةٍ مِنْ دَمٍ.
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي " أَطْرَافِهِ ": وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، رضي الله عنه ; قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحَسَنِ «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ". وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ; فَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ التَّمَّارُ الْمَدَنِيُّ، ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَدَنِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمَضَى، فَقُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَدْ سَلَّمَ عَلَيْنَا. قَالَ: فَتَبِعَهُ فَلَحِقَهُ، وَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا سَيِّدِي. وَقَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " إِنَّهُ سَيِّدٌ» ".
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ: كَانَ تَسْلِيمُ الْحَسَنِ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ فِي الْخَامِسِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ. وَيُقَالُ: فِي غُرَّةِ جُمَادَى الْأُولَى. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَحِينَئِذٍ دَخَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْكُوفَةِ فَخَطَبَ النَّاسَ بِهَا بَعْدَ الْبَيْعَةِ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَشَارَ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ يَأْمُرَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ وَيُعْلِمَهُمْ بِنُزُولِهِ عَنِ الْأَمْرِ لِمُعَاوِيَةَ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ الْحَسَنَ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ اللَّهَ هَدَاكُمْ بِأَوَّلِنَا، وَحَقَنَ دِمَاءَكُمْ بِآخِرِنَا، وَإِنَّ لِهَذَا الْأَمْرِ مُدَّةً، وَالدُّنْيَا دُوَلٌ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: 111] . فَلَمَّا قَالَهَا غَضِبَ مُعَاوِيَةُ وَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ، وَعَتَبَ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي إِشَارَتِهِ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ لِذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ ": حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ مَا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: سَوَّدْتَ وُجُوهَ الْمُؤْمِنِينَ - أَوْ: يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ - فَقَالَ: لَا تُؤَنِّبْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ ; فَإِنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] يَا مُحَمَّدُ. يَعْنِي نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ، وَنَزَلَتْ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ - لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 1 - 3] يَمْلِكُهَا بَعْدَكَ بَنُو أُمَيَّةَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ الْقَاسِمُ: فَعَدَدْنَا فَإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ، لَا تَزِيدُ يَوْمًا وَلَا تَنْقُصُ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَابْنُ مَهْدِيٍّ. قَالَ: وَشَيْخُهُ يُوسُفُ بْنُ سَعْدٍ - وَيُقَالُ: يُوسُفُ بْنُ مَازِنٍ - رَجُلٌ مَجْهُولٌ. قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ بَلْ مُنْكَرٌ جِدًّا، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَبَيَّنَّا وَجْهَ نَكَارَتِهِ، وَنَاقَشْنَا الْقَاسِمَ بْنَ الْفَضْلِ فِيمَا ذَكَرَهُ، فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعِ " التَّفْسِيرَ ". وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَكِيمِيُّ، ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثَنَا أَبُو رَوْقٍ الْهَمْدَانِيُّ، ثَنَا أَبُو الْغَرِيفِ قَالَ: كُنَّا فِي مُقَدِّمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا بِمَسْكِنَ مُسْتَمِيتِينَ، تَقْطُرُ أَسْيَافُنَا مِنَ الْجِدِّ
عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ وَعَلَيْنَا أَبُو الْعَمَرَّطَةِ، فَلَمَّا جَاءَنَا صُلْحُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ كَأَنَّمَا كُسِرَتْ ظُهُورُنَا مِنَ الْغَيْظِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفَةَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَامِرٍ سُفْيَانُ بْنُ اللَّيْلِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَبَا عَامِرٍ، لَسْتُ بِمُذِلِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَهُمْ عَلَى الْمُلْكِ.
وَلَمَّا تَسَلَّمَ مُعَاوِيَةُ الْبِلَادَ وَدَخْلَ الْكُوفَةَ وَخَطْبَ بِهَا، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْكَلِمَةُ فِي سَائِرِ الْأَقَالِيمِ وَالْآفَاقِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ أَحَدُ دُهَاةُ الْعَرَبِ، وَقَدْ كَانَ عَزَمَ عَلَى الشِّقَاقِ، وَحَصَلَ عَلَى بَيْعَةِ مُعَاوِيَةَ عَامَئِذٍ الْإِجْمَاعُ وَالِاتِّفَاقُ، تَرَحَّلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمَعَهُ أَخُوهُ الْحُسَيْنُ وَبَقِيَّةُ إِخْوَتِهِمْ وَابْنُ عَمِّهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى أَرْضِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَجَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ بِحَيٍّ مِنْ شِيعَتِهِمْ يُبَكِّتُونَهُ عَلَى مَا صَنَعَ مِنْ نُزُولِهِ عَنِ الْأَمْرِ لِمُعَاوِيَةَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُصِيبٌ بَارٌّ رَاشِدٌ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ يَجِدُ فِي صَدْرِهِ حَرَجًا وَلَا تَلَوُّمًا وَلَا نَدَمًا، بَلْ هُوَ رَاضٍ بِذَلِكَ مُسْتَبْشِرٌ بِهِ، وَإِنَّ كَانَ قَدْ سَاءَ هَذَا خُلُقًا مِنْ ذَوِيهِ وَأَهْلِهِ وَشِيعَتِهِ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَدٍ، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَمَدْحُهُ فِيمَا حَقَنَ بِهِ دِمَاءَ الْأُمَّةِ، كَمَا مَدَحَهُ عَلَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَسَيَأْتِي فَضَائِلَ الْحَسَنِ عِنْدَ ذِكْرِ وَفَاتِهِ، رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ، وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ مُتَقَلَّبَهُ
وَمَثْوَاهُ، وَقَدْ فَعَلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ سُورَةَ " إِبْرَاهِيمَ " عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى خَتَمَهَا.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ كُلَّ لَيْلَةٍ سُورَةُ " الْكَهْفِ " فِي لَوْحٍ مَكْتُوبٍ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ مِنْ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ فِي الْفِرَاشِ، رضي الله عنه.