الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَضْلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه]
هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ، خَالُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَاتِبُ وَحْيِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْلَمَ هُوَ وَأَبَوْهُ وَأُمُّهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ أَسْلَمْتُ يَوْمَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَلَكِنْ كَتَمْتُ إِسْلَامِي مِنْ أَبِي وَأُمِّي إِلَى يَوْمِ الْفَتْحِ. وَقَدْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَآلَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ قُرَيْشٍ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ فَكَانَ هُوَ أَمِيرَ الْحُرُوبِ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ، وَكَانَ رَئِيسًا مُطَاعًا ذَا مَالٍ جَزِيلٍ، وَلَمَّا أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ:" نَعَمْ ". قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: " نَعَمْ ". ثُمَّ سَأَلَ أَنْ يُزَوِّجَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِابْنَتِهِ الْأُخْرَى، وَهِيَ عَزَّةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَاسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِأُخْتِهَا أُمِّ حَبِيبَةَ، فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَأَفْرَدَنَا لَهُ مُصَنَّفًا عَلَى حِدَةٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنْ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ غَيْرِهِ مِنْ كُتَّابِ الْوَحْيِ، رضي الله عنهم، وَلَمَّا فُتِحَتِ الشَّامُ وَلَّاهُ عُمَرُ نِيَابَةَ دِمَشْقَ بَعْدَ أَخِيهِ يَزِيدَ
بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَادَهُ بِلَادًا أُخْرَى، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْقُبَّةَ الْخَضْرَاءَ بِدِمَشْقَ، وَسَكَنَهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَهُ الْحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ. وَلَمَّا وَلِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْخِلَافَةَ أَشَارَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أُمَرَائِهِ، مِمَّنْ بَاشَرَ قَتْلَ عُثْمَانَ، أَنْ يَعْزِلَ مُعَاوِيَةَ عَنِ الشَّامِ، وَيُوَلِّيَ عَلَيْهَا سَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ، فَعَزَلَهُ فَلَمْ يَنْتَظِمْ لَهُ عَزْلُهُ، وَالْتَفَّ عَلَى مُعَاوِيَةَ جَمَاعَةٌ مِنَ أَهْلِ الشَّامِ وَمَانَعَ عَلِيًّا عَنْهَا، وَقَدْ قَالَ: لَا أُبَايِعُهُ حَتَّى يُسَلِّمَنِي قَتَلَةَ عُثْمَانَ، فَإِنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَيَلِي الْمُلْكَ وَالسُّلْطَانَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَدْ أَوْرَدْنَا سَنَدَهُ وَمَتْنَهُ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ. فَلَمَّا امْتَنَعَ مُعَاوِيَةُ مِنَ الْبَيْعَةِ لِعَلِيٍّ حَتَّى يُسَلِّمَهُ الْقَتَلَةَ، كَانَ مِنْ أَمْرِ صِفِّينِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، ثُمَّ آلَ الْأَمْرُ إِلَى التَّحْكِيمِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي مُوسَى مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ قُوَّةِ جَانِبِ أَهْلِ الشَّامِ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ جِدًّا، وَلَمْ يَزَلْ أَمْرُ عَلَيٍّ فِي اخْتِلَافٍ مَعَ أَصْحَابِهِ حَتَّى قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ كَمَا تَقَدَّمَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ بَايَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَبَايَعَ أَهْلُ الشَّامِ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ثُمَّ رَكِبَ الْحَسَنُ فِي جُنُودِ الْعِرَاقِ عَنْ غَيْرِ إِرَادَةٍ مِنْهُ، وَرَكِبَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا تَوَاجَهَ الْجَيْشَانِ وَتَقَابَلَ الْفَرِيقَانِ، سَعَى النَّاسُ بَيْنَهُمَا