الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى مُعَاوِيَةَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَلَمْ يَكُنْ عُبَيْدُ اللَّهِ يُجِلُّهُ، فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ الْأَحْنَفَ رَحَّبَ بِهِ وَعَظَّمَهُ وَأَجَلَّهُ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ الْقَوْمُ فَأَثْنَوْا عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالْأَحْنَفُ سَاكِتٌ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا لَكَ يَا أَبَا بَحْرٍ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: إِنْ تَكَلَّمْتُ خَالَفْتُ الْقَوْمَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: انْهَضُوا فَقَدْ عَزَلْتُهُ عَنْكُمْ، فَاطْلُبُوا وَالِيًا تَرْضَوْنَهُ. فَمَكَثُوا أَيَّامًا يَتَرَدَّدُونَ إِلَى أَشْرَافِ بَنِي أُمَيَّةَ، يَسْأَلُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ جَمَعَهُمْ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: مَنِ اخْتَرْتُمْ؟ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ وَالْأَحْنَفُ سَاكِتٌ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ غَيْرَ أَهْلِ بَيْتِكَ فَرَاءٍ رَأْيَكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ أَعَدْتُهُ إِلَيْكُمْ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قَالَ الْأَحْنَفُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ وَلَّيْتَ عَلَيْنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَإِنَّا لَا نَعْدِلُ بِعُبَيْدِ اللَّهِ أَحَدًا، وَإِنَّ وَلَّيْتَ عَلَيْنَا مِنْ غَيْرِهِمْ فَانْظُرْ لَنَا فِي ذَلِكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ أَعَدْتُهُ إِلَيْكُمْ. ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْصَى عُبَيْدَ اللَّهِ بِالْأَحْنَفِ خَيْرًا، وَقَبَّحَ رَأْيَهُ فِي مُبَاعَدَتِهِ، فَكَانَ الْأَحْنَفُ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَصَّ أَصْحَابِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ لَمْ يَفِ لِعُبَيْدِ اللَّهِ غَيْرُ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ.
[قِصَّةُ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيِّ مَعَ ابْنَيْ زِيَادٍ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبَّادٍ]
ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى وَغَيْرِهِ، أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ شَاعِرًا، وَكَانَ مَعَ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ بِسِجِسْتَانَ، فَاشْتَغَلَ عَنْهُ بِحَرْبِ التُّرْكِ، وَضَاقَ
عَلَى النَّاسِ عَلَفُ الدَّوَابِّ، فَقَالَ ابْنُ مُفَرِّغٍ شِعْرًا يَهْجُو بِهِ عَبَّادَ بْنَ زِيَادٍ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فَقَالَ:
أَلَا لَيْتَ اللِّحَى كَانَتْ حَشِيشًا
…
فَنَعْلِفُهَا خُيُولَ الْمُسْلِمِينَا
وَكَانَ عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ كَبِيرَهَا جِدًّا، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَغَضِبَ، وَتَطَلَّبَهُ فَهَرَبَ مِنْهُ، وَقَالَ فِيهِ قَصَائِدَ يَهْجُوهُ بِهَا كَثِيرَةً، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
إِذَا أَوْدَى مُعَاوِيَةُ بْنُ حَرْبٍ
…
فَبَشِّرْ شِعْبَ قَعْبِكَ بِانْصِدَاعِ
فَأَشْهَدُ أَنَّ أُمَّكَ لَمْ تُبَاشِرْ
…
أَبَا سُفْيَانَ وَاضِعَةَ الْقِنَاعِ
وَلَكِنْ كَانَ أَمْرًا فِيهِ لَبْسٌ
…
عَلَى وَجِلٍ شَدِيدٍ وَارْتِيَاعِ
وَقَالَ أَيْضًا:
أَلَا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ
…
مُغَلْغَلَةً مِنَ الرَّجُلِ الْيَمَانِي
أَتَغْضَبُ أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ عَفٌّ
…
وَتَرْضَى أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ زَانِي
فَأَشْهَدُ أَنَّ رَحْمَكَ مِنْ زِيَادٍ
…
كَرَحْمِ الْفِيلِ مِنْ وَلَدِ الْأَتَانِ
فَكَتَبَ عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ إِلَى أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ وَافِدٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ، فَقَرَأَهَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَاسْتَأْذَنَهُ فِي قَتْلِهِ، فَقَالَ: لَا تَقْتُلْهُ، وَلَكِنْ أَدِّبْهُ وَلَا تَبْلُغْ بِهِ الْقَتْلَ. فَلَمَّا رَجَعَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى الْبَصْرَةِ اسْتَحْضَرَهُ، وَكَانَ قَدِ اسْتَجَارَ بِوَالِدِ زَوْجَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، وَهُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ الْجَارُودِ، وَكَانَتِ ابِنْتُهُ بَحْرِيَّةُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَجَارَهُ وَآوَاهُ إِلَى دَارِهِ، وَجَاءَ الْمُنْذِرُ مُسَلِّمًا عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ، وَبَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ الشُّرَطَ إِلَى دَارِ الْمُنْذِرِ، فَجَاءُوا بِابْنِ مُفَرِّغٍ، فَأُوقِفَ بَيْنَ
يَدَيْهِ، فَقَالَ الْمُنْذِرُ: إِنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ. فَقَالَ: يَمْدَحُكَ وَيَمْدَحُ أَبَاكَ فَتَرْضَى عَنْهُ، وَيَهْجُونِي وَيَهْجُو أَبِي ثُمَّ تُجِيرُهُ عَلَيَّ؟ ! ثُمَّ أَمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِابْنِ مُفَرِّغٍ فَسُقِيَ دَوَاءً مُسْهِلًا، وَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ، وَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَهُوَ يَسْلَحُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى سِجِسْتَانَ، إِلَى عِنْدِ أَخِيهِ عَبَّادٍ، فَقَالَ ابْنُ مُفَرِّغٍ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ:
يَغْسِلُ الْمَاءُ مَا صَنَعْتَ وَقَوْلِي
…
رَاسِخٌ مِنْكَ فِي الْعِظَامِ الْبَوَالِي
وَكَلَّمَ الْيَمَانِيُّونَ مُعَاوِيَةَ فِي أَمْرِ ابْنِ مُفَرِّغٍ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا بَعَثَ بِهِ إِلَى أَخِيهِ لِيَقْتُلَهُ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى ابْنِ مُفَرِّغٍ فَأَحْضَرَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ بَكَى وَشَكَى إِلَى مُعَاوِيَةَ مَا فَعَلَ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: إِنَّكَ هَجَوْتَهُ، أَلَسْتَ الْقَائِلَ كَذَا؟ أَلَسْتَ الْقَائِلَ كَذَا؟ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَذَكَرَ أَنَّ الْقَائِلَ ذَلِكَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ أَخُو مَرْوَانَ، وَأَحَبَّ أَنْ يُسْنِدَهَا إِلَيَّ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ وَمَنَعَهُ الْعَطَاءَ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ وَأَنْشَدَ ابْنُ مُفَرِّغٍ مَا قَالَهُ فِي الطَّرِيقِ فِي مُعَاوِيَةَ يُخَاطِبُ رَاحِلَتَهُ:
عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيْكِ إِمَارَةٌ
…
نَجَوْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ
لَعَمْرِي لَقَدْ نَجَّاكِ مِنْ هُوَّةِ الرَّدَى
…
إِمَامٌ وَحَبْلٌ لِلْأَنَامِ وَثِيقُ
سَأَشْكُرُ مَا أَوْلَيْتَ مِنْ حُسْنِ نِعْمَةٍ
…
وَمِثْلِي بِشُكْرِ الْمُنْعِمِينَ حَقِيقُ
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَمَا لَوْ كُنَّا نَحْنُ الَّذِينَ هَجَوْتَنَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.
ثُمَّ خَيَّرَهُ أَيُّ الْبِلَادِ أُعْجِبُ إِلَيْهِ يُقِيمُ بِهَا، فَاخْتَارَ الْمَوْصِلَ فَأَرْسَلَهُ إِلَيْهَا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي الْقَدْومِ إِلَى الْبَصْرَةِ وَالْمُقَامِ بِهَا، فَأَذِنَ لَهُ.
ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ رَكِبَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فَاسْتَرْضَاهُ، فَرَضِيَ عَنْهُ، وَأَنْشَدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
لَأَنْتَ زِيَادَةٌ فِي آلِ حَرْبٍ
…
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِحْدَى بَنَانِي
أَرَاكَ أَخًا وَعَمًّا وَابْنَ عَمٍّ
…
وَلَا أَدْرِي بِغَيْبٍ مَا تَرَانِي
فَقَالَ لَهُ عُبَيْدٌ: أَرَاكَ وَاللَّهِ شَاعِرَ سُوءٍ. ثُمَّ رَضِيَ عَنْهُ، وَأُعِيدَ إِلَيْهِ مَا كَانَ مُنِعَ مِنَ الْعَطَاءِ.
قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ وَالْوَاقِدِيُّ: وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ نَائِبَ الْمَدِينَةِ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَلَى الْكُوفَةِ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَقَاضِيهَا شُرَيْحٌ، وَعَلَى الْبَصْرَةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ وَقاضِيهَا هِشَامُ بْنُ هُبَيْرَةَ، وَعَلَى خُرَاسَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، وَعَلَى سِجِسْتَانَ عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ، وَعَلَى كَرْمَانَ شَرِيكُ بْنُ الْأَعْوَرِ الْحَارِثِيُّ، مِنْ قِبَلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ.