المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المطالبة بثأر الحسين ممن قتله] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ١١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[ذِكْرُ مَقْتَلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَفِي فَضْلِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[صِفَةُ مَقْتَلِهِ رضي الله عنه]

- ‌[صُورَةُ الْوَصِيَّةِ الَّتِي تَرَكَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[أَقْرَبُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ نَسَبًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حَدِيثُ الْمُؤَاخَاةِ]

- ‌[تَزْوِيجُ عَلِيٍّ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ رضي الله عنهما]

- ‌[حَدِيثُ الطَّيْرِ]

- ‌[حَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ لَهُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ]

- ‌[حَدِيثُ الصَّدَقَةِ بِالْخَاتَمِ وَهُوَ رَاكِعٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ الْعَادِلَةِ وَطَرِيقَتِهِ الْفَاضِلَةِ وَمَوَاعِظِهِ وَقَضَايَاهُ الْفَاصِلَةِ]

- ‌[غَرِيبَةٌ مِنَ الْغَرَائِبِ وَآبِدَةٌ مِنَ الْأَوَابِدِ]

- ‌[خِلَافَةُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[تَسْلِيمُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبَى سُفْيَانَ]

- ‌[ذِكْرُ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبَى سُفْيَانَ رضي الله عنه وَمُلْكِهِ]

- ‌[فَضْلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه]

- ‌[خُرُوجُ طَائِفَةٍ مِنَ الْخَوَارِجِ عَلَيْهِ]

- ‌[وَمِنْ أَعْيَانِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذَا الْعَامِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ خَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرِ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[قِصَّةٌ غَرِيبَةٌ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[قِصَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ مَعَ لَيْلَى بِنْتِ الْجُودِيِّ مَلِكِ عَرَبِ الشَّامِ]

- ‌[عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[قِصَّةُ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيِّ مَعَ ابْنَيْ زِيَادٍ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبَّادٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌‌‌[تَرْجَمَةُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه- وَذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَيَّامِهِ وَدَوْلَتِهِ]

- ‌[تَرْجَمَةُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ وَمَنْ وُلِدَ لَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ]

- ‌[فَصَلُ مَنِ اتَّخَذَهُمْ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْحِرَاسَةِ وَالْحِجَابَةِ وَالشُّرْطَةِ]

- ‌[فَصْلُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[إِمَارَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَمَا جَرَى فِي أَيَّامِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْفِتَنِ]

- ‌[قِصَّةُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ رضي الله عنهما وَسَبَبُ خُرُوجِهِ بِأَهْلِهِ فِي طَلَبِ الْإِمَارَةِ وَكَيْفِيَّةُ مَقْتَلِهِ]

- ‌[صِفَةُ مَخْرَجِ الْحُسَيْنِ وَمَا جَرَى لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّينَ]

- ‌[مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ]

- ‌[صِفَةُ مَقْتَلِهِ رضي الله عنه مَأْخُوذَةً مِنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ لَا كَمَا يَزْعُمُهُ أَهْلُ التَّشَيُّعِ]

- ‌[فَصْلُ الْإِخْبَارِ بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما]

- ‌[قَبْرُ الْحُسَيْنِ]

- ‌[رَأْسُهُ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ أَشْعَارِهِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ]

- ‌[حِصَارُ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِمَكَّةَ]

- ‌[تَرْجَمَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ]

- ‌[ذِكْرُ أَوْلَادِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعَدَدِهِمْ]

- ‌[إِمَارَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ]

- ‌[إِمَارَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ بَيْعَةِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ]

- ‌[وَقْعَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ وَمَقْتَلُ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْفِهْرِيِّ رضي الله عنه]

- ‌[قَتْلُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ]

- ‌[مِنْ أَحْدَاثِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ هِجْرِيَّةٍ]

- ‌[ذِكْرُ هَدْمِ الْكَعْبةِ وَبِنَائِهَا فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ]

- ‌[الْمُطَالَبَةُ بِثَأْرِ الْحُسَيْنِ مِمَّنْ قَتَلَهُ]

- ‌[وَقْعَةُ عَيْنِ وَرْدَةَ]

- ‌[تَرْجَمَةُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ جَدِّ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُ]

- ‌[خِلَافَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ]

الفصل: ‌[المطالبة بثأر الحسين ممن قتله]

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ]

[الْمُطَالَبَةُ بِثَأْرِ الْحُسَيْنِ مِمَّنْ قَتَلَهُ]

فَفِيهَا اجْتَمَعَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ نَحْوٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، كُلُّهُمْ يَطْلُبُونَ الْأَخْذَ بِثَأْرِ الْحُسَيْنِ مِمَّنْ قَتَلَهُ.

وَقَدْ خَطَبَهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ حِينَ خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِالنُّخَيْلَةِ، فَحَرَّضَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ خَرَجَ مِنْكُمْ لِطَلَبِ الدُّنْيَا ذَهَبِهَا وَحَرِيرِهَا فَلَيْسَ مَعَنَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا مَعَنَا سُيُوفٌ عَلَى عَوَاتِقِنَا، وَرِمَاحٌ فِي أَكُفِّنَا، وَزَادٌ يَكْفِينَا حَتَّى نَلْقَى عَدُوَّنَا. فَأَجَابُوهُ إِلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِمْ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ بِقَصْدِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ بِمُقَاتَلَةِ مَنْ بِالْكُوفَةِ مِنْ رُءُوسِ الْقَبَائِلِ مِنْ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ كَعُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَضْرَابِهِ، فَامْتَنَعَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ إِلَّا أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ; فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي جَهَّزَ إِلَيْهِ الْجُيُوشَ، وَأَلَّبَ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا السَّيْفُ، وَهَا هُوَ قَدْ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ قَاصِدًا

ص: 695

الْعِرَاقَ. فَصَمَّمَ النَّاسُ مَعَهُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ.

فَلَمَّا أَزْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ بَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أُمَرَاءُ الْكُوفَةِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ يَقُولَانِ لَهُ: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَكُونَ أَيْدِينَا وَاحِدَةً عَلَى ابْنِ زِيَادٍ. وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَبْعَثُوا مَعَهُمْ جَيْشًا لِيُقَوِّيَهُمْ عَلَى مَا قَصَدُوا لَهُ، وَبَعَثُوا إِلَيْهِ الْبَرِيدَ أَنْ يَنْتَظِرَهُمْ حَتَّى يَقْدُمُوا عَلَيْهِ، فَتَهَيَّأَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ لِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ فِي رُءُوسِ الْأُمَرَاءِ، وَجَلَسَ فِي أُبَّهَتِهِ، وَالْجُيُوشُ مُحْدِقَةٌ بِهِ، وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ فِي أَشْرَافِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ غَيْرِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ ; لِئَلَّا يَطْمَعُوا فِيهِمْ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا لَا يَبِيتُ إِلَّا فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْأَمِيرَانِ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَا لَهُ وَأَشَارَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَذْهَبُوا حَتَّى تَكُونَ أَيْدِيهِمْ كُلِّهِمْ وَاحِدَةً عَلَى قِتَالِ عَدُوِّهِمُ ابْنِ زِيَادٍ، وَيُجَهِّزُوا مَعَهُمْ جَيْشًا آخَرَ ; فَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَهُمْ يُحَاجِفُونَ عَنِ ابْنِ زِيَادٍ، فَامْتَنَعَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِمَا وَقَالَ: إِنَّا قَدْ

ص: 696

خَرَجْنَا لِأَمْرٍ لَا نَرْجِعُ عَنْهُ، وَلَا نَتَأَخَّرُ فِيهِ. فَانْصَرَفَ الْأَمِيرَانِ رَاجِعِينَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَانْتَظَرَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَأَصْحَابُهُ أَصْحَابَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ وَاعَدُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَهْلِ الْمَدَائِنِ أَنْ يَقْدُمُوا عَلَيْهِمُ النُّخَيْلَةَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَلَمْ يَقْدُمُوا عَلَيْهِمْ وَلَا وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَقَامَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَصْحَابِهِ خَطِيبًا، وَحَرَّضَهُمْ عَلَى الذَّهَابِ لِمَا خَرَجُوا لَهُ، وَقَالَ: لَوْ قَدْ سَمِعَ إِخْوَانُكُمْ بِمَسِيرِكُمْ لَلَحِقُوكُمْ سِرَاعًا. فَخَرَجَ سُلَيْمَانُ وَأَصْحَابُهُ مِنَ النُّخَيْلَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، فَسَارَ بِهِمْ مَرَاحِلَ، مَا يَتَقَدَّمَونَ مَرْحَلَةً إِلَى نَحْوِ الشَّامِ إِلَّا تَخَلَّفَ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ مَعَهُ، فَلَمَّا مَرُّوا بِقَبْرِ الْحُسَيْنِ صَاحُوا صَيْحَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَتَبَاكَوْا، وَبَاتُوا عِنْدَهُ لَيْلَةً، وَظَلُّوا يَوْمًا يَدْعُونَ وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَيَتَرَضَّوْنَ عَنْهُ، وَيَتَمَنَّوْنَ أَنْ لَوْ كَانُوا مَاتُوا مَعَهُ شُهَدَاءَ.

قُلْتُ: لَوْ كَانَ هَذَا الْعَزْمُ وَالِاجْتِمَاعُ قَبْلَ وُصُولِ الْحُسَيْنِ إِلَى تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ لَكَانَ أَنْفَعَ لَهُ وَأَنْصُرَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ لِنُصْرَتِهِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ.

وَلَمَّا أَرَادُوا الِانْصِرَافَ جَعَلَ لَا يَسِيرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَبْرَ فَيَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرَ لَهُ، حَتَّى جَعَلُوا يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ أَشَدَّ مِنِ ازْدِحَامِهِمْ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، ثُمَّ سَارُوا قَاصِدِينَ الشَّامَ، فَلَمَّا اجْتَازُوا بِقَرْقِيسِيَا تَحَصَّنَ مِنْهُمْ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ: إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِكُمْ فَأَخْرِجْ إِلَيْنَا سُوقًا، فَإِنَّا إِنَّمَا نُقِيمُ عِنْدَكُمْ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. فَأَمَرَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَنْ يُخْرَجَ السُّوقُ إِلَيْهِمْ،

ص: 697

وَأَمَرَ لِلرَّسُولِ إِلَيْهِ - وَهُوَ الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ الْفَزَارِيُّ - بِفَرَسٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ. فَقَالَ: أَمَّا الْمَالُ فَلَا، وَأَمَّا الْفَرَسُ فَنَعَمْ. وَبَعَثَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَرُءُوسِ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ مَعَهُ، إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ عِشْرِينَ جَزُورًا وَطَعَامًا وَعَلَفًا كَثِيرًا، ثُمَّ خَرَجَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ فَشَيَّعَهُمْ، وَسَايَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ وَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَدْ وَجَّهُوا إِلَيْكُمْ جَيْشًا كَثِيفًا وَعَدَدًا كَثِيرًا مَعَ حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَشُرَحْبِيلَ بْنِ ذِي الْكَلَاعِ، وَأَدْهَمَ بْنِ مُحْرِزٍ الْبَاهِلِيِّ، وَرَبِيعَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْغَنَوِيِّ، وَجَبَلَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيِّ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا، وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِمْ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَنْ يَدْخُلُوا مَدِينَتَهُ أَوْ يَكُونُوا عِنْدَ بَابِهَا، فَإِنْ جَاءَهُمْ أَحَدٌ كَانَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: قَدْ عَرَضَ عَلَيْنَا أَهْلُ بَلَدِنَا مِثْلَ ذَلِكَ فَامْتَنَعْنَا. قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ ذَلِكَ فَبَادِرُوهُمْ إِلَى عَيْنِ الْوَرْدَةِ، فَيَكُونَ الْمَاءُ وَالْمَدِينَةُ وَالْأَسْوَاقُ خَلْفَ ظُهُورِكُمْ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَأَنْتُمْ آمِنُونَ مِنْهُ. ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَعْتَمِدُونَهُ فِي حَالِ الْقِتَالِ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَالنَّاسُ خَيَرًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُمْ، وَسَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فَبَادَرَ إِلَى عَيْنِ الْوَرْدَةِ، فَنَزَلَ غَرْبِيَّهَا، وَأَقَامَ هُنَاكَ خَمْسًا قَبْلَ وُصُولِ أَعْدَائِهِ إِلَيْهِ.

ص: 698