المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[إمارة يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه من الحوادث والفتن] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ١١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[ذِكْرُ مَقْتَلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَفِي فَضْلِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[صِفَةُ مَقْتَلِهِ رضي الله عنه]

- ‌[صُورَةُ الْوَصِيَّةِ الَّتِي تَرَكَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[أَقْرَبُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ نَسَبًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حَدِيثُ الْمُؤَاخَاةِ]

- ‌[تَزْوِيجُ عَلِيٍّ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ رضي الله عنهما]

- ‌[حَدِيثُ الطَّيْرِ]

- ‌[حَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ لَهُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ]

- ‌[حَدِيثُ الصَّدَقَةِ بِالْخَاتَمِ وَهُوَ رَاكِعٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ الْعَادِلَةِ وَطَرِيقَتِهِ الْفَاضِلَةِ وَمَوَاعِظِهِ وَقَضَايَاهُ الْفَاصِلَةِ]

- ‌[غَرِيبَةٌ مِنَ الْغَرَائِبِ وَآبِدَةٌ مِنَ الْأَوَابِدِ]

- ‌[خِلَافَةُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[تَسْلِيمُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبَى سُفْيَانَ]

- ‌[ذِكْرُ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبَى سُفْيَانَ رضي الله عنه وَمُلْكِهِ]

- ‌[فَضْلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه]

- ‌[خُرُوجُ طَائِفَةٍ مِنَ الْخَوَارِجِ عَلَيْهِ]

- ‌[وَمِنْ أَعْيَانِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذَا الْعَامِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ خَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرِ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[قِصَّةٌ غَرِيبَةٌ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[قِصَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ مَعَ لَيْلَى بِنْتِ الْجُودِيِّ مَلِكِ عَرَبِ الشَّامِ]

- ‌[عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[قِصَّةُ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيِّ مَعَ ابْنَيْ زِيَادٍ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبَّادٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌‌‌[تَرْجَمَةُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه- وَذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَيَّامِهِ وَدَوْلَتِهِ]

- ‌[تَرْجَمَةُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ وَمَنْ وُلِدَ لَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ]

- ‌[فَصَلُ مَنِ اتَّخَذَهُمْ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْحِرَاسَةِ وَالْحِجَابَةِ وَالشُّرْطَةِ]

- ‌[فَصْلُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[إِمَارَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَمَا جَرَى فِي أَيَّامِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْفِتَنِ]

- ‌[قِصَّةُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ رضي الله عنهما وَسَبَبُ خُرُوجِهِ بِأَهْلِهِ فِي طَلَبِ الْإِمَارَةِ وَكَيْفِيَّةُ مَقْتَلِهِ]

- ‌[صِفَةُ مَخْرَجِ الْحُسَيْنِ وَمَا جَرَى لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّينَ]

- ‌[مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ]

- ‌[صِفَةُ مَقْتَلِهِ رضي الله عنه مَأْخُوذَةً مِنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ لَا كَمَا يَزْعُمُهُ أَهْلُ التَّشَيُّعِ]

- ‌[فَصْلُ الْإِخْبَارِ بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما]

- ‌[قَبْرُ الْحُسَيْنِ]

- ‌[رَأْسُهُ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ أَشْعَارِهِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ]

- ‌[حِصَارُ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِمَكَّةَ]

- ‌[تَرْجَمَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ]

- ‌[ذِكْرُ أَوْلَادِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعَدَدِهِمْ]

- ‌[إِمَارَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ]

- ‌[إِمَارَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ بَيْعَةِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ]

- ‌[وَقْعَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ وَمَقْتَلُ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْفِهْرِيِّ رضي الله عنه]

- ‌[قَتْلُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ]

- ‌[مِنْ أَحْدَاثِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ هِجْرِيَّةٍ]

- ‌[ذِكْرُ هَدْمِ الْكَعْبةِ وَبِنَائِهَا فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ]

- ‌[الْمُطَالَبَةُ بِثَأْرِ الْحُسَيْنِ مِمَّنْ قَتَلَهُ]

- ‌[وَقْعَةُ عَيْنِ وَرْدَةَ]

- ‌[تَرْجَمَةُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ جَدِّ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُ]

- ‌[خِلَافَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ]

الفصل: ‌[إمارة يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه من الحوادث والفتن]

وَأَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثُوَبٍ الْخَوْلَانِيُّ الْيَمَنِيُّ

مِنْ خَوْلَانَ بِبِلَادِ الْيَمَنِ. دَعَاهُ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ إِلَى أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا أَسْمَعُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَأَجَّجَ لَهُ نَارًا، وَأَلْقَاهُ فِيهَا، فَلَمْ تَضُرَّهُ، وَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ، فَكَانَ يُشَبَّهُ بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، ثُمَّ هَاجَرَ فَوَجَدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ، فَقَدِمَ عَلَى الصِّدِّيقِ، فَأَجْلَسَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَانِي فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ. وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَكَانَتْ لَهُ أَحْوَالٌ وَمُكَاشَفَاتٌ.

وَيُقَالُ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِيهَا النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، رضي الله عنه، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[إِمَارَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَمَا جَرَى فِي أَيَّامِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْفِتَنِ]

بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ أَبِيهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ، فَكَانَ يَوْمَ بُويِعَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَأَقَرَّ نُوَّابُ أَبِيهِ عَلَى الْأَقَالِيمِ، لَمْ يَعْزِلْ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَهَذَا مِنْ ذَكَائِهِ.

ص: 466

قَالَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى الْكُوفِيِّ الْأَخْبَارِيِّ: وَلِيَ يَزِيدُ فِي هِلَالِ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ، وَأَمِيرُ الْمَدِينَةِ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَمِيرُ الْكُوفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَأَمِيرُ الْبَصْرَةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، وَأَمِيرُ مَكَّةَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَزِيدَ هِمَّةٌ حِينَ وَلِيَ إِلَّا بَيْعَةُ النَّفَرِ الَّذِينَ أَبَوْا عَلَى مُعَاوِيَةَ الْبَيْعَةَ لِيَزِيدَ، فَكَتَبَ إِلَى نَائِبِ الْمَدِينَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ يَزِيدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، أَكْرَمَهُ اللَّهُ وَاسْتَخْلَفَهُ وَخَوَّلَهُ وَمَكَّنَ لَهُ، فَعَاشَ بِقَدَرٍ، وَمَاتَ بِأَجَلٍ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَدْ عَاشَ مَحْمُودًا، وَمَاتَ بَرًّا تَقِيًّا، وَالسَّلَامُ.

وَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي صَحِيفَةٍ كَأَنَّهَا أُذُنُ الْفَأْرَةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَخُذْ حُسَيْنًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ بِالْبَيْعَةِ أَخْذًا شَدِيدًا لَيْسَتْ فِيهِ رُخْصَةٌ حَتَّى يُبَايِعُوا، وَالسَّلَامُ. فَلَمَّا أَتَاهُ نَعْيُ مُعَاوِيَةَ فَظِعَ بِهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ إِلَى مَرْوَانَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَاسْتَشَارَهُ فِي أَمْرِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ، فَقَالَ: أَرَى أَنْ تَدْعُوَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَإِنْ أَبَوْا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ. فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْرِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِلَى الْحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُمَا: أَجِيبَا الْأَمِيرَ. فَقَالَا: انْصَرِفِ، الْآنَ نَأْتِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُمَا قَالَ الْحُسَيْنُ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: إِنِّي أَرَى طَاغِيَتَهُمْ قَدْ هَلَكَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَأَنَا مَا أَظُنُّ غَيْرَهُ. قَالَ: ثُمَّ نَهَضَ حُسَيْنٌ فَأَخَذَ مَعَهُ مَوَالِيَهُ، وَجَاءَ بَابَ الْأَمِيرِ، فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ وَحْدَهُ، وَأَجْلَسَ مَوَالِيَهُ عَلَى الْبَابِ، وَقَالَ: إِنْ سَمِعْتُمْ أَمْرًا يُرِيبُكُمْ فَادْخُلُوا. فَسَلَّمَ وَجَلَسَ وَمَرْوَانُ عِنْدَهُ، فَنَاوَلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ الْكِتَابَ، وَنَعَى إِلَيْهِ

ص: 467

مُعَاوِيَةَ، فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ مُعَاوِيَةَ، وَعَظَّمَ لَكَ الْأَجْرَ. فَدَعَاهُ الْأَمِيرُ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: إِنَّ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ سِرًّا، وَمَا أَرَاكَ تَجْتَزِئُ مِنِّي بِهَذَا، وَلَكِنْ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ دَعَوْتَنَا مَعَهُمْ، فَكَانَ أَمْرًا وَاحِدًا. فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ وَكَانَ يُحِبُّ الْعَافِيَةَ: فَانْصَرِفْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ حَتَّى تَأْتِيَنَا فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ. فَقَالَ مَرْوَانُ لِلْوَلِيدِ: وَاللَّهِ لَئِنْ فَارَقَكَ وَلَمْ يُبَايِعِ السَّاعَةَ، لَيَكْثُرَنَّ الْقَتْلُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، فَاحْبِسْهُ وَلَا تُخْرِجْهُ حَتَّى يُبَايِعَ، وَإِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ. فَنَهَضَ الْحُسَيْنُ وَقَالَ: يَابْنَ الزَّرْقَاءِ، أَنْتَ تَقْتُلُنِي؟ ! كَذَبْتَ وَاللَّهِ وَأَثِمْتَ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ لِلْوَلِيدِ: وَاللَّهِ لَا تَرَاهُ بَعْدَهَا أَبَدًا. فَقَالَ الْوَلِيدُ: وَاللَّهِ يَا مَرْوَانُ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَأَنِّي قَتَلْتُ الْحُسَيْنَ، سُبْحَانَ اللَّهِ! أَقْتُلُ حُسَيْنًا أَنْ قَالَ: لَا أُبَايِعُ؟ ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ مَنْ يَقْتُلُ الْحُسَيْنَ يَكُونُ خَفِيفَ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَبَعَثَ الْوَلِيدُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ وَمَاطَلَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَكِبَ فِي مَوَالِيهِ وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ أَخَاهُ جَعْفَرًا، وَسَارَ إِلَى مَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الْفُرْعِ، وَبَعَثَ الْوَلِيدُ خَلْفَ ابْنِ الزُّبَيْرِ الرِّجَالَ وَالْفُرْسَانَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى رَدِّهِ، وَقَدْ قَالَ جَعْفَرٌ لِأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُمَا سَائِرَانِ، مُتَمَثِّلًا بِقَوْلِ صَبِرَةَ الْحَنْظَلِيِّ:

وَكُلُّ بَنِي أُمٍّ سَيُمْسُونَ لَيْلَةً

وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَعْقَابِهِمْ غَيْرُ وَاحِدِ

فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهِ شَيْئًا يَسُوءُكَ. فَقَالَ: إِنْ كَانَ إِنَّمَا جَرَى عَلَى لِسَانِكَ فَهُوَ أَكْرَهُ إِلَيَّ. قَالُوا: وَتَطَيَّرَ بِهِ. وَأَمَّا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَإِنَّ الْوَلِيدَ تَشَاغَلَ عَنْهُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَعَلَ كُلَّمَا بَعَثَ

ص: 468

إِلَيْهِ يَقُولُ: حَتَّى تَنْظُرَ وَنَنْظُرَ. ثُمَّ جَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ، وَرَكِبَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ، لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، بَعْدَ خُرُوجِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِلَيْلَةٍ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ سِوَى مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ: وَاللَّهِ يَا أَخِي، لَأَنْتَ أَعَزُّ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلِيَّ، وَإِنِّي نَاصِحٌ لَكَ ; لَا تَدْخُلَنَّ مِصْرًا مِنْ هَذِهِ الْأَمْصَارِ، وَلَكِنِ اسْكُنِ الْبَوَادِيَ وَالرِّمَالَ، وَابْعَثْ إِلَى النَّاسِ، فَإِذَا بَايَعُوكَ وَاجْتَمَعُوا عَلَيْكَ فَادْخُلِ الْمِصْرَ، وَإِنْ أَبَيْتَ إِلَّا سُكْنَى الْمِصْرِ فَاذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ، فَإِنْ رَأَيْتَ مَا تُحِبُّ، وَإِلَّا تَرَفَّعْتَ إِلَى الرِّمَالِ وَالْجِبَالِ. فَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ نَصَحْتَ وَأَشْفَقْتَ. وَسَارَ الْحُسَيْنُ إِلَى مَكَّةَ، فَاجْتَمَعَ هُوَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ بِهَا، وَبَعَثَ الْوَلِيدُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: بَايِعْ لِيَزِيدَ. فَقَالَ: إِذَا بَايَعَ النَّاسُ بَايَعْتُ. فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّمَا تُرِيدُ أَنْ يَخْتَلِفَ النَّاسُ وَيَقْتَتِلُوا حَتَّى يَتَفَانَوْا، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ غَيْرُكَ بَايَعُوكَ! فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا أُحِبُّ شَيْئًا مِمَّا قُلْتَ، وَلَكِنْ إِذَا بَايَعَ النَّاسُ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي بَايَعْتُ. قَالَ: فَتَرَكُوهُ، وَكَانُوا لَا يَتَخَوَّفُونَهُ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ عُمَرَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ نَعْيُ مُعَاوِيَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَلَقِيَهُمَا وَهُمَا مُقْبِلَانِ مِنْهَا، الْحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَا: مَا وَرَاءَكُمَا؟ قَالَا: مَوْتُ مُعَاوِيَةَ وَالْبَيْعَةُ لِيَزِيدَ. فَقَالَ لَهُمَا ابْنُ عُمَرَ: اتَّقِيَا اللَّهَ، وَلَا تُفَرِّقَا بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدِمَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْبَيْعَةُ مِنَ الْأَمْصَارِ بَايَعَا مَعَ النَّاسِ، وَأَمَّا الْحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُمَا قَدِمَا مَكَّةَ

ص: 469

فَوَجَدَا بِهَا عَمْرَو بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَخَافَاهُ وَقَالَا: إِنَّا جِئْنَا عُوَّاذًا بِهَذَا الْبَيْتِ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَمَضَانَ مِنْهَا، عَزَلَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ عَنْ إِمْرَةِ الْمَدِينَةِ ; لِتَفْرِيطِهِ، وَأَضَافَهَا إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ نَائِبِ مَكَّةَ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي رَمَضَانَ - وَقِيلَ: فِي ذِي الْقَعْدَةِ - وَكَانَ مُفَوَّهًا مُتَكَبِّرًا، وَسَلَّطَ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ - وَكَانَ عَدُوًّا لِأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ - عَلَى حَرْبِهِ وَجَرَّدَهُ لَهُ، وَجَعَلَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ لِحَرْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ أَبَا شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيَّ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أَنْ أُحَدِّثَكَ حَدِيثًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ ; إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:" «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهَا لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ قَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ» ". فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ؟ فَقَالَ: قَالَ لِي: نَحْنُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ

ص: 470

عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَلَّى عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ شُرْطَةَ الْمَدِينَةِ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ ; فَتَتَبَّعَ أَصْحَابَ أَخِيهِ وَمَنْ يَهْوَى هَوَاهُ، فَضَرَبَهُمْ ضَرْبًا شَدِيدًا، حَتَّى ضَرَبَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ ضَرَبَ أَخَاهُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَجَمَاعَةً مِنَ الْأَعْيَانِ ثُمَّ جَاءَ الْعَزْمُ مِنْ يَزِيدَ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فِي تَطَلُّبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ وَإِنْ بَايَعَ، حَتَّى يُؤْتَى بِهِ إِلَيَّ فِي جَامِعَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ مِنْ فِضَّةٍ تَحْتَ بُرْنُسِهِ، فَلَا تُرَى إِلَّا أَنَّهُ يُسْمَعُ صَوْتُهَا، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ مَنَعَ الْحَارِثَ بْنَ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ نَائِبَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَلَيْهَا، فَحِينَئِذٍ صَمَّمَ عَمْرٌو عَلَى تَجْهِيزِ سَرِيَّةٍ إِلَى مَكَّةَ بِسَبَبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَاسْتَشَارَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ: مَنْ يَصْلُحُ أَنْ نَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ لِأَجْلِ قِتَالِهِ؟ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّكَ لَا تَبْعَثُ إِلَيْهِ

ص: 471

مَنْ هُوَ أَنَكَى لَهُ مِنِّي. فَعَيَّنَهُ عَلَى تِلْكَ السَّرِيَّةِ، وَجَعَلَ عَلَى مَقْدُمَتِهِ أُنَيْسَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ فِي سَبْعِمِائَةِ مُقَاتِلٍ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: إِنَّمَا عَيَّنَهُمَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَفْسُهُ، وَبَعَثَ بِذَلِكَ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فِي كِتَابٍ، فَعَسْكَرَ أُنَيْسٌ بِالْجُرْفِ، وَأَشَارَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ عَلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ أَنْ لَا يَغْزُوَ مَكَّةَ، وَأَنْ يَتْرُكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِهَا، فَإِنَّهُ عَمَّا قَلِيلٍ إِنْ لَمْ يُقْتَلْ يَمُتْ، فَقَالَ أَخُوهُ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ وَاللَّهِ لَنَغْزُوَنَّهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمَ. فَقَالَ مَرْوَانُ: وَاللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَيَسُوءُنِي. فَسَارَ أُنَيْسٌ وَاتَّبَعَهُ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ فِي بَقِيَّةِ الْجَيْشِ، وَكَانُوا أَلْفَيْنِ، حَتَّى نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ، وَقِيلَ: بِدَارِهِ عِنْدَ الصَّفَا. وَنَزَلَ أُنَيْسٌ بِذِي طَوًى، فَكَانَ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَيُصَلِّي وَرَاءَهُ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَرْسَلَ عَمْرٌو إِلَى أَخِيهِ يَقُولُ لَهُ: بَرَّ يَمِينَ الْخَلِيفَةِ، وَأْتِهِ وَفِي عُنُقِكَ جَامِعَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَلَا تَدَعِ النَّاسَ يَضْرِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَاتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ فِي بَلَدٍ حَرَامٍ. فَأَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ لِأَخِيهِ: مَوْعِدُكَ الْمَسْجِدُ. وَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي سَرِيَّةٍ، فَاقْتَتَلُوا مَعَ أُنَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ، فَهَزَمُوا أُنَيْسًا هَزِيمَةً قَبِيحَةً، وَتَفَرَّقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الزُّبَيْرِ أَصْحَابُهُ، وَهَرَبَ عَمْرٌو إِلَى دَارِ ابْنِ عَلْقَمَةَ، فَأَجَارَهُ أَخُوهُ عُبَيْدَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَلَامَهُ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: تُجِيرُ مَنْ فِي عُنُقِهِ حُقُوقُ النَّاسِ! ثُمَّ ضَرَبَهُ بِكُلِّ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَابْنَهُ ; فَإِنَّهُمَا أَبَيَا أَنْ

ص: 472