الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ، وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ، وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ فَقَدِ اسْتَنَارَ بِنُورِ اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَمَنْ قَالَ الْحُسْنَى فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ.
[غَرِيبَةٌ مِنَ الْغَرَائِبِ وَآبِدَةٌ مِنَ الْأَوَابِدِ]
قَالَ ابْنُ أَبَى خَيْثَمَةَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ مَرَّةً وَأَنَا مُسْتَقْبِلُهُ، وَتَبَسَّمَ وَلَيْسَ مَعَنَا أَحَدٌ فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، كَأَنَّ الْكُوفَةَ إِنَّمَا بُنِيَتْ عَلَى حُبِّ عَلِيٍّ، مَا كَلَّمْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا وَجَدْتُ الْمُقْتَصِدَ مِنْهُمُ الَّذِي يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى أَبَى بَكْرٍ وَعُمَرَ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. قَالَ: فَقُلْتُ لِمَعْمَرٍ: وَرَأَيْتَهُ؟ - كَأَنِّي أَعْظَمْتُ ذَاكَ - فَقَالَ مَعْمَرٌ: وَمَا ذَاكَ؟ ! لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: عَلِيٌّ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْهُمَا. مَا عَنَّفْتُهُ إِذَا ذَكَرَ فَضْلَهُمَا إِذَا قَالَ: عِنْدِي. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: عُمَرُ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ. مَا عَنَّفُتُهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَنَحْنُ خَالِيَانِ فَاشْتَهَاهَا أَبُو سُفْيَانَ وَضَحِكَ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ يَبْلُغُ بِنَا هَذَا الْحَدَّ، وَلَكِنَّهُ أَفْضَى إِلَى مَعْمَرٍ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَيْنَا، وَكُنْتُ أَقُولُ لِسُفْيَانَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ فَضَّلْنَا عَلِيًّا عَلَى أَبَى بَكْرٍ وَعُمَرَ، مَا تَقُولُ فِي ذَلِكَ؟ فَيَسْكُتُ سَاعَةً ثُمَّ يَقُولُ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ طَعْنًا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَكِنَّا نَقِفُ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ - يُعْنَى مُعْتَمِرًا - قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: فَضَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِائَةِ مَنْقَبَةٍ، وَشَارَكَهُمْ فِي مَنَاقِبِهِمْ، وَعُثْمَانُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ.
هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِهِ " بِسَنَدِهِ، عَنِ ابْنِ أَبَى خَيْثَمَةَ بِهِ. وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَخْبِيطٌ كَثِيرٌ، وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى مَعْمَرٍ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ تَقْدِيمُ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَمَّا عَلَى الشَّيْخَيْنِ فَلَا، وَلَا يَخْفَى فَضْلُ الشَّيْخَيْنِ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ إِلَّا عَلَى غَبِيٍّ، فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ؟ ! بَلْ قَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، كَأَيُّوبَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَهَذَا الْكَلَامُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَصَحِيحٌ وَمَلِيحٌ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ أَبَى سُفْيَانَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيِّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخَذَ الْمُصْحَفَ فَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ، حَتَّى أَنِّي لَأَرَى وَرَقَهُ يَتَقَعْقَعُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ مَنَعُونِي مَا فِيهِ فَأَعْطِنِي مَا فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلَلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَأَبْغَضْتُهُمْ وَأَبْغَضُونِي، وَحَمَلُونِي عَلَى غَيْرِ طَبِيعَتِي وَخُلُقِي وَأَخْلَاقٍ لَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ لِي، اللَّهُمَّ فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْرًا مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرًّا مِنِّي، اللَّهُمَّ أَمِثْ قُلُوبَهُمْ مَيْثَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ. قَالَ
إِبْرَاهِيمُ: يَعْنِي أَهْلَ الْكُوفَةِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ الْجَنْبِيُّ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ لِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: قَالَ لِي عَلِيٌّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَنَحَ لِيَ اللَّيْلَةَ فِي مَنَامِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأَوَدِ وَاللَّدَدِ؟ قَالَ:" ادْعُ عَلَيْهِمْ ". فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَبْدِلْنِي بِهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي. فَخَرَجَ فَضَرَبَهُ الرَّجُلُ. الْأَوَدُ: الْعِوَجُ، وَاللَّدَدُ: الْخُصُومَةُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ بِالْإِخْبَارِ بِمَقْتَلِهِ، وَأَنَّهُ تُخَضَّبُ لِحْيَتُهُ مِنْ قَرْنِ رَأْسِهِ، فَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى رَسُولِهِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ " الْقَدَرِ " أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَيَّامُ الْخَوَارِجِ كَانَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ يَحْرُسُونَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ عَشَرَةٌ يَبِيتُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِالسِّلَاحِ، فَرَآهُمْ عَلِيٌّ فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْرُسُكَ. فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ؟ ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ حَتَّى يُقْضَى فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ جَنَّةً حَصِينَةً. وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنَّ الْأَجَلَّ جَنَّةٌ حَصِينَةٌ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ
مَلَكٌ، فَلَا تُرِيدُهُ دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا قَالَ: اتَّقِهِ اتَّقِهِ. فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّى عَنْهُ - وَفِي رِوَايَةٍ: مَلَكَانِ يَدْفَعَانِ عَنْهُ، فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّيَا عَنْهُ - وَإِنَّهُ لَا يَجِدُ عَبْدٌ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.
وَكَانَ عَلِيٌّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيُصَلِّي فِيهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي قُتِلَ فِي صَبِيحَتِهَا قَلِقَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَجَمَعَ أَهْلَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ صَرَخَ الْإِوَزُّ. فِي وَجْهِهِ، فَسَكَّتُوهُنَّ عَنْهُ، فَقَالَ: ذَرُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ نَوَائِحُ. فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ ضَرَبَهَ ابْنُ مُلْجَمٍ، فَكَانَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا نَقْتُلُ مُرَادًا كُلَّهَا؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِ احْبِسُوهُ وَأَحْسِنُوا إِسَارَهُ، فَإِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ، وَإِنْ عِشْتُ فَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ. وَجَعَلَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ تَقُولُ: مَا لِي وَلِصَلَاةِ الْغَدَاةِ، قُتِلَ زَوْجِي عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَقُتِلَ أَبِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ. رضي الله عنها.
وَقِيلَ لِعَلِيٍّ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَتْرُكُكُمْ كَمَا تَرَكَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِكُمْ خَيْرًا يَجْمَعْكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ كَمَا جَمَعَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَهَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُ فِي آخِرِ وَقْتٍ مِنَ الدُّنْيَا بِفَضْلِ الصِّدِّيقِ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ خَطَبَ بِالْكُوفَةِ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ وَدَارِ إِمَارَتِهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَلَوْ
شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَ الثَّالِثَ لَسَمَّيْتُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ نَازِلٌ مِنَ الْمِنْبَرِ: ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عُثْمَانُ. وَلَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ وَلِيَ غُسْلَهُ وَدَفْنَهُ أَهْلُهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْحَسَنُ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَقِيلَ: أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَدُفِنَ عَلِيٌّ بِدَارِ الْخِلَافَةِ بِالْكُوفَةِ. وَقِيلَ: تُجَاهَ الْجَامِعِ مِنَ الْقِبْلَةِ، فِي حُجْرَةٍ مِنْ دُورِ آلِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بِحِذَاءِ بَابِ الْوَرَّاقِينَ. وَقِيلَ: بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ. وَقِيلَ: بِالْكُنَاسَةِ. وَقِيلَ: دُفِنَ بِالثَّوِيَّةِ. وَقَالَ شَرِيكٌ الْقَاضِي وَأَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: نَقَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ صُلْحِهِ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَفَنَهُ بِالْبَقِيعِ إِلَى جَانِبِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دَأْبٍ: بَلْ لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْمِلُوهُ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَدْفِنُوهُ بِهَا جَعَلُوهُ فِي صُنْدُوقٍ عَلَى بَعِيرٍ، فَلَمَّا مَرُّوا بِهِ بِبِلَادِ طَيِّئٍ أَضَلُّوا الْبَعِيرَ، فَأَخَذَتْ طَيِّئٌ ذَلِكَ الْبَعِيرَ بِمَا عَلَيْهِ يَحْسَبُونَهُ مَالًا، فَلَمَّا وَجَدُوا بِالصُّنْدُوقِ مَيِّتًا دَفَنُوهُ بِالصُّنْدُوقِ فِي بِلَادِهِمْ، فَلَا يُعْرَفُ قَبْرُهُ إِلَى الْآنَ.
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ قَبْرَهُ إِلَى الْآنَ بِالْكُوفَةِ كَمَا ذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ أَنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ نَائِبَ بَنِي أُمَيَّةَ فِي زَمَانِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، لَمَّا كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْعِرَاقِ هَدَمَ دُورًا لِيَبْنِيَهَا دَارًا وَجَدَ قَبْرًا فِيهِ شَيْخٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، إِنَّ بَنَى أُمَيَّةَ لَا يُرِيدُونَ مِنْكَ هَذَا كُلَّهُ. فَلَفَّهُ فِي قَبَاطِيَّ وَدَفَنَهُ هُنَاكَ. قَالُوا: فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ
أَنْ يَسْكُنَ تِلْكَ الدَّارَ الَّتِي هُوَ فِيهَا إِلَّا ارْتَحَلَ مِنْهَا. كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ اسْتَحْضَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ مِنَ السِّجْنِ فَأَحْضَرَ النَّاسَ النِّفْطَ وَالْبَوَارِيَّ لِيُحَرِّقُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ أَوْلَادُ عَلِيٍّ: دَعَوْنَا نَشْتَفِي مِنْهُ. فَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، فَلَمْ يَجْزَعْ وَلَا فَتَرَ عَنِ الذِّكْرِ، ثُمَّ كُحِلَتْ عَيْنَاهُ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُ اللَّهَ وَقَرَأَ سُورَةَ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] إِلَى آخِرِهَا، وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَسِيلَانِ عَلَى خَدَّيْهِ، ثُمَّ حَاوَلُوا لِسَانَهُ لِيَقْطَعُوهُ، فَجَزِعَ عِنْدَ ذَلِكَ جَزَعًا شَدِيدًا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَمْكُثَ فِي الدُّنْيَا فَوَاقًا لَا أَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ. فَقُتِلَ عِنْدَ ذَلِكَ وَحُرِّقَ بِالنَّارِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ رَجُلًا أَسْمَرَ، حَسَنَ الْوَجْهِ، أَبْلَجَ، شَعْرُهُ مَعَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ، فِي جَبْهَتِهِ أَثَرُ السُّجُودِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَمْ يُنْتَظَرْ بِقَتْلِهِ بُلُوغُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِيٍّ ; فَإِنَّهُ كَانَ صَغِيرًا يَوْمَ قُتِلَ أَبُوهُ. قَالُوا: لِأَنَّهُ كَانَ قُتِلَ مُحَارَبَةً لَا قِصَاصًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَ طَعْنُ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، يَوْمَ الْجُمْعَةَ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، بِلَا خِلَافٍ. فَقِيلَ: مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ، وَقِيلَ: يَوْمَ الْأَحَدِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْهُ. قَالَ الْفَلَّاسُ: وَقِيلَ: ضُرِبَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَمَاتَ لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ عَنْ تِسْعٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَقِيلَ: عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. وَهُوَ
الْمَشْهُورُ. قَالَهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ: خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ خَمْسَ سِنِينَ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: وَسِتَّةَ أَيَّامٍ. وَقِيلَ: وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقِيلَ: أَرْبَعَ سِنِينَ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. رضي الله عنه.
وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الْقَائِلَةِ، وَكَانَ نَائِمًا مَعَ امْرَأَتِهِ فَاخِتَةَ بِنْتِ قَرَظَةَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، جَلَسَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَجَعَلَ يَبْكِي، فَقَالَتْ لَهُ فَاخِتَةُ: أَنْتَ بِالْأَمْسِ تَطْعَنُ عَلَيْهِ، وَالْيَوْمَ تُبْكِي عَلَيْهِ! فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّمَا أَبْكِي لِمَا فَقَدَ النَّاسُ مِنْ حِلْمِهِ وَعِلْمِهِ وَفَضْلِهِ وَسَوَابِقِهِ وَخَيْرِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ " أَنَّ رَجُلًا مِنَ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ أُمَرَاءِ مُعَاوِيَةَ غَضِبَ ذَاتَ لَيْلَةٍ عَلَى ابْنِهِ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ، فَخَرَجَ الْغُلَامُ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، فَجَلَسَ وَرَاءَ الْبَابِ مِنْ خَارِجٍ، فَنَامَ سَاعَةً ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَإِذَا هُوَ بَهِرٍّ أَسْوَدَ بَرِيٍّ قَدْ جَاءَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي لَهُمْ فَنَادَى: يَا سُوَيْدُ، يَا سُوَيْدُ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْهِرُّ الَّذِي فِي مَنْزِلِهِمْ، فَقَالَ لَهُ الْبَرِيُّ: وَيْحَكَ! افْتَحْ. فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ! ائْتِنِي بِشَيْءٍ أَتَبَلَّغُ بِهِ فَإِنِّي جَائِعٌ وَتَعْبَانُ، هَذَا أَوَانُ مَجِيئِي مِنَ
الْكُوفَةِ، وَقَدْ حَدَثَ اللَّيْلَةَ حَدَثٌ عَظِيمٌ، قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْهِرُّ الْأَهْلِيُّ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ غَيْرَ سَفُّودٍ كَانُوا يَشْوُونَ عَلَيْهِ اللَّحْمَ. فَقَالَ: ائْتِنِي بِهِ. فَجَاءَ بِهِ فَجَعَلَ يَلْحَسُهُ حَتَّى أَخَذَ حَاجَتَهُ وَانْصَرَفَ، وَذَلِكَ بِمَرْأَى مِنَ الْغُلَامِ وَمَسْمَعٍ، فَقَامَ إِلَى الْبَابِ فَطَرَقَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُوهُ فَقَالَ: مَنْ؟ فَقَالَ لَهُ: افْتَحْ. فَقَالَ: وَيْحَكَ! مَا لَكَ؟ فَقَالَ: افْتَحْ. فَفَتَحَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ خَبَرَ مَا رَأَى. فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! أَمَنَامٌ هَذَا؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ. قَالَ: وَيْحَكَ! أَفَأَصَابَكَ جُنُونٌ بَعْدِي؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ، فَاذْهَبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ الْآنَ فَاتَّخِذْ عِنْدَهُ يَدًا بِمَا قُلْتُ لَكَ. فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَخْبَرُهُ الْخَبَرَ عَلَى مَا ذَكَرَ وَلَدُهُ، فَأَرَّخُوا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ مَجِيءِ الْبُرُدِ، وَلَمَّا جَاءَتِ الْبُرُدُ وَجَدُوا مَا أَخْبَرُوهُمْ بِهِ مُطَابِقًا لِمَا كَانَ أَخْبَرَ بِهِ أَبُو الْغُلَامِ. هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ هَذِهِ الشِّيعَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ: كَذَبُوا وَاللَّهِ، مَا هَؤُلَاءِ بِالشِّيعَةِ، لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ مَا زَوَّجْنَا نِسَاءَهُ وَلَا قَسَمْنَا مَالَهُ. وَرَوَاهُ أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ.