الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَحْسَنِهِمْ تَقِيَّةً، وَدُفِنَ بِتُرْبَةٍ لَهُمْ تَحْتَ الْكَهْفِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، رحمه الله.
الْمَلِكُ الْعَادِلُ زَيْنُ الدِّينِ كَتْبُغَا، تُوُفِّيَ بِحَمَاةَ نَائِبًا عَلَيْهَا بَعْدَ صَرْخَدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدِ الْأَضْحَى، وَنُقِلَ إِلَى تُرْبَتِهٍ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ غَرْبِيَّ الرِّبَاطِ النَّاصِرِيِّ، يُقَالُ لَهَا: الْعَادِلِيَّةُ، وَهِيَ تُرْبَةٌ مَلِيحَةٌ ذَاتُ شَبَابِيكَ، وَبَوَّابَةٍ، وَمِئْذَنَةٍ، وَلَهُ عَلَيْهَا أَوْقَافٌ دَارَّةٌ عَلَى وَظَائِفَ، مِنْ قِرَاءَةٍ، وَأَذَانٍ، وَإِمَامَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ الْمَنْصُورِيَّةِ، وَقَدْ مَلَكَ الْبِلَادَ بَعْدَ مَقْتَلِ الْأَشْرَفِ خَلِيلِ بْنِ الْمَنْصُورِ، ثُمَّ انْتَزَعَ الْمُلْكَ لَاجِينُ، وَجَلَسَ فِي قَلْعَةِ دِمَشْقَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى صَرْخَدَ، فَكَانَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ لَاجِينُ، وَأَخَذَ الْمُلْكَ النَّاصِرُ بْنُ قَلَاوُونَ فَاسْتَنَابَهُ بِحَمَاةَ حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ، وَأَعْدَلِهِمْ، وَأَكْثَرِهِمْ بِرًّا، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ وَالنُّوَّابِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ وَالْحُكَّامُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَفِي صَفَرٍ تَوَلَّى الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الشَّرِيشِيِّ نَظَرَ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ، وَبَاشَرَهُ مُبَاشَرَةً مَشْكُورَةً، وَسَاوَى بَيْنَ النَّاسِ، وَعَزَلَ نَفْسَهُ فِي رَجَبٍ مِنْهَا. وَفِي شَهْرِ صَفَرٍ تَوَلَّى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ خَطَابَةَ كَفْرِ بَطْنَا، وَأَقَامَ بِهَا.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْفَارِقِيُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، كَانَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فِي نَوَاحِي الْبَلْقَاءِ يَكْشِفُ بَعْضَ الْأُمُورِ، فَلَمَّا قَدِمَ تَكَلَّمُوا مَعَهُ فِي وَظَائِفِ الْفَارِقِيِّ، فَعَيَّنَ الْخَطَابَةَ لِشَرَفِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ، وَعَيَّنَ الشَّامِيَّةَ الْبَرَّانِيَّةَ وَدَارَ الْحَدِيثِ لِلشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشَّرِيشِيِّ، وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَأَخَذَ مِنْهُ النَّاصِرِيَّةَ لِلشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ، وَرَسَمَ بِكِتَابَةِ التَّوَاقِيعِ بِذَلِكَ، وَبَاشَرَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْإِمَامَةَ وَالْخَطَابَةَ، وَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ لِحُسْنِ قِرَاءَتِهِ، وَطِيبِ صَوْتِهِ، وَجَوْدَةِ سِيرَتِهِ، فَلَمَّا كَانَ بُكْرَةُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَانِي عِشْرِينَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَصَلَ الْبَرِيدُ مِنْ مِصْرَ صُحْبَةَ الشَّيْخِ صَدْرِ الدِّينِ بْنِ الْوَكِيلِ، وَقَدْ سَبَقَهُ مَرْسُومُ السُّلْطَانِ لَهُ بِجَمِيعِ جِهَاتِ الْفَارِقِيِّ مُضَافًا إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ التَّدْرِيسَيْنِ، فَاجْتَمَعَ بِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِالْقَصْرِ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى الْجَامِعِ، فَفُتِحَ لَهُ بَابُ دَارِ الْخَطَابَةِ فَنَزَلَهَا،
وَجَاءَهُ النَّاسُ يُهَنِّئُونَهُ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُرَّاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ، وَبَاشَرَ الْإِمَامَةَ يَوْمَيْنِ، فَأَظْهَرَ النَّاسُ التَّأَلُّمَ مِنْ صَلَاتِهِ وَخَطَابَتِهِ، وَسَعَوْا فِيهِ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، فَمَنَعَهُ مِنَ الْخَطَابَةِ، وَأَقَرَّهُ عَلَى التَّدَارِيسِ وَدَارِ الْحَدِيثِ، وَجَاءَ تَوْقِيعٌ سُلْطَانِيٌّ لِلشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ بِالْخَطَابَةِ، فَخَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى، وَخُلِعَ عَلَيْهِ بِطَرْحَةٍ، وَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ، وَأَخَذَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ تَدْرِيسَ الشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ مِنْ يَدِ ابْنِ الْوَكِيلِ، وَبَاشَرَهَا فِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى، وَاسْتَقَرَّتْ دَارُ الْحَدِيثِ بِيَدِ ابْنِ الْوَكِيلِ مَعَ مَدْرَسَتَيْهِ الْأُولَيَيْنِ، وَأَظُنُّهُمَا الْعَذْرَاوِيَّةَ، وَالشَّامِيَّةَ الْجَوَّانِيَّةَ.
وَوَصَلَ الْبَرِيدُ فِي ثَانِيَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى بِإِعَادَةِ السِّنْجِرِيِّ إِلَى نِيَابَةِ الْقَلْعَةِ، وَتَوْلِيَةِ نَائِبِهَا الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ الْجُوكَنْدَارِ نِيَابَةَ حِمْصَ عِوَضًا عَنْ عِزِّ الدِّينِ الْحَمَوِيِّ، تُوُفِّيَ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ ثَانِيَ عَشَرَ رَمَضَانَ قَدِمَتْ ثَلَاثَةُ آلَافِ فَارِسٍ مِنْ مِصْرَ، وَأُضِيفَ إِلَيْهَا أَلْفَانِ مِنْ دِمَشْقَ، وَسَارُوا، فَأَخَذُوا مَعَهُمْ نَائِبَ حِمْصَ الْجُوكَنْدَارَ، وَوَصَلُوا إِلَى حَمَاةَ، فَصَحِبَهُمْ نَائِبُهَا الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قَبْجَقُ، وَجَاءَ إِلَيْهِمْ أَسَنْدَمُرُ نَائِبُ طَرَابُلُسَ، وَانْضَافَ إِلَيْهِمْ قَرَاسُنْقُرُ نَائِبُ حَلَبَ، وَانْفَصَلُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا فَانْفَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ، سَارَتْ طَائِفَةٌ صُحْبَةَ قَبْجَقَ إِلَى نَاحِيَةِ مَلَطْيَةَ وَقَلْعَةِ
الرُّومِ، وَالْفِرْقَةُ الْأُخْرَى صُحْبَةَ قَرَاسُنْقُرَ حَتَّى دَخَلُوا الدَّرْبَنْدَاتِ، وَحَاصَرُوا تَلَّ حَمْدُونَ، فَتَسَلَّمُوهُ عَنْوَةً فِي ثَالِثَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ بَعْدَ حِصَارٍ طَوِيلٍ، فَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِدِمَشْقَ لِذَلِكَ، وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ مَعَ صَاحِبِ سِيسَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ نَهْرِ جَيْهَانَ إِلَى حَلَبَ، وَبِلَادِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ إِلَى نَاحِيَتِهِمْ لَهُمْ، وَأَنْ يُعَجِّلُوا حَمْلَ سَنَتَيْنِ، وَوَقَعَتِ الْهُدْنَةُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَا قُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْأَرْمَنِ وَرُؤَسَائِهِمْ، وَعَادَتِ الْعَسَاكِرُ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدِينَ مَنْصُورِينَ، ثُمَّ تَوَجَّهَتِ الْعَسَاكِرُ الْمِصْرِيَّةُ صُحْبَةَ مُقَدَّمِهِمْ أَمِيرِ سِلَاحٍ إِلَى مِصْرَ.
وَفِي أَوَاخِرِ السَّنَةِ كَانَ مَوْتُ قَازَانَ وَتَوْلِيَةُ أَخِيهِ خَرْبَنْدَا، وَهُوَ مَلِكُ التَّتَرِ قَازَانُ، وَاسْمُهُ مَحْمُودُ بْنُ أَرْغُوَنَ بْنِ أَبْغَا، فِي رَابِعِهِ، أَوْ حَادِيَ عَشَرَهُ، بِالْقُرْبِ مِنْ هَمَذَانَ، وَنُقِلَ إِلَى تُرْبَتِهِ بِتِبْرِيزَ بِمَكَانٍ يُسَمَّى الشَّامَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ مَاتَ مَسْمُومًا، وَقَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ أَخُوهُ خَرْبَنْدَا مُحَمَّدُ بْنُ أَرْغُوَنَ، وَلَقَّبُوهُ الْمَلِكَ غِيَاثَ الدِّينِ، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى مَنَابِرِ الْعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَتِلْكَ النَّوَاحِي وَالْبِلَادِ.
وَحَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ سَلَّارُ نَائِبُ مِصْرَ، وَفِي صُحْبَتِهِ