الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَبْقَ فِي الْبَلَدِ مِنَ الْجُنْدِ أَحَدٌ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ وَلَيْسَ لَهُمْ نَائِبٌ وَلَا عَسْكَرٌ، وَخَلَتِ الدِّيَارُ مِنْهُمْ، وَنَائِبُ الْغَيْبَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أُلْجَيْبُغَا الْعَادِلِيُّ، وَانْتَقَلَ النَّاسُ مِنَ الْبَسَاتِينِ وَمِنْ أَطْرَافِ الْعُقَيْبَةِ وَغَيْرِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَكْثَرُ الْأُمَرَاءِ نُقِلَتْ حَوَاصِلُهُمْ وَأَهَالِيهُمْ إِلَى الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ دُخُولُ الْأَمِيرِ بَيْبُغَا بِمَنْ مَعَهُ انْزَعَجَ النَّاسُ، وَانْتَقَلَ أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ فِي طَرِيقِهِ، وَسَرَى ذَلِكَ إِلَى أَطْرَافِ الصَّالِحِيَّةِ وَالْبَسَاتِينِ وَحَوَاضِرِ الْبَلَدِ، وَغُلِقَتْ أَبْوَابُ الْبَلَدِ إِلَى مَا يَلِي الْقَلْعَةَ; كَبَابِ النَّصْرِ، وَبَابِ الْفَرَجِ، وَكَذَا بَابُ الْفَرَادِيسِ، وَخَلَتْ أَكْثَرُ الْمَحَالِّ مِنْ أَهَالِيهِمْ، وَنَقَلُوا حَوَائِجَهُمْ، وَحَوَاصِلَهُمْ، وَأَنْعَامَهُمْ إِلَى الْبَلَدِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْحَمَّالِينَ، وَبَلَغَهُمْ أَنَّ أَطْرَافَ الْجَيْشِ انْتَهَبُوا مَا فِي الْقَرَايَا فِي طَرِيقِهِمْ مِنَ الشَّعِيرِ وَالتِّبْنِ وَبَعْضِ الْأَنْعَامِ لِلْأَكْلِ، وَرُبَّمَا وَقَعَ فَسَادٌ غَيْرُ هَذَا مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ، فَخَافَ النَّاسُ كَثِيرًا، وَتَشَوَّشَتْ خَوَاطِرُهُمْ.
[دُخُولُ بَيْبُغَا آرُوسَ إِلَى دِمَشْقَ]
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ دَخَلَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْبُغَا آرُوسَ - نَائِبُ حَلَبَ - إِلَى دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ الْحَلَبِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَفِي صُحْبَتِهِ نَائِبُ طَرَابُلُسَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَكْلَمُشْ، وَنَائِبُ حَمَاةَ الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ، وَنَائِبُ صَفَدَ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ طَيْبُغَا - يُلَقَّبُ
بُرْنَاقُ - وَكَانَ قَدْ تُوَجَّهُ قَبْلَهُ قِيلَ: بِيَوْمٍ. وَمَعَهُ نُوَّابُ قِلَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ بِلَادِ حَلَبَ وَغَيْرِهَا، فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الْأَتْرَاكِ وَالتُّرْكُمَانِ، فَوَقَفَ فِي سُوقِ الْخَيْلِ مَكَانَ نُوَّابِ السُّلْطَانِ تَحْتَ الْقَلْعَةِ، وَاسْتَعْرَضَ الْجُيُوشَ الَّذِينَ وَفَدُوا مَعَهُ هُنَاكَ، فَدَخَلُوا فِي تَجَمُّلٍ كَثِيرٍ مُلْبَسِينَ، وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ قَرِيبًا مِنْ سِتِّينَ أَمِيرًا، يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ، عَلَى مَا اسْتَفَاضَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ شَاهَدَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَارَ قَرِيبًا مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْمُخَيَّمِ الَّذِي ضُرِبَ لَهُ قَبْلَ مَسْجِدِ الْقَدْمِ عِنْدَ قُبَّةِ بَيْبُغَا عِنْدَ الْجَدْوَلِ الَّذِي هُنَاكَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا هَائِلًا; لِمَا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ كَثْرَةِ الْجُيُوشِ وَالْعُدَدِ، وَعَذَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ صَاحِبَ دِمَشْقَ فِي ذَهَابِهِ بِمَنْ مَعَهُ لِئَلَّا يُقَاتِلَ هَؤُلَاءِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ قُلُوبَهُمْ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَى نَائِبِ الْقَلْعَةِ، وَهُوَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَيَاجِي - يَطْلُبُ مِنْهُ حَوَاصِلَ أَرْغُونَ الَّتِي عِنْدَهُ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَقَدْ حَصَّنَ الْقَلْعَةَ، وَسَتَرَهَا، وَأَرْصَدَ فِيهَا الرِّجَالَ، وَالرُّمَاةَ، وَالْعُدَدَ، وَهَيَّأَ بَعْضَ الْمَجَانِيقِ لِيَبْعُدَ بِهَا فَوْقَ الْأَبْرِجَةِ، وَأَمَرَ أَهْلَ الْبَلَدِ أَنْ لَا يَفْتَحُوا الدَّكَاكِينَ، وَيُغْلِقُوا الْأَسْوَاقَ، وَجَعَلَ
يُغْلِقُ أَبْوَابَ الْبَلَدِ إِلَّا بَابًا أَوْ بَابَيْنِ مِنْهَا، وَاشْتَدَّ حَنَقُ الْعَسْكَرِ عَلَيْهِ، وَهَمُّوا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنَ الشَّرِّ، ثُمَّ يَرَعَوُونَ عَنِ النَّاسِ، وَاللَّهُ الْمُسْلِمُ، غَيْرَ أَنَّ أَقْيَالَ الْعَسْكَرِ وَأَطْرَافَهُ قَدْ عَاثُوا فِيمَا جَاوَرُوهُ مِنَ الْقَرَايَا، وَالْبَسَاتِينِ، وَالْكُرُومِ، وَالزُّرُوعِ، فَيَأْخُذُونَ مَا يَأْكُلُونَ وَتَأْكُلُ دَوَابُّهُمْ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَنُهِبَتْ قَرَايَا كَثِيرَةٌ، وَفَجَرُوا بِنِسَاءٍ وَبَنَاتٍ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ، وَأَمَّا التُّجَّارُ وَمَنْ يُذْكَرُ بِكَثْرَةِ مَالٍ فَأَكْثَرُهُمْ مُخْتَفٍ لَا يَظْهَرُ لِمَا يَخْشَى مِنَ الْمُصَادَرَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُحْسِنَ عَاقِبَتَهُمْ.
وَاسْتَهَلَّ شَهْرُ شَعْبَانَ، وَأَهْلُ الْبَلَدِ فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ، وَأَهْلُ الْقَرَايَا وَالْحَوَاضِرِ فِي نَقْلَةِ أَثَاثِهِمْ، وَأَبْقَارِهِمْ، وَدَوَابِّهِمْ، وَأَبْنَائِهِمْ، وَنِسَائِهِمْ، وَأَكْثَرُ أَبْوَابِ الْبَلَدِ مُغْلَقَةٌ سِوَى بَابِي الْفَرَادِيسِ، وَالْجَابِيَةِ، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ نَسْمَعُ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنَ النَّهْبِ لِلْقَرَايَا، وَالْحَوَاضِرِ، حَتَّى انْتَقَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الصَّالِحِيَّةِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَكَذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعُقَيْبَةِ، وَسَائِرِ حَوَاضِرِ الْبَلَدِ، فَنَزَلُوا عِنْدَ مَعَارِفِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا زَمَنَ قَازَانَ: إِنَّ هَذَا الْوَقْتَ كَانَ أَصْعَبَ مِنْ ذَلِكَ; لِمَا تَرَكَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِمْ مِنَ الْغَلَّاتِ، وَالثِّمَارِ الَّتِي هِيَ عُمْدَةُ قُوتِهِمْ فِي سَنَتِهِمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَلَدِ فَفِي قَلَقٍ شَدِيدٍ أَيْضًا لِمَا يَبْلُغُهُمْ
فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنَ الْأَرَاجِيفِ أَنَّهُمْ عَلَى عَزْمِ نَهْبِ الْبَلَدِ، فَجَعَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُودِعُونَ عَزِيزَ مَا يَمْلِكُونَ عِنْدَ مَنْ يَأْمَنُونَ، وَاشْتَدَّ الْحَالُ جَدَّا، وَخَافَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ مِنَ الْعَارِ; لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُمْ مِنَ الْفُجُورِ بِالنِّسَاءِ، وَجَعَلُوا يَدْعُونَ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ عَلَيْهِمْ، يُصَرِّحُونَ بِأَسْمَائِهِمْ، وَيُعَقِّبُونَ بِأَسْمَاءِ أُمَرَائِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَنَائِبُ الْقَلْعَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَيَاجِي النَّاصِرِيُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُسَكِّنُ جَأْشَ النَّاسِ، وَيُقَوِّي عَزْمَهُمْ، وَيُبَشِّرُهُمْ بِخُرُوجِ الْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ صُحْبَةَ السُّلْطَانِ إِلَى بِلَادِ غَزَّةَ حَيْثُ الْجَيْشُ الدِّمَشْقِيُّ، لِيَجِيئُوا كُلُّهُمْ فِي خِدْمَتِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَدُقُّ الْبَشَائِرُ فَيَفْرَحُ النَّاسُ، ثُمَّ تَسْكُنُ الْأَخْبَارُ، وَتَبْطُلُ الرِّوَايَاتُ فَتَقْلَقُ، وَيَخْرُجُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَسَاعَةٍ فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ، وَوَعْدٍ، وَهَيْئَاتٍ حَسَنَةٍ، ثُمَّ جَاءَ السُّلْطَانُ - أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ تَرَجَّلَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ حِينِ بُسِطَ لَهُ عِنْدَ مَسْجِدِ الذِّبَّانِ إِلَى دَاخِلِ الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَهُوَ لَابِسٌ قَبَاءً أَحْمَرَ لَهُ قِيمَتُهُ، عَلَى فَرَسٍ أَصِيلَةٍ مُؤَدَّبَةٍ مُعَلَّمَةٍ الْمَشْيَ عَلَى الْقَوْسِ لَا تَحِيدُ عَنْهُ، وَهُوَ حَسَنُ الصُّورَةِ، مَقْبُولُ الطَّلْعَةِ، عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمَمْلَكَةِ وَالرِّيَاسَةِ، وَالْخَزُّ فَوْقَ رَأْسِهِ يَحْمِلُهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ الْأَكَابِرِ، وَكُلَّمَا عَايَنَهُ مَنْ عَايَنَهُ مِنَ النَّاسِ يَبْتَلِهُونَ بِالدُّعَاءِ بِأَصْوَاتٍ عَالِيَةٍ، وَالنِّسَاءُ بِالزَّغْرَطَةِ، وَفَرِحَ النَّاسُ فَرَحًا
شَدِيدًا، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَأَمْرًا حَمِيدًا، جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَارَكًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَقَدْ قَدِمَ مَعَهُ الْخَلِيفَةُ الْمُعْتَضِدُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ أَبِي الرَّبِيعِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ، وَكَانَ رَاكِبًا إِلَى جَانِبِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَسَارِ، وَنَزَلَ بِالْمَدْرَسَةِ الدِّمَاغِيَّةِ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْيَوْمِ سَائِرُ الْأُمَرَاءِ مَعَ نَائِبِ الشَّامِ، وَمُقَدَّمُهُمْ طَازْ، وَشَيْخُونُ - فِي طَلَبِ بَيْبُغَا، وَمِنْ مَعَهُ مِنَ الْبُغَاةِ الْمُفْسِدِينَ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَانِيهِ حَضَرَ السُّلْطَانُ - أَيَّدَهُ اللَّهُ - إِلَى الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةَ بِالْمَشْهَدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ نُوَّابُ السُّلْطَانِ - أَيَّدَهُ اللَّهُ - فَكَثُرَ الدُّعَاءُ وَالْمَحَبَّةُ لَهُ ذَاهِبًا وَآيِبًا - تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ - وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ تَاسِعُ الشَّهْرِ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ عَاشِرِهِ اجْتَمَعْنَا - يَقُولُ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ الْمُصَنِّفُ، رحمه الله بِالْخَلِيفَةِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ أَبِي الْفَتْحِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ أَبِي الرَّبِيعِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ، وَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ نَازِلٌ بِالْمَدْرَسَةِ الدِّمَاغِيَّةِ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَجِ، وَقَرَأَتُ عِنْدَهُ جُزْءًا فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ فِي " مُسْنَدِهِ "، وَذَلِكَ عَنِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ الضِّيَاءِ الْحَمَوِيِّ بِسَمَاعِهِ مِنَ ابْنِ الْبُخَارِيِّ وَزَيْنَبَ بِنْتِ مَكِّيٍّ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنِ ابْنِ الْمُذْهَبِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ - فَذَكَرَهُمَا، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ شَابٌّ حَسَنُ الشَّكْلِ، مَلِيحُ الْكَلَامِ، مُتَوَاضِعٌ، جَيِّدُ الْفَهْمِ، حُلْوُ الْعِبَارَةِ، رَحِمَ اللَّهُ سَلَفَهُ.
وَفِي رَابِعَ عَشَرَهُ قَدِمَ الْبَرِيدُ مِنْ بِلَادِ حَلَبَ بِسُيُوفِ الْأُمَرَاءِ الْمَمْسُوكِينَ مِنْ أَصْحَابِ بَيْبُغَا. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ خَامِسَ عَشَرَهُ وَقْتَ الْعَصْرِ نَزَلَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الصَّالِحُ مِنَ الطَّارِمَةِ إِلَى الْقَصْرِ الْأَبْلَقِ فِي أُبَّهَةِ الْمَمْلَكَةِ، وَلَمْ يَحْضُرْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى الصَّلَاةِ، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ بِالْقَصْرِ الْمَذْكُورِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَاكِرِ النَّهَارِ دَخَلَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ شَيْخُونُ، وَطَازْ بِمَنْ مَعَهُمَا مِنَ الْعَسَاكِرِ مِنْ بِلَادِ حَلَبَ، وَقَدْ فَاتَ تَدَارُكُ بَيْبُغَا وَأَصْحَابِهِ; لِدُخُولِهِمْ بِلَادَ ابْنِ دُلْغَادِرِ التُّرْكُمَانِيِّ بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُمْ، وَهُمُ الْقَلِيلُ، وَقَدْ أُسِرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، وَهُمْ فِي الْقُيُودِ وَالسَّلَاسِلِ صُحْبَةَ الْأَمِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، فَدَخَلَا عَلَى السُّلْطَانِ - وَهُوَ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ - فَسَلَّمَا عَلَيْهِ، وَقَبَّلَا الْأَرْضَ، وَهَنَّآهُ بِالْعِيدِ، وَنَزَلَ طَازْ بِدَارِ أَيْتَمُشْ بِالشَّرْقِ الشَّمَالِيِّ، وَنَزَلَ شَيْخُونُ بِدَارِ إِيَاسٍ الْحَاجِبِ بِالْقُرْبِ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ، وَنَزَلَ بَقِيَّةُ الْجَيْشِ فِي أَرْجَاءِ الْبَلَدِ، وَأَمَّا الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَرْغُونُ فَأَقَامَ بِحَلَبَ نَائِبًا بِهَا عَنْ سُؤَالِهِ إِلَى مَا ذَكَرَ، وَخُوطِبَ فِي تَقْلِيدِهِ بِأَلْقَابٍ هَائِلَةٍ، وَلَبِسَ خِلْعَةً سَنِيَّةً، وَعُظِّمَ تَعْظِيمًا زَائِدًا; لِيَكُونَ هُنَاكَ أَلْبًا عَلَى بَيْبُغَا وَأَصْحَابِهِ لِشِدَّةِ مَا بَيْنَهُمَا