الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي شَوَّالٍ بَاشَرَ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الظَّاهِرِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ بَعْدَ وَفَاةِ زَكِيِّ الدِّينِ الْمُنَادِي، وَيُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ الْحَافِظِ شَرَفِ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ. ثُمَّ انْتُزِعَتْ مِنَ السُّبْكِيِّ لِفَتْحِ الدِّينِ بْنِ سَيِّدِ النَّاسِ الْيَعْمُرِيِّ، بَاشَرَهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ مُسْتَهَلِّ ذِي الْحِجَّةِ خُلِعَ عَلَى قُطْبِ الدِّينِ ابْنِ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ، وَأُعِيدَ إِلَى نَظَرِ الْجَيْشِ مُصَاحِبًا لِمُعِينِ الدِّينِ بْنِ الْحَشِيشِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَيْدَةٍ اسْتَقَلَّ قُطْبُ الدِّينِ بِالنَّظَرِ وَحْدَهُ، وَعُزِلَ ابْنُ حَشِيشٍ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْإِمَامُ الْمُؤَرِّخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْفُوَطِيِّ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْمَعَالِي الشَّيْبَانِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْفُوَطِيِّ، وَهُوَ جَدُّهُ لِأُمِّهِ، وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِبَغْدَادَ، وَأُسِرَ فِي وَاقِعَةِ التَّتَرِ، ثُمَّ تَخَلَّصَ مِنَ الْأَسْرِ، فَكَانَ مُشَارِفًا عَلَى الْكُتُبِ بِالْمُسْتَنْصِرِيَّةِ، وَقَدْ صَنَّفَ تَارِيخًا فِي خَمْسٍ وَخَمْسِينَ مُجَلَّدًا، وَآخَرَ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَشِعْرٌ حَسَنٌ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْجَوْزِيِّ،
تُوُفِّيَ ثَالِثَ الْمُحَرَّمِ وَدُفِنَ بِالشُّونَيْزِيَّةِ.
قَاضِي الْقُضَاةِ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ صَصْرَى، أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْعَدْلِ عِمَادِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَدْلِ أَمِينِ الدِّينِ سَالِمِ بْنِ الْحَافِظِ الْمُحَدِّثِ بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي الْمَوَاهِبِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ الرَّبَعِيُّ الشَّافِعِيُّ، قَاضِي الْقُضَاةِ بِالشَّامِ، وُلِدَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَاشْتَغَلَ، وَحَصَّلَ، وَكَتَبَ عَنِ الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ بْنِ خَلِّكَانَ " وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ "، وَسَمِعَهَا عَلَيْهِ، وَتَفَقَّهَ بِالشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ، وَعَلَى أَخِيهِ شَرَفِ الدِّينِ فِي النَّحْوِ، وَكَانَ لَهُ يَدٌ فِي الْإِنْشَاءِ وَحُسْنِ الْعِبَارَةِ، وَدَرَّسَ بِالْعَادِلِيَّةِ الصَّغِيرَةِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ، وَبِالْأَمِينِيَّةِ سَنَةَ تِسْعِينَ، وَبِالْغَزَّالِيَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، وَتَوَلَّى قَضَاءَ الْعَسَاكِرِ فِي دَوْلَةِ الْعَادِلِ كَتْبُغَا، ثُمَّ تَوَلَّى قَضَاءَ الشَّامِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِمِائَةٍ بَعْدَ ابْنِ جَمَاعَةَ حِينَ طُلِبَ لِقَضَاءِ مِصْرَ بَعْدَ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، ثُمَّ أُضِيفَ إِلَيْهِ مَشْيَخَةُ الشُّيُوخِ مَعَ تَدْرِيسِ الْعَادِلِيَّةِ، وَالْغَزَّالِيَّةِ، وَالْأَتَابِكِيَّةِ، وَكُلُّهَا مَنَاصِبُ دُنْيَوِيَّةٌ، انْسَلَخَ مِنْهَا وَانْسَلَخَتْ مِنْهُ، وَمَضَى عَنْهَا وَتَرَكَهَا لِغَيْرِهِ، وَأَكْبَرُ أُمْنِيَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَوَلَّاهَا وَهِيَ:
مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقٍ
وَقَدْ كَانَ رَئِيسًا مُحْتَشِمًا، وَقُورًا كَرِيمًا، جَمِيلَ الْأَخْلَاقِ، مُعَظَّمًا عِنْدَ السُّلْطَانِ وَالدَّوْلَةِ، تُوُفِّيَ فَجْأَةً بِبُسْتَانِهِ بِالسَّهْمِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ سَادِسَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ، وَالْقُضَاةُ، وَالْأُمَرَاءُ، وَالْأَعْيَانُ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ حَافِلَةً، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِمْ عِنْدَ الرُّكْنِيَّةِ.
عَلَاءُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْمُنَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَحْلَةَ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَقَرَأَ " الْمُحَرَّرَ "، وَلَازَمَ الشَّيْخَ زَيْنَ الدِّينِ الْفَارِقِيَّ، وَدَرَّسَ بِالدَّوْلَعِيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ، وَكَانَ نَاظِرَ بَيْتِ الْمَالِ، وَابْتَنَى دَارًا حَسَنَةً إِلَى جَانِبِ الرُّكْنِيَّةِ، وَمَاتَ وَتَرَكَهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدَرَّسَ بَعْدَهُ بِالدَّوْلَعِيَّةِ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ جُمْلَةَ، وَبِالرُّكْنِيَّةِ رُكْنُ الدِّينِ الْخُرَاسَانِيُّ.
وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قُتِلَ الشَّيْخُ ضِيَاءُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ الدَّرْبَنْدِيُّ النَّحْوِيُّ، كَانَ قَدِ اضْطَرَبَ عَقْلُهُ، فَسَافَرَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الْقَاهِرَةِ، فَأَشَارَ شَيْخُ الشُّيُوخِ
الْقُونَوِيُّ أَنْ يُودَعَ بِالْمَارَسْتَانِ فَلَمْ يُوَافَقْ، ثُمَّ دَخَلَ إِلَى الْقَلْعَةِ وَبِيَدِهِ سَيْفٌ مَسْلُولٌ فَقَتَلَ نَصْرَانِيًّا، فَحُمِلَ إِلَى السُّلْطَانِ، وَظَنُّوهُ جَاسُوسًا، فَأَمَرَ بِشَنْقِهِ فَشُنِقَ، وَكُنْتُ مِمَّنَ اشْتَغَلَ عَلَيْهِ فِي النَّحْوِ.
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْمُقْرِئُ الْفَاضِلُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ الطَّبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِلِّيُّ الْعَزِيزِيُّ الْفَوَارِسِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْحَلَبِيَّةِ، سَمِعَ مِنْ خَطِيبِ مَرْدَا وَابْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَاشْتَغَلَ، وَحَصَّلَ، وَأَقْرَأَ النَّاسَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَنْ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِالسَّفْحِ.
شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَطِينَةَ الزُّرَعِيُّ، التَّاجِرُ الْمَشْهُورُ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْبَضَائِعِ وَالْمَتَاجِرِ، قِيلَ: بَلَغَتْ زَكَاةُ مَالِهِ فِي سَنَةِ قَازَانَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ. وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ الَّتِي بِبَابِ بُسْتَانِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَرْفَعِ عِنْدَ ثَوْرَا فِي طَرِيقِ الْقَابُونِ، وَهِيَ تُرْبَةٌ هَائِلَةٌ، وَكَانَتْ لَهُ أَمْلَاكٌ.
الْقَاضِي الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَابُورِيُّ، قَاضِي بَعْلَبَكَّ، وَأَكْبَرُ أَصْحَابِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ، قَدِمَ مِنْ بَعْلَبَكَّ لِيَتَلَقَّى
الْقَاضِي الزُّرَعِيَّ، فَمَاتَ بِالْمَدْرَسَةِ الْبَادَرَائِيَّةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ سَابِعِ جُمَادَى الْأُولَى، وَدُفِنَ بَقَاسِيُونَ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سَبْعُونَ سَنَةً أَضْغَاثُ حِلْمٍ.
الشَّيْخُ الْمُعَمَّرُ الْمُسِنُّ جَمَالُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ إِلْيَاسَ بْنِ الرَّشِيدِ الْبَعْلَبَكِّيُّ، التَّاجِرُ، وُلِدَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي ثَانِيَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى، عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَسَنَةٍ، وَدُفِنَ بِبَابِ سَطْحَا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمُحَدِّثُ اللُّغَوِيُّ الْمُفِيدُ صَفِيُّ الدِّينِ أَبُو الثَّنَاءِ مَحْمُودُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحُسَيْنِ الْأُرْمَوِيُّ الصُّوفِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ، وَرَحَلَ، وَطَلَبَ، وَكَتَبَ الْكَثِيرَ، وَذَيَّلَ عَلَى " النِّهَايَةِ " لِابْنِ الْأَثِيرِ، وَكَانَ قَدْ قَرَأَ " التَّنْبِيهَ "، وَاشْتَغَلَ بِاللُّغَةِ، فَحَصَّلَ مِنْهَا طَرَفًا جَيِّدًا، ثُمَّ اضْطَرَبَ عَقْلُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ السَّوْدَاءُ، وَكَانَ يُفِيقُ مِنْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَيُذَاكِرُ صَحِيحًا ثُمَّ يَعْتَرِضُهُ الْمَرَضُ الْمَذْكُورُ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ
السَّنَةِ فِي الْمَارَسْتَانِ النُّورِيِّ، وَدُفِنَ بِبَابِ الصَّغِيرِ.
الْخَاتُونُ الْمَصُونَةُ خَاتُونُ بِنْتُ الْمَلِكِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَادِلِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ شَاذِي، بِدَارِهَا، وَتُعْرَفُ بِدَارِ كَافُورٍ، كَانَتْ رَئِيسَةً مُحْتَرَمَةً، وَلَمْ تَتَزَوَّجْ قَطُّ، وَلَيْسَ فِي طَبَقَتِهَا مِنْ بَنِي أَيُّوبَ غَيْرُهَا فِي هَذَا الْحِينِ، تُوُفِّيَتَ يَوْمَ الْخَمِيسِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَدُفِنَتْ بِتُرْبَةِ أَمِّ الصَّالِحِ، رَحِمَهَا اللَّهُ.
شَيْخُنَا الْجَلِيلُ الْمُسْنِدُ الْمُعَمَّرُ الرُّحْلَةُ، بَهَاءُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ أَبِي غَالِبٍ الْمُظَفَّرِ بْنِ نَجْمِ الدِّينِ بْنِ أَبِي الثَّنَاءِ مَحْمُودِ بْنِ تَاجِ الْأُمَنَاءِ أَبِي الْفَضْلِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ الطَّبِيبُ الْمُعَمَّرُ، وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ حُضُورًا وَسَمَاعًا عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الْمَشَايِخِ، وَقَدْ خَرَّجَ لَهُ الْحَافِظُ عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ مَشْيَخَةً سَمِعْنَاهَا عَلَيْهِ فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ، وَكَذَلِكَ خَرَّجَ لَهُ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ عَوَالِيَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَكَتَبَ لَهُ الْمُحَدِّثُ الْمُفِيدُ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ طُغْرِيلَ مَشْيَخَةً فِي سَبْعِ مُجَلَّدَاتٍ، تَشْتَمِلُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَسَبْعِينَ شَيْخًا سَمَاعًا وَإِجَازَةً، وَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَسَمِعَهَا الْحَافِظُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْبِرْزَالِيُّ: وَقَدْ قَرَأْتُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ مُجَلَّدًا بِحَذْفِ الْمُكَرَّرَاتِ، وَمِنَ الْأَجْزَاءِ
خَمْسَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ جُزْءًا بِالْمُكَرَّرَاتِ. قَالَ: وَكَانَ قَدِ اشْتَغَلَ بِالطِّبِّ، وَكَانَ يُعَالِجُ النَّاسَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ كَثِيرًا مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْحِكَايَاتِ وَالْأَشْعَارِ، وَلَهُ نَظْمٌ، وَخَدَمَ فِي عِدَّةِ جِهَاتٍ الْكِتَابَةَ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، وَلَزِمَ بَيْتَهُ وَإِسْمَاعَ الْحَدِيثِ، وَتَفَرَّدَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، وَكَانَ سَهْلًا فِي التَّسْمِيعِ، وَوَقَفَ آخِرَ عُمْرِهِ دَارَهُ دَارَ حَدِيثٍ، وَخَصَّ الْحَافِظَ الْبِرْزَالِيَّ وَالْمِزِّيَّ بِشَيْءٍ مِنْ بِرِّهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَقْتَ الظُّهْرِ خَامِسِ عِشْرِينَ شَعْبَانَ، وَدُفِنَ بَقَاسِيُونَ، رحمه الله.
الْوَزِيرُ ثُمَّ الْأَمِيرُ نَجْمُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الشَّيْخِ فَخْرِ الدِّينِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْبُصْرَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ، دَرَّسَ بِبُصْرَى بَعْدَ عَمِّهِ الْقَاضِي صَدْرِ الدِّينِ الْحَنَفِيِّ، ثُمَّ وَلِيَ الْحِسْبَةَ بِدِمَشْقَ وَنَظَرَ الْخِزَانَةِ، ثُمَّ وَلِيَ الْوِزَارَةَ، ثُمَّ سَأَلَ الْإِقَالَةَ مِنْهَا فَعُوِّضَ بِإِمْرِيَّةِ عَشَرَةٍ عَنْهَا بِإِقْطَاعٍ هَائِلٍ، وَعُومِلَ فِي ذَلِكَ مُعَامَلَةَ الْوُزَرَاءِ فِي حُرْمَتِهِ وَلُبْسَتِهِ، حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ بِبُصْرَى يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَامِنِ عِشْرِينَ شَعْبَانَ، وَدُفِنَ هُنَاكَ، وَكَانَ كَرِيمًا مُمَدَّحًا وَهَّابًا كَثِيرَ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ، وَتَرَكَ مَالًا وَأَوْلَادًا، ثُمَّ تَفَانَوْا كُلُّهُمْ بَعْدَهُ، وَتَفَرَّقَتْ أَمْوَالُهُ، وَنُكِحَتْ نِسَاؤُهُ، وَسُكِنَتْ مَنَازِلُهُ.
الْأَمِيرُ صَارِمُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ قَرَاسُنْقُرَ الْجُوكَنْدَارُ، مُشِدُّ الْخَاصِّ، ثُمَّ
وَلِيَ دِمَشْقَ وِلَايَةً، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، تُوُفِّيَ تَاسِعَ رَمَضَانَ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ الْمُشَرَّفَةِ الْمُبَيَّضَةِ شَرْقِيَّ مَسْجِدِ النَّارَنْجِ كَانَ قَدْ أَعَدَّهَا لِنَفْسِهِ.
الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْأَعْقَفُ الْحَرِيرِيُّ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَامِدِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُوخِيُّ الْحَرِيرِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَاشْتَغَلَ فِي صِبَاهُ عَلَى الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ فِي " التَّنْبِيهِ "، ثُمَّ صَحِبَ الْحَرِيرِيَّةَ وَخَدَمَهُمْ، وَلَزِمَ مُصَاحِبَةَ الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ بْنِ إِسْرَائِيلَ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَحَجَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَكَانَ مَلِيحَ الشَّكْلِ، كَثِيرَ التَّوَدُّدِ إِلَى النَّاسِ، حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، تُوُفِّيَ يَوْمَ الْأَحَدِ ثَالِثِ عِشْرِينَ رَمَضَانَ بِزَاوِيَتِهِ بِالْمِزَّةِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَتِهِ بِالْمِزَّةِ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ حَافِلَةً.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَامِنِ عِشْرِينَ رَمَضَانَ صُلِّيَ بِدِمَشْقَ عَلَى غَائِبٍ، وَهُوَ الشَّيْخُ هَارُونُ الْمَقْدِسِيُّ، تُوُفِّيَ بِبَعْلَبَكَّ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَكَانَ صَالِحًا مَشْهُورًا عِنْدَ الْفُقَرَاءِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَالِثِ ذِي الْقَعْدَةِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الْمُقْرِئُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ غُصْنٍ الْأَنْصَارِيُّ الْقَصْرِيُّ ثُمَّ السَّبْتِيُّ، بِالْقُدْسِ، وَدُفِنَ بِمَامَلَّا، وَكَانَتْ لَهُ جِنَازَةٌ حَافِلَةٌ، حَضَرَهَا كَرِيمُ الدِّينِ وَالنَّاسُ مُشَاةً، وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَانَ شَيْخًا مَهِيبًا، أَحْمَرَ اللِّحْيَةِ مِنَ الْحِنَّاءِ، اجْتَمَعْتُ بِهِ، وَبَحَثْتُ مَعَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ حِينَ زُرْتُ الْقُدْسَ الشَّرِيفَ،
وَهِيَ أَوَّلُ زِيَارَةٍ زُرْتُهُ، وَكَانَ مَالِكِيَّ الْمَذْهَبِ، قَدْ قَرَأَ " الْمُوَطَّأَ " فِي ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، وَأَخَذَ النَّحْوَ عَنِ الْأُسْتَاذِ ابْنِ أَبِي الرَّبِيعِ شَارِحِ " الْجُمَلِ " لِلزَّجَّاجِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُرَيْحٍ.
شَيْخُنَا الْأَصِيلُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عِمَادِ الدِّينِ أَبِي الْفَضْلِ مُحَمَّدِ بْنِ شَمْسِ الدِّينِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بُنْدَارِ بْنِ مَمِيلٍ الشِّيرَازِيُّ، مَوْلِدُهُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ وَأَسْمَعَ، وَأَفَادَ فِي عِلَّتِهِ شَيْخَنَا الْمِزِّيَّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، قَرَأَ عَلَيْهِ عِدَّةَ أَجْزَاءٍ بِنَفْسِهِ، أَثَابَهُ اللَّهُ، وَكَانَ شَيْخًا حَسَنًا خَيِّرًا مُبَارَكًا مُتَوَاضِعًا، يُذَهِّبُ الرَّبَعَاتِ وَالْمَصَاحِفَ، لَهُ فِي ذَلِكَ يَدٌ طُولَى، وَلَمْ يَتَدَنَّسْ بِشَيْءٍ مِنَ الْوِلَايَاتِ، وَلَا تَدَنَّسَ بِشَيْءٍ مِنْ وَظَائِفِ الْمَدَارِسِ وَلَا الشَّهَادَاتِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ بِبُسْتَانِهِ مِنَ الْمِزَّةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِهَا، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهَا، رحمه الله.
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْعَابِدُ النَّاسِكُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ سَعْدٍ الزُّرَعِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، قَيِّمُ الْجَوْزِيَّةِ، كَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُتَعَبِّدًا قَلِيلَ التَّكَلُّفِ، وَكَانَ فَاضِلًا، وَقَدْ سَمِعَ شَيْئًا مِنْ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " عَنِ الرَّشِيدِيِّ الْعَامِرِيِّ، تُوُفِّيَ فَجْأَةً
لَيْلَةَ الْأَحَدِ تَاسِعَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ بِالْمَدْرَسَةِ الْجَوْزِيَّةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الظُّهْرِ بِالْجَامِعِ، وَدُفِنَ بِبَابِ الصَّغِيرِ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ حَافِلَةً، وَأَثْنَى عَلَيْهِ النَّاسُ خَيْرًا رحمه الله، وَهُوَ وَالِدُ الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ صَاحِبِ الْمُصَنَّفَاتِ الْكَثِيرَةِ النَّافِعَةِ الْكَافِيَةِ.
الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ شَرَفِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَعْبَدٍ الْبَعْلَبَكِّيُّ، أَحَدُ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ، كَانَ وَالِدُهُ تَاجِرَا بِبَعْلَبَكَّ، فَنَشَأَ وَلَدُهُ هَذَا وَاتَّصَلَ بِالدَّوْلَةِ، وَعَلَتْ مَنْزِلَتُهُ حَتَّى أُعْطِيَ طَّبْلَخَانَهْ، وَبَاشَرَ وِلَايَةَ الْبَرِّ بِدِمَشْقَ مَعَ شَدِّ الْأَوْقَافِ، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى وِلَايَةِ الْوُلَاةِ بِحَوْرَانَ، فَاعْتَرَضَهُ مَرَضٌ، وَكَانَ سَبْطَ الْبَدَنِ عَبْلَهُ، فَسَأَلَ أَنْ يُقَالَ فَأُجِيبَ، فَأَقَامَ بِبُسْتَانِهِ بِالْمِزَّةِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي خَامِسِ عِشْرِينَ ذِي الْحِجَّةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الْمِزَّةِ، كَانَ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ وَأَحْسَنِهِمْ، مَعَ دِيَانَةٍ وَخَيْرٍ، سَامَحَهُ اللَّهُ.
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ تُوُفِّيَ الْفَقِيهُ الْعَابِدُ النَّاسِكُ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَحَدِ بْنِ سَعْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ عَبْدِ
الْأَحَدِ بْنِ عُمَرَ الْحَرَّانِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ النَّجِيحِ، تُوُفِّيَ فِي وَادِي بَنِيَ سَالِمٍ، فَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَغُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ شَرْقِيَّ قَبْرِ عَقِيلٍ، فَغَبَطَهُ النَّاسُ بِهَذِهِ الْمَوْتَةِ وَهَذَا الْقَبْرِ، رحمه الله، وَكَانَ مِمَّنْ غَبَطَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مُسَلَّمٍ قَاضِي الْحَنَابِلَةِ، فَمَاتَ بَعْدَهُ، وَدُفِنَ عِنْدَهُ، وَذَلِكَ بَعْدَهُ بِثَلَاثِ سِنِينَ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَجَاءَ يَوْمَ حَضَرَ جِنَازَةُ الشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ شَرَفُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ بِجُمْعَةٍ، مَرْجِعَهُ مِنَ الْحَجِّ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ مَكَّةَ بِمَرْحَلَتَيْنِ، فَغَبَطَ الْمَيِّتَ الْمَذْكُورَ بِتِلْكَ الْمَوْتَةِ، فَرُزِقَ مِثْلَهَا بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ كَانَ شَرَفُ الدِّينِ بْنُ نَجِيحٍ هَذَا قَدْ صَحِبَ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ تَقِيَّ الدِّينِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ، وَكَانَ مَعَهُ فِي مَوَاطِنَ كِبَارٍ صَعْبَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا إِلَّا الْأَبْطَالُ الْخُلَّصُ الْخَوَاصُّ، وَسُجِنَ مَعَهُ، وَكَانَ مِنْ خُدَّامِهِ وَخَوَاصِّ أَصْحَابِهِ، يَنَالُ فِيهِ الْأَذَى، وَأُوذِيَ بِسَبَبِهِ مَرَّاتٍ، وَكُلُّ مَا لَهُ فِي ازْدِيَادٍ وَمَحَبَّةٍ فِيهِ وَصَبْرٍ عَلَى أَذَى أَعْدَائِهِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ فِي نَفْسِهِ وَعِنْدَ النَّاسِ جَيِّدًا مَشْكُورَ السِّيرَةِ، جَيِّدَ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ، عَظِيمَ الدِّيَانَةِ وَالزُّهْدِ وَلِهَذَا كَانَتْ عَاقِبَتُهُ هَذِهِ الْمَوْتَةَ عَقِيبَ الْحَجِّ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِرَوْضَةِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ - بَقِيعِ الْغَرْقَدِ - بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَخُتِمَ لَهُ بِصَالِحِ عَمَلِهِ، وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ يَتَمَنَّى أَنْ يَمُوتَ عَقِيبَ عَمَلٍ صَالِحٍ يَعْمَلُهُ، وَكَانَتْ لَهُ جِنَازَةٌ حَافِلَةٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.