الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْمُسْلِمِينَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ، وَوُلَاتُهُ وَقُضَاتُهُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، إِلَّا الشَّافِعِيَّ بِالشَّامِ فَتُوُفِّيَ الْقَزْوِينِيُّ، وَتَوَلَّى الْعَلَّامَةُ السُّبْكِيُّ.
وَمِمَّا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ الْعَظِيمَةِ الْهَائِلَةِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ رُءُوسِ النَّصَارَى اجْتَمَعُوا فِي كَنِيسَتِهِمْ، وَجَمَعُوا مِنْ بَيْنِهِمْ مَالًا جَزِيلًا، فَدَفَعُوهُ إِلَى رَاهِبَيْنِ قَدِمَا عَلَيْهَا مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، يُحْسِنَانِ صَنْعَةَ النِّفْطِ، اسْمُ أَحَدِهِمَا مِيلَانِيُّ، وَالْآخَرُ عَازِرُ، فَعَمِلَا كَعْكًا مِنْ نِفْطٍ، وَتَلَطَّفَا حَتَّى عَمِلَاهُ لَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَضَعَا فِي شُقُوقِ دَكَاكِينِ التُّجَّارِ فِي سُوقِ الرِّجَالِ عِنْدَ الدَّهْشَةِ فِي عِدَّةِ دَكَاكِينٍ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ أَحَدٌ بِهِمَا، وَهُمَا فِي زِيِّ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ لَمْ يَشْعُرِ النَّاسُ إِلَّا وَالنَّارُ قَدْ عَمِلَتْ فِي تِلْكَ الدَّكَاكِينِ حَتَّى تَعَلَّقَتْ فِي دَرَابْزِينَاتِ الْمِئْذَنَةِ الشَّرْقِيَّةِ الْمُتَّجِهَةِ لِلسُّوقِ الْمَذْكُورِ، وَاحْتَرَقَتِ الدَّرَابْزِينَاتُ، وَجَاءَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ تَنْكِزُ وَالْأُمَرَاءُ أُمَرَاءُ الْأُلُوفِ،
وَصَعِدُوا الْمَنَارَةَ وَهِيَ تَشْتَعِلُ نَارًا، وَاحْتَرَسُوا عَنِ الْجَامِعِ فَلَمْ يَنَلْهُ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِيقِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَأَمَّا الْمِئْذَنَةُ فَإِنَّهَا تَفَجَّرَتْ أَحْجَارُهَا، وَاحْتَرَقَتِ السِّقَالَاتُ الَّتِي بَدَلُ السَّلَالِمِ، فَهُدِّمَتْ وَأُعِيدَ بِنَاؤُهَا بِحِجَارَةٍ جُدُدٍ، وَهِيَ الْمَنَارَةُ الشَّرْقِيَّةُ الَّتِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْهَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي نُزُولِ عِيسَى عليه السلام وَالْبَلَدُ مُحَاصَرٌ بِالدَّجَّالِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّصَارَى بَعْدَ لَيَالٍ عَمَدُوا إِلَى نَاحِيَةِ الْجَامِعِ مِنَ الْغَرْبِ إِلَى الْقَيْسَارِيَّةِ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا سِلَاحُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَقْوَاسِ، فَأَلْقَوْا فِيهَا النِّفْطَ، فَاحْتَرَقَتِ الْقَيْسَارِيَّةُ بِكَمَالِهَا وَبِمَا فِيهَا مِنَ الْأَقْوَاسِ وَالْعُدَدِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَتَطَايَرَ شَرَرُ النَّارِ إِلَى مَا حَوْلَ الْقَيْسَارِيَّةِ مِنَ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَدَارِسِ، وَاحْتَرَقَ جَانِبٌ مِنَ الْمَدْرَسَةِ الْأَمِينِيَّةِ إِلَى جَانِبِ الْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَا كَانَ مَقْصُودُهُمْ إِلَّا وَصُولَ النَّارِ إِلَى مَعْبَدِ الْمُسْلِمِينَ، فَحَالَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَرُومُونَ، وَجَاءَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْأُمَرَاءُ وَحَالُوا بَيْنَ الْحَرِيقِ وَالْمَسْجِدِ، جَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرًا.
وَلِمَا تَحَقَّقَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِهِمْ، أَمَرَ بِمَسْكِ رُءُوسِ النَّصَارَى، فَأَمْسَكَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ سِتِّينَ رَجُلًا، فَأُخَذُوا بِالْمُصَادَرَاتِ، وَالضَّرْبِ، وَالْعُقُوبَاتِ، وَأَنْوَاعِ الْمَثُلَاتِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ صَلَبَ مِنْهُمْ أَزِيدَ مِنْ عَشَرَةٍ عَلَى الْجِمَالِ، وَطَافَ بِهِمْ فِي أَرْجَاءِ الْبِلَادِ، وَجَعَلُوا يَتَمَاوَتُونَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، ثُمَّ أُحْرِقُوا بِالنَّارِ حَتَّى صَارُوا رَمَادًا، لَعَنَهُمُ اللَّهُ.