الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ، وَالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ مِنَ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ - الْمَلِكُ النَّاصِرُ حَسَنُ ابْنُ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ مُحَمَّدِ ابْنِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَنَائِبُهُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْبُغَا الْمُلَقَّبُ بِحَارِسِ الطَّيْرِ، وَهُوَ عِوَضٌ عَنِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بَيْبُغَا آرُوسَ الَّذِي رَاحَ إِلَى بِلَادِ الْحِجَازِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ بِقَصْدِ الْحَجِّ الشَّرِيفِ، فَعَزَلَهُ السُّلْطَانُ فِي غَيْبَتِهِ، وَأَمْسَكَ عَلَى شَيْخُونَ وَاعْتَقَلَهُ، وَأَخَذَ مَنْجَكَ الْوَزِيرَ - وَهُوَ أُسْتَادَارُ وَمُقَدَّمُ أَلْفٍ - وَاصْطَفَى أَمْوَالَهُ، وَاعْتَاضَ عَنْهُ، وَوَلَّى مَكَانَهُ فِي الْوِزَارَةِ الْقَاضِي عَلَمَ الدِّينِ بْنَ زُيْنُورٍ، وَاسْتَرْجَعَ إِلَى وَظِيفَةِ الدُّوَيْدَارِيَّةِ الْأَمِيرَ سَيْفَ الدِّينِ طَشْبُغَا النَّاصِرِيَّ، وَكَانَ أَمِيرًا بِالشَّامِ مُقِيمًا مُنْذُ عُزِلَ إِلَى أَنْ أُعِيدَ فِي أَوَاخِرِ السَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَا كَاتِبُ السِّرِّ بِمِصْرَ وَقُضَاتُهَا فَهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
وَاسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَنَائِبُ صَفَدَ قَدْ حَصَّنَ الْقَلْعَةَ، وَأَعَدَّ فِيهَا عُدَّتَهَا وَمَا يَنْبَغِي لَهَا مِنَ الْأَطْعِمَاتِ، وَالذَّخَائِرِ، وَالْعُدَدِ، وَالرِّجَالِ، وَقَدْ نَابِذَ الْمَمْلَكَةَ وَحَارَبَ،
وَقَدْ قَصَدَتْهُ الْعَسَاكِرُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَدِمَشْقَ، وَطَرَابُلُسَ، وَغَيْرِهَا، وَالْأَخْبَارُ قَدْ ضَمِنَتْ عَنْ بَيْبُغَا، وَمَنْ مَعَهُ بِبِلَادِ الْحِجَازِ مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ، وَنَائِبُ دِمَشْقَ فِي احْتِرَازٍ وَخَوْفٍ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ فَيَدْهَمَهَا بِمَنْ مَعَهُ، وَالْقُلُوبُ وَجِلَةٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِيهَا وَرَدَ الْخَبَرُ أَنَّ صَاحِبَ الْيَمَنِ حَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ مَكَّةَ عَجْلَانَ; بِسَبَبِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهَا أَخَاهُ ثَقَبَةَ، فَاشْتَكَى عَجْلَانُ ذَلِكَ إِلَى أُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَبِيرُهُمْ إِذْ ذَاكَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَازْ، وَأَمِيرُ حَجَّتِهِمْ وَأَمِيرُ حَجِيجِهِمُ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بُزْلَارُ، وَمَعَهُمْ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ أَمْسَكُوا أَخَاهُمْ بَيْبُغَا، وَقَيَّدُوهُ فَقَوِيَ رَأْسُهُ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَخَفَّ بِهِمْ، فَصَبَرُوا حَتَّى قُضِيَ الْحَجُّ، وَفَرَغَ النَّاسُ مِنَ الْمَنَاسِكِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ يَوْمُ الْخَمِيسِ تَوَاقَفُوا هُمْ وَهُوَ، فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَالْأَكْثَرُ مِنَ الْيَمَنِيِّينَ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ قَرِيبَةً مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ، وَبَقِيَ الْحَجِيجُ خَائِفِينَ أَنْ تَكُونَ الدَّائِرَةُ عَلَى الْأَتْرَاكِ فَتَنْهَبَ الْأَعْرَابُ أَمْوَالَهُمْ، وَرُبَّمَا قَتَلُوهُمْ، فَفَرَّجَ اللَّهُ تَعَالَى، وَنَصَرَ الْأَتْرَاكَ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، وَلَجَأَ الْمَلِكُ الْمُجَاهِدُ إِلَى جَبَلٍ فَلَمْ يَعْصِمْهُ مِنَ الْأَتْرَاكِ، بَلْ أَسَرُوهُ ذَلِيلًا حَقِيرًا، وَأَخَذُوهُ مُقَيَّدًا أَسِيرًا، وَعَاثَ عَوَامُّ النَّاسِ فِي الْيَمَنِيِّينَ، فَنَهَبُوا شَيْئًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا لَهُمْ جَلِيلًا وَلَا حَقِيرًا، وَلَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَاحْتَاطَ الْأُمَرَاءُ عَلَى حَوَاصِلِ الْمَلِكِ، وَأَمْوَالِهِ، وَأَمْتِعَتِهِ، وَأَثْقَالِهِ، وَسَارُوا بِخَيْلِهِ وَجِمَالِهِ، وَأَدْنَوْا إِلَى
صِنْدِيدٍ مَنْ رَحَّلَهُ وَرِجَالَهُ، وَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ طُفَيْلًا الَّذِي كَانَ حَاصَرَ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، وَقَيَّدُوهُ أَيْضًا، وَجَعَلُوا الْغُلَّ فِي عُنُقِهِ، وَاسْتَاقُوهُ كَمَا يُسْتَاقُ الْأَسِيرُ فِي وَثَاقِهِ مَصْحُوبًا بِهَمِّهِ، وَحَتْفِهِ، وَانْشَمَرُوا عَنْ تِلْكَ الْبِلَادِ إِلَى دِيَارِهِمْ رَاجِعِينَ، وَقَدْ فَعَلُوا فَعْلَةً تُذْكَرُ بَعْدَهُمْ إِلَى حِينٍ.
وَدَخَلَ الرَّكْبُ الشَّامِيُّ إِلَى دِمَشْقَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ، وَالْقَاعِدَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ.
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ قَدِمَتِ الْبَرِيدِيَّةُ مِنْ تِلْقَاءِ مَدِينَةِ صَفَدَ مُخْبِرَةً بِأَنَّ الْأَمِيرَ شِهَابَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ مُشِدِّ الشُّرْبَخَانَاهْ، الَّذِي كَانَ قَدْ تَمَرَّدَ بِهَا، وَطَغَى، وَبَغَى حَتَّى اسْتَحْوَزَ عَلَيْهَا، وَقَطَعَ سُبُلَهَا، وَقَتَلَ الْفُرْسَانَ وَالرَّجَّالَةَ، وَمَلَأَهَا أَطْعِمَةً وَأَسْلِحَةً، وَمَمَالِيكَهُ وَرِجَالَهُ، فَعِنْدَمَا تَحَقَّقَ مَسْكُ بَيْبُغَا آرُوسَ خَضَعَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ، وَخَمَدَتْ نَارُهُ، وَسَكَنَ شَرَارُهُ، وَأُخِذَ بِنَارِهِ، وَوَضَحَ قَرَارُهُ، وَأَنَابَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ، وَرَغِبَ إِلَى السَّلَامَةِ وَالْإِخْلَاصِ، وَخَضَعَ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، وَأَرْسَلَ سَيْفَهُ إِلَى السُّلْطَانِ، ثُمَّ تَوَجَّهَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى حَضْرَةِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يُحَنِّنَهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُقْبِلَ بِقَلْبِهِ إِلَيْهِ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ خَامِسِ صَفَرٍ قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَرْغُونُ الْكَامِلِيُّ مُعَادًا إِلَى نِيَابَةِ حَلَبَ، وَفِي صُحْبَتِهِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَشْبُغَا الدَّوَادَارِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهُوَ زَوْجُ ابْنَةِ نَائِبِ الشَّامِ، فَتَلَقَّاهُ نَائِبُ الشَّامِ وَأَعْيَانُ
الْأُمَرَاءِ، وَنَزَلَ طَشْبُغَا الدَّوَادَارُ عِنْدَ زَوْجَتِهِ بِدَارِ مُنَجَّا فِي مَحِلَّةِ مَسْجِدِ الْقَصَبِ الَّتِي كَانَتْ تُعْرَفُ بِدَارِ حُنَيْنِ بْنِ حَيْدَرٍ، وَقَدْ جُدِّدَتْ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَتَوَجَّهَا فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ قُدُومِهِمَا إِلَى حَلَبَ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ رَابِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ اجْتَمَعَ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ، وَطَلَبُوا الْحَنْبَلِيَّ لِيَتَكَلَّمُوا مَعَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِدَارِ الْمُعْتَمِدِ الَّتِي بِجِوَارِ مَدْرَسَةِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ الَّتِي حَكَمَ بِنَقْضِ وَقْفِهَا، وَهَدْمِ بَابِهَا، وَإِضَافَتِهَا إِلَى دَارِ الْقُرْآنِ الْمَذْكُورَةِ، وَجَاءَ مَرْسُومُ السُّلْطَانِ بِوَقْفِ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ قَدْ أَرَادَ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا جَاءَ مَرْسُومُ السُّلْطَانِ اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ، فَلَمْ يَحْضُرِ الْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ، وَقَالَ: حَتَّى يَجِيءَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ.
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ خَامِسَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ حَضَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَدُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ عَنْ أَبِيهِ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ قَدْ خَرَّجَهُ لَهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ، وَشَاعَ فِي الْبَلَدِ أَنَّهُ نَزَلَ لَهُ عَنْهَا، وَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ كَلَامًا كَثِيرًا، وَانْتَشَرَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ نَزَلَ لَهُ عَنِ الْغَزَالِيَّةِ، وَالْعَادِلِيَّةِ، وَاسْتَخْلَفَهُ فِي ذَلِكَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي سَحَرِ لَيْلَةِ الْخَمِيسِ خَامِسِ شَهْرِ جُمَادَى الْأُولَى، وَقَعَ حَرِيقٌ عَظِيمٌ فِي الْحَرَّانِيِّينَ فِي السُّوقِ الْكَبِيرِ، وَاحْتَرَقَتْ دَكَاكِينُ الْفَوَاخِرَةِ وَالْمَنَاخِلِيِّينَ، وَفُرْجَةُ الْغَرَابِيلِ، وَإِلَى دَرْبِ الْقَلْيِ، ثُمَّ إِلَى قَرِيبِ دَرْبِ الْعَمِيدِ، وَصَارَتْ تِلْكَ