المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ] ‌ ‌[وَقْتُهَا] ِ وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا صَدْرَ - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٦

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[مَوْقِفُ الْأَحْزَابِ بَعْدَ فَرَاغِ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْخَنْدَقِ]

- ‌[دُعَائُهُ عليه السلام عَلَى الْأَحْزَابِ]

- ‌[غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ]

- ‌[وَفَاةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ]

- ‌[فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ]

- ‌[مَقْتَلُ أَبِي رَافِعٍ]

- ‌[مَقْتَلُ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ ابْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَعَ النَّجَاشِيِّ بَعْدَ وَقْعَةِ الْخَنْدَقِ]

- ‌[تَزْوِيجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ حَبِيبَةَ]

- ‌[تَزْوِيجُهُ عليه السلام بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ]

- ‌[قِصَّةُ زَيْنَبَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ]

- ‌[نُزُولُ آيَةِ الْحِجَابِ]

- ‌[سَنَةُ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[غَزْوَةُ ذِي قَرَدَ]

- ‌[غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ]

- ‌[الْإِقْرَاعُ بَيْنَ نِسَاءِ الرَّسُولِ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ]

- ‌[قِصَّةُ الْإِفْكِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ]

- ‌[عُمْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[سِيَاقُ الْبُخَارِيِّ لِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ]

- ‌[السَّرَايَا وَالْبُعُوثُ الَّتِي كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فَى السَّنَةِ السَّادِسَةِ]

- ‌[سَنَةُ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[غَزْوَةُ خَيْبَرَ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[فَتْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُصُونَ خَيْبَرَ]

- ‌[قِصَّةُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ]

- ‌[حِصَارُ رَسُولِ اللَّهِ أَهْلَ خَيْبَرَ]

- ‌[فَتْحُ حُصُونِ خَيْبَرَ]

- ‌[مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ]

- ‌[ذِكْرُ قُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ]

- ‌[قِصَّةُ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ]

- ‌[قِصَّةُ مِدْعَمٍ وَنَوْمِ بِلَالٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ]

- ‌[مَنِ اسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَبَرُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ الْبَهْزِيِّ]

- ‌[مُرُورُهُ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْقُرَى وَمُحَاصَرَتُهُ قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ]

- ‌[مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ يَهُودَ خَيْبَرَ]

- ‌[سَرِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ]

- ‌[سَرِيَّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِلَى تُرْبَةٍ مِنْ أَرْضِ هَوَازِنَ]

- ‌[سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى يُسَيْرِ بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ]

- ‌[سَرِيَّةٌ أُخْرَى مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ]

- ‌[سَرِيَّةُ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى الْغَابَةِ]

- ‌[السَرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَ فِيهَا مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ عَامِرَ بْنَ الْأَضْبَطِ]

- ‌[سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ]

- ‌[عُمْرَةُ الْقَضَاءِ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[قِصَّةُ تَزْوِيجِهِ عليه الصلاة والسلام بِمَيْمُونَةَ]

- ‌[خُرُوجُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ]

- ‌[سَرِيَّةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ]

- ‌[رَدُّ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ]

- ‌[رَدُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ]

- ‌[سَنَةُ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[إِسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ]

- ‌[طَرِيقُ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ]

- ‌[سَرِيَّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الْأَسَدِيِّ إِلَى نَفَرٍ مِنْ هَوَازِنَ]

- ‌[سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى بَنِي قُضَاعَةَ]

- ‌[غَزْوَةُ مُؤْتَةَ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[إِخْبَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاسْتِشْهَادِ جَعْفَرٍ وَصَاحِبَيْهِ]

- ‌[اسْتِقْبَالُ رَسُولِ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ]

- ‌[فَضْلُ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم]

- ‌[مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[حَدِيثٌ فِيهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأُمَرَاءِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ]

- ‌[فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ]

- ‌[كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ وَكَتْبِهِ إِلَيْهِمْ]

- ‌[وَقْتُ إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ]

- ‌[إِرْسَالُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَلِكِ الْعَرَبِ مِنَ النَّصَارَى بِالشَّامِ]

- ‌[بَعْثُهُ إِلَى كِسْرَى مِلْكِ الْفُرْسِ]

- ‌[بَعْثُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُقَوْقِسِ]

- ‌[غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ]

- ‌[سَرِيَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ]

- ‌[دُخُولُ النَّبِيِّ مَكَّةَ]

- ‌[قِصَّةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ]

- ‌[مِيقَاتُ خُرُوجِ النَّبِيِّ]

- ‌[إِسْلَامُ الْعَبَّاسِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[نُزُولُ النَّبِيِّ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ]

- ‌[صِفَةُ دُخُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ]

- ‌[مَا قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ يَوْمَ الْفَتْحِ]

- ‌[بَعْثَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ]

- ‌[بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزَّى]

- ‌[مُدَّةُ إِقَامَتِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ]

- ‌[فِيمَا حَكَمَ بِهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ]

- ‌[مُبَايَعَةُ النَّبِيِّ النَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ]

الفصل: ‌ ‌[غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ] ‌ ‌[وَقْتُهَا] ِ وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا صَدْرَ

[غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ]

[وَقْتُهَا]

ِ وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ

وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا صَدْرَ سُورَةِ " الْأَحْزَابِ " فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 9](الْأَحْزَابِ: 9 - 27) ،

ص: 8

وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى كُلِّ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ فِي " التَّفْسِيرِ "، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِصَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

وَقَدْ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وقَتَادَةُ، والْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، سَلَفًا وَخَلَفًا.

ص: 9

وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ الْأَحْزَابِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ، عَنْهُ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ وَقَبْلَ اسْتِكْمَالِ خَمْسٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا انْصَرَفُوا عَنْ أُحُدٍ وَاعَدُوا الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَدْرٍ الْعَامَ الْقَابِلَ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِقُرَيْشٍ لِجَدْبِ ذَلِكَ الْعَامِ، فَلَمْ يَكُونُوا لِيَأْتُوا إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ شَهْرَيْنِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْخَنْدَقَ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ صَرَّحَ الزُّهْرِيُّ بِأَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ أُحُدًا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ التَّارِيخِ مِنْ مُحَرَّمِ السَّنَةِ التَّالِيَةَ لِسَنَةِ الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَعُدُّوا الشُّهُورَ الْبَاقِيَةَ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى آخِرِهَا، كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَبِهِ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ بَدْرًا فِي الْأُولَى، وَأُحُدًا فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ، وَبَدْرًا الْمَوْعِدَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَالْخَنْدَقَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَهَذَا

ص: 10

مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ أَوَّلَ التَّارِيخِ مِنْ مُحَرَّمِ سَنَةِ الْهِجْرَةِ. وَعَنْ مَالِكٍ: مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ الْهِجْرَةِ. فَصَارَتِ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ أُحُدًا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَأَنَّ الْخَنْدَقَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ:«عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي» . فَقَدْ أَجَابَ عَنْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ عُرِضَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي أَوَّلِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَيَوْمَ الْأَحْزَابِ فِي أَوَاخِرِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ.

قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، كَانَ قَدِ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةَ، الَّتِي يُجَازُ لِمِثْلِهَا الْغِلْمَانُ، فَلَا يَبْقَى عَلَى هَذَا زِيَادَةٌ عَلَيْهَا. وَلِهَذَا لَمَّا بَلَّغَ نَافِعٌ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَفَرْقٌ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. ثُمَّ كَتَبَ بِهِ إِلَى الْآفَاقِ. وَاعْتَمَدَ عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ

ص: 11

الْعُلَمَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَذَا سِيَاقُ الْقِصَّةِ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ:

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ، فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَبَعْضُهُمْ يُحَدِّثُ مَا لَا يُحَدِّثُ بَعْضٌ، قَالُوا: إِنَّهُ كَانَ مِنْ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ - مِنْهُمْ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النَّضَرِيُّ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضَرِيُّ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ الْوَائِلِيُّ، وَأَبُو عَمَّارٍ الْوَائِلِيُّ، فِي نَفَرٍ مِنَ بَنِي النَّضِيرِ وَنَفَرٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَهُمُ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ مَكَّةَ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: إِنَّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ، حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُ. فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، إِنَّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمَّدٌ، أَفَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ؟ قَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُ. 5 فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 51] الْآيَاتِ

ص: 12

(النِّسَاءِ 51 52) . فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ سَرَّهُمْ وَنَشِطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ وَاتَّعَدُوا لَهُ، ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ يَهُودَ حَتَّى جَاءُوا غَطَفَانَ مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّ قُرَيْشًا قَدْ تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا مَعَهُمْ فِيهِ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَقَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ، وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، فِي بَنِي فَزَارَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيُّ، فِي بَنِي مُرَّةَ، وَمِسْعَرُ بْنُ رُخَيْلَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خُلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ فِيمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَشْجَعَ.

فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا أَجْمَعُوا لَهُ مِنَ الْأَمْرِ، ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يُقَالُ إِنَّ الَّذِي أَشَارَ

ص: 13

بِهِ سَلْمَانُ. قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ: أَوَّلُ مَنْ حَفَرَ الْخَنَادِقَ مِنُوشِهْرُ بْنُ إِيرَجَ بْنِ أَفْرِيدُونَ، وَكَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى عليه السلام.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْأَجْرِ، وَعَمِلَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ، وَتَخَلَّفَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَعْتَذِرُونَ بِالضَّعْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسَلُّ خُفْيَةً بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَا عِلْمِهِ، عليه الصلاة والسلام. وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 62]

(النُّورِ: 62 64) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَتَّى أَحْكَمُوهُ، وَارْتَجَزُوا فِيهِ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ: جُعَيْلٌ. سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمْرًا، فَقَالُوا فِيمَا يَقُولُونَ:

ص: 14

سَمَّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيْلٍ عَمْرًا

وَكَانَ لِلْبَائِسِ يَوْمًا ظَهْرَا

«وَكَانُوا إِذَا قَالُوا عَمْرَا. قَالَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " عَمْرَا " وَإِذَا قَالُوا: ظَهْرَا. قَالَ لَهُمْ: " ظَهْرَا ".» .

وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا

عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

» وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسٍ، نَحْوَهُ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ.

ص: 15

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ، وَيَقُولُونَ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا

عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

قَالَ: يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُجِيبُهُمْ: «اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَةِ، فَبَارِكْ فِي الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ» قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفِّي مِنَ الشَّعِيرِ، فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهِيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ، وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَنْدَقِ، وَهُمْ يَحْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا

ص: 16

عَيْشُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ - أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ - يَقُولُ:

وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا

إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: " أَبَيْنَا أَبَيْنَا» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.

ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ يُحَدِّثُ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ

ص: 17

تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي التُّرَابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشِّعْرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَهُوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا

وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

ثُمَّ يُمَدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا» .

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ ": أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ فِي الْخَنْدَقِ وَقَالَ:

بِسْمِ اللَّهِ وَبِهِ هُدِينَا وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شَقِينَا يَا حَبَّذَا رَبًّا وَحَبَّ دِينًا» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

ص: 18

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، وَهُمْ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ: " اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَةِ فَأَصْلِحِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ» " وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ أَحَادِيثُ بَلَغَتْنِي، فِيهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِبْرَةٌ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَحْقِيقِ نُبُوَّتِهِ، عَايَنَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ؛ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ «كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ كُدْيَةٌ، فَشَكَوْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَفَلَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ، ثُمَّ نَضَحَ الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ الْكُدْيَةِ، فَيَقُولُ مَنْ حَضَرَهَا: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْهَالَتْ حَتَّى عَادَتْ كَالْكَثِيبِ مَا تَرُدُّ فَأْسًا وَلَا مِسْحَاةً» هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مُنْقَطِعًا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه.

ص: 19

وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرًا فَقَالَ: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كَيْدَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاءُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ. فَقَالَ: «أَنَا نَازِلٌ " ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ. فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ. فَذَبَحَتِ الْعَنَاقَ، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ، حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الْأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ، فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ. قَالَ: " كَمْ هُوَ؟ " فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: " كَثِيرٌ طَيِّبٌ، قُلْ لَهَا لَا تَنْزِعِ الْبُرْمَةَ وَلَا

ص: 20

الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ ". فَقَالَ: " قُومُوا " فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: وَيْحَكِ، جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ. قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: " ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطُوا " فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: " كُلِي هَذَا وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ» مَجَاعَةٌ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ أَيْمَنَ الْحَبَشِيِّ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ جَابِرٍ بِقِصَّةِ الْكُدْيَةِ وَرَبْطِ الْحَجَرِ عَلَى بَطْنِهِ الْكَرِيمِ.

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ بِقِصَّةِ الْكُدْيَةِ وَالطَّعَامِ، وَطُولُهُ أَتَمُّ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيُّ؛ قَالَ فِيهِ: «لَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِقْدَارِ الطَّعَامِ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا: " قُومُوا إِلَى جَابِرٍ " فَقَامُوا، قَالَ: فَلَقِيتُ مِنَ الْحَيَاءِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَقُلْتُ: جَاءَ بِالْخَلْقِ عَلَى صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَعَنَاقٍ! وَدَخَلْتُ عَلَى امْرَأَتِي أَقُولُ: افْتَضَحْتِ؛ جَاءَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 21

بِالْخَنْدَقِ أَجْمَعِينَ. فَقَالَتْ: هَلْ كَانَ سَأَلَكَ كَمْ طَعَامُكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَكَشَفَتْ عَنِّي غَمًّا شَدِيدًا. قَالَ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " خُذِي وَدَعِينِي مِنَ اللَّحْمِ ". وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَثْرُدُ وَيَغْرِفُ اللَّحْمَ، ثُمَّ يُخَمِّرُ هَذَا وَيُخَمِّرُ هَذَا، فَمَا زَالَ يُقَرِّبُ إِلَى النَّاسِ حَتَّى شَبِعُوا أَجْمَعِينَ، وَيَعُودُ التَّنُّورُ وَالْقِدْرُ أَمْلَأَ مَا كَانَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" كُلِي وَأَهْدِي " فَلَمْ تَزَلْ تَأْكُلُ وَتُهْدِي يَوْمَنَا أَجْمَعَ» .

وَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، بِهِ، وَأَبْسَطَ أَيْضًا، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا ثَمَانِمِائَةٍ أَوْ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ. وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا فِي الطَّعَامِ فَقَطْ، وَقَالَ: وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ.

ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَمَصًا فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي، فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شَدِيدًا.

ص: 22

فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا، وَطَحَنَتْ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِمَنْ مَعَهُ. فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ. فَصَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا، فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ ". فَجِئْتُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْدُمُ النَّاسَ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ. فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ. فَأَخْرَجَتْ لَنَا عَجِينًا، فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ:" ادْعُ خَبَّازَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا ". وَهُمْ أَلْفٌ، فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، بِهِ نَحْوَهُ.

ص: 23

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَفِي سِيَاقِهِ غَرَابَةٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:«عَمِلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَنْدَقِ، وَكَانَتْ عِنْدِي شُوَيْهَةٌ غَيْرُ جِدِّ سَمِينَةٍ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ صَنَعْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَأَمَرْتُ امْرَأَتِي فَطَحَنَتْ لَنَا شَيْئًا مِنْ شَعِيرٍ، فَصَنَعَتْ لَنَا مِنْهُ خُبْزًا، وَذَبَحْتُ تِلْكَ الشَّاةَ فَشَوَيْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَمْسَيْنَا وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الِانْصِرَافَ عَنِ الْخَنْدَقِ، قَالَ: وَكُنَّا نَعْمَلُ فِيهِ نَهَارًا، فَإِذَا أَمْسَيْنَا رَجَعْنَا إِلَى أَهَالِينَا. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكَ شُوَيْهَةً كَانَتْ عِنْدَنَا، وَصَنَعْنَا مَعَهَا شَيْئًا مِنْ خُبْزِ هَذَا الشَّعِيرِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَنْصَرِفَ مَعِي إِلَى مَنْزِلِي. قَالَ: وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَعِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ قَالَ: فَلَمَّا أَنْ قُلْتُ ذَلِكَ قَالَ: " نَعَمْ " ثُمَّ أَمَرَ صَارِخًا فَصَرَخَ أَنِ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. قَالَ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقْبَلَ النَّاسُ مَعَهُ، فَجَلَسَ وَأَخْرَجْنَاهَا إِلَيْهِ. قَالَ: فَبَرَّكَ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ أَكَلَ، وَتَوَارَدَهَا النَّاسُ، كُلَّمَا فَرَغَ قَوْمٌ قَامُوا وَجَاءَ نَاسٌ، حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهَا» وَالْعَجَبُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ إِنَّمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْهُ، عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ سَوَاءً.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ أَنَّهُ قَدْ حُدِّثَ أَنَّ ابْنَةً

ص: 24

لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أُخْتِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَتْ: دَعَتْنِي أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ، فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي، ثُمَّ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ، اذْهَبِي إِلَى أَبِيكِ وَخَالِكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا. قَالَتْ: فَأَخَذْتُهَا وَانْطَلَقْتُ بِهَا فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي فَقَالَ: «تَعَالَيْ يَا بُنَيَّةُ، مَا هَذَا مَعَكِ؟ ". قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا تَمْرٌ بَعَثَتْنِي بِهِ أُمِّي إِلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدَّيَانِهِ. فَقَالَ: " هَاتِيهِ ". قَالَتْ: " فَصَبَبْتُهُ فِي كَفَّيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا مَلَأَتْهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُسِطَ لَهُ، ثُمَّ دَحَا بِالتَّمْرِ عَلَيْهِ، فَتَبَدَّدَ فَوْقَ الثَّوْبِ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ عِنْدَهُ: " اصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ أَنْ هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ ". فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَجَعَلَ يَزِيدُ، حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ وَإِنَّهُ لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ» هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَمْ يَزِدْ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَحُدِّثْتُ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «ضَرَبْتُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْخَنْدَقِ فَغَلُظَتْ عَلَيَّ صَخْرَةٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرِيبٌ مِنِّي، فَلَمَّا رَآنِي أَضْرِبُ وَرَأَى شِدَّةَ الْمَكَانِ عَلَيَّ، نَزَلَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِي فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً لَمَعَتْ تَحْتَ الْمِعْوَلِ بُرْقَةٌ ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً أُخْرَى فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى. قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ الثَّالِثَةَ فَلَمَعَتْ بُرْقَةٌ أُخْرَى. قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ

ص: 25

وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ لَمَعَ تَحْتَ الْمِعْوَلِ وَأَنْتَ تَضْرِبُ؟ قَالَ:" أَوَ قَدْ رَأَيْتَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " أَمَّا الْأُولَى، فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا الْيَمَنَ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا الشَّامَ وَالْمَغْرِبَ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيَّ بِهَا الْمَشْرِقَ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ قَدْ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي " مَغَازِيهِ " وَذَكَرَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ.

ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْكُدَيْمِيِّ، وَفِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ، لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي " تَارِيخِهِ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ بُنْدَارٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جِدِّهِ، فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَّ الْخَنْدَقَ بَيْنَ كُلِّ عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا. قَالَ: وَاحْتَقَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِي سَلْمَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ " قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ: فَكُنْتُ أَنَا وَسَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ وَسِتَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، فَحَفَرْنَا

ص: 26

حَتَّى إِذَا بَلَغْنَا النَّدَى ظَهَرَتْ لَنَا صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ مَرْوَةٌ، فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا وَشَقَّتْ عَلَيْنَا، فَذَهَبَ سَلْمَانُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ، فَأَخْبَرَهُ عَنْهَا، فَجَاءَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ سَلْمَانَ، فَضَرَبَ الصَّخْرَةَ ضَرْبَةً فَصَدَّعَهَا، وَبَرَقَتْ مِنْهَا بُرْقَةٌ أَضَاءَتْ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - يَعْنِي الْمَدِينَةَ - حَتَّى كَأَنَّهَا مِصْبَاحٌ فِي جَوْفِ لَيْلٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَكْبِيرَ فَتْحٍ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ ضَرَبَهَا الثَّانِيَةَ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَكَذَلِكَ وَذَكَرَ ذَلِكَ سَلْمَانُ وَالْمُسْلِمُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ النُّورِ، فَقَالَ:" لَقَدْ أَضَاءَ لِي مِنَ الْأُولَى قُصُورُ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنُ كِسْرَى، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، وَمِنَ الثَّانِيَةِ أَضَاءَتِ الْقُصُورُ الْحُمْرُ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، وَمِنَ الثَّالِثَةِ أَضَاءَتْ قُصُورُ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، فَأَبْشِرُوا ". وَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَوْعُودٌ صَادِقٌ. قَالَ: وَلَمَّا طَلَعَتِ الْأَحْزَابُ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ يُبْصِرُ مِنْ يَثْرِبَ قُصُورَ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنَ كِسْرَى، وَأَنَّهَا تُفْتَحُ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَبَرَّزُوا؟! فَنَزَلَ فِيهِمْ:

ص: 27

{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] » وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَلُّولٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:«لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَنْدَقِ فَخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا وَجَدْنَا صَفَاةً لَا نَسْتَطِيعُ حَفْرَهَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقُمْنَا مَعَهُ فَلَمَّا أَتَاهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً وَكَبَّرَ، فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: " فُتِحَتْ فَارِسُ " ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَكَبَّرَ، فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: " فُتِحَتِ الرُّومُ " ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَكَبَّرَ، فَسَمِعْتُ هَدَّةً لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: " جَاءَ اللَّهُ بِحِمْيَرَ أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا» وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ الْأَفْرِيقِيُّ فِيهِ ضَعْفٌ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ سَعِيدٍ الْعَبْدِيُّ أَنَّ

ص: 28

عِكْرِمَةَ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «احْتَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَنْدَقَ، وَأَصْحَابُهُ قَدْ شَدُّوا الْحِجَارَةَ عَلَى بُطُونِهِمْ مِنَ الْجُوعِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" هَلْ دَلَلْتُمْ عَلَى رَجُلٍ يُطْعِمُنَا أَكْلَةً؟ ". قَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ، قَالَ:" إِمَّا لَا فَتَقَدَّمْ فَدُلَّنَا عَلَيْهِ ". فَانْطَلَقُوا إِلَى بَيْتِ الرَّجُلِ، فَإِذَا هُوَ فِي الْخَنْدَقِ يُعَالِجُ نَصِيبَهُ مِنْهُ، فَأَرْسَلَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ جِئْ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَتَانَا. فَجَاءَ الرَّجُلُ يَسْعَى وَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي. وَلَهُ مَعْزَةٌ وَمَعَهَا جَدْيُهَا، فَوَثَبَ إِلَيْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" الْجَدْيُ مِنْ وَرَائِهَا ". فَذَبَحَ الْجَدْيَ، وَعَمَدَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى طَحِينَةٍ لَهَا فَعَجَنَتْهَا وَخَبَزَتْ، فَأَدْرَكَتِ الْقِدْرَ، فَثَرَدَتْ قَصْعَتَهَا، فَقَرَّبَتْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُصْبُعَهُ فِيهَا، وَقَالَ:" بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهَا، اطْعَمُوا ". فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى صَدَرُوا، وَلَمْ يَأْكُلُوا مِنْهَا إِلَّا ثُلُثَهَا، وَبَقِيَ ثُلُثَاهَا، فَسَرَّحَ أُولَئِكَ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، أَنِ اذْهَبُوا وَسَرِّحُوا إِلَيْنَا بِعِدَّتِكُمْ. فَذَهَبُوا، فَجَاءَ أُولَئِكَ الْعَشَرَةُ فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَامَ وَدَعَا لِرَبَّةِ الْبَيْتِ، وَسَمَّتَ عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهَا، ثُمَّ مَشَوْا إِلَى الْخَنْدَقِ فَقَالَ:" اذْهَبُوا بِنَا إِلَى سَلْمَانَ ". وَإِذَا صَخْرَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ قَدْ ضَعُفَ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" دَعُونِي فَأَكُونَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَهَا " فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ ". فَضَرَبَهَا فَوَقَعَتْ فِلْقَةٌ ثُلُثُهَا، فَقَالَ:" اللَّهُ أَكْبَرُ، قُصُورُ الرُّومِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ". ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَوَقَعَتْ فِلْقَةٌ، فَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، قُصُورُ فَارِسَ وَرَبِّ

ص: 29

الْكَعْبَةِ "، فَقَالَ عِنْدَهَا الْمُنَافِقُونَ: نَحْنُ نُخَنْدِقُ عَلَى أَنْفُسِنَا، وَهُوَ يَعِدُنَا قُصُورَ فَارِسَ وَالرُّومِ.»

ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أُسْتَاذٍ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ:«لَمَّا كَانَ حِينَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، عَرَضَ لَنَا فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ، لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ وَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ " وَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا، وَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ، فَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ " ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ ". فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي السَّاعَةَ» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَيْضًا، تَفَرَّدَ بِهِ مَيْمُونُ بْنُ أُسْتَاذٍ هَذَا، وَهُوَ بَصْرِيٌّ رَوَى عَنِ الْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَنْهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَالْجَرِيرِيُّ وَعَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ مَعِينٍ: كَانَ ثِقَةً. وَقَالَ عَلِيُّ

ص: 30

بْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ.

وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي سُكَيْنَةَ - رَجُلٍ مِنَ الْمُحَرَّرِينَ - عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، عَرَضَتْ لَهُمْ صَخْرَةٌ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَفْرِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، وَوَضَعَ رِدَاءَهُ نَاحِيَةَ الْخَنْدَقِ، وَقَالَ:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 115](الْأَنْعَامِ: 115) فَنَدَرَ ثُلُثُ الْحَجَرِ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَائِمٌ يَنْظُرُ، فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بُرْقَةٌ ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، وَقَالَ:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 115] فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْآخَرُ، وَبَرَقَتْ بُرْقَةٌ فَرَآهَا سَلْمَانُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 115] فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْبَاقِي، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ لَا تَضْرِبُ إِلَّا كَانَتْ مَعَهَا بُرْقَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" يَا سَلْمَانُ، رَأَيْتَ ذَلِكَ؟ ". قَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَإِنِّي حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الْأُولَى رُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَا حَوْلَهَا وَمَدَائِنُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنِي " فَقَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ

ص: 31

يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا ذَرَارِيَّهُمْ، وَنُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ، فَدَعَا بِذَلِكَ، قَالَ:" ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ، فُرِفَعَتْ لِي مَدَائِنُ قَيْصَرَ وَمَا حَوْلَهَا، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنِي " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا ذَرَارِيَّهُمْ، وَنُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ. فَدَعَا، ثُمَّ قَالَ:" ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّالِثَةَ، فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ الْحَبَشَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنِي " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " دَعُوُا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ، وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ» هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا، وَإِنَّمَا رَوَى مِنْهُ أَبُو دَاوُدَ: «دَعُوُا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ، وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ ".» عَنْ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيِّ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، بِهِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَزَمَانِ عُثْمَانَ وَمَا بَعْدَهُ: افْتَتِحُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، مَا افْتَتَحْتُمْ مِنْ مَدِينَةٍ وَلَا تَفْتَحُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا وَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مَفَاتِيحَهَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَهَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، وَقَدْ وُصِلَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ

ص: 32

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي» وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُنْفَرِدًا بِهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَسَعْدِ بْنِ عُفَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ، بِهِ، وَعِنْدَهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَتُلَّتْ فِي يَدِي» وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ. وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « (إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ؛ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا) » .

ص: 33