الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
، فَلَمَّا ذَهَبَ النَّاسُ اسْتَأْذَنَ عَلِيٌّ أَبَا بَكْرٍ، رضي الله عنهما، فِي أَنْ يُكَلِّمَ أَسْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنَ السِّتْرِ نَفَحَهُ رِيحُ طِيبِهَا، فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ، عَلَى وَجْهِ الْبَسْطِ: مَنِ الْقَائِلَةُ فِي شِعْرِهَا:
فَآلَيْتُ لَا تَنْفَكُّ نَفْسِي حَزِينَةً
…
عَلَيْكَ وَلَا يَنْفَكُّ جِلْدِيَ أَغْبَرَا
قَالَتْ: دَعْنَا مِنْكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ، فَإِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ دُعَابَةٌ. فَوَلَدَتْ لِلصِّدِّيقِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَلَدَتْهُ بِالشَّجَرَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاهِبٌ إِلَى حِجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ، وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ الصِّدِّيقُ، تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، رضي الله عنه وَعَنْهَا وَعَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
[اسْتِقْبَالُ رَسُولِ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ]
فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ رَسُولِ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:«فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ تَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ، قَالَ: وَلَقِيَهُمُ الصِّبْيَانُ يَشْتَدُّونَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابَّةٍ، فَقَالَ: " خُذُوا الصِّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ ". فَأُتِيَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: وَجَعَلَ النَّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التُّرَابِ وَيَقُولُونَ: يَا فُرَّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَيْسُوا بِالْفُرَّارِ، وَلَكِنَّهُمُ الْكُرَّارُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» وَهَذَا مُرْسَلٌ
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِالصِّبْيَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ. قَالَ: فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ، إِمَّا حَسَنٌ وَإِمَّا حُسَيْنٌ، فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ» وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ مُوَرِّقٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَارَةَ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ:«لَوْ رَأَيْتَنِي وَقُثَمَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيِ الْعَبَّاسِ وَنَحْنُ صِبْيَانٌ نَلْعَبُ، إِذْ مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى دَابَّةٍ فَقَالَ: " ارْفَعُوا هَذَا إِلَيَّ ". فَحَمَلَنِي أَمَامَهُ وَقَالَ لِقُثَمَ: " ارْفَعُوا هَذَا إِلَيَّ ". فَجَعَلَهُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحَبَّ إِلَى عَبَّاسٍ مِنْ قُثَمَ، فَمَا اسْتَحَى مِنْ عَمِّهِ أَنْ حَمَلَ قُثَمَ وَتَرَكَهُ. قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا. وَقَالَ كُلَّمَا مَسَحَ: " اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي وَلَدِهِ» قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ: مَا فَعَلَ قُثَمُ؟ قَالَ: اسْتُشْهِدَ. قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ. قَالَ: أَجَلْ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي " الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهِ
وَهَذَا كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَإِنَّ الْعَبَّاسَ إِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:«قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ» .
هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْمُسْنَدِ، وَكَأَنَّهُ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ، فَإِنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَصَوَابُهُ:«قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ» . وَبِهَذَا اللَّفْظِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَهَذَا يُعَدُّ مِنَ الْأَجْوِبَةِ الْمُسْكِتَةِ، وَيُرْوَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَجَابَ بِهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَيْضًا، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ قِصَّةٌ أُخْرَى كَانَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ، كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.