الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ]
فَصْلٌ (فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ)
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ - أَوْ هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» .
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: «اهْجُ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ» وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رحمه الله: وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ - قُلْتُ: وَذَلِكَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ -:
وَمُشْفِقَةٍ تَظُنُّ بِنَا الظُّنُونَا
…
وَقَدْ قُدْنَا عَرَنْدَسَةً طَحُونًا
كَأَنَّ زُهَاءَهَا أُحُدٌ إِذَا مَا بَدَتْ أَرْكَانُهُ لِلنَّاظِرِينَا
تَرَى الْأَبْدَانَ فِيهَا مُسْبِغَاتٍ
…
عَلَى الْأَبْطَالِ وَالْيَلَبِ الْحَصِينَا
وَجُرْدًا كَالْقِدَاحِ مُسَوَّمَاتٍ
…
نَؤُمُّ بِهَا الْغُوَاةَ الْخَاطِئِينَا
كَأَنَّهُمُ إِذَا صَالُوا وَصُلْنَا
…
بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ مُصَافِحُونَا
أُنَاسٌ لَا نَرَى فِيهِمْ رَشِيدًا
…
وَقَدْ قَالُوا أَلَسْنَا رَاشِدِينَا
فَأَحْجَرْنَاهُمُ شَهْرًا كَرِيتًا
…
وَكُنَّا فَوْقَهُمْ كَالْقَاهِرِينَا
نُرَاوِحُهُمْ وَنَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ
…
عَلَيْهِمْ فِي السِّلَاحِ مُدَجَّجِينَا
بِأَيْدِينَا صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ
…
نَقُدُّ بِهَا الْمَفَارِقَ وَالشُّئُونَا
كَأَنَّ وَمِيضَهُنَّ مُعَرَّيَاتٍ
…
إِذَا لَاحَتْ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا
وَمِيضُ عَقِيقَةٍ لَمَعَتْ بِلَيْلٍ
…
تَرَى فِيهَا الْعَقَائِقَ مُسْتَبِينَا
فَلَوْلَا خَنْدَقٌ كَانُوا لَدَيْهِ
لَدَمَّرْنَا عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَا
…
وَلَكِنْ حَالَ دُونَهُمُ وَكَانُوا
بِهِ مِنْ خَوْفِنَا مُتَعَوِّذِينَا
…
فَإِنْ نَرْحَلْ فَإِنَّا قَدْ تَرَكْنَا
لَدَى أَبْيَاتِكُمْ سَعْدًا رَهِينَا
…
إِذَا جَنَّ الظَّلَامُ سَمِعْتَ نَوْحَى
عَلَى سَعْدٍ يُرَجِّعْنَ الْحَنِينَا
…
وَسَوْفَ نَزُورُكُمْ عَمَّا قَرِيبٍ
كَمَا زُرْنَاكُمُ مُتَوَازِرِينَا
…
بِجَمْعٍ مِنْ كِنَانَةَ غَيْرِ عُزْلٍ
كَأُسْدِ الْغَابِ إِذْ حَمَتِ الْعَرِينَا
قَالَ: فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، رضي الله عنه، فَقَالَ:
وَسَائِلَةٍ تُسَائِلُ مَا لَقِيَنَا
…
وَلَوْ شَهِدَتْ رَأَتْنَا صَابِرِينَا
صَبَرْنَا لَا نَرَى لِلَّهِ عِدْلًا
…
عَلَى مَا نَابَنَا مُتَوَكِّلِينَا
وَكَانَ لَنَا النَّبِيُّ وَزِيرَ صِدْقٍ
…
بِهِ نَعْلُو الْبَرِيَّةَ أَجْمَعِينَا
نُقَاتِلُ مَعْشَرًا ظَلَمُوا وَعَقُّوا
…
وَكَانُوا بِالْعَدَاوَةِ مُرْصِدِينَا
نُعَالِجُهُمْ إِذَا نَهَضُوا إِلَيْنَا
…
بِضَرْبٍ يُعْجِلُ الْمُتَسَرِّعِينَا
تَرَانَا فِي فَضَافِضَ سَابِغَاتٍ
…
كَغُدْرَانِ الْمَلَا مُتَسَرْبِلِينَا
وَفِي أَيْمَانِنَا بِيضٌ خِفَافٌ
…
بِهَا نَشْفِي مِرَاحَ الشَّاغِبِينَا
بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ كَأَنَّ أُسْدًا
…
شَوَابِكُهُنَّ يَحْمِينَ الْعَرِينَا
فَوَارِسُنَا إِذَا بَكَرُوا وَرَاحُوا
…
عَلَى الْأَعْدَاءِ شُوسًا مُعْلِمِينَا
لِنَنْصُرَ أَحَمَدًا وَاللَّهَ حَتَّى
…
نَكُونَ عِبَادَ صِدْقٍ مُخْلِصِينَا
وَيَعْلَمَ أَهْلُ مَكَّةَ حِينَ سَارُوا
…
وَأَحْزَابٌ أَتَوْا مُتَحَزِّبِينَا
بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ
…
وَأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَا
فَإِمَّا تَقْتُلُوا سَعْدًا سَفَاهًا
…
فَإِنَّ اللَّهَ خَيْرُ الْقَادِرِينَا
سَيُدْخِلُهُ جِنَانًا طَيِّبَاتٍ
…
تَكُونُ مُقَامَةً لِلصَّالِحِينَا
كَمَا قَدْ رَدَّكُمْ فَلًّا شَرِيدًا
…
بِغَيْظِكُمُ خَزَايَا خَائِبِينَا
خَزَايَا لَمْ تَنَالُوا ثَمَّ خَيْرًا
…
وَكِدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا دَامِرِينَا
بِرِيحٍ عَاصِفٍ هَبَّتْ عَلَيْكُمْ
…
فَكُنْتُمْ تَحْتَهَا مُتَكَمِّهِينَا
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ قُلْتُ - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ -:
حَيِّ الدِّيَارَ مَحَا مَعَارِفَ رَسْمِهَا
…
طُولُ الْبِلَى وَتَرَاوُحُ الْأَحْقَابِ
فَكَأَنَّمَا كَتَبَ الْيَهُودُ رُسُومَهَا
…
إِلَّا الْكَنِيفَ وَمَعْقِدَ الْأَطْنَابِ
قَفْرًا كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَلْهُو بِهَا
…
فِي نِعْمَةٍ بِأَوَانِسٍ أَتْرَابِ
فَاتْرُكْ تَذَكُّرَ مَا مَضَى مِنْ عِيشَةٍ
…
وَمَحَلَّةٍ خَلَقِ الْمُقَامِ يَبَابِ
وَاذْكُرْ بَلَاءَ مَعَاشِرٍ وَاشْكُرْهُمُ
…
سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ مَنِ الْأَنْصَابِ
أَنْصَابِ مَكَّةَ عَامِدِينَ لِيَثْرِبَ
…
فِي ذِي غَيَاطِلَ جَحْفَلٍ جَبْجَابِ
يَدَعُ الْحُزُونَ مَنَاهِجًا مَعْلُومَةً
…
فِي كُلِّ نَشْزٍ ظَاهِرٍ وَشِعَابِ
فِيهَا الْجِيَادُ شَوَازِبٌ مَجْنُوبَةٌ
…
قُبُّ الْبُطُونِ لَوَاحِقُ الْأَقْرَابِ
مِنْ كُلِّ سَلْهَبَةٍ وَأَجْرَدَ سَلْهَبٍ
…
كَالسِّيدِ بَادَرَ غَفْلَةَ الرُّقَّابِ
جَيْشٌ عُيَيْنَةُ قَاصِدٌ بِلِوَائِهِ
…
فِيهِ وَصَخْرٌ قَائِدُ الْأَحْزَابِ
قَرْمَانِ كَالْبَدْرَيْنِ أَصْبَحَ فِيهِمَا
…
غَيْثُ الْفَقِيرِ وَمَعْقِلُ الْهُرَّابِ
حَتَّى إِذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَدَوْا
…
لِلْمَوْتِ كُلَّ مُجَرَّبٍ قَضَّابِ
شَهْرًا وَعَشْرًا قَاهِرِينَ مُحَمَّدًا
…
وَصِحَابَهُ فِي الْحَرْبِ خَيْرُ صِحَابِ
نَادَوْا بِرِحْلَتِهِمْ صَبِيحَةَ قُلْتُمُ
…
كِدْنَا نَكُونُ بِهَا مَعَ الْخُيَّابِ
لَوْلَا الْخَنَادِقُ غَادَرُوا مِنْ جَمْعِهِمْ
…
قَتْلَى لِطَيْرٍ سُغَّبٍ وَذِئَابِ
قَالَ: فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، رضي الله عنه، فَقَالَ:
هَلْ رَسْمُ دَارِسَةِ الْمُقَامِ يَبَابِ
…
مُتَكَلِّمٌ لِمُحَاوِرٍ بِجَوَابِ
قَفْرٌ عَفَا رِهَمُ السَّحَابِ رُسُومَهُ
…
وَهُبُوبُ كُلِّ مُطِلَّةٍ مِرْبَابِ
وَلَقَدْ رَأَيْتُ بِهَا الْحُلُولَ يُزِينُهُمْ
…
بِيضُ الْوُجُوهِ ثَوَاقِبُ الْأَحْسَابِ
فَدَعِي الدِّيَارَ وَذِكْرَ كُلِّ خَرِيدَةٍ
…
بَيْضَاءَ آنِسَةِ الْحَدِيثِ كَعَابِ
وَاشْكُ الْهُمُومَ إِلَى الْإِلَهِ وَمَا تَرَى
…
مِنْ مَعْشَرٍ ظَلَمُوا الرَّسُولَ غِضَابِ
سَارُوا بِجَمْعِهِمُ إِلَيْهِ وَأَلَّبُوا
…
أَهْلَ الْقُرَى وَبِوَادِيَ الْأَعْرَابِ
جَيْشٌ عُيَيْنَةُ وَابْنُ حَرْبٍ فِيهِمُ
…
مُتَخَمِّطُونَ بِحَلْبَةِ الْأَحْزَابِ
حَتَّى إِذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَجَوْا
…
قَتْلَ الرَّسُولِ وَمَغْنَمَ الْأَسْلَابِ
وَغَدَوْا عَلَيْنَا قَادِرِينَ بِأَيْدِهِمْ
…
رُدُّوا بِغَيْظِهِمُ عَلَى الْأَعْقَابِ
بِهُبُوبِ مُعْصِفَةٍ تُفَرِّقُ جَمْعَهُمْ
…
وَجُنُودِ رَبِّكَ سَيِّدِ الْأَرْبَابِ
فَكَفَى الْإِلَهُ الْمُؤْمِنِينَ قِتَالَهُمْ
…
وَأَثَابَهُمْ فِي الْأَجْرِ خَيْرَ ثَوَابِ
مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا فَفَرَّقَ جَمْعَهُمْ
…
تَنْزِيلُ نَصْرِ مَلِيكِنَا الْوَهَّابِ
وَأَقَرَّ عَيْنَ مُحَمَّدٍ وَصِحَابِهِ
…
وَأَذَلَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ مُرْتَابِ
عَاتِي الْفُؤَادِ مُوَقَّعٍ ذِي رِيبَةٍ
…
فِي الْكُفْرِ لَيْسَ بِطَاهِرِ الْأَثْوَابِ
عَلِقَ الشَّقَاءُ بِقَلْبِهِ فَفُؤَادُهُ
…
فِي الْكُفْرِ آخِرَ هَذِهِ الْأَحْقَابِ
قَالَ: وَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، رضي الله عنه، أَيْضًا فَقَالَ:
أَبْقَى لَنَا حَدَثُ الْحُرُوبِ بَقِيَّةً
…
مِنْ خَيْرِ نِحْلَةِ رَبِّنَا الْوَهَّابِ
.. بَيْضَاءَ مُشْرِفَةِ الذُّرَى وَمَعَاطِنًا
حُمَّ الْجُذُوعِ غَزِيرَةَ الْأَحْلَابِ
…
كَاللُّوبِ يُبْذَلُ جَمُّهَا وَحَفِيلُهَا
لِلْجَارِ وَابْنِ الْعَمِّ وَالْمُنْتَابِ
…
وَنَزَائِعًا مِثْلَ السِّرَاحِ نَمَى بِهَا
عَلَفُ الشَّعِيرِ وَجَزَّةُ الْمِقْضَابِ
…
عَرِيَ الشَّوَى مِنْهَا وَأَرْدَفَ نَحْضَهَا
جُرْدَ الْمُتُونِ وَسَائِرِ الْآرَابِ
…
قَوْدًا تَرَاحُ إِلَى الصِّيَاحِ إِذَا غَدَتْ
فِعْلَ الضِّرَاءِ تَرَاحُ لِلْكَلَّابِ
…
وَتَحُوطُ سَائِمَةَ الدِّيَارِ وَتَارَةً
تُرْدِي الْعِدَا وَتَئُوبُ بِالْأَسْلَابِ
…
حُوشَ الْوُحُوشِ مُطَارَةً عِنْدَ الْوَغَى
عُبْسَ اللِّقَاءِ مُبِينَةَ الْإِنْجَابِ
…
عُلِفَتْ عَلَى دَعَةٍ فَصَارَتْ بُدَّنًا
دُخْسَ الْبَضِيعِ خَفِيفَةَ الْأَقْصَابِ
…
.. يَغْدُونَ بِالزَّغْفِ الْمُضَاعَفِ شَكُّهُ
وَبِمُتْرَصَاتٍ فِي الثِّقَافِ صِيَابِ
…
وَصَوَارِمٍ نَزَعَ الصَّيَاقِلُ عَلْبَهَا
وَبِكُلِّ أَرْوَعَ مَاجِدِ الْأَنْسَابِ
…
يَصِلُ الْيَمِينَ بِمَارِنٍ مُتَقَارِبٍ
وُكِلَتْ وَقِيعَتُهُ إِلَى خَبَّابِ
…
وَأَغَرَّ أَزْرَقَ فِي الْقَنَاةِ كَأَنَّهُ
فِي طُخْيَةِ الظَّلْمَاءِ ضَوْءُ شِهَابِ
…
وَكَتِيبَةٍ يَنْفِي الْقِرَانَ قَتِيرُهَا
وَتَرُدُّ حَدَّ قَوَاحِزِ النُّشَّابِ
…
جَأْوَى مُلَمْلِمَةٍ كَأَنَّ رِمَاحَهَا
فِي كُلِّ مَجْمَعَةٍ ضَرِيمَةُ غَابِ
…
تَأْوِي إِلَى ظِلِّ اللِّوَاءِ كَأَنَّهُ
فِي صَعْدَةِ الْخَطِّيِّ فَيْءُ عُقَابِ
…
أَعْيَتْ أَبَا كَرْبٍ وَأَعْيَتْ تُبَّعًا
وَأَبَتْ بَسَالَتُهَا عَلَى الْأَعْرَابِ
…
.. وَمَوَاعِظٌ مِنْ رَبِّنَا نُهْدَى بِهَا
بِلِسَانِ أَزْهَرَ طَيِّبِ الْأَثْوَابِ
…
عُرِضَتْ عَلَيْنَا فَاشْتَهَيْنَا ذِكْرَهَا
مِنْ بَعْدِ مَا عُرِضَتْ عَلَى الْأَحْزَابِ
…
حِكَمًا يَرَاهَا الْمُجْرِمُونَ بِزَعْمِهِمْ
حَرَجًا وَيَفْهَمُهَا ذَوُو الْأَلْبَابِ
…
جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبَّهَا
. فَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ لَمَّا سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْبَيْتَ:«لَقَدْ شَكَرَكَ اللَّهُ يَا كَعْبُ عَلَى قَوْلِكَ هَذَا» .
قُلْتُ: وَمُرَادُهُ بِسَخِينَةَ قُرَيْشٌ، وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِمْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَكْلِهِمُ الطَّعَامَ السُّخْنَ، الَّذِي لَا يَتَهَيَّأُ لِغَيْرِهِمْ غَالِبًا مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا:
مَنْ سَرَّهُ ضَرْبٌ يُمَعْمِعُ بَعْضُهُ
…
بَعْضًا كَمَعْمَعَةِ الْأَبَاءِ الْمُحْرَقِ
فَلْيَأْتِ مَأْسَدَةً تَسُنُّ سُيُوفَهَا
…
بَيْنَ الْمَذَادِ وَبَيْنَ جِزْعِ الْخَنْدَقِ
دَرِبُوا بِضَرْبِ الْمُعْلِمِينَ وَأَسْلَمُوا
…
مُهَجَاتِ أَنْفُسِهِمْ لِرَبِّ الْمَشْرِقِ
فِي عُصْبَةٍ نَصَرَ الْإِلَهُ نَبِيَّهُ
…
بِهَمُ وَكَانَ بِعَبْدِهِ ذَا مَرْفَقِ
فِي كُلِّ سَابِغَةٍ يَحُطُّ فُضُولُهَا
…
كَالنَّهْيِ هَبَّتْ رِيحُهُ الْمُتَرَقْرِقِ
بَيْضَاءَ مُحْكَمَةً كَأَنَّ قَتِيرَهَا
…
حَدَقُ الْجَنَادِبِ ذَاتَ شَكٍّ مُوثَقِ
جَدْلَاءَ يَحْفِزُهَا نِجَادُ مُهَنَّدٍ
…
صَافِي الْحَدِيدَةِ صَارِمٍ ذِي رَوْنَقِ
تِلْكُمْ مَعَ التَّقْوَى تَكُونُ لِبَاسَنَا
…
يَوْمَ الْهِيَاجِ وَكُلَّ سَاعَةِ مَصْدَقِ
نَصِلُ السُّيُوفَ إِذَا قَصَرْنَ بِخَطْوِنَا
…
قُدُمًا وَنُلْحِقُهَا إِذَا لَمْ تَلْحَقِ
فَتَرَى الْجَمَاجِمَ ضَاحِيًا هَامَاتُهَا
…
بَلْهَ الْأَكُفَّ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقِ
نَلْقَى الْعَدُوَّ بِفَخْمَةٍ مَلْمُومَةٍ
…
تَنْفِي الْجُمُوعَ كَقَصْدِ رَأَسِ الْمُشْرِقِ
.. وَنُعِدُّ لِلْأَعْدَاءِ كُلَّ مُقَلَّصٍ
وَرْدٍ وَمَحْجُولِ الْقَوَائِمِ أَبْلَقِ
…
تَرْدِي بِفُرْسَانٍ كَأَنَّ كُمَاتَهُمْ
عِنْدَ الْهِيَاجِ أُسُودُ طَلٍّ مُلْثِقِ
…
صُدُقٍ يُعَاطُونَ الْكُمَاةَ حُتُوفَهُمْ
تَحْتَ الْعَمَايَةِ بِالْوَشِيجِ الْمُزْهِقِ
…
أَمَرَ الْإِلَهُ بِرَبْطِهَا لِعَدُوِّهِ
فِي الْحَرْبِ إِنَّ اللَّهَ خَيْرُ مُوَفِّقِ
…
لِتَكُونَ غَيْظًا لِلْعَدُوِّ وَحُيَّطًا
لِلدَّارِ إِنْ دَلَفَتْ خُيُولُ النُّزَّقِ
…
وَيُعِينُنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ بِقُوَّةٍ
مِنْهُ وَصِدْقِ الصَّبْرِ سَاعَةَ نَلْتَقِي
…
وَنُطِيعُ أَمْرَ نَبِيِّنَا وَنُجِيبُهُ
وَإِذَا دَعَا لِكَرِيهَةٍ لَمْ نُسْبَقِ
…
وَمَتَى يُنَادِ إِلَى الشَّدَائِدِ نَأْتِهَا
وَمَتَى نَرَى الْحَوْمَاتِ فِيهَا نُعْنِقِ
…
مَنْ يَتَّبِعْ قَوْلَ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ
فَينَا مُطَاعُ الْأَمْرِ حَقُّ مُصَدَّقِ
…
فَبِذَاكَ يَنْصُرُنَا وَيُظْهِرُ عِزَّنَا
وَيُصِيبُنَا مِنْ نَيْلِ ذَاكَ بِمِرْفَقِ.
إِنَّ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا
…
كَفَرُوا وَضَلُّوا عَنْ سَبِيلِ الْمُتَّقِي
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا:
لَقَدْ عَلِمَ الْأَحْزَابُ حِينَ تَأَلَّبُوا
…
عَلَيْنَا وَرَامُوا دِينَنَا مَا نُوَادِعُ
أَضَامِيمُ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ أَصْفَقَتْ
…
وَخِنْدِفَ لَمْ يَدْرُوا بِمَا هُوَ وَاقِعُ
يَذُودُونَنَا عَنْ دِينِنَا وَنَذُودُهُمْ
…
عَنِ الْكُفْرِ وَالرَّحْمَنُ رَاءٍ وَسَامِعُ
إِذَا غَايَظُونَا فِي مَقَامٍ أَعَانَنَا
…
عَلَى غَيْظِهِمْ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَاسِعُ
وَذَلِكَ حِفْظُ اللَّهِ فِينَا وَفَضْلُهُ
…
عَلَيْنَا وَمَنْ لَمْ يَحْفَظِ اللَّهُ ضَائِعُ
هَدَانَا لِدِينِ الْحَقِّ وَاخْتَارَهُ لَنَا
…
وَلِلَّهِ فَوْقَ الصَّانِعِينَ صَنَائِعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. يَعْنِي طَوِيلَةً.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي مَقْتَلِ بَنِي قُرَيْظَةَ:
لَقَدْ لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ مَا سَآهَا
…
وَمَا وَجَدَتْ لِذُلٍّ مِنْ نَصِيرِ
أَصَابَهُمُ بَلَاءٌ كَانَ فِيهِ
…
سِوَى مَا قَدْ أَصَابَ بَنِي النَّضِيرِ
غَدَاةَ أَتَاهُمُ يَهْوِي إِلَيْهِمْ
…
رَسُولُ اللَّهِ كَالْقَمَرِ الْمُنِيرِ
لَهُ خَيْلٌ مُجَنَّبَةٌ تَعَادَى
…
بِفُرْسَانٍ عَلَيْهَا كَالصُّقُورِ
تَرَكْنَاهُمْ وَمَا ظَفِرُوا بِشَيْءٍ
…
دِمَاؤُهُمُ عَلَيْهَا كَالْعَبِيرِ
فَهُمْ صَرْعَى تَحُومُ الطَّيْرُ فِيهِمُ
…
كَذَاكَ يُدَانُ ذُو الْعِنْدِ الْفَجُورِ
فَأَنْذِرْ مِثْلَهَا نُصْحًا قُرَيْشًا
…
مِنَ الرَّحْمَنِ إِنْ قَبِلَتْ نَذِيرِي
قَالَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ:
تَفَاقَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا قُرَيْشًا
…
وَلَيْسَ لَهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ نَصِيرُ
هُمُ أُوتُوا الْكِتَابَ فَضَيَّعُوهُ
…
وَهُمْ عُمْيٌ مِنَ التَّوْرَاةِ بُورُ
كَفَرْتُمْ بِالْقُرَانِ وَقَدْ أُتِيتُمْ
…
بِتَصْدِيقِ الَّذِي قَالَ النَّذِيرُ
فَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ
…
حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ:
أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ
…
وَحَرَّقَ فِي طَوَائِفِهَا السَّعِيرُ
سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ
…
وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ
فَلَوْ كَانَ النَّخِيلُ بِهَا رِكَابًا
…
لَقَالُوا لَا مُقَامَ لَكُمْ فَسِيرُوا
قُلْتُ: وَهَذَا قَالَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " بَعْضُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ جَوَابَ حَسَّانَ فِي ذَلِكَ لِجَبَلِ بْنِ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيِّ، تَرَكْنَاهُ قَصْدًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَبْكِي سَعْدًا وَجَمَاعَةً مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ:
أَلَا يَا لَقَوْمِي هَلْ لِمَا حُمَّ دَافِعُ
…
وَهَلْ مَا مَضَى مِنْ صَالِحِ الْعَيْشِ رَاجِعُ
تَذَكَّرْتُ عَصْرًا قَدْ مَضَى فَتَهَافَتَتْ
…
بَنَاتُ الْحَشَا وَانْهَلَّ مِنِّي الْمَدَامِعُ
صَبَابَةُ وَجْدٍ ذَكَّرَتْنِيَ إِخْوَةً
…
وَقَتْلَى مَضَى فِيهَا طُفَيْلٌ وَرَافِعُ
وَسَعْدٌ فَأَضْحَوْا فِي الْجِنَانِ وَأَوْحَشَتْ
…
مَنَازِلُهُمْ فَالْأَرْضُ مِنْهُمْ بَلَاقِعُ
وَفَوْا يَوْمَ بَدْرٍ لِلرَّسُولِ وَفَوْقَهُمْ
…
ظِلَالُ الْمَنَايَا وَالسُّيُوفُ اللَّوَامِعُ
دَعَا فَأَجَابُوهُ بِحَقٍّ وَكُلُّهُمْ
…
مُطِيعٌ لَهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَسَامِعُ
فَمَا نَكَلُوا حَتَّى تَوَالَوْا جَمَاعَةً
…
وَلَا يَقْطَعُ الْآجَالَ إِلَّا الْمَصَارِعُ
لِأَنَّهُمُ يَرْجُونَ مِنْهُ شَفَاعَةً
…
إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا النَّبِيُّونَ شَافِعُ
فَذَلِكَ يَا خَيْرَ الْعِبَادِ بَلَاؤُنَا
…
إِجَابَتُنَا لِلَّهِ وَالْمَوْتُ نَاقِعُ
لَنَا الْقَدَمُ الْأُولَى إِلَيْكَ وَخَلْفُنَا
…
لِأَوَّلِنَا فِي مِلَّةِ اللَّهِ تَابِعُ
وَنَعْلَمُ أَنَّ الْمُلْكَ لِلَّهِ وَحْدَهُ
…
وَأَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ لَا بُدَّ وَاقِعُ