المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[غَزْوَةُ مُؤْتَةَ] ‌ ‌[وَقْتُهَا] وَهِيَ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فِي نَحْوٍ مَنْ ثَلَاثَةِ - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٦

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[مَوْقِفُ الْأَحْزَابِ بَعْدَ فَرَاغِ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْخَنْدَقِ]

- ‌[دُعَائُهُ عليه السلام عَلَى الْأَحْزَابِ]

- ‌[غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ]

- ‌[وَفَاةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ]

- ‌[فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ]

- ‌[مَقْتَلُ أَبِي رَافِعٍ]

- ‌[مَقْتَلُ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ ابْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَعَ النَّجَاشِيِّ بَعْدَ وَقْعَةِ الْخَنْدَقِ]

- ‌[تَزْوِيجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ حَبِيبَةَ]

- ‌[تَزْوِيجُهُ عليه السلام بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ]

- ‌[قِصَّةُ زَيْنَبَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ]

- ‌[نُزُولُ آيَةِ الْحِجَابِ]

- ‌[سَنَةُ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[غَزْوَةُ ذِي قَرَدَ]

- ‌[غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ]

- ‌[الْإِقْرَاعُ بَيْنَ نِسَاءِ الرَّسُولِ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ]

- ‌[قِصَّةُ الْإِفْكِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ]

- ‌[عُمْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[سِيَاقُ الْبُخَارِيِّ لِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ]

- ‌[السَّرَايَا وَالْبُعُوثُ الَّتِي كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فَى السَّنَةِ السَّادِسَةِ]

- ‌[سَنَةُ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[غَزْوَةُ خَيْبَرَ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[فَتْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُصُونَ خَيْبَرَ]

- ‌[قِصَّةُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ]

- ‌[حِصَارُ رَسُولِ اللَّهِ أَهْلَ خَيْبَرَ]

- ‌[فَتْحُ حُصُونِ خَيْبَرَ]

- ‌[مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ]

- ‌[ذِكْرُ قُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ]

- ‌[قِصَّةُ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ]

- ‌[قِصَّةُ مِدْعَمٍ وَنَوْمِ بِلَالٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ]

- ‌[مَنِ اسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَبَرُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ الْبَهْزِيِّ]

- ‌[مُرُورُهُ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْقُرَى وَمُحَاصَرَتُهُ قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ]

- ‌[مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ يَهُودَ خَيْبَرَ]

- ‌[سَرِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ]

- ‌[سَرِيَّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِلَى تُرْبَةٍ مِنْ أَرْضِ هَوَازِنَ]

- ‌[سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى يُسَيْرِ بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ]

- ‌[سَرِيَّةٌ أُخْرَى مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ]

- ‌[سَرِيَّةُ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى الْغَابَةِ]

- ‌[السَرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَ فِيهَا مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ عَامِرَ بْنَ الْأَضْبَطِ]

- ‌[سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ]

- ‌[عُمْرَةُ الْقَضَاءِ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[قِصَّةُ تَزْوِيجِهِ عليه الصلاة والسلام بِمَيْمُونَةَ]

- ‌[خُرُوجُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ]

- ‌[سَرِيَّةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ]

- ‌[رَدُّ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ]

- ‌[رَدُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ]

- ‌[سَنَةُ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[إِسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ]

- ‌[طَرِيقُ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ]

- ‌[سَرِيَّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الْأَسَدِيِّ إِلَى نَفَرٍ مِنْ هَوَازِنَ]

- ‌[سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى بَنِي قُضَاعَةَ]

- ‌[غَزْوَةُ مُؤْتَةَ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[إِخْبَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاسْتِشْهَادِ جَعْفَرٍ وَصَاحِبَيْهِ]

- ‌[اسْتِقْبَالُ رَسُولِ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ]

- ‌[فَضْلُ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم]

- ‌[مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[حَدِيثٌ فِيهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأُمَرَاءِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ]

- ‌[فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ]

- ‌[كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ وَكَتْبِهِ إِلَيْهِمْ]

- ‌[وَقْتُ إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ]

- ‌[إِرْسَالُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَلِكِ الْعَرَبِ مِنَ النَّصَارَى بِالشَّامِ]

- ‌[بَعْثُهُ إِلَى كِسْرَى مِلْكِ الْفُرْسِ]

- ‌[بَعْثُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُقَوْقِسِ]

- ‌[غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ]

- ‌[سَرِيَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ]

- ‌[دُخُولُ النَّبِيِّ مَكَّةَ]

- ‌[قِصَّةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ]

- ‌[مِيقَاتُ خُرُوجِ النَّبِيِّ]

- ‌[إِسْلَامُ الْعَبَّاسِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[نُزُولُ النَّبِيِّ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ]

- ‌[صِفَةُ دُخُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ]

- ‌[مَا قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ يَوْمَ الْفَتْحِ]

- ‌[بَعْثَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ]

- ‌[بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزَّى]

- ‌[مُدَّةُ إِقَامَتِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ]

- ‌[فِيمَا حَكَمَ بِهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ]

- ‌[مُبَايَعَةُ النَّبِيِّ النَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ]

الفصل: ‌ ‌[غَزْوَةُ مُؤْتَةَ] ‌ ‌[وَقْتُهَا] وَهِيَ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فِي نَحْوٍ مَنْ ثَلَاثَةِ

[غَزْوَةُ مُؤْتَةَ]

[وَقْتُهَا]

وَهِيَ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فِي نَحْوٍ مَنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، إِلَى الْبَلْقَاءِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ قِصَّةِ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ - وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجَّةَ الْمُشْرِكُونَ - وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ، وَبَعَثَ فِي جُمَادَى الْأُولَى بَعْثَهُ إِلَى الشَّامِ، الَّذِينَ أُصِيبُوا بِمُؤْتَةَ، فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثَهُ إِلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَقَالَ:«إِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَلَى النَّاسِ» . فَتَجَهَّزَ النَّاسُ ثُمَّ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «جَاءَ النُّعْمَانُ بْنُ فُنْحُصٍ الْيَهُودِيُّ، فَوَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 412

مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَمِيرُ النَّاسِ، فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ رَجُلًا، فَلْيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ ". فَقَالَ النُّعْمَانُ: أَبَا الْقَاسِمِ، إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا، فَلَوْ سَمَّيْتَ مَنْ سَمَّيْتَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، أُصِيبُوا جَمِيعًا، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا سَمَّوُا الرَّجُلَ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالُوا: إِنْ أُصِيبَ فُلَانٌ فَفُلَانٌ، فَلَوْ سَمَّوْا مِائَةً أُصِيبُوا جَمِيعًا. ثُمَّ جَعَلَ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ لِزَيْدٍ: اعْهَدْ فَإِنَّكَ لَا تَرْجِعُ أَبَدًا، إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا. فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ صَادِقٌ بَارٌّ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ، وَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا وُدِّعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَعَ مَنْ وُدِّعَ بَكَى، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا بِي حُبُّ الدُّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يَذْكُرُ فِيهَا النَّارَ:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71](مَرْيَمَ: 71)، فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ، وَرَدَّكُمْ إِلَيْنَا صَالِحِينَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:

لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً

وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا

ص: 413

أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً

بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا

حَتَّى يُقَالَ إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي

أَرْشَدَهُ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَدَّعَهُ ثُمَّ قَالَ:

فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ

تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا

إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً

اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي ثَابِتُ الْبَصَرِ

أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ

وَالْوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ الْقَوْمُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُشَيِّعُهُمْ، حَتَّى إِذَا وَدَّعَهُمْ وَانْصَرَفَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:

خَلَفَ السَّلَامُ عَلَى امْرِئٍ وَدَّعْتُهُ

فِي النَّخْلِ خَيْرِ مُشَيِّعٍ وَخَلِيلِ

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ

ص: 414

إِلَى مُؤْتَةَ فَاسْتَعْمَلَ زَيْدًا، فَإِنَّ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنَّ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَابْنُ رَوَاحَةَ، فَتَخَلَّفَ ابْنُ رَوَاحَةَ، فَجَمَّعَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَآهُ فَقَالَ:" مَا خَلَّفَكَ؟ " فَقَالَ: أُجَمِّعُ مَعَكَ. قَالَ: " لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .

وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ، فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَالَ: فَقَدِمَ أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: أَتَخَلَّفُ فَأُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ. قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَآهُ فَقَالَ: " مَا مَنَعَكَ أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِكَ؟ " قَالَ: فَقَالَ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ الْجُمُعَةَ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَدْرَكْتَ غَدْوَتَهُمْ» .

وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ - وَهُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ - ثُمَّ عَلَّلَهُ التِّرْمِذِيُّ بِمَا حَكَاهُ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْمَعِ الْحَكَمُ عَنْ مِقْسَمٍ إِلَّا خَمْسَةَ أَحَادِيثَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا.

قُلْتُ: وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فِي رِوَايَتِهِ نَظَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ خُرُوجَ الْأُمَرَاءِ إِلَى مُؤْتَةَ كَانَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 415

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى نَزَلُوا مَعَانٍ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَالْقَيْنِ وَبَهْرَاءَ وَبَلِيٍّ مِائَةُ أَلْفٍ مِنْهُمْ، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنَ بَلِيٍّ، ثُمَّ أَحَدُ إِرَاشَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ زَافِلَةَ - وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَبَلَغَهُمْ أَنَّ هِرَقْلَ نَزَلَ بِمَآبَ، فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ وَمِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُسْتَعْرِبَةِ. وَقِيلَ: كَانَ الرُّومُ مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَمَنْ عَدَاهُمْ خَمْسُونَ أَلْفًا. وَأَقَلُّ مَا قِيلَ: إِنَّ الرُّومَ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ، وَمِنَ الْعَرَبِ خَمْسُونَ أَلْفًا. حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ - فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانٍ لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَقَالُوا: نَكْتُبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُّونَا، فَإِمَّا أَنْ يَمُدَّنَا بِالرِّجَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَنَمْضِيَ لَهُ. قَالَ: فَشَجَّعَ النَّاسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَقَالَ: يَا قَوْمِ، وَاللَّهِ إِنَّ الَّتِي تَكْرَهُونَ لَلَّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ، الشَّهَادَةُ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلَا قُوَّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إِلَّا بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا ظُهُورٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ. قَالَ: فَقَالَ

ص: 416

النَّاسُ: قَدْ وَاللَّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ. فَمَضَى النَّاسُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي مَحْبِسِهِمْ ذَلِكَ:

جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ أَجَأٍ وَفَرْعٍ

تُغَرُّ مِنَ الْحَشِيشِ لَهَا الْعُكُومُ

حَذَوْنَاهَا مِنَ الصَّوَّانِ سِبْتًا

أَزَلَّ كَأَنَّ صَفْحَتَهُ أَدِيمُ

أَقَامَتْ لَيْلَتَيْنِ عَلَى

مَعَانٍ

فَأُعْقِبَ بَعْدَ فَتْرَتِهَا جُمُومُ

فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ مُسَوَّمَاتٌ

تَنَفَّسُ فِي مَنَاخِرِهَا السَّمُومُ

فَلَا وَأَبِي

مَآبَ لَنَأْتِيَنْهَا

وَإِنْ كَانَتْ بِهَا عَرَبٌ وَرُومُ

فَعَبَّأْنَا أَعِنَّتَهَا فَجَاءَتْ

عَوَابِسَ وَالْغُبَارُ لَهَا بَرِيمُ

بِذِي لَجَبٍ كَأَنَّ الْبِيضَ فِيهِ

إِذَا بَرَزَتْ قَوَانِسُهَا النُّجُومُ

ص: 417

فَرَاضِيَةُ الْمَعِيشَةِ طَلَّقَتْهَا

أَسِنَّتُنَا فَتَنْكِحُ أَوْ تَئِيمُ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ يَتِيمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي حِجْرِهِ، فَخَرَجَ بِي فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ، مُرْدِفِي عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَسِيرُ لَيْلَةً إِذْ سَمِعْتُهُ وَهُوَ يُنْشِدُ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ:

إِذَا أَدَّيْتِنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي

مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحِسَاءِ

فَشَأْنُكِ أَنْعُمٌ وَخَلَاكِ ذَمٌّ

وَلَا أَرْجِعْ إِلَى أَهْلِي وَرَائِي

وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي

بِأَرْضِ الشَّامِ مُشْتَهِيَ الثَّوَاءِ

وَرَدَّكَ كُلُّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ

إِلَى الرَّحْمَنِ مُنْقَطِعَ الْإِخَاءِ

هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ

وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءِ

ص: 418

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُنَّ مِنْهُ بَكَيْتُ، فَخَفَقَنِي بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: مَا عَلَيْكَ يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ الشَّهَادَةَ، وَتَرْجِعَ بَيْنَ شُعْبَتَيِ الرَّحْلِ؟! ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي بَعْضِ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:

يَا زَيْدُ زَيْدَ الْيَعْمَلَاتِ الذُّبَّلِ

تَطَاوَلَ اللَّيْلُ هُدِيتَ فَانْزِلِ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ جُمُوعُ هِرَقْلَ مِنَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ، بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا: مَشَارِفُ. ثُمَّ دَنَا الْعَدُوُّ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: مُؤْتَةُ. فَالتَقَى النَّاسُ عِنْدَهَا، فَتَعَبَّأَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ: قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ. وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: عَبَايَةُ بْنُ مَالِكٍ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْتُ مُؤْتَةَ، فَلَمَّا دَنَا مِنَّا الْمُشْرِكُونَ، رَأَيْنَا مَا لَا قِبَلَ لِأَحَدٍ بِهِ، مِنَ الْعُدَّةِ، وَالسِّلَاحِ، وَالْكُرَاعِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْحَرِيرِ، وَالذَّهَبِ، فَبَرِقَ بَصَرِي، فَقَالَ لِي ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كَأَنَّكَ تَرَى جُمُوعًا كَثِيرَةً! قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّكَ لَمْ تَشْهَدْ مَعَنَا بَدْرًا، إِنَّا لَمْ نُنْصَرْ بِالْكَثْرَةِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

ص: 419

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ الْتَقَى النَّاسُ فَاقْتَتَلُوا، فَقَاتَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ، فَقَاتَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ، اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ فَعَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ فَكَانَ جَعْفَرٌ أَوَّلَ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ثُمَّ عَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَقُولُ:

يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا

طَيِّبَةً وَبَارِدًا شَرَابُهَا

وَالرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا

كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا

عَلَيَّ إِنْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا

وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّعْرَ

ص: 420

وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ قَتْلَ الْحَيَوَانِ خَشْيَةَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ الْعَدُوُّ، كَمَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَغْنَامِ إِذَا لَمْ تَتْبَعْ فِي السَّيْرِ، وَيُخْشَى مِنْ لُحُوقِ الْعَدُوِّ لَهَا وَانْتِفَاعِهِمْ بِهَا، أَنَّهَا تُذْبَحُ وَتُحَرَّقُ، لِيُحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَى جَعْفَرٍ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ إِذَا خِيفَ أَخْذُ الْعَدُوِّ لَهُ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ عَبَثًا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ جَعْفَرًا أَخَذَ اللِّوَاءِ بِيَمِينِهِ فَقُطِعَتْ، فَأَخَذَهُ بِشَمَالِهِ فَقُطِعَتْ، فَاحْتَضَنَهُ بِعَضُدَيْهِ، حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَأَثَابَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ، وَيُقَالُ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الرُّومِ ضَرَبَهُ يَوْمَئِذٍ ضَرْبَةً فَقَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ، أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الرَّايَةَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ، وَيَتَرَدَّدُ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، ثُمَّ قَالَ:

أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ

لَتَنْزِلِنَّ أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ

ص: 421

إِنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا الرَّنَّهْ

مَا لِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ

قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ

هَلْ أَنْتِ إِلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ

وَقَالَ أَيْضًا:

يَا نَفْسُ إِنْ لَا تُقْتَلِي تَمُوتِي

هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيتِ

وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتِ

إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِ

يُرِيدُ صَاحِبَيْهِ، زَيْدًا وَجَعْفَرًا، ثُمَّ نَزَلَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ بِعَرْقٍ مِنْ لَحَمَ فَقَالَ: شُدَّ بِهَذَا صُلْبَكَ، فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيتَ فِي أَيَّامِكَ هَذِهِ مَا لَقِيتَ. فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ، فَانْتَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً، ثُمَّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ فَقَالَ: وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا؟! ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، رضي الله عنه. قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ. قَالُوا: أَنْتَ. قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ. فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ وَحَاشَى بِهِمْ، ثُمَّ انْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ حَتَّى انْصَرَفَ بِالنَّاسِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا أُصِيبَ الْقَوْمُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنِي

ص: 422

: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا ". قَالَ: ثُمَّ صَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ، ثُمَّ قَالَ: " ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا " ثُمَّ قَالَ: " لَقَدْ رُفِعُوا إِلَيَّ فِي الْجَنَّةِ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَيْتُ فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ، فَقُلْتُ: عَمَّ هَذَا؟ " فَقِيلَ لِي: مَضَيَا، وَتَرَدَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَعْضَ التَّرَدُّدِ ثُمَّ مَضَى» هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَذَا مُنْقَطِعًا.

وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: أَخْذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ - حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقَالَ فِيهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: " وَمَا

ص: 423

يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا ".

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - الْمَخْزُومِيُّ، وَلَيْسَ بِالْحِزَامِيِّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى، وَوَجَدْنَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ» . تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ - وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ اللَّيْثِيُّ - قَالَ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ قَتِيلٌ، فَعَدَدْتُ بِهِ

ص: 424

خَمْسِينَ، بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي دُبُرِهِ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ. وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، رضي الله عنهما اطَّلَعَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ، وَغَيْرَهُ اطَّلَعَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. أَوْ أَنَّ هَذِهِ فِي قُبُلِهِ أُصِيبَهَا قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ، فَلَمَّا صُرِعَ إِلَى الْأَرْضِ ضَرَبُوهُ أَيْضًا ضَرَبَاتٍ فِي ظَهْرِهِ، فَعَدَّ ابْنُ عُمَرَ مَا كَانَ فِي قُبُلِهِ وَهُوَ فِي وُجُوهِ الْأَعْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ، رضي الله عنه.

وَمِمَّا يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ مِنْ قَطْعِ يَمِينِهِ وَهِيَ مُمْسِكَةٌ اللِّوَاءَ، ثُمَّ شِمَالِهِ، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَيَّا ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا فِي الْمَنَاقِبِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ

ص: 425

ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، وَصَبَرَتْ فِي يَدِي صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، ثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ، فَغَشِيَهُ النَّاسُ، فَغَشِيتُهُ فِي مَنْ غَشِيَهُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ، فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَيْشَ الْأُمَرَاءِ، وَقَالَ:" عَلَيْكُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ". قَالَ: فَوَثَبَ جَعْفَرٌ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنْتُ أَرْهَبُ أَنْ تَسْتَعْمِلَ زَيْدًا عَلَيَّ. قَالَ:" امْضِ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّ ذَلِكَ خَيْرٌ " فَانْطَلَقُوا، فَلَبِثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ، فَأَمَرَ فَنُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " أُخْبِرُكُمْ عَنْ جَيْشِكُمْ هَذَا، إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَقُتِلَ زَيْدٌ شَهِيدًا - فَاسْتَغْفَرَ لَهُ - ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرٌ، فَشَدَّ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا - شَهِدَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ - ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَأَثْبَتَ قَدَمَيْهِ حَتَّى

ص: 426

قُتِلَ شَهِيدًا - فَاسْتَغْفَرَ لَهُ - ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأُمَرَاءِ، هُوَ أَمَّرَ نَفْسَهُ " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" اللَّهُمَّ إِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِكَ، فَأَنْتَ تَنْصُرُهُ ". فَمِنْ يَوْمَئِذٍ سُمِّيَ خَالِدٌ سَيْفَ اللَّهِ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ، بِهِ نَحْوَهُ. وَفِيهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ قَالَ: " ثَابَ خَبَرٌ، ثَابَ خَبَرٌ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عِمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ:«لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ بِمُؤْتَةَ، جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَشَفَ اللَّهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ، فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى مُعْتَرَكِهِمْ، فَقَالَ: " أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَجَاءَ الشَّيْطَانُ، فَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ، وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ، وَحَبَّبَ إِلَيْهِ الدُّنْيَا، فَقَالَ: الْآنَ حِينَ اسْتَحْكَمَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، تُحَبِّبُ إِلَيَّ الدُّنْيَا؟! فَمَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ " فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: " اسْتَغْفِرُوا لَهُ، فَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ يَسْعَى» .

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ،

ص: 427

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَمَّا قُتِلَ زَيْدٌ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَجَاءَهُ الشَّيْطَانُ، فَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَيَاةَ، وَكَرَّهَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ، وَمَنَّاهُ الدُّنْيَا، فَقَالَ: الْآنَ حِينَ اسْتَحْكَمَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ تُمَنِّينِي الدُّنْيَا؟! ثُمَّ مَضَى قُدُمًا حَتَّى اسْتُشْهِدَ ". فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: " اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُوَ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ، حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْجَنَّةِ " قَالَ: " ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ مُعْتَرَضًا " فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْصَارِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا اعْتَرَضَهُ؟ قَالَ: " لَمَّا أَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ نَكَلَ، فَعَاتَبَ نَفْسَهُ فَتَشَجَّعَ، وَاسْتُشْهِدَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ ". فَسُرِّيَ عَنْ قَوْمِهِ» .

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:«لَمَّا أَخَذَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّايَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» .

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ ابْنُ رَوَاحَةَ مَسَاءً، بَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، غَدَا وَقَدْ جَعَلَ مُقَدِّمَتَهُ سَاقَتَهُ، وَسَاقَتَهُ مُقَدِّمَتَهُ، وَمَيْمَنَتَهُ مَيْسَرَتَهُ. قَالَ: فَأَنْكَرُوا مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ رَايَاتِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، وَقَالُوا: قَدْ جَاءَهُمْ مَدَدٌ. فَرُعِبُوا وَانْكَشَفُوا مُنْهَزِمِينَ. قَالَ: فَقُتِلُوا مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلْهَا قَوْمٌ. وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ رحمه الله، فِي

ص: 428

" مَغَازِيهِ " فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ: ثُمَّ صَدَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَكَثَ بِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى مُؤْتَةَ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَقَالَ:«إِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُهُمْ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَمِيرُهُمْ» . فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا لَقُوا ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ الْغَسَّانِيَّ بِمُؤْتَةَ، وَبِهَا جُمُوعٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَالرُّومِ، بِهَا تَنُوخُ وَبَهْرَاءُ، فَأَغْلَقَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ الْحِصْنَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ خَرَجُوا فَالْتَقَوْا عَلَى [رَدْغٍ] أَحْمَرَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهُ جَعْفَرٌ فَقُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقُتِلَ، ثُمَّ اصْطَلَحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ، فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، وَأَظْهَرَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جُمَادَى الْأُولَى، يَعْنِي سَنَةَ ثَمَانٍ. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَرَّ عَلَيَّ جَعْفَرٌ فِي الْمَلَائِكَةِ، يَطِيرُ كَمَا يَطِيرُونَ، وَلَهُ جَنَاحَانِ " قَالَ: وَزَعَمُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَبَرِ أَهْلِ مُؤْتَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ شِئْتَ فَأَخْبِرْنِي، وَإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ ". قَالَ: أَخْبِرْنِي يَا

ص: 429

رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَهُمْ كُلَّهُ، وَوَصَفَهُ لَهُمْ. فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا تَرَكْتَ مِنْ حَدِيثِهِمْ حَرْفًا لَمْ تَذْكُرْهُ، وَإِنَّ أَمْرَهُمْ لَكَمَا ذَكَرْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ لِيَ الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مُعْتَرَكَهُمْ» .

فَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ فَوَائِدٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَتْ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، مِنْ أَنَّ خَالِدًا إِنَّمَا حَاشَى بِالْقَوْمِ، حَتَّى تَخَلَّصُوا مِنَ الرُّومِ وَعَرَبِ النَّصَارَى فَقَطْ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَالْوَاقِدِيُّ مُصَرِّحَانِ بِأَنَّهُمْ هَزَمُوا جُمُوعَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ الَّذِينَ مَعَهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:" «ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ وَمَالَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ، لِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْحَدِيثِ.

قُلْتُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَبَيْنِ قَوْلِ الْبَاقِينَ، وَهُوَ أَنَّ خَالِدًا لَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ حَاشَى بِالْقَوْمِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى خَلَّصَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْكَافِرِينَ مِنَ الرُّومِ وَالْمُسْتَعْرِبَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَحَوَّلَ الْجَيْشَ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً، وَمُقَدِّمَةً وَسَاقَةً، كَمَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ، تَوَهَّمَ الرُّومُ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ مَدَدٍ جَاءَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا حَمَلَ عَلَيْهِمْ خَالِدٌ، هَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 430

وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ، تَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ قَالَ: وَلَقِيَهُمُ الصِّبْيَانُ يَشْتَدُّونَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابَّةٍ، فَقَالَ:" خُذُوا الصِّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ، وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ ". فَأُتِي بِعَبْدِ اللَّهِ، فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: وَجَعَلَ النَّاسُ يَحْثُونَ عَلَيْهِمْ بِالتُّرَابِ وَيَقُولُونَ: يَا فُرَّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" «لَيْسُوا بِالْفُرَّارِ، وَلَكِنَّهُمُ الْكُرَّارُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» ". وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ. وَعِنْدِي أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ قَدْ وَهِمَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، فَظَنَّ أَنَّ هَذَا لِجُمْهُورِ الْجَيْشِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلَّذِينِ فَرُّوا حِينَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَأَمَّا بَقِيَّتُهُمْ فَلَمْ يَفِرُّوا، بَلْ نُصِرُوا، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فِي قَوْلِهِ:" «ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» ". فَمَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ لِيُسَمُّوهُمْ فُرَّارًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَلَقَّوْهُمْ، إِكْرَامًا لَهُمْ وَإِعْظَامًا، وَإِنَّمَا كَانَ التَّأْنِيبُ وَحَثْيُ التُّرَابِ لِلَّذِينِ فَرُّوا وَتَرَكُوهُمْ هُنَالِكَ، وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، رضي الله عنهما.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ

ص: 431

، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:«كُنْتُ فِي سَرِيَّةٍ مِنْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً، وَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ، فَقُلْنَا: كَيْفَ نَصْنَعُ وَقَدْ فَرَرْنَا مِنَ الزَّحْفِ وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ؟ ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَبِتْنَا. ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ كَانَتْ لَنَا تَوْبَةٌ، وَإِلَّا ذَهَبْنَا. فَأَتَيْنَاهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَخَرَجَ فَقَالَ: " مَنِ الْقَوْمُ؟ " قَالَ: فَقُلْنَا: نَحْنُ الْفَرَّارُونَ. فَقَالَ: " لَا، بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ، أَنَا فِئَتُكُمْ، وَأَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ ". قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ حَتَّى قَبَّلْنَا يَدَهُ» .

ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ غُنْدُرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَفَرَرْنَا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَرْكَبَ الْبَحْرَ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الْفَرَّارُونَ. فَقَالَ: " لَا، بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى وَأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا

ص: 432

شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ، فَلَمَّا لَقِينَا الْعَدُوَّ انْهَزَمْنَا فِي أَوَّلِ غَادِيَةٍ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي نَفَرٍ لَيْلًا فَاخْتَفَيْنَا، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ خَرَجْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاعْتَذَرْنَا إِلَيْهِ. فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، ثُمَّ لَقِينَاهُ قُلْنَا: نَحْنُ الْفَرَّارُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ، وَأَنَا فِئَتُكُمْ " قَالَ الْأَسْوَدُ: " وَأَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ» .

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ بَعْضِ آلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَهُمْ أَخْوَالُهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لِامْرَأَةِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: مَا لِي لَا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَتْ: مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ، كُلَّمَا خَرَجَ صَاحَ بِهِ النَّاسُ: يَا فُرَّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ ! حَتَّى قَعَدَ فِي بَيْتِهِ مَا يَخْرُجُ. وَكَانَ فِي غَزَاةِ مُؤْتَةَ.

قُلْتُ: لَعَلَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ فَرُّوا لَمَّا عَايَنُوا كَثْرَةَ جُمُوعِ الْعَدُوِّ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ، رضي الله عنهم، كَانُوا ثَلَاثَةَ

ص: 433

آلَافٍ، وَكَانَ الْعَدُوُّ - عَلَى مَا ذَكَرُوهُ - مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَمِثْلُ هَذَا يُسَوِّغُ الْفِرَارَ، عَلَى مَا قَدْ تَقَرَّرَ، فَلَمَّا فَرَّ هَؤُلَاءِ، ثَبَتَ بَاقِيهُمْ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَتَخَلَّصُوا مِنْ أَيْدِي أُولَئِكَ، وَقَتَّلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، كَمَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ مِنْ قَبْلِهِ.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيُشَاكِلُهُ بِالصِّحَّةِ، مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ سَيْفِهِ، فَنَحَرَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَزُورًا، فَسَأَلَهُ الْمَدَدِيُّ طَائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَاتَّخَذَهُ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ، وَمَضَيْنَا فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ، عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذَهَّبٌ وَسِلَاحٌ مُذَهَّبٌ، فَجَعَلَ الرُّومِيُّ يُغْرِي بِالْمُسْلِمِينَ، وَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ، فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ، فَخَرَّ وَعَلَاهُ، فَقَتَلَهُ، وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ

ص: 434

لِلْمُسْلِمِينَ، بَعَثَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَ مِنْهُ السَّلَبَ. قَالَ عَوْفٌ: فَأَتَيْتَهُ فَقُلْتُ: يَا خَالِدُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ. فَقُلْتُ: لَتَرُدَّنَّهُ إِلَيْهِ أَوْ لَأُعَرِّفَنَّكَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَ عَوْفٌ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّةَ الْمَدَدِيِّ وَمَا فَعَلَ خَالِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" يَا خَالِدُ، رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ ". قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ: دُونَكَ يَا خَالِدُ، أَلَمْ أَفِ لَكَ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" وَمَا ذَاكَ؟ " فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: " يَا خَالِدُ، لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي أُمَرَائِي، لَكُمْ صِفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ» قَالَ الْوَلِيدُ: سَأَلْتُ ثَوْرًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِي عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَوْفٍ بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، بِهِ نَحْوَهُ.

وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَنِمُوا مِنْهُمْ، وَسَلَبُوا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْ أُمَرَائِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ خَالِدًا، رضي الله عنه قَالَ: انْدَقَّتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، وَمَا ثَبَتَ فِي يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَثْخَنُوا فِيهِمْ قَتْلًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا قَدَرُوا عَلَى التَّخَلُّصِ

ص: 436

مِنْهُمْ، وَهَذَا وَحْدَهُ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَالْوَاقِدِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ، وَحَكَاهُ ابْنُ هِشَامٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، رحمه الله: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي فِرَارِهِمْ وَانْحِيَازِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ ظَهَرُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ انْهَزَمُوا قَالَ: وَحَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدٌ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ". يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِهِمْ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ قُطْبَةَ بْنَ قَتَادَةَ الْعُذْرِيَّ، وَكَانَ رَأْسَ مَيْمَنَةِ الْمُسْلِمِينَ، حَمَلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ زَافِلَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رَافِلَةُ. بِالرَّاءِ - وَهُوَ أَمِيرُ أَعْرَابِ النَّصَارَى، فَقَتَلَهُ، وَقَالَ يَفْتَخِرُ بِذَلِكَ:

طَعَنْتُ ابْنَ رَافِلَةَ بْنِ الْإِرَاشِ

بِرُمْحٍ مَضَى فِيهِ ثُمَّ انْحَطَمْ

ص: 436

ضَرَبْتُ عَلَى جِيدِهِ ضَرْبَةً

فَمَالَ كَمَا مَالَ غُصْنُ السَّلَمْ

وَسُقْنَا نِسَاءَ بَنِي عَمِّهِ

غَدَاةَ رَقُوقَيْنِ سَوْقَ النَّعَمْ

وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ أَمِيرِ الْجَيْشِ إِذَا قُتِلَ، أَنْ يَفِرَّ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ إِنَّهُ صَرَّحَ فِي شِعْرِهِ بِأَنَّهُمْ سَبَوْا مِنْ نِسَائِهِمْ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْمُخَاشَاةُ وَالتَّخَلُّصُ مِنْ أَيْدِي الرُّومِ، وَسَمَّى هَذَا نَصْرًا وَفَتْحًا، أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ إِحَاطَةِ الْعَدُوِّ بِهِمْ، وَتَرَاكُمِهِمْ وَتَكَاثُرِهِمْ وَتَكَاثُفِهِمْ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مُقْتَضَى الْعَادَةِ أَنْ يُصْطَلَمُوا بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَمَّا تَخَلَّصُوا مِنْهُمْ وَانْحَازُوا عَنْهُمْ، كَانَ هَذَا غَايَةَ الْمُرَامِ فِي هَذَا الْمُقَامِ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ، لَكِنَّهُ خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:" فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ".

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ يَسْتَدِلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَقَدْ قَالَ - فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، وَأَمْرِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَمُخَاشَاتِهِ بِالنَّاسِ وَانْصِرَافِهِ

ص: 437

بِهِمْ قَيْسُ بْنُ الْمُحَسَّرِ الْيَعْمُرِيُّ، يَعْتَذِرُ مِمَّا صَنَعَ يَوْمَئِذٍ وَصَنَعَ النَّاسُ:

فَوَاللَّهِ لَا تَنْفَكُّ نَفْسِي تَلُومُنِي

عَلَى مَوْقِفِي وَالْخَيْلُ قَابِعَةٌ قُبْلُ

وَقَفْتُ بِهَا لَا مُسْتَجِيرًا فَنَافِذًا

وَلَا مَانِعًا مَنْ كَانَ حُمَّ لَهُ الْقَتْلُ

عَلَى أَنَّنِي آسَيْتُ نَفْسِي بِخَالِدٍ

أَلَا خَالِدٌ فِي الْقَوْمِ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ

وَجَاشَتْ إِلَيَّ النَّفْسُ مِنْ نَحْوِ جَعْفَرٍ

بِمُؤْتَةَ إِذْ لَا يَنْفَعُ النَّابِلَ النَّبْلُ

وَضَمَّ إِلَيْنَا حُجْزَتَيْهِمْ كِلَيْهِمَا

مُهَاجِرَةٌ لَا مُشْرِكُونَ وَلَا عُزْلُ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَبَيَّنَ قَيْسٌ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فِي شِعْرِهِ، أَنَّ الْقَوْمَ حَاجَزُوا وَكَرِهُوا الْمَوْتَ، وَحَقَّقَ انْحِيَازَ خَالِدٍ بِمَنْ مَعَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ، فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ: أَمَّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

ص: 438