الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ وَكَتْبِهِ إِلَيْهِمْ]
[وَقْتُ إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ]
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ وَكَتْبِهِ إِلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ، إِلَى اللَّهِ عز وجل وَإِلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ
ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ ذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ فِي ذِي الْحِجَّةِ، بَعْدَ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْفَصْلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، بَعْدَ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ بَدْءَ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَبَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، لِقَوْلِ أَبِي سُفْيَانَ لِهِرَقْلَ حِينَ سَأَلَهُ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَقَالَ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي مَادَّ فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَوَفَاتِهِ، عليه الصلاة والسلام وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ هَاهُنَا، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ مُحْتَمَلًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ حَمَّادٍ الْمَعْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، عز وجل» ، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ، قَالَ: كُنَّا قَوْمًا تُجَّارًا، وَكَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ حَصَرَتْنَا حَتَّى نَهَكَتْ أَمْوَالَنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ - هُدْنَةُ الْحُدَيْبِيَةِ - بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ نَأْمَنْ أَنْ وَجَدْنَا أَمْنًا، فَخَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ مَعَ رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ بِمَكَّةَ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا إِلَّا وَقَدْ حَمَّلَنِي بِضَاعَةً، وَكَانَ وَجْهُ مَتْجَرِنَا مِنَ الشَّامِ غَزَّةَ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَاهَا، وَذَلِكَ حِينَ ظَهَرَ قَيْصَرُ صَاحِبُ الرُّومِ عَلَى مَنْ كَانَ فِي بِلَادِهِ مِنَ الْفُرْسِ، فَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ صَلِيبَهُ الْأَعْظَمَ، وَقَدْ كَانَ اسْتَلَبُوهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا أَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِحِمْصَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَخَرَجَ مِنْهَا يَمْشِي مُتَشَكِّرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
لِيُصَلِّيَ فِيهِ، تُبْسَطُ لَهُ الْبُسُطُ، وَتُطْرَحُ لَهُ عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى إِيلِيَاءَ فَصَلَّى بِهَا، فَأَصْبَحَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَهُوَ مَهْمُومٌ، يُقَلِّبُ طَرَفَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَتْ بِطَارِقَتُهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَقَدْ أَصْبَحْتَ مَهْمُومًا. فَقَالَ: أَجَلْ. فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: أُرِيتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَنَّ مَلِكَ الْخِتَانِ ظَاهِرٌ. فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ تَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودَ، وَهُمْ تَحْتَ يَدَيْكَ وَفِي سُلْطَانِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ هَذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُمْ، فَابْعَثْ فِي مَمْلَكَتِكَ كُلِّهَا، فَلَا يَبْقَى يَهُودِيٌّ إِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَتَسْتَرِيحُ مِنْ هَذَا الْهَمِّ، فَإِنَّهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِمْ يُدَبِّرُونَهُ، إِذْ أَتَاهُمْ رَسُولُ صَاحِبِ بُصْرَى بِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ وَقَعَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ أَهْلِ الشَّاءِ وَالْإِبِلِ، يُحَدِّثُكَ عَنْ حَدَثٍ كَانَ بِبِلَادِهِ، فَاسْأَلْهُ عَنْهُ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ، قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُ مَا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي كَانَ فِي بِلَادِهِ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ قُرَيْشٍ، خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدِ اتَّبَعَهُ أَقْوَامٌ وَخَالَفَهُ آخَرُونَ، وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَهُمْ مَلَاحِمُ فِي مَوَاطِنَ، فَخَرَجْتُ مِنْ بِلَادِي وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمَّا أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ قَالَ: جَرِّدُوهُ. فَإِذَا هُوَ مَخْتُونٌ، فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي قَدْ أُرِيتُ، لَا مَا تَقُولُونَ، أَعْطِهِ ثَوْبَهُ، انْطَلِقْ لِشَأْنِكَ. ثُمَّ إِنَّهُ دَعَا صَاحِبَ شُرْطَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: قَلِّبْ لِيَ الشَّامَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، حَتَّى تَأْتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِ هَذَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَأْنِهِ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَاللَّهِ إِنِّي وَأَصْحَابِي لَبِغَزَّةَ، إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا، فَسَأَلَنَا: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَسَاقَنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ قَطُّ أَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ الْأَغْلَفِ - يُرِيدُ هِرَقْلَ - قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ قَالَ:
أَيُّكُمْ أَمَسُّ بِهِ رَحِمًا؟ فَقُلْتُ: أَنَا. قَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي. قَالَ: فَأَجْلَسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي، فَأَجْلَسَهُمْ خَلَفِي، وَقَالَ: إِنْ كَذَبَ فَرُدُّوا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَقَدْ عَرَفْتُ أَنِّي لَوْ كَذِبْتُ مَا رَدُّوا عَلَيَّ، وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً سَيِّدًا، أَتَكَرَّمُ وَأَسْتَحِي مِنَ الْكَذِبِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ أَدْنَى مَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْوُوهُ عَنِّي، ثُمَّ يَتَحَدَّثُوا بِهِ عَنِّي بِمَكَّةَ، فَلَمْ أَكْذِبْهُ. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ. فَزَهَّدْتُ لَهُ شَأْنَهُ، وَصَغَّرْتُ لَهُ أَمْرَهُ، فَوَاللَّهِ مَا الْتَفَتَ إِلَى ذَلِكَ مِنِّي، وَقَالَ لِي: أَخْبِرْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِهِ. فَقُلْتُ: سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ؟ فَقَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ فَقُلْتُ: مَحْضًا، مِنْ أَوْسَطِنَا نَسَبًا. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَحَدٌ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَهُوَ يَتَشَبَّهُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ لَهُ مُلْكٌ فَاسْتَلَبْتُمُوهُ إِيَّاهُ، فَجَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِتَرُدُّوهُ عَلَيْهِ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَتْبَاعِهِ مَنْ هُمْ؟ فَقُلْتُ: الْأَحْدَاثُ وَالضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَأَمَّا أَشْرَافُهُمْ وَذَوُو الْأَسْنَانِ فَلَا. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَمَّنْ يَصْحَبُهُ، أَيُحِبُّهُ وَيَلْزَمُهُ، أَمْ يَقْلِيهِ وَيُفَارِقُهُ؟ قُلْتُ: قَلَّ مَا صَحِبَهُ رَجُلٌ فَفَارَقَهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ؟ فَقُلْتُ:
سِجَالٌ، يُدَالُ عَلَيْنَا وَنُدَالُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ يَغْدِرُ؟ فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَغُرُّهُ بِهِ إِلَّا هِيَ، قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ، وَلَا نَأْمَنُ غَدْرَهُ فِيهَا. فَوَاللَّهِ مَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا مِنِّي. قَالَ: فَأَعَادَ عَلَيَّ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: زَعَمْتَ أَنَّهُ مِنْ أَمْحَضِكُمْ نَسَبًا، وَكَذَلِكَ يَأْخُذُ اللَّهُ النَّبِيَّ إِذَا أَخَذَهُ، لَا يَأْخُذُهُ إِلَّا مِنْ أَوْسَطِ قَوْمِهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَحَدٌ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ فَهُوَ يَتَشَبَّهُ بِهِ، فَقُلْتَ: لَا. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ لَهُ مُلْكٌ فَاسْتَلَبْتُمُوهُ إِيَّاهُ، فَجَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِتَرُدُّوا عَلَيْهِ مُلْكَهُ، فَقُلْتَ: لَا. وَسَأَلْتُكُ عَنْ أَتْبَاعِهِ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُمُ الْأَحْدَاثُ وَالْمَسَاكِينُ وَالضُّعَفَاءُ، وَكَذَلِكَ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَسَأَلْتُكَ عَمَّنْ يَتَّبِعُهُ، أَيُحِبُّهُ وَيَلْزَمُهُ، أَمْ يَقْلِيهِ وَيُفَارِقُهُ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَصْحَبُهُ فَيُفَارِقُهُ، وَكَذَلِكَ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ، لَا تَدْخُلُ قَلْبًا فَتَخْرُجُ مِنْهُ، وَسَأَلْتُكَ كَيْفَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، فَزَعَمْتَ أَنَّهَا سِجَالٌ، يُدَالُ عَلَيْكُمْ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ تَكُونُ حَرْبُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَهُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ، فَلَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي، لَيَغْلِبَنَّ عَلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي عِنْدَهُ فَأَغْسِلُ عَنْ قَدَمَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: الْحَقْ بِشَأْنِكَ، قَالَ: فَقُمْتُ وَأَنَا أَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيَّ عَلَى الْأُخْرَى، وَأَقُولُ: يَا عِبَادَ اللَّهِ، لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ
أَبِي كَبْشَةَ! أَصْبَحَ مُلُوكُ بَنِي الْأَصْفَرِ يَخَافُونَهُ فِي سُلْطَانِهِمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسْقُفٌّ مِنَ النَّصَارَى، قَدْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَالَ: قَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ عَلَى هِرَقْلَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْأَكَّارِينَ عَلَيْكَ» قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ كِتَابُهُ وَقَرَأَهُ، أَخَذَهُ فَجَعَلَهُ بَيْنَ فَخِذِهِ وَخَاصِرَتِهِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ رُومِيَّةَ، كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْعِبْرَانِيَّةِ مَا يَقْرَأُ، يُخْبِرُهُ عَمَّا جَاءَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي يُنْتَظَرُ لَا شَكَّ فِيهِ، فَاتَّبِعْهُ. فَأَمَرَ بِعُظَمَاءِ الرُّومِ، فَجُمِعُوا لَهُ فِي دَسْكَرَةِ مُلْكِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَأُشْرِجَتْ عَلَيْهِمْ، وَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ عِلِّيَّةٍ لَهُ وَهُوَ مِنْهُمْ خَائِفٌ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُ أَحْمَدَ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِنَا، نَعْرِفُهُ بِعَلَامَاتِهِ وَزَمَانِهِ، فَأَسْلِمُوا وَاتَّبِعُوهُ تَسْلَمْ لَكُمْ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتُكُمْ. فَنَخَرُوا
نَخْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَابْتَدَرُوا أَبْوَابَ الدَّسْكَرَةِ فَوَجَدُوهَا مُغْلَقَةً دُونَهُمْ، فَخَافَهُمْ وَقَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ. فَرَدُّوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، إِنِّي إِنَّمَا قُلْتُ لَكُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَخْتَبِرُكُمْ بِهَا، لِأَنْظُرَ كَيْفَ صَلَابَتُكُمْ فِي دِينِكُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمْ مَا سَرَّنِي. فَوَقَعُوا لَهُ سُجَّدًا، ثُمَّ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ الدَّسْكَرَةِ فَخَرَجُوا.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ قِصَّةَ أَبِي سُفْيَانَ مَعَ هِرَقْلَ بِزِيَادَاتٍ أُخَرَ، أَحْبَبْنَا أَنْ نُورِدَهَا بِسَنَدِهَا وَحُرُوفِهَا مِنَ " الصَّحِيحِ " لِيُعْلَمَ مَا بَيْنَ السِّيَاقَيْنِ مِنَ التَّبَايُنِ، وَمَا فِيهِمَا مِنَ الْفَوَائِدِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ قَبْلَ الْإِيمَانِ مِنْ " صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مَنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِالتُّرْجُمَانِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا. قَالَ: أَدْنَوْهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ يَأْثِرُوا عَنِّي كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ
قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ. قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ. فَقَالَ لِلتُّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ: رَجُلٌ يَتَأَسَّى بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فَذَكَرْتُ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ
وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ، لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ، لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ. ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَ بِهِ مَعَ دِحْيَةَ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَإِذَا فِيهِ:«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ، وَ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] (آلِ عِمْرَانَ: 64) » قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ، وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ! إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ! فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ، حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ النَّاطُورِ -
صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ - سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّامِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ، قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ. قَالَ ابْنُ النَّاطُورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ، فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَائِنِ مُلْكِكَ فَلْيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ، أَتَى هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ. وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ. فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ. ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَّةَ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ، يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ، فَتُبَايِعُوا لِهَذَا النَّبِيِّ. فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمْرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الْإِيمَانِ قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ. وَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا
أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي " صَحِيحِهِ " بِأَلْفَاظٍ يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا. وَأَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ، إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُطَوَّلًا فِي أَوَّلِ شَرْحِنَا لِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَذَكَرْنَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالنُّكَتِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَبَلَغَ هِرَقْلَ شَأْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَا يُعْلَمُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِ الْعَرَبِ الَّذِي بِالشَّامِ فِي مُلْكِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِرِجَالٍ مِنَ الْعَرَبِ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِي كَنِيسَةِ إِيلِيَاءَ الَّتِي فِي جَوْفِهَا، فَقَالَ هِرَقْلُ: أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ لِتُخْبِرُونِي عَنْ هَذَا الَّذِي بِمَكَّةَ مَا أَمْرُهُ؟ قَالُوا: سَاحِرٌ كَذَّابٌ، وَلَيْسَ بِنَبِيٍّ. قَالَ: فَأَخْبِرُونِي بِأَعْلَمِكُمْ بِهِ وَأَقْرَبِكُمْ مِنْهُ رَحِمًا؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ عَمِّهِ،
وَقَدْ قَاتَلَهُ. فَلَمَّا أَخْبَرُوهُ ذَلِكَ، أَمَرَ بِهِمْ فَأُخْرِجُوا عَنْهُ، ثُمَّ أَجْلَسَ أَبَا سُفْيَانَ فَاسْتَخْبَرَهُ، قَالَ: أَخْبِرْنِي يَا أَبَا سُفْيَانَ، فَقَالَ: هُوَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ. فَقَالَ هِرَقْلُ: إِنِّي لَا أُرِيدُ شَتْمَهُ، وَلَكِنْ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ مِنْ بَيْتِ قُرَيْشٍ. قَالَ: كَيْفَ عَقْلُهُ وَرَأْيُهُ؟ قَالَ: لَمْ نَعِبْ لَهُ عَقْلًا وَلَا رَأْيًا قَطُّ. قَالَ هِرَقْلُ: هَلْ كَانَ حَلَّافًا كَذَّابًا مُخَادِعًا فِي أَمْرِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ كَذَلِكَ. قَالَ: لَعَلَّهُ يَطْلُبُ مُلْكًا أَوْ شَرَفًا كَانَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَبْلَهُ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَتَّبِعُهُ مِنْكُمْ هَلْ يَرْجِعُ إِلَيْكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ هِرَقْلُ: هَلْ يَغْدِرُ إِذَا عَاهَدَ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ يَغْدِرَ مُدَّتَهُ هَذِهِ. فَقَالَ هِرَقْلُ: وَمَا تَخَافُ مِنْ مُدَّتِهِ هَذِهِ؟ قَالَ: إِنَّ قَوْمِي أَمَدُّوا حُلَفَاءَهُمْ عَلَى حُلَفَائِهِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ هِرَقْلُ: إِنْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ بَدَأْتُمْ فَأَنْتُمْ أَغْدَرُ. فَغَضِبَ أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ: لَمْ يَغْلِبْنَا إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غَائِبٌ - وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ - ثُمَّ غَزَوْتُهُ مَرَّتَيْنِ فِي بُيُوتِهِمْ، نَبْقُرُ الْبُطُونَ، وَنُجَدِّعُ الْآذَانَ وَالْفُرُوجَ. فَقَالَ هِرَقْلُ: أَكَاذِبًا تَرَاهُ أَمْ صَادِقًا؟ فَقَالَ: بَلْ هُوَ كَاذِبٌ. فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِيكُمْ نَبِيٌّ، فَلَا تَقْتُلُوهُ، فَإِنَّ أَفْعَلَ النَّاسِ لِذَلِكَ الْيَهُودُ. ثُمَّ رَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ.
فَفِي هَذَا السِّيَاقِ غَرَابَةٌ، وَفِيهِ فَوَائِدُ لَيْسَتْ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَلَا الْبُخَارِيِّ. وَقَدْ أَوْرَدَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي " مَغَازِيهِ " قَرِيبًا مِمَّا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي " تَارِيخِهِ ": حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا سَلَمَةُ، ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لِدِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا، وَلَكِنِّي أَخَافُ الرُّومَ عَلَى نَفْسِي، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاتَّبَعْتُهُ، فَاذْهَبْ إِلَى ضَغَاطِرَ الْأُسْقُفِّ، فَاذْكُرْ لَهُ أَمْرَ صَاحِبِكُمْ، فَهُوَ وَاللَّهِ فِي الرُّومِ أَعْظَمُ مِنِّي، وَأَجْوَزُ قَوْلًا عِنْدَهُمْ مِنِّي، فَانْظُرْ مَاذَا يَقُولُ لَكَ؟ قَالَ: فَجَاءَهُ دِحْيَةُ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ، وَبِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، فَقَالَ ضَغَاطِرُ: صَاحِبُكَ وَاللَّهِ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ نَعْرِفُهُ بِصِفَتِهِ، وَنَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا بِاسْمِهِ ثُمَّ دَخَلَ وَأَلْقَى ثِيَابًا كَانَتْ عَلَيْهِ سُودًا، وَلَبِسَ ثِيَابًا بَيَاضًا، ثُمَّ أَخَذَ عَصَاهُ فَخَرَجَ عَلَى الرُّومِ فِي الْكَنِيسَةِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، إِنَّهُ قَدْ جَاءَنَا كِتَابٌ مِنْ أَحْمَدَ، يَدْعُونَا فِيهِ إِلَى اللَّهِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ أَحْمَدَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ. قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ دِحْيَةُ إِلَى هِرَقْلَ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، قَالَ: قَدْ قُلْتُ لَكَ: إِنَّا نَخَافُهُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا، فَضَغَاطِرُ وَاللَّهِ كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَهُمْ، وَأَجْوَزَ قَوْلًا مِنِّي.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى
قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ بِكِتَابٍ، فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنُوا لِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأُتِيَ قَيْصَرُ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَلَى الْبَابِ رَجُلًا يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ. فَفَزِعُوا لِذَلِكَ، وَقَالَ: أَدْخِلْهُ. فَأَدْخَلَنِي عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ:«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ» فَنَخَرَ ابْنُ أَخٍ لَهُ أَحْمَرُ أَزْرَقُ سَبِطٌ، فَقَالَ: لَا تَقْرَأِ الْكِتَابَ الْيَوْمَ، فَإِنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، وَكَتَبَ صَاحِبَ الرُّومِ، وَلَمْ يَكْتُبْ مَلِكَ الرُّومِ، قَالَ: فَقُرِئَ الْكِتَابُ حَتَّى فُرِغَ مِنْهُ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ، فَبَعَثَ إِلَى الْأُسْقُفِّ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِهِمْ، يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ وَعَنْ قَوْلِهِ، فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ الْأُسْقُفُّ: هُوَ وَاللَّهِ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ مُوسَى وَعِيسَى، الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ. قَالَ قَيْصَرُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ الْأُسْقُفُّ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي مُصَدِّقُهُ وَمُتَّبِعُهُ. فَقَالَ قَيْصَرُ: أَعْرِفُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ، إِنْ فَعَلْتُ ذَهَبَ مُلْكِي وَقَتَلَنِي الرُّومُ.
وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُدَمَاءِ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ هِرَقْلُ الْخُرُوجَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، لِمَا بَلَغَهُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ الرُّومَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، إِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ أُمُورًا، فَانْظُرُوا فِيمَا أَرَدْتُ بِهَا. قَالُوا: مَا هِيَ؟ قَالَ: تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، نَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا، نَعْرِفُهُ بِصِفَتِهِ الَّتِي وُصِفَ
لَنَا، فَهَلُمَّ فَلْنَتَّبِعْهُ، فَتَسْلَمَ لَنَا دُنْيَانَا وَآخِرَتُنَا. فَقَالُوا: نَحْنُ نَكُونُ تَحْتَ أَيْدِي الْعَرَبِ، وَنَحْنُ أَعْظَمُ النَّاسِ مُلْكًا، وَأَكْثَرُهُمْ رِجَالًا، وَأَقْصَاهُمْ بَلَدًا؟! قَالَ: فَهَلُمَّ أُعْطِيهِ الْجِزْيَةَ كُلَّ سَنَةٍ، أَكْسِرُ عَنِّي شَوْكَتَهُ، وَأَسْتَرِيحُ مِنْ حَرْبِهِ بِمَا أُعْطِيهِ إِيَّاهُ. قَالُوا: نَحْنُ نُعْطِي الْعَرَبَ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ بِخَرْجٍ يَأْخُذُونَهُ مِنَّا، وَنَحْنُ أَكْثَرُ النَّاسِ عَدَدًا، وَأَعْظَمُهُمْ مُلْكًا، وَأَمْنَعُهُمْ بَلَدًا؟! لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ هَذَا أَبَدًا. قَالَ: فَهَلُمَّ فَلْأُصَالِحْهُ عَلَى أَنْ أُعْطِيَهُ أَرْضَ سُورِيَةَ، وَيَدَعَنِي وَأَرْضَ الشَّامِ - قَالَ: وَكَانَتْ أَرْضُ سُورِيَةَ، فِلَسْطِينَ، وَالْأُرْدُنَّ، وَدِمَشْقَ، وَحِمْصَ، وَمَا دُونَ الدَّرْبِ مِنْ أَرْضِ سُورِيَةَ، وَمَا كَانَ وَرَاءَ الدَّرْبِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ الشَّامُ - فَقَالُوا: نَحْنُ نُعْطِيهِ أَرْضَ سُورِيَةَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهَا سُرَّةُ الشَّامِ؟ ! لَا نَفْعَلُ هَذَا أَبَدًا. فَلَمَّا أَبَوْا عَلَيْهِ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَتَوَدُّنَّ أَنَّكُمْ قَدْ ظَفِرْتُمْ، إِذَا امْتَنَعْتُمْ مِنْهُ فِي مَدِينَتِكُمْ. قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ عَلَى بَغْلٍ لَهُ فَانْطَلَقَ، حَتَّى إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الدَّرْبِ، اسْتَقْبَلَ أَرْضَ الشَّامِ، ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا أَرْضَ سُورِيَةَ تَسْلِيمَ الْوَدَاعِ. ثُمَّ رَكَضَ حَتَّى دَخَلَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.