الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا؟ قَالُوا: قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ:" إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ " ثُمَّ نَهَضُوا إِلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ، وَقَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" هُوَ هُوَ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: " صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ " وَكَفَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: " اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ، قُتِلَ شَهِيدًا، أَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ» وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ نَحْوَهُ.
[فَتْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُصُونَ خَيْبَرَ]
فَصْلٌ فَتْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُصُونَ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَتَدَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَمْوَالَ، يَأْخُذُهَا مَالًا مَالًا، وَيَفْتَتِحُهَا حِصْنًا حِصْنًا، وَكَانَ أَوَّلَ حُصُونِهِمْ فُتِحَ حِصْنُ نَاعِمٍ، وَعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحًى مِنْهُ فَقَتَلَتْهُ، ثُمَّ الْقَمُوصُ حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ سَبَايَا؛ مِنْهُنَّ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ
أَخْطَبَ، وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَبِنْتَا عَمٍّ لَهَا، فَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ قَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ، فَلَمَّا اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ أَعْطَاهُ ابْنَتَيْ عَمِّهَا، قَالَ: وَفَشَتِ السَّبَايَا مِنْ خَيْبَرَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَأَكَلَ النَّاسُ لُحُومَ الْحُمُرِ. فَذَكَرَ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُمْ عَنْ أَكْلِهَا. وَقَدِ اعْتَنَى الْبُخَارِيُّ بِهَذَا الْفَصْلِ؛ فَأَوْرَدَ النَّهْيَ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ جَيِّدَةٍ، وَتَحْرِيمُهَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ - مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ - إِلَى إِبَاحَتِهَا وَتَنَوَّعَتْ أَجْوِبَتُهُمْ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْهَا، فَقِيلَ: لِأَنَّهَا كَانَتْ ظَهْرًا يَسْتَعِينُونَ بِهَا فِي الْحَمُولَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ خُمِّسَتْ بَعْدُ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ. يَعْنِي جَلَّالَةً.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نُهِيَ عَنْهَا لِذَاتِهَا؛ فَإِنَّ فِي الْأَثَرِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ؛ فَإِنَّهَا رِجْسٌ. فَأَكْفَئُوهَا وَالْقُدُورُ تَفُورُ بِهَا» . وَمَوْضِعُ تَقْرِيرِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ " الْأَحْكَامِ ".
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي سَلَّامُ بْنُ كِرْكِرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - وَلَمْ يَشْهَدْ جَابِرٌ خَيْبَرَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَهَى النَّاسَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ أَذِنَ لَهُمْ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُهُ ثَابِتٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي الْخَيْلِ» . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مَكْحُولٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَاهُمْ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَرْبَعٍ؛ عَنْ إِتْيَانِ الْحَبَالَى مِنَ النِّسَاءِ، وَعَنْ أَكْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَعَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ» . وَهَذَا مُرْسَلٌ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ مَوْلَى تُجِيبَ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ
الْمَغْرِبَ، فَافْتَتَحَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهَا: جَرْبَةُ. فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي لَا أَقُولُ فِيكُمْ إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِينَا يَوْمَ خَيْبَرَ؛ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ " يَعْنِي إِتْيَانَ الْحَبَالَى مِنَ السَّبْيِ " وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرْكَبَ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ» وَهَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، بِهِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ، مُخْتَصَرًا، وَقَالَ: حَسَنٌ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَعَنْ أَكْلِ الثُّومِ» . وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ، عَنْ عَلِيٍّ وَشَرِيكِ بْنِ الْحَنْبَلِ، أَنَّهُمَا ذَهَبَا إِلَى تَحْرِيمِ الْبَصَلِ وَالثُّومِ النَّيِّئِ. وَالَّذِي نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُمَا الْكَرَاهَةُ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» . هَذَا لَفْظُ " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ بِيَوْمِ خَيْبَرَ وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نِسَاءٌ يَتَمَتَّعُونَ بِهِنَّ؛ إِذْ قَدْ حَصَلَ لَهُمْ الِاسْتِغْنَاءُ بِالسِّبَاءِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. الثَّانِي، أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ زَمَنَ الْفَتْحِ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى نَهَى عَنْهَا، وَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ نَهَى عَنْهَا ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا، ثُمَّ حُرِّمَتْ، فَيَلْزَمُ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. وَمَعَ هَذَا فَقَدَ نَصَّ
الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ، ثُمَّ أُبِيحُ ثُمَّ حُرِّمَ، غَيْرَ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَمَا حَدَاهُ عَلَى هَذَا رحمه الله إِلَّا اعْتِمَادُهُ عَلَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَقَدْ حَكَى السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهَا أُبِيحَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَحُرِّمَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتَلَفُوا؛ أَيُّ وَقْتٍ أَوَّلُ مَا حُرِّمَتْ؟ فَقِيلَ: فِي خَيْبَرَ. وَقِيلَ: فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. وَقِيلَ: فِي عَامِ الْفَتْحِ. وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ، وَقِيلَ: فِي أَوْطَاسٍ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. وَقِيلَ: فِي تَبُوكَ. وَقِيلَ: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، بِأَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ.
وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ فِيهِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِمَا - وَكَانَ حَسَنٌ أَرْضَاهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا - «أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ
الْمُتْعَةِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ» قَالُوا: فَاعْتَقَدَ الرَّاوِي أَنَّ قَوْلَهُ: " خَيْبَرَ " ظَرْفٌ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ لِلنَّهْيِ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، فَأَمَّا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ظَرْفًا، وَإِنَّمَا جَمَعَهُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا، رضي الله عنه، بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَبَاحَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ: إِنَّكَ امْرُؤٌ تَائِهٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَلُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ. فَجَمَعَ لَهُ النَّهْيَ لِيَرْجِعَ عَمَّا كَانَ يَعْتَقِدُهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِبَاحَةِ. وَإِلَى هَذَا التَّقْرِيرِ كَانَ مَيْلُ شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، آمِينَ. وَمَعَ هَذَا مَا رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَمَّا كَانَ يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ إِبَاحَةِ الْحُمُرِ وَالْمُتْعَةِ، أَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْحُمُرِ فَتَأَوَّلَهُ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَمُولَتَهُمْ، وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَإِنَّمَا كَانَ يُبِيحُهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي الْأَسْفَارِ، وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ وَالْوِجْدَانِ، وَقَدْ تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مَشْهُورًا عَنْ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ، إِلَى زَمَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَبَعْدَهُ. وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، وَحَاوَلَ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْخِلَافِ نَقْلَ رِوَايَةٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَوْضِعُ تَحْرِيرِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ " الْأَحْكَامِ " وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَدَنَّى الْحُصُونَ وَالْأَمْوَالَ، فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ «أَنَّ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ جُهِدْنَا وَمَا بِأَيْدِينَا مِنْ شَيْءٍ. فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَقَالَ:" اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ حَالَهُمْ، وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عِنْدَهُمْ، وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا " فَغَدَا النَّاسُ فَفُتِحَ عَلَيْهِمْ حِصْنُ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَا بِخَيْبَرَ حِصْنٌ كَانَ أَكْثَرَ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ، وَحَازَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا حَازَ، انْتَهَوْا إِلَى حِصْنِهِمُ الْوَطِيحِ، وَالسُّلَالِمِ، وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شِعَارُهُمْ يَوْمَ خَيْبَرَ يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أَمِتْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ بَعْضِ
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ ": أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، أَوْ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ قَدِمَ وَالثَّمَرَةُ خَضِرَةٌ، قَالَ: فَأَسْرَعَ النَّاسُ فِيهَا، فَحُمُّوا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَرِّسُوا الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ، ثُمَّ
يَحْدِرُوا عَلَيْهِمْ بَيْنَ أَذَانَيِ الْفَجْرِ، وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا نُشِطُوا مِنْ عُقُلٍ» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَيْنَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ مَوْصُولًا، وَعَنْهُ: بَيْنَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى وَبَهْزٌ قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، قَالَ: دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ: فَالْتَزَمْتُهُ، فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَبَسَّمُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ، فَأُلْقِيَ إِلَيْنَا جِرَابٌ فِيهِ شَحْمٌ، فَذَهَبْتُ آخُذُهُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَحْيَيْتُ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ صَاحِبَا " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: أَصَبْتُ مِنْ فَيْءِ خَيْبَرَ جِرَابَ شَحْمٍ. قَالَ: فَاحْتَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي إِلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي. قَالَ: فَلَقِيَنِي صَاحِبُ الْمَغَانِمِ الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهَا، فَأَخَذَ بِنَاحِيَتِهِ، وَقَالَ: هَلُمَّ هَذَا حَتَّى نَقْسِمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: وَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكَهُ. قَالَ: وَجَعَلَ يُجَاذِبُنِي الْجِرَابَ. قَالَ: فَرَآنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَصْنَعُ ذَلِكَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِ الْمَغَانِمِ:" لَا أَبَا لَكَ، خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ " قَالَ: فَأَرْسَلَهُ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي فَأَكَلْنَاهُ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي تَحْرِيمِهِ شُحُومَ ذَبَائِحِ الْيَهُودِ - مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ - عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5](الْمَائِدَةِ: 5) قَالَ: لَكُمْ. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ طَعَامِهِمْ. فَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الشَّحْمُ مِمَّا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الطَّعَامَ لَا يُخَمَّسُ.
وَيَعْضُدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قُلْتُ: هَلْ كُنْتُمْ تُخَمِّسُونَ الطَّعَامَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ حَسَنٌ.