المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[خبر الحجاج بن علاط البهزي] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٦

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[مَوْقِفُ الْأَحْزَابِ بَعْدَ فَرَاغِ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْخَنْدَقِ]

- ‌[دُعَائُهُ عليه السلام عَلَى الْأَحْزَابِ]

- ‌[غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ]

- ‌[وَفَاةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ]

- ‌[فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ]

- ‌[مَقْتَلُ أَبِي رَافِعٍ]

- ‌[مَقْتَلُ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ ابْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَعَ النَّجَاشِيِّ بَعْدَ وَقْعَةِ الْخَنْدَقِ]

- ‌[تَزْوِيجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ حَبِيبَةَ]

- ‌[تَزْوِيجُهُ عليه السلام بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ]

- ‌[قِصَّةُ زَيْنَبَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ]

- ‌[نُزُولُ آيَةِ الْحِجَابِ]

- ‌[سَنَةُ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[غَزْوَةُ ذِي قَرَدَ]

- ‌[غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ]

- ‌[الْإِقْرَاعُ بَيْنَ نِسَاءِ الرَّسُولِ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ]

- ‌[قِصَّةُ الْإِفْكِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ]

- ‌[عُمْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[سِيَاقُ الْبُخَارِيِّ لِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ]

- ‌[السَّرَايَا وَالْبُعُوثُ الَّتِي كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فَى السَّنَةِ السَّادِسَةِ]

- ‌[سَنَةُ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[غَزْوَةُ خَيْبَرَ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[فَتْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُصُونَ خَيْبَرَ]

- ‌[قِصَّةُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ]

- ‌[حِصَارُ رَسُولِ اللَّهِ أَهْلَ خَيْبَرَ]

- ‌[فَتْحُ حُصُونِ خَيْبَرَ]

- ‌[مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ]

- ‌[ذِكْرُ قُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ]

- ‌[قِصَّةُ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ]

- ‌[قِصَّةُ مِدْعَمٍ وَنَوْمِ بِلَالٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ]

- ‌[مَنِ اسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ]

- ‌[خَبَرُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ الْبَهْزِيِّ]

- ‌[مُرُورُهُ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْقُرَى وَمُحَاصَرَتُهُ قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ]

- ‌[مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ يَهُودَ خَيْبَرَ]

- ‌[سَرِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ]

- ‌[سَرِيَّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِلَى تُرْبَةٍ مِنْ أَرْضِ هَوَازِنَ]

- ‌[سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى يُسَيْرِ بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ]

- ‌[سَرِيَّةٌ أُخْرَى مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ]

- ‌[سَرِيَّةُ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى الْغَابَةِ]

- ‌[السَرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَ فِيهَا مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ عَامِرَ بْنَ الْأَضْبَطِ]

- ‌[سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ]

- ‌[عُمْرَةُ الْقَضَاءِ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[قِصَّةُ تَزْوِيجِهِ عليه الصلاة والسلام بِمَيْمُونَةَ]

- ‌[خُرُوجُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ]

- ‌[سَرِيَّةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ]

- ‌[رَدُّ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ]

- ‌[رَدُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ]

- ‌[سَنَةُ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[إِسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ]

- ‌[طَرِيقُ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ]

- ‌[سَرِيَّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الْأَسَدِيِّ إِلَى نَفَرٍ مِنْ هَوَازِنَ]

- ‌[سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى بَنِي قُضَاعَةَ]

- ‌[غَزْوَةُ مُؤْتَةَ]

- ‌[وَقْتُهَا]

- ‌[إِخْبَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاسْتِشْهَادِ جَعْفَرٍ وَصَاحِبَيْهِ]

- ‌[اسْتِقْبَالُ رَسُولِ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ]

- ‌[فَضْلُ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم]

- ‌[مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[حَدِيثٌ فِيهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأُمَرَاءِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ]

- ‌[فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ]

- ‌[كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ وَكَتْبِهِ إِلَيْهِمْ]

- ‌[وَقْتُ إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ]

- ‌[إِرْسَالُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَلِكِ الْعَرَبِ مِنَ النَّصَارَى بِالشَّامِ]

- ‌[بَعْثُهُ إِلَى كِسْرَى مِلْكِ الْفُرْسِ]

- ‌[بَعْثُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُقَوْقِسِ]

- ‌[غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ]

- ‌[سَرِيَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ]

- ‌[دُخُولُ النَّبِيِّ مَكَّةَ]

- ‌[قِصَّةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ]

- ‌[مِيقَاتُ خُرُوجِ النَّبِيِّ]

- ‌[إِسْلَامُ الْعَبَّاسِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[نُزُولُ النَّبِيِّ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ]

- ‌[صِفَةُ دُخُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ]

- ‌[مَا قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ يَوْمَ الْفَتْحِ]

- ‌[بَعْثَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ]

- ‌[بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزَّى]

- ‌[مُدَّةُ إِقَامَتِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ]

- ‌[فِيمَا حَكَمَ بِهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ]

- ‌[مُبَايَعَةُ النَّبِيِّ النَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ]

الفصل: ‌[خبر الحجاج بن علاط البهزي]

[خَبَرُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ الْبَهْزِيِّ]

ُّ، رضي الله عنه

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الْبَهْزِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا عِنْدَ صَاحِبَتِي أُمِّ شَيْبَةَ بِنْتِ أَبِي طَلْحَةَ - وَكَانَتْ عِنْدَهُ، لَهُ مِنْهَا مُعَرِّضُ بْنُ الْحَجَّاجِ - وَمَالًا مُتَفَرِّقًا فِي تُجَّارِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَا بُدَّ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَقُولَ. قَالَ: " قُلْ ". قَالَ الْحَجَّاجُ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا قَدِمْتُ مَكَّةَ، وَجَدْتُ بِثَنِيَّةِ الْبَيْضَاءِ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ يَسْتَمِعُونَ الْأَخْبَارَ، وَيَسْأَلُونَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ بَلَغَهُمْ أَنَّهُ قَدْ سَارَ إِلَى خَيْبَرَ، وَقَدْ عَرَفُوا أَنَّهَا قَرْيَةُ الْحِجَازِ، رِيفًا وَمَنَعَةً وَرِجَالًا، وَهُمْ يَتَجَسَّسُونَ الْأَخْبَارَ مِنَ الرُّكْبَانِ، فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا: الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ - قَالَ: وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِإِسْلَامِي - عِنْدَهُ وَاللَّهِ الْخَبَرُ، أَخْبِرْنَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الْقَاطِعَ قَدْ سَارَ إِلَى خَيْبَرَ، وَهِيَ بَلَدُ يَهُودَ وَرِيفُ الْحِجَازِ. قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ، وَعِنْدِي مِنَ

ص: 343

الْخَبَرِ مَا يَسُرُّكُمْ. قَالَ: فَالْتَبَطُوا بِجَنْبَيْ نَاقَتِي يَقُولُونَ: إِيهٍ يَا حَجَّاجُ. قَالَ: قُلْتُ: هُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهَا قَطُّ، وَقَدْ قُتِلَ أَصْحَابُهُ قَتْلًا لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطُّ، وَأُسِرَ مُحَمَّدٌ أَسْرًا، وَقَالُوا: لَا نَقْتُلُهُ حَتَّى نَبْعَثَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ، فَيَقْتُلُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِمَنْ كَانَ أَصَابَ مِنْ رِجَالِهِمْ. قَالَ: فَقَامُوا وَصَاحُوا بِمَكَّةَ، وَقَالُوا: قَدْ جَاءَكُمُ الْخَبَرُ، وَهَذَا مُحَمَّدٌ، إِنَّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ يُقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، فَيُقْتَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، قَالَ: قُلْتُ: أَعِينُونِي عَلَى جَمْعِ مَالِي بِمَكَّةَ وَعَلَى غُرَمَائِي، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدِمَ خَيْبَرَ، فَأُصِيبَ مِنْ فَلِّ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التُّجَّارُ إِلَى مَا هُنَالِكَ. قَالَ: فَقَامُوا فَجَمَعُوا لِي مَا كَانَ لِي كَأَحَثِّ جَمْعٍ سَمِعْتُ بِهِ. قَالَ: وَجِئْتُ صَاحِبَتِي فَقُلْتُ: مَالِي - وَكَانَ عِنْدَهَا مَالٌ مَوْضُوعٌ - فَلَعَلِّي أَلْحَقُ بِخَيْبَرَ فَأُصِيبَ مِنْ فُرَصِ الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التُّجَّارُ. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْخَبَرَ وَجَاءَهُ عَنِّي، أَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ إِلَى جَنْبِي وَأَنَا فِي خَيْمَةٍ مِنْ خِيَامِ التُّجَّارِ، فَقَالَ: يَا حَجَّاجُ، مَا هَذَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ؟! قَالَ: قُلْتُ: وَهَلْ عِنْدَكَ حِفْظٌ لِمَا وَضَعْتُ عِنْدَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

ص: 344

قَالَ: قُلْتُ: فَاسْتَأْخِرْ عَنِّي حَتَّى أَلْقَاكَ عَلَى خَلَاءٍ، فَإِنِّي فِي جَمْعِ مَالِي كَمَا تَرَى، فَانْصَرَفَ عَنِّي حَتَّى أَفْرُغَ. قَالَ: حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْ جَمْعِ كَلِّ شَيْءٍ كَانَ لِي بِمَكَّةَ، وَأَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ، لَقِيتُ الْعَبَّاسَ فَقُلْتُ: احْفَظْ عَلَيَّ حَدِيثِي يَا أَبَا الْفَضْلِ، فَإِنِّي أَخْشَى الطَّلَبَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ قُلْ مَا شِئْتَ. قَالَ: أَفْعَلُ. قُلْتُ: فَإِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُ ابْنَ أَخِيكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ - يَعْنِي صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ - وَقَدِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَانْتَثَلَ مَا فِيهَا، وَصَارَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ. قَالَ: مَا تَقُولُ يَا حَجَّاجُ؟ ! قَالَ: قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ، فَاكْتُمْ عَنِّي، وَلَقَدْ أَسْلَمْتُ، وَمَا جِئْتُ إِلَّا لِآخُذَ مَالِيَ، فَرَقًا مِنْ أَنْ أُغْلَبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ فَأَظْهِرْ أَمْرَكَ، فَهُوَ وَاللَّهِ عَلَى مَا تُحِبُ قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، لَبِسَ الْعَبَّاسُ حُلَّةً لَهُ وَتَخَلَّقَ وَأَخْذَ عَصَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى الْكَعْبَةَ فَطَافَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: يَا أَبَا الْفَضْلِ، هَذَا وَاللَّهِ التَّجَلُّدُ لِحَرِّ الْمُصِيبَةِ. قَالَ: كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ، لَقَدِ افْتَتَحَ مُحَمَّدٌ خَيْبَرَ، وَتُرِكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ، وَأَحْرَزَ أَمْوَالَهُمْ وَمَا فِيهَا، وَأَصْبَحَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ. قَالُوا: مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا الْخَبَرِ؟! قَالَ: الَّذِي جَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ، وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمًا وَأَخَذَ مَالَهُ، فَانْطَلَقَ لِيَلْحَقَ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَيَكُونُ مَعَهُ. فَقَالُوا: يَا لِعِبَادِ اللَّهِ، انْفَلَتَ عَدُوُّ اللَّهِ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْنَا لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْنٌ. قَالَ: وَلَمْ يَنْشَبُوا أَنْ جَاءَهُمُ الْخَبَرُ بِذَلِكَ. هَكَذَا

ص: 345

ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُنْقَطِعَةً.

وَقَدْ أَسْنَدَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا مَعْمَرٌ، سَمِعْتُ ثَابِتًا يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا، وَإِنَّ لِي بِهَا أَهْلًا، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَهُمْ، أَفَأَنَا فِي حِلٍّ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْكَ أَوْ قُلْتُ شَيْئًا؟ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ، فَأَتَى امْرَأَتَهُ حِينَ قَدِمَ فَقَالَ: اجْمَعِي لِي مَا كَانَ عِنْدَكِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ قَدِ اسْتُبِيحُوا وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ. قَالَ: وَفَشَى ذَلِكَ بِمَكَّةَ، فَانْقَمَعَ الْمُسْلِمُونَ وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ فَرَحًا وَسُرُورًا. قَالَ: وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْعَبَّاسَ فَعُقِرَ وَجَعَلَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عَنْ مِقْسَمٍ قَالَ: فَأَخَذَ ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: قُثَمُ. وَاسْتَلْقَى وَوَضَعَهُ عَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

حَيَّ قُثَمْ حَيَّ قُثَمْ

شَبِيهُ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَمْ

ص: 346

نَبِيِّ ذِي النِّعَمْ

يُرْغِمُ مَنْ رَغِمْ

قَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: ثُمَّ أَرْسَلَ غُلَامًا لَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ: وَيْلَكَ! مَا جِئْتَ بِهِ وَمَاذَا تَقُولُ؟! فَمَا وَعَدَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتَ بِهِ! فَقَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ لِغُلَامِهِ: أَقْرِئْ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ فَلْيَخْلُ لِي فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ لِآتِيَهُ، فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ. فَجَاءَ غُلَامُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ الدَّارِ قَالَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا الْفَضْلِ. قَالَ: فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ فَرِحًا حَتَّى قَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ مَا قَالَ الْحَجَّاجُ فَأَعْتَقَهُ. قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ الْحَجَّاجُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ، وَجَرَتْ سِهَامُ اللَّهِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ وَاتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ، وَخَيَّرَهَا أَنْ يُعْتِقَهَا وَتَكُونُ زَوْجَةً، أَوْ تَلْحَقَ بِأَهْلِهَا، فَاخْتَارَتْ أَنْ يُعْتِقَهَا وَتَكُونَ زَوْجَتَهُ. قَالَ: وَلَكِنِّي جِئْتُ لِمَالٍ كَانَ لِي هَاهُنَا أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَهُ فَأَذْهَبَ بِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَذِنَ لِي أَنْ أَقُولَ مَا شِئْتُ، فَأَخْفِ عَلَيَّ ثَلَاثًا، ثُمَّ اذْكُرْ مَا بَدَا لَكَ. قَالَ: فَجَمَعَتِ امْرَأَتُهُ مَا كَانَ عِنْدَهَا مِنْ حُلِيٍّ وَمَتَاعٍ، فَجَمَعَتْهُ وَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَتَى الْعَبَّاسُ امْرَأَةَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: مَا فَعَلُ زَوْجُكِ؟ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ

ص: 347

ذَهَبَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَتْ: لَا يُحْزِنُكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ شَقَّ عَلَيْنَا الَّذِي بَلَغَكَ. قَالَ: أَجَلْ، لَا يُحْزِنُنِي اللَّهُ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللَّهِ إِلَّا مَا أَحْبَبْنَا، فَتَحَ اللَّهُ خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِهِ، وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللَّهِ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكِ حَاجَةٌ فِي زَوْجِكِ فَالْحَقِي بِهِ. قَالَتْ: أَظُنُّكَ وَاللَّهِ صَادِقًا قَالَ: فَإِنِّي صَادِقٌ، وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَخْبَرْتُكِ. ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى أَتَى مَجَالِسَ قُرَيْشٍ، وَهُمْ يَقُولُونَ إِذَا مَرَّ بِهِمْ: لَا يُصِيبُكَ إِلَّا خَيْرٌ يَا أَبَا الْفَضْلِ. قَالَ: لَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْرٌ بِحَمْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ أَنَّ خَيْبَرَ فَتَحَهَا اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللَّهِ، وَاصْطَفَى صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أُخْفِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا جَاءَ لِيَأْخُذَ مَالَهُ وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ شَيْءٍ هَاهُنَا، ثُمَّ يَذْهَبُ. قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ الْكَآبَةَ الَّتِي كَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ وَمَنْ كَانَ دَخَلَ بَيْتَهُ مُكْتَئِبًا حَتَّى أَتَى الْعَبَّاسَ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَسُرَّ الْمُسْلِمُونَ وَرَدَّ مَا كَانَ مِنْ كَآبَةٍ أَوْ غَيْظٍ أَوْ حُزْنٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ سِوَى النَّسَائِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، بِهِ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ، عَنْ

ص: 348

مَعْمَرٍ، بِهِ نَحْوَهُ.

وَكَذَلِكَ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي " مَغَازِيهِ " أَنَّ قُرَيْشًا كَانَ بَيْنَهُمْ تَرَاهُنٌ عَظِيمٌ وَتَبَايُعٌ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَظْهَرُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَظْهَرُ الْحَلِيفَانِ وَيَهُودُ خَيْبَرَ. وَكَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الْبَهْزِيُّ قَدْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَحَ خَيْبَرَ، وَكَانَ تَحْتَهُ أُمُّ شَيْبَةَ أُخْتُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ مُكْثِرًا مِنَ الْمَالِ، وَكَانَتْ لَهُ مَعَادِنُ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَيْبَرَ، اسْتَأْذَنَ الْحَجَّاجُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الذَّهَابِ إِلَى مَكَّةَ يَجْمَعُ أَمْوَالَهُ، فَأَذِنَ لَهُ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمِمَّا قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ قَوْلُ حَسَّانَ:

بِئْسَ مَا قَاتَلَتْ خَيَابِرُ عَمَّا

جَمَّعُوا مِنْ مَزِارِعٍ وَنَخِيلِ

كَرِهُوا الْمَوْتَ فَاسْتُبِيحَ حِمَاهُمْ

وَأَقَرُّوا فِعْلَ اللَّئِيمِ الذَّلِيلِ

ص: 349

أَمِنَ الْمَوْتِ يَهْرُبُونَ فِإِنَّ الْ

مَوْتَ مَوْتَ الْهُزَالِ غَيْرُ جَمِيلِ

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ:

وَنَحْنُ وَرَدْنَا خَيْبَرًا وَفُرُوضَهُ

بِكُلِّ فَتًى عَارِي الْأَشَاجِعِ مِذْوَدِ

جَوَادٍ لَدَى الْغَايَاتِ لَا وَاهِنِ الْقُوَى

جَرِيءٍ عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ

عَظِيمِ رَمَادِ الْقِدْرِ فِي كُلِّ شَتْوَةٍ

ضَرُوبٍ بِنَصْلِ الْمَشْرَفِيِّ الْمُهَنَّدِ

يَرَى الْقَتْلَ مَدْحًا إِنْ أَصَابَ شَهَادَةً

مِنَ اللَّهِ يَرْجُوهَا وَفَوْزًا بِأَحْمَدَ

يَذُودُ وَيَحْمِي عَنْ ذِمَارِ مُحَمَدٍ

وَيَدْفَعُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ

وَيَنْصُرُهُ مِنْ كُلِ أَمْرٍ يَرِيبُهُ

يَجُودُ بِنَفْسٍ دُونَ نَفْسِ مُحَمَّدِ

يُصَدِّقُ بِالْإِنْبَاءِ بِالْغَيْبِ مُخْلِصًا

يُرِيدُ بِذَاكَ الْعِزَّ وَالْفَوْزَ فِي غَدِ

ص: 350