الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاقْتَحَمَ يُسَيْرٌ وَفِي يَدِهِ مِخْرَشٌ مِنْ شَوْحَطٍ، فَضَرَبَ بِهِ وَجْهَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، فَشَجَّهُ شَجَّةً مَأْمُومَةً، وَانْكَفَأَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَدِيفِهِ فَقَتَلَهُ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنَ الْيَهُودِ أَعْجَزَهُمْ شَدًّا، وَلَمْ يُصَبْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ، وَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَجَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، فَلَمْ تَقِحْ وَلَمْ تُؤْذِهِ حَتَّى مَاتَ.
[سَرِيَّةٌ أُخْرَى مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ]
رَوَى مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا إِلَى بَنِي مُرَّةَ فِي أَرْضِ فَدَكَ، فَاسْتَاقَ نَعَمَهُمْ، فَقَاتَلُوهُ وَقَتَلُوا عَامَّةَ مَنْ مَعَهُ، وَصَبَرَ هُوَ يَوْمَئِذٍ صَبْرًا عَظِيمًا، وَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ لَجَأَ إِلَى فَدَكَ، فَبَاتَ بِهَا عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، فَذَكَرَ مِنْهُمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَأَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ، وَكَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَقْتَلَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِمِرْدَاسِ بْنِ نَهِيكٍ حَلِيفِ بَنِي مُرَّةَ، وَقَوْلُهُ حِينَ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَنَّ الصَّحَابَةَ لَامُوهُ عَلَى
ذَلِكَ حَتَّى سُقِطَ فِي يَدِهِ وَنَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ، فَأَصَابَ مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ حَلِيفًا لَهُمْ مِنَ الْحُرَقَةِ، قَالَ: فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:«أَدْرَكْتُهُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ - يَعْنِي مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ - فَلَمَّا شَهَرْنَا عَلَيْهِ السِّلَاحَ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: " يَا أُسَامَةُ، مَنْ لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ. قَالَ: " فَمَنْ لَكَ يَا أُسَامَةُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا زَالَ يُرَدِّدُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ إِسْلَامِي لَمْ يَكُنْ، وَأَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ وَلَمْ أَقْتُلْهُ. فَقُلْتُ: إِنِّي أُعْطِي اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لَا أَقْتُلُ رَجُلًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَبَدًا. فَقَالَ: " بَعْدِي يَا أُسَامَةُ ". فَقُلْتُ: بَعَدَكَ» .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، أَنْبَأَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ. قَالَ: فَصَبَّحْنَاهُمْ، وَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِذَا أَقْبَلَ الْقَوْمُ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ
عَلَيْنَا، وَإِذَا أَدْبَرُوا كَانَ حَامِيَتَهُمْ. قَالَ: فَغَشَيْتُهُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا تُغَشَّيْنَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ وَقَتَلْتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:" يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا مِنَ الْقَتْلِ. قَالَ: فَكَرَّرَهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ:«بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ، كَلْبَ لَيْثٍ، إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ بِالْكَدِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ،» وَكُنْتُ فِي سَرِيَّتِهِ، فَمَضَيْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْقَدِيدِ، لَقِينَا الْحَارِثَ بْنَ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ اللَّيْثِيَّ، فَأَخَذْنَاهُ فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا جِئْتُ لِأُسْلِمَ. فَقَالَ لَهُ غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ لِتُسْلِمَ، فَلَا يَضُرُّكَ رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ اسْتَوْثَقْنَا مِنْكَ. قَالَ: فَأَوْثَقَهُ رِبَاطًا وَخَلَّفَ عَلَيْهِ رُوَيْجِلًا أَسْوَدَ كَانَ مَعَنَا، وَقَالَ: امْكُثْ مَعَهُ حَتَّى نَمُرَّ عَلَيْكَ، فَإِنْ نَازَعَكَ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ. وَمَضَيْنَا حَتَّى أَتَيْنَا بَطْنَ الْكَدِيدِ، فَنَزَلْنَا عَشِيَّةً بَعْدِ الْعَصْرِ، فَبَعَثَنِي أَصْحَابِي إِلَيْهِ، فَعَمَدْتُ إِلَى تَلٍّ يُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ فَانْبَطَحْتُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ
رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَنَظَرَ فَرَآنِي مُنْبَطِحًا عَلَى التَّلِّ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنِّي لَأَرَى سَوَادًا عَلَى هَذَا التَّلِّ مَا رَأَيْتُهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَانْظُرِي لَا تَكُونُ الْكِلَابُ اجْتَرَّتْ بَعْضَ أَوْعِيَتِكِ؟ فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ: فَنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ مِنْ نَبْلِي. فَنَاوَلَتْهُ، فَرَمَانِي بِسَهْمٍ فِي جَبِينِي - أَوْ قَالَ: فِي جَنْبِي - فَنَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، ثُمَّ رَمَانِي بِالْآخَرِ فَوَضَعَهُ فِي رَأْسِ مَنْكِبِي، فَنَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَايَ، وَلَوْ كَانَ رَبِيئَةً لَتَحَرَّكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتِ فَابْتَغِي سَهْمَيَّ فَخُذِيهِمَا، لَا تَمْضُغُهُمَا عَلَيَّ الْكِلَابُ.
قَالَ: فَأَمْهَلْنَا، حَتَّى إِذَا رَاحَتْ رَوَايِحُهُمْ، وَحَتَّى احْتَلَبُوا وَعَطَّنُوا وَسَكَنُوا، وَذَهَبَتْ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، شَنَنَّا عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ فَقَتَلْنَا وَاسْتَقْنَا النَّعَمَ، وَوَجَّهْنَا قَافِلِينَ بِهِ، وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ إِلَى قَوْمِهِمْ بِقُرْبِنَا. قَالَ: وَخَرَجْنَا سِرَاعًا حَتَّى نَمُرَّ بِالْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ مَعَنَا، وَأَتَانَا صَرِيخُ النَّاسِ، فَجَاءَنَا مَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إِلَّا بَطْنُ الْوَادِي مِنْ قُدَيْدٍ، بَعَثَ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ مَاءً، مَا رَأَيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ مَطَرًا وَلَا حَالًا، وَجَاءَ بِمَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ وُقُوفًا يَنْظُرُونَ إِلَيْنَا، مَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَجِدُّ بِهَا أَوْ نَحْدُوهَا - شَكَّ