الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَا قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ يَوْمَ الْفَتْحِ]
فَصْلٌ مَا قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ يَوْمَ الْفَتْحِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشْرَةَ آلَافٍ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ سَبْعُمِائَةٍ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: أَلْفٌ. وَمِنْ بَنِي غِفَارٍ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَمِنْ أَسْلَمَ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَمِنْ مُزَيْنَةَ أَلْفٌ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ، وَسَائِرُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَحُلَفَائِهِمْ وَطَوَائِفِ الْعَرَبِ مِنْ تَمِيمٍ وَقَيْسٍ وَأَسَدٍ. وَقَالَ عُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْفَتْحِ الَّذِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ
عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ
…
إِلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلَاءُ
دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ
…
تُعَفِّيهَا الرَّوَامِسُ وَالسَّمَاءُ
وَكَانَتْ لَا يَزَالُ بِهَا أَنِيسٌ
…
خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ
فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفٍ
…
يُؤَرِّقُنِي إِذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ
لِشَعْثَاءَ الَّتِي قَدْ تَيَّمَتْهُ
…
فَلَيْسَ لِقَلْبِهِ مِنْهَا شِفَاءُ
كَأَنَّ خَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ
…
يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
إِذَا مَا الْأَشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا
…
فَهُنَّ لَطَيِّبِ الرَّاحِ الْفِدَاءُ
نُوَلِّيهَا الْمَلَامَةَ إِنْ أَلَمْنَا
…
إِذَا مَا كَانَ مَغْثٌ أَوْ لِحَاءُ
وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا
…
وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ
عَدِمْنَا خَيْلَنَا إِنْ لَمْ تَرَوْهَا
…
تُثِيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءُ
يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُصْغِيَاتٍ
…
عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ
…
يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِمَّا تُعْرِضُوا عَنَّا اعْتَمَرْنَا
…
وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِجَلَادِ يَوْمٍ
…
يُعِزُّ اللَّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا
…
وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
وَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا
…
يَقُولُ الْحَقَ إِنْ نَفَعَ الْبَلَاءُ
شَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا صَدِّقُوهُ
…
فَقُلْتُمْ لَا نَقُومُ وَلَا نَشَاءُ
وَقَالَ اللَّهُ قَدْ سَيَّرْتُ جُنْدًا
…
هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ
…
سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا
…
وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي
…
مُغَلْغَلَةً. فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ
بِأَنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْدًا
…
وَعَبْدَ الدَّارِ سَادَتُهَا الْإِمَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ
…
وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ
…
فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
هَجَوْتَ مُبَارَكًا بَرًّا حَنِيفًا
…
أَمِينَ اللَّهِ شَيْمَتُهُ الْوَفَاءُ
أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ
…
وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
فِإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي
…
لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ
…
وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَهَا حَسَّانُ قَبْلَ الْفَتْحِ.
قُلْتُ: وَالَّذِي قَالَهُ مُتَوَجِّهٌ، لِمَا فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَأَبُو سُفْيَانَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَيْتِ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ يُلَطِّمْنَ الْخَيْلَ بِالْخُمُرِ، تَبَسَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، رضي الله عنه.»
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ أَنَسُ بْنُ زُنَيْمٍ الدُّئِلِيُّ، يَعْتَذِرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا كَانَ قَالَ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ - يَعْنِي لَمَّا جَاءَ يَسْتَنْصِرُ عَلَيْهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ -:
أَأَنْتَ الَّذِي تُهْدَى مَعَدٌّ بِأَمْرِهِ
…
بَلِ اللَّهُ يَهْدِيهِمْ وَقَالَ لَكَ اشْهَدِ
وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا
…
أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحَمَّدِ
أَحَثَّ عَلَى خَيْرٍ وَأَسْبَغَ نَائِلًا
…
إِذَا رَاحَ كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ الْمُهَنَّدِ
وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ
…
وَأَعْطَى لِرَأْسِ السَّابِقِ الْمُتَجَرِّدِ
تَعَلَّمْ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ مُدْرِكِي
…
وَأَنْ وَعِيدًا مِنْكَ كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ
تَعَلَّمْ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قَادِرٌ
…
عَلَى كُلِّ صِرْمٍ مُتْهِمِينَ وَمُنْجِدِ
تَعَلَّمْ بِأَنَّ الرَّكْبَ رَكْبَ عُوَيْمِرٍ
…
هُمُ الْكَاذِبُونَ الْمُخْلِفُو كُلِّ مَوْعِدِ
وَنَبَّوْا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي هَجَوْتُهُ
…
فَلَا حَمَلَتْ سَوْطِي إِلَيَّ إِذَنْ يَدِي
سِوَى أَنَّنِي قَدْ قُلْتُ وَيْلُ امِّ فِتْيَةٍ
…
أُصِيبُوا بِنَحْسٍ لَا بِطَلْقٍ وَأَسْعُدِ
أَصَابَهُمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ
…
كِفَاءً فَعَزَّتْ عَبْرَتِي وَتَبَلُّدِي
وَإِنَّكَ قَدْ أَخْفَرْتَ إِنْ كُنْتَ سَاعِيًا
…
بِعَبْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنَةِ مَهْوَدِ
ذُؤَيْبٌ وَكُلْثُومٌ وَسَلْمَى تَتَابَعُوا
…
جَمِيعًا فَإِنْ لَا تَدْمَعِ الْعَيْنُ أَكْمَدِ
وَسَلْمَى وَسَلْمَى لَيْسَ حَيٌّ كَمِثْلِهِ
…
وَإِخْوَتُهُ وَهَلْ مُلُوكٌ كَأَعْبُدِ
فَإِنِّيَ لَا دِينًا فَتَقْتُ وَلَا دَمًا
…
هَرَقْتُ تَبَيَّنْ عَالِمَ الْحَقِّ وَاقْصِدِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فِي يَوْمِ الْفَتْحِ:
نَفَى أَهْلَ الْحَبَلَّقِ كُلَّ فَجٍّ
…
مُزَيْنَةُ غُدْوَةً وَبَنُو خُفَافِ
ضَرَبْنَاهُمْ بِمَكَةَ يَوْمَ فَتْحِ النَّ
…
بِيِّ الْخَيْرِ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ
صَبَحْنَاهُمْ بِسَبْعٍ مِنْ سُلَيْمٍ
…
وَأَلْفٍ مِنْ بَنِي عُثْمَانَ وَافِ
نَطَأْ أَكْتَافَهُمْ ضَرْبًا وَطَعْنًا
…
وَرَشْقًا بِالْمُرَيَّشَةِ اللِّطَافِ
تَرَى بَيْنَ الْصُفُوفِ لَهَا حَفَيْفًا
…
كَمَا انْصَاعَ الْفُوَاقُ مِنَ الرِّصَافِ
فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ تَجُولُ فِيهِمْ
…
بِأَرْمَاحٍ مُقَوَّمَةِ الثِّقَافِ
فَأُبْنَا غَانِمِينَ بِمَا اشْتَهَيْنَا
…
وَآبُوا نَادِمِينَ عَلَى الْخِلَافِ
وَأَعْطَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا
…
مَوَاثِقَنَا عَلَى حُسْنِ التَّصَافِي
وَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَنَا فَهَمُّوا
…
غَدَاةَ الرَّوْعِ مِنَّا بِانْصِرَافِ
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ فِي فَتْحِ مَكَّةَ:
مِنَّا بِمَكْةَ يَوْمَ فَتْحِ مُحَمَّدٍ
…
أَلْفٌ تَسِيلُ بِهِ الْبِطَاحُ مُسَوَّمُ
نَصَرُوا الرَّسُولَ وَشَاهَدُوا آيَاتِهِ
…
وَشِعَارُهُمْ يَوْمَ اللِّقَاءِ مُقَدَّمُ
فِي مَنْزِلٍ ثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ
…
ضَنْكٍ كَأَنَّ الْهَامَ فِيهِ الْحَنْتَمُ
جَرَّتْ سَنَابِكَهَا بِنَجْدٍ قَبْلَهَا
…
حَتَّى اسْتَقَامَ لَهَا الْحِجَازُ الْأَدْهَمُ
اللَّهُ مَكَّنَهُ لَهُ وَأَذَلَّهُ
…
حُكْمُ السُّيُوفِ لَنَا وَجَدٌّ مِزْحَمُ
عَوْدُ الرِّيَاسَةِ شَامِخٌ عِرْنِينُهُ
…
مُتَطَلِّعٌ ثُغَرَ الْمَكَارِمِ خِضْرِمُ
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي سَبَبِ إِسْلَامِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَعْبُدُ صَنَمًا مِنْ حِجَارَةٍ يُقَالُ لَهُ: ضِمَارٌ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَاهُ بِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ
يَوْمًا يَخْدِمُهُ إِذْ سَمِعَ صَوْتًا مِنْ جَوْفِهِ وَهُوَ يَقُولُ:
قُلْ لِلْقَبَائِلِ مِنْ سُلَيْمٍ كُلِّهَا
…
أَوْدَى ضِمَارُ وَعَاشَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ
إِنَّ الَّذِي وَرِثَ النُّبُوَّةَ وَالْهُدَى
…
بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِي
أَوْدَى ضِمَارُ وَكَانَ يُعْبَدُ مَرَّةً
…
قَبْلَ الْكِتَابِ إِلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
قَالَ: فَحَرَّقَ عَبَّاسٌ ضِمَارًا، ثُمَّ لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ بِكَمَالِهَا فِي بَابِ هَوَاتِفِ الْجَانِّ، مَعَ أَمْثَالِهَا وَأَشْكَالِهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.