الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظهر يومئذ وخرج بِالْجِنَازَةِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ فَخَرَجَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ مِنْ دَارِ السَّعَادَةِ فَحَضَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ هُنَالِكَ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةٍ لَهُمْ بِالصُّوفِيَّةِ وَتَأَسَّفُوا عَلَيْهِ وَتَرَحَّمُوا، وتزاحم جماعة من الفقهاء بطلب مدارسه انتهى.
ثم دخلت سنة أربع وستين وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ المصرية والشامية والحجازية وما يتبعهما مِنَ الْأَقَالِيمِ وَالرَّسَاتِيقِ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ صَلَاحُ الدِّينِ محمد بن الملك المنصور المظفري حاجي بن الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَمُدَبِّرُ الْمَمَالِكِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَتَابِكُ الْعَسَاكِرِ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا، وَقُضَاةُ مِصْرَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ جَمَاعَةَ قَاضِي الشَّافِعِيَّةِ وَمُوَفَّقَ الدِّينِ قَاضِي الْحَنَابِلَةِ فِي الْحِجَازِ الشَّرِيفِ، وَنَائِبُ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قشتمر المنصوري، وقاضي قضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين بن قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ، وَأَخُوهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ مُقِيمٌ بِمِصْرَ، وَقَاضِي قُضَاةِ الحنفية الشَّيخ جمال الدِّين بن قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ، آثَرَهُ وَالِدَهُ بِالْمَنْصِبِ وَأَقَامَ عَلَى تَدْرِيسِ الرُّكْنِيَّةِ يَتَعَبَّدُ وَيَتْلُو ويجمع عَلَى الْعِبَادَةِ، وَقَاضِي قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيُّ، وَقَاضِي قُضَاةِ الْحَنَابِلَةِ الشَّيخ جَمَالُ الدِّين المرداوي مَحْمُودُ بْنُ جُمْلَةَ، وَمُحْتَسِبُ الْبَلَدِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدين بن الشَّيْرَجِيِّ، وَكَاتِبُ السِّرِّ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَثِيرِ، قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عِوَضًا عَنْ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ يَعْقُوبَ، وَكَانَ قُدُومُهُ
يَوْمَ سَلْخِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَنَاظِرُ الدَّوَاوِينِ بَدْرُ الدِّينِ حَسَنُ بْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَنَاظِرُ الْخِزَانَةِ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ مَرَاجِلٍ.
وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ الْعَصْرِ خَوْفًا مِنَ الْمَطَرِ، وَكَانَ وَقَعَ مَطَرٌ شَدِيدٌ قَبْلَ أَيَّامٍ، فَتَلِفَ مِنْهُ غَلَّاتٌ كَثِيرَةٌ بحوران وغيرها، ومشاطيخ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ بَعْدَ عشاء الآخرة قبل دَقَّةِ الْقَلْعَةِ دَخَلَ فَارِسٌ مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ الْفَرَجِ إِلَى نَاحِيَةِ بَابِ الْقَلْعَةِ الْجَوَّانِيَّةِ، وَمِنْ نَاحِيَةِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ سِلْسِلَةٌ، وَمِنْ نَاحِيَةِ بَابِ النَّصْرِ أُخْرَى جُدِّدَتَا لِئَلَّا يَمُرَّ رَاكِبٌ عَلَى بَابِ الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، فَسَاقَ هَذَا الْفَارِسُ الْمَذْكُورُ عَلَى السِّلْسِلَةِ الْوَاحِدَةِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ مرَّ عَلَى الْأُخْرَى فَقَطَعَهَا وَخَرَجَ مِنْ بَابِ النَّصْرِ وَلَمْ يُعْرَفْ لِأَنَّهُ مُلَثَّمٌ.
وَفِي حَادِيَ عَشَرَ صَفَرٍ وَقَبْلَهُ بِيَوْمٍ قَدِمَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بطلب الأمير سيف الدِّينِ زُبَالَةَ أَحَدِ أُمَرَاءِ الْأُلُوفِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُكَرَّمًا، وَقَدْ كَانَ عُزِلَ عَنْ نِيَابَةِ الْقَلْعَةِ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ، وَجَاءَ الْبَرِيدُ أَيْضًا وَمَعَهُ التَّوَاقِيعُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِي نَاسٍ كَثِيرٍ، زِيَادَاتٌ عَلَى الْجَامِعِ، رُدَّتْ إِلَيْهِمْ وَأُقِرُّوا عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ نَاظِرُ الْجَامِعِ الصَّاحِبُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ مَرَاجِلَ قَدْ سَعَى برفع مَا زِيدَ بَعْدَ التَّذْكِرَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ صَرْغَتْمُشَ، فَلَمْ يَفِ ذَلِكَ، وَتَوَجَّهَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ قَاضِي قُضَاةِ الشَّامِ الشَّافِعِيُّ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَوْمَ الْأَحَدِ سَادِسَ عَشَرَ صَفَرٍ مِنْ
هَذِهِ السَّنَةِ، وَخَرَجَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ لِتَوْدِيعِهِ، وَقَدْ كَانَ أَخْبَرَنَا عِنْدَ تَوْدِيعِهِ بِأَنَّ أَخَاهُ قَاضِي القضاة تاج الدين قد لبس خلعة القضاة بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الشَّامِ عِنْدَ وصوله إلى ديار مِصْرَ، وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ أَخَاهُ كَارِهٌ لِلشَّامِ.
وَأَنْشَدَنِي الْقَاضِي صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ رابع عشره لنفسه فيما عكس عن الْمُتَنَبِّي فِي يَدَيْهِ مِنْ قَصِيدَتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِذَا اعْتَادَ الْفَتَى خوضَ الْمَنَايَا * فأيسرُ مَا يمر به الوصولُ وَقَالَ: دُخُولُ دِمَشْقَ يُكْسِبُنَا نُحُولًا * كَأَنَّ لَهَا دُخُولًا فِي الْبَرَايَا
إِذَا اعْتَادَ الْغَرِيبُ الْخَوْضَ فِيهَا * فَأَيْسَرُ مَا يَمُرُّ بِهِ الْمَنَايَا وَهَذَا شِعْرٌ قَوِيٌّ، وَعَكْسٌ جَلِيٌّ، لَفْظًا وَمَعْنَى.
وَفِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ عُمِلَتْ خيمة حافلة بالمارستان الدَّقَّاقِيِّ جِوَارَ الْجَامِعِ، بِسَبَبِ تَكَامُلِ تَجْدِيدِهِ قَرِيبَ السَّقْفِ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، حَتَّى قَنَاطِرِهِ الْأَرْبَعِ بِالْحِجَارَةِ الْبُلْقِ، وَجُعِلَ فِي أَعَالِيهِ قَمَرِيَّاتٌ كِبَارٌ مُضِيئَةٌ، وَفَتَقَ فِي قِبْلَتِهِ إِيوَانًا حَسَنًا زَادَ فِي أَعْمَاقِهِ أَضْعَافَ مَا كَانَ، وَبَيَّضَهُ جَمِيعَهُ بِالْجِصِّ الْحَسَنِ الْمَلِيحِ، وَجُدِّدَتْ فِيهِ خَزَائِنُ وَمَصَالِحُ، وَفُرُشٌ وَلُحُفٌ جُدُدٌ، وَأَشْيَاءُ حَسَنَةٌ، فَأَثَابَهُ اللَّهُ وَأَحْسَنَ جَزَاءَهُ آمِينَ، وَحَضَرَ الْخَيْمَةَ جَمَاعَاتٌ مِنَ النَّاس من الخواص وَالْعَوَّامِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى دَخَلَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَعْجَبَهُ مَا شَاهَدَهُ مِنَ الْعِمَارَاتِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ حَالُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْعِمَارَةِ، فَاسْتَجَادَ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ النَّاظِرِ.
وَفِي أَوَّلِ رَبِيعٍ الْآخِرِ قَدِمَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى قَضَاءِ الشَّامِ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ رَابِعَ عَشَرَهُ فَبَدَأَ بِالسَّلَامِ عَلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِدَارِ السَّعَادَةِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى دَارِ الْأَمِيرِ عَلِيٍّ بِالْقَصَّاعِينَ فسلَّم عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى العادلية قبل الزوال، ثم جاءه الناس من الخاص والعام يسلمون عليه ويهنونه بِالْعَوْدِ، وَهُوَ يَتَوَدَّدُ وَيَتَرَحَّبُ بِهِمْ.
ثُمَّ لَمَّا كَانَ صُبْحُ يَوْمِ الْخَمِيسِ سَادِسَ عَشَرَهُ لَبِسَ الْخِلْعَةَ بِدَارِ السَّعَادَةِ ثُمَّ جَاءَ فِي أُبَّهَةٍ هَائِلَةٍ لَابِسَهَا إِلَى الْعَادِلِيَّةِ فَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ بِهَا بِحَضْرَةِ الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ وَهَنَّأَهُ النَّاسُ وَالشُّعَرَاءُ وَالْمُدَّاحُ.
وَأَخْبَرَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ بِمَوْتِ حُسَيْنٍ بن الْمَلِكِ النَّاصِرِ (1) ، وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ بَنِيهِ لِصُلْبِهِ سِوَاهُ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَكِبَارِ الدَّوْلَةِ، لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حِدَّةٍ وارتكاب أمور نكرة.
وأخبر بموت القاضي فخر الدين سليمان بن القاضي عماد الدين بن الشيرجي، وقد كان اتفق له من الأمر
(1) وكان ذلك ليلة السبت رابع ربيع الآخرة كما في الجوهر الثمين لابن دقماق 2 / 219 (وراجع النجوم الزاهرة 11 / 21 وبدائع الزهور 1 / 592 وفيه: في جمادى الأولى) .
أَنَّهُ قُلِّدَ حِسْبَةَ دِمَشْقَ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ، نَزَلَ لَهُ عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ لِكِبَرِهِ وَضَعْفِهِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ بِالدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَرْكَبَ عَلَى الْبَرِيدِ فَتَمَرَّضَ يَوْمًا وَثَانِيًا وَتُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَأَلَّمَ وَالِدُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَأَلُّمًا عَظِيمًا، وَعَزَاهُ النَّاسُ فِيهِ، وَوَجَدْتُهُ صابراً محتسباً باكياً مسترجعاً موجعاً انتهى.
بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ بِوَضْعِ الشَّطْرِ مِنْ مَكْسِ الْغَنَمِ مع ولاية سَعْدِ الدِّينِ مَاجِدِ بْنِ التَّاجِ إِسْحَاقَ مِنَ الديار المصرية على نظر الدَّوَاوِينِ قَبْلَهُ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِوِلَايَةِ هَذَا وَقُدُومِهِ، وَبِعَزْلِ الْأَوَّلِ وَانْصِرَافِهِ عَنِ الْبَلَدِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَمَعَهُ مَرْسُومٌ شَرِيفٌ بِوَضْعِ نِصْفِ مَكْسِ الْغَنَمِ، وكان عبرته أربعة دراهم ونصف، فَصَارَ إِلَى دِرْهَمَيْنِ وَرُبْعِ دِرْهَمٍ، وَقَدْ نُودِيَ بِذَلِكَ فِي الْبَلَدِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَتَضَاعَفَتْ أَدْعِيَتُهُمْ لِمَنْ كَانَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَكْثُرُ الْجَلَبُ بِرُخْصِ اللَّحْمِ عَلَى النَّاسِ، وَيَأْخُذُ الدِّيوَانُ نظير ما كان يأخذ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى قُدُومَ وُفُودٍ وَقُفُولٍ بِتَجَائِرَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَخَذَ مِنْهَا الدِّيوَانُ السُّلْطَانِيُّ في الزكاة والوكالة، وقد مراكب كَثِيرَةٌ فَأُخِذَ مِنْهَا فِي الْعُشْرِ أَضْعَافُ مَا أُطْلِقَ مِنَ الْمَكْسِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
ثُمَّ قرئ على النَّاس في يوم الجمعة بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْعَصْرِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْعِشْرِينَ مِنْهُ ضُرِبَ الْفَقِيهُ شَمْسُ الدِّينِ بن الصَّفَدِيُّ بِدَارِ السَّعَادَةِ بِسَبَبِ خَانَقَاهُ الطَّوَاوِيسِ، فَإِنَّهُ جَاءَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ يَتَظَلَّمُونَ مِنْ كَاتِبِ السِّرِّ الَّذِي هُوَ شَيْخُ الشُّيُوخِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ مَعَهُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مِمَّا فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَتَكَلَّمَ الصَّفَدِيُّ الْمَذْكُورُ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظٌ، فَبُطِحَ لِيُضْرَبَ فَشُفِعَ فِيهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَشُفِعَ فِيهِ، ثُمَّ بُطِحَ الثَّالِثَةَ فَضُرِبَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ، ثُمَّ أُخْرِجَ بَعْدَ ليلتين أو ثلاثة.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ السَّادس وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ دَرَّسَ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيُّ بِمَدَارِسِهِ، وَحَضَرَ دَرْسَ النَّاصِرِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ الَّذِي أَثْبَتَهُ أَخُوهُ بَعْدَ مَوْتِ الْقَاضِي نَاصِرِ الدِّينِ كَاتِبِ السِّرِّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ وَبَعْضُ الْقُضَاةِ، وَأَخَذَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ، قُرِئَ عَلَيْهِ مِنْ تَفْسِيرِ وَالِدِهِ فِي قَوْلِهِ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) [سورة الفتح: 1] .
وَفِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَعَ الْإِمَامِ الْكَبِيرِ صُلِّيَ على القاضي
قطب الدين محمد بن الحسن الْحَاكِمِ بِحِمْصَ، جَاءَ إِلَى دِمَشْقَ لِتَلَقِّي أَخِي زَوْجَتِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ، فتمرض من مُدَّةً ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِدِمَشْقَ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَخَارِجَ بَابِ الْفَرَجِ، ثُمَّ صَعِدُوا بِهِ إِلَى سَفْحِ جَبَلِ قَاسِيُونَ، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ بِسَنَتَيْنِ، وَقَدْ حَدَّثَ وَرَوَى شَيْئًا يسيراً رحمه الله.
وفي يوم الأحد ثالثه قدم قاضيا الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِحَلَبَ وَالْخَطِيبُ بِهَا وَالشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْأَذْرَعِيُّ، وَالشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْبَارِينِيُّ (1) وَآخَرُونَ مَعَهُمْ، فَنَزَلُوا بِالْمَدْرَسَةِ الْإِقْبَالِيَّةِ وَهُمْ وَقَاضِي قُضَاتِهِمُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ كَمَالُ الدِّينِ الْمِصْرِيُّ مَطْلُوبُونَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَتَحَرَّرَ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ قَاضِيهِمْ وما نقموه عليه من السيرة فِيمَا يَذْكُرُونَ فِي الْمَوَاقِفِ الشَّرِيفَةِ بِمِصْرَ، وَتَوَجَّهُوا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَوْمَ السَّبْتِ عَاشِرِهِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ قَدِمَ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ زُبَالَةَ نَائِبُ الْقَلْعَةِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى الْبَرِيدِ فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ هَائِلٍ، وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالشُّمُوعِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، وَنَزَلَ بِدَارِ الذَّهَبِ، وَرَاحَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَتَهْنِئَتِهِ بِالْعَوْدِ إِلَى نِيَابَةِ الْقَلْعَةِ، عَلَى عَادَتِهِ، وَهَذِهِ ثَالِثُ مَرَّةٍ وَلِيَهَا لِأَنَّهُ مَشْكُورُ السِّيرَةِ فِيهَا، وَلَهُ فِيهَا سَعْيٌ مَحْمُودٌ فِي أوقاتٍ متعددةٍ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الحادي والعشرين صَلَّى نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْقَاضِيَانِ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَفِيُّ وَكَاتِبُ السِّرِّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَعْيَانِ بِالْمَقْصُورَةِ وَقُرِئَ كِتَابُ السُّلْطَانِ عَلَى السُّدَّةِ بِوَضْعٍ مَكْسِ الْغَنَمِ إِلَى كُلِّ رَأْسٍ بِدِرْهَمَيْنِ، فَتَضَاعَفَتِ الْأَدْعِيَةُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، وَلِمَنْ كَانَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ.
غَرِيبَةٌ من الغرائب وَعَجِيبَةٌ مِنَ الْعَجَائِبِ وَقَدْ كَثُرَتِ الْمِيَاهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَزَادَتِ الْأَنْهَارُ زِيَادَةً كَثِيرَةً جِدًّا، بِحَيْثُ إِنَّهُ فَاضَ الْمَاءُ فِي سُوقِ الْخَيْلِ مِنْ نَهْرِ بَرَدَى حَتَّى عَمَّ جَمِيعَ الْعَرْصَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَوْقِفِ الْمَوْكِبِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ أُجْرِيَتْ فِيهِ المراكب بالكلك، وَرَكِبَتْ فِيهِ الْمَارَّةُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ جُمَعًا مُتَعَدِّدَةً، وَامْتَنَعَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْجَيْشُ مِنَ الْوُقُوفِ هُنَاكَ، وَرُبَّمَا وَقَفَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَعْضَ الْأَيَّامِ تَحْتَ الطَّارِمَةِ تُجَاهَ
بَابِ الْإِسْطَبْلِ السُّلْطَانِيِّ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ وَلَا رَأَيْتُهُ قَطُّ فِي مُدَّةِ عُمْرِي، وَقَدْ سَقَطَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ بِنَايَاتٌ وَدُورٌ كَثِيرَةٌ، وَتَعَطَّلَتْ طَوَاحِينُ كَثِيرَةٌ غَمَرَهَا الْمَاءُ.
وَفِي لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى تُوُفِّيَ الصَّدْرُ شَمْسُ الدِّين عبد الرَّحمن بن الشيخ عز الدين بن منجى التَّنُوخِيُّ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَدُفِنَ بِالسَّفْحِ.
وَفِي صَبِيحَةِ هَذَا الْيَوْمِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُونَوِيُّ الْحَنَفِيُّ، خَطِيبُ جَامِعِ يَلْبُغَا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ عَقِيبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَيْضًا، وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ بَاشَرَ عِوَضَهُ الْخَطَابَةَ وَالْإِمَامَةَ قاضي القضاة كمال الدِّينِ الْكَفْرِيُّ الْحَنَفِيُّ.
وَفِي عَصْرِ هَذَا الْيَوْمِ توفي القاضي علاء الدين بن القاضي شرف الدين بن الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الشِّهَابِ مَحْمُودٍ الْحَلَبِيُّ، أحد
(1) الباريني نسبة إلى بارين قرية من قرى حماة، وهي بين حماه وحلب.
وهو زين الدين أبو حفص عمر بن عيسى بن عمر الشافعي، كان مولده سنة 701 هـ ومات في هذه السنة 764 هـ في شوال منها ودفن بحلب خارج باب المقام (شذرات الذهب 6 / 202) .
مُوَقِّعِي الدَّسْتِ بِدِمَشْقَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَدُفِنَ بِالسَّفْحِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ خَطَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْكَفْرِيُّ الْحَنَفِيُّ بِجَامِعِ يَلْبُغَا عِوَضًا عَنِ الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ الْقُونَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَضَرَ عِنْدَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قُشْتُمُرُ، وَصَلَّى مَعَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ بِالشُّبَّاكِ الْغَرْبِيِّ الْقِبْلِيِّ مِنْهُ، وَحَضَرَ خَلْقٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَعْيَانِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَخَطَبَ ابْنُ نُبَاتَةَ بِأَدَاءٍ حَسَنٍ وَفَصَاحَةٍ بَلِيغَةٍ، هَذَا مَعَ عِلْمِ أَنَّ كُلَّ مَرْكَبٍ صَعْبٌ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ تَوَجَّهَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِطَلَبِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ يَلْبُغَا فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ إِلَيْهِ يَسْتَدْعِيهِ وَيَسْتَحِثُّهُ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ ثَانِي شَهْرِ رَجَبٍ سَقَطَ اثْنَانِ سُكَارَى مِنْ سطحٍ بِحَارَةِ الْيَهُودِ، أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ يَهُودِيٌّ، فَمَاتَ الْمُسْلِمُ مِنْ سَاعَتِهِ وَانْقَلَعَتْ عَيْنُ الْيَهُودِيِّ وَانْكَسَرَتْ يَدُهُ لَعَنَهُ اللَّهُ،
وَحُمِلَ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ فَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا.
وَرَجَعَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ بعد ما قَارَبَ غَزَّةَ لِمَا بَلَغَهُ مِنَ الْوَبَاءِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَعَادَ إِلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى وَطَنِهِ فَأَصَابَ السُّنَّةَ، وَقَدْ وَرَدَتْ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ تُخْبِرُ بِشِدَّةِ الْوَبَاءِ وَالطَّاعُونِ بِمِصْرَ، وَأَنَّهُ يُضْبَطُ مِنْ أَهْلِهَا فِي النَّهَارِ نَحْوَ الْأَلْفِ، وَأَنَّهُ مَاتَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ يُعْرَفُونَ كَوَلَدَيْ قَاضِي قضاة تاج الدين المناوي، وكاتب الحكم ابن الْفُرَاتِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَجْمَعِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ رَجَبٍ بِمَوْتِ جَمَاعَةٍ بِمِصْرَ مِنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ بن الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ السُّبْكِيُّ الْمِصْرِيُّ بِمِصْرَ، وَهُوَ شَابٌّ لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْعِشْرِينَ، وَقَدْ دَرَّسَ بِعِدَّةِ جِهَاتٍ بِمِصْرَ وَخَطَبَ، فَفَقَدَهُ وَالِدُهُ وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَعَزَّوْا فِيهِ عَمَّهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجَ الدِّينِ السُّبْكِيَّ قَاضِي الشَّافِعِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَجَاءَ الْخَبَرُ بموت قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الرباجي الْمَالِكِيِّ، كَانَ بِحَلَبَ وَلِيَهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ عُزِلَ فَقَصَدَ مِصْرَ وَاسْتَوْطَنَهَا مُدَّةً لِيَتَمَكَّنَ مِنَ السَّعْيِ فِي الْعَوْدَةِ فَأَدْرَكَتْهُ مَنِيَّتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْفَنَاءِ وَوَلَدَانِ لَهُ مَعَهُ أَيْضًا.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ سَادِسِ شَعْبَانَ تَوَجَّهَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فِي صُحْبَةِ جُمْهُورِ الْأُمَرَاءِ إِلَى نَاحِيَةِ تَدْمُرَ لأجل الأعراب من أصحاب خيار بْنِ مُهَنَّا، وَمَنِ التفَّ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَقَدْ دَمَّرَ بَعْضُهُمْ بَلَدَ تَدْمُرَ وَحَرَّقُوا كَثِيرًا مِنْ أشجارها، ورعوها وانتهبوا شيئاً كثيراً، وخرجوا من الطَّاعَةِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ قَطْعِ إِقْطَاعَاتِهِمْ وَتَمَلُّكِ أَمْلَاكِهِمْ وَالْحَيْلُولَةِ عَلَيْهِمْ، فَرَكِبَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِمَنْ مَعَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، لِطَرْدِهِمْ عَنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَفِي صُحْبَتِهِمُ الْأَمِيرُ حَمْزَةُ بْنُ الْخَيَّاطِ، أَحَدُ أُمَرَاءِ الطبلخانات، وقد كان حاجباً لخيار قَبْلَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ عَنْهُ وَأَلَّبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَمِيرِ الْكَبِيرِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيِّ، وَوَعَدَهُ إِنْ هُوَ أمره وكبره أن يظفره بخيار وَأَنْ يَأْتِيَهُ بِرَأْسِهِ، فَفَعَلَ مَعَهُ ذَلِكَ، فَقَدِمَ إِلَى دِمَشْقَ وَمَعَهُ مَرْسُومٌ بِرُكُوبِ الْجَيْشِ مَعَهُ إلى خيار وَأَصْحَابِهِ، فَسَارُوا كَمَا ذَكَرْنَا، فَوَصَلُوا إِلَى
تَدْمُرَ، وَهَرَبَتِ الْأَعْرَابُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ نَائِبِ الشَّامِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يُوَاجِهُوهُ هَيْبَةً لَهُ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَحَرَّفُونَ عَلَى حَمْزَةَ بْنِ الْخَيَّاطِ، ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ بَيَّتُوا الْجَيْشَ فَقَتَلُوا مِنْهُ طَائِفَةً وَجَرَحُوا آخَرِينَ وَأَسَرُوا
آخَرِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
سَلْطَنَةُ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ نَاصِرِ الدِّينِ " شعبان بن حسين بن الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ خَامِسَ عَشَرَ شَعْبَانَ " لَمَّا كَانَ عَشِيَّةَ السَّبْتِ تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ قَدِمَ أَمِيرٌ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَنَزَلَ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَأَخْبَرَ بِزَوَالِ مَمْلَكَةِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ بْنِ الْمُظَفَّرِ حَاجِّي بن الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ، وَمُسِكَ وَاعْتُقِلَ.
وبويع للملك الأشرف شعبان بن حسين النَّاصِرِ بْنِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ قريب العشرين (1) ، فَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ الْأَحَدِ فِي الزِّينَةِ.
وَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ وَالصَّاحِبُ سَعْدُ الدِّينِ مَاجِدٌ نَاظِرُ الدَّوَاوِينِ، أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ الْخَامِسَ عَشَرَ (2) مِنْ شَعْبَانَ عُزِلَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ وَأُودِعَ مَنْزِلَهُ وَأُجْلِسَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ نَاصِرُ الدِّينِ شَعْبَانُ عَلَى سَرِيرِ الْمَلِكِ، وَبُويِعَ لِذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ رَعْدٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَمَطَرٌ كَثِيرٌ، وَجَرَتِ الْمَزَارِيبُ، فَصَارَ غُدْرَانًا فِي الطُّرُقَاتِ، وَذَلِكَ فِي خَامِسِ حُزَيْرَانَ، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ، هَذَا وَقَدْ وَقَعَ وَبَاءٌ فِي مِصْرَ فِي أَوَّلِ شَعْبَانَ (3)(*) ، فَتَزَايِدَ وَجُمْهُورُهُ فِي الْيَهُودِ، وَقَدْ وَصَلُوا إِلَى الْخَمْسِينَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِهِ اشْتَهَرَ الْخَبَرُ عَنِ الْجَيْشِ بِأَنَّ الْأَعْرَابَ اعْتَرَضُوا التَّجْرِيدَةَ الْقَاصِدِينَ إِلَى الرَّحْبَةِ وواقفوهم وَقَتَلُوا مِنْهُمْ وَنَهَبُوا وَجَرَحُوا، وَقَدْ سَارَ الْبَرِيدُ خَلْفَ النَّائِبِ وَالْأُمَرَاءِ لِيَقْدَمُوا إِلَى الْبَلَدِ لِأَجْلِ الْبَيْعَةِ لِلسُّلْطَانِ الْجَدِيدِ.
جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَارَكًا عَلَى المسلمين، ثم قدم جماعة من الأمراء
(1) في السلوك 3 / 83 والنجوم الزاهرة 11 / 24: له من العمر عشر سنين، وفي بدائع الزهور 1 / 2 / 3:" نحو اثني عشر سنة ".
_________
(2)
في بدائع الزهور 1 / 1 / 592: يوم الاثنين رابع عشر شعبان ويرى المقريزي في السلوك 3 / 83 سبب خلعه من السلطنة " لاختلال عقله " ويرى ابن أياس في بدائع الزهور 1 / 1 / 592 سبب خلعه فيقول: " فإنه انهمك على شرب الخمور، وسماع الآلات والزمور، واشتغل بذلك عن أمور المملكة، وصار يحتجب عن الناس في المحاكمات، فضاعت حقوق المسلمين ولم يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ ناصر
ولا معين ".
وراجع تفاصيل أخرى في خلعه في النجوم الزاهرة 11 / 7.
_________
(3)
كان أول ابتدائه في ربيع الآخرة وفشى في الناس وتزايدت خطورته في جمادى الآخرة وأكثر من هلك فيه من الاطفال (بدائع الزهور 1 / 592) .