الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنُ الْوَحِيدِ الْكَاتِبُ هُوَ الصَّدْرُ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيفِ بْنِ يُوسُفَ الزُّرَعِيُّ (1) الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْوَحِيدِ، كَانَ مُوَقِّعًا بِالْقَاهِرَةِ وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْإِنْشَاءِ وَبَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْكِتَابَةِ فِي زَمَانِهِ، وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِهِ، وَكَانَ فَاضِلًا مِقْدَامًا شُجَاعًا، تُوُفِّيَ بِالْمَارَسْتَانِ الْمَنْصُورِيِّ بِمِصْرَ سادس عشر شوال (2) .
الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمَادِ الدِّينِ حسن بن النسائي أحد أمراء الطبلخانات، وَهُوَ حَاكِمُ الْبُنْدُقِ، وَلِيَ ذَلِكَ بَعْدَ سَيْفِ الدين بلبان، توفي في العشرين الأخر مِنْ رَمَضَانَ.
التَّمِيمِيُّ الدَّارِيُّ تُوُفِّيَ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ الصُّغْرَى، وَقَدْ وَلِيَ الْوِزَارَةَ بمصر، وكان خبيراً كافيا، مان مَعْزُولًا، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَسَمِعَ عَلَيْهِ بَعْضُ الطَّلَبَةِ.
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ جَاءَ الْخَبَرُ إِلَى دمشق بوفاة الأمير الكبير استدمر وبنخاص فِي السِّجْنِ بِقَلْعَةِ الْكَرَكِ.
الْقَاضِي الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْحَافِظُ سَعْدُ الدِّينِ مَسْعُودٌ الْحَارِثِيُّ الْحَنْبَلِيُّ الْحَاكِمُ بِمِصْرَ، سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَجَمَعَ وَخَرَّجَ وَصَنَّفَ،
وَكَانَتْ له يد طولى في هذه الصناعة والأسانيد وَالْمُتُونِ، وَشَرَحَ قِطْعَةً مَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فأجاد وأفاد، وحسن الإسناد، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سنة اثنتي عشرة وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ وَالْحُكَّامُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَفِي خَامِسِ الْمُحَرَّمِ تَوَجَّهَ الْأَمِيرُ عِزُّ الدين ازدمر الزَّرَدْكَاشُ وَأَمِيرَانِ مَعَهُ إِلَى الْأَفْرَمِ، وَسَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ حَتَّى لَحِقُوا بِقَرَاسُنْقُرَ وَهُوَ عِنْدَ مُهَنَّا، وَكَاتَبُوا السلطان وكانوا كَالْمُسْتَجِيرِينَ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ، وَجَاءَ الْبَرِيدُ فِي صفر بالاحتياط على حواصل الأفرم وقراسنقر والزرد كاش وَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ، وَقَطْعِ خُبْزِ مُهَنَّا وجعل مكانه في الامرة
(1) الزرعي: نسبة إلى مدينة زرع احدى مدن حوران (تقويم البلدان لابي الفداء ص 259) .
_________
(2)
في تذكرة النبيه 2 / 43: في شعبان، وكان مولده بدمشق سنة 647 هـ.
أَخَاهُ مُحَمَّدًا، وَعَادَتِ الْعَسَاكِرُ صُحْبَةَ أَرْغُوَنَ (1) مِنَ الْبِلَادِ الشَّمَالِيَّةِ، وَقَدْ حَصَلَ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ قَرَاسُنْقُرَ وَأَصْحَابِهِ هَمٌّ وَغَمٌّ وَحُزْنٌ، وَقَدِمَ سَوْدِي (2) مِنْ مِصْرَ عَلَى نِيَابَةِ حَلَبَ فَاجْتَازَ بِدِمَشْقَ فَخَرَجَ النَّاسُ وَالْجَيْشُ لِتَلَقِّيهِ، وَحَضَرَ السِّمَاطُ وَقُرِئَ المنشور بطلب جَمَالِ الدِّينِ نَائِبِ دِمَشْقَ إِلَى مِصْرَ، فَرَكِبَ مِنْ سَاعَتِهِ عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى مِصْرَ وَتَكَلَّمَ في نِيَابَتِهِ لِغَيْبَةِ لَاجِينَ.
وَطُلِبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ قطب الدين موسى شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ نَاظِرُ الْجَيْشِ إِلَى مِصْرَ، فَرَكِبَ في آخر النَّهار إليها فتولى بها نظر الجيش عِوَضًا عَنْ فَخْرِ الدِّينِ الْكَاتِبِ كَاتِبِ الْمَمَالِيكِ بِحُكْمِ عَزْلِهِ وَمُصَادَرَتِهِ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِ الْكَثِيرَةِ مِنْهُ، فِي عَاشِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَفِي الْحَادِي عَشَرَ مِنْهُ بَاشَرَ الْحُكْمَ لِلْحَنَابِلَةِ بِمِصْرَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعِزِّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَوَضٍ الْمَقْدِسِيُّ، وَهُوَ ابْنُ بِنْتِ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الْعِمَادِ أَوَّلِ قُضَاةِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَدِمَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ تَمُرُ عَلَى نِيَابَةِ طَرَابُلُسَ؟ عِوَضًا عَنِ الْأَفْرَمِ بِحُكْمِ هَرَبِهِ إِلَى التَّتَرِ.
وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مُسِكَ بَيْبَرْسُ الْعَلَائِيُّ نَائِبُ حِمْصَ وَبَيْبَرْسُ الْمَجْنُونُ وَطُوغَانُ وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنَ الْأُمَرَاءِ سِتَّةٌ فِي نَهَارٍ وَاحِدٍ وَسُيِّرُوا إِلَى الْكَرَكِ مُعْتَقَلِينَ بِهَا.
وَفِيهِ مُسِكَ نَائِبُ مِصْرَ الْأَمِيرُ رُكْنُ الدِّينِ بَيْبَرْسُ الدَّوَادَارُ الْمَنْصُورِيُّ، وَوَلِيَ بَعْدَهُ أَرْغُوَنُ الدَّوَادَارُ، وَمُسِكَ نَائِبُ الشَّامِ
جَمَالُ الدِّينِ نَائِبُ الْكَرَكِ وشمس الدين سنقر الكمالي حاجب بِمِصْرَ، وَخَمْسَةُ أُمَرَاءَ آخَرُونَ وَحُبِسُوا كُلُّهُمْ بِقَلْعَةِ الْكَرَكِ، فِي بُرْجٍ هُنَاكَ.
وَفِيهِ وَقَعَ حَرِيقٌ داخل باب السلامية احْتَرَقَ فِيهِ دُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا دَارُ ابْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ، وَدَارُ الشَّرِيفِ الْقَبَّانِيِّ.
نِيَابَةُ تَنْكِزَ عَلَى الشَّامِ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ دَخَلَ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ تَنْكِزَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ النَّاصِرِيُّ نَائِبًا عَلَى دِمَشْقَ بَعْدَ مَسْكِ نَائِبِ الْكَرَكِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مَمَالِيكِ السُّلْطَانِ مِنْهُمُ الْحَاجُّ أَرُقْطَايْ عَلَى حيز بَيْبَرْسَ الْعَلَائِيِّ، وَخَرَجَ النَّاسُ لِتَلَقِّيهِ وَفَرِحُوا بِهِ كَثِيرًا، وَنَزَلَ بِدَارِ السَّعَادَةِ وَوَقَعَ عِنْدَ قُدُومِهِ مصر فرح عَظِيمٌ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ آبٍ، وَحَضَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْخُطْبَةَ بِالْمَقْصُورَةِ وَأُشْعِلَتْ لَهُ الشُّمُوعُ فِي طَرِيقِهِ، وَجَاءَ تَوْقِيعٌ لِابْنِ صَصْرَى بِإِعَادَةِ قَضَاءِ الْعَسْكَرِ إِلَيْهِ، وَأَنْ يَنْظُرَ الْأَوْقَافَ فَلَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي الِاسْتِنَابَةِ فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ عَلَى عَادَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ قُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَجَاءَ مَرْسُومٌ لِشَمْسِ الدِّينِ أَبِي طَالِبِ بْنِ حُمَيْدٍ بِنَظَرِ الْجَيْشِ عِوَضًا عَنَ ابْنِ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ بِحُكْمِ إِقَامَتِهِ بِمِصْرَ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ وَصَلَ الصَّدْرُ مُعِينُ الدِّينِ هبة الله بن خشيش ناظر الجيش وجعل ابن حميد بوظيفة ابن الصدر، وَسَافَرَ ابْنُ الْبَدْرِ عَلَى نَظَرِ جَيْشِ طَرَابُلُسَ، وتولى
(1) وهو أرغون شاه بن عبد الله الدوادار الناصري، الأمير سيف الدين، ولي نيابة السلطنة في الديار المصرية في جمادى الأولى وكانت وفاته سنة 731 هـ (الدرر 1 / 374 شذرات 6 / 95) .
_________
(2)
وهو الأمير سيف الدين، سودي بن عبد الله الناصري من مماليك الملك الناصر محمد ومن خواص توفي سنة 714 هـ.
(النجوم الزاهرة 9 / 229 الدرر الكامنة 2 / 275.
أَرْغُوَنُ نِيَابَةَ مِصْرَ وَعَادَ فَخْرُ الدِّينِ كَاتِبُ الْمَمَالِيكِ إِلَى وَظِيفَتِهِ مَعَ اسْتِمْرَارِ قُطْبِ الدِّينِ ابن شيخ السلامية مُبَاشِرًا مَعَهُ.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ قَامَ الشَّيْخُ محمد بن قوام ومعه جماعة مِنَ الصَّالِحِينَ عَلَى ابْنِ زُهْرَةَ الْمَغْرِبِيِّ الَّذِي كان يتكلم بالكلاسة وكتبوا عليه محضرا يتضمن اسْتِهَانَتَهُ بِالْمُصْحَفِ، وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ
الْعِلْمِ، فَأُحْضِرَ إِلَى دَارِ الْعَدْلِ فَاسْتَسْلَمَ وَحُقِنَ دَمُهُ وَعُزِّرَ تَعْزِيرًا بَلِيغًا عَنِيفًا وَطِيفَ بِهِ فِي الْبَلَدِ بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ، وَهُوَ مَكْشُوفُ الرَّأْسِ وَوَجْهُهُ مَقْلُوبٌ وَظَهْرُهُ مَضْرُوبٌ، يُنَادَى عَلَيْهِ هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ، ثُمَّ حُبِسَ وَأُطْلِقَ فَهَرَبَ إِلَى الْقَاهِرَةِ، ثُمَّ عَادَ عَلَى الْبَرِيدِ فِي شَعْبَانَ وَرَجَعَ إِلَى مَا كان عليه.
وفيها قَدِمَ بَهَادُرُآصْ مِنْ نِيَابَةِ صَفَدَ إِلَى دِمَشْقَ وهنأه الناس، وفيها قَدِمَ كِتَابٌ مِنَ السُّلْطَانِ إِلَى دِمَشْقَ أَنْ لَا يُوَلَّى أَحَدٌ بِمَالٍ وَلَا بِرِشْوَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى وِلَايَةِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْوِلَايَةِ، وَإِلَى وِلَايَةِ غَيْرِ الْأَهْلِ، فَقَرَأَهُ ابْنُ الزملكاني على السدة وبلغه عنه ابن حبيب الْمُؤَذِّنُ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ بن تَيْمِيَّةَ رحمه الله.
وَفِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ حَصَلَ لِلنَّاسِ خَوْفٌ بِدِمَشْقَ بِسَبَبِ أَنَّ التَّتَرَ قَدْ تحركوا للمجئ إِلَى الشَّامِ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ وَخَافُوا، وَتَحَوَّلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْبَلَدِ، وَازْدَحَمُوا فِي الْأَبْوَابِ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَثُرَتِ الْأَرَاجِيفُ بِأَنَّهُمْ قَدْ وَصَلُوا إِلَى الرَّحْبَةِ (1) ، وَكَذَلِكَ جَرَى وَاشْتَهَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ قَرَاسُنْقُرَ وَذَوِيهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي رَمَضَانَ جَاءَ كِتَابُ السُّلْطَانِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَيْهِ، بَلْ يُتَبَّعُ الْقَاتِلُ حَتَّى يُقْتَصَّ مِنْهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، فَقَرَأَهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ عَلَى السُّدَّةِ بِحَضْرَةِ نائب السلطنة ابن تَنْكِزَ وَسَبَبُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، هُوَ أَمَرَ بِذَلِكَ وَبِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ قَبْلَهُ.
وَفِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَصَلَ التَّتَرُ إِلَى الرَّحْبَةِ فَحَاصَرُوهَا عِشْرِينَ يَوْمًا (2) وَقَاتَلَهُمْ نائبها الأمير بدر الدين موسى الأزدكشي خَمْسَةَ أَيَّامٍ قِتَالًا عَظِيمًا، وَمَنْعَهُمْ مِنْهَا فَأَشَارَ رَشِيدُ الدَّوْلَةِ بِأَنْ يَنْزِلُوا إِلَى خِدْمَةِ السُّلْطَانِ خَرْبَنْدَا وَيُهْدُوا لَهُ هَدِيَّةً وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ الْعَفْوَ، فنزل القاضي نجم الدين إسحاق وأهدوا له خمسة رؤوس خَيْلٍ، وَعَشَرَةَ أَبَالِيجَ سُكَّرٍ، فَقَبِلَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ، وَكَانَتْ بِلَادُ حَلَبَ وَحَمَاةَ وَحِمْصَ قَدْ أُجْلُوْا مِنْهَا وَخَرِبَ أَكْثَرُهَا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْهَا لَمَّا تَحَقَّقُوا رُجُوعَ التَّتَرِ عَنِ الرَّحْبَةِ، وَطَابَتِ الْأَخْبَارُ وَسَكَنَتِ النُّفُوسُ وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ وَتَرَكَتِ الْأَئِمَّةُ الْقُنُوتَ، وَخَطَبَ الْخَطِيبُ يَوْمَ الْعِيدِ وَذَكَّرَ النَّاسَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ.
وَكَانَ سَبَبُ رُجُوعِ التَّتَرِ قلة العلف وعلاء الْأَسْعَارِ وَمَوْتَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَأَشَارَ عَلَى سُلْطَانِهِمْ بِالرُّجُوعِ الرَّشِيدُ وَجُوبَانُ.
وَفِي ثَامِنِ شَوَّالٍ دَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِدِمَشْقَ بِسَبَبِ خُرُوجِ السُّلْطَانِ مِنْ مِصْرَ لأجل ملاقاة التتر.
(1) الرحبة: (رحبة مالك بن طرحة) : مدينة على شاطئ الفرات بين الرقة وبغداد (تقويم البلدان ص 280 - معجم البلدان) .
_________
(2)
في مختصر أبي الفداء 4 / 70: نحو شهر، وفي تذكرة النبيه 2 / 45: ثلاثة وعشرين يوما.
وَخَرَجَ الرَّكْبُ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ وَأَمِيرُهُمْ حُسَامُ الدين الصَّغِيرُ، الَّذِي كَانَ وَالِيَ الْبَرِّ، وَقَدِمَتِ الْعَسَاكِرُ الْمِصْرِيَّةُ أَرْسَالًا، وَكَانَ قُدُومُ السُّلْطَانِ وَدُخُولُهُ دِمَشْقَ ثالث عشرين شوال، واحتفل الناس لدخوله ونزل القلعة وزينت البلد وضربت الْبَشَائِرُ، ثُمَّ انْتَقَلَ بَعْدَ لَيْلَتِئِذٍ إِلَى الْقَصْرِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْجَامِعِ بِالْمَقْصُورَةِ وَخَلَعَ عَلَى الْخَطِيبِ، وَجَلَسَ فِي دَارِ الْعَدْلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَقَدِمَ وَزِيرُهُ أَمِينُ الْمُلْكِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ عِشْرِينَ الشَّهْرِ، وَقَدِمَ صُحْبَةَ السُّلْطَانِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ تقي الدين أبو العباس أحمد بن تَيْمِيَّةَ إِلَى دِمَشْقَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ مُسْتَهَلِّ ذِي القعدة وكانت غيبته عنها سبع سنين، وَمَعَهُ أَخَوَاهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَخَرَجَ خَلْقٌ كَثِيرٌ لِتَلَقِّيهِ وَسُرُّوا بِقُدُومِهِ وَعَافِيَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ، وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ حَتَّى خَرَجَ خَلْقٌ مِنَ النِّسَاءِ أَيْضًا لِرُؤْيَتِهِ، وَقَدْ كَانَ السُّلْطَانُ صَحِبَهُ مَعَهُ مِنْ مِصْرَ فَخَرَجَ مَعَهُ بِنِيَّةِ الْغَزَاةِ، فَلَمَّا تَحَقَّقَ عَدَمَ الْغَزَاةِ وَأَنَّ التَّتَرَ رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ فَارَقَ الْجَيْشَ مِنْ غَزَّةَ وَزَارَ الْقُدْسَ وَأَقَامَ بِهِ أَيَّامًا، ثُمَّ سَافَرَ عَلَى عَجْلُونَ وَبِلَادِ السَّوَادِ وَزُرَعَ، وَوَصَلَ دِمَشْقَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَدَخَلَهَا فَوَجَدَ السُّلْطَانَ قَدْ توجَّه إِلَى الْحِجَازِ الشَّرِيفِ فِي أَرْبَعِينَ أَمِيرًا مِنْ خَوَاصِّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَانِي ذِي الْقَعْدَةِ، ثُمَّ إِنَّ الشَّيْخَ بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَى دِمَشْقَ وَاسْتِقْرَارِهِ بِهَا لَمْ يَزَلْ مُلَازِمًا لِاشْتِغَالِ النَّاسِ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ وَنَشْرِ الْعِلْمِ وَتَصْنِيفِ الْكُتُبِ وَإِفْتَاءِ النَّاسِ بِالْكَلَامِ وَالْكِتَابَةِ الْمُطَوِّلَةِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَفِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ يُفْتِي بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ مِنْ مُوَافَقَةِ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَفِي بَعْضِهَا يُفْتِي بِخِلَافِهِمْ وَبِخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي مَذَاهِبِهِمْ، وَلَهُ اخْتِيَارَاتٌ كَثِيرَةٌ مُجَلَّدَاتٌ عَدِيدَةٌ أَفْتَى فِيهَا بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ.
فَلَمَّا سَارَ السُّلْطَانُ إِلَى الْحَجِّ فَرَّقَ الْعَسَاكِرَ وَالْجُيُوشَ بِالشَّامِ وَتَرَكَ أَرْغُوَنَ بِدِمَشْقَ.
وَفِي يوم
الجمعة لبس الشيخ كمال الدين الزملكاني خلعة وكاة بَيْتِ الْمَالِ عِوَضًا عَنِ ابْنِ الشَّرِيشِيِّ، وَحَضَرَ بها الشباك وتكلم وزير السلطان في البلد، وطلب أَمْوَالًا كَثِيرَةً وَصَادَرَ وَضَرَبَ بِالْمَقَارِعِ وَأَهَانَ جَمَاعَةً من الرؤساء منهم ابن فضل الله محيي الدين.
وَفِيهِ عُيِّنَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ جَهْبَلٍ لِتَدْرِيسِ الصلاحية بالمقدس عِوَضًا عَنْ نَجْمِ الدِّينِ دَاوُدَ الْكُرْدِيِّ تُوُفِّيَ، وقد كان مدرسا مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً.
فَسَافَرَ ابْنُ جَهْبَلٍ إِلَى الْقُدْسِ بَعْدَ عِيدِ الْأَضْحَى.
وَفِيهَا مَاتَ ملك القفجاق المسمى طغطاي خان، وكان له من الملك ثلاث وعشرون سنة، وكان عمره ثمانياً وثلاثين سنة، وكان شهماً شجاعاً لى دِينِ التَّتَرِ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْكَوَاكِبِ، يُعَظِّمُ الْمُجَسِّمَةَ وَالْحُكَمَاءَ وَالْأَطِبَّاءَ وَيُكْرِمُ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، كَانَ جَيْشُهُ هَائِلًا لَا يَجْسُرُ أَحَدٌ عَلَى قِتَالِهِ لِكَثْرَةِ جَيْشِهِ وَقُوَّتِهِمْ وَعَدَدِهِمْ، وَيُقَالُ إِنَّهُ جَرَّدَ مَرَّةً تَجْرِيدَةً مِنْ كُلِّ عشرة من جيشه واحداً فبلغت التجريدة ومائتي ألف وخمسين ألفاً، توفي في رمضان منها وَقَامَ فِي الْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ ابْنُ أَخِيهِ أُزْبَكْ خَانْ، وَكَانَ مُسْلِمًا فَأَظْهَرَ دِينَ الْإِسْلَامِ بِبِلَادِهِ، وَقَتَلَ خَلْقًا مِنْ