الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاسْتَفَكُّوا مِنْ دِيوَانِ الْأَسْرَى بِنَحْوٍ مَنْ سِتِّينَ أَلْفًا، وَكَثُرَتِ الْأَدْعِيَةُ لِمَنْ كَانَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ.
وَفِي ثَامِنِ شَوَّالٍ خَرَجَ الرَّكْبُ الشَّامِيُّ إلى الحجاز وأميره سيف الدين بالبان الْمُحَمَّدِيُّ، وَقَاضِيهِ بَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ قَاضِي حَرَّانَ.
وَفِي شَوَّالٍ وَصَلَ تَقْلِيدُ قَضَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِدِمَشْقَ لِبَدْرِ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ بن عز الدين الصائغ والخلعة معه، فامتنع من ذَلِكَ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، وَصَمَّمَ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ الدَّوْلَةُ فَلَمْ يَقْبَلْ وَكَثُرَ بُكَاؤُهُ وَتَغَيَّرَ مِزَاجُهُ وَاغْتَاظَ، فَلَمَّا أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ رَاجَعَ تَنْكِزُ السُّلْطَانَ فِي ذَلِكَ، فلمَّا كَانَ شَهْرُ ذِي الْقَعْدَةِ اشْتَهَرَ تَوْلِيَةُ عَلَاءِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْقُونَوِيِّ (1) قَضَاءَ الشَّامِ، فَسَارَ إِلَيْهَا مِنْ مِصْرَ وزار القدس ودخل دمشق يوم الاثنين سابع عشرين ذي القعدة، فاجتمع بنائب السلطنة ولبس الخلعة وركب مع الْحُجَّابُ وَالدَّوْلَةُ إِلَى الْعَادِلِيَّةِ، فَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ بِهَا وَحَكَمَ بِهَا عَلَى الْعَادَةِ، وَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ وَبِحُسْنِ سَمْتِهِ وَطِيبِ لَفْظِهِ وَمَلَاحَةِ شَمَائِلِهِ وَتَوَدُّدِهِ، وولي بعده مشيخة الشيوخ بمصر مَجْدُ الدِّينِ الْأَقْصُرَائِيُّ الصُّوفِيُّ شَيْخُ سِرْيَاقُوسَ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ ثَالِثِ عِشْرِينَ ذِي الْقَعْدَةِ لَبِسَ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ فَضْلِ اللَّهِ الْخِلْعَةَ بكتابة السر عوضاً عن ابن الشِّهَابِ مَحْمُودٍ، وَاسْتَمَرَّ وَلَدُهُ شَرَفُ الدِّينِ فِي كتابة الدست (2) .
وفي هذه السنة تَوَلَّى قَضَاءَ حَلَبَ عِوَضًا عَنِ ابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ القاضي فخر الدين البازري.
وَفِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَمَلَ تَرْخِيمُ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ أَعْنِي حَائِطَهُ الشَّمَالِيَّ وَجَاءَ تَنْكِزُ حتَّى نَظَرَ إِلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، وَشَكَرَ نَاظِرَهُ تَقِيَّ الدِّينِ بْنَ مَرَاجِلَ.
وَفِي يَوْمِ الْأَضْحَى جَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ إِلَى مَدِينَةِ بُلْبَيْسَ فَهَرَبَ أَهْلُهَا مِنْهَا وَتَعَطَّلَتِ الصَّلَاةُ وَالْأَضَاحِي فِيهَا، ولم ير مثله من مدة سنين متطاولة، وخرب شيئاً كثيراً من حواضرها وبساتينها فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا
مِنَ الْأَعْيَانِ: الْأَمِيرُ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الواحد أبي حفص الهنتاني الجياني (3) الْمَغْرِبِيُّ، أَمِيرُ بِلَادِ
الْمَغْرِبِ.
وُلِدَ بِتُونُسَ قَبْلَ سَنَةِ خَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَقَرَأَ الْفِقْهَ وَالْعَرَبِيَّةَ، وَكَانَ مُلُوكُ تُونُسَ تُعَظِّمُهُ وَتُكْرِمُهُ، لِأَنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمُلْكِ وَالْإِمْرَةِ وَالْوِزَارَةِ.
ثُمَّ بَايَعَهُ أَهْلُ تُونُسَ عَلَى الْمُلْكِ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَكَانَ شُجَاعًا مِقْدَامًا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ ذِكْرَ ابْنِ التُّومَرْتِ مِنَ الْخُطْبَةِ، مَعَ أَنَّ
(1) القونوي: نسبة إلى مدينة قونية بآسيا الصغرى، وتوفي سنة 729 هـ.
_________
(2)
وفي بدائع الزهور 1 / 1 / 458 انه تم عزل محيي الدين عن كتابة السر، واستقر بها شرف الدين بن الشهاب محمود.
_________
(3)
كذا بالاصل، وفي شذرات الذهب 6 / 76 وتذكرة النبيه 2 / 176: اللحياني.
جده أبا حفص الهنتاني كان من أَصْحَابِ ابْنِ التُّومَرْتِ.
تُوُفِّيَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِمَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
رحمه الله.
الشَّيْخُ الصالح ضياء الدين ضياء الدين أبو الفدا إسماعيل بْنِ رَضِيِّ الدِّينِ أَبِي الْفَضْلِ الْمُسَلَّمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ نَصْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْحَمَوِيِّ، كَانَ هُوَ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مِنَ الْكُتَّابِ الْمَشْهُورِينَ الْمَشْكُورِينَ، وَكَانَ هُوَ كَثِيرَ التِّلَاوَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ وَخَرَّجَ لَهُ الْبِرْزَالِيُّ مَشْيَخَةً سَمِعْنَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ مِنْ صُدُورِ أَهْلِ دِمَشْقَ، تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رابع عشر صفر، وصلّي عليه ضحوة بوم السَّبْتِ، وَدُفِنَ بِبَابِ الصَّغِيرِ، وَحَجَّ وَجَاوَرَ وَأَقَامَ بالقدس مدة.
مات وله ثنتان وسبعون سنة رحمه الله، وقد ذكر والده أنه حِينَ وُلِدَ لَهُ فَتَحَ الْمُصْحَفَ يَتَفَاءَلُ فَإِذَا قوله (الحمد الله الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) [إبراهيم: 39] فَسَمَّاهُ إِسْمَاعِيلَ.
ثُمَّ وُلِدَ لَهُ آخَرُ فسماه إسحاق، وهذا من الانفاق الحسن رحمهم الله تعالى.
الشيخ علي المحارفي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هُوسٍ الْهِلَالِيُّ، أَصْلُ جده من قرية إيل البسوق، وَأَقَامَ وَالِدُهُ بِالْقُدْسِ،
وَحَجَّ هُوَ مَرَّةً وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ سَنَةً ثُمَّ حَجَّ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مشهوراً، ويعرف بالمحارفي، لأنه كان يحرف الْأَزِقَّةَ وَيُصْلِحُ الرِّصْفَانَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ يُكْثِرُ التَّهْلِيلَ وَالذِّكْرَ جَهْرَةً، وَكَانَ عَلَيْهِ هَيْبَةٌ وَوَقَارٌ، وَيَتَكَلَّمُ كَلَامًا فِيهِ تَخْوِيفٌ وَتَحْذِيرٌ مِنَ النَّارِ، وَعَوَاقِبِ الرَّدَى، وَكَانَ مُلَازِمًا لِمَجَالِسِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثِ عِشْرِينَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةِ الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ بِالسَّفْحِ، وكانت جنازته حافلة جداً رحمه الله.
الْمَلِكُ الْكَامِلُ نَاصِرُ الدِّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَلِكِ السَّعِيدِ فَتْحِ الدِّينِ عَبْدِ الْمَلِكِ بن السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ أَبِي الْجَيْشِ بْنُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ أَحَدُ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ وَأَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، كَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الْبَلَدِ ذَكَاءً وَفِطْنَةً وَحُسْنَ عِشْرَةٍ وَلَطَافَةِ كَلَامٍ، بِحَيْثُ يَسْرُدُ كَثِيرًا مِنَ الْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْثَالِ مِنْ قُوَّةِ ذِهْنِهِ وَحَذَاقَةِ فَهْمِهِ، وَكَانَ رَئِيسًا مَنْ أَجْوَادِ النَّاسِ، تُوُفِّيَ عَشِيَّةَ الْأَرْبِعَاءِ عِشْرِينَ جمادى الأولى (1)
(1) في تذكرة النبيه 2 / 177: جمادى الآخرة، وفيها كان مولده بظهر الحجاز الشريف سنة 653 هـ.
مات وقد جاوز السبعين.
وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ظُهْرَ الْخَمِيسِ بِصَحْنِ الْجَامِعِ تَحْتَ النَّسْرِ، ثُمَّ أَرَادُوا دَفْنَهُ عِنْدَ جَدِّهِ لِأُمِّهِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ ذَلِكَ فَدُفِنَ بِتُرْبَةِ أُمِّ الصَّالِحِ سَامَحَهُ اللَّهُ، وَكَانَ لَهُ سَمَاعٌ كَثِيرٌ سَمِعْنَا عَلَيْهِ مِنْهُ، وَكَانَ يَحْفَظُ تَارِيخًا جَيِّدًا، وَقَامَ وَلَدُهُ الْأَمِيرُ صَلَاحُ الدِّينِ مَكَانَهُ في إمرة الطبلخانة، وَجُعِلَ أَخُوهُ فِي عَشَرَتِهِ وَلَبِسَا الْخِلَعَ السُّلْطَانِيَّةَ بِذَلِكَ.
الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَزْمِ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ الْقَمُولِيُّ (1) ، كَانَ مِنْ أَعْيَانِ الشَّافِعِيَّةِ، وَشَرَحَ الْوَسِيطَ (2)(*) وَشَرَحَ الْحَاجِبِيَّةَ فِي مُجَلَّدَيْنِ، وَدَرَّسَ وَحَكَمَ بِمِصْرَ، وَكَانَ مُحْتَسِبًا بِهَا أَيْضًا، وَكَانَ مَشْكُورَ السِّيرَةِ فِيهَا، وَقَدْ تَوَلَّى بَعْدَهُ الْحُكْمَ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ عقيل، والحسبة ناصر الدين بن قار السبقوق، تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ، وَدُفِنَ بالقرافة رحمه الله.
الشَّيْخُ الصَّالِحُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُوسَى بْنِ خَلَفٍ الْحِزَامِيُّ، أَحَدُ مَشَاهِيرِ الصَّالِحِينَ بمصر، توفي بالروضة وَحُمِلَ إِلَى شَاطِئِ النِّيلِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَحُمِلَ على الرؤوس وَالْأَصَابِعِ، وَدُفِنَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَقَدْ قارب الثمانين، وكان ممن يقصد إلى الزيارة رحمه الله.
الْقَاضِي عِزُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بن عثمان بن عيسى بن عمر الْخَضِرِ الْهَكَّارِيُّ الشَّافِعِيُّ، قَاضِي الْمَحَلَّةِ، كَانَ مِنْ خِيَارِ الْقُضَاةِ، وَلَهُ تَصْنِيفٌ عَلَى حَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ، يُقَالُ إِنَّهُ اسْتَنْبَطَ فِيهِ أَلْفَ حُكْمٍ.
تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، وَقَدْ كَانَ حَصَّلَ كتباً جَيِّدَةً مِنْهَا التَّهْذِيبُ لِشَيْخِنَا الْمِزِّيِّ.
الشَّيْخُ كَمَالُ الدين بن الزَّمْلَكَانِيِّ (3) شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا، انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الْمَذْهَبِ تَدْرِيسًا وَإِفْتَاءً وَمُنَاظَرَةً، وَيُقَالُ فِي
(1) من تذكرة النبيه وشذرات الذهب، وفي الاصل:" التمولي " تحريف.
والقمولي: نسبة إلى قمولة بلد بصعيد مصر، وهي من الاعمال القوصية (القاموس الجغرافي 4 / 183) .
_________
(2)
وهو كتاب الوسيط في الفروع للامام أبي حامد الغزالي الشافعي المتوفى سنة 505 (كشف الظنون 2 / 2008) .
_________
(3)
وهو كمال الدين محمد بن علي بن الواحد بن عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ خَلَفِ بْنِ نَبْهَانَ الْأَنْصَارِيُّ الزملكاني الشافعي (شذرات الذهب 6 / 78 وبدائع الزهور 1 / 1 / 458 وتذكرة النبيه 2 / 172) .
نَسَبِهِ السِّمَاكِيُّ نِسْبَةً إِلَى أَبِي دُجانة سمِاك بْنِ خَرَشَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وُلِدَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ ثَامِنِ شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ (1) وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ وَاشْتَغَلَ عَلَى الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْفَزَارِيِّ، وَفِي الْأُصُولِ عَلَى الْقَاضِي بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ الزَّكِيِّ، وَفِي النَّحْوِ عَلَى بَدْرِ الدِّينِ بْنِ ملك وَغَيْرِهِمْ، وَبَرَعَ وَحَصَّلَ وَسَادَ أَقْرَانَهُ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ، وَحَازَ قَصَبَ السَّبْقِ عَلَيْهِمْ بِذِهْنِهِ الْوَقَّادِ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ الَّذِي أَسْهَرَهُ وَمَنْعَهُ الرُّقَادَ وعبارته التي هي أشهى من كل شئ مُعْتَادٍ، وَخَطِّهِ الَّذِي هُوَ أَنْضَرُ مِنْ أَزَاهِيرِ الوهاد، وقد درّس بعدة مدارس بدمشق، وَبَاشَرَ عِدَّةَ جِهَاتٍ كِبَارٍ، كَنَظَرِ الْخِزَانَةِ وَنَظَرِ الْمَارَسْتَانِ
النُّورِيِّ وَدِيوَانِ الْمَلِكِ السَّعِيدِ، وَوَكَالَةِ بَيْتِ الْمَالِ.
وَلَهُ تَعَالِيقُ مُفِيدَةٌ وَاخْتِيَارَاتٌ حَمِيدَةٌ سَدِيدَةٌ، وَمُنَاظَرَاتٌ سَعِيدَةٌ.
وَمِمَّا عَلَّقَهُ قِطْعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ شرح المنهاج للنووي، ومجلد في الرد على الشيخ تقي الدين بن تَيْمِيَّةَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وأمَّا دُرُوسُهُ فِي الْمَحَافِلِ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنَ النَّاس درس أحسن منها ولا أحلى مِنْ عِبَارَتِهِ، وَحُسْنِ تَقْرِيرِهِ، وَجَوْدَةِ احْتِرَازَاتِهِ، وَصِحَّةِ ذِهْنِهِ وَقُوَّةِ قَرِيحَتِهِ وَحُسْنِ نَظْمِهِ، وَقَدْ دَرَّسَ بالشامية البرانية والعذراوية الجوانية وَالرَّوَاحِيَّةِ وَالْمَسْرُورِيَّةِ، فَكَانَ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَقَّهَا بِحَيْثُ كَانَ يَكَادُ يَنْسَخُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الدُّرُوسِ مَا قَبْلَهُ مَنْ حُسْنِهِ وفصاحته، ولا يهيله تَعْدَادُ الدُّرُوسِ وَكَثْرَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْفُضَلَاءِ، بَلْ كُلَّمَا كَانَ الْجَمْعُ أَكْثَرَ وَالْفُضَلَاءُ أَكْبَرَ كَانَ الدَّرْسُ أنضر وأبهر وأحلى وَأَنْصَحَ وَأَفْصَحَ.
ثُمَّ لَمَّا انْتَقَلَ إِلَى قَضَاءِ حَلَبَ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْمَدَارِسِ الْعَدِيدَةِ عَامَلَهُ معاملة مثلها، وأوسع بالفضيلة جَمِيعَ أَهْلِهَا، وَسَمِعُوا مِنَ الْعُلُومِ مَا لَمْ يَسْمَعُوا هُمْ وَلَا آبَاؤُهُمْ.
ثُمَّ طُلِبَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِيُوَلَّى الشَّامِيَّةَ دَارَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فَعَاجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهَا، فَمَرِضَ وَهُوَ سَائِرٌ عَلَى الْبَرِيدِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَقَبَ المرض بحراق الْحِمَامِ فَقَبَضَهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الشَّهَوَاتِ وَالْإِرَادَاتِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَكَانَ مِنْ نِيَّتِهِ الْخَبِيثَةِ إِذَا رَجَعَ إِلَى الشَّامِ مُتَوَلِّيًا أَنْ يُؤْذِيَ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ فَدَعَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ أَمَلَهُ وَمُرَادَهُ، فَتُوُفِّيَ فِي سَحَرِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَادِسَ عَشَرَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِمَدِينَةِ بُلْبَيْسَ، وَحُمِلَ إِلَى الْقَاهِرَةِ وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ ليلة الخميس جوار قبة الشافعي تغمدها اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ.
الْحَاجُّ عَلِيٌّ الْمُؤَذِّنُ الْمَشْهُورُ بِالْجَامِعِ الأموي الحاج علي بن فرج بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْكَتَّانِيُّ، كَانَ أَبُوهُ مِنْ خِيَارِ الْمُؤَذِّنِينَ، فِيهِ صَلَاحٌ وَدِينٌ وَلَهُ قَبُولٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ جَهْوَرَهُ، وَفِيهِ تودد وخدم وكرم، وحج غير مرة وسمع من أَبِي عُمَرَ وَغَيْرِهِ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثِ ذِي الْقَعْدَةِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ غُدْوَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ الصغير.
وفي ذي القعدة توفي:
(1) في بدائع الزهور وتذكرة النبيه: سبع وستين.
(انظر شذرات الذهب 6 / 7 8) .