الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَلَبِ أُولَئِكَ التَّتَرِ حَتَّى أَهْلَكَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، ولم يبق منهم سوى رجلين، لا جمع لله بهم شملا وا؟ بِهِمْ مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا.
آمِينَ يَا رَبَّ العالمين.
صِفَةُ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ الضَّالِّ بِأَرْضِ جَبَلَةَ
وَفِي هذه السنة خرجت النصيرية (1) عن الطاعة وكان من بينهم رجل سَمَّوْهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْمَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِ الله، وتارة يدّعي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، تَعَالَى اللَّهُ عمَّا؟ يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَتَارَةً يَدَّعِي أنَّه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ البلاد، وخرج يكفر الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ النُّصَيْرِيَّةَ عَلَى الْحَقِّ، وَاحْتَوَى هَذَا الرَّجُلُ عَلَى عُقُولِ كَثِيرٍ مِنْ كِبَارِ النُّصَيْرِيَّةِ الضُّلَّالِ، وَعَيَّنَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ تَقْدِمَةَ أَلْفٍ، وبلاداً كثيرة ونيابات، وحملوا على مدينة جبلة فدخلوها وقتلو خَلْقًا مِنْ أَهْلِهَا، وَخَرَجُوا مِنْهَا يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا عَلِيٌّ، وَلَا حِجَابَ إِلَّا مُحَمَّدٌ، وَلَا بَابَ إِلَّا سَلْمَانُ.
وَسَبُّوا الشَّيْخَيْنِ، وَصَاحَ أهل البلد واإسلاماه، واسلطاناه، وا أميراه، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ نَاصِرٌ وَلَا مُنْجِدٌ، وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله عزوجل، فَجَمَعَ هَذَا الضَّالُّ تِلْكَ الْأَمْوَالَ فَقَسَّمَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ.
وَقَالَ لَهُمْ لَمْ يَبْقَ لِلْمُسْلِمِينَ ذِكْرٌ وَلَا دَوْلَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مَعِي سِوَى عَشَرَةِ نَفَرٍ لَمَلِكْنَا الْبِلَادَ كُلَّهَا.
وَنَادَى فِي تِلْكَ الْبِلَادِ إِنَّ المقاسمة بالعشر لا غير ليرغب فِيهِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِخَرَابِ الْمَسَاجِدِ وَاتِّخَاذِهَا خَمَّارَاتٍ، وكانوا يقولون لم أَسَرُوهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا عَلِيٌّ، وَاسْجُدْ لِإِلَهِكَ الْمَهْدِيِّ، الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ حَتَّى يَحْقِنَ دَمَكَ.
وَيَكْتُبَ لَكَ فَرْمَانَ، وَتَجَهَّزُوا وَعَمِلُوا أَمْرًا عَظِيمًا جِدًّا، فَجُرِّدَتْ إِلَيْهِمُ الْعَسَاكِرُ فهزموهم وقتلو مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَجَمًّا غَفِيرًا، وَقُتِلَ الْمَهْدِيُّ أضلهم وهو يكون يوم القيامة مقدمهم إِلَى عَذَابِ
السَّعِيرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السعير.
ذلك بما قدمت يداك) الآية [الْحَجِّ 3 - 7] .
وَفِيهَا حَجَّ الْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ مُهَنَّا وَوَلَدُهُ سُلَيْمَانُ فِي سِتَّةِ آلَافٍ، وَأَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ منها بِأَحَدٍ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَلَا الشَّامِيِّينَ، وَقَدْ كَانَ في المصريين قجليس وغيره وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا
مِنَ الْأَعْيَانِ: الشَّيْخُ الصَّالِحُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله المنتزه، كان فاضلاً، وكتب حسناً، نسخ التنبيه
(1) النصيرية: فرقة ينسبون إلى نصير غلام علي بن أبي طالب (رض) وهم يعتقدون بألوهيته (صبح الاعشى 13 / 249) .
والعمدة وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيُقَابِلُونَ عليه ذلك وَيُصَحِّحُونَ عَلَيْهِ، وَيَجْلِسُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ صُنْدُوقٍ كَانَ له في الجامع، توفي ليلة الاثنين سادس محرم وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ صَحَّحْتُ عَلَيْهِ فِي الْعُمْدَةِ وَغَيْرِهِ.
الشَّيخ شِهَابُ الدِّين الرُّومِيُّ أَحْمَدُ بْنُ محمد بن إبراهيم بن الْمَرَاغِيُّ، دَرَّسَ بِالْمُعِينِيَّةِ (1) ، وَأَمَّ بِمِحْرَابِ الْحَنَفِيَّةِ بِمَقْصُورَتِهِمُ الْغَرْبِيَّةِ إِذْ كَانَ مِحْرَابُهُمْ هُنَاكَ، وَتَوَلَّى مَشْيَخَةَ الْخَاتُونِيَّةِ (2) ، وَكَانَ يَؤُمُّ بِنَائِبِ السُّلْطَانِ الْأَفْرَمِ، وَكَانَ يقرأ حسناً بصوت ملح، وَكَانَتْ لَهُ مَكَانَةٌ عِنْدَهُ، وَرُبَّمَا رَاحَ إِلَيْهِ الْأَفْرَمُ مَاشِيًا حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ زَاوِيَتَهُ الَّتِي أنشأها بالشرق الشَّمَالِيِّ عَلَى الْمَيْدَانِ الْكَبِيرِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ بِالْمُحَرَّمِ وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ قَامَ وَلَدَاهُ عِمَادُ الدِّينِ وَشَرَفُ الدين بوظائفه.
الشيخ الصالح العدل
قمر الدِّينِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْوَفَا بْنِ نِعْمَةِ الله الأعزازي، كان ذاثروة من المال كثير المرؤة والبلاوة أَدَّى الْأَمَانَةَ فِي سِتِّينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَجَوَاهِرَ لا يعلم بها إلا الله عزوجل، بَعْدَ مَا مَاتَ صَاحِبُهَا مُجَرَّدًا فِي الْغَزَاةِ وَهُوَ عِزُّ الدِّينِ الْجِرَاحِيُّ نَائِبُ غَزَّةَ، أَوْدَعَهُ إِيَّاهَا فَأَدَّاهَا إِلَى أَهْلِهَا أَثَابَهُ اللَّهُ، وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ حَضَرَ جِنَازَتَهُ خَلْقٌ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، حَتَّى قِيلَ إِنَّهُمْ لَمْ يَجْتَمِعُوا فِي مِثْلِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَدُفِنَ بِبَابِ الصَّغِيرِ رحمه الله.
قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّين أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يوسف (3) الزَّوَاوِيُّ قَاضِي الْمَالِكِيَّةِ بِدِمَشْقَ، مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، قَدِمَ مِصْرَ مِنَ الْمَغْرِبِ وَاشْتَغَلَ بِهَا وَأَخَذَ عَنْ مَشَايِخِهَا مِنْهُمُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلام، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ قَاضِيًا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ تَقْرِيبًا فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ (4) .
وَأَقَامَ شِعَارَ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَعَمَّرَ الصِّمْصَامِيَّةَ فِي أيامه وجدد
(1) المدرسة المعينية: بدمشق أنشأها معين الدين أنر سنة 555 هـ (الدارس 1 / 588) .
_________
(2)
وهي الخانقاه الخاتونية: منسوبة إلى خاتون بنت معين الدين أنر، زوجة نور الدين محمود، والمتوفاة سنة 581 هـ (الدارس 507 1 و 2 / 149) .
_________
(3)
في تذكرة النبيه 2 / 82: سومر.
_________
(4)
ذكر النويري في نهاية الارب 30 ورقة 114 إنه ولد سنة 626 هـ وذكر ابن حبيب في تذكرته 2 / 83 ولادته سنة 630 هـ.
عمارة النورية، وحدث بصحيح مسلم وموطا مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، وَكِتَابِ الشِّفَا (1) لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، وَعُزِلَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعِشْرِينَ يَوْمًا عَنِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا مِنْ خَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَمُتْ قَاضِيًا، تُوُفِّيَ بِالْمَدْرَسَةِ الصِّمْصَامِيَّةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ التَّاسِعِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ تُجَاهَ مَسْجِدِ النَّارَنْجِ (2) وَحَضَرَ النَّاسُ جِنَازَتَهُ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ كَمَالِكٍ رحمه الله.
ولم يبلغ إلى سبعة عشر مِنْ عُمْرِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ أَيْضًا.
الْقَاضِي الصَّدْرُ الرَّئِيسُ رَئِيسُ الْكُتَّابِ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ جَمَالِ الدِّينِ فَضْلِ الله بن الحلي (3) الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ الْعُمَرِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ (4) وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ وَخَدَمَ وَارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتُهُ حَتَّى كَتَبَ الْإِنْشَاءَ بِمِصْرَ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى كِتَابَةِ السر بدمشق إن أَنْ تُوُفِّيَ فِي ثَامِنِ رَمَضَانَ، وَدُفِنَ بَقَاسِيُونَ، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِينَ (5) ، وَهُوَ مُمَتَّعٌ بِحَوَاسِّهِ وَقُوَاهُ، وَكَانَتْ لَهُ عَقِيدَةٌ حَسَنَةٌ فِي الْعُلَمَاءِ، وَلَا سِيَّمَا فِي ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَفِي الصُّلَحَاءِ رحمه الله.
وَقَدْ رَثَاهُ الشِّهَابُ مَحْمُودٌ كَاتِبُ السِّرِّ بعد بِدِمَشْقَ، وَعَلَاءُ الدِّينِ بْنُ غَانِمٍ وَجَمَالُ الدِّينِ بن نابتة.
الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالَمُ الْمُنَاظِرُ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْإِمَامِ كَمَالِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَلَّامٍ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَاشْتَغَلَ وَبَرَعَ وَحَصَّلَ وَدَرَسَ بِالْجَارُوخِيَّةِ (6) وَالْعَذْرَاوِيَّةِ، وَأَعَادَ بِالظَّاهِرِيَّةِ وَأَفْتَى بِدَارِ الْعَدْلِ، وَكَانَ وَاسِعَ الصَّدْرِ كَثِيرَ الْهِمَّةِ كَرِيمَ النَّفْسِ مَشْكُورًا فِي فَهْمِهِ وَخَطِّهِ وَحِفْظِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَمُنَاظَرَتِهِ، تُوُفِّيَ فِي رَابِعِ عِشْرِينَ رَمَضَانَ وَتَرَكَ أَوْلَادًا وَدَيْنًا كَثِيرًا، فَوَفَّتْهُ عَنْهُ زَوْجَتُهُ بِنْتُ زُوَيْزَانَ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهَا وَأَحْسَنَ إِلَيْهَا.
الصَّاحِبُ أَنِيسُ الْمُلُوكِ بَدْرُ الدِّين عَبْدُ الرَّحمن بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِرْبَلِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وستمائة، واشتغل
(1) وهو كتاب الشفا في تعريف حقوق المصطفى، للامام الحافظ أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض القاضي اليحصبي المتوفى سنة 544 هـ (كشف الظنون 2 / 1052 وشذرات الذهب 4 / 138) .
_________
(2)
في الاصل: التاريخ تحريف.
_________
(3)
في شذرات الذهب 6 / 46 وتذكرة النبيه 2 / 83: مجلى وانظر الدرر 3 / 42 وفوات الوفيات 2 / 421.
_________
(4)
في فوات الوفيات 2 / 421: ثلاث وعشرين (انظر تذكرة النبيه 2 / 83) .
_________
(5)
في تذكرة النبيه 2 / 421: أربع وتسعين (السلوك 2 / 179 الدرر الكامنة 3 / 42) .
_________
(6)
في الاصل الجاروضية: وتقدمت الاشارة إليها.