الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وَسَبْعِمِائَةٍ اسْتَهَلَّتْ وَحُكَّامُ الْبِلَادِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا
.
وَفِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهَا فُتِحَ حَمَّامُ الزَّيْتِ الَّذِي فِي رَأْسِ دَرْبِ الْحَجَرِ، جدد عمارته رجل ساوي بَعْدَ مَا كَانَ قَدْ دَرَسَ وَدَثَرَ مِنْ زَمَانِ الْخُوَارَزْمِيَّةِ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَهُوَ حَمَّامٌ جَيِّدٌ مُتَّسِعٌ.
وَفِي سَادِسِ الْمُحَرَّمِ وَصَلَتْ هدية من ملك التتار أبي سَعِيدٍ إِلَى السُّلْطَانِ صَنَادِيقُ وَتُحَفٌ وَدَقِيقٌ.
وَفِي يوم عاشوراء خرج الشيخ تقي الدين بن تيمية من القلعة بِمَرْسُومِ السُّلْطَانِ وَتَوَجَّهَ إِلَى دَارِهِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ إقامته خَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا رحمه الله.
وَفِي رَابِعِ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَصَلَ إِلَى دِمَشْقَ الْقَاضِي كَرِيمُ الدِّينِ وَكِيلُ السُّلْطَانِ فَنَزَلَ بِدَارِ السَّعَادَةِ وَقَدِمَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ عَوَضٍ الْحَاكِمُ الْحَنْبَلِيُّ بِمِصْرَ وَهُوَ نَاظِرُ الْخِزَانَةِ أَيْضًا، فَنَزَلَ بِالْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي لِلشَّافِعِيَّةِ، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا، ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى مِصْرَ: جَاءَ فِي بَعْضِ أَشْغَالِ السُّلْطَانِ وِزَارَ الْقُدْسَ.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ كَانَ السُّلْطَانُ قَدْ حَفَرَ بِرْكَةً قريباً من الميدان وكان من جِوَارِهَا كَنِيسَةٌ فَأَمَرَ الْوَالِي بِهَدْمِهَا، فَلَمَّا هُدِمَتْ تَسَلَّطَ الْحَرَافِيشُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الْكَنَائِسِ بِمِصْرَ يَهْدِمُونَ ما قدروا عليه، فانزعج السلطان لذلك وَسَأَلَ الْقُضَاةَ مَاذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ تَعَاطَى ذلك منهم؟ فقالوا: يعزر، فَأَخْرَجَ جَمَاعَةً مِنَ السُّجُونِ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قتل فقطع وصلب وحرم وحزم وَعَاقَبَ، مُوهِمًا أَنَّهُ إِنَّمَا عَاقَبَ مَنْ تَعَاطَى تخريب ذلك، فَسَكَنَ النَّاسُ وَأَمِنَتِ النَّصَارَى وَظَهَرُوا بَعْدَ مَا كانوا قد اختفوا أياما.
وفيها ثَارَتِ الْحَرَامِيَّةُ بِبَغْدَادَ وَنَهَبُوا سُوقَ الثُّلَاثَاءِ وَقْتَ الظُّهْرِ، فَثَارَ النَّاسُ وَرَاءَهُمْ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَةٍ وَأَسَرُوا آخَرِينَ.
قَالَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ وَمِنْ خطِّه نَقَلْتُ: وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ السَّادِسِ مِنْ جُمَادَى
الْأُولَى خَرَجَ الْقُضَاةُ والأعيان والمفتيون إِلَى الْقَابُونِ وَوَقَفُوا عَلَى قِبْلَةِ الْجَامِعِ الَّذِي أَمَرَ بِبِنَائِهِ الْقَاضِي كَرِيمُ الدِّينِ وَكِيلُ السُّلْطَانِ بِالْمَكَانِ الْمَذْكُورِ، وَحَرَّرُوا قِبْلَتَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ تَكُونَ مِثْلَ قِبْلَةِ جَامِعِ دِمَشْقَ.
وَفِيهِ وَقَعَتْ مراجعة من الْأَمِيرِ جُوبَانَ أَحَدِ الْمُقَدَّمِينَ الْكِبَارِ بِدِمَشْقَ، وَبَيْنَ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ تَنْكِزَ، فَمُسِكَ جُوبَانُ وَرُفِعَ إِلَى القلعة ليلتان، ثم حول إلى القاهرة فعوقب فِي ذَلِكَ، ثُمَّ أُعْطِيَ خُبْزًا يَلِيقُ بِهِ.
وذكر علم الدين أنَّ في هذا اليوم وَقَعَ حَرِيقٌ عَظِيمٌ فِي الْقَاهِرَةِ فِي الدُّورِ الحسنة والأماكن المليحة المرتفقة، وَبَعْضِ الْمَسَاجِدِ، وَحَصَلَ لِلنَّاسِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَنَتُوا فِي الصَّلَوَاتِ ثُمَّ كَشَفُوا عَنِ القضية فإذا هو من قبل النصارى بسبب ما كان أحرق مِنْ كَنَائِسِهِمْ وَهُدِمَ، فَقَتَلَ السُّلْطَانُ بَعْضَهُمْ (1) وَأَلْزَمَ النصارى أن يلبسوا الزرقاء على رؤوسهم وثيابهم كلها
(1) في تذكرة النبيه 2 / 121: " قتل منهم ستة، وأسلم عدة " وانظر تفاصيل عن الحريق في عقد الجمان حوادث سنة 720 هـ والسلوك 2 / 2 / 220.
وَأَنْ يَحْمِلُوا الْأَجْرَاسَ فِي الْحَمَّامَاتِ، وَأَنْ لَا يستخدموا في شئ مِنَ الْجِهَاتِ، فَسَكَنَ الْأَمْرُ وَبَطَلَ الْحَرِيقُ.
وَفِي جمادى الآخرة خرب ملك التتار أبو سَعِيدٍ الْبَازَارَ وَزَوَّجَ الْخَوَاطِئَ وَأَرَاقَ الْخُمُورَ وَعَاقَبَ في ذلك الْعُقُوبَةِ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ وَدَعَوْا لَهُ رحمه الله وَسَامَحَهُ.
وَفِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ أُقِيمَتِ الْجُمُعَةُ بِجَامِعِ الْقَصَبِ وَخَطَبَ بِهِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَنَاخِلِيُّ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ تَاسِعِ عشر جُمَادَى الْآخِرَةِ فُتِحَ الْحَمَّامُ الَّذِي أَنْشَأَهُ تَنْكِزُ تُجَاهَ جَامِعِهِ، وَأُكْرِيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا لِحُسْنِهِ وَكَثْرَةِ ضَوْئِهِ وَرُخَامِهِ.
وَفِي يَوْمِ السبت تاسع عشر رجب خربت كنيسة القرائيين (1) الَّتِي تُجَاهَ حَارَةِ الْيَهُودِ بَعْدَ إِثْبَاتِ كَوْنِهَا مُحْدَثَةً وَجَاءَتِ الْمَرَاسِيمُ السُّلْطَانِيَّةُ بِذَلِكَ.
وَفِي أَوَاخِرِ رجب نفذت الهدايا من السلطان إلى أبي سعيد ملك التتار، صُحْبَةَ الْخَوَاجَا مَجْدِ الدِّينِ السُّلَامِيِّ، وَفِيهَا خَمْسُونَ جَمَلًا وَخُيُولٌ وَحِمَارٌ عَتَّابِيٌّ.
وَفِي مُنْتَصَفِ رَمَضَانَ أَقُيِمَتِ الْجُمُعَةُ بِالْجَامِعِ الْكَرِيمِيِّ بِالْقَابُونِ وَشَهِدَهَا يَوْمَئِذٍ الْقُضَاةُ وَالصَّاحِبُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ.
قَالَ الشَّيْخُ علم الدين: وقدم دمشق
الشيخ قوام الدين أمير كاتب ابن الأمير العميد عمر الأكفاني القازاني، مُدَرِّسُ مَشْهَدِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ بِبَغْدَادَ، فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ، وَقَدْ حَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَتَوَجَّهَ إِلَى مِصْرَ وَأَقَامَ بِهَا أَشْهُرًا ثُمَّ مَرَّ بِدِمَشْقَ مُتَوَجِّهًا إِلَى بَغْدَادَ فَنَزَلَ بِالْخَاتُونِيَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ ذُو فُنُونٍ وَبَحْثٍ وَأَدَبٍ وَفِقْهٍ.
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وَأَمِيرُهُ شَمْسُ الدِّينِ حَمْزَةُ التُّرْكُمَانِيُّ، وَقَاضِيهِ نَجْمُ الدين الدمشقي.
وفيها حَجَّ تَنْكِزُ نَائِبُ الشَّامِ وَفِي صُحْبَتِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ، وَقَدِمَ مِنْ مِصْرَ الْأَمِيرُ رُكْنُ الدين بيبرس الحاجب لينوب عنه إِلَى أَنْ يَرْجِعَ، فَنَزَلَ بِالنَّجِيبِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ.
وَمِمَّنْ حَجَّ فِيهَا الْخَطِيبُ جَلَالُ الدِّينِ الْقَزْوِينِيُّ وَعِزُّ الدِّينِ حَمْزَةُ بْنُ الْقَلَانِسِيِّ، وَابْنُ الْعِزِّ شَمْسُ الدين الحنفي، وجلال الدِّينِ بْنُ حُسَامِ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ، وَبَهَاءُ الدِّينِ بن علية، وعلم الدِّينِ الْبِرْزَالِيُّ وَدَرَّسَ ابْنُ جَمَاعَةَ بِزَاوِيَةِ الشَّافِعِيِّ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ثَامِنَ عَشَرَ شَوَّالٍ عِوَضًا عَنْ شِهَابِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ لِسُوءِ تَصَرُّفِهِ، وَخُلِعَ عَلَى ابْنِ جَمَاعَةَ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ من الأعيان والعامة ما نشأ به جمعية الجمعة وأشعلت له شموع كثيرة وفرح الناس بِزَوَالِ الْمَعْزُولِ.
قَالَ الْبِرْزَالِيُّ وَمِنْ خطِّه نَقَلْتُ: وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ سَادِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ ذَكَرَ الدَّرْسَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ الْمُحَدِّثُ بالمدرسة الهكارية عِوَضًا عَنِ ابْنِ الْأَنْصَارِيِّ أَيْضًا، وَحَضَرَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْقُونَوِيُّ، وَرَوَى فِي الدَّرْسِ حَدِيثَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ، عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنِ جَمَاعَةَ.
وَفِي شَوَّالٍ عُزِلَ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ وِلَايَةِ الْبَرِّ وَشَدِّ الْأَوْقَافِ، وَتَوَلَّى وِلَايَةَ الْوُلَاةِ بِالْبِلَادِ الْقِبْلِيَّةِ بِحَوْرَانَ عِوَضًا عَنْ بَكْتَمُرَ لِسَفَرِهِ إِلَى الْحِجَازِ، وَبَاشَرَ أَخُوهُ بَدْرُ الدِّينِ شد الأوقاف، والامير علم
(1) وهم طائفة من اليهود، انظر تفاصيل عن هذه الطائفة في (صبح الاعشى 11 / 387، 13 / 256) .