المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 4

- ‌سنة ثلاث من الهجرة

- ‌خَبَرُ يهود بني قينقاع في الْمَدِينَةِ

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ [إلى ذي القردة]

- ‌مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الأشرف

- ‌غزوة أُحد فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ

- ‌مَقْتَلُ حَمْزَةَ رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ فِيمَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ

- ‌فَصَلٌ فِي عَدَدِ الشُّهَدَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا تَقَاوَلَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ فِي وَقْعَةِ أُحد مِنَ الْأَشْعَارِ

- ‌آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى وَقْعَةِ أُحُدٍ

- ‌سنة أربع من الهجرة

- ‌ سَرِيَّةُ أَبِي سَلَمَةَ بن عبد الأسد أبي طليحة الأسدي

- ‌غَزْوَةُ الرَّجِيعِ

- ‌غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة ذات الرِّقاع

- ‌قِصَّةُ غَوْرَثِ بْنِ الْحَارِثِ

- ‌قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك

- ‌قصة جمل جابر

- ‌غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ وَهِيَ بَدْرٌ الْمَوْعِدُ

- ‌فصل في جملة مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌سَنَةُ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية

- ‌غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا

- ‌غزوة الخندق أو الْأَحْزَابِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي دُعَائِهِ عليه السلام عَلَى الْأَحْزَابِ

- ‌فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌فصل الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌مقتل أبي رافع اليهودي

- ‌مقتل خالد بن سفيان الْهُذَلِيِّ

- ‌قصة عمرو بن العاص مع النجاشي

- ‌فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة

- ‌نزول الحجاب صبيحة عرس زينب

- ‌سنة ست من الهجرة

- ‌غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ

- ‌غزوة بني المصطلق من خزاعة

- ‌ قِصَّةَ الْإِفْكِ

- ‌غزوة الحديبية

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ

- ‌سنة سبع من الهجرة

- ‌غَزْوَةُ خَيْبَرَ

- ‌ فصل

- ‌ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل فتح حصونها وقسيمة أَرْضِهَا

- ‌فصل وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنَ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ

- ‌ذِكْرُ قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون

- ‌قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ مَنِ اسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ

- ‌فصل مروره صلى الله عليه وآله بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم

- ‌فصل

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ

- ‌سَرِيَّةُ عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى يُسَيْرِ بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ

- ‌سَرِيَّةٌ أُخْرَى مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ

- ‌ سَرِيَّةَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا إِلَى نَاحِيَةِ خَيْبَرَ

- ‌سرية بني حَدْرَدٍ إِلَى الْغَابَةِ

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ

- ‌عمرة القضاء وَيُقَالُ القِصاص

- ‌قصة تزويجه عليه السلام بِمَيْمُونَةَ

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ

- ‌فَصْلٌ [سَرِيَّةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السَّلمي إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ]

- ‌فصل:

- ‌سَنَةُ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

- ‌إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة

- ‌طَرِيقُ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ

- ‌سَرِيَّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الْأَسَدِيِّ إِلَى هَوَازِنَ

- ‌سَرِيَّةُ كعب بن عمير إلى بني قضاعة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي فَضْلِ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم

- ‌فصل في من استشهد يوم مؤتة فَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ

- ‌ما قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ

- ‌كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوكِ الآفاق وكتبه إليهم

- ‌بعثه إلى كسرى ملك الفرس

- ‌بَعْثُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى المقوقس صَاحِبِ مَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

- ‌غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ

- ‌سرية أبي عبيدة إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ

- ‌ سَرِيَّةَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ

- ‌غَزْوَةُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

- ‌فصل

- ‌صِفَةُ دُخُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ

- ‌فصل

- ‌ سَبَبِ إِسْلَامِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ

- ‌بعثه عليه السلام خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ

- ‌بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزَّى

- ‌فَصْلٌ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ

- ‌فصل فيما حكم عليه السلام بِمَكَّةَ مِنَ الْأَحْكَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌غزوة هوازن يوم حنين

- ‌غزوة أَوْطَاسٍ

- ‌من استشهد يوم حنين وأوطاس

- ‌ما قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ

- ‌غَزْوَةُ الطَّائِفِ

- ‌مرجعه عليه السلام من الطائف وقسمة غنائم هوازن

- ‌قُدُومِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ عَلَى الرَّسُولِ

- ‌إِسْلَامُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى

- ‌الْحَوَادِثِ الْمَشْهُورَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَالْوَفَيَاتِ

الفصل: ‌إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى

بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فِيمَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَجَّ النَّاسُ ذَلِكَ الْعَامَ عَلَى مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَحُجُّ عَلَيْهِ وَحَجَّ بِالْمُسْلِمِينَ تِلْكَ السَّنَةَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ وَهِيَ سَنَةُ ثَمَانٍ.

قَالَ وَأَقَامَ أَهْلُ الطَّائِفِ عَلَى شِرْكِهِمْ وَامْتِنَاعِهِمْ فِي طَائِفِهِمْ مَا بَيْنَ ذِي الْقَعْدَةِ إِلَى رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ تسع.

‌إِسْلَامُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى

وذكر قصيدته: بَانَتْ سُعَادُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ مُنْصَرَفِهِ عَنِ الطَّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ ابن أَبِي سُلْمَى إِلَى أَخِيهِ لِأَبَوَيْهِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ رِجَالًا بِمَكَّةَ مِمَّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ وَأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ، ابْنُ الزِّبَعْرَى وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ هَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ فَإِنْ كَانَتْ لَكَ فِي نَفْسِكَ حَاجَةٌ فَطِرْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَا يَقْتُلُ أُحُدًا جَاءَهُ تَائِبًا وَإِنْ أنتِ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ إِلَى نَجَائِكَ مِنَ الْأَرْضِ.

وَكَانَ كَعْبٌ قد قال: ألا بلغا عني بجيراً رسالة * فويحك (1) فيما قُلْتَ وَيْحَكَ هَلْ لَكَا فَبَيِّنْ لَنَا إِنْ كنت لست بفاعل * على أي شئ غَيْرِ ذَلِكَ دَلَّكَا عَلَى خُلُقٍ لَمْ أُلْفِ يوماً أباً له * عليه وما تلقى عَلَيْهِ أَبًا لَكَا فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فلست بآسف * ولا قائل أما عثرت لعالكا سَقَاكَ بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً * فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا (2) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ: مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً * فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْتَ بِالْخَيْفِ هَلْ لَكَا شَرِبْتَ مَعَ الْمَأْمُونِ كَأْسًا رَوِيَّةً * فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا وَخَالَفْتَ أَسْبَابَ الْهُدَى وَاتَّبَعْتَهُ * على أي شئ وَيْبَ غَيْرِكَ دَلَّكَا عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أما ولا أبا (3) * عليه ولم تدرك عليه أَخًا لَكَا فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتُ بآسف * ولا قائل أما عثرت لعالكا

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعَثَ بِهَا إِلَى بُجَيْرٍ، فلما أتت بجير أكره أَنْ يَكْتُمَهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَمِعَ سَقَاكَ بِهَا المأمون " صدق وإنه لكذوب أنا المأمون "

(1) في ابن هشام: فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا.

(2)

النهل: الشرب الاول.

والعلل: الشرب الثاني.

والمأمون يعني النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كانت قريش تسميه به وبالامين قبل مبعثه.

(3)

قال السهيلي.

إنما قال ذلك لأن أمهما واحدة، وهي كبشة بنت عمار السحيمية، فيما ذكر ابن الكلبي.

(*)

ص: 423

وَلَمَّا سَمِعَ عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ.

قَالَ " أَجَلْ لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ "(1) قَالَ ثمَّ كَتَبَ بُجَيْرٌ إِلَى كَعْبٍ يَقُولُ لَهُ: مَنْ مُبْلِغٌ كعباً فهل لك في التي * تلوم عليا بَاطْلًا وَهِيَ أَحْزَمُ إِلَى اللَّهِ لَا الْعُزَّى وَلَا اللَّاتِ وَحْدَهُ * فَتَنْجُو إِذَا كَانَ النَّجَاءُ وَتَسْلَمُ لَدَى يَوْمٍ لَا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ * مِنَ النَّاسِ إِلَّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ فَدِينُ زهير وهو لا شئ دِينُهُ * وَدِينُ أَبِي سُلْمَى عليَّ مُحَرَّمُ قَالَ فلما بلغ كعب الْكُتَّابُ ضَاقَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَرْجَفَ بِهِ مَنْ كَانَ فِي حَاضِرِهِ مِنْ عَدُوِّهُ وَقَالُوا هُوَ مَقْتُولٌ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ من شئ بُدًّا قَالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ فِيهَا خَوْفَهُ وَإِرْجَافَ الْوُشَاةِ بِهِ مِنْ عَدُوِّهُ، ثُمَّ خَرَجَ حتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ كَمَا ذُكِرَ لِي فَغَدَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَشَارَ لَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ فَقُمْ إِلَيْهِ فَاسْتَأْمِنْهُ، فذُكر لِي: أَنَّهُ قَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَعْرِفُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ قَدْ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَ مِنْكَ تَائِبًا مُسْلِمًا فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إِنْ جِئْتُكَ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نَعَمْ " فَقَالَ إِذًا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّهُ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ

اللَّهِ، دَعْنِي وَعَدُوَّ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " دعه عنك فإنه جَاءَ تَائِبًا نَازِعًا " قَالَ: فَغَضِبَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ لِمَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَقَالَ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي قَالَ حِينَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ * مُتَيَّمٌ عِنْدَهَا (2) لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِذْ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول (3) هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة * لا يشتكي قصر منها ولا طول (4) تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ * كَأَنَّهُ مهل بالراح معلول (5) شجت بذي شيم مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ * صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مشمول (6)

(1) زاد الزرقاني عن ابن الأنباري أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بلغه الابيات أهدر دمه وقال: من لقي منكم كعب بن زهير فليقتله.

(2)

في ابن هشام والعقد الفريد: أثرها.

ومتبول: اسقمه الحب وأضناه لبعده عن حبيبته سعاد.

قال الزرقاني: هي إمرأته وبنت عمه.

(3)

أغن: الظبي الصغير الذي في صوته غنة.

(4)

سقط البيت من الاصل، واستدرك من ابن هشام والعقد الفريد.

(5)

عوارض: جمع عارض أو عارضة وهي الاسنان.

والظلم: ماء الاسنان ورقتها وبياضها.

(6)

مشمول: الذي ضربته ريح الشمال حتى برد، وهي أشد تبريدا للماء من غيرها (*)

ص: 424

تنفي الرياح القدى عنه وأفرطه * من صوب عادية بِيضٌ يَعَالِيلُ (1) فَيَا لَهَا خُلَّةٌ لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ * بِوَعْدِهَا أَوْ لَوَ انَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا * فَجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلَافٌ وَتَبْدِيلُ (2) فَمَا تَدُومُ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا * كَمَا تَلَوَّنُ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ وَمَا تُمَسِّكُ بِالْعَهْدِ الَّذِي زَعَمَتْ * إِلَّا كَمَا يمسك الماء الغرابيل فلا يعرنك مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ * إِنَّ الْأَمَانِيَّ وَالْأَحْلَامَ تَضْلِيلُ

كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا * وَمَا مواعدها إلا الأباطيل (3) أرجو وآمل أن تدنو مودتها * وَمَا لَهُنَّ إِخَالُ الدَّهْرَ تَعْجِيلُ (4) أَمْسَتْ سُعَادُ بأرض لا تبلغها * إِلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ وَلَنْ يُبَلِّغَهَا إِلَّا عذافرة * فيها على الأبن إرقال وتبغيل (5) من كل نضاحة الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ * عُرْضَتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ (6) ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق * إذا توفدت الْحِزَّانُ وَالْمِيلُ (7) ضَخْمٌ مُقَلَّدُهَا فعمَّ مُقَيَّدُهَا * فِي خَلْقِهَا عَنْ بَنَاتِ الْفَحْلِ تَفْضِيلُ حَرْفٌ أَخُوهَا أَبُوهَا مِنْ مُهَجَّنَةٍ * وَعَمُّهَا خَالُهَا قَوْدَاءُ شِمْلِيلُ (8) يمشي الفراد عَلَيْهَا ثُمَّ يُزْلِقُهُ * مِنْهَا لَبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ (9) عيرانةٌ قُذِفَتْ بِالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ * مِرْفَقُهَا عَنْ بنات الزور مفتول (10) فنواء في حريتها لِلْبَصِيرِ بِهَا * عِتْقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ (11)

(1) الصوب: المطر.

اليعاليل: الحباب الذي يعلو وجه الماء.

(2)

سيط: أي خلط بلحمها ودمها.

(3)

عرقوب: رجل اشتهر باخلاف الوعد، فضرب به المثل في ذلك.

(4)

في ابن هشام: وما أخال لدينا منك تنويل.

(5)

عذافرة: الناقة الصلبة العظيمة.

والارقال والتبغيل: ضربان من السير السريع.

(6)

النضاخة: الغزيرة.

الذفرى: النقرة التي خلف أذن الناقة.

(7)

المفرد: الثور الوحشي الذي تفرد في مكان.

اللهق: الابيض.

(8)

الشمليل: الخفيفة والسريعة.

والحرف: الناقة الضامرة أو الصلبة والقوية.

وفي ابن هشام قبله بيتان: غلباء وجناء علكوم مذكرة * في دفها سعه قدامها ميل وجلدها من أطوم ما يؤيسه * طبلح بضاحية المتنين مهزول

(9)

الاقراب: الخواصر.

والزهاليل: جمع زحلول وهو الاملس.

(10)

العيرانة: الناقة النشيطة السريعة.

بنات الزور: ما يتصل بالصدر مما حوله من الاضلاع وغيرها.

(11)

قنواء: محدودبة الانف وهو عيب في الفرس، وقد قاله الشاعر في موضع المدح (*) .

ص: 425

كأنما فَاتَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحَهَا * مِنْ خَطْمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ (1) تُمِرُّ مِثْلَ عَسِيبِ النَّخْلِ ذَا خُصَلٍ * في غادر لَمْ تَخَوَّنْهُ الْأَحَالِيلُ (2) تَهْوِي عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لاهية * ذوابل وقعهن الأرض تحليل (3) يوماً تظل به الحرباء مصطخداً * كأن ضاحية بالشمس محلول (4) وَقَالَ لِلْقَوْمِ حَادِيهُمْ وَقَدْ جَعَلَتْ * وُرْقُ الْجَنَادَبِ يركضن الحصا قيلوا (5) أوب يدي فاقدٍ شمطاء معولة (6) * قامت فجاء بها نكر مَثَاكِيلُ نواحةٌ رِخْوَةُ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا * لَمَّا نَعَى بِكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ (7) تَفْرِي اللَّبَانَ بِكَفَّيْهَا وَمِدْرَعُهَا * مُشَقَّقٌ عَنْ تَرَاقِيهَا رَعَابِيلُ (8) تَسْعَى الْغُوَاةُ جنابيها وقولهم * إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول (9) وقال لكل صَدِيقٍ كُنْتُ آمُلُهُ * لَا أُلْهِيَنَّكَ إِنِّي عَنْكَ مشغول فقلت خلوا سبيلي لا أبالكم * فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ * يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ (10) نبئتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي * وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ (11) مَهْلًا هَدَاكَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ * الْقُرْآنِ فِيهِ مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ

(1) برطيل: حجر مستطيل صلب.

(2)

وفي غارز: اي على ضرع.

الاحاليل: مخارج اللبن.

(3)

تهوي، وتروى: تخدي أن تسرع.

يسرات: القوائم الخفاف.

لاهية وتروى: لاحقة، أي غافلة عن السير (4) فهي تسرع فيه من غير اغتراث ومبالاة.

(5)

مصطخدا: محترقا بحر الشمس.

ضاحيه: ما برز للشمس منه.

محلول: مذاب، وتروى مملول: وهو الموضوع في الملة.

وهي الرماد الحار.

(6)

ورق: جمع أورق أو ورقاء.

التي يضرب لونها إلى السواد.

(7)

رواية الشطر في ابن هشام: شد النهار ذراعا عيطل نصف المثاكل: جمع مثكال: وهي الكثيرة الثكل.

الشمطاء: التي خالطها الشيب.

والمعولة: الرافعة صوتها بالبكاء.

(8)

رخوة الضبعين: مسترخية العضدين.

(9)

المدرع: القميص.

رعابيل: جمع رعبول، قطع متفرقة، الممزقة.

(10)

جنابيها: تثنية جناب، حولها، وفيه إشارة إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أهدر دمه.

والبيت في البيهقي: تسعى الغواة بدفيها وقيلهم * بأنك يا ابن أبي سلمى لمقتول (11) آلة حدباء: النعش الذي يحمل عليه الموت.

(12)

شرع الشاعر من هذا البيت في الدخول إلى ما قصد منه - بعدما مهد فيما سبق من الغزل والوصف - من هنا يبدأ في التنصل مما نسب إليه وما اتهم به، ويطلب العطف والرحمة ويرجو رسول الله أن يغفر له ذنبه ويعفو عن مساوئه وأخطائه.

(*)

ص: 426

لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ * أُذْنِبْ وَلَوْ كَثُرَتْ فيَّ الْأَقَاوِيلُ (1) لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ * أَرَى وَأَسْمَعُ مَا قَدْ يَسْمَعُ الفيل لظل يرعد من وجد موارده (2) * من الرسول بإذن الله تنويل حتى وضعت يميني ما أنازعها * فِي كَفِّ ذِي نَقَمَاتٍ قَوْلُهُ الْقِيلُ فَلَهْوَ أَخْوَفُ عِنْدِي إِذْ أُكَلِّمُهُ * وَقِيلَ إِنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ مِنْ ضَيْغَمٍ بِضَرَاءِ الْأَرْضِ مَخْدَرُهُ * فِي بطن عثر غيل ذونه غِيلُ (3) يَغْدُو فَيُلْحِمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُمَا * لَحْمٌ مِنَ النَّاسِ مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ (4) إِذَا يُسَاوِرُ قِرْنًا لَا يَحِلُّ لَهُ * أَنْ يَتْرُكَ الْقِرْنَ إِلَّا وَهْوَ مغلول

مِنْهُ تَظَلُّ حَمِيرُ الْوَحْشِ نَافِرَةً * وَلَا تَمْشِي بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ (5) وَلَا يَزَالُ بِوَادِيهِ أَخُو ثِقَةٍ * مُضَرَّجُ الْبَزِّ وَالدِّرْسَانِ مَأَكُولُ (6) إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ * مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ فِي عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ * بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا (7) زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ * عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ (8) يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ * ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُ * مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ بيض موابغ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ * كَأَنَّهَا حَلَقُ الْقَفْعَاءِ مجدول (9) ليسوا معاريج إِنْ نَالَتْ رِمَاحُهُمُ * قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إِذَا نِيلُوا لَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهِمُ * ولا لهم عن حياض الموت تهليل

(1) في البيت تذلل وتضرع، وفيه رجاء الا يستباح دمه بسبب أقوال الوشاة والمفسدين.

(2)

في ابن هشام: لظل يرعد إلا أن يكون له.

التنويل: التأمين.

(3)

ضراء الارض: الأرض التي فيها شجر.

عثر: اسم مكان مشهور بكثرة السباع.

الغيل: الشجر الكثير الملتف.

(4)

المعفور: الملقى في الترب.

والخراديل: قطع صغار.

(5)

في ابن هشام: منه تظل سباع الجو نافرة.

الجو: اسم موضع.

والاراجيل جماعات الرجال.

(6)

البز: السلاح، والدرسان: الثياب الخلقة.

(7)

زولوا: فعل أمر من زال.

يريد تحولهم من مكة إلى المدينة.

(8)

الانكاس: جمع نكس وهو الجبان والرجل الضعيف.

والكشف: جمع أكشف وهو الذي لا ترس معه.

المعازيل: الذي لا سلاح معهم.

(9)

قفعاء ضرب من الحسك تشبه به حلق الدار (*) .

ص: 427

قال ابن هشام: هَكَذَا أَوْرَدَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا، وَقَدْ رَوَاهَا الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ فَقَالَ: أنَّا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الأسدي بهمذان، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيٌّ، ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ ذِي الرُّقَيْبَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَرَجَ كَعْبٌ وَبُجَيْرٌ ابْنَا زُهَيْرٍ، حَتَّى أَتَيَا أَبْرَقَ الْعَزَّافِ (1) فَقَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ: اثْبُتْ فِي هَذَا الْمَكَانِ حَتَّى آتِيَ هَذَا الرَّجل - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْمَعُ مَا يَقُولُ فَثَبَتَ كَعْبٌ وَخَرَجَ بُجَيْرٌ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا فَقَالَ: أَلَّا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً * عَلَى أي شئ ويب غيرك دلكا (2) على خلق لم تلفء أما ولا أبا * عليه ولم تدرك عليه أخالكا سقاك أبو بكر بكأس روية * وأنهلك المأمون مِنْهَا وَعَلَّكَا فَلَمَّا بَلَغَتِ الْأَبْيَاتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْدَرَ دَمَهُ وَقَالَ " من لقي كعباً فليقتله " فكتب بذلك بجير إِلَى أَخِيهِ وَذَكَرَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ وَيَقُولُ لَهُ: النَّجَاءَ وَمَا أَرَاكَ تَنْفَلِتُ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ: اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَسْقَطَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَسْلِمْ وَأَقْبِلْ، قَالَ: فَأَسْلَمَ كَعْبٌ وَقَالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ورسول الله مع أصحابه كالمائدة بين القوم [والقوم] مُتَحَلِّقُونَ مَعَهُ حَلْقَةً خَلْفَ حَلْقَةٍ يَلْتَفِتُ إِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ، وَإِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ.

قَالَ كَعْبٌ: فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ، [ثمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ] فَعَرَفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالصفة، حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَأَسْلَمْتُ، وَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ الْأَمَانَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ " وَمَنْ أنت؟ " قال: كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ " الَّذِي يَقُولُ " ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [إِلَى أَبِي بَكْرٍ] فَقَالَ " كَيْفَ قَالَ يَا أبا بكر؟ " فأنشده أبو بكر:

سقاك بها المأمون (3) كأساً روية * وأنهلك المأمون مِنْهَا وَعَلَّكَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قُلْتُ هَكَذَا، قَالَ " فَكَيْفَ قُلْتَ؟ " قَالَ قُلْتُ:

(1) ابرق العزاف: ماء لبني أسد بن خزيمة بن مدركة، وهو في طريق القاصد إلى المدينة من البصرة، سمي العزاف لانهم يسمعون فيه عزيف الجن.

(معجم البلدان) وقال البكري: ويقال أبرق الحنان وفي هامشه: العزاف من المدينة علي اثني عشر ميلا إلى المدينة (معجم ما استعجم) .

(2)

في دلائل البيهقي: على أي شئ غير ذلك دلكا.

(3)

في دلائل البيهقي: أبو بكر.

(*)

ص: 428

سقاك بها المأمون (1) كأساً رَوِيَّةٍ * وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَأْمُونٌ وَاللَّهِ " ثُمَّ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَهِيَ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ: بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ * مُتَيَّمٌ عِنْدَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الرَّمْزِ لِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِنْشَادُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالْبَيْهَقِيِّ (2) رَحِمَهُمَا اللَّهُ عز وجل.

وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبِرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ أَنَّ كَعْبًا لَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ * مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ نبئتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي * وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ قَالَ: فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَنْ مَعَهُ أَنِ اسْمَعُوا.

وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ (3) قَبْلَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

قُلْتُ: وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ بُرْدَتَهُ حِينَ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الصَّرْصَرِيُّ فِي بَعْضِ مَدَائِحِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ قَالَ وَهِيَ الْبُرْدَةُ الَّتِي عِنْدَ الْخُلَفَاءِ.

قُلْتُ: وَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ جِدًّا وَلَكِنْ لَمْ أَرَ ذلك في شئ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ بِإِسْنَادٍ أَرْتَضِيهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رُوي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ لَمَّا قَالَ: بَانَتْ سُعَادُ وَمَنْ سُعَادُ؟ قَالَ زَوْجَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ لَمْ تَبِنْ وَلَكِنْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ تَوَهَّمَ أَنَّ بِإِسْلَامِهِ تَبِينُ امْرَأَتُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ البينوتة الْحِسِّيَّةَ لَا الْحُكْمِيَّةَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ فَلَمَّا قَالَ كَعْبٌ - يَعْنِي فِي قَصِيدَتِهِ - إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ وَإِنَّمَا يُرِيدُنَا مَعْشَرَ الأنصار، لما كان صاحبنا صنع به [ما صنع](4) وَخَصَّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ بِمِدْحَتِهِ غَضِبَتْ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ يَمْدَحُ الْأَنْصَارَ، ويذكر بلاءهم من رسول صلى الله عليه وسلم وَمَوْضِعَهُمْ مِنَ الْيُمْنِ:

(1) في دلائل البيهقي: أبو بكر.

وميمون الثانية في البيهقي: المأمور.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مأمور والله.

(2)

الخبر في دلائل النبوة باب ما جاء في قدوم كعب بن زهير على النبي صلى الله عليه وسلم ج 5 / 207 وما بعدها.

(3)

نقل البيهقي في الدلائل ما ذكره ابن عقبة، فذكر البيت الاول أما الثاني ففيه قوله: في فتية من قريش..الخ.. (4) من ابن هشام.

(*)

ص: 429

مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الْحَيَاةِ فَلَا يَزَلْ * فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ (1) وَرِثُوا الْمَكَارِمَ كَابِرًا عن كابر * إن الخيار هموا بنوا الْأَخْيَارِ الْمُكْرِهِينَ السَّمْهَرِيَّ بِأَذْرُعٍ * كَسَوَالِفِ الِهِنْدِيِّ غَيْرِ قِصَارِ وَالنَّاظِرِينَ بِأَعْيُنٍ مُحْمَرَّةٍ * كَالْجَمْرِ غَيْرِ كَلِيلَةِ الْإِبْصَارِ وَالْبَائِعِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ * لِلْمَوْتِ يَوْمَ تَعَانُقٍ وكرار (2) يَتَطَهَّرُونَ يَرَوْنَهُ نُسُكًا لَهُمْ * بِدِمَاءِ مَنْ عَلِقُوا من الكفار دربوا كما دربت بطون خَفِيَّةٍ * غُلْبُ الرِّقَابِ مِنَ الْأُسُودِ ضَوَارِي (3) وَإِذَا حللت لينعوك إليهم * أصبحت عند معاقل الأعفار (4)

ضَرَبُوا عَلِيًّا يَوْمَ بَدْرٍ ضَرْبَةً * دَانَتْ لِوَقْعَتِهَا جَمِيعُ نِزَارِ لَوْ يَعْلَمُ الْأَقْوَامُ عِلْمِيَ كُلَّهُ * فِيهِمْ لَصَدَّقَنِي الَّذِينَ أُماري قَوْمٌ إِذَا خَوَتِ النُّجُومُ فَإِنَّهُمْ * لِلطَّارِقِينَ النَّازِلِينَ مَقَارِي (5) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ حِينَ أَنْشَدَهُ بَانَتْ سعاد " لو ذَكَرْتَ الْأَنْصَارَ بِخَيْرٍ فَإِنَّهُمْ لِذَلِكَ أَهْلٌ " فَقَالَ كَعْبٌ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَهِيَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.

قال وبلغني عن علي ابن زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ أَنْشَدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيِّ، حَدَّثَنِي مَعْنُ بْنُ عيسى، حدثني محمد بن عبد الرحمن الأفطس (6) عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ فَذَكَرَهُ وَهُوَ مُرْسَلٌ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَصْحَابِ بَعْدَ مَا أَوْرَدَ طَرَفًا مِنْ تَرْجَمَةِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ كَانَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ شَاعِرًا مُجَوِّدًا كَثِيرَ الشِّعْرِ مُقَدَّمًا فِي طَبَقَتِهِ هُوَ وَأَخُوهُ بُجَيْرٌ وَكَعْبٌ أشعرهما وأبو هما زُهَيْرٌ فَوْقَهُمَا وَمِمَّا يُسْتَجَادُ مِنْ شِعْرِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ قَوْلُهُ: لَوْ كُنْتُ أَعْجَبُ مِنْ شئ لَأَعْجَبَنِي * سَعْيُ الْفَتَى وَهْوَ مَخْبُوءٌ لَهُ الْقَدَرُ يَسْعَى الْفَتَى لِأُمُورٍ لَيْسَ يُدْرِكُهَا * فَالنَّفْسُ وَاحِدَةٌ وَالْهَمُّ مُنْتَشِرُ وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ * لَا تَنْتَهِي الْعَيْنُ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَثَرُ (7)

(1) مقنب: الجماعة من الخيل.

ويريد بهم القوم على ظهور جيادهم.

(2)

بعده في ابن هشام: وَالْقَائِدِينَ النَّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ * بِالْمَشْرَفِيِّ وَبِالْقَنَا الْخَطَّارِ (3) دربوا: تعوذا.

غلب الرقاب: غلاظ الاعناق.

(4)

الاعفار: جمع عفر، وهو ولد الوعل.

(5)

المقاري: جمع مقراة، وهي الجفنة التي يصنع فيها الطعام للاضياف.

(6)

في الدلائل: الاوقص.

ج 5 / 211.

(7)

الابيات في الاستيعاب على هامش الاصابة 3 / 300.

(*)

ص: 430