المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في غزوة بني قريظة - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 4

- ‌سنة ثلاث من الهجرة

- ‌خَبَرُ يهود بني قينقاع في الْمَدِينَةِ

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ [إلى ذي القردة]

- ‌مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الأشرف

- ‌غزوة أُحد فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ

- ‌مَقْتَلُ حَمْزَةَ رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ فِيمَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ

- ‌فَصَلٌ فِي عَدَدِ الشُّهَدَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا تَقَاوَلَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ فِي وَقْعَةِ أُحد مِنَ الْأَشْعَارِ

- ‌آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى وَقْعَةِ أُحُدٍ

- ‌سنة أربع من الهجرة

- ‌ سَرِيَّةُ أَبِي سَلَمَةَ بن عبد الأسد أبي طليحة الأسدي

- ‌غَزْوَةُ الرَّجِيعِ

- ‌غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة ذات الرِّقاع

- ‌قِصَّةُ غَوْرَثِ بْنِ الْحَارِثِ

- ‌قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك

- ‌قصة جمل جابر

- ‌غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ وَهِيَ بَدْرٌ الْمَوْعِدُ

- ‌فصل في جملة مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌سَنَةُ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية

- ‌غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا

- ‌غزوة الخندق أو الْأَحْزَابِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي دُعَائِهِ عليه السلام عَلَى الْأَحْزَابِ

- ‌فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌فصل الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌مقتل أبي رافع اليهودي

- ‌مقتل خالد بن سفيان الْهُذَلِيِّ

- ‌قصة عمرو بن العاص مع النجاشي

- ‌فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة

- ‌نزول الحجاب صبيحة عرس زينب

- ‌سنة ست من الهجرة

- ‌غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ

- ‌غزوة بني المصطلق من خزاعة

- ‌ قِصَّةَ الْإِفْكِ

- ‌غزوة الحديبية

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ

- ‌سنة سبع من الهجرة

- ‌غَزْوَةُ خَيْبَرَ

- ‌ فصل

- ‌ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل فتح حصونها وقسيمة أَرْضِهَا

- ‌فصل وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنَ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ

- ‌ذِكْرُ قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون

- ‌قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ مَنِ اسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ

- ‌فصل مروره صلى الله عليه وآله بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم

- ‌فصل

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ

- ‌سَرِيَّةُ عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى يُسَيْرِ بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ

- ‌سَرِيَّةٌ أُخْرَى مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ

- ‌ سَرِيَّةَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا إِلَى نَاحِيَةِ خَيْبَرَ

- ‌سرية بني حَدْرَدٍ إِلَى الْغَابَةِ

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ

- ‌عمرة القضاء وَيُقَالُ القِصاص

- ‌قصة تزويجه عليه السلام بِمَيْمُونَةَ

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ

- ‌فَصْلٌ [سَرِيَّةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السَّلمي إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ]

- ‌فصل:

- ‌سَنَةُ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

- ‌إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة

- ‌طَرِيقُ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ

- ‌سَرِيَّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الْأَسَدِيِّ إِلَى هَوَازِنَ

- ‌سَرِيَّةُ كعب بن عمير إلى بني قضاعة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي فَضْلِ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم

- ‌فصل في من استشهد يوم مؤتة فَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ

- ‌ما قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ

- ‌كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوكِ الآفاق وكتبه إليهم

- ‌بعثه إلى كسرى ملك الفرس

- ‌بَعْثُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى المقوقس صَاحِبِ مَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

- ‌غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ

- ‌سرية أبي عبيدة إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ

- ‌ سَرِيَّةَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ

- ‌غَزْوَةُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

- ‌فصل

- ‌صِفَةُ دُخُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ

- ‌فصل

- ‌ سَبَبِ إِسْلَامِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ

- ‌بعثه عليه السلام خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ

- ‌بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزَّى

- ‌فَصْلٌ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ

- ‌فصل فيما حكم عليه السلام بِمَكَّةَ مِنَ الْأَحْكَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌غزوة هوازن يوم حنين

- ‌غزوة أَوْطَاسٍ

- ‌من استشهد يوم حنين وأوطاس

- ‌ما قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ

- ‌غَزْوَةُ الطَّائِفِ

- ‌مرجعه عليه السلام من الطائف وقسمة غنائم هوازن

- ‌قُدُومِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ عَلَى الرَّسُولِ

- ‌إِسْلَامُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى

- ‌الْحَوَادِثِ الْمَشْهُورَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَالْوَفَيَاتِ

الفصل: ‌فصل في غزوة بني قريظة

يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الآن نغزوهم ولا يغزوننا.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (1) مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ بِهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: واستشهد من المسلمين يوم الخندق ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - وَسَتَأْتِي وَفَاتُهُ مَبْسُوطَةً - وَأَنَسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ النُّعْمَانِ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ الْجُشَمِيَّانِ السَّلَمِيَّانِ، وَكَعْبُ بْنُ زَيْدٍ النَّجَّارِيُّ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ (2) فَقَتَلَهُ قَالَ: وقُتل مِنَ الْمُشْرِكِينَ

ثَلَاثَةٌ وَهُمْ: مُنَبِّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَمَاتَ مِنْهُ بِمَكَّةَ وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ بِفَرَسِهِ فَتَوَرَّطَ فِيهِ فَقُتِلَ هُنَاكَ وَطَلَبُوا جَسَدَهُ بِثَمَنٍ كَبِيرٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ الْعَامِرِيُّ قَتَلَهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَتَلَ عَلِيٌّ يَوْمَئِذٍ عَمْرَو بْنَ عبد ود وابنه حسل بن عمرو وقال ابن هشام: ويقال عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عبد.

‌فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ

وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ مِنَ الْبَأْسِ الشَّديد مَعَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَذَلِكَ لِكُفْرِهِمْ وَنَقْضِهِمُ الْعُهُودَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمُمَالَأَتِهِمُ الْأَحْزَابَ عَلَيْهِ فَمَا أَجْدَى ذلك عنهم شيئاً وباؤا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لم تطأوها وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كل شئ قديرا)[الْأَحْزَابِ: 25 - 27] .

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنَ الْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثُمَّ يَقُولُ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ".

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رحمه الله: وَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ عَنِ الْخَنْدَقِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ (3) وَالْمُسْلِمُونَ وَوَضَعُوا السِّلَاحَ، فَلَمَّا كَانَتِ الظُّهْرُ، أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حدثني

(1) صحيح البخاري: 5 / 48.

(2)

قال ابن هشام: سهم غرب وسهم غرب بإضافة وغير إضافة، وهو الذي لا يعرف من أين جاء ولا من رمى به.

(3)

كان دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاربعاء، يوم منصرفه من الخندق، لسبع بقين من ذي القعدة، فحاصرهم

خمسة عشر يوماً، ثم انصرف يوم الخميس لسبع خلون من ذي الحجة سنة خمس (الواقدي - شرح المواهب)(*)

ص: 133

الزُّهْرِيُّ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ، عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ، فقال: أو قد وَضَعْتَ السِّلَاحَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ بَعْدُ، وَمَا رَجَعْتُ الْآنَ إِلَّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ يَا مُحَمَّدُ بِالْمَسِيرِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنِّي عَامِدٌ إِلَيْهِمْ فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ.

فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ فِي النَّاس: مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا فَلَا يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حدَّثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ! فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ: فَإِلَى أَيْنَ؟ قَالَ هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَخَرَجَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (1) .

وَقَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَحْزَابِ دَخَلَ المغتسل ليغتسل وجاء جبريل فرأيته من خلل البيت قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أوضعتم أسلحتكم؟ فقال: وضعنا أسلحتنا فقال: إنا لم نضع أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ انْهَدْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.

ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى [بْنُ إِسْمَاعِيلَ] حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبَ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ (2) .

ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءٍ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ: " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ " فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ الْعَصْرُ فِي الطَّريق، فَقَالَ بعضهم: لا نصلي العصر حتى تأتيها، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ.

فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ (3) .

وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءٍ بِهِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: حدَّثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

خَالِدِ بْنِ خلي (4) حدثنا بشر بن حرب (5) عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا الزُّهري، أَخْبَرَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَمَّهُ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ من طلب الاحزاب

(1) رواه البخاري في 64 كتاب المغازي 30 باب مرجع النبي من الاحزاب.

ومسلم في 32 كتاب الجهاد 22 باب ح (65) ص (1389) .

(2)

في 64 كتاب المغازي 30 باب ح 4118 عن موسى بن إسماعيل.

(3)

البخاري: المغازي 30 باب ح 4119.

ومسلم: 32 كتاب الجهاد 23 باب ح 69.

وفي رواية أبو بكر إلا سماعيلي للحديث " الظهر بدل العصر " وقال: كذا في كتابي الظهر (انظر روايته في دلائل البيهقي 4 / 7) .

(4)

من الدلائل وفي الاصل علي.

(5)

في الدلائل: شعيب.

(*)

ص: 134

وضع عنه اللأمة واغتسل واستحم، فَتَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: عَذِيرَكَ مِنْ مُحَارِبٍ أَلَا أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ اللَّأْمَةَ وَمَا وَضَعْنَاهَا بَعْدُ، قَالَ فَوَثَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَزِعًا فَعَزَمَ عَلَى النَّاسِ أن لا يصلوا صلاة العصر إلا في بَنِي قُرَيْظَةَ.

قَالَ: فَلَبِسَ النَّاسُ السِّلَاحَ، فَلَمْ يَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَاخْتَصَمَ النَّاسُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ بَعْضِهِمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَزَمَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نُصَلِّيَ حَتَّى نَأْتِيَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنَّمَا نَحْنُ فِي عَزِيمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَيْسَ عَلَيْنَا إِثْمٌ، وَصَلَّى طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ احْتِسَابًا وَتَرَكَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الصَّلَاةَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّوْهَا حِينَ جاؤوا بَنِي قُرَيْظَةَ احْتِسَابًا فَلَمْ يُعَنِّفْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ (1) .

ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا فَسَلَّمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ فِي الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزِعًا وَقُمْتُ فِي أَثَرِهِ فَإِذَا بِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، فَقَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ أَمَرَنِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ: قَدْ وَضَعْتُمُ السِّلَاحَ لَكِنَّا لَمْ نَضَعْ، طَلَبْنَا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى بَلَغْنَا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، وَذَلِكَ حِينَ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ،

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزِعًا وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُصَلُّوا صَلَاةَ الْعَصْرِ، حَتَّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ، فَغَرَبَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْ أَنْ تَدَعُوا الصَّلَاةَ فَصَلَّوْا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَاللَّهِ إِنَّا لَفِي عَزِيمَةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا عَلَيْنَا مِنْ إِثْمٍ، فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَتَرَكَتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَلَمْ يُعَنِّفْ (2) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.

وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: هَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَدٌ؟ فَقَالُوا مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ تَحْتَهُ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ، فَقَالَ: ذَلِكَ جِبْرِيلُ أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَهُمْ، وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتُرُوهُ بِالْجَحَفِ حتى يسمع كلامهم، فَنَادَاهُمْ يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ.

فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَمْ تَكُنْ فَحَّاشًا، فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ (3) .

وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُصِيبِ مِنَ الصَّحَابَةِ يَوْمَئِذٍ مَنْ هُوَ؟ بَلِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَأْجُورٌ وَمَعْذُورٌ غَيْرُ مُعَنَّفٍ.

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الَّذِينَ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ يَوْمَئِذٍ عَنْ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا حَتَّى صَلَّوْهَا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ هُمُ الْمُصِيبُونَ، لِأَنَّ أَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى عُمُومِ الْأَمْرِ بِهَا فِي وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ الظاهري في كتاب السيرة: وعلم الله أنا

(1) دلائل النبوة ج 4 / 7 وأخرجه الشيخان مختصرا والامام أحمد والحاكم مطولا عن عائشة ومن طريق جابر أخرجه أبو نعيم، ورواه الطبري من طريق عبد الله بن أبي أوفى.

(2)

في الدلائل: ولم يعب.

(3)

دلائل النبُّوة للبيهقي: 4 / 9 وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 34 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه.

وأخرجه أبو نعيم في الدلائل (437) ونقله الصالحي في السيرة الشامية (5 / 9) .

(*)

ص: 135

لَوْ كُنَّا هُنَاكَ لَمْ نُصَلِّ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ.

وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ مَاشٍ عَلَى قَاعِدَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فِي الْأَخْذِ بِالظَّاهِرِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنَ الْعُلَمَاءِ: بَلِ الَّذِينَ صَلَّوُا الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا لَمَّا

أدركتهم وهم في مسيرهم الْمُصِيبُونَ لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ إِنَّمَا هُوَ تَعْجِيلُ السَّيْرِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فَعَمِلُوا بِمُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا مَعَ فَهْمِهِمْ عَنِ الشَّارِعِ مَا أَرَادَ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَنِّفْهُمْ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا الَّتِي حُوِّلَتْ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ كَمَا يَدَّعِيهِ أُولَئِكَ، وَأَمَّا أُولَئِكَ الَّذِينَ أَخَّرُوا فَعُذِرُوا بِحَسَبِ مَا فَهِمُوا، وَأَكْثَرُ مَا كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْقَضَاءِ وَقَدْ فَعَلُوهُ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الصَّلاة لِعُذْرِ الْقِتَالِ كَمَا فَهِمَهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ فِي هَذَا فَلَا إِشْكَالَ عَلَى مَنْ أَخَّرَ وَلَا عَلَى مَنْ قَدَّمَ أَيْضًا.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَمَعَهُ رَايَتُهُ وَابْتَدَرَهَا النَّاسُ.

وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُغْتَسَلِهِ كَمَا يَزْعُمُونَ قَدْ رَجَّلَ أَحَدَ شِقَّيْهِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ لَأْمَتُهُ، حَتَّى وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، عِنْدَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ جبريل: غفر الله لك، أو قد وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ جِبْرِيلُ: لَكِنَّا لَمْ نَضَعْهُ مُنْذُ نَزَلَ بِكَ الْعَدُوُّ، وَمَا زِلْتُ فِي طَلَبِهِمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ - وَيَقُولُونَ إِنَّ عَلَى وَجْهِ جِبْرِيلَ لَأَثَرَ الْغُبَارِ - فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكَ بِقِتَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَنَا عَامِدٌ إِلَيْهِمْ بِمَنْ مَعِي من الملائكة نزلزل بِهِمُ الْحُصُونَ فَاخْرُجْ بِالنَّاسِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَثَرِ جِبْرِيلَ، فَمَرَّ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي غَنْمٍ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَرَّ عَلَيْكُمْ فَارِسٌ آنِفًا؟ قَالُوا: مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى فَرَسٍ أَبْيَضَ، تَحْتَهُ نَمَطٌ أَوْ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ عَلَيْهِ اللَّأْمَةُ، فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُشَبِّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ بِجِبْرِيلَ، فَقَالَ: الْحَقُونِي بِبَنِي قُرَيْظَةَ فَصَلُّوا فِيهِمُ الْعَصْرَ، فَقَامُوا وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَانْطَلَقُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَهُمْ بِالطَّرِيقِ، فَذَكَرُوا الصَّلَاةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَكُمْ أَنْ تُصَلُّوا الْعَصْرَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.

وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى مِنْهُمْ قَوْمٌ وَأَخَّرَتْ طَائِفَةٌ الصَّلَاةَ حَتَّى صَلَّوْهَا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، بَعْدَ أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَذَكَرُوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عَجَّلَ مِنْهُمُ الصَّلَاةَ، وَمَنْ أَخَّرَهَا، فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.

قَالَ فَلَمَّا رَأَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلًا

تَلَقَّاهُ وَقَالَ: ارْجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ كَافِيكَ الْيَهُودَ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدْ سَمِعَ مِنْهُمْ قَوْلًا سَيِّئًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ رضي الله عنهن فكره أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِمَ تَأْمُرُنِي بِالرُّجُوعِ، فَكَتَمَهُ مَا سمع منهم فقال: أظنك سمعت فيَّ مِنْهُمْ أَذًى، فَامْضِ فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ لَوْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا مِمَّا سَمِعْتَ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِصْنِهِمْ وَكَانُوا فِي أَعْلَاهُ، نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ نَفَرًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ فَقَالَ: أَجِيبُوا يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ، قَدْ نزل بكم خزى الله عزوجل، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَتَائِبِ الْمُسْلِمِينَ بِضْعَ

ص: 136

عَشْرَةَ لَيْلَةً (1) وَرَدَّ اللَّهُ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ، حَتَّى دَخَلَ حِصْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، فَصَرَخُوا بِأَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ (2) - وَكَانُوا حُلَفَاءَ الأنصار - فقال أبو لبابة: لاآتيهم حَتَّى يَأْذَنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَأَتَاهُمْ أَبُو لُبَابَةَ، فَبَكَوْا إِلَيْهِ وَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ مَاذَا تَرَى، وَمَاذَا تَأْمُرُنَا فَإِنَّهُ لَا طَاقَةَ لَنَا بِالْقِتَالِ، فَأَشَارَ أَبُو لُبَابَةَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ، وَأَمَرَّ عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ، يُرِيهِمْ أَنَّمَا يراد بهم الْقَتْلُ.

فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو لُبَابَةَ سُقِطَ فِي يَدِهِ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ.

فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُحْدِثَ لله ثوبة نَصُوحًا يَعْلَمُهَا اللَّهُ مِنْ نَفْسِي، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَبَطَ يَدَيْهِ إِلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ.

وَزَعَمُوا أَنَّهُ ارْتَبَطَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حين غاب عَلَيْهِ أَبُو لُبَابَةَ: أَمَا فَرَغَ أَبُو لُبَابَةَ من حلفائه، فذكر له ما فعل؟ فقال: لَقَدْ أَصَابَتْهُ بَعْدِي فِتْنَةٌ وَلَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ وَإِذْ قَدْ فَعَلَ هَذَا فَلَنْ أُحَرِّكَهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ (3) .

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي مَغَازِيهِ فِي مِثْلِ سِيَاقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمِثْلِ رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ نَاحِيَةِ أموالهم يقال لها: بئر أنى (4) .

فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ (5) لَيْلَةً حَتَّى جَهَدَهُمُ الْحِصَارُ وَقَذَفَ [اللَّهُ] فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ.

وَقَدْ كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَهُمْ حِصْنَهُمْ، حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَيْقَنُوا أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ، قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا فَخُذُوا بِمَا شِئْتُمْ مِنْهَا.

قَالُوا وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: نُتَابِعُ هَذَا الرَّجُلَ وَنُصَدِّقُهُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ لَلَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فتُأمنون بِهِ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ.

قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ.

قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ عليَّ هَذِهِ، فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، ثُمَّ نَخْرُجْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصْلِتِينَ بِالسُّيُوفِ، لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثَقَلًا، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ نَهْلِكْ نَهْلِكْ وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا نَسْلًا نَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لَنَجِدَنَّ النِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ.

قَالُوا: أَنَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ؟ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ؟ قَالَ: فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ فَاللَّيْلَةُ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمِنُونَا فِيهَا، فَانْزِلُوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة.

(1) في الواقدي: خمسة عشر يوماً.

(2)

أبو لبابة الا نصاري المدني، اسمه رفاعة، وقيل مبشر، وقيل بشير، أحد النقباء، كان مناصحا لهم لان ماله وولده وعياله في بني قريظة عاش إلى خلافة علي (الاستيعاب - الروض) .

(3)

نقله البيهقي عن موسى بن عقبة في الدلائل 4 / 13 - 14.

(4)

في الواقدي: لنا والصواب بئر أنا: وهو بئر من آبار بني قريظة (الروض - معجم البلدان - شرح المواهب) .

(5)

قيل خمس عشرة ليلة (الطبقات - الواقدي) .

(*)

ص: 137

قَالُوا أَنُفْسِدُ سَبْتَنَا، وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ مَنْ كَانَ قَبْلنَا إِلَّا مَنْ قد علمت، فأصابه ما يَخْفَ عَنْكَ مِنَ الْمَسْخِ، فَقَالَ: مَا بَاتَ رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما.

ثم انها بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وكانوا حلفا الْأَوْسِ نَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِنَا.

فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ وَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ (1) ؟ قَالَ نَعَمْ.

وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ، أَنَّهُ الذَّبْحُ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى

عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خنت الله ورسوله.

ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى يَتُوبَ الله علي مما صَنَعْتُ.

وَعَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيمَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الله بن أبي قتادة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الْأَنْفَالِ: 27] .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَقَامَ مُرْتَبِطًا سِتَّ لَيَالٍ تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، فَتَحُلُّهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يَرْتَبِطُ حَتَّى نَزَلَتْ تَوْبَتُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التَّوْبَةِ: 102] .

وَقَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: إِنَّهُ مَكَثَ عشرين ليلة مرتبطاً به.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ تَوْبَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ آخِرِ اللَّيل وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يَبْتَسِمُ، فَسَأَلَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَهَا بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تُبَشِّرَهُ، فَأَذِنَ لَهَا، فَخَرَجَتْ فَبَشَّرَتْهُ، فَثَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ يُبَشِّرُونَهُ وَأَرَادُوا أَنْ يَحِلُّوهُ مِنْ رِبَاطِهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَا يحلني منه إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ حَلَّهُ مِنْ رِبَاطِهِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بْنَ عُبَيْدٍ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هَدْلٍ لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا النَّضِيرِ، نَسَبُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ، هُمْ بَنُو عَمِّ الْقَوْمِ أَسْلَمُوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا قُرَيْظَةُ عَلَى حُكْمِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ في تلك الليلة عَمْرُو بْنُ سُعْدَى الْقُرَظِيُّ، فَمَرَّ بِحَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ تِلْكَ اللَّيلة، فلمَّا رَآهُ قَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ أَنَا عَمْرُو بْنُ سُعْدَى - وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: لَا أَغْدِرُ بِمُحَمَّدٍ أَبَدًا - فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حِينَ عَرَفَهُ: اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنِي إِقَالَةَ عَثَرَاتِ الْكِرَامِ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى بَاتَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب لم يدر أين توجه من

(1) قال الزرقاني: " انزل بنو قريظة شأس بن قيس، لما حوصروا وايقنوا بالهلكة، فكلمه صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على ما نزل عليه بنو النضير من ترك الاموال والحلقة والخروج بالنساء والذراري وما حملت الابل إلا الحلقة، فَأَبَى

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم..أَلَا أن ينزلوا على حكمه وعاد شأس إليهم بذلك (انظر شرح المواهب - الواقدي وفيه نباش بن قيس) .

(*)

ص: 138

الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَذُكِرَ شَأْنُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ذَاكَ رجل نجاه الله بوفائه.

قال: وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أُوثِقَ بِرُمَّةٍ فيمن أوثق بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَصْبَحَتْ رُمَّتُهُ مُلْقَاةً وَلَمْ يُدْرَ أَيْنَ ذَهَبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أصبحوا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَاثَبَتِ الْأَوْسُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله: إنهم كانوا مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي إِخْوَانِنَا بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، يَعْنُونَ عَفْوَهُ عَنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، حِينَ سَأَلَهُ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا كَلَّمَتْهُ الْأَوْسُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى.

قَالَ فَذَلِكَ إِلَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَعَلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي خَيْمَةٍ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ (1) فِي مَسْجِدِهِ وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى فَلَمَّا حَكَّمَهُ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَتَاهُ قَوْمُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حماره قَدْ وَطَّئُوا لَهُ بِوِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا، ثُمَّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَقُولُونَ يَا أَبَا عَمْرٍو أَحْسِنْ فِي مَوَالِيكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا وَلَّاكَ ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ.

فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ.

فَرَجَعَ بَعْضُ (2) مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ إِلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَنَعَى لَهُمْ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ سَعْدٌ عَنْ كَلِمَتِهِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهُ فَلَمَّا انْتَهَى سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَيَقُولُونَ إِنَّمَا أَرَادَ الْأَنْصَارَ، وَأَمَّا الْأَنْصَارُ فَيَقُولُونَ قَدْ عَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ وَلَّاكَ أَمْرَ مَوَالِيكَ، لِتَحْكُمَ فِيهِمْ فَقَالَ سَعْدٌ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ لَمَا حَكَمْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِجْلَالًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ الرِّجَالُ وَتُقْسَمَ الْأَمْوَالُ وَتُسْبَى الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدٍ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ (3) .

وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَاحَ وَهُمْ مُحَاصِرُو بَنِي قُرَيْظَةَ: يَا كَتِيبَةَ الْإِيمَانِ وَتَقَدَّمَ هُوَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَذُوقَنَّ مَا ذَاقَ حَمْزَةُ أَوْ أَقْتَحِمُ حِصْنَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شعبة، عن سعيد بْنِ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.

قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى سَعْدٍ فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قوموا

(1) ويقال: كعيبة بنت سعد بن عتبة كما ذكر الواقدي (مغازي 2 / 510) .

(2)

منهم: الضحَّاك بن خليفة، ومعتب بن قشير، وحاطب بن أمية الظفري كما ذكرهم الواقدي (2 / 511) (3) الا رقعة: السموات، الواحدة رقيع (شرح أبي ذر ص 306) .

(*)

ص: 139

لِسَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ.

ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ نزلوا على حكمك.

قال: نقتل مقاتلتهم ونسبي ذُرِّيَّتَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ.

وَرُبَّمَا قَالَ: قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ، وَفِي رِوَايَةٍ الْمَلَكِ (1) .

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُجَيْنٌ، وَيُونُسُ قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: رُمِيَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّارِ فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَنَزَفَهُ فَحَسَمَهُ أُخْرَى فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَنَزَفَهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهِمْ، يَسْتَعِينُ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَبْتَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ.

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِمْ انْفَتَقَ عِرْقُهُ فَمَاتَ (2) وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيث بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنَ نُمَيْرٍ، عَنْ

هِشَامٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلَاحَ، وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَعَلَى رَأْسِهِ الْغُبَارُ فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ فَوَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهَا، أُخرج إِلَيْهِمْ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَأَيْنَ؟ قَالَ: هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ.

قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَتُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ.

قَالَ هِشَامٌ: قَالَ أَبِي: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ (3) .

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ فَقَالَ قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ أُخرج إِلَيْهِمْ.

قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَيْنَ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ.

قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهم إنَّك تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إليَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فإن كان بقي من حرب قريش شئ، فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ.

وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا.

فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ من بني غفار

(1) أخرجه البخاري في 56 كتاب الجهاد (168) باب إذا نزل العدو على حكم رجل.

وأخرجه مسلم في 32 كتاب الجهاد (22) باب جواز قتال في نقض العهد.

(2)

مسند الإمام أحمد: 3 / 350.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده: 3 / 22 - 71، 6 / 52، 142.

(*)

ص: 140

إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ.

مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فإذا سعد يغذو

جرحه دماً فمات منها (1) .

وهذا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ بِهِ.

قُلْتُ كَانَ دَعَا أَوَّلًا بِهَذَا الدُّعَاءِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَلِهَذَا قَالَ فِيهِ وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، فلما حكم فيهم وأقر الله عينه أيَّ قَرَارٍ دَعَا ثَانِيًا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَجَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ شَهَادَةً رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ.

وَسَيَأْتِي ذِكْرُ وَفَاتِهِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ مُطَوَّلًا جِدًّا وَفِيهِ فَوَائِدُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ قَالَتْ خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو النَّاسَ فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الْأَرْضِ وَرَائِي، فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ مِجَنَّهُ، قَالَتْ: فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ، فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا أَطْرَافُهُ فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ، قَالَتْ: وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وأطواهم فَمَرَّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: لَبِّثْ قَلِيلًا يدركَ الهيجا جملٌ * مَا أحسنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ قَالَتْ: فَقُمْتُ فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً فَإِذَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فإذا فيها عمر بن الخطاب، وفيهم رجل عليه سبغة لَهُ - تَعْنِي الْمِغْفَرَ - فَقَالَ عُمَرُ: مَا جَاءَ بِكِ وَاللَّهِ إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ، وَمَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُونَ بَلَاءٌ أَوْ يَكُونَ تَحَوُّزٌ، فَمَا زَالَ يلومني حتى تمنيت أن الأرض فتحت ساعتئذ فدخلت فيها، فرفع الرجل السبغة عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا عُمَرُ وَيْحَكَ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ أَوِ الْفِرَارُ أَلَا إِلَى اللَّهِ عزوجل.

قَالَتْ: وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ وَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَقَطَعَهُ فَدَعَا اللَّهَ سَعْدٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَتْ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ، وَمَوَالِيَهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَتْ: فَرَقَأَ كَلْمُهُ وَبَعَثَ اللَّهُ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ، وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا.

فَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ، وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ، وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ قَالَتْ: فجاء جِبْرِيلُ وَإِنَّ عَلَى ثَنَايَاهُ لَنَقْعُ الْغُبَارِ فَقَالَ: أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ لَا وَاللَّهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ بَعْدُ، اخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتِلْهُمْ.

قَالَتْ: فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّتِهِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ

أَنْ يَخْرُجُوا فَمَرَّ عَلَى بَنِي غَنْمٍ، وَهُمْ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ فَقَالَ: مَنْ مَرَّ بِكُمْ؟ قَالُوا: مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ - وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ تُشْبِهُ لِحْيَتُهُ وَسِنُّهُ وَوَجْهُهُ جِبْرِيلَ عليه السلام فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ قِيلَ لَهُمُ انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ قَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فأُتي بِهِ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ أكاف من

(1) البخاري: في 64 كتاب المغازي (30) باب مرجع النبي من الاحزاب.

ومسلم في 32 كتاب الجهاد.

باب جواز قتال من نقض العهد ح 65 وح 67 (ص 1389 و 1390) .

(*)

ص: 141

لِيفٍ قَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ وَأَهْلُ النِّكَايَةِ وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ، قَالَتْ: وَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ دُورِهِمُ الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: قَدْ آنَ لِي أَنْ لَا أُبَالِيَ فِي الله لومة لائم.

قالت: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمَّا طَلَعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ قَالَ عُمَرُ: سَيِّدُنَا اللَّهُ، قَالَ: أَنْزِلُوهُ، فَأَنْزَلُوهُ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اُحكم فِيهِمْ، فَقَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ ثُمَّ دَعَا سَعْدٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إن كنت أبقيت على نبيك مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا، فَأَبْقِنِي لَهَا وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ قَالَتْ: فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ وَكَانَ قَدْ بَرِئَ حَتَّى لَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا مِثْلُ الْخُرْصِ وَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَتْ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إني لا عرف بُكَاءَ عُمَرَ، مِنْ بُكَاءِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَا في حجرتي وكانوا كما قال الله (رحماء بينهم) قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقُلْتُ يَا أُمَّهْ فَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ؟ قَالَتْ: كَانَتْ عَيْنُهُ لَا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِدُعَاءِ سَعْدٍ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً قَبْلَ حُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَمَرَّةً بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَسَنَذْكُرُ كَيْفِيَّةَ وَفَاتِهِ وَدَفْنَهُ وَفَضْلَهُ فِي ذَلِكَ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ بَعْدَ فَرَاغِنَا مِنَ الْقِصَّةِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ اسْتُنْزِلُوا فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ من بني النجار قلت: هي نسيبة (1) ابنة الْحَارِثِ بْنِ كُرْزِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَكَانَتْ تَحْتَ مُسَيْلِمَةَ الكذَّاب ثمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، ثُمَّ خَرَجَ صلى الله عليه وسلم إِلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ، فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، فَخُرِجَ بِهِمْ إِلَيْهِ أَرْسَالًا، وَفِيهِمْ عَدُوَّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، رَأْسُ الْقَوْمِ، وَهُمْ سِتُّمِائَةٍ أَوْ سَبْعُمِائَةٍ.

وَالْمُكَثِّرُ لَهُمْ يَقُولُ: كَانُوا مَا بَيْنَ الثَّمَانِمِائَةِ وَالتِّسْعِمِائَةِ.

قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ أَبَى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُمْ يُذهب بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَالًا: يَا كَعْبُ مَا تَرَاهُ يُصْنَعُ بِنَا؟ قَالَ: أَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ لَا تَعْقِلُونَ أَلَا تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا ينزع، ومن ذُهِبَ بِهِ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُ هُوَ وَاللَّهِ الْقَتْلُ.

فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْبَ حَتَّى فُرِغَ مِنْهُمْ وأُتي بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ فُقَّاحِيَّةٌ (2) قَدْ شَقَّهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ لِئَلَّا يُسْلَبَهَا، مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلى عنقه بحبل.

فلما نظر إلى

(1) قال السهيلي: اسمها كيسة بنت الحارث بن كريز بن حبيب بن عبد شمس.

(الروض: 2 / 198) زينب بنت الحارث.

في رواية ابن بكير عن ابن اسحاق.

وقال الزرقاني: هي رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد (شرح المواهب اللدنية 2 / 164) .

قال الواقدي: أمر صلى الله عليه وسلم بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد والنساء والذرية إلى دار رملة ابنة الحارث (2 / 512) .

(2)

فقاحية: قال ابن هشام: ضرب من الوشي.

وفي الواقدي: حلة شقحية: اي حمراء (عن النهاية) .

(*)

ص: 142

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عدواتك وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهَ يُخْذَلْ (1) .

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللَّهِ، كِتَابٌ وَقَدَرٌ وَمَلْحَمَةٌ كَتَبَهَا اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ.

ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَقَالَ جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيُّ (2) : لَعَمْرُكَ مَا لَامَ ابْنُ أخطبَ نَفْسَهُ * وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهَ يُخْذَلِ لجاهدَ حَتَّى أبلغَ النَّفْسَ عُذرها * وقلقل يبغي العزّ كل مقلقل (3)

وذكر ابْنُ إِسْحَاقَ قصَّة الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا، وَكَانَ شيخاً كبيراً قد عمي وَكَانَ قَدْ منَّ يَوْمَ بُعَاثٍ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وجزَّ نَاصِيَتَهُ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ أَرَادَ أَنْ يُكَافِئَهُ فَجَاءَهُ فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَكَ؟ فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: أُرِيدُ أَنْ أُكَافِئَكَ فَقَالَ: إِنَّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ، فَذَهَبَ ثَابِتٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَطْلَقَهُ فَأَطْلَقَهُ لَهُ ثُمَّ جَاءَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ [لَهُ] (4) وَلَا وَلَدَ فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ فَذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَطْلَقَ لَهُ امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ فَأَطْلَقَهُمْ لَهُ ثم جاءه فَقَالَ أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَطْلَقَ مَالَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا فَأَطْلَقَهُ لَهُ ثُمَّ جَاءَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ يَا ثَابِتُ مَا فَعَلَ الَّذِي كَانَ وَجْهُهُ مِرْآةً صِينِيَّةً تَتَرَاءَى فيها عذارى حي كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ.

قَالَ: فَمَا فَعَلَ سَيِّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ مُقَدِّمَتُنَا إِذَا شَدَدْنَا وَحَامِيَتُنَا إِذَا فَرَرْنَا: عَزَّالُ بْنُ شَمَوْأَلَ (5) ؟ قَالَ: قُتِلَ.

قَالَ فَمَا فَعَلَ الْمَجْلِسَانِ؟ - يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ وَبَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ - قَالَ: ذَهَبُوا قُتِلُوا، قَالَ فَإِنِّي أَسْأَلُكَ يَا ثَابِتُ بِيَدِي عِنْدَكَ إِلَّا أَلْحَقْتَنِي بِالْقَوْمِ فَوَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ فَمَا أَنَا بِصَابِرٍ لِلَّهِ فَيْلَةَ (6) دَلْوٍ نَاضِحٍ حَتَّى أَلْقَى الْأَحِبَّةَ.

فَقَدَّمَهُ ثَابِتٌ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَوْلُهُ " أَلْقَى الْأَحِبَّةَ " قَالَ " يَلْقَاهُمْ وَاللَّهِ فِي نَارِ جهنم فِيهَا مُخَلَّدًا " قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ " فَيْلَةُ " بِالْفَاءِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ أَسْفَلَ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بِالْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ.

وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النَّاضِحُ البعير الذي يستقي عليه الماء لسقي النخل،

(1) زاد الواقدي: ولقد التمست العز في مظانه، وأبى الله إلا أن يمكنك مني، ولقد قلقلت كل مقلقل.

(2)

من بني ثعلبة بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ ريث بن غطفان، كان يهودا فأسلم، وكانت له صحبة (الاستيعاب والروض الانف) .

(3)

مقلقل: أي اني ذهبت في كل وجه في البلاد) أساس البلاغة - قلقل) .

(4)

من ابن هشام.

(5)

في ابن هشام: سموال.

وفي الواقدي: غزال بن سموأل.

(6)

في ابن هشام والسهيلي: فتلة: لعله يريد مقدار ما يأخذ الرجل الدلو إذا أخرجت فيصبها في الحوض، فيقتلها أو

يردها إلى موضعه، وقال الواقدي: إني لا أصبر افراغ دلو من نضح.

وقال أبو ذر: منهم من رواه: قبلة، فهو بمقدار ما يقبل الرجل الدلو، ليصبها في الحوض ثم يصرفها.

وفي هذا المعنى قال زهير بن أبي سلمة: وقابل يتغنى كلما قدرت * على العراقي يداه قائما دفقا (*)

ص: 143

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ إِفْرَاغَةُ دَلْوٍ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ.

فَحَدَّثَنِي شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كُلُّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ، وَكُنْتُ غُلَامًا فَوَجَدُونِي لَمْ أُنْبِتْ فَخَلَّوْا سَبِيلِي.

وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ نَحْوَهُ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ إِنْبَاتَ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْفَرَجِ دَلِيلٌ عَلَى الْبُلُوغِ، بَلْ هُوَ بُلُوغٌ فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الشافعي.

ومن العلماء من يفرن بَيْنَ صِبْيَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَكُونُ بُلُوغًا فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَتَأَذَّى بذلك لمقصد.

وَقَدْ رَوَى [ابْنُ](1) إِسْحَاقَ: عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سَلْمَى بِنْتَ قَيْسٍ، أُمَّ الْمُنْذِرِ اسْتَطْلَقَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رفاعة بن شموال (2) ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ، فَلَاذَ بِهَا، وَكَانَ يَعْرِفُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَطْلَقَهُ لَهَا، وَكَانَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رِفَاعَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَيُصَلِّي وَيَأْكُلُ لَحْمَ الْجَمَلِ.

فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ فَأَطْلَقَهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ (3) ، قَالَتْ وَاللَّهِ إِنَّهَا لِعِنْدِي تَحَدَّثُ مَعِي، تَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قتل رِجَالَهَا فِي السُّوقِ، إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا: أَيْنَ فُلَانَةُ؟ قَالَتْ: أَنَا وَاللَّهِ، قَالَتْ: قُلْتُ لها: ويلك مالك؟ قَالَتْ أُقْتَلُ! قُلْتُ وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِحَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ، قَالَتْ: فَانْطُلِقَ بِهَا فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ فَوَاللَّهِ مَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا، طِيبَ نَفْسِهَا وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَلُ.

هكذا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ (4) : هِيَ

الَّتِي طَرَحَتِ الرَّحَا عَلَى خَلَّادِ بْنِ سُوَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ، يَعْنِي فَقَتَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ.

قال ابْنُ إِسْحَاقَ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَسَمَّاهَا نُبَاتَةَ امْرَأَةَ الْحَكَمِ الْقُرَظِيِّ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قسَّم أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، بَعْدَ مَا أَخْرَجَ الْخُمُسَ، وقسَّم لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ وَسَهْمًا لِرَاكِبِهِ وَسَهْمًا لِلرَّاجِلِ، وَكَانَتِ الْخَيْلُ يَوْمَئِذٍ سِتًّا وَثَلَاثِينَ.

قَالَ: وكان أول فئ وَقَعَتْ فِيهِ السُّهْمَانُ وَخُمِّسَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سعيد بْنَ زَيْدٍ بِسَبَايَا مِنَ بَنِي قُرَيْظَةَ إِلَى نَجْدٍ فَابْتَاعَ بِهَا خَيْلًا وَسِلَاحًا.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اصْطَفَى من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة، إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ (5) وَكَانَ عليها حتَّى توفي عنها وهي

(1) من سيرة ابن هشام.

(2)

في ابن هشام: سموال.

(3)

قال أبو ذر: هي: امرأة الحسن القرظي.

وقال الواقدي: نباتة من بني النضير، وكانت تحت رجل من بني قريظة.

وقد قتلت بخلاد بن سويد (2 / 517) .

(4)

في السيرة: قال ابن هشام.

(5)

في الواقدي: ريحانة بنت زيد من بني النضير متزوجة في بني قريظة.

وقال ابن سعد: هي ريحانة بنت زيد بن = (*)

ص: 144