المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إِسْلَامِهِ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِمَّا كَانَ مَضَى مِنْهُ: لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 4

- ‌سنة ثلاث من الهجرة

- ‌خَبَرُ يهود بني قينقاع في الْمَدِينَةِ

- ‌سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ [إلى ذي القردة]

- ‌مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الأشرف

- ‌غزوة أُحد فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ

- ‌مَقْتَلُ حَمْزَةَ رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ فِيمَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ

- ‌فَصَلٌ فِي عَدَدِ الشُّهَدَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا تَقَاوَلَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ فِي وَقْعَةِ أُحد مِنَ الْأَشْعَارِ

- ‌آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى وَقْعَةِ أُحُدٍ

- ‌سنة أربع من الهجرة

- ‌ سَرِيَّةُ أَبِي سَلَمَةَ بن عبد الأسد أبي طليحة الأسدي

- ‌غَزْوَةُ الرَّجِيعِ

- ‌غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة ذات الرِّقاع

- ‌قِصَّةُ غَوْرَثِ بْنِ الْحَارِثِ

- ‌قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك

- ‌قصة جمل جابر

- ‌غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ وَهِيَ بَدْرٌ الْمَوْعِدُ

- ‌فصل في جملة مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌سَنَةُ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية

- ‌غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا

- ‌غزوة الخندق أو الْأَحْزَابِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي دُعَائِهِ عليه السلام عَلَى الْأَحْزَابِ

- ‌فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌فصل الْأَشْعَارِ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ

- ‌مقتل أبي رافع اليهودي

- ‌مقتل خالد بن سفيان الْهُذَلِيِّ

- ‌قصة عمرو بن العاص مع النجاشي

- ‌فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة

- ‌نزول الحجاب صبيحة عرس زينب

- ‌سنة ست من الهجرة

- ‌غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ

- ‌غزوة بني المصطلق من خزاعة

- ‌ قِصَّةَ الْإِفْكِ

- ‌غزوة الحديبية

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ

- ‌سنة سبع من الهجرة

- ‌غَزْوَةُ خَيْبَرَ

- ‌ فصل

- ‌ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل فتح حصونها وقسيمة أَرْضِهَا

- ‌فصل وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنَ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ

- ‌ذِكْرُ قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون

- ‌قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ مَنِ اسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ

- ‌فصل مروره صلى الله عليه وآله بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم

- ‌فصل

- ‌سَرِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ

- ‌سَرِيَّةُ عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى يُسَيْرِ بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ

- ‌سَرِيَّةٌ أُخْرَى مَعَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ

- ‌ سَرِيَّةَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا إِلَى نَاحِيَةِ خَيْبَرَ

- ‌سرية بني حَدْرَدٍ إِلَى الْغَابَةِ

- ‌سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ

- ‌عمرة القضاء وَيُقَالُ القِصاص

- ‌قصة تزويجه عليه السلام بِمَيْمُونَةَ

- ‌ذِكْرُ خُرُوجِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ

- ‌فَصْلٌ [سَرِيَّةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السَّلمي إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ]

- ‌فصل:

- ‌سَنَةُ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

- ‌إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة

- ‌طَرِيقُ إِسْلَامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ

- ‌سَرِيَّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ الْأَسَدِيِّ إِلَى هَوَازِنَ

- ‌سَرِيَّةُ كعب بن عمير إلى بني قضاعة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي فَضْلِ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم

- ‌فصل في من استشهد يوم مؤتة فَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ

- ‌ما قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ

- ‌كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُلُوكِ الآفاق وكتبه إليهم

- ‌بعثه إلى كسرى ملك الفرس

- ‌بَعْثُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى المقوقس صَاحِبِ مَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

- ‌غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ

- ‌سرية أبي عبيدة إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ

- ‌ سَرِيَّةَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ

- ‌غَزْوَةُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

- ‌فصل

- ‌صِفَةُ دُخُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ

- ‌فصل

- ‌ سَبَبِ إِسْلَامِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ

- ‌بعثه عليه السلام خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ

- ‌بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزَّى

- ‌فَصْلٌ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ

- ‌فصل فيما حكم عليه السلام بِمَكَّةَ مِنَ الْأَحْكَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌غزوة هوازن يوم حنين

- ‌غزوة أَوْطَاسٍ

- ‌من استشهد يوم حنين وأوطاس

- ‌ما قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ

- ‌غَزْوَةُ الطَّائِفِ

- ‌مرجعه عليه السلام من الطائف وقسمة غنائم هوازن

- ‌قُدُومِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ عَلَى الرَّسُولِ

- ‌إِسْلَامُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى

- ‌الْحَوَادِثِ الْمَشْهُورَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَالْوَفَيَاتِ

الفصل: إِسْلَامِهِ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِمَّا كَانَ مَضَى مِنْهُ: لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ

إِسْلَامِهِ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِمَّا كَانَ مَضَى مِنْهُ: لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً * لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللات خيل محمد لكا لمدلج الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ * فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى وأهتدى هدا بي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي * مَعَ اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ (1) أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ * وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمَّدِ هموا ما هموا مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهُمُ * وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلَمْ وَيُفَنَّدِ أُرِيدُ لِأُرْضِيهِمْ وَلَسْتُ بِلَائِطٍ * مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلِّ مَقْعَدِ فَقُلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدُ قِتَالَهَا * وَقُلْ لثقيف تلك عيري أَوْعِدِي فَمَا كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي نَالَ عامر * وما كان عن جري لِسَانِي وَلَا يَدِي قَبَائِلُ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ * نَزَائِعُ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسَرْدُدِ (2) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَالَنِي مَعَ اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ، ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فِي صدره وقال " أنت طردتني كل مطرد ".

‌فصل

وَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ نَزَلَ فِيهِ فَأَقَامَ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ: عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ، وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْتَنِي الْكَبَاثَ (3)، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ قَالَ: " نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا " وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ

الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ سِنَانَ بن إسمعيل، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ سَعِيدِ بْنِ مِينَا قَالَ: لَمَّا فَرَغَ أَهْلُ مُؤْتَةَ (4) وَرَجَعُوا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَسِيرِ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ نَزَلَ بِالْعُقْبَةِ، فَأَرْسَلَ الْجُنَاةَ يَجْتَنُونَ الْكَبَاثَ، فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ وَمَا هُوَ؟ قَالَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِيمَنْ يَجْتَنِي، قَالَ: فَجَعَلَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَصَابَ حَبَّةً طَيِّبَةً قَذَفَهَا فِي فِيهِ، وكانوا ينظرون

= طريق عبد الرحمن بن سابط.

راجع المغازي 2 / 806.

(1)

لما التقى به رسول الله في نيق العقاب ذكره به قائلا: بل الله طردك كل مطرد.

فقال: يا رسول الله هذا قول قلته بجهالة وأنت أولى الناس بالعفو والحلم.

(2)

سهام وسردد: موضعان من أرض عك.

(3)

الكباث: النضيج من ثمر الاراك، حبة فويق حب الكزبرة في القدر.

(4)

من البيهقي: وفي الاصل: أهل مكة ولعله سهو من الناسخ.

(*)

ص: 329

إِلَى دِقَّةِ سَاقَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَرْقَى فِي الشَّجَرَةِ فَيَضْحَكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" تَعْجَبُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ " وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا اجْتَنَى من شئ جاء به وخياره إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِي ذَلِكَ: هَذَا جَنَايَ وَخِيَارَهُ فِيهْ * إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهْ (1) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَنَفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغِبُوا فَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَرِكِهَا وفخذيها فَقَبِلَهُ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَنَزَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ الظَّهْرَانِ، وَقَدْ عُمِّيَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ قُرَيْشٍ، فَلَا يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَدْرُونَ مَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاعِلٌ، وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وبديل بن ورقاء يتجسسون الْأَخْبَارَ وَيَنْظُرُونَ هَلْ يَجِدُونَ خَبَرًا أَوْ يَسْمَعُونَ به (2) .

وذكره ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عُيُونًا خَيْلًا يَقْتَصُّونَ الْعُيُونَ وَخُزَاعَةُ لَا تَدَعُ أَحَدًا يَمْضِي وَرَاءَهَا، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ

أَخَذَتْهُمْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ وَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ يَجَأُ فِي عُنُقِهِ حَتَّى أَجَارَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبَدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ صَاحِبًا لِأَبِي سُفْيَانَ (3) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ الْعَبَّاسُ حِينَ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ الظَّهْرَانِ، قُلْتُ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ! وَاللَّهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَنْوَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، قَالَ فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْضَاءِ، فَخَرَجْتُ عَلَيْهَا حَتَّى جِئْتُ الْأَرَاكَ فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَجِدُ بَعْضَ الْحَطَّابَةِ أَوْ صَاحِبَ لَبَنِ أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي مَكَّةَ، فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يخرجوا إِلَيْهِ فَيَسْتَأْمِنُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ عَنْوَةً، قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَسِيرُ عَلَيْهَا وَأَلْتَمِسَ مَا خَرَجْتُ لَهُ، إِذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ، وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ نِيرَانًا قَطُّ وَلَا عَسْكَرًا.

قَالَ يَقُولُ بُدَيْلٌ: هَذِهِ وَاللَّهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ، قَالَ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَذَلُّ وَأَقَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانُهَا وعسكرها.

قال فعرفت صوته فقلت يأبا حَنْظَلَةَ؟ فَعَرِفَ صَوْتِي، فَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ؟ قَالَ قلت: نعم، قال مالك فدى لك أبي وأمي؟ قال قلت: وحيك يَا أَبَا سُفْيَانَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الناس، فقال: واصباح قريش والله، فَمَا الْحِيلَةُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قَالَ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتَّى أُتي بِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْتَأْمِنُهُ لَكَ، قَالَ فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحَبَاهُ (4) .

وَقَالَ عُرْوَةُ: بَلْ ذَهَبَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فأسلما وجعل يستخبرهما

(1) دلائل النبُّوة للبيهقي 5 / 29 ورواه الحاكم في المستدرك 3 / 317 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقال الذهبي: صحيح.

(2)

سيرة ابن هشام ج 4 / 42.

(3)

الخبر نقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 36.

(4)

سيرة ابن هشام 4 / 44.

(*)

ص: 330

عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ (1) .

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: بَلْ دَخَلُوا مَعَ الْعَبَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ فَجِئْتُ بِهِ كُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا مَنْ هَذَا؟

فَإِذَا رَأَوْا بَغْلَةَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَيْهَا، قَالُوا: عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ وَقَامَ إِلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ عَلَى عَجُزِ الدَّابَّةِ قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ ولا عهد؟ وزعم عروة ابن الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ وَجَأَ فِي رَقَبَةِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَرَادَ قَتْلَهُ فَمَنَعَهُ مِنْهُ الْعَبَّاسُ.

وَهَكَذَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُيُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذُوهُمْ بِأَزِمَّةِ جِمَالِهِمْ فَقَالُوا مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا وَفْدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فلقيهم العباس فدخل بهم على رسول الله فَحَادَثَهُمْ عَامَّةَ اللَّيْلِ ثمَّ دَعَاهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَشَهِدُوا وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَشَهِدَ حَكِيمٌ وَبُدَيْلٌ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا أَعْلَمُ ذَلِكَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ الصُّبْحِ ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يُؤَمِّنَ قُرَيْشًا فَقَالَ: " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمن - وكانت بأعلا مَكَّةَ - وَمَنْ دَخَلَ دَارَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَهُوَ آمِنٌ - وَكَانَتْ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ - وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ " قَالَ الْعَبَّاسُ: ثُمَّ خَرَجَ عُمَرُ يَشْتَدُّ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكَضَتِ الْبَغْلَةُ فَسَبَقَتْهُ بِمَا تَسْبِقُ الدابة البطيئة الرجل البطئ، قَالَ: فَاقْتَحَمْتُ عَنِ الْبَغْلَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، فَدَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ؟ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ، ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا يُنَاجِيهِ اللَّيْلَةَ دُونِي رَجُلٌ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عُمَرُ فِي شَأْنِهِ قَالَ قُلْتُ: مَهْلًا يَا عُمَرُ فَوَاللَّهِ أَنْ لَوْ كَانَ مِنْ رِجَالِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتَ هَذَا، وَلَكِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، فَقَالَ مَهْلًا يَا عَبَّاسُ، فَوَاللَّهِ لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، وَمَا بِي إِلَّا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ [لو أسلم](3) ، فقال رسول الله " اذْهَبْ بِهِ يَا عَبَّاسُ إِلَى رَحْلِكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَأْتِنِي بِهِ " قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَحْلِي، فَبَاتَ عِنْدِي فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَوْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلما [رآه قَالَ]" وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَحَلَمَكَ وأكرمك وأوصلك والله لقد ظنتت أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا بَعْدُ، قَالَ " وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَحَلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ

وَأَوْصَلَكَ أَمَّا هَذِهِ وَاللَّهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا حَتَّى الْآنَ شَيْئًا، فقال له العباس: ويحك أسلم واشهد

(1) الدرر لابن عبد البر (216) ونقل الخبر البيهقي في الدلائل 5 / 37.

(2)

وهذه رواية الواقدي عن ابن عباس: قال: دخلوا مع العباس (الثلاثة) عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الاسلام.

فأما حكيم وبديل فأسلما، وأما أبو سفيان فأرجأها.

2 / 815.

(3)

من ابن هشام (*) .

ص: 331

أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ؟ قَالَ: فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ فَأَسْلَمَ، قَالَ الْعَبَّاسُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا؟ قَالَ:" نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ " زَادَ عُرْوَةُ: وَمَنْ دَخَلَ دَارَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَهُوَ آمِنٌ " وَهَكَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهري " وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ " فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَا عَبَّاسُ احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا " وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَبُدَيْلًا وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ كَانُوا وُقُوفًا مَعَ الْعَبَّاسِ عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ، وَذَكَرَ أَنَّ سَعْدًا لَمَّا قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ.

الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ، فَشَكَّى أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَزَلَهُ عَنْ رَايَةِ الْأَنْصَارِ وَأَعْطَاهَا الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ (1) فَدَخَلَ بها من أعلا مَكَّةَ وَغَرَزَهَا بِالْحَجُونِ، وَدَخَلَ خَالِدٌ مِنْ أَسْفَلِ (2) مَكَّةَ فَلَقِيَهُ بَنُو بَكْرٍ وَهُذَيْلٌ فَقُتِلَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ عِشْرِينَ (3) وَمِنْ هُذَيْلٍ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً وَانْهَزَمُوا فَقُتِلُوا بِالْحَزْوَرَةِ (4) حَتَّى بَلَغَ قَتْلُهُمْ بَابَ الْمَسْجِدِ قَالَ الْعَبَّاسُ: فَخَرَجْتُ بِأَبِي سُفْيَانَ حَتَّى حَبَسْتُهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَحْبِسَهُ، قَالَ وَمَرَّتِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا كُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ سليم فيقول مالي وَلِسُلَيْمٍ، ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ يَا عباس من هؤلاء؟ فأقول مزينة فيقول مالي ولمزينة، حتى نفذت الْقَبَائِلُ مَا تَمُرُّ بِهِ قَبِيلَةٌ إِلَّا سَأَلَنِي عنها، فإذا أخبرته قال مالي وَلِبَنِي فُلَانٍ حَتَّى مرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ وَفِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ

لَا يُرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ مِنَ الْحَدِيدِ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا عَبَّاسُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ص) فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قَالَ: مَا لِأَحَدٍ بِهَؤُلَاءِ مِنْ قِبَلٍ وَلَا طَاقَةٍ، وَاللَّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْغَدَاةَ عظيماً! قال: قلت: يأبا سُفْيَانَ إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ: فَنِعْمَ إِذَنْ، قَالَ قُلْتُ النَّجَاءَ إِلَى قَوْمِكَ، حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ صرخ بأعلا صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَامْتُ إِلَيْهِ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَأَخَذَتْ بِشَارِبِهِ، فَقَالَتْ: اقْتُلُوا الْحَمِيتَ الدَّسِمَ الْأَحْمَسَ قُبِّحَ مِنْ طَلِيعَةِ قَوْمٍ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَيْلَكُمْ لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَكُمْ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، قَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ وَمَا تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ؟ قَالَ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ.

فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دَوْرِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ.

وَذَكَرَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا مرَّ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ لَهُ: إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا كَثِيرَةً لَا أَعْرِفُهَا لَقَدْ كَثُرَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ علي؟

(1) في الواقدي: أن رسول الله عزله وأعطاها ابنه قيس بن سعد، وفي رواية أخرى له، قال: ويقال أن رسول الله أعطاها علياً بن أبي طالب فغرزها عند الركن.

(2)

في الواقدي: من الليط، وهو موضع بأسفل مكة (معجم ما استعجم) .

(3)

في الواقدي: قتل أربعة وعشرين رجلاً من قريش.

(4)

الحزورة: سوق مكة وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه.

(معجم البلدان) .

(*)

ص: 332

فقال له رسول الله: " أَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا وَقَوْمُكَ إِنَّ هَؤُلَاءِ صَدَّقُونِي، إِذْ كَذَّبْتُمُونِي وَنَصَرُونِي إِذْ أَخْرَجْتُمُونِي " ثُمَّ شَكَى إِلَيْهِ قَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ حِينَ مرَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " كَذِبَ سَعْدٌ بَلْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ " وَذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا أَصْبَحَ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيلة الَّتِي كَانَ عِنْدَ الْعَبَّاسِ وَرَأَى الناس يجنحون لِلصَّلَاةِ وَيَنْتَشِرُونَ فِي اسْتِعْمَالِ الطَّهَارَةِ خَافَ وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ مَا بَالُهُمْ؟ قَالَ إِنَّهُمْ سَمِعُوا النِّدَاءَ فَهُمْ يَنْتَشِرُونَ لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَرَآهُمْ يَرْكَعُونَ بِرُكُوعِهِ

وَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ قَالَ: يَا عَبَّاسُ ما يأمرهم بشئ إِلَّا فَعَلُوهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ لَوْ أَمَرَهُمْ بِتَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَأَطَاعُوهُ.

وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ لَمَّا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلُوا يَتَكَفَّفُونَ، فَقَالَ يَا عَبَّاسُ مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ وَلَا مُلْكَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ (1) .

وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عبَّاس فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا كَمَا أَوْرَدَهَا زِيَادٌ الْبَكَّائِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ مُنْقَطِعَةً فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِلَالٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ زِيَادٌ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ الْعَبَّاسُ بِأَبِي سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَذَكَرَ القصَّة إلا أنَّه ذكر أنه أسلم لَيْلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ " قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَا تَسَعُ دَارِي؟ فَقَالَ " وَمَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَهُوَ آمِنٌ " قَالَ وَمَا تَسَعُ الْكَعْبَةُ؟ فَقَالَ " وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ " قَالَ وَمَا يَسَعُ الْمَسْجِدُ فَقَالَ " وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ " فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هَذِهِ وَاسِعَةٌ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عبيد بن اسمعيل، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ " احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ " فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ فَقَالَ يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ هَذِهِ غِفَارٌ قال: مالي وَلِغِفَارٍ، ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمَرَّتْ سُلَيْمٌ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا فَقَالَ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عبادة معه الراية،

(1) رواية عروة نقلها البيهقي في الدلائل ج 5 / 38.

ورواية ابن عقبة أخرجها ابن عبد البر في الدرر (217) ونقلها عنه البيهقي في الدلائل ج 5 / 40.

(*)

ص: 333