المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ترجمة مصعب بن الزبير - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٨

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 8

-

- ‌فصل في ذكر شئ من سيرته الفاضلة ومواعظه وقضاياه الفاصلة وخطبه وَحِكَمِهِ

- ‌خِلَافَةُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ رضي الله عنه

- ‌سنة إحدى وأربعين

- ‌معاوية بن أبي سفيان وَمُلْكِهِ

- ‌سُنَّةُ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ

- ‌سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌سَنَةُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌سَنَةُ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌سَنَةُ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ

- ‌سَنَةُ خَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ

- ‌المغيرة بن شعبة ابن أَبِي عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ أَبُو عِيسَى

- ‌سُنَّةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة ثنتين وخمسين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌سنة أربع وخمسين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة خمس وخمسين فيها عزل معاوية عبد الله بْنِ غَيْلَانَ عَنِ الْبَصْرَةِ

- ‌ذِكْرِ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الأعيان في هذه السنة

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ

- ‌سَنَةُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌سنة ثمان وخمسين

- ‌قِصَّةٌ غَرِيبَةٌ

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فيها

- ‌وممن توفي فيها:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وخمسين

- ‌قِصَّةُ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيِّ مَعَ ابْنَيْ زِيَادٍ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبَّادٍ

- ‌تُوُفِّيَ الْحُطَيْئَةُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنة:

- ‌سنة ستين من الهجرة النَّبوِّية

- ‌ ترجمة معاوية وذكر شئ من أيامه وما ورد في مناقبه وفضائله

- ‌قِصَّةُ الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة وكيفية مقتله

- ‌صفة مخرج الحسين إلى العراق

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى وستين

- ‌ صفة مقتله

- ‌فصل وَكَانَ مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه يَوْمَ الجمعة

- ‌ قَبْرُ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه

- ‌ رأس الحسين رضي الله عنه

- ‌فصل في شئ مِنْ أَشْعَارِهِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وستين

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أربع وستين

- ‌ تَرْجَمَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ

- ‌ذِكْرُ بَيْعَةِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ

- ‌وَقْعَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ وَمَقْتَلُ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْفِهْرِيِّ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌وفيها توفي

- ‌ذِكْرُ هَدْمِ الْكَعْبةِ وَبِنَائِهَا فِي أَيَّامِ ابْنِ الزبير

- ‌ثم دخلت سنة خمس وستين

- ‌وقعة عين وردة

- ‌تَرْجَمَةُ مَرْوَانَ بن الحكم

- ‌خِلَافَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثم دخلت سنة ست وستين

- ‌فصل ثُمَّ شَرَعَ الْمُخْتَارُ يَتَتَبَّعُ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ مِنْ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ فَيَقْتُلُهُ

- ‌مَقْتَلِ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَتْ حُسَيْنًا

- ‌مَقْتَلُ خَوْلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيِّ الَّذِي احْتَزَّ رَأْسَ الْحُسَيْنِ

- ‌مَقْتَلُ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بن أبي وقاص أمير الَّذِينَ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ

- ‌ تَرْجَمَةُ ابْنِ زِيَادٍ

- ‌مَقْتَلُ الْمُخْتَارِ بْنِ أبي عبيد على يدي مصعب بن الزُّبير

- ‌ ترجمة المختار بن أبي عبيد الثقفي

- ‌ اسْتَقَرَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبير بِالْكُوفَةِ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ ثمان وستين

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌وَفِيهَا توفِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانُ القرآن

- ‌فَصَلٌ تَوَلِّي ابْنِ عَبَّاسٍ إِمَامَةَ الْحَجِّ

- ‌صِفَةُ ابْنِ عبَّاس

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثم دخلت سنة تسع وستين

- ‌وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ الْأَشْدَقِ

- ‌وممن توفي فيها

- ‌ثُمَّ دخلت سنة سبعين من الهجرة

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى وسبعين

- ‌ مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبير

- ‌ تَرْجَمَةُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبير

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين

- ‌وهذه ترجمة عبد الله بن خَازِمٍ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فيها

- ‌وممَّن توفي فيها

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين

- ‌ مَقْتَلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ

- ‌وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير

- ‌وَمِمَّنْ قُتِلَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ

- ‌ عَبْدُ اللَّهِ بن صفوان ابن أُمَيَّةَ

- ‌عبد الله بن مطيع

- ‌أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

الفصل: ‌ ترجمة مصعب بن الزبير

ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّى أَخَاهُ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَيْهَا.

وَخَطَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَوْمًا بِالْكُوفَةِ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ لَوْ كَانَ خَلِيفَةً كَمَا يَزْعُمُ لَخَرَجَ فَآسَى بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَغْرِزْ ذَنْبَهُ فِي الْحَرَمِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إِنِّي قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ أَخِي بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ وَأَمَرْتُهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَى أَهْلِ الطَّاعَةِ، وَبِالشِّدَّةِ عَلَى أَهْلِ الْمَعْصِيَةِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا.

وَأَمَّا أَهْلُ الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا بَلَغَهُمْ مقتل مصعب تنازع في إمارتها أبان (1) بن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكرة، فغلبه أَبَانٍ عَلَيْهَا، فَبَايَعَهُ أَهْلُهَا فَكَانَ أَشْرَفَ الرَّجُلَيْنِ، قال أعرابي: والله لقد رأيت رداء أَبَانٍ مَالَ عَنْ عَاتِقِهِ يَوْمًا فَابْتَدَرَهُ مَرْوَانُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أَيُّهُمَا يُسَوِّيهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وقال غيره: مد أبان يوماً رجله فابتدرها مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَيُّهُمَا يَغْمِزُهَا، قال: فبعث عبد الملك خَالِدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ وَالِيًا عَلَيْهَا - يَعْنِي عَلَى الْبَصْرَةِ - فَأَخَذَهَا من أَبَانٍ وَاسْتَنَابَ فِيهَا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بكرة، وعزل أباناً عَنْهَا.

قَالُوا: وَقَدْ أَمَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِطَعَامٍ كَثِيرٍ فَعُمِلَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ فَأَكَلُوا مِنْ سِمَاطِهِ وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى السَّرِيرِ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَلَذَّ عَيْشَنَا لو أن شيئاً يدوم؟ ولكن كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: وَكُلُّ جَدِيدٍ يَا أُمَيْمَ إلى البلى * وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا يَصِيرُ إِلَى كَانْ فَلَمَّا فرغ الناس من الأكل نَهَضَ فَدَارَ فِي الْقَصْرِ وَجَعَلَ يَسْأَلُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ عَنْ أَحْوَالِ

الْقَصْرِ وَمَنْ بَنَى أماكنه وبيوته ثم عاد إِلَى مَجْلِسِهِ فَاسْتَلْقَى وَهُوَ يَقُولُ: اعْمَلْ عَلَى مهلٍ فَإِنَّكَ ميتٌ * وَاكَدَحْ لِنَفْسِكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانْ فَكَأَنَّ مَا قَدْ كَانَ لَمْ يَكُ إِذْ مَضَى * وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ قَدْ كَانْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِيهَا رَجَعَ عَبْدُ الْمَلِكِ كما زعم الواقدي إلى الشام، وَفِيهَا عَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَابِرَ بْنَ الْأَسْوَدِ عَنِ الْمَدِينَةِ وَوَلَّى عَلَيْهَا طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ هُوَ آخِرَ أُمَرَائِهِ عَلَيْهَا، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهَا طَارِقُ بْنُ عَمْرٍو مولى عثمان من جهة عبد الملك.

وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْعِرَاقِ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا عَقَدَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ نائب مصر لحسان العاني عَلَى غَزْوِ إِفْرِيقِيَّةَ فَسَارَ إِلَيْهَا فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ، فَافْتَتَحَ قَرْطَاجَنَّةَ وَكَانَ أَهْلُهَا رُومًا عُبَّادَ أَصْنَامٍ.

وَفِيهَا قُتِلَ نَجْدَةُ الْحَرُورِيُّ الَّذِي تَغَلَّبَ عَلَى الْيَمَامَةَ، وَفِيهَا خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَوْرٍ فِي الْيَمَامَةِ.

وَهَذِهِ‌

‌ تَرْجَمَةُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبير

وَهُوَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبير بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصي بن كلاب، أبو

(1) في الطبري 7 / 189 وابن الاثير 4 / 336: حمران بن أبان.

(*)

ص: 349

عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ أَبُو عِيسَى أيضاً الأسدي، وأمه كرمان بِنْتُ أُنَيْفٍ الْكَلْبِيَّةُ، كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَشْجَعِهِمْ قَلْبًا.

وَأَسْخَاهُمْ كَفًّا، وَقَدْ حَكَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ الزبير وَسَعْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ الْحَكَمُ بن عيينة وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْجُمَحِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ يُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، حَكَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: أَنَّ جَمِيلًا نَظَرَ إليه وهو واقف بعرفة فقال: إن ههنا فَتًى أَكْرَهُ أَنْ تَرَاهُ بُثَيْنَةُ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: ما رأيت أميراً على منبر قط أحسن منه، وكذا قال إسماعيل بن خَالِدٍ.

وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ أَجْمَلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: وَلِيَ إِمْرَةَ الْعِرَاقَيْنِ لِأَخِيهِ عبد الله حتى قتله عبد الملك بمسكن بموضع قَرِيبٍ مِنْ أَوَانَا عَلَى نَهْرِ دُجَيْلٍ عِنْدَ دَيْرِ الْجَاثَلِيقِ، وَقَبْرُهُ إِلَى الْآنِ

مَعْرُوفٌ هُنَاكَ.

وقد ذكرنا صفة مقتله الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ، وَأَنَّهُ قَتَلَ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَارِ سَبْعَةَ آلَافٍ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا قَتَلَ مُصْعَبٌ الْمُخْتَارَ طَلَبَ أَهْلُ الْقَصْرِ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَارِ مِنْ مُصْعَبٍ الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبَّادَ بْنَ الحصين فجعل يخرجهم ملتفين، فقال له الرجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَكُمْ عَلَيْنَا وَابْتَلَانَا بِالْأَسْرِ، يا بن الزُّبَيْرِ مَنْ عَفَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ عَاقَبَ لَا يَأْمَنُ الْقِصَاصَ، نَحْنُ أَهْلُ قِبْلَتِكُمْ وَعَلَى مِلَّتِكُمْ وَقَدْ قَدَرْتَ فَاسْمَحْ وَاعْفُ عَنَّا، قَالَ: فَرَقَّ لَهُمْ مُصْعَبٌ وَأَرَادَ أَنْ يُخْلِيَ سَبِيلَهُمْ، فَقَامَ عَبْدُ الرَّحمن بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَغَيْرُهُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَقَالُوا: قَدْ قَتَلُوا أَوْلَادَنَا وَعَشَائِرَنَا وَجَرَحُوا مِنَّا خَلْقًا، اخْتَرْنَا أَوِ اخْتَرْهُمْ، فَأَمَرَ حِينَئِذٍ بِقَتْلِهِمْ، فَنَادَوْا بِأَجْمَعِهِمْ: لَا تَقْتُلْنَا وَاجْعَلْنَا مُقَدِّمَتَكَ فِي قِتَالِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَإِنْ ظَفَرْنَا فَلَكُمْ، وَإِنْ قُتِلْنَا لَا نُقْتَلُ حَتَّى نَقْتُلَ مِنْهُمْ طَائِفَةً، وَكَانَ الَّذِي تُرِيدُ، فَأَبَى ذَلِكَ مُصْعَبٌ، فَقَالَ لَهُ مُسَافِرٌ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُصْعَبٌ، فإنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَكَ أَنْ لَا تَقْتُلَ نَفْسًا مُسْلِمَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ، وَإِنَّ: * (مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) * [النِّسَاءِ: 93] فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُ بَلْ أَمَرَ بِضَرْبِ رقابهم جَمِيعِهِمْ وَكَانُوا سَبْعَةَ آلَافِ نَفْسٍ، ثُمَّ كَتَبَ مصعب إلى ابن الأشتر أن أجبني فَلَكَ الشَّامُ وَأَعِنَّةُ الْخَيْلِ، فَسَارَ ابْنُ الْأَشْتَرِ إِلَى مُصْعَبٍ.

وَقِيلَ إِنَّ مُصْعَبًا لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيْ عَمِّ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ قَوْمٍ خَلَعُوا الطاعة وقاتلوا حتى غُلِبُوا تَحَصَّنُوا وَسَأَلُوا الْأَمَانَ فَأُعْطُوهُ ثُمَّ قُتِلُوا بعد ذلك.

فقال: وكم هم؟ فقال: خَمْسَةُ آلَافٍ، فَسَبَّحَ ابْنُ عُمَرَ وَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: لَوْ أنَّ رَجُلًا أَتَى مَاشِيَةَ الزُّبَيْرِ فَذَبَحَ مِنْهَا خَمْسَةَ آلَافِ مَاشِيَةٍ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ أَلَسْتَ تَعُدُّهُ مُسْرِفًا؟ قَالَ: نَعَمْ: قَالَ: أَفَتَرَاهُ إِسْرَافًا فِي الْبَهَائِمِ وَلَا تَرَاهُ إِسْرَافًا فِي من ترجو توبته؟ يا بن أَخِي أَصِبْ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ مَا اسْتَطَعْتَ فِي دُنْيَاكَ.

ثُمَّ إِنَّ مُصْعَبًا بَعَثَ بِرَأْسِ الْمُخْتَارِ إِلَى أَخِيهِ بِمَكَّةَ وَتَمَكَّنَ مُصْعَبٌ فِي العراق تمكناً زائداً، فقرر بها الويالات والعمال، وحظي عنده ابن الْأَشْتَرِ فَجَعَلَهُ عَلَى الْوِفَادَةِ، ثُمَّ رَحَلَ مُصْعَبٌ إِلَى أَخِيهِ بِمَكَّةَ فَأَعْلَمَهُ بِمَا فَعَلَ فَأَقَرَّهُ على ما صنع، إلا ابن الْأَشْتَرِ لَمْ يُمْضِ لَهُ مَا جَعَلَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أَتُرَانِي أُحِبُّ الْأَشْتَرَ وَهُوَ الَّذِي جَرَحَنِي هَذِهِ الْجِرَاحَةَ، ثُمَّ اسْتَدْعَى بِمَنْ قَدِمَ مَعَ مُصْعَبٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُمْ: والله لوددت

ص: 350

أَنَّ لِي بِكُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ رَجُلًا مِنْ أهل الشَّام.

فقال له أبو حاجز الْأَسَدِيُّ - وَكَانَ قَاضِيَ الْجَمَاعَةِ بِالْبَصْرَةِ - إِنَّ لَنَا وَلَكُمْ مَثَلًا قَدْ مَضَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مَا قَالَ الْأَعْشَى: عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وَعُلِّقَتْ رَجُلًا * غَيْرِي وَعُلِّقَ أُخْرَى غَيْرَهَا الرَّجُلُ قُلْتُ كَمَا قِيلَ أَيْضًا: جُنِنَّا بِلَيْلَى وَهِيَ جُنَّتْ بِغَيْرِنَا * وَأُخْرَى بِنَا مجنونةٌ لَا نُرِيدُهَا عُلِّقْنَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَعُلِّقْتَ أَهْلَ الشَّامِ وَعُلِّقَ أَهْلُ الشَّامِ إِلَى مَرْوَانَ، فَمَا عَسَيْنَا أَنْ نصنع؟ قال الشعبي: ما سمعت جواباً أحسن منه، وقال غيره: وكان مُصْعَبٌ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مَحَبَّةً لِلنِّسَاءِ وَقَدْ أمضى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ اجتمع عند الحجر الأسود جماعة منهم ابن عمر ومصعب بن الزبير، فقالوا: ليقم كل واحد منكم وليسأل من الله حاجته، فسأل ابن عمر المغفرة، وسأل مصعب أن يزوجه الله سُكَيْنَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ، وَعَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ، وَكَانَتَا من أحسن النساء في ذلك الزمان، وَأَنْ يُعْطِيَهُ اللَّهُ إِمْرَةَ الْعِرَاقَيْنِ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ ذلك، تزوج بعائشة بنت طلحة، وكان صداقها عليه مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَتْ بَاهِرَةَ الْجَمَالِ جِدًّا، وَكَانَ مُصْعَبٌ أَيْضًا جَمِيلًا جِدًّا، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ زَوْجَاتِهِ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اجْتَمَعَ فِي الحجر مصعب وعروة وابن الزبير وابن عمر، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى الْخِلَافَةَ، وَقَالَ عُرْوَةُ: أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى أَنْ يُؤْخَذَ عَنِّي الْعِلْمُ: وَقَالَ مُصْعَبٌ، أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى إِمْرَةَ الْعِرَاقِ وَالْجَمْعَ بَيْنَ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ وَسُكَيْنَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى الْمَغْفِرَةَ.

قَالَ: فَنَالُوا كُلُّهُمْ مَا تَمَنَّوْا، وَلَعَلَّ ابْنُ عُمَرَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ.

وَقَالَ عَامِرٌ الشعبي: بينما أنا جالس إِذْ دَعَانِي الْأَمِيرُ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبير فَأَدْخَلَنِي دار الإمارة ثم كشف فَإِذَا وَرَاءَهُ عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا أَبْهَى وَلَا أَحْسَنَ مِنْهَا، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: لَا فَقَالَ: هَذِهِ عَائِشَةُ بنت طلحة، ثم خرجت فقالت: مَنْ هَذَا الَّذِي أَظَهَرْتَنِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: هَذَا عامر الشعبي، قالت: فأطلق له شيئاً، فأطلق لي عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ.

قَالَ

الشَّعْبِيُّ: فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ مَلَكْتُهُ، وَحَكَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ تَغَضَّبَتْ مَرَّةً عَلَى مُصْعَبٍ فَتَرَضَّاهَا بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَطْلَقَتْهَا هِيَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَصْلَحَتْ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ إِنَّهُ أُهْدِيَتْ لَهُ نَخْلَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ثِمَارُهَا مِنْ صُنُوفِ الْجَوَاهِرِ الْمُثْمِنَةِ، فَقُوِّمَتْ بِأَلْفِي أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَتْ مِنْ متاع الفرس فأعطاها لعائشة بنت طلحة.

وَقَدْ كَانَ مُصْعَبٌ مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ وَأَكْثَرِهِمْ عَطَاءً، لَا يَسْتَكْثِرُ مَا يُعْطِي وَلَوْ كَانَ مَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ فَكَانَتْ عَطَايَاهُ لِلْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ، وَالْوَضِيعِ وَالشَّرِيفِ مُتَقَارِبَةً، وَكَانَ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ يُبَخَّلُ.

وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ مُصْعَبًا غَضِبَ مَرَّةً عَلَى رَجُلٍ فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ

ص: 351

الرَّجُلُ: أَعَزَّ اللَّهُ الْأَمِيرَ! مَا أَقْبَحَ بِمِثْلِي أن يقوم يوم القيامة فيتعلق بأطرافك هذه الحسنة، وبوجهك هذا الَّذِي يُسْتَضَاءُ بِهِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْ مُصْعَبًا فِيمَ قَتَلَنِي.

فَعَفَا عَنْهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أعز الله الأمير إن رأيت ما وهبتني من حياتي في عيش رضي، فَأَطْلَقَ لَهُ مِائَةَ أَلْفٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ نِصْفَهَا لِابْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ حَيْثُ يَقُولُ فِيكَ: إِنَّ مُصْعَبًا شهابٌ مِنَ اللَّهِ * تجلت عن وجهه الظلماء ملكه ملك رحمةٍ (1) لَيْسَ فِيهِ * جبروتٌ مِنْهُ وَلَا كِبْرِيَاءُ يَتَّقِي الله في الأمور وقد * أفلح مَنْ كَانَ هَمَّهُ الِاتِّقَاءُ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ قَدْ وَهَبْتَنِي حَيَاةً، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجْعَلَ مَا قَدْ وَهَبْتَنِي من الحياة في عيش رضي وَسِعَةٍ فَافْعَلْ، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ.

وَقَالَ الإمام أحمد: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ يزيد قال: بلغ مصعباً، عن عريف الأنصاري شئ فهَمَّ بِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ لَهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " اسْتَوْصُوا بِالْأَنْصَارِ خَيَّرًا - أَوْ قَالَ مَعْرُوفًا - اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ "(1) .

فَأَلْقَى مُصْعَبٌ نَفْسَهُ عَنْ سَرِيرِهِ وَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالْبِسَاطِ وَقَالَ: " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ " فَتَرَكَهُ.

وَمِنْ كَلَامِ مُصْعَبٍ فِي التَّوَاضُعِ أَنَّهُ قَالَ: العجبُ مِنِ ابْنِ آدَمَ كَيْفَ يَتَكَبَّرُ وَقَدْ جَرَى فِي

مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ: سُئِلَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عن مصعب فقال: كان نبيلاً رئيساً تقياً أنيساً.

وقد تقدم أنه لما ظهر على الْمُخْتَارُ قَتَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَقِيلَ سَبْعَةَ آلَافٍ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ ابْنُ عُمَرَ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدِ انضر في عينيه، فتعرف له فعرفه، قَالَ: أَنْتَ الَّذِي قَتَلَتْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَةَ آلَافٍ مِمَّنْ يُوَحِّدُ اللَّهَ؟ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُمْ بَايَعُوا الْمُخْتَارَ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مُسْتَكْرَهٌ أَوْ جَاهِلٌ فَيُنْظَرَ حَتَّى يَتُوبَ؟ أَرَأَيْتَ لَوْ أنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى غَنَمِ الزُّبَيْرِ فَنَحَرَ مِنْهَا خَمْسَةَ آلَافٍ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، أَمَا كَانَ مُسْرِفًا؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ: وَهِيَ لَا تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تَعْرِفُهُ كما يعرفه الآدمي، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ مُوَحِّدٌ؟ ثُمَّ قَالَ لَهُ: يا بني تمتع من الماء البارد مَا اسْتَطَعْتَ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: عِشْ مَا اسْتَطَعْتَ.

وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الحسن، عن زفر بن قتيبة، عن الكبي قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يَوْمًا لجلسائه: من أشجع العرب والروم؟ قالوا شبيب: وقال آخر: قطري بن الفجاءة وفلان وفلان.

فقال عبد الملك: إن أشجع الناس لرجل جمع بين سكينة بنت

(1) في الكامل للمبرد 1 / 399: قوة.

(2)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 3 / 241.

(*)

ص: 352

الْحُسَيْنِ وَعَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ وَأَمَةِ الْحَمِيدِ بِنْتِ عبد الله بن عامر بن كريز، وابنه ريان بن أُنَيْفٍ الْكَلْبِيُّ، سَيِّدُ ضَاحِيَةِ الْعَرَبِ وَوَلِيُّ الْعِرَاقَيْنِ خَمْسَ سِنِينَ فَأَصَابَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَأَلْفَ أَلْفٍ، وألف ألف، مع ما لنفسه من الأموال وملك غير ذلك من الأثاث والدواب والأموال ما لا يحصى، وأعطى مع هذا الأمان وأن يسلم هذا له جميعه مع الحياة فزهد في هذا كله وأبى واختار القتل على مقام ذل، ومفارقة هذا كله ومشى بسيفه فقاتل حتى مات، وذلك بعد خذلان أصحابه له، فذلك مصعب بن الزُّبير رحمه الله، وليس هو كمن قطع الجسور مرة ههنا ومرة ههنا.

فهذا هو الرجل وهذا هو الزهد.

قالوا: وكان مقتله يوم الخميس للنصف مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ.

وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي فُلَيْحُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وجعفر بن أبي بشير عَنْ أَبِيهِ.

قَالَ: لَمَّا وُضِعَ رَأْسُ مُصْعَبٍ بَيْنَ يَدَيْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: لَقَدْ أَرْدَى الفوارس يوم عبسٍ * غلامٌ غير مناع المتاع ولا فرحٌ بخيرٍ إِنْ أَتَاهُ * وَلَا هَلِعٍ مِنَ الْحَدَثَانِ لَاعِ ولا رقابةً وَالْخَيْلُ تَعْدُو * وَلَا خالٌ كَأُنْبُوبِ الْيَرَاعِ فَقَالَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ بِرَأْسِهِ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ رَأَيْتُهُ وَالرُّمْحُ فِي يَدِهِ تَارَةً وَالسَّيْفُ تَارَةً يَفْرِي بِهَذَا وَيَطْعَنُ بِهَذَا، لَرَأَيْتَ رجلاً يملأ القلب والعين شجاعة، لكنه لما تفرقت عنه رِجَالُهُ وَكَثُرَ مَنْ قَصَدَهُ وَبَقِيَ وَحْدَهُ مَا زَالَ يُنْشِدُ: وَإِنِّي عَلَى الْمَكْرُوهِ عِنْدَ حُضُورِهِ * أكذب نفسي والجفون فلم تغض وَمَا ذَاكَ مِنْ ذلٍ وَلَكِنْ حفيظةٌ * أذبُّ بِهَا عِنْدَ الْمَكَارِمِ عَنْ عِرْضِي وَإِنِّي لِأَهْلِ الشَّرِّ بِالشَّرِّ مرصدٌ * وَإِنِّي لِذِي سلمٍ أذلُّ مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: كَانَ وَاللَّهِ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَصَدَقَ، وَلَقَدْ كَانَ من أحب الناس إليّ، وأشدهم لي ألفة وَمَوَدَّةً، وَلَكِنَّ الْمُلْكَ عَقِيمٌ.

وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ غَسَّانَ بْنِ مُضَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادِ بْنِ ظَبْيَانَ قَتَلَ مُصْعَبًا عِنْدَ دَيْرِ الْجَاثَلِيقِ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ دُجَيْلٌ، مِنْ أَرْضِ مَسْكِنَ، وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَسَجَدَ شكراً لله، وكان ابن ظبيان فاتكاً رديئاً وَكَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي قَتَلْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ حِينَ سَجَدَ يَوْمَئِذٍ فَأَكُونُ قَدْ قَتَلْتُ مَلِكَيِ الْعَرَبِ، قَالَ يَعْقُوبُ: وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فالله أَعْلَمُ.

وَحَكَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي عُمْرِهِ يوم قتل ثلاثة أقوال، أحدهما خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وَالثَّانِي أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَالثَّالِثُ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرَوَى الْخَطِيبُ البغدادي أن امرأته سكينة بنت الحسن كَانَتْ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ فَلَمَّا قُتِلَ

ص: 353

طلبته في القتلى حتى عرفته بشامة في خده فَقَالَتْ: نِعم بَعْلُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، كُنْتَ أَدْرَكَكَ والله ما

قال عنتر: وخليل غانيةٍ تركت مجندلاً * بِالْقَاعِ لَمْ يَعْهَدْ وَلَمْ يَتَثَلَّمِ فَهَتَكْتُ بِالرُّمْحِ الطَّوِيلِ إِهَابَهُ * لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى الْقَنَا بِمُحَرَّمِ قال الزبير: وقال عبد الله بن قيس الرقيات يرثي مصعب بن الزُّبير رحمه الله تعالى: لقد أورث (1) المصرين حزناً (2) وَذِلَّةً * قتيلٌ بِدَيْرِ الْجَاثَلِيقِ مقيمٌ فَمَا نَصَحَتْ (3) لِلَّهِ بَكْرُ بْنُ وائلٍ * وَلَا صَدَقَتْ (4) يَوْمَ اللقاء تميمٌ ولو كان بكرياً يعطف حوله * كتائب يبقى حرها (5) وَيَدُومُ وَلَكِنَّهُ ضَاعَ الذِّمَامُ (6) وَلَمْ يَكُنْ * بِهَا مضريُّ يَوْمَ ذَاكَ كريمٌ جَزَى اللَّهُ كُوفِيًّا (7) هُنَاكَ مَلَامَةً * وبصرِّيهم إنَّ الْمَلُومَ مَلُومُ وَإِنَّ بَنِي الْعَلَّاتِ أَخْلَوْا ظُهُورَنَا * وَنَحْنُ صريحٌ بَيْنَهُمْ وَصَمِيمُ فَإِنْ نَفْنَ لَا يَبْقَى أُولَئِكَ بَعْدَنَا * لذي حرمةٍ في المسلمين حريمٌ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُصْعَبٍ الْكَلْبِيُّ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ الْقَصْرَ بِالْكُوفَةِ فَإِذَا رَأَسُ الْحُسَيْنِ بْنِ علي على؟ رس بَيْنَ يَدَيْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَلَى السَّرِيرِ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْقَصْرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ فَرَأَيْتُ رَأْسَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ عَلَى تُرْسٍ بَيْنَ يَدَيِ الْمُخْتَارِ، وَالْمُخْتَارُ عَلَى السَّرِيرِ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْقَصْرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ فَرَأَيْتُ رَأْسَ الْمُخْتَارِ عَلَى تُرْسٍ بَيْنَ يَدَيْ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُصْعَبٌ عَلَى السَّرِيرِ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْقَصْرَ بَعْدَ حِينٍ فَرَأَيْتُ رَأْسَ مصعب بن الزُّبير على ترس بين عَبْدِ الْمَلِكِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى السَّرِيرِ.

وَقَدْ حكى ذلك الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عمير.

وقال عبد اللَّهِ بْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ يَرْثِي مُصْعَبًا أَيْضًا: نَعَتِ السَّحَائِبُ وَالْغَمَامُ بِأَسْرِهَا * جَسَدًا بِمَسْكِنَ عَارِيَ الاوصال

(1) في الاخبار الطوال ص 313: ورد.

(2)

في الطبري 7 / 187: خزيا، وفي مروج الذهب 3 / 130: عارا وفي الاخبار الطوال ص 313: خزي.

(3)

في الاخبار الطوال: فما صبرت، وفي ابن الاعثم 6 / 268: فما جد هدت.

(4)

في الطبري ومروج الذهب وابن الاعثم: ولا صبرت.

وفي الاخبار الطوال: ولا ثبتت.

(5)

في الطبري: يغلي حميمها.

(6)

في مروج الذهب والاخبار الطوال: ضاع الذمار، وفي ابن الاعثم: ضاع الزمان.

(7)

في مروج الذهب: بصريا وفي ابن الاعثم: كوفانا.

وليس البيت في الاخبار الطوال وتاريخ الاسلام.

(*)

ص: 354