الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لآتي على الآية من كتاب الله فأود أَنَّ النَّاسَ عَلِمُوا مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَعْلَمُ، وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَقْضِي بالعدل ويحكم بالقسط فأفرح به وأدعو إليه، وَلَعَلِّي لَا أُقَاضِي إِلَيْهِ وَلَا أُحَاكِمُ أَبَدًا وَإِنِّي لَأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ يُصِيبُ الْأَرْضَ مِنْ أَرْضِ المسلمين فأفرح به ومالي بِهَا مِنْ سَائِمَةٍ أَبَدًا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ الْحَسَنِ بن مكرم، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ كَهْمَسٍ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: صَحِبْتُ ابْنَ عبَّاس مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا نَزَلَ قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ وَيُرَتِّلُ الْقُرْآنَ حَرْفًا حَرْفًا، وَيُكْثِرُ فِي ذَلِكَ مِنَ النَّشِيجِ وَالنَّحِيبِ وَيَقْرَأُ: * (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) * [ق: 19] وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ دِرْهَمٍ قَالَ: كَانَ فِي هَذَا الْمَكَانِ - وَأَوْمَأَ إلى مجرى الدموع من خديه يعني خَدَّيِ ابْنِ عبَّاس - مِثْلُ الشِّرَاكِ الْبَالِي مِنَ الْبُكَاءِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ والخميس، وقال: أحب أن يرتفع عملي وأنا صائم، وروى هاشم وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَلِكَ الرُّومُ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ عز وجل.
وَمَنْ أَكْرَمُ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عز وجل، وَمَنْ أَكْرَمُ الْإِمَاءِ عَلَى اللَّهِ عز وجل.
وَعَنْ أَرْبَعَةٍ فيهم الروح فلم يَرْكُضُوا فِي رَحِمٍ، وَعَنْ قَبْرٍ سَارَ بِصَاحِبِهِ، وعن مكان في الأرض لم تطلع فيه الشَّمْسُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَعَنْ قَوْسِ قُزَحَ مَا هُوَ؟ وَعَنِ الْمَجَرَّةِ.
فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُنَّ فَكَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَيْهِ: أَمَّا أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ فَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَأَكْرَمُ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ آدَمُ، خَلَقَهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، وعلمه أسماء كل شئ.
وَأَكْرَمُ الْإِمَاءِ عَلَى اللَّهِ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ لَمْ يَرْكُضُوا فِي رَحِمٍ فآدم وحواء وعصى مُوسَى، وَكَبْشُ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي فَدَى بِهِ إِسْمَاعِيلَ.
وَفِي رِوَايَةٍ وَنَاقَةُ صَالِحٍ، وَأَمَّا الْقَبْرُ الَّذِي سَارَ بِصَاحِبِهِ فَهُوَ حُوتُ يُونُسَ، وَأَمَّا الْمَكَانُ الَّذِي لَمْ تُصِبْهُ الشَّمْسُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فهو البحر لما انْفَلَقَ لِمُوسَى حَتَّى جَازَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْسُ قُزَحَ فَأَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الغرق، والمجرة باب في السماء، وفي رواية الذي ينشق مِنْهُ.
فَلَمَّا قَرَأَ مَلِكُ الرُّومِ ذَلِكَ أَعْجَبَهُ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هِيَ مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ وَلَا مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ عِنْدِ أهلَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ ورد في هذه الأسئولة روايات كثيرة فيها وفي بعضها نظر والله أعلم.
فَصَلٌ تَوَلِّي ابْنِ عَبَّاسٍ إِمَامَةَ الْحَجِّ
سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ بِأَمْرِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ، وَفِي غَيْبَتِهِ هَذِهِ قُتِلَ عُثْمَانُ، وحضر ابن عباس مع علي الْجَمَلِ، وَكَانَ عَلَى الْمَيْسَرَةِ يَوْمَ صِفِّينَ، وَشَهِدَ قِتَالَ الْخَوَارِجِ وَتَأَمَّرَ عَلَى الْبَصْرَةِ مِنْ جِهَةِ علي، وكان إِذَا خَرَجَ مِنْهَا يَسْتَخْلِفُ أَبَا الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَزِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الْخَرَاجِ، وَكَانَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مَغْبُوطِينَ بِهِ، يُفَقِّهُهُمْ وَيُعَلِّمُ جَاهِلَهُمْ، وَيَعِظُ مُجْرِمَهُمْ، وَيُعْطِي فَقِيرَهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ عَلِيٌّ، وَيُقَالُ إِنَّ علياً عزله
عَنْهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَكْرَمَهُ وَقَرَّبَهُ وَاحْتَرَمَهُ وَعَظَّمَهُ، وَكَانَ يُلْقِي عَلَيْهِ المسائل المعضلة فيجيب عنها سَرِيعًا، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أحضر جواباً منه، وَلَمَّا جَاءَ الْكِتَابُ
بِمَوْتِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اتَّفَقَ كَوْنُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَعَزَّاهُ فِيهِ بِأَحْسَنِ تَعْزِيَةٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَدًّا حَسَنًا كَمَا قَدَّمْنَا، وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ ابْنَهُ يزيد فجلس بين يدي ابن عباس وعزاه بعبارة فصيحة وجيزة، شكره عليها ابن عباس، ولما مات معاوية ورام الحسين الْخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ نَهَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَشَدَّ النَّهْيِ، وَأَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِثِيَابِ الْحُسَيْنِ - لِأَنَّ ابْنَ عبَّاس كَانَ قَدْ أَضَرَّ فِي آخِرِ عُمْرِهِ - فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُهُ حَزِنَ عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا وَلَزِمَ بَيْتَهُ، وَكَانَ يَقُولُ: يَا لِسَانُ قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَفْعَلْ تَنْدَمْ.
وَجَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُنْدَبٌ فَقَالَ لَهُ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: أُوصِيكَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْعَمَلِ لَهُ، وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزكاة، فإن كل خير آتيه أنت بعد ذلك منك مَقْبُولٌ، وَإِلَى اللَّهِ مَرْفُوعٌ، يَا جُنْدَبُ إِنَّكَ لن تزدد من موتك إِلَّا قُرْبًا، فصلِّ صَلَاةَ مودعٍ.
وَأَصْبِحْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ مُسَافِرٌ، فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ، وَابْكِ عَلَى ذَنْبِكَ وَتُبْ مِنْ خَطِيئَتِكَ، وَلْتَكُنِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ أَهْوَنَ مِنْ شِسْعِ نَعْلِكَ، فكأن قَدْ فَارَقْتَهَا وَصِرْتَ إِلَى عَدْلِ اللَّهِ، وَلَنْ تَنْتَفِعَ بِمَا خَلَّفْتَ، وَلَنْ يَنْفَعَكَ إِلَّا عَمَلُكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْصَى ابْنُ عَبَّاسٍ بِكَلِمَاتٍ خَيْرٍ مِنَ الْخَيْلِ الدُّهْمِ، قَالَ: لَا تَكَلَّمَنَّ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ حَتَّى تَرَى لَهُ مَوْضِعًا، وَلَا تمار سَفِيهًا وَلَا حَلِيمًا فَإِنَّ الْحَلِيمَ يَغْلِبُكَ وَالسَّفِيهَ يَزْدَرِيكَ، وَلَا تَذْكُرَنَّ أَخَاكَ إِذَا تَوَارَى عَنْكَ إِلَّا بِمَثَلِ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيكَ إذا تواريت عنه، واعمل عمل من يَعْلَمُ أَنَّهُ مَجْزِيٌّ بِالْإِحْسَانِ مَأْخُوذٌ بِالْإِجْرَامِ.
فَقَالَ رجل عنده: يا بن عَبَّاسٍ! هَذَا خَيْرٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ.
فَقَالَ ابْنُ عبَّاس: كَلِمَةٌ مِنْهُ خَيْرٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ.
وَقَالَ ابْنُ عبَّاس: تَمَامُ الْمَعْرُوفِ تَعْجِيلُهُ وَتَصْغِيرُهُ وَسَتْرُهُ - يَعْنِي أَنْ تُعَجَّلَ الْعَطِيَّةَ لِلْمُعْطَى، وَأَنْ تَصْغُرَ فِي عَيْنِ الْمُعْطِي - وَأَنْ تَسَتُرَهَا عَنِ النَّاسِ فَلَا تُظْهِرَهَا! فَإِنَّ فِي إِظْهَارِهَا فَتْحَ بَابِ الرِّيَاءِ وَكَسْرَ قَلْبِ الْمُعْطَى، وَاسْتِحْيَاءَهُ مِنَ النَّاس.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعَزُّ النَّاسِ على جليس لَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ لَا يَقَعَ الذُّبَابُ عَلَى وَجْهِهِ لَفَعَلْتُ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُكَافِئُ مَنْ أَتَانِي يَطْلُبُ حَاجَةً فَرَآنِي لَهَا مَوْضِعًا إِلَّا اللَّهُ عز وجل، وَكَذَا رَجُلٌ بَدَأَنِي بِالسَّلَامِ أَوْ أَوْسَعَ لِي فِي مَجْلِسٍ أَوْ قَامَ لِي عَنِ الْمَجْلِسِ، أَوْ رَجُلٌ سَقَانِي شَرْبَةَ ماء على ظمأ، ورجل حَفِظَنِي بِظَهْرِ الْغَيْبِ.
وَالْمَأْثُورُ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْمَكَارِمِ كَثِيرٌ جِدًّا وَفِيمَا ذَكَرْنَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا لَمْ نَذْكُرْهُ.
وَقَدْ عَدَّهُ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي الْعُمْيَانِ مِنَ الْأَشْرَافِ، وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أُصِيبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ فَنَحَلَ جِسْمُهُ، فَلَمَّا أصيبت الأخرى عاد إليه لحمه، فقيل له فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَصَابَنِي مَا رَأَيْتُمْ فِي الْأُولَى شَفَقَةً عَلَى الْأُخْرَى، فَلَمَّا ذَهَبَتَا اطْمَأَنَّ قَلْبِي.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عينيه الماء فقال له الطبيب: ننزعك من عينيك الماء علي أن لَا تُصَلِّي سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
فَقَالَ: لَا! إِنَّهُ مَنْ تَرْكَ الصَّلَاةَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قيل له: نزيل