المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة إحدى وخمسين - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٨

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 8

-

- ‌فصل في ذكر شئ من سيرته الفاضلة ومواعظه وقضاياه الفاصلة وخطبه وَحِكَمِهِ

- ‌خِلَافَةُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ رضي الله عنه

- ‌سنة إحدى وأربعين

- ‌معاوية بن أبي سفيان وَمُلْكِهِ

- ‌سُنَّةُ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ

- ‌سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌سَنَةُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌سَنَةُ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌سَنَةُ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ

- ‌سَنَةُ خَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ

- ‌المغيرة بن شعبة ابن أَبِي عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ أَبُو عِيسَى

- ‌سُنَّةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة ثنتين وخمسين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌سنة أربع وخمسين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة خمس وخمسين فيها عزل معاوية عبد الله بْنِ غَيْلَانَ عَنِ الْبَصْرَةِ

- ‌ذِكْرِ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الأعيان في هذه السنة

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ

- ‌سَنَةُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌سنة ثمان وخمسين

- ‌قِصَّةٌ غَرِيبَةٌ

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فيها

- ‌وممن توفي فيها:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وخمسين

- ‌قِصَّةُ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيِّ مَعَ ابْنَيْ زِيَادٍ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبَّادٍ

- ‌تُوُفِّيَ الْحُطَيْئَةُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنة:

- ‌سنة ستين من الهجرة النَّبوِّية

- ‌ ترجمة معاوية وذكر شئ من أيامه وما ورد في مناقبه وفضائله

- ‌قِصَّةُ الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة وكيفية مقتله

- ‌صفة مخرج الحسين إلى العراق

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى وستين

- ‌ صفة مقتله

- ‌فصل وَكَانَ مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه يَوْمَ الجمعة

- ‌ قَبْرُ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه

- ‌ رأس الحسين رضي الله عنه

- ‌فصل في شئ مِنْ أَشْعَارِهِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وستين

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أربع وستين

- ‌ تَرْجَمَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ

- ‌ذِكْرُ بَيْعَةِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ

- ‌وَقْعَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ وَمَقْتَلُ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْفِهْرِيِّ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌وفيها توفي

- ‌ذِكْرُ هَدْمِ الْكَعْبةِ وَبِنَائِهَا فِي أَيَّامِ ابْنِ الزبير

- ‌ثم دخلت سنة خمس وستين

- ‌وقعة عين وردة

- ‌تَرْجَمَةُ مَرْوَانَ بن الحكم

- ‌خِلَافَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثم دخلت سنة ست وستين

- ‌فصل ثُمَّ شَرَعَ الْمُخْتَارُ يَتَتَبَّعُ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ مِنْ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ فَيَقْتُلُهُ

- ‌مَقْتَلِ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَتْ حُسَيْنًا

- ‌مَقْتَلُ خَوْلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيِّ الَّذِي احْتَزَّ رَأْسَ الْحُسَيْنِ

- ‌مَقْتَلُ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بن أبي وقاص أمير الَّذِينَ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ

- ‌ تَرْجَمَةُ ابْنِ زِيَادٍ

- ‌مَقْتَلُ الْمُخْتَارِ بْنِ أبي عبيد على يدي مصعب بن الزُّبير

- ‌ ترجمة المختار بن أبي عبيد الثقفي

- ‌ اسْتَقَرَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبير بِالْكُوفَةِ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ ثمان وستين

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌وَفِيهَا توفِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانُ القرآن

- ‌فَصَلٌ تَوَلِّي ابْنِ عَبَّاسٍ إِمَامَةَ الْحَجِّ

- ‌صِفَةُ ابْنِ عبَّاس

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثم دخلت سنة تسع وستين

- ‌وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ الْأَشْدَقِ

- ‌وممن توفي فيها

- ‌ثُمَّ دخلت سنة سبعين من الهجرة

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى وسبعين

- ‌ مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبير

- ‌ تَرْجَمَةُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبير

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين

- ‌وهذه ترجمة عبد الله بن خَازِمٍ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فيها

- ‌وممَّن توفي فيها

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين

- ‌ مَقْتَلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ

- ‌وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير

- ‌وَمِمَّنْ قُتِلَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ

- ‌ عَبْدُ اللَّهِ بن صفوان ابن أُمَيَّةَ

- ‌عبد الله بن مطيع

- ‌أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

الفصل: ‌سنة إحدى وخمسين

الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ يَحِيضُ مَعَهَا وَيَمْرَضُ مَعَهَا، وَصَاحِبُ المرأتين بين نارين يشتعلان، وصاحب الأربعة قرير العين، وَكَانَ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعَةً مَعًا وَيُطَلِّقُهُنَّ مَعًا، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ أَحْصَنَ الْمُغِيرَةُ ثلثمائة امْرَأَةٍ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: أَلْفَ امْرَأَةٍ وَقِيلَ مِائَةَ امرأة.

وقيل ثمانين امرأة.

جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّةُ المصطلقية وكان سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع، وهي غزوة الْمُصْطَلَقِ، وَكَانَ أَبُوهَا مَلِكَهُمْ فَأَسْلَمَتْ فَأَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَزَوَّجَهَا، وَكَانَتْ قَدْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بن شماس وكاتبها فأتت رسول الله تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا فَقَالَ:" أَوَ خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ "؟ قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: " أَشْتَرِيكِ وَأُعْتِقُكِ وَأَتَزَوَّجُكِ " فَأَعْتَقَهَا فَقَالَ النَّاسُ أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْتَقُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ سَبْيِ بَنِي الْمُصْطَلَقِ نَحْوًا مِنْ مِائَةِ أَهْلِ بَيْتٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا أَعْلَمٌ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى أَهْلِهَا مِنْهَا.

وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جُوَيْرِيَةَ.

وَكَانَتِ امْرَأَةً مُلَّاحَةً - أَيْ حُلْوَةَ الْكَلَامِ - تُوُفِّيَتْ فِي هَذَا الْعَامِ سَنَةَ خَمْسِينَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ عَنْ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ رضي الله عنها وَأَرْضَاهَا، والله أعلم.

‌سُنَّةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ

فِيهَا كَانَ مَقْتَلُ حُجْرِ بن عدي بن جبل بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكبر (1) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ (2) بْنِ ثَوْرِ بْنِ بزيغ بْنِ كِنْدِيٍّ الْكُوفِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ حُجْرُ الْخَيْرِ، وَيُقَالُ لَهُ حُجْرُ بْنُ

الْأَدْبَرِ، لِأَنَّ أَبَاهُ عدياً طعن مولياً فسمي الأدبر، وَهُوَ مِنْ كِنْدَةَ مِنْ رُؤَسَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَفَدَ إِلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وَسَمِعَ عَلِيًّا وَعَمَّارًا وَشَرَاحِيلَ بْنَ مُرَّةَ، وَيُقَالُ شُرَحْبِيلُ بْنُ مُرَّةَ.

وَرَوَى عَنْهُ أَبُو لَيْلَى مَوْلَاهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عباس، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ.

وَغَزَا الشَّامَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ افْتَتَحُوا عَذْرَاءَ (3) ، وَشَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ أميراً، وقيل بعذراء من قرا دِمَشْقَ، وَمَسْجِدُ قَبْرِهِ بِهَا مَعْرُوفٌ.

ثُمَّ سَاقَ ابن عساكر بأسانيده إلى حجر يذكر طَرَفًا صَالِحًا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَ لَهُ وِفَادَةً، ثُمَّ ذكره في الأول مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ.

قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً مَعْرُوفًا، وَلَمْ يَرْوِ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ شَيْئًا.

قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: بَلْ قَدْ رَوَى عَنْ عَمَّارٍ وَشُرَاحِيلَ بْنِ مُرَّةَ، وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ: أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ لَا يُصَحِّحُونَ لَهُ صُحْبَةً، شهد القادسية وافتتح برج عَذْرَاءَ، وَشَهِدَ الْجَمَلَ وَصِفِّينِ، وَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ حُجْرُ الْخَيْرِ وَهُوَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ هَذَا - وحجر الشرف - وَهُوَ حُجْرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ مرة - وقال المرزباني:

(1) في ابن سعد 6 / 217 والاصابة 1 / 314: الاكرمين.

(2)

في ابن سعد: مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ مرتع الكندي

(3) في ابن سعد 6 / 217 مرج عذرى.

(*)

ص: 54

قَدْ رَوَى أَنَّ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ وَفْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَخِيهِ هَانِئِ بْنِ عَدِيٍّ، وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ عُبَّادِ النَّاسِ وَزُهَّادِهِمْ، وَكَانَ بَارًّا بِأُمِّهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: مَا أَحْدَثَ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأَ، وَلَا تَوَضَّأَ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.

هَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ النَّاس.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.

قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ لِحُجْرٍ: يَا بن أم حجر لو تقطعت أعضاؤك مَا بَلَغْتَ الْإِيمَانَ، وَكَانَ إِذْ كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَى الْكُوفَةِ إِذَا ذَكَرَ عَلِيًّا فِي خُطْبَتِهِ يَتَنَقَّصُهُ بَعْدَ مَدْحِ عُثْمَانَ وَشِيعَتِهِ فَيَغْضَبُ حُجْرٌ هَذَا وَيُظْهِرُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ كَانَ الْمُغِيرَةُ فِيهِ حِلْمٌ وَأَنَاةٌ فَكَانَ يَصْفَحُ عَنْهُ وَيَعِظُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَيُحَذِّرُهُ غَبَّ هَذَا الصَّنِيعِ، فَإِنَّ مُعَارَضَةَ السُّلْطَانِ شَدِيدٌ وَبَالُهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ حُجْرٌ عَنْ ذَلِكَ.

فلمَّا كَانَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الْمُغِيرَةِ قَامَ حُجْرٌ

يَوْمًا، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ وَصَاحَ بِهِ وَذَمَّهُ بِتَأْخِيرِهِ الْعَطَاءِ عَنِ النَّاسِ، وَقَامَ مَعَهُ فِئَامٌ النَّاسِ لِقِيَامِهِ، يُصَدِّقُونَهُ وَيُشَنِّعُونَ عَلَى الْمُغِيرَةِ، وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَصْرَ الْإِمَارَةِ وَدَخَلَ مَعَهُ جمهور الأمراء، فأشاروا عليه بردع حجر هذا عما تعاطاه من شق العصى وَالْقِيَامِ عَلَى الْأَمِيرِ، وَذَمَرَوهُ وَحَثُّوهُ عَلَى التَّنْكِيلِ فصفح عنه وحلم به.

وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ يَسْتَمِدُّهُ بمالٍ يَبْعَثُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَبَعَثَ عِيرًا تَحْمِلُ مَالًا فَاعْتَرَضَ لَهَا حُجْرٌ، فَأَمَسَكَ بِزِمَامِ أَوَّلِهَا وَقَالَ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى يُوَفِّيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.

فَقَالَ شَبَابُ ثَقِيفٍ لِلْمُغِيرَةِ: أَلَّا نَأْتِيكَ بِرَأْسِهِ؟ فَقَالَ: ما كنت لأفعلن ذَلِكَ بِحُجْرٍ، فَتَرَكَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ ذَلِكَ عَزَلَ الْمُغِيرَةَ وَوَلَّى زِيَادًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَعْزِلِ الْمُغِيرَةَ حَتَّى مَاتَ، فلمَّا تُوُفِّيَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رضي الله عنه وَجُمِعَتِ الْكُوفَةُ مَعَ الْبَصْرَةِ لِزِيَادٍ دَخَلَهَا وَقَدِ الْتَفَّ عَلَى حجر جماعات من شيعة علي يقولون أمره ويشدون على يده، ويسبون معاوية ويتبرأون مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا زِيَادٌ بِالْكُوفَةِ، ذَكَرَ فِي آخِرِهَا فَضْلَ عُثْمَانَ وَذَمَّ مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ.

فَقَامَ حُجْرٌ كَمَا كَانَ يَقُومُ فِي أَيَّامِ الْمُغِيرَةِ، وتكلم بنحو مما قال المغيرة، فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ زِيَادٌ، ثُمَّ رَكِبَ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حُجْرًا مَعَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ لِئَلَّا يُحْدِثُ حَدَثًا، فَقَالَ: إِنِّي مَرِيضٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَمَرِيضُ الدِّينِ وَالْقَلْبِ وَالْعَقْلِ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَحْدَثْتَ شَيْئًا لَأَسْعَيَنَّ فِي قَتْلِكَ، ثُمَّ سَارَ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ فَبَلَغَهُ أَنَّ حُجْرًا وَأَصْحَابَهُ أَنْكَرُوا عَلَى نَائِبِهِ بِالْكُوفَةِ - وَهُوَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ - وَحَصَبُوهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَرَكِبَ زِيَادٌ إِلَى الْكُوفَةِ فنزل في الْقَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ قَبَاءُ سُنْدُسٍ، وَمِطْرَفُ خَزٍّ أَحْمَرُ، قَدْ فَرَقَ شَعْرَهُ، وَحُجْرٌ جَالِسٌ وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ أَكْثَرَ مَا كَانُوا يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ مَنْ لَبِسَ مِنْ أَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ نحو مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَجَلَسُوا حَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْحَدِيدِ وَالسِّلَاحِ، فَخَطَبَ زِيَادٌ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ غب البغي والغي وخيم، وإن هؤلاء أمنوني فاجترأوا عليّ، وأيم الله لئن لم تستقيموا لادواينكم بدوائكم، ثم قال: ما أنا بشئ إِنْ لَمْ أَمْنَعْ سَاحَةَ الْكُوفَةِ مِنْ حجرٍ وأصحابه وَأَدَعْهُ نَكَالًا لِمَنْ بَعْدَهُ، وَيْلُ أُمِّكُ يَا حُجْرُ، سَقَطَ بِكَ الْعَشَاءُ عَلَى سِرْحَانٍ.

ثُمَّ قَالَ: أَبْلِغْ نُصَيْحَةَ أَنَّ رَاعِيَ إِبْلِهَا * سَقَطَ الْعَشَاءُ بِهِ عَلَى سِرْحَانِ

ص: 55

وَجَعَلَ زِيَادٌ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - يَعْنِي كَذَا وَكَذَا - فَأَخَذَ حجر كفاً حصباء فَحَصَبَهُ وَقَالَ: كَذَبْتَ! عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ.

فَانْحَدَرَ زِيَادٌ فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ الْقَصْرَ وَاسْتَحْضَرَ حُجْرًا، وَيُقَالُ إِنْ زِيَادًا لَمَّا خَطَبَ طَوَّلَ الْخُطْبَةَ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَهُ حُجْرٌ: الصَّلَاةَ، فَمَضَى في خطبته، فلما خشي فوت الصلاة عمد إلى كف من حصباء ونادى الصَّلَاةِ، وَثَارَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ زِيَادٌ نَزَلَ فصلَّى بالنَّاس، فلمَّا انْصَرَفَ مِنْ صِلَاتِهِ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي أَمْرِهِ وَكَثَّرَ عَلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: أَنْ شُدَّهُ فِي الْحَدِيدِ وَاحْمِلْهُ إِلَيَّ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ زِيَادٌ وَالِيَ الشُّرْطَةِ - وَهُوَ شَدَّادُ بْنُ الْهَيْثَمِ - وَمَعَهُ أَعْوَانُهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْأَمِيرَ يَطْلُبُكَ، فَامْتَنَعَ مِنَ الْحُضُورِ إِلَى زِيَادٍ، وَقَامَ دُونَهُ أَصْحَابُهُ، فَرَجَعَ الْوَالِي إِلَى زِيَادٍ فَأَعْلَمَهُ، فَاسْتَنْهَضَ زِيَادٌ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْقَبَائِلِ فَرَكِبُوا مَعَ الْوَالِي إِلَى حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ فَكَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ بِالْحِجَارَةِ وَالْعِصِيِّ، فَعَجَزُوا عنه، فندب مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ وَأَمْهَلَهُ ثَلَاثًا وَجَهَّزَ مَعَهُ جَيْشًا، فَرَكِبُوا فِي طَلَبِهِ وَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى أَحْضَرُوهُ إِلَى زِيَادٍ (1) ، وَمَا أَغْنَى عَنْهُ قَوْمُهُ ولا من كان يظن أن يَنْصُرُهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَيَّدَهُ زِيَادٌ وَسَجَنَهُ عَشَرَةَ أيام وبعث بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَبَعَثَ مَعَهُ جَمَاعَةً يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَبَّ الْخَلِيفَةَ، وَأَنَّهُ حَارَبَ الْأَمِيرَ، وَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا فِي آلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ (2) أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَإِسْحَاقُ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَمُوسَى بَنُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالْمُنْذِرُ بن الزبير، وكثير بن شهاب، وثابت بن ربعي، في سبعين وَيُقَالُ: إِنَّهُ كُتِبَتْ شَهَادَةُ شُرَيْحٍ الْقَاضِي فِيهِمْ، وَإِنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ لِزِيَادٍ: إِنَّهُ كَانَ صَوَّامًا قَوَّامًا (3) ، ثُمَّ بَعَثَ زِيَادٌ حُجْرًا وَأَصْحَابَهُ مَعَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَكَثِيرِ بْنِ شِهَابٍ إِلَى الشَّامِ.

وَكَانَ مَعَ حُجْرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ جَبَلَةَ الْكِنْدِيِّ، مِنْ أَصْحَابِهِ جماعة، قيل عشرون وَقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا (4) ، مِنْهُمُ الْأَرْقَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ وَشَرِيكُ بْنُ شَدَّادٍ الْحَضْرَمِيُّ، وَصَيْفِيُّ بْنُ فَسِيلٍ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ضُبَيعة بْنِ حَرْمَلَةَ الْعَبْسِيُّ، وَكَرِيمُ بْنُ عَفِيفٍ الْخَثْعَمِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ عَوْفٍ الْبَجَلِيُّ وَوَرْقَاءُ بْنُ سُمَيٍّ الْبَجَلِيُّ، وَكِدَامُ بْنُ حَيَّانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ العريان (5) - مِنْ بَنَى تَمِيمٍ - وَمُحْرِزُ بْنُ شِهَابٍ التَّمِيمِيُّ،

وعبيد اللَّهِ بْنُ حَوِيَّةَ السَّعْدِيُّ التَّمِيمِيُّ أَيْضًا.

فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ وَصَلُوا مَعَهُ، فَسَارُوا بِهِمْ إِلَى

(1) أما الطبري 6 / 143 أن حجر بن عدي لم يقاوم، وحاول قوم منعه، فقال: لا ولكن سمع وطاعة، وفي الاخبار الطوال ص 223: أن جرير بن عبد الله جاء بحجر إلى زياد بعد أن أعطاه أمانه وأن يبعث به إلى معاوية حتى يرى فيه رأيه.

(2)

في الاخبار الطوال ص 224: بعث زياد بثلاثة نفر من الشهود: أبو بردة بن أبي موسى، وشريح بن هانئ الحارثي وأبو هنيدة القيني.

وانظر في أسماء الشهود.

الطبري 6 / 150 - 151.

(3)

انظر الطبري: 6 / 151.

(4)

في الطبري 6 / 150 جمع من أصحاب حجر اثني عشر رجلاً والمسعودي 3 / 3: حمله ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة، وأربعة من غيرها.

(5)

في الكامل 3 / 483: العنزيين وفي الطبري 6 / 152: العنزيان.

(*)

ص: 56

الشَّامِ.

ثُمَّ إِنَّ زِيَادًا أَتْبَعَهُمْ بِرَجُلَيْنِ آخَرَيْنِ، عُتْبَةَ بْنِ الْأَخْنَسِ مِنْ بَنِي سَعْدٍ، وَسَعْدِ بن عمران (1) الْهَمْدَانِيِّ، فَكَمَلُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَيُقَالُ: إِنَّ حُجْرًا لَمَّا دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ: السَّلام عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ غَضَبًا شَدِيدًا وَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، ويقال إن معاوية ركب فتلقاهم في مَرْجِ عَذْرَاءَ، وَيُقَالُ: بَلْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ مَنْ تَلَقَّاهُمْ إِلَى عَذْرَاءَ تَحْتَ الثَّنِيَّةِ - ثَنِيَّةِ الْعُقَابِ - فَقُتِلُوا هُنَاكَ.

وَكَانَ الَّذِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ وهم هدبة بن فياض القضاعي، وحضير بن عبد الله الكلابي، وأبو شريف البدوي فجاؤوا إليهم فَبَاتَ حُجْرٌ وَأَصْحَابُهُ يَصِلُونَ طُولَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا صَلَّوُا الصُّبْحَ قَتَلُوهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّهُمْ فَقُتِلُوا بِعَذْرَاءَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قد استشار الناس فيهم حتى وصل بهم إلى برج عذراء فَمِنْ مُشِيرٍ بِقَتْلِهِمْ، وَمِنْ مُشِيرٍ بِتَفْرِيقِهِمْ فِي الْبِلَادِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ كِتَابًا آخَرَ فِي أَمْرِهِمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِمْ إِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فِي مُلْكِ الْعِرَاقِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَاسْتَوْهَبَ مِنْهُ الْأُمَرَاءُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى اسْتَوْهَبُوا مِنْهُ سِتَّةً، وَقَتَلَ مِنْهُمْ سِتَّةً أَوَّلُهُمْ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ، وَرَجَعَ آخَرُ فعفى

عَنْهُ مُعَاوِيَةُ، وَبَعَثَ بِآخَرَ نَالَ مِنْ عُثْمَانَ وزعم إنه أول من جار في الكلم وَمَدَحَ عَلِيًّا، فَبَعَثَ بِهِ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ وَقَالَ لَهُ: لَمْ تَبْعَثْ إِلَيَّ فِيهِمْ أَرْدَى من هذا.

فلما وصل إلى زياد ألقاه في النَّاطِفِ حَيًّا - وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ الفري.

وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ الَّذِينَ قُتِلُوا بِعَذْرَاءَ: حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ، وَشَرِيكُ بْنُ شَدَّادٍ، وَصَيْفِيُّ بْنُ فَسِيلٍ، وقبيصة بن ضبيعة، ومحرز بن شهاب المنقري، وكدام بن حيان.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ مَدْفُونُونَ بِمَسْجِدِ القصب في عرفة، والصحيح بعذراء، وَيُذْكَرُ أَنَّ حُجْرًا لَمَّا أَرَادُوا قَتْلَهُ قَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَتَوَضَّأَ، فَقَالُوا: تَوَضَّأْ، فَقَالَ: دَعَونِي حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّاهُمَا وَخَفَّفَ فِيهِمَا، ثُمَّ قال: لولا أن يقولوا مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَطَوَّلْتُهُمَا.

ثُمَّ قَالَ: قَدْ تَقَدَّمَ لَهُمَا صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ.

ثُمَّ قَدَّمُوهُ لِلْقَتْلِ وَقَدْ حُفِرَتْ قُبُورُهُمْ وَنُشِرَتْ أَكْفَانُهُمْ، فَلَمَّا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ السَّيَّافُ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ فَقِيلَ له: إنك قلت لست بجازع، فقال: ومالي لَا أَجْزَعُ وَأَنَا أَرَى قَبْرًا مَحْفُورًا وَكَفَنًا مَنْشُورًا وَسَيْفًا مَشْهُورًا.

فَأَرْسَلَهَا مَثَلًا.

ثُمَّ تَقَدَّمَ إليه السياف.

وهو أبو شريف البدوي، وقيل تقدم إليه رجل أعور فَقَالَ لَهُ: امْدُدْ عُنُقَكَ، فَقَالَ: لَا أُعِينُ عَلَى قَتْلِ نَفْسِي، فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ.

وَكَانَ قَدْ أوصى أن يدفن في قيوده، ففعل به ذلك، وقيل: بل صلوا عليه وغسلوه.

وَرَوَى أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ.

قَالَ: أَصَلَّوْا عَلَيْهِ وَدَفَنُوهُ فِي قُيُودِهِ، قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: حجهم والله.

والظاهر أن الحسين قائل هذا، فإن حجراً قُتِلَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ ثلاث وخمسين، وعلى كل تقدير فالحسن قد مات قبله والله أعلم.

فقتلوه رحمه الله وسامحه.

وَرُوِّينَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ - وذلك بعد مقتله حجراً وَأَصْحَابِهِ - قَالَتْ لَهُ: أَيْنَ ذَهَبَ عَنْكَ حِلْمُكَ يَا مُعَاوِيَةَ حِينَ قَتَلْتَ حُجراً وَأَصْحَابَهُ؟ فَقَالَ لَهَا: فَقَدْتُهُ حِينَ غَابَ عَنِّي مِنْ قَوْمِي مِثْلُكِ يَا أُمَّاهُ.

ثُمَّ قَالَ لَهَا: فَكَيْفَ برّي بك يا أمه؟

(1) في الكامل والطبري: نمران.

(*)

ص: 57

فَقَالَتْ: إِنَّكَ بِي لَبَارٌّ، فَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا عِنْدَ اللَّهِ، وَغَدًا لِي وَلِحُجْرٍ مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عز وجل.

وفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قال: إِنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ.

وَرَوَى ابْنُ جرير: أن معاوية جعل

يغرغر بالموت وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ يَوْمِي بِكَ يَا حُجْرُ بْنَ عَدِيٍّ لَطَوِيلٌ، قَالَهَا ثَلَاثًا.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حُجْرًا وَفْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مع أَخِيهِ هَانِئِ بْنِ عَدِيٍّ، - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ - فَلَمَّا قَدِمَ زِيَادُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالِيًا عَلَى الْكُوفَةِ دَعَا بِحُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنِّي أَعْرِفُكَ وَقَدْ كُنْتُ أَنَا وأباك (1) على أمر قَدْ عَلِمْتَ - يَعْنِي مِنْ حُب عَلِيٍّ - وَأَنَّهُ قَدْ جَاءَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تُقْطِرَ لِي مِنْ دَمِكَ قَطْرَةً فَأَسْتَفْرِغَهُ كُلَّهُ، أملْك عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ مَنْزِلُكَ، وَهَذَا سَرِيرِي فَهُوَ مَجْلِسُكَ، وَحَوَائِجُكَ مَقْضِيَّةٌ لَدَيَّ، فَاكْفِنِي نَفْسَكَ فَإِنِّي أَعْرِفُ عِجْلَتَكَ، فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ فِي نفسك، وإياك (2) وهذه السقطة وَهَؤُلَاءِ السُّفَهَاءَ أَنْ يَسْتَنَزِلُّوكَ عَنْ رَأْيِكَ.

فَقَالَ حُجْرٌ: قَدْ فَهِمْتُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَتَاهُ الشِّيعَةُ فَقَالُوا: مَا قَالُ لَكَ؟ قَالَ: قال لي كذا وكذا.

وَسَارَ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ جَعَلُوا يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ يَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ شَيْخُنَا، وَإِذَا جَاءَ الْمَسْجِدِ مَشَوْا مَعَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ - نَائِبُ زِيَادٍ عَلَى الْكُوفَةِ - يَقُولُ: مَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ وَقَدْ أَعْطَيْتَ الْأَمِيرَ مَا قَدْ عَلِمْتَ؟ فَقَالَ لِلرَّسُولِ: إِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، إِلَيْكَ وَرَاءَكَ أَوْسَعَ لَكَ.

فَكَتَبَ عَمْرُو بن حريث إلى زياد: إن كان لك حاجة بالكوفة فالعجل العجل، فَأَعْجَلَ زِيَادٌ السَّيْرَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ بَعَثَ إِلَيْهِ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ، وَجَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ، وَخَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ فِي جماعة من أشراف الْكُوفَةِ لِيَنْهَوْهُ عَنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَأَتَوْهُ فَجَعَلُوا يُحَدِّثُونَهُ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، بَلْ جَعَلَ يقول: يا غلام أعلفت البكرَ؟ لِبَكْرٍ مَرْبُوطٍ فِي الدَّارِ - فَقَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: أَمْجَنُونٌ أَنْتَ؟ نُكَلِّمُكَ وَأَنْتَ تقول: أعلفت الْبَكْرَ، ثُمَّ قَالَ عَدِيٌّ لِأَصْحَابِهِ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا الْبَائِسَ بَلَغَ بِهِ الضَّعْفُ كُلَّ مَا أَرَى.

ثُمَّ نَهَضُوا فَأَخْبَرُوا زِيَادًا بِبَعْضِ الْخَبَرِ وَكَتَمُوهُ بَعْضًا، وَحَسَّنُوا أَمْرَهُ وَسَأَلُوهُ الرِّفْقَ بِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ، بَلْ بَعَثَ إِلَيْهِ الشُّرَطَ والمحاربة فأُتي به وبأصحابه، فقال له: مالك ويلك؟ قَالَ: إِنِّي عَلَى بَيْعَتِي لِمُعَاوِيَةَ، فَجَمَعَ زِيَادٌ سبعين من أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ: اكْتُبُوا شَهَادَتَكُمْ عَلَى حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ، فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَوْفَدَهُمْ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ عَائِشَةَ فَأَرْسَلَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ تَسْأَلُهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ قَرَأَ كِتَابَ زياد فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اخْرُجُوا بِهِمْ إِلَى عَذْرَاءَ فَاقْتُلُوهُمْ

هُنَاكَ، فَذَهَبُوا بِهِمْ ثُمَّ قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعَةً، ثمَّ جَاءَ رَسُولُ مُعَاوِيَةَ بِالتَّخْلِيَةِ عَنْهُمْ، وَأَنْ يطلقوهم كلهم، فوجدوا قد قتلوا منهم سبعة وأطلقوا السَّبْعَةَ الْبَاقِينَ، وَلَكِنْ كَانَ حُجْرٌ فِيمَنْ قُتِلَ في السبعة

(1) في ابن سعد 6 / 218: وإياك على ما قد علمت.

(2)

العبارة في الطبقات: وإياك وهذه السفلة وهؤلاء السفهاء أن يستزلوك عن رأيك فإنك لو هنت علي أو استخففت بحقك لم أخصك بهذا من نفسي.

(*)

ص: 58

الأول، وَكَانَ قَدْ سَأَلَهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَطَوَّلَ فِيهِمَا، وَقَالَ إِنَّهُمَا لَأَخَفُّ صَلَاةٍ صَلَّيْتُهَا.

وَجَاءَ رَسُولُ عَائِشَةَ بَعْدَ مَا فُرِغَ مِنْ شَأْنِهِمْ.

فَلَمَّا حَجَّ مُعَاوِيَةُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: أَيْنَ عَزَبَ عَنْكَ حِلْمُكَ حِينَ قَتَلْتَ حُجْرًا؟ فَقَالَ: حِينَ غَابَ عَنِّي مِثْلُكِ مِنْ قَوْمِي.

وَيُرْوَى أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أَقَتَلْتَ حُجْرَ بْنَ الْأَدْبَرِ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَتْلُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَ مَعَهُ مِائَةَ أَلْفٍ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ عُثْمَانَ ويطلقون فِيهِ مَقَالَةَ الْجَوْرِ، وَيَنْتَقِدُونَ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَيُسَارِعُونَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَيُبَالِغُونَ فِي ذَلِكَ، وَيَتَوَلَّوْنَ شِيعَةَ عَلِيٍّ، وَيَتَشَدَّدُونَ فِي الدِّينِ.

وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا أُخِذَ فِي قُيُودِهِ سَائِرًا مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الشَّامِ تَلَقَّتْهُ بَنَاتُهُ فِي الطَّرِيقِ وَهُنَّ يبكين، فمال نحوهن: فقال إن الذي يطعمكم ويكسوكم هُوَ اللَّهُ وَهُوَ باقٍ لَكُنَّ بَعْدِي، فَعَلَيْكُنَّ بتقوى الله وعبادته، وإني إما أن أقتل في وجهي وهي شهادة، أو أن أرجع إليكن مكرماً، والله خليفتي عليكم.

ثم انصرف مع أصحابه في قيوده، ويقال إنه أوصى أن يدفن في قيوده ففعل ذلك به، ولكن صلوا عليهم ودفنوهم مستقبل القبلة رحمهم الله وسامحهم.

وَقَدْ قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْمُتَشَيِّعَاتِ تَرْثِي حُجْرًا - وَهِيَ هِنْدُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ مَخْرَمَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ - وَيُقَالُ إِنَّهَا لِهِنْدٍ أُخْتِ حُجْرٍ (1) .

فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

تَرَفَّعْ أَيُّهَا الْقَمَرُ الْمُنِيرُ * تَبَصَّرْ هَلْ تَرَى حُجْرًا يَسِيرُ يَسِيرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ حربٍ * لِيَقْتُلَهُ كَمَا زَعَمَ الْأَمِيرُ (2) يَرَى قَتْلَ الْخِيَارِ عَلَيْهِ حَقًّا * لَهُ مِنْ شَرِّ أُمَّتِهِ وَزِيرُ

ألا يا ليت حجراً مات يوماً * وَلَمْ يُنحر كَمَا نُحِرَ الْبَعِيرُ (3) تَجَبَّرَتِ الْجَبَابِرُ بَعْدَ حُجْرٍ * وَطَابَ لَهَا الْخَوَرْنَقُ وَالسَّدِيرُ وَأَصْبَحَتِ الْبِلَادُ لَهُ مُحُولًا * كَأَنْ لَمْ يُحْيِهَا مزنٌ مطير (4) ألا يا حجر حجر بن (5) عَدِيٍّ * تَلَقَّتْكَ السَّلَامَةُ وَالسُّرُورُ أَخَافُ عَلَيْكَ مَا أردى عدياً * وشيخاً في دمشق له زبير (6) فَإِنْ تَهْلِكْ فَكُلُّ زَعِيمِ (7) قومٍ * مِنَ الدُّنْيَا إلى هلكٍ يصير فرضوا أن الآله عليك ميتاً * وجنات بها نعمٌ وحور

(11) وفي الاخبار الطوال ص 223: فأنشأت أم حجر تقول: (2) كذا في الاصل والطبري والكامل والمسعودي، وفي ابن سعد 6 / 220: الخبير.

(3)

سقط والبيت الذي قبله من الطبقات والكامل، وأثبته المسعودي في المروج والطبري في تاريخه.

(4)

في ابن سعد: يوما، وسقط البيت من المسعودي.

(5)

في الطبري والكامل والمسعودي وابن سعد: بني.

(6)

في المصادر السابقة: زئير.

(7)

كذا بالاصل والطبري والكامل.

وفي الطبقات والمسعودي: عميد.

(*)

ص: 59

وذكر ابن عساكر له مراث كَثِيرَةً.

وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَا حَمَلَكَ عَلَى قَتْلِ أَهْلِ عَذْرَاءَ، حُجراً وَأَصْحَابِهِ؟ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي رَأَيْتُ في قتلهم صلاحاً للأمة، وفي مقامهم فساداً للأمة، فقالت: سمعت رسول الله يَقُولُ: " سَيُقْتَلُ بِعَذْرَاءَ أُنَاسٌ يَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ وَأَهْلُ السَّماء "(1) .

وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ مُنْقَطِعٌ.

وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّهُ سَيُقْتَلُ بِعَذْرَاءَ أُنَاسٌ يَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ وَأَهْلُ السَّماء.

وَقَالَ يَعْقُوبُ: حدَّثني ابْنُ لَهِيعَةَ حدَّثني الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عبد الله بن رزين (2) الْغَافِقِيِّ.

قَالَ:

سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ سَيُقْتَلُ مِنْكُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ بِعَذْرَاءَ، مَثَلُهُمْ كمثل أصحاب الأخدود، قال: يقتل حُجْرٌ وَأَصْحَابُهُ (3) - ابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ -.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ فِي السُّوقِ فنُعي لَهُ حُجْرٌ فَأَطْلَقَ حُبْوَتَهُ وَقَامَ وغلب عليه النحيب.

وروى أحمد: عَنْ عفَّان، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ - أَوْ غَيْرِهِ - قَالَ لَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: أَقَتَلْتَ حُجْرًا؟ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي وَجَدْتُ قَتْلَ رَجُلٍ فِي صلاح الناس خير مِنِ اسْتِحْيَائِهِ فِي فَسَادِهِمْ.

وَقَالَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب عن مروان.

قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَا مُعَاوِيَةُ قَتَلْتَ حُجراً وَأَصْحَابَهُ وَفَعَلْتَ الذي فعلت، أما خشيت أن أخبأ لَكَ رَجُلًا يَقْتُلُكَ؟ فَقَالَ: لَا، إِنِّي فِي بيت الأمان، سمعت رسول الله يقول:" الإيمان ضد الْفَتْكَ لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ "(4) .

يَا أمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ أَنَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ حَاجَاتِكَ وَأَمْرِكَ؟ قَالَتْ: صَالِحٌ.

قَالَ: فَدَعِينِي وحُجراً حَتَّى نَلْتَقِيَ عِنْدَ ربِّنا عز وجل (4) .

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا حَجَبَتْهُ وَقَالَتْ: لَا يَدْخُلُ عَلَيَّ أَبَدًا، فَلَمْ يَزَلْ يَتَلَطَّفُ حَتَّى دَخَلَ فَلَامَتْهُ فِي قَتْلِهِ حُجْرًا، فَلَمْ يَزَلْ يَعْتَذِرُ حَتَّى عَذَرَتْهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهَا كَانَتْ تَتَوَعَّدُهُ وَتَقُولُ: لَوْلَا يَغْلِبُنَا سُفَهَاؤُنَا لَكَانَ لِي وَلِمُعَاوِيَةَ فِي قَتْلِهِ حجراً شأن، فلما اعتذر إليها عذرته.

وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظِمِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَكَابِرِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ، وَحَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَحُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنِيسٍ، وَأَبُو بَكْرَةَ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ الثَّقَفِيُّ، رضي الله عنهم.

(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 456 والفسوي في المعرفة والتاريخ 3 / 421.

(2)

في البيهقي والفسوي زرير، الغافقي المصري ثقة متشيع من الثانية مات سنة ثمانين أو بعدها (تقريب التهذيب 1 / 307 / 415) .

(3)

رواه البيهقي في الدلائل 6 / 456 والفسوي في المعرفة والتاريخ 3 / 431.

وقال البيهقي معقبا: " علي لا يقول مثل هذا إلا بأن يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقد روى عن عائشة باسناد مرسل مرفوعا ".

(4)

المصدر السابق.

(*)

ص: 60

فَأَمَّا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ فَأَسْلَمَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ فِي رَمَضَانَ سنة عشر، وكان قدومه ورسول الله يَخْطُبُ، وَكَانَ قَدْ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ:" إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ، وَإِنَّ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةَ مَلَكٍ "(1) ، فلما دخل نظر الناس إليه فكان كما وصف رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَخْبَرُوهُ بذلك فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى.

وَيُرْوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَالَسَهُ بَسَطَ لَهُ رِدَاءَهُ وَقَالَ: " إِذَا جَاءَكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فأكرموه "(2) وبعثه رسول الله إلى ذي الخلصة - وكان بيتاً تعظمه دوس في الجاهلية - فذكر أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ:" اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا "(3) فذهب فهدمه.

وفي الصحيحين أنه قال: ما حجبني رسول الله مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ.

وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: جَرِيرٌ يُوسُفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ: رَأَيْتُ جَرِيرًا كَأَنَّ وَجْهَهُ شَقَّةُ قَمَرٍ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ جَرِيرٌ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مَعَ عُمَرَ فِي بَيْتٍ.

فَاشْتَمَّ عُمَرُ مِنْ بَعْضِهِمْ رِيحًا، فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ الرِّيحِ لَمَا قَامَ فَتَوَضَّأَ، فَقَالَ جَرِيرٌ: أَوَ نَقُومُ كُلُّنَا فَنَتَوَضَّأَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَ السَّيِّدُ كَنْتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَنِعْمَ السَّيِّدُ أَنْتَ فِي الإسلام.

وقد كان عاملاً لعثمان على همدان، يقال أنَّه أُصِيبَتْ عَيْنُهُ هُنَاكَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ اعْتَزَلَ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا بِالْجَزِيرَةِ حَتَّى تُوُفِّيَ بِالسَّرَاةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ، وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وخمسين.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَّى زِيَادٌ عَلَى خُرَاسَانَ بَعْدَ مَوْتِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الرَّبِيعَ بْنَ زِيَادٍ الْحَارِثِيَّ فَفَتَحَ بَلْخَ صلحاً، وكانوا قد غلقوها بعدما صالحهم الأحنف، وَفَتَحَ قُوهِسْتَانَ عَنْوَةً، وَكَانَ عِنْدَهَا أَتْرَاكٌ فَقَتَلَهُمْ ولم يبق منهم إلا ترك طَرْخَانَ، فَقَتَلَهُ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ بَعْدَ ذَلِكَ كما سيأتي.

وفي هذه السنة غَزَا الرَّبِيعُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فَغَنِمَ وسلَّم، وَكَانَ قَدْ قَطَعَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ قَبْلَهُ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ شَرِبَ مِنَ النَّهْرِ غُلَامٌ لِلْحَكَمِ، فَسَقَى سَيِّدَهُ وَتَوَضَّأَ

الْحَكَمُ وَصَلَّى وَرَاءَ النَّهْرِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ، فَلَمَّا كَانَ الرَّبِيعُ هَذَا غَزَا مَا وَرَاءَ النهر فغنم وسلم.

وفي هذه السنة حَجَّ بِالنَّاسِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِيمَا قَالَهُ أبو معشر والواقدي.

وأما جعفر بن أبي سفيان بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَسْلَمَ مَعَ أَبِيهِ حِينَ تَلَقَّيَاهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَامَ الْفَتْحِ، فَلَمَّا رَدَّهُمَا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يأذن لي عليه لآخذن بيد هَذَا فَأَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ فَلَا يُدْرَى أَيْنَ أذهب، فلما بلغ ذلك رسول الله

(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4 / 360 - 364.

(2)

رواه الطبراني وابن سعد عن جرير، والبيهقي في الدلائل 5 / 347.

(3)

الحديث أخرجه البخاري في الجهاد (154) باب ح (3020) فتح الباري 6 / 154 وفي المغازي (62) باب.

ح (4355) فتح الباري 8 / 70 ومسلم في فضائل الصحابة (29) باب.

ح (137) ص (4 / 1926) .

(*)

ص: 61

رَقَّ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ وَقَبِلَ إِسْلَامَهُمَا فَأَسْلَمَا إِسْلَامًا حَسَنًا، بَعْدَ مَا كَانَ أَبُو سُفْيَانَ يؤذي رسول الله أَذًى كَثِيرًا، وَشَهِدَ حُنَينًا، وَكَانَ مِمَّنْ ثَبَتَ يومئذٍ رضي الله عنهما.

وَأَمَّا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ فَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ والمشاهد، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ رَأَى جبريل مع رسول الله بِالْمَقَاعِدِ يَتَحَدَّثَانِ بَعْدَ خَيْبَرَ، وَأَنَّهُ رَآهُ يَوْمَ بني قريظة في صورة دحية.

وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ قِرَاءَتَهُ فِي الْجَنَّةِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ النُّعْمَانِ كَانَ قَدْ كُفَّ بَصَرُهُ فَجَعَلَ خَيْطًا مِنْ مُصَلَّاهِ إِلَى بَابِ حُجْرَتِهِ، فَإِذَا جَاءَهُ الْمِسْكِينُ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ ثُمَّ أَخَذَ يُمْسِكُ بِذَلِكَ الْخَيْطِ حَتَّى يَضَعَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمِسْكِينِ، وَكَانَ أَهْلُهُ يَقُولُونَ لَهُ: نَحْنُ نَكْفِيكَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: " مُنَاوَلَةَ الْمِسْكِينِ تَقِي مَيْتَةَ السُّوءِ ".

وَأَمَّا حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ مَبْسُوطَةً.

وَأَمَّا سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ القرشي

فَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأُخْتُهُ عَاتِكَةُ زَوْجَةُ عُمَرَ، وَأُخْتُ عُمَرَ فَاطِمَةُ زَوْجَةُ سَعِيدٍ، أسلم قبل عمر وَزَوْجَتُهُ فَاطِمَةُ، وَهَاجَرَا، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ قَالَ عُرْوَةُ والزُّهري وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: لَمْ يَشْهَدْ بدراً لأنه قد كان بعثه رسول الله هُوَ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بَيْنَ يَدَيْهِ يَتَجَسَّسَانِ أَخْبَارَ قُرَيْشٍ فَلَمْ يَرْجِعَا حتَّى فَرَغَ من بدر، فضرب لهما رسول الله بِسَهْمِهِمَا وَأَجْرِهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عُمَرُ فِي أَهْلِ الشُّورَى لِئَلَّا يُحَابَى بِسَبَبِ قَرَابَتِهِ مِنْ عُمَرَ فَيُوَلَّى فَتَرَكَهُ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ فِي جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ، كَمَا صَحَّتْ بِذَلِكَ الأحاديث المتعددة الصحيحة، ولم يتول بعده وِلَايَةً، وَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ بِالْكُوفَةِ، وَقِيلَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَ الْفَلَّاسُ وَغَيْرُهُ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَ رَجُلًا طُوَالًا أَشْعَرَ، وَقَدْ غسله سعد، وَحُمِلَ مِنَ الْعَقِيقِ عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سَنَةً.

وأما عبد الله أنيس بن الْجُهَنِيُّ أَبُو يَحْيَى الْمُدْنِيُّ فَصَحَابِيٌّ جَلِيلٌ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا.

وَشَهِدَ مَا بَعْدَهَا، وَكَانَ هُوَ وَمُعَاذٌ يَكْسِرَانِ أَصْنَامَ الْأَنْصَارِ، لَهُ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثٌ أنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ الَّذِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ فَقَتَلَهُ بَعُرَنَةَ (1) وأعطاه رسول الله مخصره وقال: " هذه آية ما

(1) عرنة: بوزن همزة، واد بحذاء عرفات (معجم البلدان) .

(*)

ص: 62