المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مقتل عبد الله بن الزبير رضي الله - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٨

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 8

-

- ‌فصل في ذكر شئ من سيرته الفاضلة ومواعظه وقضاياه الفاصلة وخطبه وَحِكَمِهِ

- ‌خِلَافَةُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ رضي الله عنه

- ‌سنة إحدى وأربعين

- ‌معاوية بن أبي سفيان وَمُلْكِهِ

- ‌سُنَّةُ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ

- ‌سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌سَنَةُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌سَنَةُ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌سَنَةُ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ

- ‌سَنَةُ خَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ

- ‌المغيرة بن شعبة ابن أَبِي عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ أَبُو عِيسَى

- ‌سُنَّةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة ثنتين وخمسين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌سنة أربع وخمسين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة خمس وخمسين فيها عزل معاوية عبد الله بْنِ غَيْلَانَ عَنِ الْبَصْرَةِ

- ‌ذِكْرِ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الأعيان في هذه السنة

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ

- ‌سَنَةُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌سنة ثمان وخمسين

- ‌قِصَّةٌ غَرِيبَةٌ

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فيها

- ‌وممن توفي فيها:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وخمسين

- ‌قِصَّةُ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيِّ مَعَ ابْنَيْ زِيَادٍ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبَّادٍ

- ‌تُوُفِّيَ الْحُطَيْئَةُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنة:

- ‌سنة ستين من الهجرة النَّبوِّية

- ‌ ترجمة معاوية وذكر شئ من أيامه وما ورد في مناقبه وفضائله

- ‌قِصَّةُ الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة وكيفية مقتله

- ‌صفة مخرج الحسين إلى العراق

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى وستين

- ‌ صفة مقتله

- ‌فصل وَكَانَ مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه يَوْمَ الجمعة

- ‌ قَبْرُ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه

- ‌ رأس الحسين رضي الله عنه

- ‌فصل في شئ مِنْ أَشْعَارِهِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وستين

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أربع وستين

- ‌ تَرْجَمَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ

- ‌ذِكْرُ بَيْعَةِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ

- ‌وَقْعَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ وَمَقْتَلُ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْفِهْرِيِّ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌وفيها توفي

- ‌ذِكْرُ هَدْمِ الْكَعْبةِ وَبِنَائِهَا فِي أَيَّامِ ابْنِ الزبير

- ‌ثم دخلت سنة خمس وستين

- ‌وقعة عين وردة

- ‌تَرْجَمَةُ مَرْوَانَ بن الحكم

- ‌خِلَافَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثم دخلت سنة ست وستين

- ‌فصل ثُمَّ شَرَعَ الْمُخْتَارُ يَتَتَبَّعُ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ مِنْ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ فَيَقْتُلُهُ

- ‌مَقْتَلِ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَتْ حُسَيْنًا

- ‌مَقْتَلُ خَوْلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيِّ الَّذِي احْتَزَّ رَأْسَ الْحُسَيْنِ

- ‌مَقْتَلُ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بن أبي وقاص أمير الَّذِينَ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ

- ‌ تَرْجَمَةُ ابْنِ زِيَادٍ

- ‌مَقْتَلُ الْمُخْتَارِ بْنِ أبي عبيد على يدي مصعب بن الزُّبير

- ‌ ترجمة المختار بن أبي عبيد الثقفي

- ‌ اسْتَقَرَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبير بِالْكُوفَةِ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سُنَّةُ ثمان وستين

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌وَفِيهَا توفِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانُ القرآن

- ‌فَصَلٌ تَوَلِّي ابْنِ عَبَّاسٍ إِمَامَةَ الْحَجِّ

- ‌صِفَةُ ابْنِ عبَّاس

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثم دخلت سنة تسع وستين

- ‌وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ الْأَشْدَقِ

- ‌وممن توفي فيها

- ‌ثُمَّ دخلت سنة سبعين من الهجرة

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى وسبعين

- ‌ مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبير

- ‌ تَرْجَمَةُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبير

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين

- ‌وهذه ترجمة عبد الله بن خَازِمٍ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فيها

- ‌وممَّن توفي فيها

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين

- ‌ مَقْتَلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ

- ‌وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير

- ‌وَمِمَّنْ قُتِلَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ

- ‌ عَبْدُ اللَّهِ بن صفوان ابن أُمَيَّةَ

- ‌عبد الله بن مطيع

- ‌أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

الفصل: ‌ مقتل عبد الله بن الزبير رضي الله

أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، وَحَدَّثَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعَيْنِ وبعض الصحابة.

وقيل إنه مات بالكوفة أيام ولاية مصعب بن الزُّبير عَلَى الْعِرَاقِ.

عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ الْقَاضِي وَهُوَ عُبَيْدَةُ بْنُ عَمْرٍو وَيُقَالُ ابْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو السَّلْمَانِيُّ الْمُرَادِيُّ أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ.

وَسَلْمَانُ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ، أَسْلَمَ عُبَيْدَةُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ.

وحدَّث عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ يُوَازِي شُرَيْحًا في القضاء، قال ابْنُ نُمَيْرٍ: كَانَ شُرَيْحٌ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرٌ كَتَبَ إِلَى عُبَيْدَةَ فِيهِ، وَانْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قِيلَ إن مصعب بن الزُّبير قتل فيها فالله أعلم.

‌وممَّن توفي فيها

أيضاً عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ بْنِ صَيْفِيٍّ الْمَخْزُومِيِّ، لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَقَرَأَ عَلَى أُبي بْنِ كَعْبٍ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ.

عَطِيَّةُ بْنُ بشر المازني له صحبة ورواية.

عبيدة بن نضيلة

أَبُو مُعَاوِيَةَ الْخُزَاعِيُّ الْكُوفِيُّ مُقْرِئُ أَهِلِ الْكُوفَةِ، مشهور بالخير والصلاح، توفي بالكوفة في هذه السنة.

عبد اللَّهِ بْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ أَحَدُ الشعراء، مدح مصعباً وابن جعفر.

عبد الله بن حمام أبو عبد الرحمن الشاعر السلولي هجا بني أمية بِقَوْلِهِ: شِرِبْنَا الْغَيْضَ حَتَّى لَوْ سُقِينَا * دِمَاءَ بني أمية ما روينا ولو جاؤوا برملة أو بهندٍ * لبايعنا أمير المؤمنينا وكان عبيدة السلماني أعوراً، وكان أحد أصحاب ابن مسعود الذين يفتنون الناس.

توفي بالكوفة.

‌ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين

فِيهَا كَانَ‌

‌ مَقْتَلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ عَلَى يَدَيِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ الْمُبِيرِ

ص: 362

قَبَّحَهُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بن نائب عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ - وَكَانَ عَالِمًا بِفِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - قَالَ: حُصِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ليلة هلال الْحِجَّةِ (1) سِنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَقُتِلَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ ليلة خلت من جمادى الأول (2) سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، فَكَانَ حَصْرُ الْحَجَّاجِ لَهُ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً (3) .

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَجَّاجَ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْخَارِجَةِ، وَكَانَ فِي الْحَجِّ ابْنُ عُمَرَ، وَقَدْ كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ أن يأتم بابن عمر في المناسك كم ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَلَمَّا اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ اسْتَهَلَّتْ وَأَهْلُ الشَّامِ مُحَاصِرُونَ أَهْلَ مَكَّةَ، وَقَدْ نَصَبَ الْحَجَّاجُ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى مَكَّةَ لِيَحْصُرَ أَهْلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا إِلَى الْأَمَانِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ الملك وكان مع الحجاج الْحَبَشَةِ، فَجَعَلُوا يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَانَ مَعَهُ خَمْسُ مَجَانِيقَ فَأَلَحَّ عَلَيْهَا بِالرَّمْيِ من كل مكان، وحبس عنهم الميرة، والماء، فكانوا يَشْرَبُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَجَعَلَتِ الْحِجَارَةُ

تَقَعُ فِي الْكَعْبَةِ، وَالْحَجَّاجُ يَصِيحُ بِأَصْحَابِهِ: يَا أَهْلَ الشَّام اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّاعَةِ، فَكَانُوا يَحْمِلُونَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ حَتَّى يُقَالَ إِنَّهُمْ آخِذُوهُ فِي هَذِهِ الشِّدَّةِ، فَيَشُدُّ عَلَيْهِمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، ثُمَّ يَكُرُّونَ عَلَيْهِ فَيَشُدُّ عَلَيْهِمْ، فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا، وَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ جَمَاعَةً مِنْهُمْ وهو يقول: هذا وَأَنَا ابْنُ الْحَوَارِيِّ.

وَقِيلَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ أَلَا تُكَلِّمُهُمْ فِي الصُّلْحِ! ! فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ وَجَدُوكُمْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ لَذَبَحُوكُمْ جَمِيعًا وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهُمْ صُلْحًا أَبَدًا.

وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُمْ لَمَّا رُمُوا بِالْمَنْجَنِيقِ جَاءَتِ الصَّوَاعِقُ وَالْبُرُوقُ وَالرُّعُودُ حَتَّى جَعَلَتْ تَعْلُو أَصْوَاتُهَا عَلَى صَوْتِ الْمَنْجَنِيقِ، وَنَزَلَتْ صَاعِقَةٌ فَأَصَابَتْ مِنَ الشَّامِيِّينَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَضَعُفَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُلُوبُهُمْ عَنِ الْمُحَاصَرَةِ، فَلَمْ يَزَلِ الْحَجَّاجُ يُشَجِّعُهُمْ وَيَقُولُ: إِنِّي خَبِيرٌ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، هَذِهِ بُرُوقُ تِهَامَةَ وَرُعُودُهَا وَصَوَاعِقُهَا، وَإِنَّ الْقَوْمَ يُصِيبُهُمْ مِثْلَ الَّذِي يُصِيبُكُمْ، وَجَاءَتْ صَاعِقَةٌ مِنَ الْغَدِ فَقَتَلَتْ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الزُّبَيْرِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً أَيْضًا، فَجَعَلَ الْحَجَّاجُ يَقُولُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنَّهُمْ يُصَابُونَ مِثْلَكُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَهُمْ عَلَى الْمُخَالَفَةِ، وَكَانَ أَهْلُ الشام يرتجزون وهم يرمون بالمنجنيق ويقولون: مِثْلُ الْفَنِيقِ الْمُزْبِدِ * نَرْمِي بِهَا أَعْوَادَ هَذَا المسجد (4)

(1) في الطبري 7 / 202 وأسد الغابة 3 / 163.

وفي الامامة والسياسة 2 / 30 ومروج الذهب 3 / 135: ذي القعدة.

(2)

في الاخبار الطوال ص 314 وابن الاثير 4 / 356: جمادى الآخرة، وفي مروج الذهب لأربع عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثلاث وسبعين، وذلك يوم الثلاثاء.

وفي فتوح ابن الاعثم 6 / 279: يوم الثلاثاء لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى.

(3)

في مروج الذهب 3 / 135: كانت مدة حصار الحجاج لابن الزبير بمكة خمسين ليلة.

(4)

في الاخبار الطوال: خطارة مثل الفنيق الملبد * نرمي بها عواذ أهل المسجد وفي ابن الأثير 4 / 351: وكان أهل الشام يقولون: = (*)

ص: 363

فَنَزَلَتْ صَاعِقَةٌ عَلَى الْمَنْجَنِيقِ فَأَحْرَقَتْهُ، فَتَوَقَّفَ أَهَّلُ الشَّامِ عَنِ الرَّمْيِ وَالْمُحَاصَرَةِ فَخَطَبَهُمُ الْحَجَّاجُ فَقَالَ: وَيْحَكُمُ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ النَّارَ كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَتَأْكُلَ قُرْبَانَهُمْ إِذَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ؟ فَلَوْلَا أَنَّ عَمَلَكُمْ مَقْبُولٌ مَا نَزَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ، فَعَادُوا إِلَى الْمُحَاصَرَةِ.

وَمَا زَالَ أَهْلُ مَكَّةَ يَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجَّاجِ بِالْأَمَانِ وَيَتْرُكُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَرِيبٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ، فَأَمَّنَهُمْ وقَلَّ أَصْحَابُ ابْنِ الزُّبَيْرِ جِدًّا، حَتَّى خَرَجَ إِلَى الْحَجَّاجِ حَمْزَةُ وخبيب ابنا عبد الله بن الزُّبَيْرِ، فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا أَمَانًا مِنَ الْحَجَّاجِ فَأَمَّنَهُمَا، وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أُمِّهِ فَشَكَا إِلَيْهَا خِذْلَانَ النَّاسِ لَهُ، وَخُرُوجَهُمْ إِلَى الْحَجَّاجِ حَتَّى أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا الْيَسِيرُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ صَبْرُ سَاعَةٍ، وَالْقَوْمُ يُعْطُونَنِي مَا شِئْتُ مِنَ الدُّنْيَا، فَمَا رَأْيُكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ أَنْتَ أَعْلَمُ بِنَفْسِكَ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ وَتَدْعُو إِلَى حَقٍّ فَاصْبِرْ عَلَيْهِ فَقَدْ قُتِلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُكَ، وَلَا تُمَكِّنْ مِنْ رَقَبَتِكَ يَلْعَبْ بها غلمان بني أمية، وإن كنت تعلم أنك إِنَّمَا أَرَدْتَ الدُّنْيَا فَلَبِئْسَ الْعَبْدَ أَنْتَ، أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ وَأَهْلَكْتَ مَنْ قُتِلَ مَعَكَ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى حَقٍّ فَمَا وَهَنَ الدِّينُ وَإِلَى كَمْ خلودك فِي الدُّنْيَا؟ الْقَتْلُ أَحْسَنُ.

فَدَنَا مِنْهَا فَقَبَّلَ رَأْسَهَا وَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ رَأْيِي، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَكَنْتُ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا أَحْبَبْتُ الْحَيَاةَ فِيهَا، وَمَا دَعَانِي إِلَى الْخُرُوجِ إِلَّا الْغَضَبُ لِلَّهِ أَنْ تُسْتَحَلَّ حُرْمَتُهُ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ رَأْيَكِ فَزِدْتِينِي بَصِيرَةً مَعَ بَصِيرَتِي، فانظري يا إماه فإني مقتول في يَوْمِي هَذَا فَلَا يَشْتَدُّ حُزْنُكِ، وَسَلِّمِي لِأَمْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ ابْنَكِ لَمْ يَتَعَمَّدْ إِتْيَانَ مُنْكَرٍ، وَلَا عَمِلَ بِفَاحِشَةٍ قَطُّ، وَلَمْ يَجُرْ فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَلَمْ يَغْدُرْ فِي أَمَانٍ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ ظُلْمَ مُسْلِمٍ وَلَا مُعَاهَدٍ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي ظُلْمٌ عَنْ عَامِلٍ فَرَضِيتُهُ بَلْ أَنْكَرْتُهُ، وَلَمْ يكن عندي آثر من رضى رَبِّي عز وجل، اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَقُولُ هَذَا تَزْكِيَةً لِنَفْسِي، اللَّهُمَّ أَنْتِ أَعْلَمُ بِي مِنِّي وَمِنْ غَيْرِي، وَلَكِنِّي أَقُولُ ذَلِكَ تَعْزِيَةً لِأُمِّي لِتَسْلُوَ عَنِّي، فَقَالَتْ أُمُّهُ: إِنِّي لَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ إِنْ يَكُونَ عَزَائِي فِيكَ حَسَنًا، إِنْ تَقَدَّمْتَنِي أَوْ تَقَدَّمْتُكَ، فَفِي نَفْسِي اخْرُجْ يَا بُنَيَّ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمْرُكَ، فَقَالَ جَزَاكِ اللَّهُ يَا أُمَّهْ خَيْرًا فلا تدعي الدعاء قبل وبعد.

فقالت: لا أدعه أبداً لمن قُتِلَ عَلَى بَاطِلٍ فَلَقَدْ قُتِلْتَ عَلَى حَقٍّ، ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ طُولَ ذَلِكَ الْقِيَامِ وَذَلِكَ النَّحِيبِ وَالظَّمَأِ فِي هَوَاجِرِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَبِرَّهُ بِأَبِيهِ

وَبِي، اللَّهم إنِّي قَدْ سَلَّمْتُهُ لِأَمْرِكَ فِيهِ وَرَضِيتُ بِمَا قَضَيْتَ فَقَابِلْنِي فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِثَوَابِ الصَّابِرِينَ الشَّاكِرِينَ.

ثُمَّ أَخَذَتْهُ إِلَيْهَا فَاحْتَضَنَتْهُ لِتُوَدِّعَهُ وَاعْتَنَقَهَا لِيُوَدِّعَهَا - وَكَانَتْ قَدْ أَضَرَّتْ فِي آخِرِ عُمْرِهَا - فَوَجَدَتْهُ لَابِسًا دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ ما هذا لباس من يريد ما نريد مِنَ الشَّهَادَةِ! ! فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ إِنَّمَا لَبِسْتُهُ لِأُطَيِّبَ خَاطِرَكِ وَأُسَكِّنَ قَلْبَكِ بِهِ، فَقَالَتْ: لَا يا بني ولكن

يا بن الزبير طالما عصيكا * وطالما عنيتنا إليكا لتجزين بالذي أتيكا وفيه ص 124: أنَّ أهل الشَّام جعلوا يرتجزون ويقولون: وذكر الشعر كما في الاصل، وكان ذلك في حصار الكعبة سنة أربع وستين في حصار حصين بن نمير أيَّام يزيد بن معاوية.

(*)

ص: 364

انْزِعْهُ فَنَزَعَهُ وَجَعَلَ يَلْبَسُ بَقِيَّةَ ثِيَابِهِ وَيَتَشَدَّدُ وَهِيَ تَقُولُ: شَمِّرْ ثِيَابَكَ، وَجَعَلَ يَتَحَفَّظُ مِنْ أَسْفَلِ ثِيَابِهِ لِئَلَّا تَبْدُو عَوْرَتَهُ إِذَا قُتِلَ، وَجَعَلَتْ تُذَكِّرُهُ بِأَبِيهِ الزُّبَيْرِ، وَجَدِّهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَجَدَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَطْلَبِ، وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وترجيه القدوم عليهما إِذَا هُوَ قُتِلَ شَهِيدًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ عَهْدِهِ بِهَا رضي الله عنهما وعن أبيه وأبيها.

قَالُوا: وَكَانَ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُنَاكَ خَمْسُمِائَةِ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ فَيَحْمِلُ عَلَيْهِمْ فَيَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ أَحَدٌ وَهُوَ يَقُولُ: إنِّي إِذَا أَعْرِفُ يَوْمِي أَصْبِرْ (1) * إذ بعضهم يعرف ثم ينكر وَكَانَتْ أَبْوَابُ الْحَرَمِ قَدْ قَلَّ مَنْ يَحْرُسُهَا مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ لِأَهْلِ حِمْصَ حِصَارُ الْبَابِ الَّذِي يُوَاجَهُ بَابَ الْكَعْبَةِ، وَلِأَهْلِ دِمَشْقَ بَابُ بَنِي شَيْبَةَ، وَلِأَهْلِ الْأُرْدُنِ بَابُ الصَّفَا، وَلِأَهْلِ فِلَسْطِينَ بَابُ بَنِي جُمَحَ، وَلِأَهْلِ قِنَّسْرِينَ بَابُ بَنِي سَهْمٍ (2) ، وَعَلَى كُلِّ بَابٍ قَائِدٌ وَمَعَهُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ وَطَارِقُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْأَبْطَحِ، وَكَانَ ابن الزبير لا يخرج على أهل الباب إِلَّا فَرَّقَهُمْ وَبَدَّدَ شَمْلَهُمْ، وَهُوَ غَيْرُ مُلْبِسٍ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ إِلَى الْأَبْطَحِ ثُمَّ يَصِيحُ: لَوْ كَانَ قِرْنِي وَاحِدًا كَفَيْتُهُ

فَيَقُولُ ابْنُ صَفْوَانَ وَأَهْلُ الشَّامِ أَيْضًا: إِي وَاللَّهِ وَأَلْفُ رَجُلٍ، وَلَقَدْ كَانَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ يَقَعُ عَلَى طَرَفِ ثَوْبِهِ فَلَا يَنْزَعِجُ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ فيقاتلهم كأنه أسد ضاري، حَتَّى جَعَلَ النَّاس يَتَعَجَّبُونَ مِنْ إِقْدَامِهِ وَشَجَاعَتِهِ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بَاتَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي طُولَ لَيْلَتِهِ ثُمَّ جَلَسَ فَاحْتَبَى بِحَمِيلَةِ سَيْفِهِ فَأَغْفَى ثُمَّ انْتَبَهَ مَعَ الْفَجْرِ عَلَى عَادَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَذِّنْ يَا سَعْدُ، فَأَذَّنَ عِنْدَ الْمَقَامِ، وَتَوَضَّأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتِي الْفَجْرِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ قَرَأَ سُورَةَ ن حَرْفًا حَرْفًا (3)، ثُمَّ سَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اكْشِفُوا وُجُوهَكُمْ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْكُمْ، فَكَشَفُوا وُجُوهِهِمْ وَعَلَيْهِمُ الْمَغَافِرُ، فَحَرَّضَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ والصبر، ثم نهض ثم حمل وَحَمَلُوا حَتَّى كَشَفُوهُمْ إِلَى الْحَجُونِ فَجَاءَتْهُ آجُرَّةٌ فَأَصَابَتْهُ فِي وَجْهِهِ فَارْتَعَشَ لَهَا (4)، فَلَمَّا وَجَدَ سُخُونَةَ الدَّمِ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ بعضهم:

(1) زيد في الطبري 7 / 204 وابن الاثير 4 / 355 شعرا بعده: وإنما يعرف يوميه الحر وفي ابن الاثير: يومه.

(2)

في ابن الاثير: بني تميم.

(3)

كذا بالاصل والطبري 7 / 204 وتاريخ الاسلام للذهبي 3 / 174 وفي ابن الاعثم 6 / 278: فقرأ بهم الركعة الاولى بأم الكتاب وسبح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية بأم الكتاب وسورة الاخلاص.

(4)

في ابن الاثير: رماه رجل من السكون، وفي ابن الاعثم 6 / 279: واعتوره رجلان من أهل الشَّام فضربه أحدهما بسيفه فأوهنه، وضربه الآخر على رأسه فسقط.

(*)

ص: 365

وَلَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا * وَلَكِنْ عَلَى أقدامنا تقطر الدما ثم سقط إلى الأرض فأسرعوا إليه فقتلوه (1) رضي الله عنه، وجاؤوا إِلَى الْحَجَّاجِ فَأَخْبَرُوهُ فَخَرَّ سَاجِدًا قَبَّحَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَامَ هُوَ وَطَارِقُ بْنُ عَمْرٍو حَتَّى وَقَفَا عَلَيْهِ وَهُوَ صَرِيعٌ، فَقَالَ طَارِقُ: مَا وَلَدَتِ النِّسَاءُ أَذْكَرَ مِنْ هَذَا، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: تَمْدَحُ مَنْ يُخَالِفُ طَاعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نعم! هو أعذر لأنا مُحَاصِرُوهُ وَلَيْسَ هُوَ فِي حِصْنٍ وَلَا خَنْدَقٍ وَلَا مَنَعَةٍ يَنْتَصِفُ مِنَّا، بَلْ يُفَضَّلُ عَلَيْنَا فِي كُلِّ موقفٍ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الملك ضرب طَارِقًا.

وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَجَّاجِ أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ ارْتَجَّتْ مَكَّةَ بُكَاءً عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رحمه الله، فَخَطَبَ الْحَجَّاجُ النَّاسَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! أن عبد الله بن الزبير مِنْ خِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَتَّى رَغِبَ فِي الْخِلَافَةِ وَنَازَعَهَا أَهْلَهَا وَأَلْحَدَ فِي الْحَرَمِ فَأَذَاقَهُ من عذابه الأليم، وَإِنَّ آدَمَ كَانَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ أَشْرَفُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ وَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، وقيل أنه قال: يا أهل مكة إِكْبَارُكُمْ وَاسْتِعْظَامُكُمْ قَتْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّ ابْنَ الزُّبير كأنَّ مِنْ خِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَتَّى رَغِبَ فِي الدُّنْيَا وَنَازَعَ الْخِلَافَةَ أَهْلَهَا، فَخَلَعَ طَاعَةَ اللَّهِ وَأَلْحَدَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَتْ مَكَّةُ شَيْئًا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ لَمَنَعَتْ آدَمَ حُرْمَةُ الْجَنَّةِ وَقَدْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ.

وَعَلَّمَهُ أسماء كل شئ، فَلَمَّا عَصَاهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَآدَمُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ غَيَّرَ كِتَابَ اللَّهِ.

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ لَكَ كَذَبْتَ لَقَلْتُ، وَاللَّهِ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يُغَيِّرْ كِتَابَ اللَّهِ، بَلْ كَانَ قَوَّامًا بِهِ صَوَّامًا، عَامِلًا بِالْحَقِّ.

ثم كتب الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِمَا وَقَعَ، وَبَعَثَ بِرَأْسِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَعَ رَأْسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ وَعُمَارَةَ بْنِ (2) حَزْمٍ إِلَى عَبْدِ الملك، ثمَّ أمرهم إذا مروا بالمدينة أن ينصبوا الرؤوس بِهَا، ثُمَّ يَسِيرُوا بِهَا إِلَى الشَّام، فَفَعَلُوا ما أمرهم به، وأرسل بالرؤوس مع رجل من الأزد فأعطاه عبد الملك خمسمائة دينار، ثم دعا بمقراض فأخذ من ناصيته ونواصي أولاده فرحاً بمقتل ابن الزبير، عليهم من الله ما يستحقون.

ثُمَّ أَمَرَ الْحَجَّاجُ بِجُثَّةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَصُلِبَتْ على ثنية كدا عِنْدَ الْحَجُونِ، يُقَالُ مُنَكَّسَةً، فَمَا زَالَتْ مَصْلُوبَةً، حَتَّى مرَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ يَا أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا آنَ لِهَذَا الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ (3) ؟ فبعث الحجاج فأنزل عن

(1) في ابن الاثير: قتله رجل من مراد.

(2)

في ابن الاثير والطبري: عمارة بن عمرو بن حزم.

(3)

نسب ابن الاعثم 6 / 278 هذا القول إلى اسماء أم الزبير قالته للحجاج في اليوم الثالث لمقتل ابنها، وقابلته تستأذنه في انزاله ودفنه فرفض، ثم رق لها وأمر بانزاله وحمل إليها فصب عليه الماء وحنط وكفن وصلي عليه

ودفن.

(*)

ص: 366