الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَحَاجَزَ النَّاسُ فِي هَذَا الْعَامِ فَلَمْ يَكُنْ بينهم قتال.
وكان على نيابة المدينة جابر بن الأسود بن عوف الزهري من جهة ابن الزبير، وَعَلَى الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ أَخُوهُ مُصْعَبٌ، وَعَلَى مُلْكِ الشام ومصر عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا
مِنَ الْأَعْيَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْأَوْسِيُّ، شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ.
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الخطَّاب الْعَدَوِيُّ، ابْنِ أَخِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ عَنْ نَحْوِ سَبْعِينَ سَنَةً.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ.
عَدِيُّ بْنُ حَاتِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، سَكَنَ الْكُوفَةَ ثُمَّ سكن قوميسيا.
زَيْدُ بْنُ أَرَقَمَ بْنِ زَيْدٍ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ.
وَفِيهَا توفِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانُ القرآن
هو عبد الله بن عبدس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ أَبُو الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِيُّ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَبْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمُفَسِّرُ كِتَابِ اللَّهِ وَتُرْجُمَانُهُ، كَانَ يُقَالُ لَهُ الْحَبْرُ وَالْبَحْرُ، وَرَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا كَثِيرًا، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَخَذَ عَنْهُ خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأُمَمٌ مِنَ التَّابِعَيْنِ، وَلَهُ مُفْرَدَاتٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ لِاتِّسَاعِ عِلْمِهِ وَكَثْرَةِ فَهْمِهِ وَكَمَالِ عَقْلِهِ وَسِعَةِ فَضْلِهِ وَنُبْلِ أَصْلِهِ، رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ.
وَأُمُّهُ أُمُّ الْفَضْلِ لُبَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ أُخْتُ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ والد الخلفاء العباسيين، وهو أخو أخوة عشرة
ذكور من أم الفضل للعباس، وَهُوَ آخِرُهُمْ مَوْلِدًا، وَقَدْ مَاتَ كُلُّ وَاحِدٍ منهم في بلد بعيد عن الآخر كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ.
قَالَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ الْمَكِّيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الشِّعْبِ جَاءَ أُبَيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ له: يَا مُحَمَّدُ أَرَى أُمَّ الْفَضْلِ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى حَمْلٍ، فَقَالَ:" لعلَّ اللَّهَ أَنْ يُقِرَّ أعينكم ".
قال: فلما ولدتني أتى بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي خِرْقَةٍ فَحَنَّكَنِي بِرِيقِهِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا حَنَّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرِيقِهِ غَيْرَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لعلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَيِّضَ وُجُوهَنَا بِغُلَامٍ " فَوَلَدَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: وُلِدَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَامَ الْهِجْرَةِ، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْتُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَنَحْنُ فِي الشِّعْبِ، وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثمَّ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَاحْتَجَّ الْوَاقِدِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ قَدْ نَاهَزَ الْحُلُمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَخْتُونٌ، وَكَانُوا لَا يختنون الغلام حتى يحتلم.
وقال شعبة وهشام وابن عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عبَّاس.
قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا
ابن عشر (1) سنين مختون.
زاد هشام: وَقَدْ جَمَعْتُ الْمُحْكَمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قُلْتُ: وَمَا الْمُحْكَمُ؟ قَالَ: الْمُفَصَّلُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عبَّاس قَالَ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَخْتُونٌ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَيُؤَيِّدُهُ صِحَّةُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عبَّاس قال: أقبلت راكباً على أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ في الصف، فلم ينكر عليّ ذلك أَحَدٌ.
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، كَانَتْ أُمِّي مِنَ النِّسَاءِ وَكُنْتُ أَنَا مِنَ الْوِلْدَانِ، وَهَاجَرَ مع أبيه الْفَتْحِ، فَاتَّفَقَ لُقْيَاهُمَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْجُحْفَةِ، وَهُوَ ذَاهِبٌ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَشَهِدَ الْفَتْحَ وَحُنَيْنًا وَالطَّائِفَ عَامَ ثَمَانٍ، وَقِيلَ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ
سَنَةَ عَشْرٍ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ وَلَزِمَهُ، وَأَخَذَ عَنْهُ وَحَفِظَ وَضَبَطَ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ وَالْأَحْوَالَ، وَأَخَذَ عَنِ الصَّحَابَةِ عِلْمًا عَظِيمًا مَعَ الْفَهْمِ الثَّاقِبِ، وَالْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْجَمَالِ وَالْمَلَاحَةِ، وَالْأَصَالَةِ وَالْبَيَانِ، وَدَعَا لَهُ رَسُولُ الرَّحْمَنِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ الْأَرْكَانِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " دَعَا له بأن يعلمه التَّأْوِيلَ، وَأَنْ يُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ ".
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي سَاعِدَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّه قَالَ: إنَّ عُمَرَ كَانَ يَدْعُو عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَيُقَرِّبُهُ وَيَقُولُ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاكَ يَوْمًا فَمَسَحَ رَأْسَكَ وَتَفَلَ فِي فِيكَ وَقَالَ: " اللَّهم فقِّهه فِي الدِّين، وعلِّمه التَّأْوِيلَ ".
وَبِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَانْشُرْ مِنْهُ ".
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خيثم عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَوَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غُسْلًا، فَقَالَ:" مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ، وَفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ".
وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ ابْنِ خيثم بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بكير بن أبي صفرة، أَبُو يُونُسَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنْ كُرَيْبًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ آخَرِ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَرَّنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى صِلَاتِهِ خَنَسْتُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا انصرف من صلاته قال:" مَا شَأْنِي أَجْعَلُكَ فِي حِذَائِي فَتَخْنِسُ "(2) ؟ فَقُلْتُ: يا رسول الله أو ينبغي لأحد أن يصلي في حذائك وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ عز وجل؟ قال: فأعجبته
(1) قال ابن حجر في الاصابة 2 / 330: قوله ان عشر سنين محمول على إلغاء الكسر.
قال: والاثبت قبل الهجرة بثلاث سنين.
وهو يقارب ما في الصَّحيحين.
وقال ابن عبد البر - معلقا على قول أحمد بن حنبل: " والصواب ابن خمس عشرة سنة " -: " وما قاله أهل السير والعلم بأيام الناس عندي أصح والله أعلم وهو قولهم إن ابن عباس كان ابن ثلاث عشرة سنة يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ".
(2)
مسند الإمام أحمد: 1 / 330.
(*)
فَدَعَا اللَّهَ لِي أَنْ يَزِيدَنِي عِلْمًا وَفَهْمًا، قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نام حتى سمعت نفخه، ثُمَّ أَتَاهُ بِلَالٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: الصَّلَاةُ، فَقَامَ فَصَلَّى مَا أَعَادَ وُضُوءًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا ورقاء، وسمعت عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَلَاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وُضُوءًا، فلمَّا خَرَجَ قَالَ مَنْ وَضَعَ ذَا؟ فَقِيلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: اللَّهم فقِّهه فِي الدِّين وعلِّمه التَّأْوِيلَ "(1) .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ أَبِي جَهْضَمٍ مُوسَى بْنِ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا لَهُ بِالْحِكْمَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِالْعِلْمِ، مَرَّتَيْنِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْقَاسِمِ الْهَاشِمِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مصعب بن أبي مَالِكٍ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" رَأَيْتُ جِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ، وَدَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحِكْمَةِ مَرَّتَيْنِ "، ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ أَبُو مَالِكٍ النَّخَعِيُّ عَبْدُ الْمَلِكِ بن حسين.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: " ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ قَالَ: " ضَمَّنِي إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ "(2) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ والتِّرمذي وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ وَهُوَ ابْنُ مِهْرَانَ الحذَّاء عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، ثنا حسين بن عبد الله بن عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " اللَّهُمَّ أَعْطِ ابْنَ عَبَّاسٍ الْحِكْمَةَ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ "(3) .
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بِنَحْوِ هَذَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْمُتَّصِلُ هُوَ الصَّحِيحُ، فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيِّ، عَنْ أبيه، عن أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبَّاس - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ وَفَقِّهْهُ في الدين ".
(1) مسند الإمام أحمد: ج 1 / 266، 314، 328، 335 وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ السندي في الوضوء (10) باب فتح الباري 1 / 244.
(2)
مسند أحمد 1 / 359 وأخرجه البخاري في فضائل الصحابة (24) باب.
ح (3756) فتح الباري 7 / 100 وقوله صلى الله عليه وسلم علمه الحكمة: اختلفوا في المراد بالحكمة فقيل: الاصابة في القول، وقيل الفهم عن الله، وقيل ما يشهد العقل بصحته، وقيل نور يفرق به بين الالهام والوسواس، وقيل سرعة الجواب بالصواب وقيل غير ذلك.
(3)
مسند أحمد 1 / 269 وانظر الحاشية السابقة.
(*)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ وَعَفَّانُ الْمَعْنَى قَالَا: ثَنَا حَمَّادٌ، ثَنَا عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: " كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ، قَالَ عَفَّانُ: وَهُوَ كَالْمُعْرِضِ عَنِ الْعَبَّاسِ، فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَقَالَ العباس: ألم أر ابْنِ عَمِّكَ كَالْمُعْرِضِ عَنِّي؟ فَقُلْتُ: إِنَّهُ كَانَ عنده رجل يناجيه، قال عفان قال عباس: أو كان عِنْدَهُ أَحَدٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ كَانَ عِنْدَكَ أَحَدٌ آنفاً؟ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَكَ رجل يناجيك، قَالَ: هَلْ رَأَيْتَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ ذَاكَ جِبْرِيلُ عليه السلام (1) وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْمَهْدِيِّ عَنْ آبَائِهِ، وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: " أَمَا إِنَّكَ سَتُصَابُ فِي بصرك ".
وكان كَذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ صِفَةٍ أُخْرَى لِرُؤْيَتِهِ جِبْرِيلَ رَوَاهَا قُتَيْبَةُ عَنِ الدَّراورديّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ أنَّ الْعَبَّاسَ بَعَثَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ فِي حَاجَةٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلًا فَرَجَعَ وَلَمْ يكلِّمه مِنْ أَجْلِ مكان ذلك الرَّجل، فلقي العبَّاس بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ العبَّاس: يا رسول الله أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ ابْنِي فَوَجَدَ عِنْدَكَ رَجُلًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَكَ فَرَجَعَ وَرَاءَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" يَا عَمِّ تَدْرِي مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: لَا! قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ، وَلَنْ يَمُوتَ ابْنُكَ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُهُ وَيُؤْتَى عِلْمًا "(2) .
وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ كَذَلِكَ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى.
وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضَائِلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا هُوَ مُنْكَرٌ جِدًّا أَضْرَبْنَا عَنْ كَثِيرٍ مِنْهَا صَفْحًا، وَذَكَرْنَا مَا فيه مقنع وكفاية عما سواه.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي بِمَرْوَ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ محمد، أنبأ يزيد بن هارون، أنبأ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ رسول الله فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ، فَقَالَ: يَا عَجَبًا لَكَ يا بن عَبَّاسٍ! ! أَتَرَى النَّاسَ يَفْتَقِرُونَ إِلَيْكَ وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ فِيهِمْ؟ قَالَ: فَتَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلْتُ أَنَا أَسْأَلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِي بَابَهُ وَهُوَ قَائِلٌ فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ يَسْفِي الرِّيحُ عَلَيَّ مِنَ التُّرَابِ، فيخرج فيراني فيقول: يا بن عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ مَا جَاءَ بِكَ؟ هَلَّا
(1) مسند أحمد 1 / 294، 312 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 276 وقال: رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجالهما رجال الصحيح.
ورواه البيهقي في الدلائل 7 / 75.
(2)
رواه البيهقي في الدلائل 6 / 478، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 276 وعزاه للطبراني وقال:" فيه من لم أعرفه ".
(*)
أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟ فَأَقُولُ: لَا! أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ، قَالَ: فَأَسْأَلُهُ عَنِ الْحَدِيثِ، قَالَ: فَعَاشَ هَذَا الرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ حَتَّى رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ حَوْلِي النَّاسُ يَسْأَلُونِي، فَيَقُولُ: هَذَا الْفَتَى كَانَ أَعْقَلَ مِنِّي ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدْتُ عَامَّةَ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأنصار، إن كنت لأقبل بِبَابِ أَحَدِهِمْ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي عليه لأذن لي، وَلَكِنْ أَبْتَغِي بِذَلِكَ طِيبَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بن سعد: أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَلْزَمُ الْأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَأَسْأَلُهُمْ عَنْ
مَغَازِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ لَا آتِي أَحَدًا منهم إلا سر بإتياني إليه، لِقُرْبِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلْتُ أَسْأَلُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَوْمًا - وَكَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ - عَمَّا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: نَزَلَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ سورة وسائرها مكي.
وَقَالَ أَحْمَدُ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: عَامَّةُ عِلْمِ ابْنِ عبَّاس مِنْ ثَلَاثَةٍ، مِنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَقَالَ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّه قَالَ: إنَّ كنت لأسأل عن الأمر الواحد من ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّى أَصَبْتَ هَذَا الْعِلْمَ؟ قال: بلسان سؤول، وَقَلْبٍ عَقُولٍ.
وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يُجْلِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ مَعَ مَشَايِخِ الصَّحَابَةِ وَيَقُولُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَكَانَ إِذَا أَقْبَلَ يَقُولُ عُمَرُ: جاء فتى الكهول، وذو اللسان السؤول، وَالْقَلْبِ الْعُقُولِ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ الصَّحَابَةَ عَنْ تَفْسِيرِ: * (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) * [النصر: 1] فَسَكَتَ بَعْضٌ وَأَجَابَ بَعْضٌ بِجَوَابٍ لَمْ يَرْتَضِهِ عُمَرُ، ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهَا فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُعي إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَا أعلم منها إلا بما تَعْلَمُ، وَأَرَادَ عُمَرُ بِذَلِكَ أَنْ يُقَرِّرَ عِنْدَهُمْ جَلَالَةَ قَدْرِهِ، وَكَبِيرَ مَنْزِلَتِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ (1) .
وَسَأَلَهُ مَرَّةً عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَاسْتَنْبَطَ أَنَّهَا في السَّابِعَةِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فَاسْتَحْسَنَهُ عُمَرُ وَاسْتَجَادَهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ.
وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بن جبير عن عمر أنه قال لِابْنِ عبَّاس: لَقَدْ عَلِمْتَ عِلْمًا مَا عَلِمْنَاهُ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ عُمَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ لَأَصْبَحُ فِتْيَانِنَا وَجْهًا، وَأَحْسَنُهُمْ عَقْلًا، وَأَفْقَهُهُمْ فِي كتاب الله عز وجل.
وقال مجاهد عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لي أبي: إن عمر يُدْنِيكَ وَيُجْلِسُكَ مَعَ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلَاثًا، لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا، وَلَا يُجَرِّبَنَّ عَلَيْكَ كَذِبًا.
قَالَ
(1) أخرجه البخاري في كتاب التفسير (4) باب.
ح (4970) فتح الباري 8 / 734 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(*)
الشَّعْبِيُّ: قُلْتُ لِابْنِ عبَّاس: كُلُّ وَاحِدَةٍ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ، فَقَالَ ابْنُ عبَّاس: بَلْ كُلُّ وَاحِدَةٍ خَيْرٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حدَّثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يَدْعُوَانِ ابْنَ عباس فيسير مَعَ أَهْلِ بَدْرٍ، وَكَانَ يُفْتِي فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ إِلَى يَوْمِ مَاتَ.
قُلْتُ: وَشَهِدَ فَتْحَ إِفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَقَالَ الزُّهري عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَظَرَ أَبِي إِلَى ابْنِ عبَّاس يَوْمَ الْجَمَلِ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَالَ: أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَ مَنْ لَهُ ابْنُ عَمٍّ مِثْلُ هَذَا، وَقَدْ شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ الْجَمَلَ وَصِفِّينَ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَيْسَرَةِ، وَشَهِدَ مَعَهُ قِتَالَ الْخَوَارِجِ وَكَانَ مِمَّنْ أَشَارَ عَلَى عَلِيٍّ أَنْ يَسْتَنِيبَ مُعَاوِيَةَ عَلَى الشَّامِ، وَأَنْ لَا يَعْزِلَهُ عَنْهَا فِي بَادِئِ الْأَمْرِ، حَتَّى قَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ عَزْلَهُ فَوَلِّهِ شَهْرًا وَاعْزِلْهُ دَهْرًا، فَأَبَى عَلِيٌّ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَكَانَ مَا كَانَ مِمَّا قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ.
وَلَمَّا تَرَاوَضَ الْفَرِيقَانِ عَلَى تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ طَلَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ عَلِيٍّ لِيُكَافِئَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَامْتَنَعَتْ مَذْحِجُ وَأَهْلُ الْيَمَنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جهة علي أبو موسى الأشعري، وكان من أمر الحكمين ما سلف.
وَقَدِ اسْتَنَابَهُ عَلِيٌّ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَأَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَخَطَبَ بِهِمْ فِي عَرَفَاتٍ خُطْبَةً وَفَسَّرَ فِيهَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ سُورَةَ النُّورِ، قَالَ مَنْ سَمِعَهُ: فَسَّرَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لَوْ سَمِعَتْهُ الرُّوم والتُّرك والدَّيلم لَأَسْلَمُوا.
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَرَّفَ بِالنَّاسِ فِي الْبَصْرَةِ، فَكَانَ يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَيَجْتَمِعُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ حَوْلَهُ فَيُفَسِّرُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الْمَغْرِبَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ: هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَعْمَلْهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَحَدٌ من أصحابه إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ ذِكْرِ اللَّهِ وَمُوَافَقَةِ الْحُجَّاجِ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ عبَّاس يَنْتَقِدُ عَلَى عَلِيٍّ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ نَاسًا ارْتَدَوْا عَنِ الْإِسْلَامِ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لو كنت أنا لم أحرقهم بِالنَّارِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:" لا تعذبوا بعذاب الله " بل كنت قَاتِلَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ".
فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ
عَبَّاسٍ (1) ، وَفِي رِوَايَةٍ وَيْحَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهُ لَغَوَّاصٌ عَلَى الْهَنَاتِ وَقَدْ كَافَأَهُ عَلِيٌّ فَإِنَّ ابْنَ عبَّاس كَانَ يرى إباحة المتعة، وأنها باقية، وتحليل الحمر الأنسية، فقال عَلِيٌّ: إِنَّكَ امْرُؤٌ تَائِهٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخْرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَهُ ألفظ هَذَا مِنْ أَحْسَنِهَا وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ الْمُؤَمِّلِ يَقُولُ: سمعت أبا
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 1 / 217، 220، 282.
(*)
نَصْرِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ يَقُولُ: وَرَدَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْبَصْرَةِ فَسَأَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَكَانَ علي خلفه بِهَا - فَقَالَ صَعْصَعَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ آخِذٌ بِثَلَاثٍ وَتَارِكٌ لِثَلَاثٍ آخِذٌ بِقُلُوبِ الرِّجَالِ إِذَا حَدَّثَ، وَبِحُسْنِ الِاسْتِمَاعِ إِذَا حُدث وَبِأَيْسَرِ الأمرين إذا خولف.
وتر؟ الْمِرَاءِ وَمُقَارَنَةِ اللَّئِيمِ، وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عن موسى بن سعيد، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْضَرَ فَهْمًا وَلَا أَلَبَّ لُبًّا وَلَا أَكْثَرَ عِلْمًا، وَلَا أَوْسَعَ حِلْمًا مِنَ ابْنِ عبَّاس، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ يَدْعُوهُ لِلْمُعْضِلَاتِ ثُمَّ يَقُولُ عِنْدَكَ قَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ، ثُمَّ لَا يُجَاوِزُ قَوْلَهُ، وَإِنَّ حَوْلَهُ لَأَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَدْرَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْنَانَنَا مَا عَشَّرَهُ مِنَّا أَحَدٌ.
وَكَانَ يَقُولُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عبَّاس، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ حِينَ بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَفَّقَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى: مَاتَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَحْلَمُ النَّاسِ، وَقَدْ أُصِيبَتْ بِهِ هذه الامة مصيبة لَا تُرْتَقُ.
وَبِهِ إِلَى يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.
قَالَ: لَمَّا مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: مَاتَ الْيَوْمَ مَنْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَن بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي
الْعِلْمِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو: عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يقول مات وَاللَّهِ أَفْقَهُ مَنْ مَاتَ وَمَنْ عَاشَ، وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ على معاوية حين كان الصلح وهو أول مَا الْتَقَيْتُ أَنَا وَهُوَ، فَإِذَا عِنْدَهُ أُنَاسٌ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنِ عَبَّاسٍ، مَا تَحَاكَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ كَانَ أَعَزَّ عَلَيَّ بُعْدًا وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ قُرْبًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ عَلِيًّا، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُذَمُّ فِي قَضَائِهِ، وَغَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَحْسَنُ منه، ثم قلت له: أُحِبُّ أَنْ تُعْفِيَنِي مِنِ ابْنِ عَمِّي وَأُعْفِيَكَ مِنِ ابْنِ عَمِّكَ، قَالَ: ذَلِكَ لَكَ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ حِينَ حَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالنَّاسِ: هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْمَنَاسِكِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: رَكِبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَخْذَ ابن عباس بركابه فقال: لا تفعل يا بْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا فقال زيد: أنى يداك؟ فأخرج يديه فقبّلهما فقال: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا.
وقال الواقدي: حدثني دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ سَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ النَّاسِ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ.
قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ فات الناس بخصال، بعلم ما سبق إليه، وَفِقْهٍ فِيمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ مِنْ رَأْيِهِ، وَحِلْمٍ وَنَسَبٍ وَنَائِلٍ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَعْلَمَ بِمَا سَبَقَهُ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ، وَلَا بِقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مِنْهُ، وَلَا أَفْقَهَ فِي رَأْيٍ مِنْهُ، وَلَا أَعْلَمَ بِشِعْرٍ وَلَا عَرَبِيَّةٍ وَلَا تفسير
الْقُرْآنِ وَلَا بِحِسَابٍ وَلَا بِفَرِيضَةٍ مِنْهُ، وَلَا أعلم فيما مضى ولا أثقب رَأْيًا فِيمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلَقَدْ كَانَ يَجْلِسُ يَوْمًا مَا يَذْكُرُ فِيهِ إِلَّا الْفِقْهَ، ويوماً ما يذكر فيه إلا التأويل، ويوماً ما يذكر فيه إلا الْمَغَازِيَ، وَيَوْمًا الشِّعْرَ، وَيَوْمًا أَيَّامَ الْعَرَبِ، وَمَا رَأَيْتُ عَالِمًا قَطُّ جَلَسَ إِلَيْهِ إِلَّا خَضَعَ له، ولا وجدت سائلاً سَأَلَهُ إِلَّا وَجَدَ عِنْدَهُ عِلْمًا.
قَالَ: وَرُبَّمَا حَفِظْتُ الْقَصِيدَةَ مِنْ فِيهِ يَنْشِدُهَا ثَلَاثِينَ بَيْتًا.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ قُطُّ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا رَأَيْتُ مَجْلِسًا أَكْرَمَ مِنْ مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَكْثَرَ فِقْهًا، وَلَا أَعْظَمَ هَيْبَةً، أَصْحَابُ الْقُرْآنِ يَسْأَلُونَهُ، وَأَصْحَابُ الْعَرَبِيَّةِ
يَسْأَلُونَهُ، وَأَصْحَابُ الشِّعْرِ عنه يسألونه، فكلهم يصدر في وادٍ أوسع.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ: كَانَ ابن عبَّاس قد يسبق على النَّاس في العلم كما تسبق النَّخْلَةُ السَّحُوقُ عَلَى الْوَدِيِّ الصِّغَارِ.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لِمَ لَزِمْتَ هَذَا الْغُلَامَ؟ - يَعْنِي ابْنَ عبَّاس - وَتَرَكْتَ الْأَكَابِرَ مِنَ الصَّحَابَةِ؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنَ الصحابة إذا تماروا في شئ صَارُوا إِلَى قَوْلِهِ، وَقَالَ طَاوُسٌ أَيْضًا: مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ، قَالَ وَمَا خَالَفَهُ أَحَدٌ قَطُّ فَتَرَكَهُ حَتَّى يُقَرِّرَهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَلَقَدْ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَإِنَّهُ لَحَبْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ - يَعْنِي ابْنَ عبَّاس - وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بن أبي شيبة وغيره: من أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَدَّهُمْ قَامَةً، وَأَعْظَمَهُمْ جَفْنَةً، وأوسعهم علماً.
وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلساً أجمع لكل خير من مجلسه - يعني ابْنِ عبَّاس - الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَتَفْسِيرُ الْقُرْآنِ وَالْعَرَبِيَّةُ والشعر والطعام.
وقال مجاهد: ما رأيت أعرب لساناً من ابن عبَّاس، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: ثَنَا عفَّان بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التيمي - وهو ممن أرسله الحكم بن أديب - إلى الحسن سأله عن أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِالنَّاسِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يوم عرفه؟ قال: ابن عباس، وكان رجلاً مثجى - أَحْسَبُ فِي الْحَدِيثِ - كَثِيرَ الْعِلْمِ، وَكَانَ يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَيُفَسِّرُهَا آيَةً آيَةً.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوُهُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ: رَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بَكْرِ الْهُذَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَنْ عَرَّفَ بِالْبَصْرَةِ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فَفَسَّرَهُمَا حَرْفًا حَرْفًا.
مثجى: قال ابن قتيبة مثجى من الثج وهو السيلان، قال تَعَالَى: * (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً) * [النبأ: 14] وَقِيلَ كَثِيرًا بِسُرْعَةٍ: وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ ابْنِ عبَّاس مَجْلِسًا لَوْ أَنَّ جَمِيعَ قُرَيْشٍ فَخَرَتْ بِهِ لَكَانَ لها به الفخر، لقد رأيت الناس اجتمعوا على بابه حَتَّى ضَاقَ بِهِمُ الطَّرِيقُ، فَمَا كَانَ أَحَدٌ يقدر أن يجئ ولا أن يَذْهَبَ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَكَانِهِمْ عَلَى بَابِهِ، فَقَالَ لِي: ضَعْ لِي وَضَوْءًا، قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَجَلَسَ
وَقَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ لَهُمْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ وَحُرُوفِهِ وَمَا أُرِيدَ مِنْهُ فَلْيَدْخُلْ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شئ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ عَنْهُ وَزَادَهُمْ
مِثْلَ مَا سَأَلُوا عَنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانَكُمْ، فَخَرَجُوا.
ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ والفقه فليدخل، قال فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شئ إلا أخبرهم به وزادهم مثله أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ قَالَ إِخْوَانَكُمْ فَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ اخْرُجْ فَقُلْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يسأل عن الفرائض وما أشبهها، فليدخل، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شئ إلا أخبرهم وزادهم مثله أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانَكُمْ فَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ وَالْغَرِيبِ مِنَ الْكَلَامِ فليدخل، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة فما سألوه عن شئ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَهُ، ثمَّ قَالَ إخوانكم فخرجوا، قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشًا كُلَّهَا فَخَرَتْ بِذَلِكَ لَكَانَ فَخْرًا، فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاس.
وَقَالَ طَاوُسٌ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: مَا رَأَيْنَا أَوْرَعَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ وَلَا أَفْقَهَ مِنَ ابْنِ عبَّاس، قَالَ مَيْمُونٌ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَفْقَهَهُمَا، وَقَالَ شُرَيْكٌ الْقَاضِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ أَجْمَلُ النَّاسِ، فَإِذَا نَطَقَ قُلْتُ أَفْصَحُ النَّاسِ، فَإِذَا تَحَدَّثَ قُلْتُ أَعْلَمُ النَّاسِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عن الزبير بن الحارث، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمَهُمَا بِالْقُرْآنِ، وَكَانَ عَلِيٌّ أَعْلَمَهُمَا بِالْمُبْهَمَاتِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: إِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ عبَّاس كَانَ قَدْ أَخَذَ مَا عِنْدَ عَلِيٍّ مِنَ التَّفْسِيرِ، وَضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مَا أَخَذَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وأبيَّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ.
مَعَ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ.
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: خَطَبَ ابْنُ عبَّاس وَهُوَ عَلَى الموسم فافتتح سورة البقرة فجعل يقرأها ويفسرها فَجَعَلْتُ أَقُولُ مَا رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ كَلَامَ رَجُلٍ مِثْلَهِ، لَوْ سَمِعَتْهُ فَارِسُ وَالرُّومُ
لَأَسْلَمَتْ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَجَّ بِالنَّاسِ عَامَ قَتْلِ عثمان فقرأ سورة النور وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، فَلَعَلَّ الْأَوَّلَ كَانَ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ فَقَرَأَ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفِي فِتْنَةِ عُثْمَانَ سُورَةَ النُّورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَرَضْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عبَّاس مرتين أقف عند كل آية فأسأل عَنْهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ مِنَ القرآن لا أدري ما به جئ، الْأَوَّاهُ، وَالْحَنَّانُ، وَالرَّقِيمُ، وَالْغِسْلِينُ.
وَكُلُّ الْقُرْآنِ أَعْلَمُهُ إِلَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وهي السُّنَّةِ قَالَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَقُلْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَجَدَهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ بِهَا، وَإِلَّا اجْتَهَدَ رَأْيَهُ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو عاصم وعبد الرحمن بن الشَّعْبِيُّ، عَنْ كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ.
قَالَ: شَتَمَ رَجُلٌ ابْنَ عباس فقال له: إنك لتشتمني وفيَّ ثلاث خصال،