الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَتْحُ سَمَرْقَنْدَ
وَذَلِكَ أَنَّ قُتَيْبَةَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَعَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى بِلَادِهِ، قَالَ لَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ: إِنَّ أَهْلَ الصُّغْدِ قَدْ أَمِنُوكَ عَامَكَ هَذَا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَعْدِلَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَإِنَّكَ مَتَى فَعَلْتَ ذَلِكَ أَخَذْتَهَا إِنْ كُنْتَ تُرِيدُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ. فَقَالَ قُتَيْبَةُ لِذَلِكَ الْأَمِيرِ: هَلْ قُلْتَ هَذَا لِأَحَدٍ؟ قَالَ:
لَا! قَالَ فلأن يَسْمَعْهُ مِنْكَ أَحَدٌ أَضْرِبْ عُنُقَكَ. ثُمَّ بَعَثَ قُتَيْبَةُ أَخَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُسْلِمٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا فَسَبَقَهُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، وَلَحِقَهُ قُتَيْبَةُ فِي بَقِيَّةِ الْجَيْشِ، فَلَمَّا سَمِعَتِ الْأَتْرَاكُ بِقُدُومِهِمْ إِلَيْهِمُ انْتَخَبُوا مِنْ بَيْنِهِمْ كُلَّ شَدِيدِ السَّطْوَةِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ، وَأَمَرُوهُمْ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى قُتَيْبَةَ فِي اللَّيْلِ فَيَكْبِسُوا جَيْشَ الْمُسْلِمِينَ، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى قُتَيْبَةَ بِذَلِكَ فَجَرَّدَ أَخَاهُ صَالِحًا فِي سِتِّمِائَةِ فَارِسٍ مِنَ الْأَبْطَالِ الَّذِينَ لَا يُطَاقُونَ، وَقَالَ: خُذُوا عَلَيْهِمُ الطَّرِيقَ، فَسَارُوا فَوَقَفُوا لَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وتفرقوا ثلاث فرق، فلما اجتازوا بهم بالليل- وهم لا يشعرون بهم- نادوا عليهم فاقتتل المسلمون هُمْ وَإِيَّاهُمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْ أُولَئِكَ الْأَتْرَاكِ إِلَّا النَّفَرُ الْيَسِيرُ وَاحْتَزُّوا رُءُوسَهُمْ وَغَنِمُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْأَسْلِحَةِ الْمُحَلَّاةِ بِالذَّهَبِ، وَالْأَمْتِعَةِ، وَقَالَ لَهُمْ بَعْضُ أُولَئِكَ: تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ لَمْ تَقْتُلُوا فِي مَقَامِكُمْ هَذَا إِلَّا ابْنَ مَلِكٍ أو بطل مِنَ الْأَبْطَالِ الْمَعْدُودِينَ بِمِائَةِ فَارِسٍ أَوْ بِأَلْفِ فَارِسٍ، فَنَفَلَهُمْ قُتَيْبَةُ جَمِيعَ مَا غَنِمُوهُ مِنْهُمْ من ذهب وسلاح، واقترب مِنَ الْمَدِينَةِ الْعُظْمَى الَّتِي بِالصُّغْدِ- وَهِيَ سَمَرْقَنْدُ- فَنَصَبَ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ فَرَمَاهَا بِهَا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُقَاتِلُهُمْ لَا يُقْلِعُ عَنْهُمْ، وَنَاصَحَهُ مَنْ معه عليها من بُخَارَى وَخَوَارِزْمَ، فَقَاتَلُوا أَهْلَ الصُّغْدِ قِتَالًا شَدِيدًا، فأرسل إليه غورك ملك الصغد: إنما تقاتلني بإخواني وأهل بيتي، فاخرج إلى في الْعَرَبَ. فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ قُتَيْبَةُ وَمَيَّزَ الْعَرَبَ مِنَ الْعَجَمِ وَأَمَرَ الْعَجَمَ بِاعْتِزَالِهِمْ، وَقَدَّمَ الشُّجْعَانَ مِنَ الْعَرَبِ وَأَعْطَاهُمْ جَيِّدَ السِّلَاحِ، وَانْتَزَعَهُ مِنْ أَيْدِي الْجُبَنَاءِ، وَزَحَفَ بِالْأَبْطَالِ عَلَى الْمَدِينَةِ وَرَمَاهَا بالمجانيق، فثلم فيها ثلمة فسدها الترك بغرار الدُّخْنِ، وَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَوْقَهَا فَجَعَلَ يَشْتُمُ قُتَيْبَةَ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِسَهْمٍ فَقَلَعَ عَيْنَهُ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ قَفَاهُ. فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ قَبَّحَهُ اللَّهُ، فَأَعْطَى قُتَيْبَةُ الَّذِي رَمَاهُ عَشَرَةَ آلَافٍ، ثُمَّ دَخَلَ اللَّيْلُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَمَاهُمْ بِالْمَجَانِيقِ فَثَلَمَ أَيْضًا ثُلْمَةً وَصَعِدَ الْمُسْلِمُونَ فَوْقَهَا، وَتَرَامَوْا هُمْ وَأَهْلُ الْبَلَدِ بِالنُّشَّابِ، فَقَالَتِ التَّرْكُ لِقُتَيْبَةَ: ارْجِعْ عَنَّا يَوْمَكَ هَذَا وَنَحْنُ نُصَالِحُكَ غَدًا، فَرَجَعَ عَنْهُمْ وَصَالَحُوهُ مِنَ الْغَدِ عَلَى أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَةِ أَلْفٍ يَحْمِلُونَهَا إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَعَلَى أَنْ يُعْطُوهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ رَأْسٍ مِنَ الرَّقِيقِ، لَيْسَ فِيهِمْ صَغِيرٌ وَلَا شَيْخٌ وَلَا عَيْبٌ، وَفِي رِوَايَةٍ مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ رَقِيقٍ، وَعَلَى أَنْ يَأْخُذَ حِلْيَةَ الْأَصْنَامِ وَمَا فِي بُيُوتِ النِّيرَانِ، وَعَلَى أَنْ يُخْلُوا الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ حَتَّى يَبْنِيَ فِيهَا قُتَيْبَةُ مَسْجِدًا، وَيُوضَعُ لَهُ فِيهِ مِنْبَرٌ يَخْطُبُ عَلَيْهِ، وَيَتَغَدَّى وَيَخْرُجُ. فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَهَا قُتَيْبَةُ دَخَلَهَا وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنَ الْأَبْطَالِ- وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بُنِيَ الْمَسْجِدُ
وَوُضِعَ فِيهِ الْمِنْبَرُ- فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَخَطَبَ وَتَغَدَّى وَأُتِيَ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي لَهُمْ فَسُلِبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأُلْقِيَتْ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، حَتَّى صَارَتْ كالقصر العظيم، ثم أمر بتحريقها، فتصارخوا وتباكوا وَقَالَ الْمَجُوسُ: إِنَّ فِيهَا أَصْنَامًا قَدِيمَةً مَنْ أحرقها هلك، وجاء الملك غورك فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ لِقُتَيْبَةَ:
إِنِّي لَكَ ناصح، فقام قتيبة وأخذ في يده شعلة نار وقال: أنا أحرقها بيدي فيكدونى جميعا ثم لا تنظرون، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا وَهُوَ يُكَبِّرُ اللَّهَ عز وجل، وَأَلْقَى فِيهَا النَّارَ فَاحْتَرَقَتْ، فَوَجَدَ مِنْ بقايا ما كان فيها من الذهب خمسون أَلْفَ مِثْقَالٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَصَابَ قُتَيْبَةُ فِي السَّبْيِ جَارِيَةً مِنْ ولد يزدجرد، فَأَهْدَاهَا إِلَى الْوَلِيدِ فَوَلَدَتْ لَهُ يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، ثُمَّ اسْتَدْعَى قُتَيْبَةُ بِأَهْلِ سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي لَا أُرِيدُ مِنْكُمْ أَكْثَرَ مِمَّا صَالَحْتُكُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ جُنْدٍ يُقِيمُونَ عِنْدَكُمْ مِنْ جِهَتِنَا.
فَانْتَقَلَ عَنْهَا مَلِكُهَا غورك خَانَ فَتَلَا قُتَيْبَةُ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى 53: 50- 51 الْآيَاتِ ثُمَّ ارْتَحَلَ عَنْهَا قُتَيْبَةُ إِلَى بِلَادِ مَرْوَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى سَمَرْقَنْدَ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بن مسلم، وقال له: لا تدع مُشْرِكًا يَدْخُلُ بَابَ سَمَرْقَنْدَ إِلَّا مَخْتُومَ الْيَدِ، ثُمَّ لَا تَدَعْهُ بِهَا إِلَّا مِقْدَارَ مَا تَجِفُّ طِينَةُ خَتْمِهِ، فَإِنْ جَفَّتْ وَهُوَ بِهَا فأقتله، ومن رأيت مِنْهُمْ وَمَعَهُ حَدِيدَةٌ أَوْ سِكِّينَةٌ فَاقْتُلْهُ بِهَا، وإذا أغلقت الباب فوجدت بها أحدا فَاقْتُلْهُ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ كَعْبٌ الْأَشْقَرِيُّ- وَيُقَالُ هِيَ لِرَجُلٍ مِنْ جُعْفِيٍّ: -
كُلَّ يَوْمٍ يَحْوِي قُتَيْبَةُ نَهْبًا
…
وَيَزِيدُ الْأَمْوَالَ مَالًا جَدِيدَا
بَاهِلِيٌّ قَدْ أُلْبِسَ التَّاجَ حَتَّى
…
شَابَ مِنْهُ مَفَارِقٌ كُنَّ سُودَا
دَوَّخَ الصُّغْدَ بِالْكَتَائِبِ حَتَّى
…
تَرَكَ الصُّغْدَ بِالْعَرَاءِ قُعُودَا
فَوَلِيدٌ يَبْكِي لِفَقْدِ أَبِيهِ
…
وَأَبٌ مُوجَعٌ يُبَكِّي الْوَلِيدَا
كُلَّمَا حَلَّ بَلْدَةً أَوْ أَتَاهَا
…
تَرَكَتْ خَيْلُهُ بِهَا أُخْدُودَا
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ نَائِبَ بِلَادِ الْمَغْرِبِ مَوْلَاهُ طَارِقًا عَنِ الْأَنْدَلُسِ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ إِلَى مَدِينَةِ طُلَيْطِلَةَ فَفَتَحَهَا فَوَجَدَ فِيهَا مَائِدَةَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام، وَفِيهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْجَوَاهِرِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا، فَبَعَثُوا بِهَا إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فما وصلت إليه حتى مات وتولى أخوه سليمان بن عبد الملك، فوصلت مائدة سليمان عليه السلام إلى سليمان على ما سيأتي بيانه في موضعه، وكان فيها ما يبهر العقول، لم ير منظر أحسن منها. واستعمل موسى بن نصير مكان مولاه ولده عبد العزيز بن موسى بن نصير. وفيها بعث موسى بن نصير العساكر وبثها في بلاد المغرب، فافتتحوا مدنا كثيرة من جزيرة الأندلس منها قرطبة وطنجة، ثم سار موسى بنفسه إلى غرب الأندلس فافتتح مدينة باجة والمدينة البيضاء وغيرهما من المدن الكبار والأقاليم، ومن القرى والرساتيق شيء كثير، وكان لا يأتى مدينة فيبرح عنها حتى يفتحها أو ينزلوا على حكمه، وجهز البعوث والسرايا غربا
وشرقا وشمالا، فجعلوا يفتتحون المغرب بلدا بلدا، وإقليما إقليما، ويغنمون الأموال ويسبون الذراري والنساء، ورجع موسى بن نصير بغنائم وأموال وتحف لا تحصى ولا تعد كثرة.
وَفِيهَا قَحَطَ أَهْلُ إِفْرِيقِيَّةَ وَأَجْدَبُوا جَدْبًا شَدِيدًا، فَخَرَجَ بِهِمْ مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ يَسْتَسْقِي بِهِمْ، فَمَا زَالَ يَدْعُو حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ عَنِ الْمِنْبَرِ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَدْعُو لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ:
لَيْسَ هَذَا الموضع موضع ذاك، فلما قال هذه المقالة أرسل الله عليهم الغيث فأمطروا مطرا غزيرا وحسن حالهم، وأخصبت بلادهم. وَفِيهَا ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ خُبَيْبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ خَمْسِينَ سَوْطًا بأمر الوليد له في ذلك، وَصَبَّ فَوْقَ رَأْسِهِ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ في يوم شتاء بارد، وأقامه على باب المسجد يوم ذلك فمات رحمه الله. وكان عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ مَوْتِ خُبَيْبٍ شَدِيدَ الْخَوْفِ لَا يَأْمَنُ، وَكَانَ إِذَا بُشِّرَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ يَقُولُ: وَكَيْفَ وَخُبَيْبٌ لِي بِالطَّرِيقِ؟ وَفِي رِوَايَةٍ يَقُولُ هَذَا إِذَا لم يكن خبيب في الطريق، ثُمَّ يَصِيحُ صِيَاحَ الْمَرْأَةِ الثَّكْلَى، وَكَانَ إِذَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ يَقُولُ:
خُبَيْبٌ وَمَا خُبَيْبٌ إِنْ نَجَوْتُ مِنْهُ فَأَنَا بِخَيْرٍ. وَمَا زَالَ عَلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ ضَرَبَ خُبَيْبًا فَمَاتَ فَاسْتَقَالَ وَرَكِبَهُ الْحُزْنُ وَالْخَوْفُ مِنْ حِينِئِذٍ، وَأَخَذَ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَالْبُكَاءِ، وَكَانَتْ تِلْكَ هَفْوَةً مِنْهُ وَزَلَّةً، وَلَكِنْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ، مِنْ عِبَادَةٍ وَبُكَاءٍ وَحُزْنٍ وَخَوْفٍ وَإِحْسَانٍ وَعَدْلٍ وَصَدَقَةٍ وَبِرٍّ وَعِتْقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِيهَا افْتَتَحَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ- وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الحجاج بن يوسف- مدينة الدبيل وَغَيْرَهَا مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ وَكَانَ قَدْ وَلَّاهُ الْحَجَّاجُ غَزْوَ الْهِنْدِ وَعُمْرُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَسَارَ فِي الْجُيُوشِ فَلَقُوا الْمَلِكَ دَاهِرَ- وَهُوَ ملك الهند- في جمع عظيم ومعه سبع وَعِشْرُونَ فِيلًا مُنْتَخَبَةً، فَاقْتَتَلُوا فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ وَهَرَبَ الْمَلِكُ دَاهِرُ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَقْبَلَ الْمَلِكُ ومعه خلق كثير جدا فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا فَقُتِلَ الْمَلِكُ دَاهِرُ وَغَالِبُ مَنْ مَعَهُ، وَتَبِعَ الْمُسْلِمُونَ مَنِ انْهَزَمَ مِنَ الْهُنُودِ فَقَتَلُوهُ. ثُمَّ سَارَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ فافتتح مدينة الكبرج وَبَرَّهَا وَرَجَعَ بِغَنَائِمَ كَثِيرَةٍ وَأَمْوَالٍ لَا تُحْصَى كثرة، من الجواهر والذهب وغير ذلك [فكانت سوق الجهاد قائمة في بنى أمية ليس لهم شغل إلا ذلك، قد علت كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وبرها وبحرها، وقد أذلوا الكفر وأهله، وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعبا، لا يتوجه المسلمون إلى قطر من الأقطار إلا أخذوه، وكان في عساكرهم وجيوشهم في الغزو الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين، في كل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه. فقتيبة ابن مسلم يفتح في بلاد الترك، يقتل ويسبى ويغنم، حتى وصل إلى تخوم الصين، وأرسل إلى ملكه يدعوه، فخاف منه وأرسل له هدايا وتحفا وأموالا كثيرة هدية، وبعث يستعطفه مع قوته وكثرة جنده، بحيث إن ملوك تلك النواحي كلها تؤدى إليه الخراج خوفا منه. ولو عاش الحجاج لما أقلع عن بلاد]