الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيطان؟ فقال: إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر. وقال سفيان: سئل الزهري عن الزاهد فقال: من لم يمنع الحلال شكره، ولم يغلب الحرام صبره. وقال سفيان: قالوا للزهري: لو أنك الآن في آخر عمرك أقمت بالمدينة، فقعدت إلى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ودرجت وجلسنا إلى عمود من أعمدته فذكرت الناس وعلمتهم؟ فقال: لو أنى فعلت ذلك لوطئ عقبى، ولا ينبغي لي أن أفعل ذلك حتى أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة. وكان الزهري يحدث أنه هلك في جبال بيت المقدس بضعة وعشرون نبيا، ماتوا من الجوع والعمل. كانوا لا يأكلون إلا ما عرفوا، ولا يلبسون إلا ما عرفوا وكان يقول: العبادة هي الورع والزهد، والعلم هو الحسنة، والصبر هو احتمال المكاره، والدعوة إلى الله على العمل الصالح] [1]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ
بِلَالُ بْنُ سعد
ابن تميم السكونيّ أبو عمرو، وكان من الزُّهَّادِ الْكِبَارِ، وَالْعُبَّادِ الصُّوَّامِ الْقُوَّامِ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ لَهُ صُحْبَةٌ، وَعَنْ جَابِرٍ وابن عمر وأبى الدرداء وغيرهم، وعنه جماعات مِنْهُمْ أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَكْتُبُ عَنْهُ مَا يَقُولُهُ مِنَ الْفَوَائِدِ الْعَظِيمَةِ فِي قَصَصِهِ وَوَعْظِهِ، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ وَاعِظًا قَطُّ مِثْلَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: مَا بَلَغَنِي عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادَةِ مَا بَلَغَنِي عَنْهُ، كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ الْأَصْمَعِيُّ: كَانَ إِذَا نَعَسَ فِي لَيْلِ الشِّتَاءِ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي ثِيَابِهِ فِي الْبِرْكَةِ، فَعَاتَبَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ ماء البركة أهون من عذاب جهنم. وقال الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: كَانَ إِذَا كَبَّرَ فِي الْمِحْرَابِ سَمِعُوا تَكْبِيرَهُ مِنَ الْأَوْزَاعِ. قُلْتُ: وَهِيَ خارج بَابِ الْفَرَادِيسِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ: هُوَ شَامِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: كَانَ أَحَدَ الْعُلَمَاءِ قَاصًّا حَسَنَ الْقِصَصِ، وَقَدِ اتَّهَمَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ بِالْقَدَرِ حتى قَالَ بِلَالٌ يَوْمًا فِي وَعْظِهِ: رُبَّ مَسْرُورٍ مغرور، ورب مغرور لا يشعر، فويل لمن له الويل وهو لا يَشْعُرُ، يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَضْحَكُ، وَقَدْ حَقَّ عَلَيْهِ فِي قَضَاءِ اللَّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فيا ويل لك روحا، يا وَيْلٌ لَكَ جَسَدًا، فَلْتَبْكِ وَلْتَبْكِ عَلَيْكَ الْبَوَاكِي لطول الأبد.
وَقَدْ سَاقَ ابْنُ عَسَاكِرَ شَيْئًا حَسَنًا مِنْ كَلَامِهِ فِي مَوَاعِظِهِ الْبَلِيغَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَاللَّهِ لَكَفَى بِهِ ذَنْبًا أَنَّ اللَّهَ يُزَهِّدُنَا فِي الدُّنْيَا وَنَحْنُ نَرْغَبُ فِيهَا، زَاهِدُكُمْ رَاغِبٌ، وَعَالِمُكُمْ جَاهِلٌ، وَمُجْتَهِدُكُمْ مُقَصِّرٌ.
وَقَالَ أَيْضًا: أَخٌ لَكَ كُلَّمَا لَقِيَكَ ذَكَّرَكَ بِنَصِيبِكَ مِنَ اللَّهِ، وأخبرك بِعَيْبٍ فِيكَ، أَحَبُّ إِلَيْكَ، وَخَيْرٌ لَكَ مِنْ أَخٍ كُلَّمَا لَقِيَكَ وَضَعَ فِي كَفِّكَ دِينَارًا. وَقَالَ أَيْضًا: لَا تَكُنْ وَلِيًّا للَّه فِي العلانية وعدوه في السر ولا تكن عدو إبليس والنفس والشهوات في العلانية وصديقهم فِي السِّرِّ، وَلَا تَكُنْ ذَا وَجْهَيْنِ وَذَا لسانين
[1] زيادة من المصرية.
فَتُظْهِرُ لِلنَّاسِ أَنَّكَ تَخْشَى اللَّهَ لِيَحْمَدُوكَ وَقَلْبُكَ فَاجِرٌ. وَقَالَ أَيْضًا: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَمْ تخلقوا للفناء وإنما خلقتم للبقاء، ولكنكم تنتقلون مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ، كَمَا نُقِلْتُمْ مِنَ الْأَصْلَابِ إِلَى الْأَرْحَامِ، وَمِنَ الْأَرْحَامِ إِلَى الدُّنْيَا، وَمِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْقُبُورِ، وَمِنَ الْقُبُورِ إِلَى الْمَوْقِفِ، وَمِنَ الْمَوْقِفِ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ.
وَقَالَ أَيْضًا: عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَّكُمْ تَعْمَلُونَ فِي أَيَّامٍ قِصَارٍ لِأَيَّامٍ طِوَالٍ، وَفِي دَارِ زَوَالٍ إلى دار مقام، وفي دار حزن ونصب لدار نعيم وخلود، فمن لم يعمل على يقين فلا تنفعن، عِبَادَ الرَّحْمَنِ لَوْ قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاكُمُ الْمَاضِيَةُ لكان فيما تستقبلون لكم شغلا، ولو عملتم بما تعلمون لكان لكم مقتدا وملتجا، عباد الرحمن إماما وكلتم بِهِ فَتُضَيِّعُونَهُ، وَأَمَّا مَا تَكَفَّلَ اللَّهُ لَكُمْ بِهِ فَتَطْلُبُونَهُ، مَا هَكَذَا نَعَتَ اللَّهُ عِبَادَهُ الموقنين، أذوو عقول في الدنيا وبله في الآخرة، وعمى عما خلقتم له بصراء في أمر الدنيا؟ فَكَمَا تَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ بِمَا تُؤَدُّونَ مِنْ طَاعَتِهِ، فَكَذَلِكَ أَشْفِقُوا مِنْ عَذَابِهِ بِمَا تَنْتَهِكُونَ مِنْ مَعَاصِيهِ، عِبَادَ الرَّحْمَنِ! هَلْ جَاءَكُمْ مُخْبِرٌ يخبركم أن شيئا من أعمالكم قد تقبل منكم؟ أو شيئا من خطاياكم قد غُفِرَ لَكُمْ؟ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ 23: 115 وَاللَّهِ لَوْ عُجِّلَ لَكُمُ الثَّوَابُ فِي الدُّنْيَا لَاسْتَقْلَلْتُمْ مَا فُرِضَ عَلَيْكُمْ.
أَتَرْغَبُونَ فِي طَاعَةِ الله لدار معمورة بِالْآفَاتِ؟ وَلَا تَرْغَبُونَ وَتَنَافِسُونَ فِي جَنَّةٍ أُكُلُهَا دائم وظلها، وعرضها عرض الأرض والسموات تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ 13: 35 وَقَالَ أَيْضًا: الذِّكْرُ ذِكْرَانِ ذِكْرُ اللَّهِ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ جَمِيلٌ، وَذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ أَفْضَلُ. عِبَادُ الرَّحْمَنِ يُقَالُ لِأَحَدِنَا: تُحِبُّ أن تموت؟ فيقول: لا! فيقال له: لِمَ؟ فَيَقُولُ: حَتَّى أَعْمَلَ، فَيُقَالُ لَهُ: اعْمَلْ، فيقول سوف أعمل، فلا تحب أن تموت، ولا تحب أن تعمل، وأحب شيء إليه يحب أن يؤخر عمل الله، ولا يحب أن يؤخر الله عَنْهُ عَرَضُ دُنْيَاهُ. عِبَادَ الرَّحْمَنِ إِنَّ الْعَبْدَ ليعمل الفريضة الواحدة من فرائض الله وَقَدْ أَضَاعَ مَا سِوَاهَا، فَمَا يَزَالُ يُمَنِّيهِ الشيطان وَيُزَيِّنُ لَهُ حَتَّى مَا يَرَى شَيْئًا دُونَ الجنة، مع إقامته على معاصي الله. عباد الرحمن قبل أَنْ تَعْمَلُوا أَعْمَالَكُمْ فَانْظُرُوا مَاذَا تُرِيدُونَ بِهَا، فان كانت خالصة فَأَمْضُوهَا وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا تَشُقُّوا على أنفسكم، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، فَإِنَّهُ قَالَ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 35: 10 وَقَالَ أَيْضًا: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ إِلَى عَذَابِكُمْ بالسريع، يقبل الْمُقْبِلَ وَيَدْعُو الْمُدْبِرَ، وَقَالَ أَيْضًا: إِذَا رَأَيْتَ الرجل متحرجا لحوحا مُمَارِيًا مُعْجَبًا بِرَأْيِهِ فَقَدْ تَمَّتْ خَسَارَتُهُ. وَقَالَ الأوزاعي: خرج الناس بدمشق يستسقون فقام بهم بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ حضر! أَلَسْتُمْ مُقِرِّينَ بِالْإِسَاءَةِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنَّكَ قُلْتَ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ 9: 91 وقد أقررنا بالإساءة فاعف عنا واغفر لنا. قَالَ: فَسُقُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ: وَقَالَ أَيْضًا: سَمِعْتُهُ يقول: لقد أدركت أقواما يشتدون بين الأغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا جثّهم اللَّيْلُ كَانُوا رُهْبَانًا. وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ:
لَا تنظر إلى صغر الذنب وانظر إلى مَنْ عَصَيْتَ. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ بَادَأَكَ بِالْوُدِّ فقد استرقك بالشكر.