الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
(فِيمَا رُوِيَ فِي جَامِعِ دِمَشْقَ مِنَ الْآثَارِ وَمَا وَرَدَ فِي فَضْلِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّادَةِ الْأَخْيَارِ) رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالتِّينِ 95: 1 قال: هو مسجد دمشق وَالزَّيْتُونِ 95: 1 قال: هو مسجد بيت المقدس وَطُورِ سِينِينَ 95: 2 حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ 95: 3 وهو مكة [1] . رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ. وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ زَيْدِ بْنِ وَاقَدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ الْكِلَابِيِّ قَالَ قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَيُبْنَيَنَّ فِي دِمَشْقَ مَسْجِدٌ يَبْقَى بَعْدَ خَرَابِ الدُّنْيَا أَرْبَعِينَ عَامًا. وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاتِكَةِ عَنْ على بن زيد عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَبَلِ قَاسْيُونَ أَنْ هَبْ ظِلَّكَ وَبَرَكَتَكَ إِلَى جَبَلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ ففعل فأوحى الله إليه أما إذا فعلت فانى سأبنى لي في خطتك بَيْتًا أُعْبَدُ فِيهِ بَعْدَ خَرَابِ الدُّنْيَا أَرْبَعِينَ عَامًا، وَلَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْكَ ظِلَّكَ وَبَرَكَتَكَ، قَالَ فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ الضَّعِيفِ الْمُتَضَرِّعِ.
وَقَالَ دُحَيْمٌ: حِيطَانُ الْمَسْجِدِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ بِنَاءِ هُودٍ عليه السلام، وَمَا كَانَ مِنَ الْفُسَيْفِسَاءِ إِلَى فَوْقَ فَهُوَ مِنْ بِنَاءِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ- يَعْنِي أَنَّهُ رَفَعَ الْجِدَارَ فَعَلَّاهُ مِنْ حَدِّ الرُّخَامِ وَالْكَرْمَةِ إِلَى فَوْقَ- وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا بَنَى هود الجدار القبلي فقط. وَنَقَلَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالتِّينِ 95: 1 قالوا: هو مسجد دمشق.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْبِرَامِيِّ الدِّمَشْقِيُّ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْوَانَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُلَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَحْيَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ قَالَ: كَانَ خَارِجَ بَابِ السَّاعَاتِ صَخْرَةٌ يُوضَعُ عَلَيْهَا الْقُرْبَانُ، فَمَا تُقُبِّلَ مِنْهُ جَاءَتْ نَارٌ فَأَكَلَتْهُ، وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ. قُلْتُ: وَهَذِهِ الصَّخْرَةُ نُقِلَتْ إِلَى دَاخِلِ بَابِ السَّاعَاتِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ إِلَى الْآنَ، وَبَعْضُ الْعَامَّةِ يَزْعُمُ أَنَّهَا الصَّخْرَةُ الَّتِي وَضَعَ عَلَيْهَا ابْنَا آدَمَ قُرْبَانَهُمَا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ، فاللَّه أَعْلَمُ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يحيى الحسنى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ «صَلَّى فِي مَوْضِعِ مَسْجِدِ دمشق» قال ابن عساكر: وهذا منقطع وَمُنْكَرٌ جِدًّا، وَلَا يَثْبُتُ أَيْضًا لَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبِرَامِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عبد الملك بن المغيرة المقري حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ تَقَدَّمَ إِلَى الْقُوَّامِ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ اللَّيْلَةَ في المسجد، فلا تتركوا أحدا يصلى الليلة، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا
[1] في الأصل «قال دمشق» . وصححناه من حديث قتادة في تاريخ ابن عساكر 1: 196
الخضر يصلى في المسجد في كل ليلة، وفي رواية أنه قال لهم: لا تتركوا أحدا يدخله، ثم إن الوليد أَتَى بَابَ السَّاعَاتِ فَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ فَفُتِحَ لَهُ، فإذا رجل قائم بين السَّاعَاتِ وَبَابِ الْخَضْرَاءِ الَّذِي يَلِي الْمَقْصُورَةَ يُصَلِّي، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى بَابِ الْخَضْرَاءِ مِنْهُ إِلَى باب الساعات، فقال الوليد لِلْقُوَّامِ: أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ لَا تَتْرُكُوا أَحَدًا اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ؟ فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: يا أمير المؤمنين هذا الخضر يُصَلِّي كُلَّ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ» . فِي إِسْنَادِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ وَصِحَّتِهَا نَظَرٌ، وَلَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهَا وجود الخضر بالكلية، ولا صلاته في الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدِ اشْتُهِرَ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَنَّ الزَّاوِيَةَ الْقِبْلِيَّةَ عِنْدَ بَابِ الْمِئْذَنَةِ الْغَرْبِيَّةِ تُسَمَّى زَاوِيَةَ الْخَضِرِ، وَمَا أَدْرِي مَا سَبَبُ ذَلِكَ، وَالَّذِي ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ صَلَاةُ الصحابة فيه، وكفى بذلك شرفا له ولغيره من المساجد التي صلوا فيها، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى فِيهِ إِمَامًا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَهُوَ أَمِيرُ الْأُمَرَاءِ بِالشَّامِ، وَأَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وصلى فيه خلق من الصحابة مثل معاذ بن جبل وغيره لَكِنْ قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَهُ الْوَلِيدُ إِلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ غُيِّرَ إِلَى هَذَا الشَّكْلِ فَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ وَرَدَ دِمَشْقَ سنة ثنتين وتسعين، وهو يبنى فيه الوليد، فصلى فيه أنس ورأى الْوَلِيدِ وَأَنْكَرَ أَنَسٌ عَلَى الْوَلِيدِ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ أَنَسٍ، عِنْدَ ذِكْرِ وَفَاتِهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وتسعين، وسيصلى فيه عيسى بن مَرْيَمَ إِذَا نَزَلَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، إِذَا خَرَجَ الدَّجَّالُ وَعَمَّتِ الْبَلْوَى بِهِ، وَانْحَصَرَ النَّاسُ مِنْهُ بِدِمَشْقَ، فَيَنْزِلُ مَسِيحُ الْهُدَى فَيَقْتُلُ مَسِيحَ الضَّلَالَةِ، وَيَكُونُ نُزُولُهُ عَلَى الْمَنَارَةِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَيَأْتِي وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَيَقُولُ لَهُ إِمَامُ النَّاسِ: تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ، فَيَقُولُ: إِنَّمَا أُقِيمَتْ لَكَ، فَيُصَلِّي عِيسَى تِلْكَ الصَّلَاةَ خَلْفَ رَجُلٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يُقَالُ إِنَّهُ الْمَهْدِيُّ فاللَّه أَعْلَمُ.
ثُمَّ يَخْرُجُ عِيسَى بِالنَّاسِ فَيُدْرِكُ الدَّجَّالَ عِنْدَ عَقَبَةِ أَفِيقَ، وَقِيلَ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ بِيَدِهِ هُنَالِكَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ 4: 159 وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَنْزِلَنَّ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، وَإِمَامًا عَادِلًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الإسلام» . والمقصود أن عيسى ينزل على المنارة الشرقية بدمشق، والبلد محصور محصن من الدجال، فينزل على المنارة- وَهِيَ هَذِهِ الْمَنَارَةُ الْمَبْنِيَّةُ فِي زَمَانِنَا مِنْ أموال النصارى- ثُمَّ يَكُونُ نُزُولُ عِيسَى حَتْفًا لَهُمْ وَهَلَاكًا وَدَمَارًا عَلَيْهِمْ، يَنْزِلُ بَيْنَ مَلَكَيْنِ وَاضِعًا يَدَيْهِ على مناكبهما، وعليه مهروذتان، وَفِي رِوَايَةٍ مُمَصَّرَتَانِ [1] يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ، وَذَلِكَ وَقْتَ الْفَجْرِ، فَيَنْزِلُ على المنارة
[1] الممصرة من الثياب التي فيها صفرة خفيفة.