الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هِشَامٍ، فَقَصَدُوا نَحْوَهَا، فَاعْتَرَضَهُمْ جَيْشٌ بِأَرْضِ الْجَزِيرَةِ فَاقْتَتَلُوا مَعَهُمْ قِتَالًا عَظِيمًا، فَقَتَلُوا عَامَّةَ أَصْحَابِ بُهْلُولٍ الْخَارِجِيِّ. ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ جَدِيلَةَ يُكَنَّى أَبَا الْمَوْتِ ضَرَبَ بُهْلُولًا ضَرْبَةً فَصَرَعَهُ وتفرقت عنه بَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ، وَكَانُوا جَمِيعُهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا، وَقَدْ رَثَاهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِهِمْ [1] فَقَالَ: -
بُدِّلْتُ بَعْدَ أَبِي بِشْرٍ وَصُحْبَتِهِ
…
قَوْمًا عَلَيَّ مَعَ الْأَحْزَابِ أَعْوَانَا
بَانُوا كَأَنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ صَحَابَتِنَا
…
وَلَمْ يَكُونُوا لَنَا بِالْأَمْسِ خُلَّانَا
يَا عَيْنُ أَذْرِي دُمُوعًا مِنْكِ تَهْتَانَا
…
وَابْكِي لَنَا صُحْبَةً بَانُوا وجيرانا
خَلَّوْا لَنَا ظَاهِرَ الدُّنْيَا وَبَاطِنَهَا
…
وَأَصْبَحُوا فِي جِنَانِ الْخُلْدِ جِيرَانَا
ثُمَّ تَجَمَّعَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أُخْرَى عَلَى بَعْضِ أُمَرَائِهِمْ فَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا وَقَتَلُوا، وَجُهِّزَتْ إِلَيْهِمُ الْعَسَاكِرُ مِنْ عِنْدِ خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ، وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَبَادَ خَضْرَاءَهُمْ وَلَمْ يَبْقَ لهم باقية. وَفِيهَا غَزَا أَسَدٌ الْقَسْرِيُّ بِلَادَ التُّرْكِ، فَعَرَضَ عليه ملكهم طرخان خان أَلْفَ أَلْفٍ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ شَيْئًا، وَأَخَذَهُ قَهْرًا فَقَتَلَهُ صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ مَدِينَتَهُ وَقَلْعَتَهُ وَحَوَاصِلَهُ وَنِسَاءَهُ وَأَمْوَالَهُ. وَفِيهَا خَرَجَ الصُّحَارِيُّ بْنُ شَبِيبٍ الْخَارِجِيُّ وَاتَّبَعَهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ خَالِدٌ الْقَسْرِيُّ جُنْدًا فَقَتَلُوهُ وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْهُمْ رجلا واحدا. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَبُو شَاكِرٍ مَسْلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَحَجَّ مَعَهُ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ لِيُعَلِّمَهُ مَنَاسِكَ الْحَجِّ، وَكَانَ أَمِيرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ مُحَمَّدُ بْنُ هشام بن إسماعيل، وأمير العراق والمشرق وخراسان خَالِدٌ الْقَسْرِيُّ، وَنَائِبُهُ عَلَى خُرَاسَانَ بِكَمَالِهَا أَخُوهُ أسد ابن عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ فاللَّه أعلم. ونائب أرمينية وأذربيجان مروان الحمار وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
سَنَةُ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ
فيها غزا سليمان بن هشام بِلَادَ الرُّومِ وَافْتَتَحَ فِيهَا حُصُونًا، وَفِيهَا غَزَا إسحاق بن مسلم العقيلي تومان شاه، وافتتحها وخرب أراضيها. وفيها غزا مروان بن محمد بلاد الترك، وفيها كانت وفاة أسد ابن عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ أَمِيرَ خُرَاسَانَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ دُبَيْلَةٌ فِي جَوْفِهِ، فَلَمَّا كَانَ مَهْرَجَانُ هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَتِ الدَّهَاقِينُ- وَهُمْ أُمَرَاءُ الْمُدُنِ الْكِبَارِ- مِنْ سَائِرِ الْبُلْدَانِ بالهدايا والتحف على أسد، وكان فيمن قدم نائب هراة ودهقانها، واسم دهقانها خراسان شاه، فقدم بهدايا عظيمة وتحف عزيزة، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَصْرٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَصْرٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَأَبَارِيقُ مَنْ ذَهَبٍ، وَصِحَافٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَتَفَاصِيلُ مِنْ حَرِيرِ تِلْكَ الْبِلَادِ أَلْوَانٌ مُلَوَّنَةٌ، فَوَضَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ بَيْنَ يَدَيْ أَسَدٍ حَتَّى امْتَلَأَ الْمَجْلِسُ، ثُمَّ قَامَ الدِّهْقَانُ خَطِيبًا فَامْتَدَحَ أَسَدًا بِخِصَالٍ حَسَنَةٍ، عَلَى عَقْلِهِ وَرِيَاسَتِهِ وَعَدْلِهِ وَمَنْعِهِ أَهْلَهُ وَخَاصَّتَهُ أَنْ يَظْلِمُوا أَحَدًا مِنَ الرَّعَايَا بِشَيْءٍ قَلَّ أَوْ كثر، وأنه قهر الخان الأعظم، وكان في مائة ألف
[1] هو الضحاك بن قيس. انظر الطبري (2: 1627) طبع أوربا
فَكَسَرَهُ وَقَتَلَهُ، وَأَنَّهُ يَفْرَحُ بِمَا يَفِدُ إِلَيْهِ من الأموال، وهو بما خرج من يده أَفْرَحُ وَأَشَدُّ سُرُورًا، فَأَثْنَى عَلَيْهِ أَسَدٌ وَأَجْلَسَهُ، ثُمَّ فَرَّقَ أَسَدٌ جَمِيعَ تِلْكَ الْهَدَايَا وَالْأَمْوَالِ وما هناك أَجْمَعُ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْأَكَابِرِ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَهُوَ عَلِيلٌ مِنْ تِلْكَ الدُّبَيْلَةِ، ثُمَّ أَفَاقَ إِفَاقَةً وَجِيءَ بِهَدِيَّةٍ كُمِّثْرَى فَجَعَلَ يُفَرِّقُهَا عَلَى الْحَاضِرِينَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَأَلْقَى إِلَى دِهْقَانِ خراسان واحدة فانفجرت دبيلته وكان فِيهَا حَتْفُهُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى عَمَلِهِ جَعْفَرُ بْنُ حَنْظَلَةَ الْبَهْرَانِيُّ، فَمَكَثَ أَمِيرًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى جَاءَ عَهْدُ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ فِي رَجَبٍ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ وَفَاةُ أَسَدٍ فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ عِرْسٍ الْعَبْدِيُّ يَرْثِيهِ:
نَعَى أَسَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ نَاعٍ
…
فَرِيعَ الْقَلْبُ للْمَلِكِ الْمُطَاعِ
بِبَلْخٍ وَافَقَ الْمِقْدَارَ يَسْرِي
…
وَمَا لِقَضَاءِ رَبِّكَ مِنْ دِفَاعِ
فَجُودِي عَيْنُ بِالْعَبَرَاتِ سَحًّا
…
أَلَمْ يُحْزِنْكِ تَفْرِيقُ الْجِمَاعِ
أَتَاهُ حِمَامُهُ فِي جَوْفِ ضيع
…
وكم بالضيع من بطال شجاع
أَتَاهُ حِمَامُهُ فِي جَوْفِ صِيغٍ
…
وَكَمْ بِالصِّيغِ مِنْ بَطَلٍ شُجَاعِ
كَتَائِبُ قَدْ يُجِيبُونَ الْمُنَادِي
…
عَلَى جُرْدٍ مُسَوَّمَةٍ سِرَاعِ
سُقِيتَ الْغَيْثَ إِنَّكَ كُنْتَ غَيْثًا
…
مَرِيعًا عِنْدَ مُرْتَادِ النِّجَاعِ
وَفِيهَا عَزَلَ هِشَامٌ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ عَنْ نِيَابَةِ الْعِرَاقِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ انْحَصَرَ مِنْهُ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُ مِنْ إِطْلَاقِ عِبَارَةٍ فِيهِ، وأنه كان يقول عنه ابْنُ الْحَمْقَاءِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ غِلْظَةٌ، فَرَدَّ عَلَيْهِ هِشَامٌ رَدًّا عَنِيفًا، وَيُقَالُ إِنَّهُ حَسَدَهُ عَلَى سَعَةِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْحَوَاصِلِ وَالْغَلَّاتِ، حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ كَانَ دَخْلُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَقِيلَ دِرْهَمٌ، وَلِوَلَدِهِ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ عَشَرَةُ آلَافِ أَلْفٍ، وَقِيلَ إِنَّهُ وَفَدَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَلْزَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ عَمْرٍو، فَلَمْ يُرَحِّبْ بِهِ وَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ هِشَامٌ يُعَنِّفُهُ وَيُبَكِّتُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ حَالَ وُصُولِ هذا الكتاب إليه يَقُومُ مِنْ فَوْرِهِ بِمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ مَجْلِسِهِ فَيَنْطَلِقُ عَلَى قَدَمَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ ابْنِ عَمْرٍو صَاغِرًا ذَلِيلًا مُسْتَأْذِنًا عَلَيْهِ، مُتَنَصِّلًا إِلَيْهِ مِمَّا وَقَعَ، فَإِنْ أَذِنَ لَكَ وَإِلَّا فقف على بابه حولا غير متحلل مِنْ مَكَانِكَ وَلَا زَائِلٍ، ثُمَّ أَمْرُكَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ عَزْلَكَ وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاكَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَصَرَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا. وَكَتَبَ إِلَى ابْنِ عَمْرٍو يُعْلِمُهُ بِمَا كَتَبَ إِلَى خَالِدٍ، وَأَمَرَهُ إِنْ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَنْ يَضْرِبَهُ عِشْرِينَ سَوْطًا عَلَى رَأْسِهِ، إِنْ رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً. ثُمَّ إِنَّ هِشَامًا عَزَلَ خَالِدًا وَأَخْفَى ذَلِكَ، وَبَعَثَ الْبَرِيدَ إِلَى نَائِبِهِ عَلَى الْيَمَنِ وهو يوسف ابن عُمَرَ فَوَلَّاهُ إِمْرَةَ الْعِرَاقِ، وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهَا والقدوم عليها في ثلاثين راكبا، فَقَدِمُوا الْكُوفَةَ وَقْتَ السَّحَرِ، فَدَخَلُوهَا، فَلَمَّا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَمَرَهُ يُوسُفُ بِالْإِقَامَةِ: فَقَالَ: إِلَى أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامُ- يَعْنِي خَالِدًا-