المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الرجعة 896 - عن عمران بن حصين رضي الله عنه، - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٨

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌ ‌كتاب الرجعة 896 - عن عمران بن حصين رضي الله عنه،

‌كتاب الرجعة

896 -

عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أنه سُئل عن الرجل يطلق، ثم يراجع ولا يُشْهِدُ؛ فقال: أشهِدْ على طلاقها، وعلى رجعتها. رواه أبو داود (1) هكذا موقوفًا، وسنده صحيح.

وأخرجه البيهقي (2) بلفظ: أنّ عمرانَ بن حصين سئل عمن راجع امرأته ولم يُشْهِدْ، فقال: أرجَعَ في غير سنة! فليشهدِ (أ) الآن. وزاد الطبراني (3) في رواية: [وليستغفرِ](ب) الله.

الحديث فيه دلالة على شرعية الرجعة، وقد أجمع المسلمون على أن الزوج يملك رجعة زوجته في الطلاق الرجعي، ما دامت في العدة، من غير اعتبار رضاها ورضا وليها، إذا كان الطلاق بعد المسيس، وكان الحكم بصحة الرجعة مجمعًا عليه، لا (جـ) إذا كان مختلفًا فيه، كما في التي مر عليها ثلاثة أطهار، أو ثلاث حيض دون ثلاثة أطهار، والتي انقطع حيضها (د) لعارض وقد مضت عليها ثلاثة أشهر، والتي مضت عدتها ولم

(أ) في جـ: فتشهد.

(ب) في الأصل، جـ: واستغفر، والمثبت من مصدر التخريج، وفي بلوغ المرام ص 235: ويستغفر.

(جـ) في جـ: إلا.

(د) في جـ: حيضتها.

_________

(1)

أبو داود، كتاب الطلاق، باب الرجل يراجع ولا يشهد 2/ 263 ح 2186.

(2)

البيهقي، كتاب الرجعة، باب ما جاء في الإشهاد على الرجعة، 7/ 373.

(3)

الطبراني في الكبير 18/ 181 ح 420.

ص: 89

تعلم بالطلاق، فإنه مع اختلاف المذهب بين الزوجين لا يثبت حكم الرجعة إلا بحكم؛ لقوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (1).

والحديث فيه دلالة على وجوب الإشهاد، ومثله قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (2). وقد ذهب إلى وجوب الإشهاد الشافعي في قوله القديم، واختاره في رواية الربيع وكذا الناصر، وذهب إلى أن الإشهاد مستحب مالك والشافعي في الجديد والهدوية وأبو حنيفة وأصحابه، واحتج لذلك في "البحر" بحديث ابن عمر (3)، وهو قوله:"فلْيراجعها". ولم يذكر الإشهاد، فلو كان واجبًا لذكره، وقد يقال: إنه لم يذكره لكونه قد عُرِف حكمه؛ لأن القصة وقعت بعد نزول سورة "الطلاق"، وقد ذكر فيها الإشهاد. وقال في "نهاية المجتهد" (4): إن قياس الرجعة على سائر الحقوق التي ينشئها الإنسان لنفسه، وهي لا يجب فيها الإشهاد، فكان قرينة على حمل الأمر على الندب. انتهى. أو لأن قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} . مرتب على قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} . وهو لا يجب الإشهاد على الطلاق اتفاقًا بينهم، فكذلك الرجعة. قال الموزعي في "تيسير (أ) البيان": وقد اتفق الناس على أن الطلاق من غير إشهاد جائز، وأما الرجعة فيحتمل أن تكون في معنى الطلاق؛ لأنها قرينته فلا يجب فيها الإشهاد، ولأنها حق للزوج، فلا يجب

(أ) في جـ: تفسير. وينظر معجم المؤلفين 11/ 24.

_________

(1)

الآية 228 من سورة البقرة.

(2)

الآية 2 من سورة الطلاق.

(3)

تقدم ح 884، وسيأتي ح 897.

(4)

الهداية في تخريج أحاديث البداية 7/ 56.

ص: 90

عليه الإشهاد على قبضه، ويحتمل أن يجب الإشهاد، وهو ظاهر الخطاب. انتهى.

وأما الحديث فلا حجة واضحة [فيه](أ)؛ لاحتمال الاجتهاد من الصحابي، إذ الاجتهاد له مسرح في هذا الحكم فيمكن استنباطه من الآية.

فمن قال بوجوب الإشهاد لا تكون الرجعة عنده إلا بالقول ولا يصح بالفعل، ولا بد أن يكون القول صريحًا غير كناية؛ لأن الشهود لا يطلعون على النية، ولفظها الصريح: راجعتك. وما يصرف منه، وهذا مجمع عليه، و: رددتك. و: أمسكتك. الأصح أنه صريح، لقوله تعالى:{أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (1). وقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (2). وكذا: تزوجتك. و: نكحتك. صريح؛ لأنهما صريحان في ابتداء النكاح، فكذا في دوامه. والكناية: أعدت الحل الكامل بيني وبينك. أو: أدمت المعيشة. وقال الإمام يحيى: لا تنعقد الرجعة بالكناية وإن نواها كالنكاح. وقال الشافعي: تنعقد بالكناية قياسًا على الطلاق. قال الإمام المهدي: تشبيهها بالنكاح أولى.

والقائلون بعدم وجوب الإشهاد اختلفوا في الرجعة بالفعل؛ فقال الشافعي والإمام يحيي وأبو طالب: محرم فلا تحل به، ولأن الله سبحانه وتعالى ذكر فيها الإشهاد، فأفهم أنها لا تكون إلا بما يمكن معه الإشهاد، وهو القول. ويتفرع على قولهم أنه إذا وطئ لزم المهر في أحد قولي الشافعي، وسواء راجعها بعده أم لا، وفي القول الآخر والإمام يحيى: لا يلزم المهر. إذ

(أ) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

الآية 228 من سورة البقرة.

(2)

الآية 231 من سورة البقرة.

ص: 91

أصل مِلك النكاح باق، بدليل التوارث، ولا تستأنف العدة عندهم، إذ يتداخلان لكونهما من واحد.

والقائلون بأنها تكون بالفعل اختلفوا؛ هل من شرطه النية أم لا؟ فقال مالك: لا يكون بالفعل إلا إذا نوى به الرجعة. لأن الفعل عنده ينزل منزلة القول مع النية، وقال أبو حنيفة وأصحابه والعترة وإسحاق والليث والنخعي: يصح به وإن لم ينو وإن أثم بذلك؛ لأن العدة مدة تخيير، والتخيير يصح بالقول (أوالفعل أ). وقال أحمد: بل تصح الرجعة به ولا إثم؛ لعموم قوله تعالى: {إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} (1). وهي زوجة. ومقدمات الوطء جميعها رجعة عند الهدوية، وقال أبو حنيفة: التقبيل واللمس ونظر الفرج رجعة لا نظر سائر الجسد. وقال مالك: التقبيل ليس برجعة. وعند من اعتبرها بالفعل تصح بوطء المجنون كإتلاف ما فيه خيار، ولو حائضة أو محرمة أو مكرهة (أأو مكرها أ) لا بلفظه، والسكران على الخلاف في طلاقه إذا راجع باللفظ، ولا حد عند من منع الرجعة بالفعل وإن علما، لشبهة الزوجية.

ويحرم على الزوج مضاررة الزوجة بالرجعة؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ} (2). وقوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (3). ويجب عليه إعلام الزوجة بالرجعة لئلا تزوج غيره، فإن تزوجت جاهلة فالنكاح باطل، وهي لزوجها الذي ارتجعها، وقد ذهب إلى هذا الجمهور

(أ- أ) ساقط من: جـ.

_________

(1)

الآية 6 من سورة المؤمنون، والآية 30 من سورة المعارج.

(2)

الآية 6 من سورة الطلاق.

(3)

الآية 229 من سورة البقرة.

ص: 92

من العلماء، ومنهم الشافعي وأبو حنيفة والكوفيون، وقال به داود، وهو مروي عن علي رضي الله عنه، وذهب مالك فيما صرح به في "الموطأ"(1) إلى أنها للثاني دخل بها أو لم يدخل. (أوبه أ) قال الأوزاعي والليث والبصري. وروى ابن القاسم عن مالك أنه رجع عنه، وقال: الأول أولى بها إلا أن يدخل الثاني. وأثبت المدنيون من أصحابه قوله الأول، قالوا: ولم يرجع عنه؛ لأنه أثبته في "موطآته" إلى يوم مات وهو يُقرأُ عليه، وهو قول عمر بن الخطاب، رواه عنه مالك في "الموطأ". وقد روي عن عمر أنه قال: إن الزوج الذي ارتجعها مخير بين أن تكون امرأته، أو يرجع عليها بما كان أصدقها (2). وحجة مالك ما رواه ابن وهب عن [يونس] (ب) عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: مضت السنة في الذي يطلق امرأته، ثم يراجعها، ثم يكتمها رجعتها فتحل، فتنكح زوجا غيره، أنه ليس له من أمرها شيء، ولكنها لمن تزوجها (3). وقد قيل: إن هذا الحديث إنما يروى عن ابن شهاب فقط، وحجة القول الأول أن العلماء قد أجمعوا على أن الرجعة صحيحة وإن لم تعلم بها المرأة، بدليل أنهم قد أجمعوا على أن الزوج الأول أحق بها قبل أن تزوج، وإذا كانت الرجعة صحيحة كان زواج الثاني فاسدًا، فإن نكاح الغير لا تأثير له في إبطال الرجعة، لا قبل الدخول ولا بعده، وهو

(أ- أ) ساقط من: جـ.

(ب) في الأصل: موسى.

_________

(1)

الموطأ 2/ 575.

(2)

الهداية في تخريج أحاديث البداية 7/ 65.

(3)

المحلى 11/ 618.

ص: 93

الأظهر إن شاء الله تعالى. ويشهد لذلك ما أخرجه الترمذي (1) عن سمرة بن جندب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أيما امرأة [تزوجها] (أ) اثنان فهي للأول منهما، ومن باع بيعًا من رجلين فهو للأول منهما".

واختلف العلماء في مقدار ما يجوز للزوج أن يطلع عليه من الرجعية ما دامت في العدة؛ فقال [مالك](ب): لا يخلو معها، ولا يدخل عليها إلا بإذنها، ولا ينظر إلى شعرها، ولا بأس أن يأكل معها إذا [كان] (جـ) معهما غيرهما. وحكى ابن القاسم أنه رجع عن إباحة الأكل معها. وقال أبو حنيفة: لا بأس أن تزين الرجعية لزوجها وتطّيب له، و [تشوَّف](د) له، وتبدي له الثياب والكحل. وبه قال الثوري (هـ) وأبو يوسف والأوزاعي والهدوية. وكلهم قالوا: لا يدخل عليها إلا أن تعلم بدخوله بقول، أو حركة بتنحنح أو خفق.

(أ) في الأصل: يزوجها، وعند الترمذي: زوجها وليان.

(ب) ساقط من: الأصل.

(جـ) ساقطة من: الأصل، جـ. والمثبت من مختصر اختلاف العلماء 2/ 384، والهداية في تخريج أحاديث البداية 7/ 60.

(د) في الأصل: تسوق. والتشوف: التزين. وينظر لسان العرب (ش وف).

(هـ) في جـ: النووي.

_________

(1)

الترمذي 3/ 418 ح 1110.

ص: 94

897 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه لما طلق امرأته قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:"مُرْه فليراجعها". متفق عليه (1).

تقدم الكلام في ذلك (2).

(1) البخاري، كتاب الطلاق، باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ

} 9/ 345 ح 5251، ومسلم، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها 2/ 1093 ح 1471.

(2)

تقدم ص 10 - 12.

ص: 95