الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الديات
الديات بتخفيف التحتانية: جمع دية، كعدات جمع عدة، وأصلها وِدْية مصدر ودى القتيل يديه، إذا أعطى وليه ديته، ويسمى ما يعطى ورثة القتيل دية؛ تسمية بالمصدر، وفاء الكلمة محذوف معوض عنه تاء التأنيث، والأمر منه على حرف واحد، تقول: دِ القتيل، بدال مكسورة، وإذا وقفت ألحقت به هاء السكت، والدية أعم مما لا قصاص فيه وفيما فيه القصاص، ولو كان القصاص هو الأصل كما في العمد عند البعض.
977 -
وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن جده، أَن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن. فذكر الحديث وفيه:"إن من اعتبط مؤمنا قتلًا عن بينة فإنه قود، إلا أن يرضى أولياء المقتول، وإن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، وإن الرجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار". أخرجه أبو داود في "المراسيل"، والنسائي، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان،
واختلفوا في صحته (1).
أبو بكر اسمه كنيته، ولي القضاء بالمدينة لعمر بن عبد العزيز، حدث عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز، وروى عنه ابنه محمد وعبد الله ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم (2).
الحديث أخرجه أبو داود في "المراسيل" عن ابن شهاب، قال: قرأت في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم. ورواه النسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي (3) موصولًا مطولًا من حديث الحكَم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، وفرقه الدارمي (4) في "مسنده" عن الحكم مقطعًا. وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث؛ فقال أبو داود في "المراسيل" (5): قد أُسند هذا الحديث ولا يصح، والذي في إسناده سليمان بن داود وهم، إنما هو سليمان بن أرقم. وقال في موضع آخر (6): لا أحدث
(1) أبو داود في المراسيل، باب كم الدية ص 211، 212 ح 257، والنسائي، كتاب القسامة، باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول واختلاف الناقلين له 8/ 57، 58، وابن خزيمة، كتاب التاريخ، باب صدقة البقر بذكر لفظ مجمل غير مفسر 4/ 19 ح 2269، وابن الجارود، باب في الديات ص 216 ح 784، وابن حبان، كتاب التاريخ، باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر كتبة المصطفى صلى الله عليه وسلم كتابه إلى أهل اليمن 14/ 501 - 510 ح 6559.
(2)
أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري النجاري المدني القاضي، اسمه وكنيته واحد، وقيل: إنه يكنى أبا محمد. ثقة عابد. التقريب ص 624. وينظر تهذيب الكمال 33/ 137.
(3)
الحاكم 1/ 395 - 397، والبيهقي 4/ 89.
(4)
الدارمي 2/ 192، 193.
(5)
المراسيل ص 213.
(6)
سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود ص 195 ح 1579.
به، وقد وهم الحكم في قوله: سليمان بن داود. وقد حدثني محمد بن الوليد الدمشقي، أنه قرأ في أصل يحيى بن حمزة: سليمان بن أرقم. وهكذا قال أبو زرعة الدمشقي (1): أنه الصواب، وتبعه صالح بن محمد جزرة وأبو الحسن الهروي وغيرهما (2). وقال ابن حزم (3): صحيفة عمرو بن حزم منقطعة، لا تقوم بها حجة، وسليمان بن داود متفق على تركه (4). وقال عبد الحق (5): سليمان بن داود هو الذي يروي هذه النسخة عن الزهري ضعيف، ويقال: إنه سليمان بن أرقم. وتعقبه ابن عدي (6)، فقال: هذا خطأ، إنما هو سليمان بن داود، وقد جوَّد الحكم بن موسى. وقال أبو زرعة (7): عرضت على أحمد، فقال: سليمان بن داود [هذا ليس بشيء. وقال ابن حبان: سليمان بن داود](5) اليمامي ضعيف، وسليمان بن داود الخولاني ثقة (8)، وكلاهما يروي عن الزهري، والذي روى حديث الصدقات هو الخولاني، فمن ضعفه فإنما ظن أن الراوي هو اليمامي.
(أ) ساقط من: الأصل، جـ. والمثبت من التلخيص الحبير 4/ 18.
_________
(1)
تاريخ أبي زرعة 1/ 455.
(2)
انظر التلخيص الحبير 4/ 17.
(3)
المحلى 5/ 432.
(4)
انظر تهذيب الكمال 11/ 416.
(5)
الأحكام الوسطى 4/ 58.
(6)
الكامل 3/ 1124.
(7)
تاريخ أبي زرعة 1/ 454، 455.
(8)
ينظر ما تقدم في 2/ 49.
وصححه الحاكم وابن حبان والبيهقي (1)، ونقل عن أحمد أنه قال (2): أرجو أن يكون صحيحًا. قال: وقد أثنى على سليمان بن داود الخولاني هذا أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ. قال الحاكم (3): وحدثني أبو أحمد الحسين بن علي عن ابن أبي حاتم عن أبيه أنه سئل عن حديث عمرو بن حزم، فقال: سليمان بن داود عندنا ممن لا بأس به. وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة لا من حيث الإسناد بل من حيث الشهرة؛ فقال الشافعي في "رسالته"(4): لم يقبلوا هذا الحديث حتى يثبت (أ) عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عبد البر (5): هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقِّي الناس له بالقبول والمعرفة. قال: ويدل على شهرته ما روى ابن وهب عن مالك عن الليث بن [سعد](ب) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال العقيلي (6): هذا حديث
(أ) في جـ ونسخ من الرسالة: ثبت.
(ب) في الأصل، جـ: سعيد. والمثبت من مصدر التخريج.
_________
(1)
الحاكم 1/ 397، وابن حبان في الثقات 6/ 387، والبيهقي 4/ 90.
(2)
البيهقي 4/ 90.
(3)
الحاكم 1/ 397.
(4)
الرسالة ص 422، 423.
(5)
التمهيد 17/ 338، 339.
(6)
الضعفاء 2/ 128.
ثابت محفوظ، إلا أنَّا نرى أنه كتاب غير مسموخ عمن فوق الزهري. وقال يعقوب بن سفيان (1): لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابًا أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدَعون رأيهم. وقال الحاكم (2): قد شهد عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب. ثم ساق ذلك بسنده إليهما، وقد وصله نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده (3)، وجده محمد بن عمرو بن حزم ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يسمع منه (4)، وكذا أخرجه عبد الرزاق (5) عن معمر من طريقه.
قوله: كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن. ذكر فيه الفرائض والسنن والديات.
وقوله: "اعتبط". هو بالعين المهملة والطاء المهملة افتعل، من عبط الناقة، إذا ذبحها من غير مرض ولا داء، ومات عَبْطةً: أي صحيحًا شابًّا من غير هرم، قال أمية (6):
مَن لم يمُتْ عَبْطةً يَمُتْ
…
هَرَمًا للموت كأس والمرء ذائقها
واعتبط كعبط، قال تأبط شرا (7):
(1) انظر المعرفة والتاريخ 2/ 216.
(2)
الحاكم 1/ 397.
(3)
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد 17/ 396، 397 من طريق نعيم به. وليس فيه: عن جده.
(4)
جامع التحصيل ص 267، تحفة التحصيل ص 284.
(5)
عبد الرزاق 9/ 306 ح 17314.
(6)
ديوانه ص 50، 51.
(7)
البيت لقطري بن الفجاءة من قصيدة له، وهي في الحماسة لأبي تمام 1/ 161، وأمالي المرتضى 1/ 636، 637، وبهجة المجالس 1/ 470.
ومَن لم يُعْتبَطْ يسأمْ ويَهْرَمْ
…
وتُسلمه المَنونُ إلى انْقِطاعِ
والمراد في الحديث أن يقتله بلا جناية كانت منه، ولا جريرة توجب قتله، فإن القاتل يقاد به. وكذا قوله صلى الله عليه وسلم:"من قتل مؤمنًا فاعتبط (أ) بقتله، لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا"(1). قال الخطابي في "معالم السنن"(2): [معنى](ب): اعتبط بقتله، أي قتله ظلمًا لا عن قصاص. وذكر نحو هذا، إلا أنه قال أبو داود (3) في آخر الحديث: قال خالد بن دهقان راوي الحديث: سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: "اعتبط (أ) بقتله". فقال: الذي يقاتل في الفتنة، فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله منه. وهذا التفسير يدل على أنه من الغبطة بالمعجمة، وهي الفرح والسرور وحسن الحال؛ لأن القاتل يفرح بقتل خصمه، وإذا كان المقتول مؤمنًا وفرح بقتله دخل في هذا الوعيد.
وقوله: "وإن في النفس الدية مائة من الإبل". فيه دلالة على أن الإبل هي الواجبة في الدية، وقد روى ابن قتيبة (4) أن أول من قضى بأنها مائة من الإبل أبو سيارة، وقيل: عبد المطلب. وجاءت الشريعة مقررة، وقد ذهب إلى هذا القاسم والشافعي، قالوا: وبقية الأصناف كانت مصالحة لا تقديرًا شرعيًّا. إلا أن في آخر هذا الحديث: "وعلى أهل
(أ) عند أبي داود: غبطة.
(ب) في الأصل، جـ: معناه. والمثبت هو الصواب.
_________
(1)
أبو داود 4/ 100، 101 ح 4270.
(2)
معالم السنن 4/ 343.
(3)
أبو داود 4/ 101 ح 4271.
(4)
المعارف ص 551.
الذهب ألف مثقال (أ)". وظاهره أنه أصالة، وإن كان يحتمل أنهم لما عدموا الإبل، وجب عليهم الذهب عوضًا عن الإبل، وكان قيمة المائة في ذلك العصر ألف مثقال. وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن عمر حين استخلف قام خطيبًا وقال: إن الإبل قد غلت. ففرضها على أهل الورق اثني عشر ألف درهم، وعلى (ب أهل الذهب ألف دينار ب)، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة (1). وأخرج أبو داود والنسائي (2)، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُقَوِّم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار، أو عدلها من الورق، ويقومها على أثمان الإبل؛ إذا غلت رفع في قيمتها، وإذا (جـ هاجت ورخصت جـ) نقص من قيمتها، وبلغت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين أربعمائة إلى ثمانمائة، وعدلها من الورق ثمانية آلاف درهم. قال: وقضى على أهل البقر بمائتي بقرة، ومن كان دية عقله في شاء فألفي شاة. فعلى قول الشافعي لا يؤخذ إلا قيمة الإبل، وهذا قوله بمصر. وذهب مالك -وقول الشافعي في العراق ورواه في "البحر" عن أبي حنيفة- أنها تكون على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم. وأخرج أبو داود (3) عن ابن عباس، أن رجلًا من بني عدي قتل، فجعل
(أ) في الحديث المتقدم: دينار. وهذه اللفظة موقوفة على عمر في المغني 12/ 9 والمبدع 8/ 363، وانظر المهذب 2/ 196.
(ب - ب) في جـ: أصل المذهب ألف درهم.
(جـ - جـ) عند أبي داود: هاجت رخصا، وعند النسائي: هانت.
_________
(1)
أبو داود 4/ 182، 183 ح 4542.
(2)
أبو داود 4/ 187، 188 ح 4564، والنسائي 8/ 42، 43.
(3)
أبو داود 4/ 183 ح 4546.
رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا. وفي رواية النسائي (1) أن رجلًا قتل رجلًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا. وفي رواية الترمذي (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألفًا. وفي أخرى عن عكرمة، ولم يذكر ابن عباس، وسيأتي ذلك في حديث ابن عباس. وعند أهل العراق من الورق عشرة آلاف درهم، وذلك لقول عمر (3): هي على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألفا. وأهل العراق قالوا: إن عمر قوّم الدينار بعشرة دراهم. وأجمعوا على تقويم المثقال بها في الزكاة. وذهب الهادي والمؤيد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن والفقهاء السبعة المدنيون، أنها على أهل الشاء ألفا (أ) شاة، وعلى أهل البقر مائتا بقرة، وعلى أهل البرود مائتا (ب) حلة، وحجتهم ما روي عن عمر، ورواه أيضًا زيد بن علي، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى الأجناد أن الدية كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير (4) قال: فإن كان الذي أصابه من الأعراب فديته من الإبل، لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق، فإن لم يجد الأعرابي مائة من الإبل فعدلها من الشاء ألفا (أ) شاة. وأجاب الأولون بأنه لو جاز أن تقوم بالشاء والبقر لجاز أن تقوم بالطعام على أهل الطعام، وبالخيل على أهل
(أ) في جـ: ألف.
(ب) في جـ: مائة.
_________
(1)
النسائي 8/ 44.
(2)
الترمذي 4/ 6، 7 ح 1388.
(3)
أبو داود 4/ 182، 183 ح 4542، والبيهقي 8/ 77.
(4)
مصنف عبد الرزاق 9/ 296 ح 17272.
الخيل، وهذا لا يقول به أحد، ويجاب عنه بأن ذلك ورد به الأثر فاقتصر عليه، مع أنه أخرج أبو داود (1) عن عطاء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الدية على أهل الإبل [مائة](أ) من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وعلى أهل القمح شيئًا لم يحفظه محمد بن إسحاق. وفي رواية عنه عن جابر قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر ما تقدم، قال: وعلى أهل الطعام شيئًا لا أحفظه. أخرجه أبو داود (2). فهذا يدل على تيسير الأمر، وأنه لا يجحب على من عليه الدية إلا من النوع الذي يجده ويعتاد التعامل به في ناحيته، وأن تلك أصول كما ذهب إليه الهادي، فيما عدا [الخيل](ب) والطعام.
وقوله: "وفي الأنف إذا أوعب جدعه". أي قطع جميعه، والفعل مبني للمفعول، وجدعه نائب كتاب الفاعل. والأنف مركبة من قصبة ومارن وأرنبة وروثة؛ القصبة: هي العظم المنحدر من مجتمع الحاجبين، والمارن: الغضروف الذي يجمع المنخرين، والروثة: طرف الأنف، ولهذا يقال: فلان يضرب بلسانه إلى روثة أنفه (3). وفي "القاموس"(4): المارن الأنف أو طرفه أو ما لان منه. والأرنبة طرف الأنف، والروثة طرف الأرنبة.
(أ) ساقطة من الأصل، جـ. والمثبت من مصدر التخريج.
(ب) في الأصل: الحلل.
_________
(1)
أبو داود 4/ 183 ح 4543.
(2)
أبو داود 4/ 183 ح 4544.
(3)
اللسان (روث).
(4)
القاموس المحيط (م ر ن).
والحديث يدل على أنه إذا قطعت من العظم المنحدر من مجتمع الحاجبين أن فيها الدية، وهذا مجمع عليه، وظاهره وإن لم يذهب الشم، ويلزم في كل واحد من هذه الأربعة وحده حكومة عند الهادي، وذهب الناصر والفقهاء إلى أن في المارن الدية، وفي بعضه حصته، قال الإمام المهدي في "البحر": قلت: المارن وحده لا يسمى أنفًا، وإنما الدية في الأنف. انتهى.
ويجاب عنه بأن الشافعي (1) روى عن طاوس، قال: عندنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنف إذا قطع مارنه مائة من الإبل. قال الشافعي: وهذا أبين من حديث آل حزم. قال في "عجالة المنهاج": والمارن ما لان من الأنف وخلا عن العظم. قاله الرافعي في "المحرر". قال: ويشتمل على ثلاث طبقات؛ الطرفين والوتيرة بينهما. وقال الماوردي: هو ما لان من الحاجز بين النخرين المتصل بقصبة الأنف. وإن الدية إنما تكمل (أ) باستيعابه مع المنخرين، في كل من طرفيه والحاجز ثلث، توزيعًا للدية على المنخرين والحاجز. وقيل: في الحاجز حكومة، [وفيهما](ب) دية؛ لأن الجمال وكمال المنفعة فيهما دون الحاجز. وهذا ما حكي عن [النص](جـ) وصححه البغوي. انتهى. وقد أخرجه البيهقي من حديث عمرو بن شعيب (2)، قال: قضى
(أ) في جـ: تكمله.
(ب) في الأصل: وفيها.
(جـ) في الأصل: النضر.
_________
(1)
الأم 6/ 118.
(2)
البيهقي 8/ 88.
النبي صلى الله عليه وسلم إذا جدعت ثندوة الأنف بنصف العقل؛ خمسون من الإبل، أو عدلها من الذهب والورق. قال في "النهاية" (1): أراد بالثندوة هنا روثة الأنف، وهي طرفه ومقدمه.
وقوله: "وفي اللسان الدية". والمراد به إذا قطعه من أصله، أو قطع منه ما منع الكلام، وهذا مجمع عليه، وإن قطع منه ما بطل به بعض الحروف فحصته معتبرة بعدد الحروف، وقيل: بحروف اللسان فقط وهي ثمانية عشر حرفًا، لا حروف الحلق وهي ستة، ولا حروف الشفة وهي أربعة، والأول أولى؛ لأن النطق لا يتأتى إلا باللسان.
قوله: "وفي الشفتين الدية". وحد الشفتين من تحت المنخرين إلى منتهى الشدقين في عرض الوجه، وفي طوله من أعلى الذقن إلى أسفل الخدين، وهذا مجمع عليه. والجمهور أن في كل واحدة منهما نصف الدية على سواء، وذهب زيد بن ثابت (2) إلي أن في العليا ثلثًا، وفي السفلى ثلثين من الدية؛ إذ منافعها أكثر؛ لحفظها (أ) الطعام والشراب.
قوله: "وفي الذكر الدية". إذا قطع من أصله ففيه الدية، وهذا مجمع عليه، وإن قطع الحشفة ففيها الدية عند مالك وبعض أصحاب الشافعي، واختاره الإمام المهدي لمذهب الهدوية. وعند مالك أنه يلزم في قطع الذكر
(أ) في جـ: لحفظ.
_________
(1)
النهاية 1/ 223.
(2)
ابن أبي شيبة 9/ 173.
دية للحشفة وحكومة لباقي الذكر. وذهب الإمام يحيى والشافعي إلى أنه لا فرق بين العنّين والسليم، والصغير والكبير، وذهب البعض إلى أن فيه ثلث الدية. والجمهور إلى أن في ذكر العنِّين والخصِيّ حكومة إلا أنه إذا كان زال منه قوة الإيلاج، وإلا لزم فيه الدية. والله سبحانه أعلم.
قوده: "وفي البيضتين الدية". وهو مجمع على ذلك، والجمهور أن في [إحداهما](أ) نصف الدية. وروي عن سعيد بن المسيب أن في البيضة اليسرى ثلثي الدية، لأن الولد يكون منها، وفي اليمنى ثلث الدية (1). ورواه في "البحر" عن علي رضي الله عنه. وقد جاء في لفظ:"في الأنثيين الدية". وهما البيضتان، كذا في "القاموس" و"الضياء" و"الصحاح"(2)، وذكر في " الغيث" شرح "الأزهار" أن الأنثيين هما الجلدتان المحيطتان بالبيضتين.
قوله: "وفي الصلب الدية". وهو مجمع عليه، فإن ذهب النبي مع الكسر فديتان.
قوله: "وفي العينين الدية". وهو مجمع عليه، وفي أحدهما النصف، واختلف العلماء في الأعور إذا ذهبت عينه الصحيحه (ب) بالجناية؛ فذهب
(أ) في الأصل: أحدهما.
(ب) ساقطة من: جـ.
_________
(1)
ابن أبي شيبة 9/ 226.
(2)
القاموس والصحاح (أن ث) وفي القاموس: الأنثيان: الخصيتان، وفي الصحاح: الأنثيان: الخصيان.
الأوزاعي والنخعي والهادي والحنفية والشافعية إلى أن الواجب فيها نصف الدية، إذ لم يفصل الدليل، وهو ما في حديث عمرو بن حزم، وفي العين نصف الدية، وقياسًا على من له يد واحدة، فليس له إلا نصف الدية، وهو مجمع عليه، وذهب علي وعمر وعثمان وابن عمر والزهري ومالك والليث وأحمد وإسحاق إلى أن الواجب فيها الدية كاملة، لأنها في معنى العينين. واختلفوا أيضًا في القود منه إذا جنى على عين واحدة، فالجمهور على ثبوت القود، وذهب أحمد إلى أنه لا قود.
قوله: "وفي الرجل الواحدة نصف الدية". وحدُّ الرجل التي تجب فيها الدية من مفصل الساق، فإن قطع من الركبة لزم نصف الدية، وحكومة في الزائد.
قوله؛ "وفي المأمومة ثلث الدية". المأمومة: هي ما بلغت أم الرأس، وأم الرأس قال في "القاموس" (1): هو الدماغ أو الجلدة الرقيقة (أ) التي عليها.
قوله: "وفي الجائفة ثلث الدية". هي مأخوذة من الجوف، والجوف قال في "القاموس" (2): هو البطن. وقال (2): الجائفة: هي [طعنةٌ تبلغ الجوف، وكذا قال في "الضياء": الجائفة هي](ب) الطعنة التي تبلغ الجوف أو تنفذه، ومنه الحديث:"في الجائفة ثلث الدية". وقال في "النهاية"(3):
(أ) في جـ: الرفيعة.
(ب) ساقطة من: الأصل.
_________
(1)
القاموس المحيط (أم م).
(2)
القاموس المحيط (جـ وف).
(3)
النهاية 1/ 316.
في الجوف في قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تنسوا الجوف وما وعى"(1). أي ما دخل إليه من الطعام والشراب، وقال في الجائفة (2): هي الطعنة التي تنفذ إلى الجوف، يقال: جفته إذا أصبت جوفه، وأجفته (أ) الطعنة وجفته بها، والمراد [بالجوف](ب) كل ما له قوة محيلة [كالبطن](جـ) والدماغ. انتهى.
فظاهر كلام "النهاية" أن الجائفة تشمل ما كان له عمق، وإن لم تكن في البطن، وقريب منه ما ذكره الإمام المهدي في "البحر"، وهي ما وصل جوف العضو من ظهر أو صدر أو ورك أو عنق أو (د) ساق أو عضد؛ مما له جوف، ثلث الدية. قال الإمام يحيى: وإنما تكون في المجوف، وأما غير المجوف فلا؛ كلو جرح أنفه حتى وصل باطنها فحكومة. انتهى.
وقال الإمام المهدي في "الغيث": الجائفة هي من ثغرة النحر إلى المثانة، وهي ما بين السبيلين. وكلام "البحر" والإمام يحيى متأول بأن ما كان في سائر الأعضاء ففيه ثلث دية ذلك العضو، وكلام "الغيث" هو الأنسب بالحديث، فإن تعظيم الأرش إنما هو لما يخشى من الضرر، والضرر الكامل إنما هو في ذلك المحل، وكذا في الدماغ، كما قال في "النهاية"، إلا أنه مأمومة، ولكنه قد تكون الجناية في داخل الرأس من غير أن تكون مأمومة،
(أ) زاد في الأصل، جـ: و. والصواب بدونها، كما في مصدر التخريج.
(ب) في الأصل، جـ: بالحديث. والمثبت من النهاية.
(جـ) في الأصل، جـ: كالجوف. والمثبت من النهاية.
(د) زاد في جـ: عضو.
_________
(1)
ابن المبارك في الزهد ص 107 ح 317، وأبو نعيم في الحلية 8/ 185، 186.
(2)
النهاية 1/ 317.
فتكون جائفة، وأما إذا مرقت الجائفة، وخرجت من الجانب الآخر، فهي جائفتان، وفيها ثلثا الدية، وقد أخرج البيهقي (1) عن سعيد بن المسيب أن رجلا رمى رجلًا فأصابته جائفة فخرجت من الجانب الآخر، فقضى فيها أبو بكر رضي الله عنه بثلثي الدية. والله أعلم.
وقال في "نهاية المجتهد"(2): اتفقوا على أن الجائفة من جراح الجسد، لا من جراح الرأس، وأنها لا يقاد منها، وأن فيها ثلث الدية، وأنها جائفة متى وقعت في الظهر والبطن، واختلفوا إذا وقعت في غير ذلك من الأعضاء فنفذت إلى تجويفه؛ فحكى مالك (3) عن سعيد بن المسيب أن في كل جراحة نافذة إلى تجويف عضو من الأعضاء -أي عضو كان- ثلث دية ذلك العضو. وحكى عن ابن شهاب أنه كان [لا](أ) يرى ذلك، وهو الذي اختاره مالك؛ لأن القياس عنده في هذا لا يسوغ، وإنما [سنده](ب) في ذلك الاجتهاد من غير توقيف. وأما سعيد فإنه قاس ذلك على الجائفة؛ على نحو ما روي عن عمر رضي الله عنه في موضحة الجسد. انتهى.
قوله: "وفي المنقلة خمس عشرة". وهي التي تخرج منها صغار العظام وتنتقل في أماكنها، وقيل: التي تنقل العظم، أي: تكسره. كذا في "النهاية"(4)، وفي "القاموس" (5): الشجة التي تَنَقَّل منها فراش العظام، وهي
(أ) ساقطة من الأصل، جـ، والمثبت من الموطأ والهداية.
(ب) في الأصل، جـ: عنده. والمثبت من الهداية.
_________
(1)
البيهقي 8/ 85.
(2)
الهداية في تخريج أحاديث البداية 8/ 492، 493.
(3)
الموطأ 2/ 859، 8/ 492، 493.
(4)
النهاية 5/ 110.
(5)
القاموس المحيط (ن ق ل).
قشور تكون على العظم دون اللحم. وقال الإمام المهدي في "البحر": وهي ما تُنَقِّل (أ) عظمًا في (ب) الرأس. فكلام الإمام المهدي أخص مما ذكر في "النهاية".
قوله: "وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل".
وهذا ذهب إليه جمهور العلماء، وأن الأصابع في ذلك على سواء، وأن كل أنملة فيه ثلث العشر إلا الإبهام فالنصف، وذهب إلى هذا علي وابن مسعود وابن عباس (1)، وقد روي عن عمر رضي الله عنه، أنه قضى في الإبهام والتي تليها بعقل نصف الدية، وفي الوسطى بعشر، وفي التي تليها بتسع، وفي الخنصر بست، ورجع عن ذلك (2)، وروي عن مجاهد أنه قال: في الإبهام خمس عشرة، وفي التي تليها عشر، وفي الوسطى [عشر](جـ)، وفي التي تليها ثمانٍ، وفي الخنصر سبع (3).
قوله: "وفي السنن خمس". ظاهره العموم لكل سنن في مقدم الفم أو في جوانبه، وهو قول جمهور العلماء، وبه قال ابن عباس (4)، وروى مالك (5) عن عمر أنه قضى في الضرس بجمل. وروى عن علي وعن ابن
(أ) في جـ: نقل.
(ب) في جـ: من.
(جـ) ساقطة من: الأصل.
_________
(1)
عبد الرزاق 9/ 383 ح 17693، وابن أبي شيبة 9/ 193، 194.
(2)
عبد الرزاق 9/ 384 ح 17698، وابن أبي شيبة 9/ 194.
(3)
ابن أبي شيبة 9/ 195.
(4)
عبد الرزاق 9/ 345 ح 17495، والبيهقي 8/ 90.
(5)
مالك 2/ 861 ح 7.
عباس وعن عمر: في كل ثنية خمسون دينارًا، وفي الناجذ أربعون، وفي الناب ثلاثون، وفي كل ضرس خمس وعشرون. وقول للشافعي: في كل سن خمس من الإبل إلى تمام الدية، ثم لا شيء. وقال سعيد بن المسيب: في الأضراس بعيران. وأجاب الجمهور بأن قوله: "وفي السنن خمس". يشمل الثنايا وغيرها من الأسنان، وقياسًا على الأصابع في عدم المفاضلة.
قوله: "وفي الموضحة خمس". والموضحة: هي التي توضح العظم، أي تكشفه، ذهب إلى هذا العترة والحنفية والشافعية، وقال به أبو بكر وعمر وزيد بن ثابت (1)، ولم يخالفهم أحد من الصحابة. وذهب مالك إلى أنهما إن كانت في الأنف أو اللحي الأسفل فحكومة، وإلا فنصف العُشر. وذهب ابن المسيب إلى أن في الموضحة عُشر الدية. والمراد بالموضحة إذا كانت في الرأس، وحكم الوجه حكم الرأس إجماعًا؛ إذ هما كالعضو الواحد.
قوله: "وأن الرجل يقتل بالمرأة". تقدم الكلام عليه قريبًا (2).
وقوله: "وعلى أهل الذهب" إلخ. تقدم الكلام عليه في أول هذا البحث (3).
978 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دية الخطأ أخماسًا؛ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات
(1) ينظر مصنف عبد الرزاق 9/ 305 - 307 ح 17311، 17317، 17321.
(2)
تقدم ص 384 - 387.
(3)
تقدم ص 424 - 426.
مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بني لبون".
أخرجه الدارقطني، وأخرجه الأربعة بلفظ:"وعشرون بنو مخاض".
بدل: "بني لبون"(1).
وإسناد الأول أقوى. وأخرجه ابن أبي شيبة (2) من وجه آخر موقوفًا، وهو أصح من المرفوع.
وأخرجه أبو داود والترمذي (3) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: "الدية ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها".
الحديث أخرجه الدارقطني بأسانيد، (أإلا أن البيهقي اعترض الدارقطني بعد أن ساق الحديث بأسانيده- وفيها أ):"بنو مخاض". بدل: "بني لبون" - وقال (4): إنّ جعل الدارقطني بني لبون غلط منه. إلا أن البيهقي
(أ- أ) في جـ: وفيه.
_________
(1)
الدارقطني، كتاب الحدود والديات وغيره 3/ 173 ح 265، وأبو داود، كتاب الديات، باب الدية كم هي؟ 4/ 183 ح 4545، والترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء في الدية كم هي من الإبل؟ 4/ 5 ح 1386، والنسائي، كتاب القسامة، باب ذكر أسنان دية الخطأ 8/ 43، 44، وابن ماجه، كتاب الديات، باب دية الخطأ 2/ 879 ح 2631.
(2)
ابن أبي شيبة، كتاب الديات، باب دية الخطأ، كم هي؟ 9/ 133، 134.
(3)
أبو داود، كتاب الديات، باب الدية كم هي؟ 4/ 182 ح 4541، ولفظه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل، ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقه، وعشرة بني لبون ذكرًا، والترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء في الدية كم هي من الإِبل؟ 4/ 6 ح 1387 وليس فيه: "أولادها في بطونها".
(4)
البيهقي 8/ 75.
قال: إنه قد رآه في رواية محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه، وهو إمام في رواية وكيع عن سفيان وقال:"بنو لبون". فلم يكن حينئذ الغلط من الدارقطني، فلعل الخلاف فيه من فوق (1)، وقال البيهقي (2): وفي رواية سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي مجلز عن أبي عبيدة عن ابن (أ) مسعود كذلك: "بني لبون". ورواه من حديث يحيى بن أبي زائدة عن أبيه، وغيره عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود:"بني مخاض".
وقوله: وإسناد الأول أقوى؛ لأن حديث أبي داود فيه خِشْف بن مالك الطائي (3)، قال الدارقطني (4): وهو رجل مجهول، لم يروه عنه إلا زيد بن جبير بن حرمل الجشمي، ولم يروه عن زيد إلا حجاج بن أرطاة (5)، والحجاج مشهور بالتدليس، وبأنه يحدث عمن [لم] (ب) يلقه (جـ) ولم يسمع منه. قال (6): ورواه جماعة من الثقات عن الحجاج واختلفوا عليه فيه. قال البيهقي (7): وكيفما كان فالحجاج غير محتج به، وخشف مجهول، والصحيح أنه موقوف على (د) عبد الله بن مسعود، والصحيح عن عبد الله أنه
(أ) في جـ: أبي.
(ب) ساقطة من: الأصل، جـ. والمثبت من مصدر التخريج.
(جـ) في جـ: نقله.
(د) في جـ: عن.
_________
(1)
التلخيص الحبير 2/ 21.
(2)
البيهقي 8/ 75.
(3)
خشف بن مالك الطائي، وثقه النسائي. التقريب على 193، وينظر تهذيب الكمال 8/ 249.
(4)
الدارقطني 3/ 174.
(5)
تقدمت ترجمته في 2/ 168.
(6)
سنن الدارقطني 3/ 175.
(7)
البيهقي 8/ 76.
جعل أحد أخماسها بني المخاض، في الأسانيد التي ذكرناها، لا (أ) كما توهمه شيخنا أبو الحسنن الدارقطني رحمنا الله وإياه.
وحديث عمرو بن شعيب في دية العمد، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل متعمدًا، دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلائون جذعة، وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم"(1). وذلك لتشديد العقل.
الحديث فيه دلالة على أن دية الخطأ أخماس كما ذكر، وقد ذهب إلى هذا الشافعي ومالك وجماعة من العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة، إلا أن أبا حنيفة جعل مكان "بني لبون""بني مخاض" كما في رواية الأربعة لحديث ابن مسعود.
وذهب الحسن البصري والشعبي والهادي والمؤيد وأبو طالب إلى أن الدية أرباع في الخطأ، وفي العمد أسقط منها ابن اللبون، واحتج لذلك في "البحر" بما رواه السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"دية الإنسان خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض"(2). وهذا الحديث لم أره في شيء من الأصول الستة، وهو مروي عن علي (3) وعن عمر بن عبد العزيز. إلا أن
(أ) ساقطة من: جـ.
_________
(1)
تقدم تخريجه ص 436.
(2)
مسند الحارث ص 183 ح 587 - بغية.
(3)
ابن أبي شيبة 9/ 134، والبيهقي 8/ 74.
الرواية عن علي في الخطأ فقط أخرجها البيهقي (1)، ولم يثبت في ذلك حديث مرفوع. وحديث عمرو بن شعيب أخرجه البيهقي (2) في قتل العمد بلفظ:"من قتل عمدًا دفع إلى ولي المقتول، فإن شاء قتله، وإن شاء أخذ الدية". فذكر الحديث. وأخرجه بهذا اللفظ أبو داود والترمذي والنسائي (3).
واعلم أنه وقع الخلاف في الدية في أسنانها (أ)، وفي أنها تكون أرباعًا أو أخماسًا أو أثلاثًا، فذهب الهادي والمؤيد وأبو ثور إلى أنها أرباع مطلقًا. كما تقدم، وذهب الشافعي ومالك إلى أن الدية تختلف باعتبار العمد وشبه العمد والخطأ، فقالوا: إنها أثلاث. كما تقدم في العمد وشبه العمد، وكذا عند الشافعي إذا وقع الخطأ في الحرم، أو قتل محرمًا من النسب، أو في الأشهر الحرم، قال: لأن الصحابة رضي الله عنهم غلَّظوا في هذه الأحوال، وإن اختلفوا في كيفية التغليظ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة فكان إجماعًا، والمراد بالحرم حرم مكة، لا حرم المدينة، ولا تغليظ في حال الإحرام؛ لأن حرمته عارضة على الأصح، وعند مالك أن شبه العمد ما كان في قصة المدلجي كما مر (4)، وقد ذهب إلى التغليظ (جـ) جماعة من السلف
(أ) في جـ: أسبابها.
(جـ) زاد في الأصل، جـ: بالتغليظ.
_________
(1)
البيهقي 8/ 74.
(2)
البيهقي 8/ 70.
(3)
تقدم تخريجه عند أبي داود والترمذي ص 436، ولم أقف عليه عند النسائي.
(4)
ينظر ما تقدم ص 367 - 369.
منهم عمر وعثمان وابن عباس (1) والزهري وداود وابن المسيب وعطاء وجابر بن زيد وسليمان بن يسار والنخعي وأحمد وإسحاق وغيرهم.
فائدة: وردت الأحاديث الصحيحة في عند الأشهر الحرم بالبداية برجب، وذهب الكوفيون أنه يبدأ بمحرم، وتكون الأربعة من سنة واحدة.
979 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن أعتى الناس على الله ثلاثة، من قتل في حرم الله، أو قتل غير قاتله، أو قتَل لذحْل الجاهلية". أخرجه ابن حبان في حديث صححه (2).
وأخرج الحديث عمر بن شبة (3) من طريق عمرو بن دينار عن الزهري عن عطاء بن يزيد قال: قتل رجل بالمزدلفة -يعني في غزوة الفتح- فذكر القصة، وذكر الحديث بلفظ:"وما أعلم أحدا أعتى على الله من ثلاثة؛ رجل قتل في الحرم" الحديث. ومن طريق [مسعر](أ)، عن عمرو بن مرة، عن الزهري بلفظ:"إن أجرأ الناس على الله". فذكر نحوه، وقال:"وطلب بذحل (ب) الجاهلية". وأخرج البيهقي (4) عن أبي شريح الخزاعي، أن
(أ) في الأصل، جـ: شعيب. والمثبت من مصدر التخريج، وينظر تهذيب الكمال 27/ 461.
(ب) في الفتح: ذحول.
_________
(1)
عبد الرزاق 9/ 298، 301 ح 17282، 17294، وابن أبي شيبة 9/ 325، 326، والبيهقي 8/ 71.
(2)
ابن حبان، كتاب الجنايات، باب القصاص 13/ 340 ح 5996.
(3)
عمر بن شبة -كما في الفتح 12/ 211.
(4)
البيهقي 8/ 26.
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعتى الناس على الله من قتَل غير قاتله، أو طلب بدم في الجاهلية من أهل الإسلام، أو بصَّرَ عينيه ما لم يُبصر". وأخرج (1) من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب: "إن أعدى الناس على الله -وفي حديث سليمان (2): "إن أعتى الناس على الله- القاتل غير قاتله، والضارب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم".
قوله: "أعتى الناس". أفعل تفضيل. أي: زاد في العتوِّ على غيره من الناس وإن شاركوه في الأصل، والعتوُّ: التجبر والتكبر.
وقوله: "ومن قتَل في حرم الله". فيه دلالة على أن المعصية في الحرم تزيد على المعصية في غيره. وقد أخرج الثوري في "تفسيره"(3) عن السدي عن مرة عن ابن مسعود، قال: ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه، إلا أن رجلًا لو همَّ بعدن أن يقتل رجلًا بالبيت الحرام إلا أذاقه الله تعالى من عذاب أليم. وهو سند صحيح، وقد ذكر شعبة أن السدي رفعه لهم، وكان شعبة يرويه موقوفًا (4). وظاهر الحديث أن فعل الصغيرة في الحرم أشد من فعل الكبيرة في غيره، وهو ظاهر قوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} الآية (5). فإن تنكير "الإلحاد" يحتمل جنس الإلحاد ولو حقر؛ إذ لا دلالة على جعل التنوين للتعطم.
وقوله: "أو قتَل غير قاتله". يعني يكون له الدم عند شخص فيقتل
(1) البيهقي 8/ 26.
(2)
هو سليمان بن بلال الراوي عن جعفر بن محمد كما في أحد طريقي البيهقي.
(3)
تفسير الثوري ص 209.
(4)
أحمد 1/ 428، والحاكم 2/ 388. وقال ابن كثير: صحيح على شرط مسلم، ووقفه أشبه من رفعه، ولهذا صمم شعبة على وقفه من كلام ابن مسعود. تفسير ابن كثير 5/ 407.
(5)
الآية 25 من سورة الحج.
غيره ممن لا يكون له مشاركة في القتل.
وقوله: "أو قتَل [لذحْل] (أ) الجاهلية". الذحل بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة، وهو الثأر، أو طلب المكافأة بجناية جنيت عليه من قتل أو غيره، والذحل: العداوة أيضًا، والمراد هنا: هو أن يكون له دم استحقه في الجاهلية فطلبه في الإسلام. وقد فسره حديث أبي شريح. قال المهلب وغيره (1): والمراد أن هؤلاء الثلاثة أعتى أهل المعاصي، وأبغضهم إلى الله، وإلا فالشرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي.
980 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا إن دية الخطأ وشبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها". أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن حبان (2).
الحديث قال ابن القطان (3): هو صحيح، ولا يضره الاختلاف.
وقد تقدم الكلام على ذلك.
981 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذه وهذه سواء" يعني الخنصر والإبهام. رواه البخاري (4).
(أ) في الأصل، جـ: بذحل.
_________
(1)
الفتح 12/ 210.
(2)
أبو داود، كتاب الديات، باب في الخطأ شبه العمد 4/ 184 ح 4547، والنسائي، كتاب القسامة، باب كم دية شبه العمد؟ 8/ 40، وابن ماجه، كتاب الديات، باب دية شبه العمد مغلظة 2/ 877 ح 2627، وابن حبان، كتاب الديات، ذكر وصف الدية في قتيل الخطأ الذي يشبه العمد 13/ 364 ح 6011.
(3)
نصب الراية 4/ 331، والتلخيص الحبير 4/ 15.
(4)
البخاري، كتاب الديات، باب دية الأصابع 12/ 225 ح 6895.
ولأبي داود والترمذي (1): "الأصابع سواء، والأسنان سواء؛ الثنية والضرس سواء". ولابن حبان (2): "دية أصابع اليدين والرجلين سواء؛ عشرة من الإبل لكل إصبع".
تقدم الكلام في ذلك.
982 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه قال: "من تطبب ولم يكن بالطب معروفا، فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن". أخرجه الدارقطني، وصححه الحاكم، وهو عند أبي داود والنسائي وغيرهما (3) إلا أن من أرسله أقوى ممن وصله.
قوله: "من تطبب". صيغة "تفعَّل" تستعمل لمعنى تكلف الشيء كتحكم وتشجع وتصبر؛ أي تكلف ذلك، فـ "تطبب"؛ أي تكلف الطبَّ ولم يكن عارفًا له، وهو من الطب بكسر الطاء فعل الطبيب، وبفتح الطاء الماهر العالم بالأمور بمعنى الطيب، وبضم الطاء اسم موضع، والمراد به علاج الجسم.
والحديث فيه دلالة على أن مَن لم يكن له خبرة بعلاج الجسم فهو متطبب، فالطبيب من كان له شيخ معروف، ويثق من نفسه بجودة الصنعة وإحكام المصلحة، قال في "الهدي النبوي" (4): الطبيب الحاذق هو الذي يراعي في علاجه عشرين أمرا؛ أولها: النظر في نوع المرض من أي الأمراض هو.
(1) أبو داود، كتاب الديات، باب ديات الأعضاء 4/ 187 ح 4559، والترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء في دية الأصابع 4/ 8 ح 1391.
(2)
ابن حبان، كتاب الديات، ذكر الإخبار عما يجب على المرء من الدية. . . 13/ 366 ح 6012.
(3)
الدارقطني، كتاب الحدود والديات وغيره 3/ 195 ح 335، والحاكم، كتاب الطب 4/ 212، وأبو داود، كتاب الديات، باب فيمن تطبب بغير علم فأعنت 4/ 194 ح 4586، والنسائي، كتاب القسامة، باب صفة شبه العمد 8/ 52.
(4)
زاد المعاد 4/ 142 - 144.
الثاني: النظر في سببه.
الثالث: قوة المريض أو ضعفه.
الرابع: مزاج البدن الطبيعي ما هو.
الخامس: المزاج الحادث على غير المجرى الطبيعي.
السادس: سن المريض.
السابع: عادته.
الثامن: الوقت الخاص من فصول السنة وما يليق به.
التاسع: بلد المريض وتربيته.
العاشر: حال الهواء في وقت المرض.
الحادي عشر: النظر في الدواء المضاد لتلك العلة.
الثاني عشر: النظر في قوة الدواء ودرجته، والموازنة بينهما وبين قوة المريض.
الثالث عشر: أن يكون قصده إزالة العلة على وجه يأمن معه حدوث ما هو أصعب منه.
الرابع عشر: أن يعالج بالأسهل فالأسهل.
الخامس عشر: أن ينظر في العلة؛ هل يمكن علاجها بإزالتها أو بتقليلها أو توقيفها ومنع زيادتها؟ وإلا وجب عليه ترك العلاج ومنع نفسه من الطمع.
السادس عشر: ألا يتعرض للخلط (1) قبل نضجه باستفراغ، بل
(1) الخلط، والجمع أخلاط، وهي في الطب القديم؛ أمزجته الأربعة، وهي الصفراء والبلغم والدم والسوداء. الوسيط (ح ل ط).
الواجب تقديم إنضاجه.
السابع عشر: أن يكون له خبرة باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها، فإن انفعال البدن وطبيعته عن النفس والقلب أمر [مشهود](أ)، فعلى الطبيب الحاذق أن يتفقد قلبه ويقوي روحه بالإقبال على الله تعالى بما يقربه إليه؛ لأن هذه لها تأثير في دفع العلل أعظم من الأدوية، ولكن بحسب استعداد النفس وقبولها وعقيدتها.
الثامن عشر: التلطف بالمريض والرفق به كالتلطف بالصبي.
التاسع عشر: أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية والعلاج [بالتخييل](ب)، فإن لحذاق الأطباء في [التخييل](جـ) أمورًا عجيبة ولا يصل إليها الدواء، فالطيب الحاذق يستعين على المرض بكل مُعين.
العشرون: وهو ملاك أمر الطبيب أن يجعل علاجه وتدبيره دائرًا على أركان ستة؛ حفظ الصحة الموجودة، ورد الصحة المفقودة بحسب الإمكان، وإزالة العلة أو تقليلها بحسب الإمكان، واحتمال أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما، فعلى هذه الأصول الستة مدار العلاج، وكل طبيب لا تكون هذه [أَخِيَّتَه](د) التي يرجع إليها فليس بطيب. انتهى.
(أ) في الأصل: مشهور.
(ب) في الأصل، جـ: بالتخيل.
(جـ) في الأصل، جـ: التخيل. والمثبت من مصدر التخريج.
(د) ساقطة من: الأصل، جـ. والمثبت من مصدر التخريج، والأخية: العروة تشد بها الدابة مثنية في الأرض. اللسان (أخ ي).
والطبيب (1) شامل لمن طب بوصفه وقوله، وهو الذي يُخص باسم الطبائعي، وبمِرْوَده (2) وهو الكحال، وبمِبضَعه (3) ومراهمه، وهو الجرائحى، وبموساه وهو الخاتن، وبريشته وهو الفاصد، وبمحاجمه ومشرطه وهو الحجّام، وبخلعه ووصله ورباطه وهو المجَبِّر، وبمكواته وناره وهو الكوَّاء، وبقربته وهو [الحاقن](أ). وسواء كان طبه لإنسان أو لغيره من الحيوان، قاسم الطبيب لغة يشمل هؤلاء.
والحديث فيه دلالة على أن المتعاطي للطب يضمن على أي حال كان إعناته، بالمباشرة أو بالسراية، وسواء كان عمدًا أو خطأ، وقد ادعى في "شرح الإبانة" الإجماع على ذلك، ونسب في "البحر" الخلاف إلى الإمام يحيى في سراية جناية المتعاطي، وأنه لا يضمن، وعلل ذلك بعض المفرعين على مذهب الهادي بأنه عمل عمل الأطباء، وهو مأذون من جهة المعالج، وذكر في "نهاية المجتهد"(4) ولم ينسبه إلى أحد، والظاهر أنه عند المالكية، أنه إذا أعنت كان عليه الضرب والسجن والدية قيل: في ماله. وقيل: على العاقلة. انتهى.
وأما إعنات الطبيب الحاذق فإن كان بالسراية لم يضمن اتفاقًا؛ لأنها سراية فعل مأذون فيه من جهة الشرع، ومن جهة المعالج، وهكذا سراية كل
(أ) في الأصل، جـ: الحافر. والمثبت من مصدر التخريج.
_________
(1)
ينظر فيض القدير 6/ 106.
(2)
المرود: الميل الذي يكتحل به. التاج (ر ود).
(3)
البضع: المشرط. التاج (ب ض ع).
(4)
الهداية في تخريج أحاديث البداية 7/ 483.
مأذون فيه، لم يتعد الفاعل في سببها؛ كسراية الحد، وسراية القصاص عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة في إيجابه الضمان بها. والشافعي فرق بين الفعل المقدر شرعًا كالحد وغير المقدر كالتعزير؛ فلا يضمن في المقدر ويضمن في غير المقدر؛ لأنه راجع إلى الاجتهاد فهو في مظنة العدوان، وإن كان الإعنات بالمباشرة فهو مضمون عليه؛ إن كان عمدًا فعليه، وإن كان خطأ فعلى عاقلته. والله أعلم.
983 -
وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "في المواضح خمس خمس من الإبل". رواه أحمد والأربعة، وزاد أحمد:"والأصابع سواء؛ كلهن عشر عشر من الإبل". وصححه ابن خزيمة وابن الجارود (1).
984 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين". رواه أحمد والأربعة. ولفظ أبي داود: "دية المعاهد نصف دية الحر". وللنسائي: "عقل المرأة مثل عقل الرجل، حتى يبلغ الثلث من ديتها". وصححه ابن خزيمة (2).
985 -
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه، وذلك أن ينزُوَ الشيطان
(1) أحمد 2/ 179، والترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء في الموضحة 4/ 7 ح 1390، وأبو داود، كتاب الديات، باب ديات الأعضاء 4/ 189 ح 4566، وابن ماجه، كتاب الديات، باب الموضحة 2/ 886 ح 8655، والنسائي، كتاب القسامة، باب المواضح 8/ 57، وابن الجارود، في باب الديات ص 297 ح 786.
(2)
أحمد 2/ 183، وأبو داود، كتاب الديات، باب في دية الذمي 4/ 193 ح 4583، والترمذي كتاب الديات، باب ما جاء في دية الكفار 4/ 18 ح 1413، وابن ماجه، كتاب الديات، باب دية الكافر 2/ 883 ح 2644.
فتكون دماء بين الناس في غير ضغينة ولا حمل سلاح". أخرجه الدارقطني وضعفه (1).
حديث المواضح أخرجه البيهقي (2) عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب، أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو. الحديث. وأخرجه من طريق أخرى عن سعيد بن أبي عروبة عن مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأخرجه (3) من حديث عباد بن العوام عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قالا: في الموضحة في الوجه والرأس سواء. وقد تقدم الخلاف في الموضحة.
وأخرج البيهقي (3) عن سليمان بن يسار أنه كان يقول: الموضحة في الوجه مثل الموضحة في الرأس، إلا أن يكون في الوجه عيب فيزاد في موضحة الوجه بقدر عيب الوجه، ما بينه وبين نصف عقل الموضحة - خمسة وعشرون دينارًا. قال: وروينا في ذلك عن عمر بن عبد العزيز وفقهاء أهل المدينة من التابعين.
حديث عقل أهل الذمة، الحديث أخرجه البيهقي (4) من طرق عن عمرو بن شعيب.
وهو يدل على أن أهل الذمة من اليهود والنصارى ديتهم نصف دية المسلم، وقد جاء في بعض ألفاظه: أن عقل أهل الكتابين نصف عقل
(1) الدارقطني، كتاب الحدود والديات وغيره 3/ 95 ح 54 مختصرًا.
(2)
البيهقي 8/ 81.
(3)
البيهقي 8/ 82.
(4)
البيهقي 8/ 101.
المسلمين. وقد ذهب إلى هذا مالك، وأجاب عنه البيهقي (1) بأن ذلك لما كان قيمة المائة من الإبل ثمانمائة دينار بثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين، وروى ذلك عن عمرو بن شعيب، وأن ذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى استخلف عمر. فذكر خطبته في رفع الدية حين غلت الدية (أ)، قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية، فيحتمل أن يكون والله أعلم قوله: على النصف من دية المسلم. راجعًا إلى ثمانية آلاف درهم، فتكون ديته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم، فلم يرفعها عمر فيما رفع من الدية علمًا منه بأنها في أهل الكتاب توقيت، وفي أهل الإسلام تقويم.
قال: ويؤكد هذا ما أخرجه من حديث عمرو بن شعيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم قتل رجلًا من أهل الكتاب أربعة آلاف. فظاهره أن ذلك [مقدر](ب) بذلك، واحتج في "البحر" لمالك بمناسبة، وهي نقصان الكافر فلم يساو (جـ) المسلم، ورد عليه بأن القياس لا يعارض النص، وكأنه غفل عن هذا النص الذي رجع إليه مالك.
وذهب الثوري والزهري وجماعة من التابعين والهدوية وأبو حنيفة وأصحابه إلى مساواة الذمي للمسلم في الدية؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} (2). فذكر الدية
(أ) عند البيهقي: الإبل.
(ب) في الأصل: يتقدر.
(جـ) في جـ: تساو.
_________
(1)
البيهقي 8/ 101.
(2)
الآية 92 من سورة النساء.
والظاهر فيها الإكمال، وبما أخرجه البيهقي (1)، عن ابن جريج عن الزهري، أنها كانت دية اليهودي والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مثل دية السلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان. فلما كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف، وألقى النصف في بيت المال. قال: ثم قضى عمر بن عبد العزيز في النصف، وألقى ما كان جعل معاوية. وبما أخرجه (1) أيضًا عن عكرمة عن ابن عباس قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية العامريين دية الحر المسلم، وكان لهما عهد. وأخرجه (1) من طريق أخرى بلفظ: جعل دية العاهدين دية المسلم. وأخرج (1) أيضًا عن ابن عباس قال: ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من المشركين، وكانا منه في عهدٍ دية الحرين المسلمين. وأخرج (1) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"دية ذمي دية مسلم". وفي لفظ: ودى ذميًّا دية مسلم.
والجواب عن هذا أن الآية الكريمة فيها إجمال، وحديث الزهري رده الشافعي بأنه مرسل، ومراسيل الزهري قبيحة، وأن الرواية الأولى عن عمر أصح، وحديث عكرمة في إسناده سعيد بن المرزبان البقال (2)، ولا يحتج بحديثه، وهو في الطريق الأخرى، وحديث ودى. في إسناده الحسن بن عمارة (3)، وهو متروك، وحديث ابن عمر في إسناده أبو كرز (4)، وهو
(1) البيهقي 8/ 102.
(2)
سعيد بن المرزبان العبسي، مولاهم، أبو سعد البقّال، الكوفي، الأعور، ضعيف مدلس.
التقريب ص 241، وينظر تهذيب الكمال 11/ 52.
(3)
تقدمت ترجمته في 2/ 167.
(4)
عبد الله بن عبد الملك بن كرز بن جابر القرشي الفهري، وقيل في اسمه: عبد الله بن كرز. ضعفه ابن حبان والعقيلي والدارقطني وغيرهم. ينظر الضعفاء الكبير 2/ 275، والمجروحين 2/ 17، ولسان الميزان 3/ 311.
متروك، وذهب الشافعي والناصر إلى أن دية الذمي أربعة آلاف، فتكون ثلث الدية؛ لأن الدية عنده اثنا عشر ألفًا، واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن حزم (1):"في النفس المؤمنة مائة من الإبل". فمفهوم قوله: "المؤمنة". أن غير المؤمنة بخلافها، وبما أخرجه (2) عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قضى في دية اليهودي والنصراني بأربعة آلاف، وفي دية المجوسي بثمانمائة. وأخرج (2) عن سعيد بن المسيب، أن عثمان قضى فيه بأربعة آلاف. فقضاء عمر مبين لما أجمل في مفهوم الصفة، ولم يصح ما تقدم من الروايات فيما يخالف ذلك، وذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى أنه إن قتل عمدًا فمثل المسلم، وإن قتل خطأ فالنصف، ورد عليه في "البحر" بأن الدليل لم يفصل، ولعله يجاب عنه بأنه قد ورد ما يدل عليهما فالجمع بينهما بما ذكر إعمال للدليلين، وهو أولى من العمل بأحدهما دون الآخر.
وقوله: "عقل المرأة". الحديث أخرجه النسائي (3) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج، قال الشافعي (4): وكان مالك يذكر أنه السنة، وكنت أتابعه عليه وفي نفسي منه شيء، ثم علمت أنه يريد أنه سنة أهل المدينة فرجعت عنه.
وأخرج البيهقي (5) عن الشافعي، أنه لما قال ابن المسيب: هي السنة.
(1) تقدم ح 977.
(2)
البيهقي 8/ 100.
(3)
النسائي 8/ 44.
(4)
الإبهاج 2/ 329، التلخيص الحبير 4/ 25.
(5)
البيهقي 8/ 96.
أشبه أن تكون عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عامة من أصحابه، ولا تكون فيما قال سعيد: السنة. إذا كان كان يخالف القياس والعقل إلا علم اتباع فيما نرى والله أعلم. وقد كنا نقول به على هذا المعنى، ثم وقفت عنه، وأسأل الله الخيرة؛ لأنا قد نجد منهم من يقول: السنة. ثم لا نجد لقوله: السنة. نفاذًا بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، والقياس أولى بنا فيها.
والحديث فيه دلالة على أن جراحات المرأة يكون أرشها كأرش جراحات الرجل إلى الثلث، وما زاد على الثلث كانت جراحة المرأة مخالفة، والمخالفة بأن اللازم فيها نصف ما لزم في الرجل؛ وذلك لأن دية النفس هي على النصف من دية الرجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ (1):"دية المرأة على النصف من دية الرجل". وهو إجماع، فيقاس ما دل عليه مفهوم المخالفة من أرش جراحة المرأة على الدية الكاملة، وقد ذهب إلى هذا عمر وجمهور فقهاء المدينة وهو قول مالك وأصحابه وأحمد وإسحاق، ورواه مالك (2) عن سعيد بن المسيب، وعن عروة بن الزبير وهو قول زيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز، وذهب علي وابن شبرمة والليث والثوري والعترة والحنفية والشافعية إلى أن دية المرأة وجراحاتها على النصف من الرجل، وأخرج البيهقي (3) عن الشعبي أن عليًّا رضي الله عنه كان يقول: جراحات النساء على النصف من دية الرجل فيما قل وكثر. وأخرج (3) بإسناد منقطع عن إبراهيم النخعي عن عمر وعن علي مثله، وأخرج (3) عن إبراهيم عن ابن
(1) البيهقي 8/ 95.
(2)
الموطأ 2/ 854.
(3)
البيهقي 8/ 96.
مسعود بإسناد منقطع، وأخرج (1) عن الشعبي عن زيد بن ثابت مثل ذلك، وحجتهم ما تقدم من حديث معاذ.
وقوله: "دية المرأة" الحديث. يشمل القليل والكثير، وهو مجمع عليه في الدية الكاملة، ولا فرق بين القليل والكثير، والفرق بينهما مخالف للقياس؛ ولذلك قال ربيعة لسعيد بن المسيب لما سأله: كم في إصبع المرأة؟ قال سعيد: عشر. قال: كم في اثنتين؟ قال: عشرون، قال: كم في ثلاث؟ قال: ثلاثون، قال: كم في أربع؟ قال: عشرون. قال ربيعة: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها. قال (أ): أعراقي أنت؟ قال ربيعة: قلت: بل عالم متثبت أو جاهل متعلم. قال: يابن أخي، إنها السنة (2). وأجاب في "البحر" و"الانتصار" عن الحديث المذكور بأنه مرسل مخالف للأصول في الأروش وقيم المتلفات، وغيره أرجح منه. هذا لفظ "البحر"، ولفظ "الانتصار": أن الحديث من مراسيل سعيد بن المسيب، والمرسل مختلف فيه متردد في قبوله. انتهى.
ولا يخفى عليك أن الحديث رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والصحيح في حديثه الاتصال، وقد تكرر مثل هذا، وأما قوله: مخالف للأصول في الأروش. فالمراد به أن أروش الجنايات مثل قيم المتلفات، وقيم المتلفات لا تختلف في شيء من المواضع من الثلث وما زاد عليه، فيجاب عنه
(أ) بعده في الأصل، جـ: ربيعة. وهو خطأ.
_________
(1)
البيهقي 8/ 96.
(2)
مالك 2/ 860، والبيهقي 8/ 96.
بأن النص إذا ورد عمل به وإن خالف القياس، والقياس لا يرجع إليه إلا إذا عدم النص. وأما قوله: وغيره أرجح منه. فلا يسلم الرجحان، فإن المعارض آثار وهذا نص، وذهب ابن مسعود وشريح إلى أنهما يتساويان حتى يبلغ أرشها خمسًا من الإبل ثم ينصف، فيكون في موضحتها بعيران ونصف ثم ينصف. هكذا في "البحر" و"الانتصار"، وفي رواية البيهقي (1) عن ابن مسعود، قال: إلا السن والموضحة.
وروى سعيد بن منصور (2) عن هشيم أخبرني مغيرة عن إبراهيم قال: كان فيما جاء به عروة البارقي إلى شريح من عند عمر، أن الأصابع سواء؛ الخنصر والإبهام، وأن جراح الرجال والنساء سواء في السنن والموضحة، وما خلا ذلك فعلى النصف. وفي "نهاية المجتهد" (3): وقالت طائفة: حد دية جراحة المرأة مثل دية جراحة الرجل إلى الموضحة، فإنها تكون على النصف من دية الرجل، وهو الأشهر من قول ابن مسعود، وهو مروي عن عثمان، وبه قال شريح وجماعة، وذهب سليمان بن يسار إلى أنهما يستويان حتى يبلغ أرشها خمس عشرة من الإبل، ثم ينصف فيكون في منقلتها سبع ونصف، وذهب الحسن البصري إلى أنهما يتساويان إلى النصف ثم ينصف.
وقوله: "عقل شبه العمد". الحديث أخرجه البيهقي (4) بإسناده عن
(1) البيهقي 8/ 96.
(2)
البيهقي 8/ 97 من طريق سعيد بن منصور.
(3)
الهداية في تخريج أحاديث البداية 8/ 507.
(4)
البيهقي 8/ 70.
عمرو بن شعيب، ولم يضعفه البيهقي.
والحديث فيه دلالة على أنه حيث وقع الجرح ولم يكن ثَمَّ قصد إلى الجرح، ولم يكن ذلك بالسلاح بل كان بحجر أو عصا أو نحوهما -أنه شبه العمد لا يوجب القصاص، وإنما فيه الدية فقط، وأن فيه الدية مغلظة كالعمد، كما تقدم التغليظ في العمد على الخلاف فيه (أ)، وقد تقدم الخلاف في شبه العمد، والقائل به الحنفية والشافعية، والله أعلم.
986 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل رجل رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا. رواه الأربعة ورجح النسائي وأبو حاتم إرساله (1).
الحديث رواه أصحاب "السنن" من حديث عكرمة، واختلف فيه على عمرو بن دينار، فقال محمد بن مسلم الطائفي عنه عن عكرمة. هكذا، وقال ابن عيينة: عن عمرو بن دينار مرسلًا. قال ابن أبي حاتم (2) عن أبيه: المرسل أصح. وتبعه عبد الحق، وقد رواه الدارقطني (3) من حديث محمد بن ميمون عن ابن عيينة موصولًا، قال محمد بن ميمون: وإنما قال لنا فيه: ابن عباس. مرة واحدة، وأكثر ذلك كان يقول: عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(أ) ساقطة من: جـ.
_________
(1)
أبو داود، كتاب الديات، باب الدية كم هي؟ 4/ 183 ح 4546، وابن ماجه، كتاب الديات، باب دية الخطأ 2/ 878 ح 2629، والترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء في الدية كم هي؟ 4/ 6 ح 1388، والنسائي، كتاب القسامة، باب ذكر الدية من الورق 8/ 44.
(2)
علل ابن أبي حاتم 1/ 462، 463، 1391.
(3)
الدارقطني 3/ 130.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه"(1) عن ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة مرسلًا. قال ابن حزم (2): وبهذا رواه مشاهير أصحاب ابن عيينة. وأخرج البيهقي (3) من حديث أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن أجلس مع قوم" الحديث. وفي آخره: "أحب إلى من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل، دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفًا". وأخرج البيهقي (4) عن علي وعائشة وأبي هريرة وعمر بن الخطاب مثل ذلك.
والحديث فيه دلالة على أن الدية من الفضة اثنا عشر ألفًا، وقد ذهب إلى هذا مالك، وقول الشافعي بالعراق، ورواه أهل المدينة عن عمر بن الخطاب (4)، قال الشافعي (5): روى عطاء ومكحول وعمرو بن شعيب وعدد من الحجازيين عن عمر، ولم أعلم بالحجاز أحدًا خالف فيه [عنهم](أ)، ولا عن عثمان بن عفان، وذهب أهل العراق والهادي والمؤيد إلى أنها عشرة آلاف درهم، قال في "البحر": لقول علي به، وهو توقيف. ورواه محمد بن الحسن الشيباني (6) عن عمر قال: بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه فرض على أهل الذهب ألف دينار في الدية، وعلى أهل الورق عشرة
(أ) في الأصل، جـ: عنه. وفي الأم: عن الحجازيين.
_________
(1)
عبد الرزاق 9/ 296، 297 ح 17273.
(2)
المحلى 12/ 92.
(3)
البيهقي 8/ 79.
(4)
البيهقي 8/ 80.
(5)
الأم 7/ 306.
(6)
الآثار لمحمد بن الحسن ص 120 ح 554، والحجة على أهل المدينة ص 258، 259.
آلاف درهم، قال: حدثنا بذلك أبو حنيفة عن الهيثم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب. والله أعلم.
987 -
وعن أبي رِمثة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابني، فقال:"من هذا؟ ". فقلت: ابني وأشْهَدُ به. قال: "أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه". رواه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة وابن الجارود (1).
أبو رمثة بكسر الراء وسكون الميم، وبالثاء المثلثة وهو رفاعة بن يثربي بفتح الياء المنقوطة باثنتين من أسفل وسكون الثاء المثلثة وبالراء وبالباء الموحدة بعدها ياء النسبة، التيمي، ويقال: التميمي. وفي اسمه خلاف كبير. وقيل: عمارة. وقيل: يثربي بن عوف. وقيل غير ذلك، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيه، وعداده في الكوفيين، روى عنه إياد بن لقيط.
الحديث أخرجه أيضًا أحمد والحاكم (2)، وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه (3) من حديث عمرو بن الأحوص، أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني جان
(1) أبو داود، كتاب الديات، باب لا يؤخذ أحد بجريرة أخيه 4/ 167 ح 4495، والنسائي، كتاب القسامة، باب هل يؤخذ أحد بجريرة غيره؟ 8/ 53، وابن الجارود، باب في الديات ص 292 ح 770، وعند أبي داود: عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم. وعند النسائي: عن أبي رمثة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي.
(2)
أحمد 2/ 226، والحاكم 2/ 425.
(3)
أحمد 3/ 498، والترمذي 4/ 401 ح 2159، وابن ماجه 2/ 890 ح 2669. والحديث ليس عند أبي داود.
على ولده". وأحمد وابن ماجه (1) من رواية الخشخاش العنبري نحو حديث أبي رمثة، ولأحمد والنسائي (2) معناه من رواية ثعلبة بن زَهْدم، وللنسائي وابن ماجه وابن حبان (3) من رواية طارق المحاربي، ولابن ماجه (4) من رواية أسامة بن شريك.
والحديث فيه دلالة على أنه لا يطالب أحد بجناية غيره، سواء كان قريبًا كالأب والولد أو غيرهما أو أجنبيًّا، فالجاني يطالب وحده بجنايته ولا يطالب بجنايته غيره، وهو كقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} (5).
والجناية الذنب والجرم، وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص في الدنيا والآخرة، ولا يرد على ذلك ما قد ثبت من تحمل العاقلة في جناية الخطأ والقسامة، فإن ذلك ليس من تحمل عقوبة الجناية، وإنما هو من باب النصرة والتعاضد فيما بين المسلمين.
(1) أحمد 4/ 344، وابن ماجه 2/ 890 ح 2671.
(2)
أحمد 4/ 64، والنسائي 8/ 53.
(3)
النسائي 8/ 55، وابن ماجه 2/ 890 ح 2670، وابن حبان 14/ 517 ح 6562.
(4)
ابن ماجه 2/ 890 ح 2672.
(5)
الآية 164 من سورة الأنعام.