الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحضانة
الحضانة مصدر بكسر الحاء المهملة، من حضن الصبي حضنا وحضانة بالكسر، جعله في حضنه أو رباه، [كاحتضنه [(أ)، والطير بيضه حضنا وحضانا وحضانة بكسرهما وحضونا، وهو مأخوذ من الحضن بكسر الحاء، وهو ما دون الإبط إلى الكشح، [أو](ب) لصدر والعضدان وما بينهما، وجانب الشيء وناحيته، كذا في "القاموس"(1)، ولم يضبطه في الضياء بالكسر، وما أطلق فهو مفتوح. وهي في الشرع: حفظ من (جـ) لا يستقل بأمره وتربيته ووقايته عما يهلكه أو يضره.
955 -
وعن عبد الله بن [عمرو](د) رضي الله عنهما، أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، كان أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنت أحق به ما لم تنكحي". رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم (2).
الحديث.
(أ) في الأصل: كأحضنته.
(ب) في الأصل، جـ: و. والمثبت من القاموس المحيط.
(جـ) في جـ: ما.
(د) في الأصل، جـ: عمر. وانظر مصادر التخريج وكلام المصنف التالي.
_________
(1)
القاموس المحيط (ح ض ن).
(2)
أحمد 2/ 182، وأبو داود، كتاب الطلاق، باب من أحق بالولد 2/ 292 ح 2276، والحاكم، كتاب الطلاق 2/ 207.
قال المصنف رحمه الله (1): أخرجوه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. ووقع في الأصل (2)"ابن عمر" بضم العين، وهو وهم، وإنما هو ابن عمرو بن العاص.
وقوله: وعاء. [بفتح] الواو والد، وقد يضم، كذا في "القاموس"(3)، وهو الظرف، والسقاء ككساء [جلد](أ) السخلة إذا أجذع، يكون للماء واللبن، والحواء بكسر الحاء والمد اسم المكان الذي يحوى الشيء؛ أي يضمه ويجمعه، والمراد من هذا أن الأم شاركت الأب في الولادة وزادت عليه بهذه الخصوصيات، فكان الولد أمس بها وأقرب رحما (ب)، فاستحقت التقدم عند المنازعة في الولد، وفي هذا تنبيه على المعنى المقتضي للحكم وأن المعاني والعلل معتبرة في إثبات الأحكام مستقرة في الفطر السليمة حتى فطر النساء، فالحديث يدل على أنه إذا تنازع الأبوان في حضانة الصغير الذي لا يستغني بنفسه، فالأم أحق به ما لم يحصل ما يمنعها من الحضانة، والظاهر أن هذا الحكم مجمع عليه، وقد قضى به أبو بكر بين عمر وزوجته من الأنصار أم ولده عاصم بعد أن
(أ) في الأصل، جـ: جلدة، والمثبت من القاموس المحيط (س ق ي).
(ب) بعده في جـ: منها.
_________
(1)
التلخيص الحبير 4/ 11.
(2)
هذا من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله، ويقصد به شرح الوجيز للرافعي.
(3)
القاموس (وع ي) وضبطه بالكسر وقال: ويضم. وينظر التاج (وع ي).
طلقها وأخذ ولده منها، فقال أبو بكر: خل بينها وبين ولدها. قال ابن عبد البر (1): رلي ي هذا من وجوه منقطعة ومتصلة، تلقاه أهل العلم بالقبول (أوالعمل أ)، ورواه مالك في "الموطأ" (2). قال بهابن عبد البر: وفيه دليل [على أن عمر](ب) كان مذهبُه في ذلك خلف مذهب أبي بكر، لكنه سَلَّمَ [للقضاء](جـ) وقضى به في خلافته، ولم يخالفهما أحد من الصحابة. وقد أخرج مثل هذا عبد الرزاق (3) عن ابن عباس، وفي آخر القصة أنه قال: ريحها وفراشها وحرها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه. وقال في رواية الثوري (4): الأم أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأخبر وأرأف، هي أحق بولدها ما لم تتزوج.
وقوله: "ما لم تنكحي". فيه دلالة على أن حق الحضانة للأم يبطل بالنكاح، وقد ذهب إلى هذا العترة وأبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد في المشهور عنه، وقال ابن المنذر (5): أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل
(أ- أ) ساقطة من: جـ.
(ب) ساقطة من: الأصل.
(جـ) في الأصل، جـ: القضاء، والمثبت من مصدر التخريج.
_________
(1)
الاستذكار 23/ 66.
(2)
الموطأ 2/ 767 ح 6
(3)
عبد الرزاق 7/ 154 ح 12601.
(4)
عبد الرزاق 7/ 154 ح 12600.
(5)
الإجماع ص 43، والإشراف على مذاهب أهل العلم 1/ 132.
العلم. وقضى به شريح (1). وهذا هو المدلول عليه بمفهوم الشرط.
وذهب الحسن البصري (2)، وهو قول أبي محمد بن حزم (3)، إلى أن الحضانة لا تسقط بالنكاح. قال ابن حزم: فإن أنس بن مالك كان عند والدته وله من العمر عشر سنين، وأتى به أبو طلحة زوج والدته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان عند والدته وهي مزوجة، وكذا أم سلمة تزوجت بالنبي صلى الله عليه وسلم وبقي ولدها في كفالتها، وكذا ابنة حمزة قضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وهي مزوجة. قال ابن حزم: وما احتج به الجمهور من حديث عبد الله بن عمرو ففيه مقال، وأنه صحيفة، وكذلك ما احتجوا به مما رواه عبد الرزاق (4) من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: كانت امرأة من الأنصار تحت رجل من الأنصار، فقتل عنها يوم أحد، وله منها ولد، فخطبها عم ولدها ورجل إلى أبيها، فأنكح الآخر، فجاءت (أ) النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أنكحني أبي رجلا لا أريده، وترك عم ولدى، فأخذ مني ولدي. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أباها، فقال:"أنت الذي لا نكاح لك، اذهبي فانكحي عم ولدك". فلم ينكر أخذ الولد منها لما تزوجت، بل أنكحها عم الولد لتبقى لها الحضانة- فهو مرسل. وأجيب عنه بأن حديث عمرو بن شعيب (5) قبله الأئمة وعملوا
(أ) بعده في جـ: إلى.
_________
(1)
عبد الرزاق 7/ 157 ح 12610.
(2)
القرطبي 3/ 164، وعون المعبود 6/ 267.
(3)
المحلى 11/ 745 - 747.
(4)
عبد الرزاق 6/ 147 ص 10304.
(5)
عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق. التقريب ص 423، وينظر تهذبب الكمال 22/ 64.
به؛ كالبخاري وأحمد وابن المديني والحميدي وإسحاق بن راهويه وأمثالهم، فلا يلتفت إلى القدح فيه، وأما حديث أبي سلمة (1) فهو من كبار التابعين، وقد حكى القصة عن الأنصارية، ولا ينكر لقاؤه لها، فلا يتحقق الإرسال، ولو تحقق الإرسال فمرسل جيد له شواهد مرفوعة وموقوفة، فليس الاعتماد عليه وحده، والإسناد كان كان فيه رجل مجهول، فإنه قال: أبو الزبير، عن رجل صالح من أهل المدينة. فهو من باب تعديل الراوي لمن روى عنه، كان لم يذكر اسمه فهو خارج عن الجهالة، فإن التدليس إنما أكثر (أ) في المتأخرين أن يقع التدليس مع غير ثقة، وأبو الزبير (2) وإن كان قد يقع منه التدليس فليس معروفًا بالتدليس عن المتهمين والضعفاء، فإن تدليسه من جنس تدليس السلف عن غير متهم ولا مجروج، وأما ما احتج به فهو لا يتم إلا مع طلب من تنتقل إليه الحضانة، وأما مع عدم طلبه فلا نزاع في أن للأم المزوجة أن تقوم بولدها، حيث لا منازع لها، ولم يذكر في القصص المذكورة أنه حصل نزاع في ذلك، وذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه؛ نص عليه في رواية مهنا بن يحيى الشامي، فقال (3): إذا تزوجت الأم وابنها صغير أخذ منها. قيل له: والجارية مثل الصبي؟ قال: لا، الجارية تكون مع أمها إلى سبع سنين. وقال ابن أبي موسى: وعن أحمد أن الأم
(أ) في حاشية الأصل: ذكر. وأشار أنها نسخة.
_________
(1)
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ، المدني، قيل: اسمه عبد الله. وقيل: إسماعيل.
ثقة مكثر. التقريب ص 645، وينظر تهذيب الكمال 33/ 370.
(2)
تقدمت ترجمته ص 18.
(3)
المغني 11/ 420، وزاد المعاد 5/ 454، 455.
أحق بحضانة البنت وإن تزوجت إلى أن تبلغ.
وقول رابع: أنها إذا تزوجت بنسيب من الطفل لم تسقط حضانتها.
ثم اختلف أصحاب هذا القول على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المشروط أن يكون الزوج نسيبًا للطفل فقط. وهذا ظاهر قول أحمد.
الثاني: أنه يشترط مع ذلك أن يكون ذا رحم محرم. وهو قول أصحاب أبي حنيفة والهدوية.
الثالث: [أنه يشترط أن يكون بين الزوج وبين الطفل إيلاد؛ بأن يكون جدًّا للطفل. وهذا قول مالك وبعض أصحاب أحمد](أ).
956 -
[و](ب) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن امراة قالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة (1). فجاء زوجها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا غلام، هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت". فأخذ بيد أمه فانطلقت به. رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي (2).
(أ) كتب في الأصل، جـ: بياض، والمثبت من زاد المعاد 5/ 455.
(ب) ساقطة من: الأصل.
_________
(1)
بئر بينها وبين مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدار ميل. معجم البلدان 1/ 434.
(2)
أحمد 2/ 246، وأبو داود، كتاب الطلاق، باب من أحق بالولد 2/ 292 ح 2277، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب تخيير الصبي بين أبويه 2/ 787، 788 ح 2351، والنسائي، كتاب الطلاق، باب إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد 6/ 186، والترمذي، كتاب=
الحديث أخرجوه من حديث هلال بن (أأبي ميمونة أ) عن أبي هريرة، وفي رواية ابن أبي شيبة (1) عن أبي هريرة، قال؛ جاءت امراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"استهما فيه". وصححه ابن القطان.
الحديث فيه دلالة على أن الصغير بعد استغنائه بنفسه يخير بين الأم والأب، وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأصحابه والإمام يحيى؛ لهذا الحديث، وأخرج البيهقي (2) من طريق الشافعي، أن عمر خير غلاما بين أبيه وأمه. وأخرج أيضًا من طريق الشافعي عن عمارة الجرمي قال: خيرني علي رضي الله عنه بين أمي وعمي، ثم قال لأخ في أصغر مني: وهذا أيضًا لو قد بلغ مبلغ هذا لخيرته. قال الشافعي: قال إبراهيم في روايته مثله، وزاد في الحديث: وكنت ابن سبع أو ثمان سنين. وفي رواية يحيى القطان (3) أنه اختصم فيه أمه وعمه إلى علي بن أبي طالب، قال: فخيرني علي ثلاثًا، كلهن أختار أمي ومعي أخ لي صغير، فقال علي: هذا إذا بلغ مبلغ هذا خير. وذهب إلى هذا إسحاق بن راهويه، قال حرب بن إسماعيل: سألته: إلى متى يكون الصبي مع الأم إذا طلقت؟ قال: أحب أن يكون مع الأم (ب) إلى
(أ- أ) في جـ: ميمون. واختلف في اسمه؛ فقيل: هلال بن علي بن أسامة. وقيل: هلال بن أبي ميمونة، وقيل: هلال بن أبي هلال. تهذيب الكمال 30/ 343.
(ب) في جـ: الأب.
_________
= الأحكام، باب ما جاء في تخيير الغلام بين أبويه 3/ 638 ح 1357.
(1)
ابن أبي شيبة 5/ 236.
(2)
البيهقي 8/ 4.
(3)
المحلى 11/ 750، 751.
سبع سنين، ثم يخير. قلت له: أترى التخيير؟ قال: شديدا (أ). قلت (ب): فأقل من سبع سنين لا يخير؟ قال: قد قال بعضهم إلى خمس، وأنا أحب إلى سبع.
وذهب الإمام أحمد إلى أن الصغير إلى دون سبع سنين أمه أولى، كان بلغ سبع سنين فالذكر فيه ثلاث روايات؛ [إحداها](جـ) -وهي الرواية الصحيحة المشهورة من مذهبه- أنه يخير، وهي اختيار أصحابه، وإن لم يخير أقرع بينهما، كان رجع في اختياره نقل إليه.
والثانية: أن الأب أحق به من دون تخيير.
والثالثة: الأم أحق به كما قبل السبع.
وفي الأنثى، المشهور من مذهبه أن الأم أحق بها إلى تسع سنين، فإذا بلغت تسع سنين فالأب أحق بها من غير تخيير، ورواية عنه أن الأم أحق بها حتى تبلغ، ولو تزوجت الأم، ورواية عنه أنها تخير بعد التسع كالذكر.
وذهبت الهدوية ومالك وأبو حنيفة إلى أنه لا يخير، إلا أنه قالت الهدوية وأبو حنيفة: إن الأم أولى بهما إلى وقت الاستغناء بالنفس، ومتى حصل الاستغناء بالنفس فالأب أولى بالذكر، والأم بالأنثى.
وقال مالك: الأم أحق بالولد، ذكرًا كان أو أنثى. وروى ابن القاسم: حتى يبلغ، ولا يخير بحال.
(أ) في الأصل: سديدا. وشديدا يعني حقًّا صحيحًا. مشارق الأنوار 2/ 246.
(ب) في الأصل: قال.
(جـ) في الأصل، جـ: أحدها، والمثبت هو الصواب.
وفي رواية الإمام المهدي في "البحر" أن الأم أولى بالأنثى حتى تزوج ويدخل بها الزوج، والذكر للأب حتى يبلغ، إذ لا استغناء قبل ذلك.
وقال الليث بن سعد: الأم أحق بالابن حتى يبلغ ثمان سنين، وبالبنت حتى تبلغ، ثم الأب أحق بهما بعد ذلك.
وقال الحسن بن حي: الأم أولى بالبنت حتى [يكعب](أ) ثدياها، وبالغلام حتى ينفع، فيخيران بعد ذلك بين أبويهما.
وحجة من لم يقل بالتخيير عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق به ما لم تنكحي". ولو كان الاختيار إلى الصغير لم تكن أحق به. والجواب عنه بأن هذا؛ إما عام باعتبار الزمان المقدر، أو مطلق خصص أو قيد بما ثبت من التخيير، فلا معارضة.
ودليل من قال بتخيير الذكر دون الأنثى، أن التخيير وقع في حق الولد الذكر في حديث أبي هريرة، ولكنه في حديث رافع الآتي قريبًا في رواية أن المخير أنثى، فإذا صح ذلك فلا يتم الاحتجاج، مع أن القياس للأنثى على الذكر بجامع الصغر (ب) صحيح، وإن أمكن أن يقال: وصف الذكورة صالح لاعتباره في التخيير. وذلك لأن الولد الذكر للاعتناء بشأنه ومحبته عند والدته لا يكون اختياره لأحدهما منفرًا للآخر عنه، بخلاف الأنثى فإنها إذا اختارت الأم مثلًا كان ذلك منفرًا للأب عن محبتها مع ما جبلت نفوس كثير من الناس ولا سيما الأعراب على بغض الإناث، فيكون ذلك مفضيًا
(أ) في الأصل: تكعب. وكعوب الثدي: نهوده.
(ب) في هامش الأصل: الصفة.
إلى تضييع حقها ومنعها عن كثير من المصالح، ولأن الصغير ينقل إلى من اختار ثانيًا، وفي حق الأنثى ذلك ينافي ما يعتبر في حقهن من الحجاب ولزوم البيوت وعدم صيانتها عن البروز.
وإذا لم يختر الصبي واحدًا منهما، ففي وجه في مذهب أحمد والشافعي يكون للأم بلا قرعة، لأن الحضانة كانت لها، وإنما نقل عنها باختياره، وإذا لم يختر بقي على الأصل، والأظهر أنه يقرع بينهما، وقد جاءت القرعة في رواية في حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي (1) بلفظ: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "استهما". فقال الرجل: من يحول بيني وبين ولدي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للابن: "اختر أيهما شئت". فاختار أمه فذهبت به. فذكر الاستهام دليل على اعتباره، لكن الاختيار مقدم عليه، والقرعة هي طريق شرعي يعتبر عند تساوي المستحقين، وقدم الاختيار عليها لاتفاق ألفاظ الحديث عليه وعمل الخلفاء الراشدين به.
واعلم أن الحضانة معتبر فيها رعاية حق الحاضن، ومصلحة المحضون، ولهذا قال مالك والليث: إذا لم تكن الأم في موضع حرز وتحصين أو كانت غير مرضية، فللأب أخذ البنت منها. وكذلك الإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه، وكذا الأب فإنه تعتبر قدرته على الحفظ والصيانة، فإن كان مهملًا لذلك، أو عاجزًا عنه، أو غير مرضي، أو ذا دياثة، والأم بخلافه، فهي أحق بلا ريب. وقال في "الهدي النبوي" (2): إن من قدم بتخيير أو
(1) البيهقي 8/ 3.
(2)
زاد المعاد 5/ 474، 575.
قرعة أو بنفسه، فإنما هو إذا حصلت به مصلحة الولد، ولو كانت الأم أصون من الأب وأغير منه قدمت عليه، ولا التفات إلى قرعة ولا اختيار الصبي في هذه الحالة، فإنه ضعيف العقل يؤثر البطالة واللعب، فإذا اختار من يساعده على ذلك لم يلتفت إلى اختياره، وكان عند من هو أنفع له وخير، ولا تحتمل الشريعة غير هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال:"مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم على تركها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع"(1). والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (2). وقال الحسن: علموهم وأدبوهم وفقهوهم. فإذا كانت الأم تتركه في المكتب أو تعلمه القرآن، والصبي يؤثر اللعب ومعاشرة أقرانه، وأبوه يمكنه من ذلك، فأمه أحق به ولا تخيير ولا قرعة، وكذلك العكس، ومتى أخل أحد الأبوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطله والآخر مراع له فهو أحق وأولى به، وسمعت شيخنا رحمه الله يقول: تنازع أبوان صبيًّا عند الحاكم، فخيره بينهما فاختار أباه، فقالت أمه: سله لأي شيء يختاره. فسأله، فقال: أمي تبعثني كل يوم [للمكاتب](أ) والفقيه يضربني، وأبي يتركني ألعب مع الصبيان. فقضى به للأم، وقال: أنت أحق به. قال شيخنا: وإذا ترك أحد الأبوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله عليه فهو عاص، ولا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولاية
(أ) في الأصل، جـ: للمكاتب. والمثبت من زاد المعاد 5/ 475.
_________
(1)
أحمد 2/ 180، وأبو داود 1/ 131 ح 495.
(2)
الآية 6 من سورة التحريم.
له، بل إما أن يرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب، وإما أن يضم إليه من يقوم بالواجب معه، إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان. قال شيخنا: وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء، وسواء كان الوارث فاسقًا أو صالحًا، بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان. قال: فلو قدر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته ولا تقوم بها، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرة، فالحضانة هنا للأم قطعًا. انتهى كلامه، وهو كلام حسن لا بد من اعتباره، والله أعلم.
957 -
وعن رافع بن سنان رضي الله عنه أنه أسلم، وأبت امرأته أن تسلم، فأقعد النبي صلى الله عليه وسلم الأم في ناحية والأب في ناحية، وأقعد الصبي بينهما، فمال إلى أمه فقال:"اللهم اهده". فمال إلى أبيه، فأخذه. أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم (1).
الحديث في سنده اختلاف كثير وألفاظ مختلفة (2)، قال ابن المنذر: لا يثبته أهل النقل، وفي إسناده مقال. المقال في عبد الحميد بن جعفر بن رافع (3) ضعفه الثوري ويحيى بن سعيد، وثبت عند الدارقطني أن الصبي أنثى، واسمها عميرة، وقال ابن الجوزي: رواية من روى أنه كان غلامًا أصح. وقال ابن القطان: لو صح رواية من روى أنها بنت، لاحتمل أن تكون قصتين، لاختلاف المخرجين.
(1) أبو داود، كتاب الطلاق، باب إذا أسلم أحد الأبوين 2/ 280 ح 2244، والنسائي، كتاب الطلاق، باب إسلام أحد الزوجين 6/ 185، والحاكم، كتاب الطلاق 2/ 206، 207.
(2)
ينظر التلخيص الحبير 4/ 11.
(3)
تقدمت ترجمته في 3/ 73.
الحديث فيه دلالة على ثبوت الحضانة للأم الكافرة وإن كان ولدها مسلمًا، فإن التخيير دليل ثبوت الحق، فلو كان لا حق لها في الحضانة لم يخير الصغير، وقد ذهب أهل الرأي وابن القاسم وأبو ثور إلى هذا، وذهب الجمهور إلى أنه لا حضانة للكافرة على ولدها المسلم، قالوا: لأن الحاضن حريص على تربية الطفل على دينه، وأن ينشأ عليه، فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه، وقد يغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده، ولأن الله سبحانه قطع الموالاة بين المسلمين والكفار، وجعل المسلمين بعضهم أولياء بعض. وأجابوا عن الحديث بما عرفت من التضعيف وبما فيه من الاضطراب، فروي أنه كان الخير ابنًا، وروي بنتًا، وقال إمام الحرمين: إن هذه القصة كانت في مولود غير مميز. والجواب غير مفيد، فإن المانعين لم يفرقوا، وبالنسخ قال القاضي مُجَلِّي، ولعل النسخ وقع بقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلً} (1). وبأنه هو قد عرف أن دعاءه يستجاب، وأن الصبي يختار الأب، ولا يخفى بُعدُ الأجوبة، وأن أشدها تضعيف الحديث، ومن العجب أن المثبتين لحضانة الكافرة لا يثبتون حضانة الفاسق، وقد اشترط العدالة وعدم الفسق أصحاب أحمد والشافعي والهدوية وغيرهم، واشتراطها في غاية البعد، ولو اشترط في الحاضن العدالة لضاع أطفال العالم ولعظمت المشقة على الأمة واشتد العنت، ولم يزل من [حين](أ) ظهر الإسلام إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق بينهم لا يتعرض
(أ) في الأصل: حيث.
_________
(1)
الآية 141 من سورة النساء.
لهم أحد في الدنيا مع كونهم الأكثرين، ولم يعلم في الإسلام أنه انتزع [طفل](أ) من أبويه أو من أحدهما بفسقه، ولم يزل الفسق في الناس، ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة فاسقًا من تربية ابنه وحضانته له، [مع العلم](5) بأنه وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه شرب الخمر والزنى والسرقة وغير ذلك، ولم ينتزع طفل من أبيه لذلك. وقد اشترط في الحاضن أن يكون عاقلًا، فلا حضانة لمجنون ولا لمعتوه ولا طفل، لأنهم محتاجون إلى من يحضنهم ويكفلهم. وقد اشترط الحرية، قالوا: لأن المملوك لا ولاية له على نفسه، فلا يتولى غيره، والحضانة ولاية، وقد اشترطها الهدوية وأصحاب الأئمة الثلاثة، وقال مالك في حر له ولد من أمة: إن الأم أحق به إلا أن تباع فتنتقل، فيكون الأب أحق بها. وهذا صحيح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا قوله والدة عن ولدها"(1). وقال: "من فرق بين الدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة"(2). ومنافعها وإن كانت مملوكة للسيد، فحق الحضانة وإن استغرق وقتًا فهو مستثنى من ذلك كالأوقات التي تستثنى للمملوك في حاجة نفسه وعبادة ربه.
958 -
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة حمزة لخالتها، وقال:"الخالة بمنزلة الأم". أخرجه البخاري (3).
(أ) في الأصل: الطفل.
(ب) ساقط من: الأصل.
_________
(1)
تقدم في 6/ 110.
(2)
تقدم ح 646.
(3)
البخاري، كتاب الصلح، باب كبف يكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان
…
5/ 303، =
وأخرجه أحمد (1) من حديث علي فقال: "والجارية عند خالتها، فإن الحالة والدة".
الحديث فيه دلالة على ثبوت حق الخالة في الحضانة وأنها بمثابة الأم، وكأن التشبيه بالأم يقضي بأنها أولى من الأب ومن أم الأم، ولكن خص ذلك الإجماع، وظاهره أن حضانة المرأة المزوجة أولى من الرجال، فإن عصبة المذكورة من الرجال موجودون طالبون للحضانة، كما تدل عليه القصة، واختصام علي وزيد وجعفر بعد خروجهم من مكة في عمرة القضاء، وتبعتهم بنت حمزة -واسمها عمارة، وقيل: فاطمة. وقيل: أمامة. وقيل: أمة الله. وقيل: سلمى. وأمامة هو المشهور- وهي تنادي: يا عم يا عم. فأخذ علي بيدها، ثم تنازع فيها الثلاثة. وفي رواية للبخاري (أ): حتى ارتفعت أصواتهم، فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه. فقال علي: أنا أخرجتها وهي بنت عمي. زاد أبو داود (2): وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحق بها. وقال جعفر: بنت عمي، وخالتها تحتي. أي زوجتي، وقال زيد بن حارثة: بنت أخي. أراد أنه وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها. وفي رواية ابن عباس (3): فقال: "جعفر أولى بها". وفي حديث علي عند أبي داود وأحمد (4): "وأما الجارية فأقضي بها
(أ) كذا في الأصل، جـ، وعزاها الحافظ في الفتح 7/ 506 إلى ابن سعد وهي في الطبقات 4/ 35.
_________
= 304 ح 2699، وكتاب المغازي، باب عمرة القضاء 7/ 499 ح 4251.
(1)
أحمد 1/ 98.
(2)
أبو داود 2/ 292، 293 ح 2278.
(3)
الطبقات الكبرى 8/ 159.
(4)
أبو داود 2/ 292، 293 ح 2278، وأحمد 1/ 230.
لجعفر". وفي رواية [أبي سعيد السكري] (أ): "ادفعاها إلى جعفر، فإنه أوسعكم". وقال:"الخالة بمنزنة الأم". وقد استشكل كثير من الفقهاء هذا، فإن القضاء إن كان لجعفر فليس محرمًا لها، وهو وعلي سواء في القرابة، كان كان للخالة فهي مزوجة، ولهذا إن ابن حزء (1) طعن في القصة بجميع طرقها، وقد رد عليه في ذلك؛ وكفى بصحتها عند البخاري، وإنما غرَّد تضعيف علي ابن المديني لإسرائيل (2)، ولكنه أبي تضعيفه سائر أهل الحديث ووثقوه وثبتوه، قال أحمد (3): ثقة. تعجب من حفظه، وقال أبو حاتم (4): هو أتقن أصحاب أبي إسحاق. وهو كان يحفظ حديث أبي إسحاق كما يحفظ السورة من القرآن، وسائر الطرق كذلك لا مطعن فيها وقد رد عليه، فإن كان الحكم للخالة كما هو الظاهر، فالنكاح لا يسقط حقها من حضانة البنت كما هو إحدى الروايتين عن أحمد، أو لأن نكاحها تقريب من المحضونة، فلا تسقط حضانتها كما هو المشهور في مذهب أحمد، أو لأن الحق في المزوجة للزوج، فإذا رضي بالحضانة وأحب بقاء الطفل في حجره لم تسقط الحضانة، وهذا وجه صحيح، فإن السر في ذلك مراعاة حق الزوج وتوفر المرأة لمطالبه منها، والحضانة تشغل عن ذدك، فإذا رضي بذلك أسقط حقه، وقد ذهب إلى هذا الحسن البصري ويحيى بن حمزة، وهو مذهب [أبي](ب) محمد بن حزم، أو
(أ) في الأصل، جـ: سعيد البكري، والمثبت من الفتح 7/ 506.
(ب) ساقصة من: الأصل، جـ.
_________
(1)
المحلى 11/ 748.
(2)
تقدمت ترجمته في 7/ 58.
(3)
ينظر الكاشف 1/ 67.
(4)
الجرح والتعديل 2/ 330.
لأن النكاح إنما يسقط حضانة الأم وحدها حيث كان المنازع لها الأب، وأما غيرها فلا يسقط حقها من الحضانة بالتزويج، أو الأم والمنازع لها غير الأب، وهذا فيه جمع بين حديث "أنت أحق به ما لم تنكحي"(1) وبين هذه القصة، وقد ذهب إلى هذا محمد بن جرير الطبرى، وقد يتأيد ذلك بما عرف من أن المرأة المطلقة يشتد بغضها لزوجها المطلق ولمن يتعلق به، فقد يبلغ بها الشأن إلى أن تهمل ولدها من الزوج الأول قصدًا لإغاظته، وتبالغ في التحبب عند الزوج الثاني بتوفير حقه، هذا إذا كان الحكم للخالة، وإن كان القضاء لجعفر فهو دليل على أن ابن العم وغيره من العصبة لهم حق في الحضانة، وأنهم أولى من الأجانب، ولكنه يحتمل أن المراد بقوله: فقضى بها لجعفر. أنه قضى بها لزوجة جعفر، ولكن لما كان جعفر هو القيم بالزوجة المتصرف في أعمالها، أطلق أن القضاء له في ذلك وإن كان لزوجته، بل وفي قوله:"فإنه أوسعكم". ما يدل على أن المعتبر في الحضانة هو القيام بالمحضون، فمن كان أقوم قيامًا كان هو الأولى، وقد احتج به بأن الخالة أولى من العمة، فإن العمة كانت موجودة، خلافًا لأحمد فإنه قال: العمة أولى من الخالة. إلا أنه يقال: لا دلالة؛ لأن العمة لم تطلب، وهذا إنما هو مع الطلب. وفي قوله:"إن الخالة أم". يعني في هذا الحكم الخاص، لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد، فلا يتم احتجاج من قال: إن الخالة ترث، لأن الأم ترث، وأن القرابة من جهة الأم أولى من جهة الأب.
فائدة: بقيت أمامة في كفالة جعفر حتى قتل، وأوصى بها جعفر إلى علي رضي الله عنه، فمكثت عنده حتى بلغت، فعرضها على النبي صلى الله عليه وسلم
(1) تقدم ح 955.
فقال: "هي ابنة أخي من الرضاعة"(1).
959 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين". متفق عليه، واللفظ للبخاري (2).
الحديث. قوله: "أحدكم". منصوب؛ مفعول "أتى"، و"خادمه" مرفوع؛ فاعل "أتى"، والخادم يطلق على الذكر والأنثى، أعمّ من أن يكون مملوكًا أو حرّا، ومحمله إذا كان الخادم حرا، فإن كانت أنثى والخدوم ذكرًا، أن يكون محرمًا، وكذا في صورة العكس.
وقوله: "فإن لم يجلسه". وقع في روايةٍ عند أحمد والترمذي (3)، عن (أ) أبي هريرة:"فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه فليناوله". وفي رواية لأحمد (4) عنه: "فادعُه، فإن أبي فأطعمه منه". ولابن ماجه (5): "فليَدعُه فليأكل معه، فإن لم يفعل". والضمير في قوله: "فإن أبى". وفي قوله:
(أ) في جـ: عند.
_________
(1)
تقدم ح 937.
(2)
البخاري، كتاب العتق، باب إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه 5/ 181 ح 2557، ومسلم: كتاب الأيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل ...... 3/ 1284 ح 1663.
(3)
أحمد 2/ 259، والترمذي 4/ 252 ح 1853.
(4)
أحمد 2/ 1505.
(5)
ابن ماجه 2/ 1094 ح 3290.
"فإن لم يفعل". يحتمل أن يكون للسيد، [والمعنى] (أ): إذا ترفَّع السيد عن مؤاكلة غلامه. ويحتمل أن يكون للخادم، والمعنى أنه إذا تواضع من مؤاكلة سيده. واللفظ المذكور في هذا الكتاب يؤيِّد الأول، وفي رواية لأحمد (1): أمرنا أن ندعوه، فإن كره أحدنا أن يَطْعَم معه فليُطعِمه في يده. كذلك صريح في الأول.
وقوله: "فليناوله لقمة". اللُّقمة بالضم اللام و (ب) هو ما يُلتَقَم، وقد فتح. وقد رواه الترمذي (2) بلفظ:"لقمة فقط". ولفظ البخاري (3): "فليناوله أُكْلَة أو أُكلتين، أو لقمة أو لقمتين". بضم الهمزة في الأكلة، وهو شك من الراوي بين الأكلة أو اللقمة. وفي لفظ مسلم (3):"فإن كان الطعام مشفوها". بالشين المعجمة والفاء، أي قليلًا (4) وهو كذا مفسَّر في رواية أبي داود (5)، "فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين". قال أبو داود (6): يعني لقمة أو لقمتين. ومقتضى ذلك أنه لا يجب إشباع الخادم من هذا المُعيَّن (جـ)،
(أ) ساقط من: الأصل.
(ب) ساقط من: جـ.
(جـ) في جـ: العين.
_________
(1)
أحمد 3/ 346.
(2)
الترمذي 4/ 252 ح 1853.
(3)
هو حديث الباب.
(4)
كذا في الأصل، جـ، ولفظ مسلم:"مشفوهًا قليلا" على أنه من لفظ الحديث نفسه.
وينظر شرح مسلم 11/ 135، والفتح 9/ 582.
(5)
أبو داود 3/ 364، 365 ح 3846.
(6)
الفتح 9/ 582.
بل يشبعه منه أو من غيره. وهو يبين المراد من حديث أبي ذر (1): "أطعموهم مما تطعمون". أنه ليس المراد إلزام المؤاكلة للخادم، وإنما المراد ألا يستأثر عليه بشيء، بل يشركه في كل شيء. وقد نقل ابن المنذر عن جميع أهل العلم (2)، أن الواجب إطعام الخادم من غالبٍ القوت الذي يأكل منه مثلُه في تلك البلدة، وكذلك الإدام والكسوة، و (أ) أن للسيد أن يستأثر بالنفيس من ذلك، وإن كان الأفضل المشاركة. وقال الشافعي بعد أن ذكر الحديث (3): هذا عندنا والله أعلم على وجهين: أَوْلاهما بمعناه (ب)، أن إجلاسه معه أفضل، فإن لم يفعل فليس بواجب، أو (جـ) يكون الخيار بين أن يجلسه أو يناوله، وقد يكون اختيارًا (د) غير حتم. انتهى.
وفي تمام الحديث: "فإنه ولي حرَّه وعلاجَه". دلالة على أن ذلك يتعلَّق بالخادم الذي له عناية في تحصيل الطعام، فيندرج في ذلك الحامل للطعام؛ لوجود المعنى فيه وهو تعلُّق نفسه به، إلا أن في ترجمة البخاري وهو قوله: باب (هـ) الأكل مع الخادم (4). ما يدل على أن المقصود به عموم الخادم،
(أ) ساقط من: الأصل.
(ب) في جـ: بمعنى.
(جـ) في جـ: أن.
(د) في جـ: أمره اختيار.
(هـ) في جـ: بأن.
_________
(1)
أحمد 5/ 173، وأبو داود 4/ 343 ح 5161.
(2)
الفتح 9/ 582.
(3)
الأم 5/ 101.
(4)
البخاري 9/ 581.
وإن لم تكن له عناية في تحصيل الطعام، والله أعلم.
960 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"عُذِّبت امرأة في هرّة، سجنتْها حتى ماتت، فدخلت النار فيها؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض". متفق عليه (1).
قوله: "عذبت امرأة". قال المصنف رحمه الله تعالى (2): لم أقف على اسمها، ووقع في رواية أنها "حِمْيَريَّة"، وفي أخرى أنها "من بني إسرائيل" وكذا لمسلم (3)، والجمع ممكن؛ لأن طائفة من حِمْيَر دخلوا في اليهودية، فقوله:"من بني إسرائيل". نسبة إلى دينها لأنها على دين بني إسرائيل، ونسبتها إلى حمير نسبة إلى قبيلتها، (أوقد وقع للبيهقي أ) في كتاب "البعث"(4) ما يدل على ذلك.
وقوله: "في هرة". أي بسبب هرة، والهرة أنثى السِّنَّوْر، والهر الذكر، ويجمع الهر على هِرَرَة، كقرد وقِرَدَة، وتجمع الهرة على هِرَر كقِرْبَة وقِرَب.
وقوله: "من خشاش الأرض". بفتح المعجمة، ويجوز ضمها
(أ- أ) في جـ: وبه وقع.
_________
(1)
البخاري، كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء 5/ 41 ح 2365، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم قتل الهرة 4/ 1760 ح 2242.
(2)
الفتح 6/ 357.
(3)
مسلم 2/ 622، 623 ح 904/ 9.
(4)
البحث والنشور ص 127 ح 210.
وكسرها، وشينين معجمتين بينهما ألف، والمراد هوام الأرض وحشراتها من فأرة ونحوها. قال النووي (1): وروي بالحاء المهملة، والمراد نبات الأرض. قال: وهو ضعيف أو غلط (أ). وجاء في رواية: "من حشرات الأرض"(2).
والحديث فيه دلالة على تحريم قتل الهر، فإن العذاب إنما يكون على فعل (ب) محرم، فإن ظاهر الحديث أنها (جـ) عذبت بسبب قتلها بالحبس، قال القاضي عياض (3): يحتمل أن تكون المرأة عذبت بالنار حقيقة أو بالحساب؛ لأن من نوقش الحساب عذب. انتهى. والاحتمال الأول هو الأظهر، بل هو مصرح في روايات مسلم وغيره، ثم يحتمل أن تكون المرأة كافرة فعذبت بكفرها، وزيدت عذابًا بسبب ذلك، وهذا أخرجه الحافظ أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"(4)، وكذا البيهقي في "البعث والنشور"(5)، قال النووي (1): والأظهر أنها كانت مسلمة، وإنما دخلت النار بهذه المعصية. والتحذير المقصود من الحديث إنما يتم على هذا التقدير.
(أ) في جـ: غليط.
(ب) في جـ: قتل.
(جـ) في جـ: أنما.
_________
(1)
شرح النووي 14/ 240.
(2)
مسلم 4/ 1760 ح 2243.
(3)
الفتح 6/ 357.
(4)
ذكر أخبار أصبهان 2/ 184.
(5)
البعث والنشور ص 53 ح 52.
والحديث فيه دلالة أيضًا على جواز اتخاذ الهرة ورباطها إذا لم يهمل إطعامها وسقيها. ويلتحق بذلك غير الهرة فيما كان في معناها، قال القرطبي (1): ويدل على أن الهر لا يملك، وإنما يجب إطعامه على من حبسه. انتهى. ولا يخفى أنه ليس في الحديث ما يدل على ذلك، بل في رواية همَّام (2) ما يدل بأن الهرة تملك، وهو قوله:"في هرة لها". فإن اللام تدل على الاختصاص، وهو يكون بالملك، فيكون في الحديث دلالة على أن الحيوان المملوك إذا سيبه مالكه في محل يكون فيه طعامه وسقيه جاز ذلك، والله أعلم.
(1) الفتح 6/ 358.
(2)
مسلم 4/ 2023 ح 2619.