المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب النفقات النفقات: جمع نفقة، والمراد بها الشيء الَّذي يبذله الإنسان - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٨

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌ ‌باب النفقات النفقات: جمع نفقة، والمراد بها الشيء الَّذي يبذله الإنسان

‌باب النفقات

النفقات: جمع نفقة، والمراد بها الشيء الَّذي يبذله الإنسان فيما يحتاجه هو أو غيره من الطعام والشراب وغيره.

943 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ، لا يعطيني هن النفقة ما يكفيني ويكفىِ بَنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال:"خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك". متفق عليه (1).

قوله: دخلت هند. هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، أسلمت بعد إسلام زوجها أبي سفيان، وهو أسلم [بعد](أ) أن أخذته خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الفتح وأجاره العباس، ثم دخل مكة مسلمًا، فغضبت هند لإسلامه وأخذت بلحيته، ثم إنها بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمكة جاءت فأسلمت وبايعت، قتل أبوها عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد بن عتبة يوم بدر فشق عليها، فلما قتل الحمزة رضي الله عنه يوم أحد فرحت بذلك، وعمدت إلى بطه فشقته وأخذت كبده فلاكتها ثم لفظتها، ماتت في المحرم سنة أربع عشرة يوم مات أبو قحافة والد أبي بكر، وأخرج ابن سعد في

(أ) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

البخاري، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل

9/ 507 ح 5364، ومسلم، كتاب الأقضية، باب قضية هند 3/ 1338 ح 7/ 1714.

ص: 303

"الطبقات"(1) ما يدل على أنها عاشت بعد ذلك، وأن عثمان لما أفرد معاوية بولاية الشام (أ) وأشخص أبا سفيان إلى معاوية ومعه ابناه عتبة وعنبسة، فكتبت هند إلى معاوية: قد قدم عليك أبوك وأخواك فاحمل أباك على فرس وأعطه أربعة آلاف درهم، واحمل عتبة على بغل وأعطه ألفي درهم، واحمل أخاك عنبسة على حمار وأعطه ألف درهم. ففعل ذلك، فقال أبو سفيان: أشهد الله أن هذا عن رأي هند. وكان عتبة [منها](ب)، وعنبسة من غيرها، أمه عاتكة بنت أبي أزيهر الأسدي (جـ). وذكر الميداني في "الأمثال"(1) أنها عاشت بعد أبي سفيان، وأن رجلًا سأل معاوية أن يزوجه أمه، فقال: إنها قعدت عن الولد. وكانت وفاة أبي سفيان في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين.

وأبو سفيان هو صحر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، [زوجها](د)، وكان قد رأس في قريش بعد وقعة بدر وسار بهم في أحد، وساق الأحزاب يوم الخندق، ثم أسلم ليلة الفتح.

قولها: رجل شحيح. الشح البخل مع حرص، فيكون أخص من هذا الوجه من البخل، والبخل يختص بمنع المال، والشح بكل شيء، وقيل:

(أ) بعده في جـ: جميعا.

(ب) ساقطة من: الأصل.

(جـ) كذا في الأصل، جـ. وفي الفتح 9/ 508: الأزدي. وفي الإصابة 8/ 10: الدوسي.

(د) في الأصل، جـ: تزوجها. والمثبت من الفتح الموضع السابق.

_________

(1)

الفتح 9/ 508.

ص: 304

الشح لازم [كالطبع](أ)، والبخل غير لازم. قال القرطبي (1): لم تُرد هند وصف أبي سفيان بأن هذا حاله مطلقًا بل حاله معها، فإن كثيرًا من الرؤساء يفعل ذلك مع أهله ويؤثر الأجانب، وفي بعض ألفاظ البخاري (2): رجل مِسِّيك. بكسر الميم وتشديد السين على المبالغة، وقيل: بوزن شحيح. قال النووي (1): هذا هو الأصح من حيث اللغة، وإن كان الأول أشهر في الرواية.

وفي هذا دلالة على جواز ذكر الإنسان بما يكره إذا كان على وجه الاشتكاء أو الاستفتاء، وهو أحد المواضع التي يجوز فيها الغيبة.

والذكر بصيغة التعطم في قولها: إن أبا سفيان. بالكنية. وقد يقال: إن الكنية كانت أشهر فيه من اسمه، فهو وجه تخصيصها.

والحديث فيه دلالة على وجوب كفاية الزوجة والأولاد، وظاهره عموم الولد ولو كان كبيرًا لعدم الاستفصال، وإن كان ذلك أنه صلى الله عليه وسلم عارف بأولادها وهم صغار. والظاهر أن فيهم من كان بالغًا كمعاوية، فإنه أسلم مع أبيه عام الفتح وعمره نحو من ثماني وعشرين سنة. وقد يُجاب عنه بأنها واقعة عين لا عموم لها، إلا أن جوابه عليها بقوله:"وبنيك". عموم لفظ، وهو لا يُقصر على سببه.

(أ) في الأصل، جـ: كالطمع. والمثبت من الفتح 9/ 508.

_________

(1)

الفتح 9/ 508.

(2)

البخاري 5/ 107 ح 2460.

ص: 305

وفيه ذكر الكفاية من غير تقدير للنفقة، وقد ذهب إلى هذا الجمهور من العلماء ومنهم الهادي والقاسم والمؤيد وأبو طالب، وهو قول الشافعي حكاه عنه الجويني، وهو مطابق لقوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1). وذهب الشافعي إلى تقديرها بالأمداد، فعلى الموسر كل يوم مُدَّان، والمتوسط مُدٌّ ونصف، والمعسر مدٌّ، وهذا رواية عن مالك أيضًا، وذكبر في "المنتخب" للهادي أن الموسر عليه ثلاثة أمداد سوى الإدام، والمعسر (أ) مدٌّ ونصف، وفي "الفنون" للهادي: في كل يوم مدان، وفي كل شهر درهمان للإدام. وقال القاضي أبو يعلى (2): الواجب رطلان من الخبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر، وإنما يختلفان في صفته وجودته؛ لأن الموسر والمعسر مستويان في قدر المأكول، وإنما يختلفان في الجودة [والرداءة] (ب) وغيرها. قال النواوي (3): وهذا الحديث حجة على من اعتبر التقدير. قال المصنف رحمه الله (4): ليس صريحا في الرد عليهم، ولكن التقدير بما ذكر يحتاج إلى دليل، فإن ثبت حملت الكفاية في الحديث على ذلك المقدَّر.

وقولها: إلا ما أخذت من ماله بغير علمه. في هذا دلالة على أن الأم

(أ) في جـ: المعتبر.

(ب) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

الآية 233 من سورة البقرة.

(2)

ينظر المغني 11/ 349.

(3)

شرح مسلم 12/ 7.

(4)

الفتح 9/ 509.

ص: 306

لها أن تنفق على أولادها، وأن لها ولاية على (أ) ذلك مع تمرد الأب، وعلى أن من تعذر عليه استيفاء ما يجب له جاز له ذلك بغير حكم؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين لها أن ذلك حرام عليها، فإنها قالت: هل عليَّ من جناح. وأجاب عليها بإباحة الأخذ في المستقبل، فيدل (ب) أن الماضي كذلك. ولا يقال: إن الإباحة في المستقبل حكم منه صلى الله عليه وسلم. وذلك جائز بالحكم إجماعًا، بخلاف الماضي فإنه سكت عن جوابه. لأنا نقول: هي سألت عما وقع منها في الماضي، فلو كان ذلك غير جائز لبين ذلك ولما ألغى الجواب عنه وعدل إلى الأمر لها بالأخذ، مع أنَّه قد جاء في لفظ للبخاري (1) ذكره في باب المظالم أنَّه قال:"لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف". وظاهره نفي الحرج قبل الأمر وبعده.

ويستدل به على جواز القضاء على الغائب، كما قال الرافعي في القضاء على الغائب: احتج أصحابنا على الحنفية [بمنعهم](جـ) القضاء على الغائب بقصة هند، وكان [ذلك] (5) قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم على زوجها وهو غائب. قال النواوي (2): لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة؛ لأنها كانت بمكة وكان أبو سفيان حاضرًا بها، وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبًا عن

(أ) في جـ: مع.

(ب) بعده في جـ: على.

(جـ) في الأصل: مع منعهم.

(د) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

البخاري 5/ 107 ح 2460.

(2)

شرح مسلم 12/ 8.

ص: 307

البلد أو [مستترا](أ) لا يُقدر عليه أو متعذرًا، ولم يكن هذا في أبي سفيان، فلا يكون هذا قضاء ويكون إفتاء، وقد وقع في كلام الرافعي في مواضع أنَّه إفتاء. انتهى.

وقد أخرج ابن سعد في "طبقاته"(1) أن أبا سفيان كان جالسًا معها في المجلس. ورجال إسناده رجال الصحيح، إلا أنَّه أُرسِل (ب) عن الشعبي أن هندًا لما بايعت لي جاء قوله:{وَلَا يَسْرِقْنَ} (2). قالت: قد كنت أصبت من مال أبي سفيان. فقال أبو سفيان: فما أصبت من مالي فهو حلال لك. ويمكن تعدد القصة، فإن هذا وقع لما بايعت، ثم جاءت مرة أخرى فسألت عن الحكم، وتكون فهمت من الأول إحلال أبي سفيان لها ما مضى، فسألت عما يستقبل، لكن يشكل على ذلك ما أخرجه ابن منده في "المعرفة" (3) عن عروة قال: قالت هند لأبي سفيان: إني أريد أن أبايع. قال: فإن فعلت فاذهبي معك برجل من قومك. فذهبت إلى عثمان فذهب معها، فدخلت منتقبة، فقال:"بايعي على ألا تشركي" الحديث. وفيه: فلما فرغت قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل بخيل. الحديث. قال:"ما تقول يا أبا سفيان؟ ". قال: أما يابسًا فلا، وأما رطبًا فأحله. وذكر أبو نعيم

(أ) في الأصل: متعززا، وفي جـ: متعزز. والمثبت من شرح مسلم.

(ب) في الفتح 9/ 510: مرسل.

_________

(1)

الطبقات 8/ 237.

(2)

الآية 12 من سورة الممتحنة.

(3)

ينظر أسد الغابة 7/ 293.

ص: 308

في "المعرفة"(1) أن عبد الله بن محمد تفرد به، وهو ضعيف (2)، وأول حديثه يقضي بأن أبا سفيان كان غائبًا، وآخره يدل على أنَّه حاضر (أ)، إلا أن يحتمل أنَّه كان غائبًا فأرسل إليه لما شكت [منه](ب)، ويؤيده ما أخرجه الحاكم في تفسير "الممتحنة" من "المستدرك" (3) أنَّه لما اشترط:{وَلَا يَسْرِقْنَ} ، قالت هند: لا أبايعك على السرقة، إني أسرق من زوجي. فكَف حتَّى أرسل إلى أبي سفيان يتحلل لها منه، فقال: أما الرَّطْب فنعم، وأما اليابس فلا. وهذا المذكور يدل على أنَّه قضاء على حاضر، ويرد (جـ) على هذا تبويب البخاري (4) بقوله: باب القضاء على الغائب. وذكر (د) هذا الحديث في الباب، فقد رجح أنَّه كان غائبًا، وتكفي الغَيبة عن مجلس الحكم وإن لم يكن خارجا عن البلد كما هو الظاهر.

ويرجح كونه قضاء لا إفتاء التعبير بصيغة الأمر حيث قال: "خذي". ولو كانت فتيا لقال: لا حرج عليكِ إذا أخذتِ. ولأن الأغلب من تصرفاته الحكم، ويرجح كونه فتيا وقوع الاستفهام في القصة، وتفويض تقدير ما

(أ) في جـ: خاص.

(ب) ساقطة من: الأصل.

(جـ) في جـ: يرجح رد.

(د) في جـ: ذلك على.

_________

(1)

معرفة الصحابة 5/ 318، 319 ح 7911.

(2)

عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير، تقدمت ترجمته في 1/ 236.

(3)

المستدرك 2/ 486.

(4)

البخاري 13/ 171 ح 7180.

ص: 309

تأخذ إليها، ولو كان قضاء لم يفوض ذلك إليها وهي المدعية، ولأنه لم يستحلفها على ما ادعت ولا كلَّفها (أ) البينة. وقد يجاب عن ذلك بأن الاستفهام لا ينافي طلبها الحكم، وتقدير النفقة أنَّه وكلها في ذلك إلى العرف في الكفاية، وهو في حكم المقدر، وأنه حكم بعلمه بصدقها، فلم يطلب منها اليمين ولا البينة، ويكون ذلك حجة لمن يجيز للحاكم أن يحكم بعلمه، مع أنَّه يجوز أن يقال: كل حكم صدر من الشارع فإنه ينزل منزلة الإفتاء بذلك الحكم في تلك الواقعة.

وفي الحديث دلالة على أن الحاكم أو الفتي يجوز له الإطلاق، ولا يحتاج إلى أن يقيد ذلك بأن يقول: إن ثبت ذلك كان كذا. فإن قيَّد جاز. وأنه يجوز الاعتماد على العرف في الأمور (ب) التي ليس فيها تحديد شرعي. وأنه يجوز للمرأة الخروج من بيتها لحاجتها. والله أعلم.

944 -

وعن طارق المحاربي قال: قدمنا المدينة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس ويقول:"يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك". رواه النسائي، وصححه ابن حبان والدارقطني (1).

هو طارق بن عبد الله المحاربي، روى عنه جامع بن شداد، ورِبْعي -

(أ) في جـ: كفلها.

(ب) في جـ: الأموال.

_________

(1)

النسائي، كتاب الزكاة، باب أيتهما اليد العليا 5/ 61، وابن حبان، كتاب الزكاة، باب صدقة التطوع 8/ 130، 131 ح 3341، والدارقطني، كتاب البيوع 3/ 44، 45 ح 186.

ص: 310

بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء- ابن حِراش، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالشين المعجمة.

قوله: "يد المعطي العيا". فيه تفسير للحديث الآخر: "اليد العليا خير من اليد السفلى". وقد فسَّر في "النهاية"(1) اليد العليا بالمعطية أو بالمنفقة، واليد السفلى بالسائلة أو المانعة.

وفي قوله: "وابدأ بمن تعول". فيه دلالة على وجوب الإنفاق على القريب، وقد فصل ذلك في وجوب التقديم، فالأم قبل الأب. إلى آخر ما ذكر.

والحديث فيه دلالة على أن الأم تقدم على الأب في البر عند ألا يتسع المال للوفاء بذلك، بتقديم الأم في اللفظ. قال عياض (2): ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضَّل في البر على الأب. وقيل: يكونان سواء. ونقله بعضهم عن مالك، والصواب الأول. وقد ذهب إلى أنهما سواء بعض الشافعية، لكن نقل الحارث المحاسبي (2) الإجماع على تفضيل الأم في البر، وفيه نظر. والمنقول عن مالك ليس صريحًا في ذلك، فقد ذكره ابن بطال (3) قال: سئل مالك: طلبني أبي فمنعتني أمي. قال: أطع أباك ولا تعص أمك. قال ابن بطال: هذا يدل على أنَّه يرى أنهما سواء في البر. كذا قال، وليس الدلالة بواضحة. قال: وسئل الليث عن المسألة بعينها فقال: أطع أمك فإن لها ثلثي

(1) النهاية 3/ 294.

(2)

الفتح 10/ 402.

(3)

شرح البخاري لابن بطال 9/ 190، 191.

ص: 311

البر. وهذا كلام الليث على مقتضى الرواية التي كرر فيها ذكر الأم مرتين والأب مرة واحدة، وقد أخرجها البخاري في "الأدب المفرد" وأحمد وابن ماجة وصححه الحاكم (1) ولفظه:"إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب". وأخرج الحاكم (2) من حديث أبي رِمْثة -بكسر الراء والثاء المثلثة وسكون الميم-: "أمك أمك (أ) وأباك، ثم أختك وأخاك، ثم أدناك أدناك". مثل حديث طارق في الجمع بالواو بين الأم والأب، إلا أن حديث البخاري (3) عن أبي هريرة -بذكر الأم ثلاث مرات، ثم الأب معطوف بـ "ثم"- صريح في تقديم الأم على الأب كما ذكره الجمهور، وسائر الروايات تقيد بذلك.

وفي "البحر" للإمام المهدي: مسألة: ومن لا يَجد إلا لأحد أبويه فوجوه؛ الأب أولى لولايته والانتساب إليه. الثاني: الأم للخبر. الثالث: سواء، إذ لا ترجيح. انتهى.

والأولى الاهتداء بما هدى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ونبّه على علة ذلك في كتاب الله سبحانه وتعالى حيث قال: {حَمَلَتهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} (4).

(أ) سقط من: جـ.

_________

(1)

الأدب المفرد 1/ 141 ح 60، وأحمد 4/ 132، وابن ماجة 2/ 1207، 1208 ح 3661، والحاكم 4/ 151 ورواية الحاكم مختصرة.

(2)

الحاكم 4/ 150، 151.

(3)

البخاري 10/ 401 ح 5971.

(4)

الآية 14 من سورة لقمان.

ص: 312

وقال: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} (1). بعد التوصية بالوالدين، فما ذاك إلا لزيادة الحق والعناية بها.

وقوله: "وأختك" إلى آخره. فيه دلالة على وجوب إنفاق القريب المعسر، فإنه تفسير لقوله:"وابدأ بمن تعول". فقد جعل المذكورين من عياله، وما ذاك إلا لوجوب النفقة عليهم، وقد ذهب إلى هذا عمر وابن أبي ليلى والحسن بن صالح والهادي (أ) وأبو ثور، إلا أنَّه قيد قول المذكورين في "البحر" بأن يكون القريب وارثًا بالنسب، واحتج على ذلك بقوله تعالى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (2). واللام للجنس، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صدقة وذو رحم محتاج"(3). وقال أبو حنيفة وأصحابه: يلزم النفقة للرحم المَحْرَم فقط؛ إذ القصد الصلة والمواساة، وأما غير المحارم فالنكاح عوض عن الصلة. قلنا: لا دليل على ذلك. وقال الشافعي وأصحابه: بل للأصول والفصول (4) فقط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمن قال: معي دينار: "أنفقه على ولدك" الخبر (5). ولم يذكر الأقارب. قلنا: ولا الوالدين. فجوابكم جوابنا. وقال مالك: بل للوالد والولد فقط؛ لقوله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةُ} الآية (2). ولم يذكر غيرهما، والمراد: في الإنفاق قلنا: لدليل آخر. انتهى كلام "البحر".

(أ) بعده في جـ: وأحمد.

_________

(1)

الآية 15 من سورة الأحقاف.

(2)

الآية 233 من سورة البقرة.

(3)

ذكره في المهذب 1/ 442، وفي تفسير القرطبي 3/ 170.

(4)

الفصول هي الفروع. المصباح المنير (ف ص ل).

(5)

سيأتي ح 953.

ص: 313

والذي في "المنهاج" و"شرحه"(1) أن النفقة تجب لفقير غير مكتسب، زَمِنا أو صغيرًا أو مجنونًا، لعجزه عن كفاية نفسه، وفي معنى الزمن: العاجز بالمرض والعمى. قاله البغوي، وإن لم يكن زمنًا أو صغيرًا أو مجنونًا فأقوال: أحسنها: تجب؛ لأنه يقبح أن يكلف قريبه الكسب مع اتساع ماله. والثاني: المنع، للقدرة على الكسب، فإنه نازل منزلة المال. والثالث: تجب نفقة الأصل على الفروع دون العكس؛ لأنه ليس من المصاحبة بالمعرف أن يكلف أصله التكسب على كبر السن، قال في "عجالة المحتاج (أ) " (2): الثالث أظهر، والله أعلم. انتهى. وفي "كنز الدقائق" (3) للحنفية: يلزم لقريب محرم فقير عاجز عن الكسب بقدر الإرث. فهذا المنقول يخالف ما ذكره في "البحر".

وفي قوله: "ثم أختك وأخاك". فيه مثل ما تقدم عند الاجتماع.

فائدة: اختلف العلماء في نفقة الزوجة والأقارب هل تسقط [للماضي](ب) أم يجب التسليم لما قد مضى؟ على أقوال؛ الأول، أنهما يسقطان بمضي الزمان. وهذا مذهب أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد. والثاني، أنهما لا يسقطان إذا كان القريب طفلًا. وهذا وجه للشافعية. والثالث، أنَّه

(أ) في الأصل: المنهاج. وينظر مقدمة محقق طبقات الأولياء لابن الملقن ص 60.

(ب) في الأصل: الماضي.

_________

(1)

مغني المحتاج 3/ 448.

(2)

النهاية 1/ 120.

(3)

البحر الرائق 4/ 228.

ص: 314

تسقط نفقة القريب دون نفقة الزوجة. وهذا قول الهادي والمشهور من مذهب الشافعي وأحمد ومالك. والذين أسقطوها بمضي الزمان، منهم من قال: إذا كان الحاكم قد فرضها لم تسقط. وهذا قول بعض الشافعية والحنابلة، ومنهم من قال: لا يؤثر فرض الحاكم في وجوبها شيئًا إذا سقطت بمضي الزمان. وذكر أبو البركات في "المحرر"(1) أن نفقة الزوجة تلزم إذا كان قد فرضها الحاكم، ونفقة القريب لا تلزم بالفرض إلا أن يستدان عليه بإذن الحاكم. ورجح هذا القول ابن القيم في "الهدي" (2) وقال: إنه الأصوب نقلًا وتوجيها. قال: وإنما ذكر استقرارها بالفرض في "الوسيط" و"الوجيز" و"شرح الرافعي" وفروعه. والذين قالوا: تسقط بالمطل. عللوا سقوطها بأنها إنما شرعت للمواساة لأجل إحياء النفس، وهذا قد انتفى بالنظر إلى الماضي، وأما نفقة الزوجة فهي واجبة لا لأجل المواساة، ولذلك يجب مع غنى الزوجة، ولإجماع الصحابة على عدم سقوطها، فإنه صح عن عمر رضي الله عنه أنَّه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم، فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلِّقوا، فإن طلَّقوا بعثوا بنفقة ما مضى (3). ولم يخالف عمر في ذلك أحد منهم. والمسقطون لنفقة الزوجة بالمطل قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر لهند أن تأخذ لما مضى. والزوجة إنما وجب لها بالعقد المهر، وأما النفقة فإنما وجبت لكونها معه عانية أسيرة، فهي من جملة عياله، ونفقتها مواساة، ولأن نفقتها بالمعروف

(1) ينظر المحرر 2/ 114، 115.

(2)

زاد المعاد 5/ 505، 506.

(3)

سيأتي ح 952.

ص: 315

كنفقة القريب، وما وجب بالمعروف فهو مواساة لإحياء نفس؛ إما بسبب الملك، أو بسبب الحبس، أو لكونه بينه وبين من يواسيه رحامة وقرابة، فإذا استغنى (أ) بمضي الزمان فلا وجه لإلزام الزوج بها، ولأن نفقة الزوجة تجب يومًا فيومًا، فهي كنفقة القريب، وما مضى فقد استغنت عنه الزوجة، فلا وجه لإلزام الزوج به، وقد صرَّح أصحاب الشافعي بأن كسوة الزوجة وسكناها يسقطان بمضي الزمان إذا قيل: إنهما متاع لا تمليك. فإن لهم في ذلك وجهين.

945 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق". رواه مسلم (1).

في الحديث دلالة على وجوب إنفاق المملوك وكسوته، وهذا أمر مجمع عليه، وظاهر الحديث أنَّه لا يتعين إطعامه مما يأكله السيد، وأن الواجب من أي طعام (ب) يكفيه، وقد جاء تقييده بالمعروف في رواية، ويحمل الأمر بالتسوية في قوله صلى الله عليه وسلم:"أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم". أخرجه مسلم (2) من حديث

(أ) بعده في جـ: عنها.

(ب) زاد في الأصل: الَّذي.

_________

(1)

مسلم، كتاب الأيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل

3/ 1284 ح 1662.

(2)

مسلم 3/ 1282، 1283 ح 1661/ 38.

ص: 316

أبي ذر- على الاستحباب لا الإيجاب، وهذا مجمع عليه، والواجب النفقة بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص، سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه أو دونه أو فوقه، حتَّى لو قتر على نفسه تقتيرًا خارجًا عن عادة أمثاله؛ إما زهدًا، وإما شحًّا، لا يحل له التقتير على المملوك وإلزامه بموافقته إلا برضاه.

وقوله: "ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق". أجمع العلماء على ذلك، وأنه إذا كان العمل لا يطيقه وجب على السيد أن يعينه بنفسه أو بغيره.

946 -

وعن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال:"أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت".

الحديث تقدم في عشرة النساء (1).

947 -

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحج بطوله، قال في ذكر النساء:"ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف". أخرجه مسلم (2).

الحديث فيه دلالة على وجوب نفقة الزوجة وكسوتها بالمعروف، وهو مجمع عليه، وقد تقدم تفصيل ذلك قريبًا.

948 -

وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال

(1) تقدم ح 838.

(2)

تقدم ح 577.

ص: 317

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت". رواه النسائي، وهو عند مسلم بلفظ:"أن يحبس عمن يملك قوته"(1).

الحديث فيه دلالة على وجوب النفقة على من يجب [إيقاته](أ)، فإنه إذا كان يلحقه الإثم الَّذي هو الكفاية عن أن ينضم إليه غيره من المآثم في استحقاق العقاب - دل على المبالغة في الوجوب.

والمراد بـ "من يقوت": من تلزمه نفقته من أهله وعياله وعبيده، وهو مِن: قاته يَقوته، إذا حفظه. ويقال: أقاته يُقيته، إذا أعطاه قوته. وقد فُسِّر المقيت من أسماء الله تعالى بالحفيظ، أو الَّذي يعطي الخلائق أقواتهم.

وقوله: وهو عند مسلم. إلى آخره. هو خاص بنفقة المملوك، وأصله أنَّه جاء عبد الله بن عمر قهرمان له، فقال له: أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كفى بالرجل إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته". وفي رواية لمسلم أخرى مثل رواية النسائي (2)،

وقد تقدم الكلام في تفصيل من تجب نفقته، والله أعلم.

949 -

وعن جابر رضي الله عنه يرفعه في الحامل المتوفَّى [عنها](ب)، قال:"لا نفقة لها". أخرجه البيهقي، ورجاله ثقات، لكن قال:

(أ) في الأصل، جـ: إنفاقه. والمثبت يقتضيه السياق.

(ب) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

النسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب إثم من ضيع عياله 5/ 374 ح 9177، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوك

2/ 692 ح 996.

(2)

لم نجدها.

ص: 318

المحفوظ وقفه (1).

وثبت نفي النفقة في حديث فاطمة بنت قيس كما تقدم، رواه مسلم (2).

الحديث أخرجه البيهقي (3) من طريق الربيع عن الشافعي قال: أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر قال: ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة، حسبها الميراث. موقوفًا. وقد رواه محمد بن عبد الله الرقاشي قال: حدثنا حرب بن العالية، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحامل المتوفى عنها زوجها:"لا نفقة لها"(4). وأخرج (4) عن ابن الزبير أنَّه كان يعطي لها النفقة، حتَّى بلغه أن ابن عباس قال: لا نفقة لها. فرجع عن قوله ذلك، يعني في الحامل المتوفى عنها زوجها. ورواه عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: لا نفقة لها، وجبت المواريث (4).

والحديث فيه دلالة على أن المتوفى عنها لا نفقة لها، والنص في حق الحامل، والحائل (5) بالطريق الأَوْلى، والمراد أن الحامل مُخرَجة عن عموم قوله

(1) البيهقي، كتاب العدد، باب من قال: لا نفقة للمتوفى عنها حاملا

7/ 430، 431.

(2)

تقدم برقم ح 915.

(3)

البيهقي 7/ 430.

(4)

البيهقي 7/ 431.

(5)

يقال: حالت المرأة -والنخلة والناقة وكل أنثى- حِيالا، بالكسر، لم تحمل، فهي حائل.

المصباح المنير (ح ول).

ص: 319

تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوأ عَلَيْهِنَّ} (1). وأن الآية باقٍ تحت عمومها المطلقات.

وقد اختلف العلماء في نفقة المتوفى عنها هل تجب أم لا؟ فذهب ابن عمر والهادي والقاسم والناصر والحسن بن صالح إلى وجوبها؛ لقوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} (2). ونسخُ المدة لا يوجب نسخ النفقة؛ لأنها نُسخت بقوله تعالى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (3). ولم يذكر فيها النفقة، فنسخُ المدة لا يوجب نسخ ما عداها.

وذهب الشافعية والحنفية ومالك والمؤيد بالله إلى أنَّه لا نفقة للمتوفى عنها. قالوا: لأنها قد نسخت الآية الكريمة، وهي قوله تعالى:{مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} . لأنه كان تحب النفقة بالوصية، فلما نُسخت الوصية بالمتاع؛ إما بقوله تعالى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} . وإما بآية المواريث، وإما بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا وصية لوارث"(4). ووجوب التربص أربعة أشهر وعشرًا لا يوجب النفقة -فلا دليل حينئذ على وجوب نفقة المتوفى عنها حائلًا أو حاملًا، والأصل براءة الذمة. وعلل في "البحر" قولهم بأنه لا استمتاع، ووجوبها لأجله، بدليل سقوطها بالنشوز، قلنا: بل لأجله أو حبسها بسببه. قالوا: لا، كالمستبرأة (أ). قلنا: حبس المستبرأة (ب) غير مستند

(أ) في جـ: كالمشتراة.

(ب) في جـ: المشتراة.

_________

(1)

الآية 6 من سورة الطلاق.

(2)

الآية 240 من سورة البقرة.

(3)

الآية 234 من سورة البقرة.

(4)

تقدم ح 790.

ص: 320

إلى عقد، فضعف. انتهى.

وذهب علي وابن مسعود وشريح وابن أبي ليلى إلى أنها تجب للحامل لا للحائل؛ لقوله: {وَإِنْ كُنَّ أُوْلَاتِ حَمْلٍ} (1) الآية. قلنا: العلة تعمُّهما، وهي حبسهما عن الأزواج. كذا في "البحر"، وكان الأَولى أن نقول: إن آية الطلاق وردت في المطلقات، فلا تتناول المتوفى عنهن.

وأما حديث فاطمة بنت قيس فقد تقدم الكلام عليه، وهو وارد في حق المطلقة بائنًا (2)، والله أعلم.

950 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى، ويبدأ أحدكم بمن يعول، تقول المرأة: أطعمني أو طلقني". رواه الدارقطني (3)، وإسناده حسن.

أخرجه الدارقطني من حديث عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا (4)، إلا أن في حفظ عاصم (5) شيئًا. وأخرجه البخاري (6) موقوفًا على أبي هريرة. وفي رواية الإسماعيلي (6) قالوا: يا أبا هريرة، شيء تقوله من رأيك أو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هذا من كِيسي. بكسر الكاف للأكثر، أي من حاصله، إشارة إلى أنَّه من استنباطه

(1) الآية 6 من سورة الطلاق.

(2)

تقدم ص 184 - 191.

(3)

الدارقطني، كتاب النكاح، باب المهر 3/ 296، 297 ح 190.

(4)

الدارقطني 3/ 297.

(5)

تقدمت ترجمته في 1/ 263.

(6)

البخاري 9/ 500 ح 5355.

ص: 321

مما فهمه من الحديث الرفوع، ووقع في رواية الأصيلي (1) بفتح الكاف، أي من فطنته.

وتقدم الكلام في اليد العليا.

وقولى: "ابدأ بمن تعول". أي مَن تجب عليك نفقته، يقال: عال الرجل أهله، إذا مانهم، أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة، وهو أمر بتقديم ما يجب على ما لا يجب.

وفي تمام كلام أبي هريرة في البخاري: ويقول العبد: أطعمني واستعملني. وفي رواية الإسماعيلي؛ ويقول خادمك: أطعمني وإلا بعني (أ). ويقول الابن: إلى من تدعني؟ وفي رواية النسائي والإسماعيلي (2): تكلني.

وقد استُدل بهذا على أن المرأة إذا أعسر الزوج بنفقتها كان لها أن تطلب التفريق، وهو قول جمهور العلماء، وسيأتي، وبأن الولد تجب نفقته ولو كان كبيرًا.

قال ابن المنذر (3): اختُلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب؛ فأوجبت طائفة النفقة لجميع الأولاد أطفالًا كانوا أو بالغين، إناثًا

(أ) في جـ: بعتني.

_________

(1)

الفتح 9/ 501.

(2)

النسائي في الكبرى 5/ 384 ح 9209، والإسماعيلي -كما في الفتح 9/ 501.

(3)

الإشراف على مذاهب أهل العلم 1/ 129، 130.

ص: 322

وذكرانًا، إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها، وذهب الجمهور إلى أن الواجب أن ينفق عليهم حتَّى يبلغ الذكر أو تتزوج الأنثى، ثم لا نفقة على الأب إلا إن كانوا زَمْنَى، فإن كانت لهم أموال فلا وجوب على الأب، وألحق الشافعي ولد الولد وإن سفل بالولد في ذلك. انتهى. وبأن الواجب نفقة العبد أو بيعه، وذلك واضح.

951 -

وعن سعيد بن المسيب، في الرجل لا يجد ما ينفق على أهله، قال: يفرق بينهما. أخرجه سعيد بن منصور (1) عن سفيان عن أبي الزناد عنه قال: قلت لسعيد: سنة؟ فقال: سنة. وهذا مرسل قوي.

الحديث رواه الشافعي (2) عن سفيان عن أبي الزناد، قال: قلت لسعيد بن المسيب. فذكره، قال الشافعي (2): والذي يشبه أن يكون قول سعيد: سنة. بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومراسيل سعيد معمول بها لما عرف من عادته أنَّه لا يرسل إلا عن ثقة، إلا أنَّه قال ابن حزم (3): لعله أراد سنة عمر. وهذا خلاف الظاهر، ورواه عبد الرزاق (4)، عن الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، وأخرجه أيضًا الدارقطني (5)، قال: حدثنا عثمان بن أحمد بن السماك وعبد الباقي بن قانع وإسماعيل بن علي قالوا (أ): أخبرنا

(أ) في الأصل، جـ: قالا. والمثبت من مصدر التخريج.

_________

(1)

سعيد بن منصور كتاب الطلاق، باب ما جاء في الرجل إذا لم يجد ما ينفق على امرأته 2/ 55 ح 2022.

(2)

الأم 5/ 107.

(3)

المحلى 11/ 333.

(4)

عبد الرزاق 7/ 96 ح 12356.

(5)

الدارقطني 3/ 297 ح 193.

ص: 323

أحمد بن علي [الخزاز](أ)، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الباوردي، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب في (5) الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته، قال: يفرق بينهما. وبهذا الإسناد إلى حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (1)، وأخرجه البيهقي (2) بهذا الإسناد.

وهذا الحديث يدل على أن للزوجة إذا أعسر زوجها عن الإنفاق عليها لعدم المال وتعذر التكسب بأي وجه -أن تفسخ نكاح الزوج، وقد ذهب إلى هذا علي وعمر وزيد بن ثابت وأبو هريرة والحسن البصري وابن المسيب وحماد وربيعة ومالك والشافعي، في الأظهر من قوليه، وأحمد والإمام يحيى، وحجتهم على ذلك ما عرفت، ويتأيد بقوله تعالى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} (3). {وَلَا تُضَارُّوْهُنَّ} (4). من نحوها، وبالقياس على العيب الطارئ، وذهب طاوس والزهري والثوري والهدوية وأبو حنيفة وأصحابه وهو قول للشافعي إلى أنَّه لا فسخ بالإعسار عن النفقة، قالوا: لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ

(أ) في الأصل، جـ: الحذاء. والمثبت من مصدر التخريج.

(ب) في جـ: قال.

_________

(1)

الدارقطني 3/ 297 ح 194.

(2)

البيهقي 7/ 470.

(3)

الآية 229 من سورة البقرة.

(4)

الآية 6 من سورة الطلاق.

ص: 324

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا مَا آتَاهَا} (1). وإذا لم يكلفه الله تعالى النفقة في هذه الحال فقد ترك ما لا يجب عليه ولا يأثم بتركه، فلا يكون سببا للتفريق بينه وبين حبه وسكنه وتعذيبه بذلك، ولأنه قد روى مسلم (2) في "صحيحه" عن جابر قال: دخل أبو بكر وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجداه حوله نساؤه [واجما](أ) ساكنا، فقال (3): يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت [عنقها] (ب). فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"هن حولي كما ترى يسألننى النفقة". فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟! فقلق: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا أبدًا ما ليس عنده. واعتزلهن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا. فقالوا: فهذا أبو بكر وعمر يضربان ابنتيهما بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سألتاه نفقة لا يجدها، فلو كان ذلك لهما وهما طالبتان لحق لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما صنعا، ولبين أن لهما أن تطالبا مع الإعسار حتَّى يثبت على تقدير ذلك المطالبة بالفسخ، ولم يزل الصحابة منهم الموسر والمعسر، وكان معسروهم أكثر، ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم

(أ) في الأصل: راجما. ووجم وجوما، اشتد حزنه حتَّى أمسك عن الكلام. صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 81.

(ب) في الأصل، جـ: عينها. والمثبت من مصدر التخريج. ووجأت عنقها، يقال وجأ يجأ إذا طعن. وينظر صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 81، 82.

_________

(1)

الآية 7 من سورة الطلاق.

(2)

مسلم 4/ 1102 ح 1478.

(3)

يعني عمر بن الخطاب، كما في مصدر التخريج.

ص: 325

أحدًا منهم أن لزوجته الفسخ، ولا فسخ [أحد](أ) منهم، ولأن المرأة لو طال مرضها حتَّى تعذر على الزوج جماعها وجبت عليه النفقة، ولم يمكن من الفسخ، فكذلك في جانب الزوج، وأما حديث ابن المسيب فهو مرسل، والسنة محتملة، وأما حديث أبي هريرة الَّذي رواه في:"الصحيح"(1): "تقول المرأة: أطعمني أو طلقني". وقال أبو هريرة: إنه من كيسه، فلعل هذا الحديث بمعناه ويكون موقوفًا، وقد يجاب عن ذلك بأن الآية الكريمة لا تدل على عدم النفقة بالكلية، فإنه قال:{فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} . وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} (2). لا يدل على عدم الفسخ، فإنه إنما يدل على سقوط الوجوب عنه، وأما الفسخ فهو حق للمرأة تطالب به، وبأن قصة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يعدموا النفقة بالكلية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعاذ من الفقر المدقع (3)، ولعل ذلك أنَّه فيما زاد على قوام البدن، وفي بعض الأوقات مما قد يعتاد الناس التسامح به في حق النفس وحق من ينفقونه، وأيضًا أنهن لم يسألن الطلاق أو الفسخ، ولا ترضى نفوسهن بذلك ولو عدمن الحياة، وقد خيرهن الله سبحانه [فاخترن](ب) الرسول والدار الآخرة، فلا يصح الاحتجاج بذلك، وأما سائر الصحابة فكذلك، ولذلك لا قيل لمالك بذلك، قال: ليس

(أ) في الأصل، جـ: أحدا.

(ب) في الأصل، جـ: فاختارين.

_________

(1)

تقدم ص 322.

(2)

الآية 7 من سورة الطلاق.

(3)

البخاري 11/ 181 ح 6377، ومسلم 4/ 2078 ح 589.

ص: 326

الناس اليوم كذلك، إنما تزوجته رجاء. يعني أن نساء الصحابة كن يردن الآخرة وما عند الله، ولم يكن مرادهن الدنيا، فلم يكنَّ يبالين بعسر أزواجهن، وأما نساء اليوم فإنما يتزوجن رجاء الدنيا من الأزواج والنفقة والكسوة، وأما حديث ابن المسيب فقد عرفت أنه من مراسيله، والمختار العمل بها.

وقوله: السنة. ظاهر أن المراد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي هريرة المرفوع يؤيده (1)، وإسناده لا بأس به، والآيات تؤيد ذلك، وبأنه قد ثبت في الإيلاء والظهار المطالبة بالطلاق والحبس حتى يطلق، وعند اللبس بالمطلقة (أ) أيضًا إذا تمرد عن الطلاق فسخ النكاح الحاكم.

واختلفوا في تأجيله بالنفقة؛ فقال مالك: إنه يؤجل شهرًا ونحوه، فإن انقضى الأجل وهي حائض أخر حتى تطهر. وعند الشافعية في الأظهر أنه يمهل ثلاثة أيام، لأنها مدة قريبة، ولها الفسخ صبيحة الرابع إلا أن يسلم نفقته، لانتفاء الضرر إذن، ولو مضى يومان بلا نفقة وأنفق الثالث وعجز الرابع [بَنَتْ](ب)، لتضررها بالاستئناف فتصبر يومًا آخر ويفسخ في تاليه، وقيل: يستأنف لزوال العجز الأول، ولها الخروج زمان المهلة لتحصيل النفقة، لأنه إذا لم يوف ما عليه لا يملك الحجر عليها، وعليها الرجوع ليلًا إلى منزل الزوج، لأنه وقت الدعة، وعلى القول بأنه طلاق لا بد من الرفع إلى

(أ) في جـ: المطلق. والعبارة غير واضحة كما ترى.

(ب) في الأصل: نبت. وفي جـ: ثبت. والمثبت من منهاج الطالبين 1/ 120.

_________

(1)

تقدم ح 950.

ص: 327

الحاكم ليجبره على الإنفاق أو يطلق عنه، وهو أحد وجهين عند المالكية، والوجه الثاني أنه فسخ، فترافعه إلى الحاكم ليثبت الإعسار ثم تفسخ هي، ولا يسقط عليها الفسخ برضاها له؛ لأن النفقة حق يتجدد، وكذا لو نكحته عالمة بإعساره، وقال حماد بن أبي [سليمان] (أ): يؤجل سنة ثم يفسخ، قياسًا على العنين. وقال عمر بن عبد العزيز: يضرب له شهر أو شهران. وعند أحمد روايتان، إلا أن في مذهب أحمد أنها إذا اختارت الفسخ رفعته إلى الحاكم، فيخير (ب) الحاكم بين أن يفسخ عليه، أو يجبره على الطلاق، أو يأذن لها في الفسخ، فإن فسخ أو أذن في الفسخ فهو فسخ لا طلاق، ولا رجعة له وإن أيسر في العدة، وإن أجبره على الطلاق فطلق رجعيا فله رجعتها، وظاهر كلام أحمد أنه إذا رضيت بإعساره لم يتجدد لها الحق كالعيب، وقد روى ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن، أن رجلًا شكا إلى عمر بن عبد العزيز بأنه أنكح ابنته رجلًا لا ينفق عليها، فأرسل إلى الزوج فأتى، فقال: أنكحني وهو يعلم أن ليس في شيء. فقال عمر: أنكحته وأنت تعرفه، فما الذي أصنع؟ اذهب بأهلك (1). وقد روي عنه الفسخ وضرب الأجل شهرًا، وأنه لا فسخ مطلقًا، وقد حكي في المسألة عن [عبيد](جـ) الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة أن الزوج إذا أعسر بالنفقة حبس حتى يجد ما ينفقه. رواه ابن حزم وصاحب "المغني"(2) وغيرهما،

(أ) في الأصل، جـ: سلمة. وينظر تهذيب الكمال 7/ 269.

(ب) في جـ: فيجبر.

(جـ) في الأصل، جـ: عبد. والمثبت من مصدري التخريج، وينظر أخبار القضاة لوكيع 2/ 88.

_________

(1)

المحلى 11/ 332.

(2)

المحلى 11/ 330، والمغني 11/ 361.

ص: 328

وهو قول عجيب، لأي شيء يسجن وما يغني عنه السجن أو عن زوجته؟! ويجمع له بين عذاب الفقر وعذاب السجن والبعد عن أهله. وفي المسألة أيضًا مذهب آخر، وهو أن الزوجة إذا كانت موسرة وزوجها معسر كلفت النفقة على زوجها، ولا ترجع عليه إذا أيسر من بعد. وهذا مذهب أبي محمد بن حزم (1)؛ محتجًّا بقوله تعالى:{وعَلَى الْوَارِثِ مِثلُ ذَلك} . والزوجة وارثة، ولكن يرد عليه سياق الآية الكريمة، فإنها في حق المولود الصغير. ورجح ابن القيم (2) أنه إذا غير الرجل المرأة بأنه ذو مال فتزوجته فظهر معدمًا لا شيء له، أو كان ذا مال وترك الإنفاق على امرأته ولم تقدر على أخذ كفايتها من ماله بنفسها ولا بالحاكم- أن لها الفسخ، وإن تزوجته عالمة بعسرته، أو كان موسرًا ثم أصابته جائحة اجتاحت ماله، فلا فسخ لها في ذلك. واختلف أيضًا العلماء في الفسخ بالإعسار بالصداق؛ فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والصحيح من مذهب أحمد، واختاره عامة أصحابه، وهو قول كثير من أصحاب الشافعي، وفصل الشيخ أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة، فقالا: إن كان قبل الدخول ثبت به الفسخ، وإن كان بعده لم يثبت. وهو أحد الوجوه في مذهب أحمد. وفي "عجالة المحتاج على المنهاج" أن في إعساره بالمهر أقوالا (أ)؛ أظهرها: يفسخ [قبل الوطء](ب) للعجز عن تسليم العوض مع بقاء

(أ) في الأصل، جـ: أقوال.

(ب) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

المحلى 11/ 328.

(2)

زاد المعاد 5/ 521.

ص: 329

[المعوض](أ) كالإفلاس، لا بعده (1) لتلف [المعوض](ب)، فصار العوض دينًا في الذمة. والثاني: يثبت مطلقًا؛ أما قبل الوطء فلما تقدم، وأما بعده فلأن البضع لا يتلف بوطأة واحدة. والثالث: المنع مطلقًا؛ لأنه ليس لها في فوات المهر وتأخيره مثل ضرر فوات النفقة، وليس هو على قياس الأعواض حتى يفسخ العقد بتعذره. والقطع بالفسخ قبل الدخول عزاه الرافعي لجماعة، ونسبه في "الشرح الصغير" للأكثرين، والمصنف تبع "المحرر" في ترجيح طرد الخلاف في الحالين، وصرح الرافعي بأن هذا الخيار على الفور، ومقتضى ما في "التتمة" خلافه.

الثاني: لو قبضت بعضه وأعسر الزوج بباقيه ليس لها الفسخ، وإن كان قبل الدخول. قاله ابن الصلاح في "فتاويه"، والرافعي وغيره أطلق المسألة. انتهى.

952 -

وعن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم؛ أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا. أخرجه الشافعي ثم البيهقي بإسناد حسن (2).

الحديث أخرجه البيهقي من طريق الشافعي بإسناده، قال: أخبرنا مسلم

(أ) في الأصل، جـ: الغرض. والمثبت من مغني المحتاج 3/ 444، والإقناع للشربيني 2/ 488.

(ب) في الأصل، جـ: العوض. والمثبت من المصدرين السابقين.

_________

(1)

يعني: بعد الوطء.

(2)

الشافعي، كتاب النفقات، الخلاف في نفقة المرأة 5/ 107، والبيهقي، كتاب النفقات، باب الرجل لا يجد نفقة امرأته 7/ 469.

ص: 330

ابن خالد (أ) عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب، ورواه ابن المنذر من طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر به وأتم إسنادًا، وهو في "مصنف عبد الرزاق"(1)، وذكر أبو حاتم (2) في "العلل" عن حماد بن سلمة عن [عبيد](ب) الله به، قال: وبه نأخذ.

الحديث فيه دلالة على أن نفقة الزوجة لا تسقط بالمطل، وقد تقدم الكلام فيه، وأن الزوج إذا لم ينفق أجبر على الطلاق مع إيساره، وهذا كما عرفت اختاره ابن القيم، والله أعلم.

953 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، عندي دينار؟ قال:"أنفقه على نفسك". قال: عندي آخر؟ قال: "أنفقه على ولدك". قال: عندي آخر؟ قال: "أنفقه على أهلك". قال: عندي آخر؟ قال: "أنفقه على خادمك". قال: عندي آخر؟ قال: "أنت أعلم". أخرجه الشافعي واللفظ له وأبو داود، وأخرجه النسائي والحاكم بتقديم الزوجة على الولد (3).

الحديث. قال ابن حزم (4): اختلف يحيى القطان والثوري، فقدم يحيى

(أ) في جـ: خلدة. وينظر تهذيب الكمال 27/ 509.

(ب) في الأصل: عبد.

_________

(1)

عبد الرزاق 7/ 93، 94 ح 12346.

(2)

علل ابن أبي حاتم 1/ 406 ح 1217.

(3)

الشافعي، كتاب النفقات، وجوب نفقة المرأة 5/ 87، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب صلة الرحم 3/ 136 ح 1691، والنسائي، كتاب الزكاة، تفسير ذلك 5/ 62، والحاكم، كتاب الزكاة 1/ 415.

(4)

المحلى 1/ 350.

ص: 331

الزوجة على الولد، وقدم سفيان الولد على الزوجة، فينبغي ألا يقدم أحدهما على الآخر بل يكونان سواء؛ لأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم تكلم ثلاثًا (1)، فيحمل أن يكون في إعادته إياه قدم الولد مرة، ومرة قدم الزوجة، فصارا سواء.

قال المصنف (2) رحمه الله تعالى: وفي "صحيح مسلم"(3) من رواية جابر [تقديم](أ) الأهل على الولد من غير تردد، فيمكن أن يرجح إحدى الروايتين.

954 -

وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول الله، من أبر؟ قال:"أمك". قلت: ثم من؟ قال: "أمك". قلت: ثم من؟ قال "أمك". قلت: ثم من؟ قال: "أباك، ثم الأقرب فالأقرب". أخرجه أبو داود [والترمذي](ب) وحسنه (4).

وأخرجه (جـ) والحاكم (5)، وأخرجه أبو داود (6) من طريق كليب بن منفعة الحنفي عن جده نحوه.

تقدم الكلام على الحديث (7).

(أ) في الأصل: يقدم. وفي جـ: فقدم. والمثبت من التلخيص الحبير.

(ب) ساقطة من: الأصل، جـ.

(جـ) بعده في الأصل: النرمدو، وكتب فوقه كذا. وبعده في جـ: الترمذي و.

_________

(1)

المسند 3/ 221.

(2)

التلخيص الحبير 4/ 10.

(3)

مسلم 2/ 692، 693 ح 997.

(4)

أبو داود، كتاب الأدب، باب في بر الوالدين 4/ 338 ح 5139، والترمذي كتاب البر والصلة، باب ما جاء في بر الوالدين 4/ 273 ح 1897.

(5)

الحاكم 3/ 642.

(6)

أبو داود 2/ 338 ح 5140.

(7)

تقدم ص 311، 312.

ص: 332