الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإيلاء والظهار والكفارة
الإيلاء أصله في اللغة: الحلف على الشيء، يقال فيه: آلى يؤلي إيلاء، وتألّى تألِّيًا، وأْتلى ائتلاء، ويستعمل بمعنى اليمين، وجمعه ألايا بالتخفيف كعطايا، قال الشاعر (1):
قليل الألايا حافظ ليمينه
…
فإن سبقت منه الأليَّة بَرَّتِ
فجمع بين المفرد والجمع. وفي الشرع: الامتناع باليمين من وطء الزوجة، ولهذا عدي فعله بـ"من" في قوله:{يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (2).
لتضمينه معنى: يمتنعون.
والظهار: بكسر الظاء مشتق من الظهر؛ لقول القائل: أنت علي كظهر أمي. وإنما خص الظهر من بين الأعضاء لأن كل مركوب من الحيوان يسمى ظهرًا، لحصول الراكب على ظهره، فشبهت الزوجة به، أو أنه كنى بالظهر عن البطن؛ لما كان ذكر البطن كالتصريح بذكر العورة، وكأن الظهر [عمود البطن] (أ) كما قال عمر رضي الله عنه: يجيء أحدهم على عمود بطنه (3).
898 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم، فجعل الحرام حلالا، وجعل لليمين كفارة. رواه الترمذي،
(أ) ساقط من: الأصل.
_________
(1)
هو كثير عزة، والبيت في ديوانه ص 325.
(2)
الآية 226 من سورة البقرة.
(3)
أبو عبيد في غريب الحديث 3/ 391، والزمخشري في الكشاف 1/ 986.
ورواته ثقات، ورجح الترمذي إرساله على وصله (1).
وفيه دلالة على جواز حلف الرجل من زوجته، ولكن لم يكن في الحديث تصريح بالإيلاء المصطلح عليه في عرف الشرع، وهو الحلف من وطء الزوجة، وقول أكثر أهل العلم أن الإيلاء لا بد فيه من التصريح بالامتناع من الوطء لا مجرد الامتناع من الزوجة، والخلاف فيه لحماد بن [أبي](أ) سليمان شيخ أبي حنيفة، وهو مسبوق بالخلاف أيضًا، وقد أخرج الطبري (2) من طريق سعيد بن المسيب: إن حلف ألا يكلم امرأته يومًا أو يومين فهو إيلاء، إلا إن كان (5) يجامعها ولا يكلمها فليس بمؤلٍ.
وكان إيلاؤه شهرًا كما ثبت في "صحيح البخاري"(3)، واختلفت الروايات في سبب إيلائه صلى الله عليه وسلم وفي تحريمه؛ ففي رواية البخاري (4) لحديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنه لما سأله عن المرأتين اللتين قال الله تعالى:{إِنْ تَتُوبَا} (5) الحديث الطويل. قال عمر: فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث الذي أفشته حفصة إلى عائشة. ولم يفسر في هذه الرواية الحديث الذي أفشته حفصة، وفيه أيضًا: وكان قال: "ما أنا بداخل عليهن
(أ) ساقطة من: الأصل، جـ. وينظر تهذيب الكمال 7/ 269.
(ب) زاد في الأصل: لا.
_________
(1)
الترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الإيلاء 3/ 504 ح 1201.
(2)
تفسير الطبري 2/ 421.
(3)
البخاري 9/ 425، ح 2469، 5289.
(4)
البخاري 5/ 116 ح 2468.
(5)
الآية 4 من سورة التحريم.
شهرًا". من شدة موجدته عليهن حين (أ) عاتبه الله. وهذا أيضًا مبهم، وذكر محمد بن الحسن المخزومي في كتابه "أخبار المدينة" بسند له مرسل أنه صلى الله عليه وسلم كان يبيت في المشربة، ويقيل عند أراكة على خلوة بئر كانت هناك. والمراد بالمعاتبة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} الآية (1). وفي "الصحيحين" أن الذي حرم على نفسه العسل (2)، أو تحريم مارية (3). ووقع في رواية يزيد بن رومان عن عائشة عند ابن مردويه (4) بالجمع بين القولين، وفي آخره بعد أن ذكر قصة العسل أن حفصة في يومها استأذنته أن تأتي أباها، فأذن لها فذهبت، فأرسل إلى جاريته مارية فأدخلها بيت حفصة، قالت حفصة: فرجعت فوجدت الباب مغلقًا، فخرج ووجهه يقطر، وحفصة تبكي، فعاتبته، فقال: "أشهدك أنها علي حرام، انظري لا تخبري بهذا امرأة، وهي عندك أمانة". فلما خرجت قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة، فقالت: ألا أبشرك، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم أمته. فنزلت.
وأخرج ابن مردويه (4) من طريق الضحاك عن ابن عباس أنها وجدت معه مارية، فقال: "لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة، إن أباك يلي هذا الأمر
(أ) في جـ: حتى.
_________
(1)
الآية 1 من سورة التحريم.
(2)
البخاري 8/ 656 ح 4912، ومسلم 2/ 100 ح 1474.
(3)
النسائي 7/ 71، والحاكم 2/ 493، وينظر الفتح 8/ 657، والدر المنثور 6/ 239، 240.
(4)
الفتح 9/ 289.
بعد أبي بكر إذا أنا مت". فذهبت إلى عائشة فأخبرتها، فعاتبها على ذلك، ولم يعاتبها على أمر الخلافة، فلهذا قال الله تعالى:{عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} (1). وأخرج الطبراني (2) نحوه عن أبي هريرة، وفيهما ضعف.
وأخرج ابن سعد (3) سببًا رابعًا من طريق عمرة عن عائشة، قالت: أُهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها، فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها، فزادها مرة أخرى فلم ترض، فقالت عائشة: لقد [أقمأت](أ) وجهك؛ ترد عليك الهدية؟ فقال: "لأنتن أهون على الله من أن [تقمئنني] (ب)، لا أدخل عليكن شهرا" الحديث.
ومن طريق الزهري عن عروة عن عائشة نحوه وفيه: ذبح ذبحًا فقسمه بين أزواجه. الحديث (4).
وسببًا خامسًا أخرجه مسلم (5) من حديث جابر قال: جاء أبو بكر والناس جلوس بباب النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر فدخل، ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا وحوله نساؤه. فذكر الحديث. وفيه:"هن حولي كما ترى يسألنني النفقة". فقام
(أ) في الأصل، جـ: أقمت. والمثبت من مصدر التخريج، وينظر الفتح 9/ 290. وأقمأْتُه: صغرتُه وذلَّلته. اللسان (ق م أ) وقال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي: أي ما راعت عظيم شأنك. سنن ابن ماجه 1/ 664.
(ب) في الأصل، جـ: يقمني. والمثبت من مصدر التخريج.
_________
(1)
الآية 3 من سورة التحريم.
(2)
الطبراني في الأوسط 3/ 13 ح 2316.
(3)
ابن سعد 8/ 188.
(4)
ابن سعد 8/ 190.
(5)
مسلم 2/ 1104 ح 1478.
أبو بكر إلى عائشة، وقام عمر إلى حفصة، ثم اعتزلهن شهرًا. فذكر نزول آية التخيير. قال المصنف رحمه الله تعالى (1): واللائق بمكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم وسعة صدره، وكثرة صفحه، أن يكون مجموع هذه الأشياء سببًا لاعتزالهن.
وقوله: وحرم. أي حرم مارية، أو العسل، كما ذكر في الأسباب، فيندفع بذلك احتمال تحريم جماع نسائه حتى يكون من باب الإيلاء على ما ذهب إليه الجمهور، وقد جزم ابن بطال وجماعة أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من جماع نسائه في ذلك الشهر. قال المصنف (2): ولم أقف على نقل صريح في ذلك، فإنه لا يلزم من ترك دخوله عليهن ألا تدخل إحداهن عليه في المكان الذي اعتزل فيه، إلا إن كان المكان المذكور من المسجد، فيتم استلزام عدم الدخول عليهن -مع استمرار الإقامة في المسجد- العزم على ترك الوطء لامتناع الوطء في المسجد.
899 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إذا مضت أربعة أشهر يوقف المؤلي حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق. أخرجه البخاري (3).
اعلم أن الإيلاء وقع الخلاف فيه بين العلماء في الأمر الذي يعلق به
(1) الفتح 9/ 290.
(2)
الفتح 9/ 427.
(3)
البخاري، كتاب الطلاق، باب قول الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
…
} 9/ 426 ح 5291.
الإيلاء، وفي مدته، وفي اعتبار اللفظ فيه، وفي أنه [يكون](أ) طلاقًا بعد مضي المدة، وبما يحصل الفيء، فأما ما يعلق به الإيلاء، فهو ترك الجماع للزوجة صريحًا أو كناية، وقد تقدم الرواية عن ابن المسيب أنه قد يكون مؤليًا بترك الكلام، وكذا أخرج الطبري (1) عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر فيمن قال لامرأته: إن كلمتك سنة فأنت طالق. قال: إن مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت، وإن كلمها قبل سنة فهي طالق. وأخرج من طريق يزيد بن الأصم أن ابن عباس قال: ما فعلت امرأتك لعهدي بها سيئة الخلُق؟ قال: لقد خرجت وما أكلمها. قال: [أدركها](ب) قبل مضي أربعة أشهر، فإن مضت فهي تطليقة (2). ففيه دلالة على أن الإيلاء يقع بترك الكلام، وبغير قسم أيضًا.
وأما المدة: فهي مطْلقة أو مؤقتة، فالمطْلقة ينعقد الإيلاء فيها عند الأكثر، وذهب أبو العباس إلى أنه لا ينعقد، لقوله تعالى:{أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (3). والجواب أن الأربعة إنما هي مدة التربص لا مدة الإيلاء، فلا دلالة. وأما المؤقتة: فذهب العترة والحنفية وجماعة من التابعين إلى أنها تنعقد بالأربعة الأشهر؛ لظاهر الآية الكريمة، إلا أن أبا حنيفة يقول: إنها تطلق إذا مضت الأربعة ولم يفئْ. وعند غيره أنها لا تطلق، ولكن للمرأة المطالبة
(أ) في الأصل: يقع.
(ب) في الأصل، جـ: اتركها. والمثبت من مصدر التخريج.
_________
(1)
تفسير الطبري 2/ 420.
(2)
ينظر الفتح 9/ 426.
(3)
الآية 226 من سورة البقرة.
بالفيء أو بالطلاق، والموقع للطلاق يقول: إن الآية تدل على ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن عبد الله بن مسعود قرأ: (فإن فاءوا فيهن فإن الله غفور رحيم)(1). فإضافة الفيئة إلى المدة يدل على استحقاق الفيئة فيها، وهذه القراءة إما أن تجرى مجرى خبر الواحد فيوجب العمل، وإن لم يكن قرآنا.
الثاني: أن الله جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر، فلو كانت الفيئة (أبعدها لزادت أ) على مدة النص، وذلك غير جائز.
الثالث: أنه لو وطئها في مدة الإيلاء لوقعت الفيئة موقعها، فدل على استحقاق الفيئة فيها.
وذهب الجمهور من العلماء، وروي عن بضعة عشر من الصحابة؛ منهم عثمان وعلي وعائشة وابن عمر، ويروى عن عمر أيضًا، ومنهم أحمد والشافعي ومالك، إلى أنه لا يكون مؤليًا إلا بأكثر من أربعة أشهر، والأربعة الأشهر إنما هي مدة لإمهال الزوج، لا تستحق الزوجة المطالبة فيها، فبعد مضيها يثبت لها المطالبة بالفيء أو بالطلاق، ويحبسه الحاكم حتى يطلق، أو يوقع الحاكم عنه الطلاق على الخلاف في ذلك، قالوا: لأن الله جعل لهم مدة التربص أربعة أشهر، فلا تستحق المطالبة فيها (ب) بل تكون المطالبة فيما
(أ- أ) في جـ: بعد أن زادت.
(ب) بعده في الأصل: بل يكون المطالبة فيها.
_________
(1)
ينظر البحر المحيط 2/ 182.
بعدها، فكانت كأجل الدين؛ لأن الله تعالى يقول:{فَإِنْ فَاءُوا} . بفاء التعقيب وهو بعد الأربعة، فلو كانت المدة أربعة أو أقل لكانت المدة قد انقضت، فلا تطالب بعدها، والتعقيب هو للمدة لا (أ) للإيلاء؛ لبعده، ولأن الله سبحانه وتعالى خير في الآية بين الفيئة والعزم على الطلاق، فيكونان في وقت واحد، وهو بعد مضي الأربعة، ولو كان الطلاق يقع بمضي الأربعة والفيئة قبل مضيها لم يكن تخييرًا؛ لأن حق المخير بينهما أن يقع أحدهما في الوقت الذي يصح فيه الآخر كالكفارة، وهذا الوجه أشار إليه الشافعي، ولأن الله تعالى لما جعل مدة الانتظار أربعة أشهر، فلا سبيل عليه مدة بقائها، فإذا مضت كان عليه السبيل؛ إما أن يفيء، وإما أن يطلق، كما لو قال: أجلتك أربعة أشهر. لم يكن له الطالبة حتى تنقضي المدة، ولأن الله سبحانه وتعالى أضاف عزم الطلاق إلى الرجل، وليس انقضاء المدة من فعل الرجل، ولذلك كانت عائشة إذا حلف الرجل ألا يأتي امرأته فيدعها خمسة أشهر، لا ترى ذلك شيئًا حتى يوقَف، وتقول: كيف قال الله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (1). وذهب الحسن والنخعي وقتادة وابن أبي ليلى إلى أن الإيلاء يقع بقليل الزمان وكثيره. ويروى عن عبد الله بن مسعود (2). ودليلهم ظاهر قوله تعالى: {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} . من غير تقييد، وقد يجاب عنه بأن الله سبحانه وتعالى ضرب
(أ) ساقط من: جـ.
_________
(1)
الآية 229 من سورة البقرة، وينظر تفسير الطبري 2/ 434.
(2)
ينظر تفسير الطبري 2/ 431.
الأربعة الأشهر ليرجع فيها المؤلي عن المضاررة والعمل بمقتضى يمينه، وذلك يقتضي أن تزيد المدة على أربعة أشهر. وروي عن ابن عباس أن المؤلي من حلف لا يصيب امرأته أبدًا.
والفيئة في اللغة بمعنى الرجوع، والمراد بها هنا هو رجوع الزوج إلى وطء الزوجة، وهذا في حق القادر، وأما المعذور فيبين عذره، ويقول: لو قدرت لفئت. وعند الهدوية أن يقول: رجعت عن يميني. وقال عكرمة: فيئة المعذور بالنية. وإليه ذهب أبو ثور وأحمد؛ وذلك لأن الفيئة هو الرجوع عن اليمين، وهي عبارة عن التوبة عن المضاررة من الزوج لزوجته، والتوبة لا تحتاج إلى لفظ إلا أنه يقال: هي توبة متعلقة بالاستحلال من حق الغير، ولابد من الإفهام بذلك، وهو يكون باللفظ، وتجب الكفارة مع الوطء، وهو قول أكثر أهل العلم، ويروى عن ابن عباس وزيد بن ثابت، وهو الجديد للشافعي، وقال النخعي والحسن والقديم من قولي الشافعي: لا كفارة تجب.
وظاهر الآية الكريمة عموم الحكم للحر والعبد وأنهما سواء، وبهذا قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وأهل الظاهر، وذهب مالك إلى تنصيف مدته قياسًا على تنصيف حده وطلاقه، ويروى عن الزهري وعطاء وإسحاق، وذهب أبو حنيفة إلى اعتبار نقصان المدة بالنساء لا بالرجال؛ قياسًا على العدة، وبه قال الحسن والنخعي، وقد يرد قياس مالك بالفرق بين الحُكمين؛ لأن الحد حق لله، ومبناه على الدرء والإسقاط، والإيلاء حق للآدمي ومبناه على التغليظ والاحتياط، وأما قياسه على الطلاق فهو معارَض بقياسه على الفيئة؛ لأن الشارع ضرب المدتين توسعة (أ) للأزواج في أداء ما
(أ) في جـ: بوسعه.
وجب [منه](أ) دفع الضرار، ويرد على قياس أبي حنيفة ذلك على العدة، بأن حكم الإيلاء جعل الله اعتباره إلى الرجال، وحكم العدة اعتباره إلى النساء، فكيف يعتبر حكم وجب للرجال بحكم وجب للنساء؟
وعموم الآية يقتضي صحة الإيلاء من كل زوجة، صغيرة أو كبيرة، رتقاء (1) أو قرناء (2)، أو مريضة، أو غير ذلك. والفقهاء مختلفون في ذلك، فمنهم من أخذ بالعموم، ومنهم من جعل ذلك في حق الصالحة للجماع (ب)، وهو من خصص العموم بالمعنى، وهو عدم المضاررة في حق من لم تكن صالحة للجماع، حتى ذهب مالك إلى أن من قصد المضاررة بترك الوطء و (جـ) لم يؤْل بلسانه يكون مُؤْليًا، والجمهور على خلافه.
وأجمعوا على أن الإيلاء يتعلق بالزوجة دون المملوكة؛ لقوله تعالى: {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (3). وقوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} (4). وليس في الإماء طلاق؛ ولأنه لا يجب للمملوك على مالكه شيء من المؤنة.
(أ) ساقط من: الأصل.
(ب) بعده في الأصل: ومنهم.
(جـ) في جـ: أو.
_________
(1)
الرتقاء: المرأة المنضمة الفرج التي لا يكاد الذكر يجوز فرجها لشدة انضمامه. التاج (ر ت ق).
(2)
القرناء من النساء: التي في فرجها مانع يمنع سلوك الذكر فيه؛ إما غدة غليظة، أو لحمة مرتنقة، أو عظم. التاج (ق ر ن).
(3)
الآية 226 من سورة البقرة.
(4)
الآية 227 من سورة البقرة.
واعلم أن الإيلاء في لسان العرب هو الحلف مطلقًا، قال الشاعر (1):
فآليت لا أنفك أحدو قصيدة
…
تكون وإياها بها مثلًا بعدي
ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الإيلاء هنا كما (أ) في اللغة، ينعقد بكل يمين على الامتناع من الوطء، سواء حلف بالله أو بغيره، وبه قال الجمهور والشافعي في الجديد، ويروى عن ابن عباس، وقال به أبو حنيفة وأصحابه ومالك، وذهب العترة وقول الشافعي في القديم إلى أنه لا ينعقد إلا بالحلف بالله تعالى، قالوا: لأنه لا يكون يمينًا إلا ما كان بالله تعالى، فلا تشمله الآية.
900 -
وعن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم كانوا يقفون المؤلي. رواه الشافعي (2).
هو أبو أيوب، ويقال: أبو عبد الرحمن، سليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخو عطاء بن يسار، بفتح الياء تحتها نقطتان وتخفيف السين المهملة، من أهل المدينة، وكبار التابعين، كان فقيهًا فاضلا ثقة عابدًا ورعًا حُجة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، قال الحسن بن محمد: سليمان بن يسار أفهم عندنا من سعيد بن المسيب. ولم يقل: أعلم ولا أفقه. روى عن ابن عباس وأبي هريرة وأم سلمة، روى عنه الزهري ويحيى بن سعيد
(أ) ساقط من: جـ.
_________
(1)
هو أبو ذؤيب الهذلي، والبيت في ديوان الهذليين 1/ 159، برواية: فأقسمت. بدل: فآليت. وهو في الأغاني 6/ 274 بالرواية التي ذكرها المصنف.
(2)
الشافعي في الأم 5/ 265.
الأنصاري وغيرهما من الأعلام، مات سنة سبع ومائة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة.
وأخرج الشافعي (1) بلفظ: بضعة عشر رجلًا. وأخرج إسماعيل القاضي (2) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سليمان بن يسار، قال: أدركت بضعة عشر رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الإيلاء لا يكون طلاقًا حتى يوقفَ. وأخرج الدارقطني (3) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال: سألت اثني عشر رجلًا من الصحابة عن الرجل يؤلي، فقالوا: ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقَف، فإن فاء وإلا طلق. وأخرج إسماعيل (2) عن سليمان بن يسار من وجه آخر، قال: أدركنا الناس يقفون الإيلاء إذا مضت الأربعة. وأخرج البخاري (4) أن (أ) ابن عمر كان يقول في الإيلاء الذي يسمي الله: لا يحل لأحد (ب) بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق، كما أمر الله سبحانه. وقال البخاري (5): قال لي إسماعيل، هو ابن أبي أويس (جـ): حدثني مالك عن نافع عن ابن
(أ) في جـ: و.
(ب) ساقط من: جـ.
(جـ) في جـ: إدريس.
_________
(1)
الشافعي في الأم 5/ 265.
(2)
إسماعيل القاضي -كما في الفتح 9/ 429.
(3)
الدارقطني 4/ 61 ح 147.
(4)
البخاري 9/ 426 ح 5290.
(5)
البخاري 9/ 426 ح 5291.
عمر: إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق. ويُذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وأثر ابن عمر أخرجه الإسماعيلي من طريق معن بن عيسى عن مالك بلفظ: أنه كان يقول: أيما رجل آلى من امرأته، فإذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق أو يفيء، ولا يقع عليه طلاق إذا مضت حتى يوقف. وكذا أخرجه الشافعي (1) عن مالك، وزاد: فإما أن يطلق وإما أن يفيء. وهذا تفسير للآية من ابن عمر، وتفسير الصحابة في مثل هذا له حكم الرفع عند البخاري ومسلم كما نقله الحاكم، وأثر عثمان وصله الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق (2) من طريق طاوس أن عثمان بن عفان كان يوقف المؤلي، فإما أن يفيء وإما أن يطلق. وفي سماع (أ) طاوس من عثمان نظر. وأخرجه إسماعيل القاضي في "الأحكام"(3) من وجه آخر منقطع عن عثمان أنه كان لا يرى الإيلاء شيئًا، وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف. ومن طريق سعيد بن جبير عن عمر نحوه، وهذا منقطع أيضًا، فالطريقان عن عثمان يعضد أحدهما الآخر، وجاء عن عثمان خلافه، فأخرج عبد الرزاق والدارقطني (4) من طريق عطاء الخراساني، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عثمان وزيد
(أ) في جـ: سماعه.
_________
(1)
الأم 5/ 265.
(2)
الشافعي 5/ 265، وابن أبي شيبة 5/ 132، وعبد الرزاق 6/ 458، 459 ح 11664.
(3)
إسماعيل القاضي -كما في الفتح 9/ 428.
(4)
عبد الرزاق 6/ 453، 454 ح 11638، والدارقطني 4/ 63 ح 152.
ابن ثابت: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة. وقد سئل أحمد عن ذلك فرجح رواية طاوس، وأما أثر علي فوصله الشافعي وأبو بكر بن أبي شيبة (1) من طريق [عمرو](أ) بن سلمة أن عليًّا وقف المؤلي. وسنده صحيح، وأخرج مالك (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحو قول [ابن] (ب) عمر: إذا مضت الأربعة أشهر لم يقع عليه الطلاق حتى يوقف؛ فإما أن يطلق وإما أن يفيء. وهذا منقطع، يعتضد بالذي قبله. وروي [عن](جـ) زيد بن علي عن أبيه، عن جده. رواه عنه في "أصول الأحكام". وأخرج سعيد بن منصور (3) من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى: شهدت عليًّا أوقف رجلًا عند الأربعة بالرحبة؛ إما أن يفيء وإما أن يطلق. وسنده صحيح أيضًا، وأخرج إسماعيل القاضي (4) من طريق سعيد بن المسيب أن أبا الدرداء قال: يوقف في الإيلاء عند انقضاء الأربعة؛ فإما أن يطلق وإما أن يفيء. وسنده صحيح إن ثبت سماع ابن المسيب من أبي الدرداء. وأما أثر عائشة فأخرج عبد الرزاق (5) عن معمر عن قتادة أن أبا الدرداء وعائشة قالا. فذكر مثله، وهذا منقطع. وأخرج سعيد بن منصور (6) بسند صحيح عن عائشة بلفظ: أنها
(أ) في الأصل، جـ: عمر. والمثبت من مصدري التخريج. وينظر تهذيب الكمال 22/ 49.
(ب) ساقطة من: في الأصل، جـ. والمثبت من الفتح 9/ 428.
(جـ) في الأصل، جـ: عنه. والمثبت يوافق ما في الفتح 9/ 429.
_________
(1)
الشافعي 5/ 265، وابن أبي شيبة 5/ 131.
(2)
الموطأ 2/ 556 ح 17.
(3)
سعيد بن منصور 2/ 31 ح 1909.
(4)
إسماعيل القاضي -كما في الفتح 9/ 429.
(5)
عبد الرزاق 6/ 457 ح 11658.
(6)
سعيد بن منصور 2/ 32 ح 1914.
كانت لا ترى الإيلاء شيئًا حتى يوقَف. وللشافعي (1) عنها نحوه. وسنده صحيح أيضًا (أ).
الأثر المذكور وما عضده من الآثار، يدل على إيقاف المؤلي بعد مضي الأربعة، والمراد بإيقافه هو أنه يطالَب؛ إما بالفيء أو بالطلاق، ولا يقع الطلاق بمجرد مضي المدة، وهذا هو الذي ذهب إليه الجمهور من الصحابة والعلماء، وذهب الكوفيون إلى أنه إن فاء بالجماع قبل انقضاء المدة استمرت عصمته، وإن مضت المدة وقع الطلاق بنفس مضي المدة، ولا عدة؛ لأنه لا تربص على المرأة بعد انقضائها. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنه يكون الطلاق بائنًا؛ إذ لا فائدة للمرأة لو كان رجعيًّا. وذهب النخعي إلى أنها تكون رجعية؛ إذ لا مقتضِي للبينونة، ولما روي عن علي رضي الله عنه: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة (2). كذا رواه الإمام المهدي في "البحر"، ولكنه أخرجه الطبري (3) بسند لا بأس به عن علي: إن مضت الأربعة الأشهر ولم يفئْ طلقت طلقة بائنة. وأخرجه (3) بسند صحيح عن ابن مسعود أيضًا، وبسند حسن عن علي وزيد بن ثابت مثله (3). وعن جماعة من التابعين من الكوفيين وغيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤيب وعطاء والحسن وابن
(أ) ساقط من: جـ.
_________
(1)
الأم 5/ 265.
(2)
ابن أبي شيبة 5/ 129، والطبري 2/ 428.
(3)
الطبري 2/ 428.
سيرين مثله. وأخرج (أمن طريق أ) ابن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول والزهري والأوزاعي: تطلق، لكن طلقة رجعية. وأخرج سعيد بن منصور (1) من طريق جابر بن زيد: إذا آلى فمضت أربعة أشهر، طلقت بائنًا ولا عدة عليها. وأخرج إسماعيل القاضي (2) في "أحكام القرآن" بسند صحيح عن ابن عباس مثله. واخرج سعيد بن منصور (3) من طريق مسروق:[إذا مضت الأربعة بانت بطلقة وتعتد بثلاث حيض. وأخرج إسماعيل (2) من وجه آخر عن مسروق](ب) عن ابن مسعود مثله. وأخرج ابن أبي شيبة (4) بسند صحيح عن أبي قلابة أن النعمان بن بشير آلى من امرأته، فقال ابن مسعود: إذا مضت أربعة اشهر فقد بانت منه (جـ) بتطليقة.
فإذا عرفت ما تلوناه عليك من تعارض الآثار واختلاف علماء الصحابة والتابعين في ذلك، فالرجوع إلى الترجيح، وهو ترجيح القول الأول بظاهر الآية، وهو أن قوله سبحانه وتعالى:{فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (5). بعد قوله: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} . فيه إيماء إلى أن عزم الطلاق بقول ليناسبه السماع،
(أ- أ) ساقط من: جـ.
(ب) ساقط من: الأصل، جـ. والمثبت من الفتح 9/ 428.
(جـ) في جـ: منك.
_________
(1)
سعيد بن منصور 2/ 37 ح 1937.
(2)
إسماعيل -كما في الفتح 9/ 428.
(3)
سعيد بن منصور 2/ 36 ح 1934.
(4)
ابن أبي شيبة 5/ 129.
(5)
الآية 227 من سورة البقرة.
ولو كان يقع بمجرد مضي المدة لكفى ذكر {عَلِيمٌ} من دون {سَمِيعٌ} كما هو المعروف من بلاغة كتاب الله سبحانه، وإحكام نظمه، ورصانة مبانيه، وإشارة فواصله إلى ما دلت عليه الجملة السابقة، ولأنه قال بذلك جمهور الصحابة، والترجيح قد يقع بالأكثر.
واعلم أنه إذا طلق فعند الجمهور أن الطلاق يكون رجعيًّا، إلا أن مالكًا قال: لا تصح رجعته إلا إن جامع في العدة، وإذا فاء فإن كان قادرًا كان فيئه بالوطء، وإن كان عاجزًا كان فيئه باللفظ، بأن يقول: رجعت عن يميني. أو: ندمت على يميني، وإذا قدرت على الوطء فعلته. ومتى قدر أجبر على الوطء، ولا إمهال إلا إذا كان مقيدًا الإيلاء بمدة، فيمهل بعد مضي ما قيد به يومًا أو يومين، لضعف حكمه بعد مضي المدة، إذ لا حنث، قال الإمام يحيى: ويمهل حتى يأكل ويشرب أو يصلي أو يخف الشابع أو ينام الناعس إجماعًا، للمسامحة في ذلك، لا شهرًا ونحوه إجماعًا، وفي الثلاثة الأيام وجهان: يلزم فصلًا بين قليل المدة وكثيرها، ولا؛ إذ لا عذر. انتهى.
وإذا كان غائبًا فإن كان دون مسافة القصر رجع فورًا ولا إمهال، وإن كان مسافة القصر فاء باللفظ، وكان حكمه حكم العاجز، وذكر الإمام المهدي في "البحر" أنه يرجع فورًا أيضًا إن (أ) لم يستوطن ذلك الكان، فإن استوطنه طلبها إليه. وكذا إن كان محرمًا كان فيئه باللفظ، فإن أراد الوطء كان لها منعه؛ لأن فعله منكر، وكذا إذا كان مظاهرًا منها قبل التكفير، فيجبر على العتق، ويمهل حتى يشتري رقبة يومًا أو يومين، وإن كان معسرًا
(أ) في جـ: وإن.
ووجب عليه الصوم، فاء باللفظ لطول المدة، ولها منعه إذا طلب الوطء قبل التكفير، والله سبحانه أعلم.
901 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين، فوقت الله أربعة أشهر، فإن كان أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء. أخرجه البيهقي (1).
وأخرجه الطبراني (2) أيضًا من حديث ابن عباس، وقال الشافعي: كانت العرب الجاهلية تحلف بثلاثة أشياء؛ الطلاق، والظهار، والإيلاء، فنقل الله سبحانه الإيلاء والظهار عما كانا عليه في الجاهلية من إيقاع الفرقة على الزوجة إلى ما استقر عليه حكمهما في الشرع، وبقي حكم الطلاق على ما كان عليه.
الحديث فيه دلالة على أن أقل ما ينعقد به الإيلاء أربعة أشهر، وقد تقدم الكلام على ذلك.
902 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه، أن رجلًا ظاهر من امرأته، ثم وقع عليها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني وقعْت عليها قبل أن أكفر. قال: "فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به". رواه الأربعة وصححه الترمذي، ورجح النسائي إرساله (3)،
(1) البيهقي، كتاب الإيلاء، باب الرجل يحلف لا يطأ امرأته أقل من أربعة أشهر 7/ 381.
(2)
الطبراني في المعجم الكبير 11/ 158 ح 11356.
(3)
أبو داود، كتاب الطلاق، باب في الظهار 2/ 275 ح 2223، 2225، والترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر 3/ 503 ح 1199، والنسائي، كتاب الطلاق، باب الظهار 6/ 167، وابن ماجه، كتاب الطلاق، باب المظاهر يجامع قبل أن يكفر 1/ 666 ح 2065.
ورواه البزار (1) من وجه آخر عن ابن عباس، وزاد فيه:"كفِّر ولا تعد".
الحديث بلفظ النسائي، وفي رواية له (2):"اعتزلها حتى تقضي ما عليك". وفي رواية لأبي داود (3) قال: "فاعتزلها حتى تكفر عنك". ورجاله ثقات، وأعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال (4)، وقال ابن حزم (5): رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله. وطريق البزار عن خصيف عن عطاء عن ابن عباس بلفظ، أن رجلًا قال: يا رسول الله، إني ظاهرت من امرأتي، رأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر. قال:"كفِّر ولا تعد".
قوله: أن رجلًا ظاهر من امرأته. لم أر تسمية الرجل المظاهر، والظهار كما عرفت في اشتقاقه أنه مشتق من الظهر، وهو قول الرجل لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي. [فيكنون](أ) بالظهر الذي هو محل الركوب، ويشبهون به المرأة، كما أن الزوجة موطوءة للزوج، فكنوا بالظهر عما يستهجن ذكره، وأضافوا الظهر إلى الأم؛ لأنها أم المحرمات.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يذكرون أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاث؛ الظهار والإيلاء والطلاق،
(أ) في الأصل، جـ: فيكون. والمثبت هو الصواب.
_________
(1)
البزار -كما في التلخيص الحبير 3/ 222.
(2)
النسائي 6/ 167، 168.
(3)
أبو داود 2/ 75 ح 2221.
(4)
علل ابن أبي حاتم 1/ 435 ح 1309، وسنن النسائي 6/ 168.
(5)
المحلى 11/ 264.
فأقر الله سبحانه الطلاق طلاقًا، وحكم في الإيلاء أن يمهل المؤلي أربعة أشهر، ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق، وحكم في الظهار بالكفارة، وأعلم سبحانه وتعالى بأنه محرم تحريمًا مغلظًا؛ لا فيه من المنكر والزور والكذب والإجماع على تحريمه.
واختلف العلماء فيما إذا شبهها بغير ظهر أمه؛ فذهب العترة ومالك والشافعي في أظهر قوليه أنه يكون ظهارًا. وقال في القول الآخر: لا يكون ظهارًا. وقال أبو حنيفة: يكون الظهار بالعضو الذي يحرم النظر إليه.
واختلفوا أيضًا إذا شبهها بغير الأم من المحارم؛ فذهب أكثر العترة إلى أنه لا يكون ظهارًا؛ نظرًا إلى ظاهر النص الوارد. وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه والناصر والإمام يحيى إلى أنه يصح بغير الأم من المحارم ولو من الرضاع؛ نظرًا إلى المعنى المعلل به، فيثبت بالقياس على الأم، إذ العلة التحريم المؤبد، وهو حاصل. وقال ابن القاسم من أصحاب [مالك] (أ): ولو من الرجال. وذهب مالك وأحمد والبتي إلى أنه ينعقد، وإن لم يكن المشبه به محرمًا على التأبيد كالأجنبية، بل قال أحمد: حتى في (ب) البهيمة.
وعموم الخطاب بالآية يقضي أن الظهار يصح من زوج مكلف حرًّا أم عبدًا، مسلمًا أم كافرًا، سليمًا أم خصيًّا أم مجبوبًا (جـ).
واشترط العترة وأبو حنيفة وأصحابه والنخعي الإسلام في المظاهر؛ لأن
(أ) في الأصل، جـ: الشافعي. والمثبت من المغني 11/ 59.
(ب) في جـ: من.
(جـ) غير منقوطة في الأصل، وفي جـ: مجنونا. والمثبت أنسب للسياق.
من لوازمه الكفارة، وهي لا تصح من الكافر، ولو كان التحريم يرتفع بغير الكفارة، لم يكن تحريم ظهار، فإن من لوازمه الكفارة إلا في المؤقت، ولم يشترطه الشافعي وأصحابه وزيد بن علي فقالوا: يصح من الكافر؛ لعموم الخطاب، ويكفر بالعتق والإطعام لا الصوم، فإنه متعذر في حقه. وأجيب بأن العتق والإطعام إذا خرجا لأجل الكفارة كانا قربة، وهي لا تصح من الكافر.
ولا يصح الظهار من الأمة المملوكة عند العترة والحنفية والشافعية؛ لأن قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِهِمْ} (1). لا يتناول المملوكة في عرف اللغة، وللاتفاق في الإيلاء أنها غير داخلة في عموم النساء، وقياسًا على الطلاق. وذهب مالك والثوري وعطاء وجماعة، وروى العمراني ذلك عن علي أنه يصح من الأمة؛ لعموم لفظ النساء. إلا أن عطاء قال: لا يجب إلا نصف الكفارة. وقال الأوزاعي: إن كان يطأ الأمة صح الظهار منها، وإن لم تكن موطوءة له فهي يمين يلزم فيها الكفارة، ويصح من الأمة المزوجة، والخلاف لموسى بن جعفر والبستي من الناصرية، قالوا: لأن المراد من قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِهِمْ} . الحرائر. والجواب أن الظاهر هو الزوجات.
ويصح من العبد لزوجته عند الأكثر، وقال قوم: لا يصح؛ لتعذر التكفير. والجواب أن الصوم لا يتعذر في حقه فيتعين عليه. وقال مالك: إنه يصح أن يكفر بالإطعام بإذن مولاه. وقال أبو ثور: إن أعطاه سيده عبدًا صح أن يكفر به. والجواب أن الإطعام والإعتاق فرعا الملك، وهو لا يملك.
(1) الآية 2 من سورة المجادلة.
واختلف العلماء في إضافة النساء إلى الضمير في قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِهِمْ} . هل هي في الزوجات، كما هو الظاهر؛ لدلالة الإضافة على الاختصاص، أو فيمن يصح للرجل نكاحها وإن لم تكن في الحال زوجة، والإضافة تصح لأدنى اختصاص؟ فقال بالأول الشافعي وداود وأبو ثور، وهو قول ابن عباس، وقال بالثاني مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي، وهو قول عمر رضي الله عنه، وفرق قوم بين أن يقول: كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي. فلا يصح، وبين أن يعين أو يقيد، بأن يقول: إن تزوجت فلانة. أو: من قرية كذا. أو: قبيلة كذا. فيصح، وبه قال ابن أبي ليلى.
واختلفوا أيضًا هل الظهار كالطلاق أو كاليمين؟ فمن قال بالأول، قال: لا يصح من المرأة الظاهرة من زوجها، ولا يلزم به شيء. وبه قال مالك والشافعي، ومن جعله كاليمين أوجب عليها كفارة ظهار، ومن العلماء من أوجب عليها كفارة يمين.
والحديث فيه دلالة على أنه يحرم وطء المُظاهرة قبل التكفير، هو مجمع على التحريم؛ لقوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (1). ولا يسقط بالوطء قبل التكفير ولا يتضاعف، بل هي بحالها كفارة واحدة كما قال صلى الله عليه وسلم:"حتى تفعل ما أمرك الله". قال الصلت بن دينار: سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل أن يكفر، فقالوا: كفارة واحدة. قال: وهم الحسن وابن سيرين [ومورق](أ) وبكر وقتادة وعطاء وطاوس ومجاهد
(أ) في الأصل، جـ: ومسروق. والمثبت من المحلى 11/ 263، والمغني 11/ 111.
_________
(1)
الآية 3 من سورة المجادلة.
وعكرمة. قال: والعاشر أراه نافعًا. وهذا قول الأئمة. الأربعة، وصح عن ابن عمر وعمرو بن العاص أن عليه كفارتين (1). وذكر سعيد بن منصور (2) عن الحسن وإبراهيم في الذي يظاهر ثم يطؤها قبل أن يكفر: عليه ثلاث كفارات. وذكر عن الزهري وسعيد بن جبير وأبي يوسف أن الكفارة تسقط. ووجهه أنه فات وقتها ولم يبق له سبيل [إلى](أ) إخراجها قبل المسيس. والجواب عن هذا أن فوات وقت الأداء لا يسقط الواجب في الذمة كالصلاة والصيام وسائر العبادات، ووجه وجوب الكفارتين أن إحداهما للظهار الذي اقترن به العود، والثانية للوطء المحرم، كالوطء في رمضان نهارًا، وكوطء المُحْرِم، ولا يعلم لإيجاب الثلاث وجه إلا أن يكون عقوبة على إقدامه [على الحرام](ب).
والحديث فيه دلالة على تحريم الوطء، واختلف العلماء في تحريم المقدمات؛ فذهب العترة وأبو حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي إلى أن حكمه حكم المسيس في التحريم، ولأنه شبهها بمن يحرم في حقها الوطء ومقدماته، وذهب الثوري وأحد قولي الشافعي إلى أنه لا تحرم؛ لأن المسيس هو الوطء وحده، ولا يشمل المقدمات إلا مجازًا، ولا يصح أن يراد؛ لئلا يجمع بين الحقيقة والمجاز. وذهب الأوزاعي إلى أنه يحل له الاستمتاع بما
(أ) في الأصل: على.
(ب) في الأصل، جـ: كالحرام. والمثبت أنسب للسياق.
_________
(1)
المحلى 11/ 263.
(2)
سنن سعيد بن منصور 2/ 17 ح 1833.
فوق الإزار كالحائض.
903 -
وعن سلمة بن صخر رضي الله عنه قال: دخل رمضان، فخفت أن أُصيب امرأتي، فظاهرت منها، فانكشف لي منها شيء ليلة، فوقعت عليها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حرر رقبة". فقلت: لا أملك إلا رقبتي. قال: "فصم شهرين متتابعين". قلت (أ): وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال: "أطعم عَرَقًا من تمر ستين مسكينًا". أخرجه أحمد والأربعة إلا النسائي، وصححه ابن خزيمة وابن الجاورد (1).
هو سلمة بن صخر البياضي بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء تحتها نقطتان وبالضاد المعجمة، أنصاري خزرجي كان أحد البكائين، روى عنه سليمان بن يسار وابن المسيب، قال البخاري (2): ولا يصح حديثه. يعني هذا الذي في الظهار.
الحديث رووه (ب) بلفظ: كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئًا، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تحدثني ذات ليلة، فكشف لي منها
(أ) في جـ: قال.
(ب) في جـ: رواه.
_________
(1)
أحمد 4/ 37، وأبو داود، كتاب الطلاق، باب في الظهار 2/ 272 ح 2213، والترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في كفارة الظهار، وكتاب تفسير القرآن باب ومن سررة المجادلة 3/ 503، 504، 5/ 377، 378، ح 1200، 3299، وابن ماجه كتاب الطلاق، باب الظهار 1/ 665 ح 2062، وابن الجاورد، كتاب الطلاق، باب في الظهار ص 281 ح 744.
(2)
التاريخ الكبير 4/ 72.
شيء، فما نشبت أن نزوت عليها. الحديث، وأعله عبد الحق (1) بالانقطاع، وأن سليمان لم يدرك سلمة، حكى ذلك الترمذي (2) عن البخاري. وقال الترمذي (3): اسم سلمة سلمان أيضًا. ورواه الحاكم والبيهقي (4) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أن سلمة بن صخر البياضي جعل امرأته عليه كظهر أمه إن غشيها حتى يمضي رمضان. والحديث استدل به الرافعي على صحة الظهار المعلق، ولفظ البيهقي فيه تعليق وتوقيت، والذي في "السنن" توقيت من دون تعليق.
الحديث دل على ترتيب خصال الكفارة كما نص عليه تعالى، وأن الواجب تقديم الإعتاق للرقبة إن أمكنت، وقد أجمع أهل العلم على الترتيب الذي ذكر الله سبحانه، وأطلق في الحديث كما في الآية الكريمة الرقبة، ولم يشترط فيها الإيمان كما قيدها سبحانه في آية القتل، فأخذ بالإطلاق طاوس والنخعي وزيد بن علي وأبو حنيفة وأبو يوسف وأجازوا عتق الذمية، ولم يؤخذ بالتقييد الذي في آية القتل لاختلاف السبب، وأشار الزمخشري (5) إلى أن القياس غير معتبر؛ لعدم الاشتراك في العلة، فإن المناسبة في آية القتل أنه لما أخرج رقبة مؤمنة من صفة الحياة إلى الموت كان كفارته (أ) إدخال رقبة مؤمنة في حياة الحرية، وإخراجها عن موت الرقيّة، فإن الرق يقتضي سلب
(أ) في جـ: كفارة.
_________
(1)
الأحكام الوسطى 3/ 205، 206.
(2)
الترمذي 5/ 379.
(3)
الترمذي 3/ 504.
(4)
الحاكم 2/ 204، والبيهقي 7/ 390.
(5)
ينظر الكشاف 1/ 553، 4/ 70.
التصرف عن المملوك، فأشبه الموت الذي يقتضي سلب التصرف عن الميت، وكان في إعتاقه إثبات التصرف، فأشبه الإحياء الذي يقتضي إثبات التصرف للحي. وذهب أكثر العترة ومالك والشافعي إلى أنه لا يجزئ إعتاق الكافرة، وذلك لأنه لما قيد في كفارة القتل بالإيمان، فكذلك يقيد المطلق (أفي كفارة أ) الظهار وإن اختلف السبب. وفي السنة ما يدل على اشتراط الإيمان في الكفارة، كما روي عن معاوية بن الحكم (1) السلمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن جارية لي كانت ترعى غنمًا، فجئتها وفقدت شاة من غنمي، فسألتها عنها، فقالت: أكلها الذئب. [فأسِفْتُ](ب) عليها، وكنت من بني آدم، فلطمت وجهها، وعلي رقبة، أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أين الله؟ ". فقالت: في السماء. فقال: "من أنا؟ ". فقالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة". فسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها عن الإيمان، وعدم سؤاله عن صفة الكفارة وسببها، وترك الاستفصال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، وهذه قاعدة بنى عليها الشافعي في كثير من المواضع، وإطلاق الرقبة يتناول إجزاء المعيبة (جـ) بأي عيب كان، وقد ذهب إليه أكثر العترة وداود، وذهب أبو ثور والليث وزفر إلى أنه لا يجزئ المعيب قياسًا على الهدايا والضحايا بجامع التقريب إلى الله تعالى، وذهب الشافعي إلى أنه إن كان كامل المنفعة
(أ- أ) في جـ: بكفارة.
(ب) في الأصل، جـ: فالتفت. والمثبت موافق لما في مصدر التخريج.
(جـ) غير واضحة في جـ، وفي الحاشية: المعتقة قيل إنه المعيبة.
_________
(1)
مسلم 1/ 381، 382 ح 33/ 537.
كالأعور أجزأ، وإن نقصت منافعه لم يجزئ، إذا كان ذلك ينقصها نقصانًا ظاهرًا كالأقطع والأعمى؛ إذ العتق تمليك المنفعة وقد نقصت، وذهب أبو حنيفة إلى أن المعتبر كمال الأعضاء والمنافع، فلا يجزئ ذاهب عضوين أخوين، ولا أصم ولا أبكم، ولا ذاهب رجل ويد من جانب، ويجزئ من خلاف. وتجزئ الأمة الرتقاء عند الهدوية والحنفية والشافعية، والمجبوب ونحوه، خلافًا لمالك، ومن أطبق جنونه فللشافعي فيه قولان، ويجزئ ولد الزنى خلافًا للأوزاعي والزهري وطاوس والنخعي والشعبي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ولد الزنى شر الثلاثة"(1). وقال الشافعي: لا يجزئ ذو المرض الخوف كالسل والإسهال والحمى المطبقين (أ)، ولا مقطوع الإبهام أو أصبعين من يد، أو أنملتي السبابة والوسطى لا الخنصر والبنصر، ولا أصلخ، بالصاد المهملة والخاء المعجمة، وهو الذي لا يتكلم ولا يسمع. وفي "القاموس" (2): هو الأصم. ويجزئ المدبر عند العترة والشافعي والبتي؛ لكمال رقِّه، إذ يجوز بيعه في حال. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجزئ؛ إذ استحق العتق بالتدبير. ولا تجزئ أم الولد عند من حرم بيعها، لاستحقاقها العتق. وذهب الباقر والصادق والإمامية ورواية عن الشافعي إجزاؤها.
ولا يجزئ المكاتب إذا كره فسخ الكتابة، وذهب إلى هذا الهدوية والشافعي ومالك والأوزاعي والثوري، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا قد
(أ) في جـ: المطبقة.
_________
(1)
أبو داود 4/ 28 ح 3963، والنسائي في الكبرى 3/ 178 ح 4930.
(2)
القاموس المحيط (ص ل خ).
أدى شيئًا من مال الكتابة لم يجز وإن رضي بالفسخ؛ لكونه صار غير كامل.
وذهب أبو ثور وابن أبي ليلى إلى أنه يجزئ ما بقي عليه درهم لبقاء الملك، ولا يجزئ ذو رحم محرم، لاستحقاقه الحرية بملكه، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه إذا تملكه ناويًا لعتقه عن الكفارة أجزأ عن الكفارة؛ لأنه اقترن سببا العتق، وهما الملك والعتق عن الكفارة، فيرجح العتق عن الكفارة؛ لما فيه من القربة؛ ولفظ الرقبة ظاهر في كمالها، فلا يجزئ عتق البعض، والأصح عند الشافعية أنه يصح عتق البعض ويجزئ إذا كان الباقي جزءًا؛ لأنه يتبعض العتق عندهم ولا يسري، [وأما](أ) على قول من يقول بالسراية، فلا يصح ذلك، إلا أن الهدوية وأبا يوسف ومحمدًا يقولون في المشترك إذا أعتقه أحد الشركاء: فإن كان موسرًا فهو ضامن لحصة الشريك، فهو كمعتق الكل فيجزئه، وإن كان معسرًا لم يجزئه؛ لوجوب السعاية على العبد، فلم يكن معتقًا للكل، ومقتضى قواعد الهدوية لا بد أن ينوي عتق الجميع؛ لأنهم اشترطوا أن يتناول العتق كل الرقبة، فلو نوى عتق حصته لم يجزئه؛ ولو ضمن النصف الآخر. وقال أبو حنيفة: لا يجزئ مطلقًا لتبعيض العتق؛ لأنه لا يعتق إلا نصيبه ويبقى نصيب الشريك. ومثله عن الناصر إلا أنه يقول بوجوب السعاية عن الموسر والمعسر.
ويجزئ عتق من كان مغصوبًا على مالكه لكمال الملك خلافًا لأكثر أصحاب الشافعي؛ لأنه مغلوب على منافعه، فلا يحصل القصد بالعتق، والجواب بأن الحرية قد حصلت وإن كانت منافعه مغصوبة. ولا يجزئ عتق
(أ) ساقط من: الأصل.
نصفين من عبدين، وقال الشافعي: يجزئه، إذ النصفان كالرقبة الكاملة.
قوله: قال: "فصم شهرين متتابعين". والمعتبر في الشهر برؤية الهلال إذا صام من أوله، وإن كان ناقصا عن الثلاثين، وإن ابتدأ الصوم بعد مضي يوم أو أيام وجب عليه إتمام ثلاثين يومًا، وإن أفطر وجب الاستئناف إلا لعذر كالمرض، أو السفر الذي يخشى الضرر من الصيام فيه، أو لتخلل "أيام العيدين والتشريق، وإذا وطئ في الشهرين استأنف فيها؛ لأنه سبحانه قال:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (1). فلا بد أن يكون الصيام متقدما على التماسِّ، إلا أنه إن وطئ نهارًا متعمدًا استأنف إجماعًا؛ لقوله تعالى:{مُتَتَابِعَيْنِ} . وإن وطئها ليلًا فذهب البصري والهدوية وأبو حنيفة ومحمد والثوري والنخعي إلى أنه يستأنف ولو ناسيًا؛ لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} . وذهب الشافعي وأبو يوسف إلى أنه لا يضر ويجوز؛ إذ علة النهي إفساد الصوم، ولا فساد بوطء الليل. والجواب أن الآية عامة. وإن وطئ نهارًا ناسيًا استأنف أيضًا عند البصري والنخعي والثوري والهدوية وأبي حنيفة ومحمد؛ إذ الآية عامة، وذهب الناصر والإمام يحيى والشافعي وأبو يوسف إلى أنه لا يضر؛ لأنه لم يفسد الصوم، فكذا التتابع، والجواب أنه ليس العلة فساد الصوم، وإنما عموم الدليل للأحوال كلها دل على أنه لا تتم الكفارة به إلا من قَبل التماس. وسر المسألة أنه سبحانه أوجب أمرين؛ أحدهما تتابع الشهرين، والثاني وقوع صيامهما قبل التماس، فلا يكون قد أتى بما أمر به إلا بمجموع الأمرين.
(1) الآية 4 من سورة المجادلة.
وإن أفطر لعذر مأيوس ثم زال بنى على صومه عند الهدوية ومالك وأحمد وأحد قولي الشافعي، وقال أبو حنيفة وللشافعي: بل يستأنف لاختياره التفريق. قلنا: العذر صيره كغير الختار. وإن كان العذر مرجوًّا، فكذلك يبني (أ) عليه عند أبي طالب وأبي العباس. وقال المؤيد بالله والإمام يحيى والناصر: لا يبني عليه، لأن الرجاء صيره كالمختار. والجواب أنه لا اختيار مع العذر.
واعلم أن ظاهر قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ} . أنه لا يعدل إلى الصوم [إلا](ب) إذا لم يجد الرقبة، وأما إذا وجدها وإن كان يحتاجها لخدمته للعجز، فلا يصح منه الصوم، ولا يقاس ما هنا على التيمم، فإنه يصح وإن وجد الماء إذا احتيج إليه، وذلك لأن التيمم قد شرع مع العذر، فكأن الاحتياج إليه كالعذر. والصوم قال سبحانه فيه:{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} . ومن له عذر كالزمانة والمرض، هو غير مستطيع، فيجوز له العدول إلى الإطعام، إلا أن ظاهر حديث أوس أن شدة الشبق إلى الجماع يكون عذرًا في العدول إلى الإطعام وإن لم يحصل عليه ضرر في تركه، وللشافعية في ذلك نظر، هل يكون عذرًا حتى يعد صاحبه غير مستطيع للصوم أو لا؟ والصحيح عندهم اعتبار ذلك، ويلحق به من يجد رقبة لا غناية عنها، فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها؛ لكونه في حكم غير الواجد.
(أ) في جـ: ينبني.
(ب) ساقط من: الأصل.
والإطعام هو كما نص عليه تعالى "إطعام ستين مسكينًا"، (أولا بد أن يكون ستين مسكينًا أ) عند الهدوية ومالك وأحمد والشافعي، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحد قولي زيد بن علي وأحد قولي الناصر إلى أنه يقوم مَقام ذلك إطعام واحد ستين يومًا أو أكثر من واحد بقدر طعام ستين مسكينًا، قالوا: لأنه في اليوم الثاني مستحق كقبل الدفع إليه. والجواب أن الظاهر من الآية الكريمة هو تغاير المساكين بالذات، ولأحمد ثلاثة أقوال؛ كقول الجمهور، وكقول أبي حنيفة، والثالث: إن وجد غير المسكين لم يجز الصرف إليه، وإلا أجزأ إعادة الصرف إليه. وهو أصح الأقوال على مذهبه.
وقوله: "أطعم عرقا من تمر". لفظ الترمذي (1) في رواية له: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفروة بن عمرو: "أعطه ذلك العَرَق -وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعًا، أو ستة عشر صاعًا- أطعم (ب) ستين مسكينًا". وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(2)، وفي رواية له (3) قال:"اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق (جـ) فقل له، فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقًا ستين مسكينًا، ثم استعن (د) بسائره عليك وعلى عيالك". وفي رواية لأبي داود
(أ - أ) ساقط من: جـ.
(ب) في مصدر التخريج: إطعام.
(جـ) في جـ: رزيق. وينظر جمهرة أنساب العرب ص 357.
(د) في جـ: استغن.
_________
(1)
الترمذي 3/ 503، 504 ح 1200.
(2)
عبد الرزاق 6/ 431 ح 11528.
(3)
الترمذي 5/ 377، 378 ح 3299.
والترمذي (1): قال: "فأطعم وسقًا من تمر بين ستين مسكينًا". وجاء في رواية أبي داود (2) في حديث أوس بن الصامت قال: " (أفإني سأعينه أ) بعَرَق من تمر". قلت: يا رسول الله، وإني أعينه بعَرَق آخر. قال:"قد أحسنت". قال: "فأطعمِي بها عنه ستين مسكينًا". قال: والعَرَق ستون صاعًا. وفي رواية أخرى (3) نحوه إلا أنه قال: والعَرَق مكتل يسع ثلاثين صاعًا. قال أبو داود: هذا أصح الحديثين. وفي رواية عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: العَرَق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعًا (4). وفي رواية لهذا الخبر (5): قال: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فأعطاه إياه، وهو قريب من خمسة عشر صاعًا. وفي رواية أخرى (6): أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسة عشر صاعًا من شعير إطعام ستين مسكينًا. وهي من رواية عطاء عن أوس، قال أبو داود (6): لم يدرك عطاء أوسًا. وفي رواية عبد بن حميد (7) عن عكرمة قال: فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من تمر، فقال له:"خذ هذا فاقسمه". فقال: ما بين لابتيها أفقر مني! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كله أنت وأهلك". وفي رواية عبد
(أ - أ) في مصدر التخريج: فأتي ساعتئذ، وأشار في حاشية عون المعبود أنه في نسخة: فإني سأعينه. كما هنا. عون المعبود 2/ 234.
_________
(1)
أبو داود 2/ 272، 273 ح 2213، والترمذي 5/ 377، 378 ح 3299.
(2)
أبو داود 2/ 273 ح 4/ 22 من حديث خويلة بنت مالك بن ثعلبة.
(3)
أبو داود 2/ 273، 274 ح 2215.
(4)
أبو داود 2/ 274 ح 2216.
(5)
أبو داود 2/ 274 ح 2217.
(6)
أبو داود 2/ 274 ح 2218.
(7)
عبد بن حميد -كما في الدر المنثور 14/ 307.
ابن حميد (1) عن يزيد بن زيد الهمداني: فأعانه النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعًا. إلخ. وفي رواية ابن سعد (2) عن عمران بن أنس ذكر القصة إلى أن قال: "فمريه فليأت أم المنذر بنت قيس، فليأخذ منها شطر وسق، فليتصدق به على ستين مسكينًا". [قال](أ): فجعل يطعم مدين من تمر كل مسكين. وأخرج الطبراني (3) من حديث ابن عباس القصة بطولها إلى أن قال: "فمريه فلينطلق إلى فلان فليأخذ منه شطر وسق من تمر، فليتصدق به على ستين مسكينًا وليراجعك". فالحديث اختلفت الروايات في قدر ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وما أعان المذكورَيْن (سلمة بن صخر وأوس بن الصامت)(ب)، والعلماء اختلفوا في ذلك أيضًا؛ فذهب الهدوية والمؤيد بالله وأبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أن الواجب ستون صاعًا من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب، أو نصفه من بر، ولأبي حنيفة رواية أن الزبيب كالبر لكل مسكين نصف صاع. قال الإمام المهدي في "البحر" (4): لإعانته صلى الله عليه وسلم سلمة بن صخر بستين صاعًا تمرًا، فقيس عليه غيره. انتهى. وأنت خبير بما قدمنا من الروايتين فلا يتم الاحتجاج، وقال الشافعي: الواجب لكل مسكين مد، والمد ربع الصاع، وهو مد النبي صلى الله عليه وسلم. قال الإمام المهدي (5) في الاحتجاج
(أ) في الأصل: قالت.
(ب) ساقط من: جـ. والمثبت من هامش الأصل.
_________
(1)
عبد بن حميد -كما في الدر المنثور 14/ 307، 308.
(2)
ابن سعد 3/ 547، 548.
(3)
الطبراني 11/ 264 - 266 ح 11689.
(4)
البحر 3/ 183.
(5)
البحر 3/ 249.
له: لإعانته صلى الله عليه وسلم الواطئ في رمضان بعَرَق خمسة عشر صاعًا تمرًا، قلنا: في كفارة وطء رمضان لا الظهار، فافترقا، سلمنا، فحديث سلمة بن صخر أرجح، إذ هو صاحب القصة، وصاحب العَرَق مجهول. انتهى كلامه.
ولا يخفى ما فيه من القصور، فإن حديث سلمة فيه الرواية بخمسة عشر صاعًا، وأكثر الروايات لحديث أوس بن الصامت، ومع التعارض فالترجيح للكثرة، وأكثر الروايات بخمسة عشر صاعًا، واختلفت الرواية عن مالك، فرواية كالشافعي (أ)، والمشهورة عنه أنه مد بمد هشام، ومد هشام مد ونصف مد بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: مدان. وقيل: مد وثلث. لأن به يحصل الكفاية (ب) في الغداء والعشماء، وأنكر الشافعي هذا على مالك، فقال: من شرع لكم مد هشام وقد أنزل الله تعالى الكفارات على نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن يولد هشام؟! وفي رواية عن أبي حنيفة أن لكل مسكين مدين (جـ) قياسًا على فدية الأذى كما في حديث كعب بن عجرة (1).
والحديث فيه دلالة على أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن أنواعها، وهذا قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد، وذهبت طائفة إلى سقوطها بالعجز كما تسقط الواجبات بالعجز عنها وعن أبدالها، وذهبت طائفة إلى أن كفارة رمضان لا تبقى في ذمته بل تسقط، وأما غيرها فلا تسقط، وهذا الذي صححه أبو البركات بن تيمية، واحتج القائل بسقوطها بأن النبي صلى الله عليه وسلم
(أ) في جـ: الشافعي.
(ب) في جـ: الكفارة.
(جـ) في جـ: مد. وينظر تفسير القرطبي 17/ 286.
_________
(1)
تقدم ح 573.
أمره أن يأكلها هو وعياله، والرجل لا يكون مصرفًا لكفارته، كما لا يكون مصرفًا لزكاته، وأرباب القول الأول يقولون: إذا عجز عنها وكفر الغير عنه جاز أن يصرفها إليه كما في قصة المجامع في نهار رمضان. وهذا مذهب أحمد؛ رواية واحدة عنه في كفارة وطء رمضان، وروايتان في سائر الكفارات، وفي بعض روايات الحديث دلالة على أنه إذا أعسر بالكفارة وكفر عنه غيره، جاز صرف كفارته إليه، وقريب من هذا الزكاة إذا قبضها منه الإمام صح أن ترد إليه كما ذكره الهدوية، وهي الرواية الصحيحة عن الإمام أحمد.
واعلم أن قصة سلمة بن صخر لم تكن هي السبب في نزول الآية الكريمة الواردة في الظهار، وأن ظاهر القصة كما في بعض رواياتها، أنه ظاهر ظهارًا مؤقتًا في شهر رمضان تحرزًا أن يفاجئه طلوع الفجر وهو مباشر لزوجته، كما في بعض الروايات مصرحًا بذلك، لما كان عليه من شدة الداعي إلى النكاح، وإن صادفه الفجر وهو مباشر للزوجة لا يقدر على النزع، فظاهر منها إلى انقضاء شهر رمضان، وأنه قد كان نزل آية الظهار فعرف حكمه. وأما سبب الآية فهو قصة أوس بن الصامت، وكان الظهار في الجاهلية طلاقًا، ولذلك جادلت زوجته في ذلك؛ فقال الإمام المهدي في "البحر": إن السبب هو قصة أوس كما في رواية البخاري، أو قصة سلمة كما في رواية الترمذي، وهم، وقد عرفت ما تلوناه عليك من روايات الترمذي، وقد استشكل التقي السبكي شمول الآية الكريمة لقصة أوس بن الصامت من جهة تقدم السبب وتأخر النزول، فكيف ينعطف على ما مضى مع أن الآية لا تشمل إلا من وجد منه الظهار بعد نزولها؛ لأن قوله تعالى: {الَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ} (1). مبتدأ متضمن لمعنى الشرط بدليل الفاء في قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (2). والمبتدأ المتضمن لمعنى الشرط مستقبل. وأجاب عنه بأن دخول الفاء في الخبر يستدعي العموم في كل مظاهر، وذلك يشمل الحاضر والمستقبل. قال: وأما دلالة الفعل على الاختصاص بالمستقبل ففيه نظر. كذا قال. انتهى.
وأنت خبير بأن هذا الجواب لا يدفع الإشكال. ويمكن أن يقال: إن الآية الكريمة تدل على ما ذكر، ودخول قصة أوس ثبتت ببيان النبي صلى الله عليه وسلم أن الآية الكريمة في حقه وفي حق من سيكون منه في المستقبل، أو أن المقام مقام الماضي؛ لأنه في بيان حكمه، إلا أنه عبر بصيغة المستقبل مجازًا، للتنبيه على أن الحكم لا يختص به، وأن ذلك له ولغيره، ورجح التعبير بالمستقبل؛ لأن المقصود الأصلي هو شرع الحكم في المستقبل، ومثل هذا واقع كثير.
وتدل قصة أوس بن الصامت على أنه إذا قصد بلفظ الظهار الطلاق لم يقع الطلاق وكان ظهارًا، وقد ذهب إلى هذا أحمد بن حنبل والشافعي وغيرهما والإمام يحيى، قال الشافعي: ولو ظاهر يريد طلاقًا كان ظهارًا، أو طلق يريد ظهارًا كان طلاقًا. هذا لفظه، ونص أحمد أنه إذا قال: أنت علي كظهر أمي. أعني به الطلاق. كان ظهارًا ولا تطلق به. وكذا قال في "البحر" بعد ذكر كلام الإمام، إذ لا حكم لنيته ما لم يوضع له اللفظ حقيقة أو مجازًا. وعلله ابن القيم في "الهدي"(3) بأن الظهار كان طلاقًا في
(1) الآية 2 من سورة المجادلة.
(2)
الآية 3 من سورة المجادلة.
(3)
زاد المعاد 5/ 327.
الجاهلية فنسخ، فلم يجز أن يعاد إلى الأمر المنسوخ، وأيضًا فأوس بن الصامت إنما نوى به الطلاق لما كان عليه، وأجرى عليه حكم الظهار دون الطلاق، وأيضًا فإنه صريح في حكمه، فلم يجز جعله كناية في الحكم الذي أبطله الله بشرعه (أ)، وقضاء الله [أحق](ب)، وحكم الله أوجب. قال: وفيه خلاف شاذ أنه يكون طلاقًا. وقواه الإمام المهدي، قال في "البحر": قلت: بل تطلق إذ هو كناية طلاق، إذ كان موضوعًا له في الابتداء. والجواب عنه ما مر من كلامه. وأما قول الإمام في "البحر": قلت: وخبر أوس مخالف للقياس، إذ قصد به الطلاق حيث كان طلاقًا في الجاهلية، ولقول امرأته خولة: اللهم إن أوسًا طلقني. الخبر. والمعلوم أن من قصد به الطلاق لم يكن مظاهرًا، لكن لما أراد الله سبحانه نقل هذا اللفظ في الشرع عن التحريم المطلق إلى تحريم خاص، جعل طلاق أوس ظهارًا ترخيصًا له لأجل شكاء زوجته وابتهالها كما حكى الله عنها، وأعلى ما ينقل اللفظ إلى معنى آخر وهو الظهار، ما لم يصرفه اللافظ إلى غير ما نقل إليه، فلا يقاس على حكم أوس فيمن قصد بظهاره الطلاق؛ لخصوصيته بما (جـ) ذكرنا، وهذا أمر واضح اقتضاه البرهان كما ترى. انتهى.
فقوله: مخالف للقياس. غير مستقيم، إذ هذا من إثبات حكم شرعي مخالف لما كان عليه في الجاهلية، فلم يكن هناك قاعدة شرعية عامة أخرج هذا الحكم من بين أفرادها حتى يكون مخالفا لقياسها، فإن الشرع إذا جعل
(أ) ساقط من: جـ.
(ب) ساقط من: الأصل، جـ. والمثبت من مصدر التخريج.
(جـ) في جـ: لما.
هذا اللفظ لا يحتمل الطلاق بصريحه ولا يتعلق به، وبيّن أنه منكر من القول وزور -لم يكن حقيقة ولا مجازًا في الطلاق، فالحكم ثابت فيه وفي غيره؛ إما بالقياس أو بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم:"حكمي على الواحد حكمي على الجماعة"(1). وهذا وإن كان فيه مقال، فقد ثبت من طريق صحيحة:"ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة"(2). وهو في معناه فتنبه لذلك.
(1) ينظر كشف الخفاء 1/ 364 ح 1161.
(2)
أحمد 6/ 357، والترمذي 4/ 129 ح 1597، والنسائي 7/ 152.